-->

الفصل الأخير - مرآة مزدوجة




 الفصل السابع والعشرون والأخير



« عادت ليليان ذلك اليوم تصرخ بسعادة أن عمر قد عرض عليها الزواج، كانت صدمة كبيرة بالنسبة إليّ ولوالدتي، فرغم شعورنا بحدوث شيء بينهما إلا أننا لم نتوقع أن عمر سيأخذ خطوة جادة بهذه السرعة، رُحت أصرخ بسعادة بدوري وأقفز مع ليليان التي لم تصدق ما يحدث حولها بحق بينما أطلقت والدتنا الزغاريد، كان أكثر الأيام سعادة التي مرت عليّ،فقد استمرت تلك الصيحات والرقصات والقفزات الخرقاء لوقت طويل، لم أفهم حتى الآن لماذا كنا سعداء لتلك الدرجة، ربما لأن ليليان قد حصلت على ما تريد، ربما لا أعلم ولكن كل كا أعلمه أننا تحولنا للهنود الحمر الذين يرقصون بحركات خرقاء حول النيران كما يوجد بالأفلام، وبعد أن هدأت نوبتنا الهيستيرية تلك، جلسنا وتحدثت والدتي إلى خالي وعادل لتحدد الميعاد المناسب معه، ثم هاتفت ليليان عمر وأخبرته أنها أخذت موعد ليأتي لمنزلنا، وبالفعل أتى عمر ووالداه في الموعد، جلسوا وتحدثوا مع خالي ووالدتي، ثم دعوا ليليان لتقديم القهوة كما المعتاد في جلسات كتلك، كنت أرى السعادة على وجه والديّ عمر، فقد ظلت والدته تتحدث مع ليليان كثيرًا وحول كل شيء وقد بدا عليها الرضى التام، إلا أنها أبدت تعليقًا حول عدم ارتداء ليليان للوشاح، لم يلاحظ أحدهم هذا التعليق سواي أنا وليليان، ولكن عندما بدا على ليليان الوجوم حاولت والدة عمر تغيير مجرى الحديث حتى تعود ليليان للابتسام، كان يومًا لطيفًا مع عائلة أكثر لطفًا مراعية لمشاعر الغير، كوني لاحظت هذا جعلني سعيدة للحياة اللطيفة الهادئة التي تنتظر شقيقتي العزيزة، أشعر بعجزي عن الكتابة لفرط سعادتي لما يحدث من حولي، فاليوم هو يوم خطبة ليليان، أشعر بمزيج من المشاعر التي تجعلني أحيانًا أقف كالصنم لا أعرف ماذا أفعل، أشعر بالسعادة لشقيقتي وتزداد سعادتي عندما أرى كيف هي مبتهجة وسعيدة تكاد تطير مثل الفراشات، ولكني أعود للتذكر أنها سترحل قريبًا، فأصبح حزينة وأريد البكاء، ولكني أحاول التحلي بالقوة وأن أظهر سعادتي وحسب، فليليان ليست بحاجه لرؤية الحزن والهم الذي يغلف قلبي أنا وأمي، يكفي تلك الدموع التي تذرفها أمي من الحين إلى الآخر عندما علقنا الزينة بالمنزل، وعندما ابتاعنا الفستان الذي سترتديه ليليان بالخطبة، كلتانا سعيدتان لأجلها، وقد اطمئننا أنها ستعيش حياة جيدة مع عمر وعائلته، كانت أمي لا تستحب فكرة أن تقيم ليليان مع عائلة عمر، فهذا ما ظنته عندما علمت أن عمر وحيد والديه، ولكنها عادت الابتهاج عندما علمت أن عمر لا ينوي هذا وأنه سيبحث عن شقة منفصلة له وليليان ولكن تكون قريبة من والديه حتى يستطيع زيارتهما من حين إلى آخر وطمئنها عندما أخبرها عمر أنه يرغب بحياة زوجية خاصة به، وهذا كان كافي لإعادة البهجة على وجه أمي، فرغم أن جلستنا مع عمر وعائلته كانت لطيفة، إلا أنها كانت بها العديد من الأحاديث الشائكة والتي كانت يمكن أن تنهي تلك العلاقة قبل أن تبدأ حتى، ولكن الأمر مضى بسلام ونجحت تلك الجلسة. »


تنهدت ليلى مبتسمة وتوقفت عن الكتابة للحظة، ولكن قبل أن تعود للكتابة مجددًا قاطعتها قائلة بلهجتها العنيفة المعتادة:


- محبكتش يعني تكتبي دلوقت، ورانا هم ما يتلم يا ليلى عايزين نجهز البت ولا ناوية تطفشي عريسها زي..


قاطعتها ليلى وصاحت:


- خلاص، خلاص عرفت أنا جاية. 


تركت ليلى الدفتر والقلم ليعبث بهما نعناع ودلفت غرفتها التي جلست بها ليليان متردية فستانها تنتظر أن تأتي شقيقتها لمساعدتها، قامت ليلى بوضع مساحيق التجميل على وجه شقيقتها بطريقة آلية، فقد كان ذهنها شاردًا، أرادت أن تتحدث عن سليم قليلًا وعن التزامه باتفاقهما وابتعاده عنها كليًا، أرادت أن تتحدث عن افتقادها لطريقته في الحديث ولشعره الذي يبعثره كل ثانية تقريبًا، تشعر بالحزن كونه التزم بالاتفاق، فرغم أنها تعلم أن هذا هو الصواب وأنها هي من طلبت هذا لمعرفتها بخطأ علاقتهما، إلا أنها داخليًا أرادت أن يحاول استدراجه لأي حديث قد يخطر على باله، تنهدت ليلى بعد أن انتهت سريعًا، فليليان لا تفضل أن تضع الكثير من مساحيق التجميل رغم أنها تجعلخا أجمل، ولكنها تكتفي فقط باخفاء علامات الإرهاق عن وجهها، انحنت ليلى لتكون في طول شقيقتها الجالسة وعانقتها بصمت، بينما ابتسمت ليليان بلطف وبادلتها العناق، هي تعلم أن ليلى حزينة رغم ما تحاول ابدائه من سعادة، ولكنها لا تريد أن يتركها شخص تحبه ويذهب، فهي شديدة التعلق بكل ما يحيطها ولن تستطيع تقبل أن شقيقتها ستتزوج بسهولة، فصلا عناقهما بينما رسمت ليلى ابتسامة خفيفة على وجهها وقالت:


- مبارك يا لولي، عقبال الفرح. 


ابتسمت ليليان بينما تدخلت هاجر لتعكر هذه اللحظة العاطفية وبدأت تمازح ليليان وشاركتها ليلى لكي تنفض عن عقلها الأفكار السلبية.


❈-❈-❈


- ها؟ الرمادي ولا الكحلي؟ 


قال سليم بنفاذ صبر وهو يلوح ببذلتين أمام علي ووالده الذي قال:


- يا ابني ما تقيس وتورينا. 


قال سليم بتذمر:


- لا ما هو أنا مكسل. 


مسح علي على وجهه بسئم وقال:


- يا ابني اخلص واختار علشان آخد التانية. 


نظر له سليم بازدراء وقال:


- أوف يا الله كل حاجه لازم يشاركني فيها! 


صاح علي بملامح مندهشة:


- البدل دي بتاعتي أصلًا! 


ضحك سليم بحرج وقال:


- أنا وأنت واحد يا علولي. 


ثم وضع البذلتين على فراشه وسحب هاتفه ثم قام بتصويرهما وقال وهو يغادر الغرفة:


- خلاص أنا هاخد رأي ليلى، وبالمرة أقولها إني جاي علشان متتخضش. 


أوقفه والده قائلًا:


- لا لحظة هي متعرفش حتى الآن؟ 


استدار سليم ليواجهه مبتسمًا ابتسامة جعلت والده يصفع وجهه بيأس ونظر لعلي الذي كان يكتم ضحكاته بصعوبة وقال:


- مفيش فايدة يا بابا متاخدش في بالك. 


تركهما سليم بتحسران عليه وتوجه للشرفة ليبعث لليلى الصورة وأرفق أسفلها: « اختاري الرمادي ولا الكحلي؟ »


وصلت رسالة لليلى، فنظرت ليلى لهاتفها فوجدتها رسالة من سليم، لتشعر ليلى باضطراب وشعرت أنه يحاول استدراجها مثلما فعل قبلًا؛ لهذا فتحت الرسالة بفضول لترى ما هي الحيلة الجديدة، لتجدها صورة لبذلتين واحدة رمادي والأخرى كحلية، كانت على وشك أن تجيب عن تساؤله، لولا الاتصال الذي جائها والذي كان بالطبع سليم، غادرت ليلى غرفتها وتوجهت محو الشرفة للابتعاد عن الجميع وأجابت مكالمته، ليقول سليم حالما أجابت:


- اختاري لون البدلة علشان محتار. 


قطبت ليلى جبينها بتعجب وقالت:


- ليه هو أنت رايح مناسبة؟ 


أجاب سليم بتلقائية:


- أيوه، خطوبة أختك. 


ضحكت ليلى باستنكار وقالت:


- هو حد دعاك أصلًا؟ 


أومأ سليم وكأنها تراه وقال بنفس النبرة التلقائية:


- أه أنا دعيت نفسي وهجيب علي معايا كمان. 


- كمان؟ 


كررت ليلى كلمته باستنكار، فأجاب سليم مبتسمًا بمكر:


- أصل علي عاقل وهيعرف يتكلم مع أهلك علشان نحدد معاد وأجيب بابا وماما. 


شعرت ليلى بالاضطراب والتوتر يزدادان بداخلها، حاولت ليلى أن تخفف من توترها فعبثت بشعرها وقالت بخفوت حتى لا يتضح التوتر بداخلها:


- هيجوا ليه يعني؟ 


كانت ليلى تعلم السبب، ولكنها أن تتأكد، فهي ما زالت لا تصدق ما يقوله؛ لأن سليم لطيف بطبعه ويحب أن يبدو ماكرًا، فيقول كلمات كتلك، بينما ابتسم سليم وقد وصله تشككها، فأجاب لتكون جملته تلك الفاصلة:


- علشان نطلب ايدك، مش معقولة يعني اختك تتجوز وأنتِ لا. 


حسنًا هو الآن يؤكد على شكوكها، الآن كل شيء واضح، هذا يجعلها تشعر بمزيد من التوتر، ولكنها يجب أن تتأكد أنه يختارها عن اقتناع تام، فقالت:


- ليه؟ ليه يعني عايز تطلب ايدي؟ 


تنهد سليم مطولًا وأجاب:


- علشان أنا ببساطة مش عايز التزم بالاتفاق الغبي بتاعك ده، عايز أفضل بتكلم معاكِ وانكشك وأهزر معاكِ وأقعد أسمع نقاشاتك الفلسفية عن الوجودية وعلشان عايز أعمل حاجات كتيرة وعايزك تشاركيني في كل ده. 


ابتسمت ليلى ببلاهة وشعرت بالخجل، كان قلبها يحلق بسعادة بسبب بضع كلمات لطيفة صادقة تصدر منه، كل تلك المشاعر التي تضاربت بداخلها جعلتها عاجزة عن الحديث، فقالت:


- سليم أنا هقفل دلوقت علشان ليليان محتاجاني. 


ابتسم سليم وأغلق المكالمة، رغم أنه لم يحصل على إجابتها في ماذا عليه أن يرتدي، ولكنه شعر بالسعادة عندما وصله خجلها وتوترها، هذه إشارة جيدة، أمسك الهاتف ودلف وصاح:


- هاخد الكحلي يا علي! 


بينما دلفت ليلى الغرفة شاردة لتواجهها هاجر قائلة:


- كنتِ فين يا هانم؟ 


نظرت لها ليلى ولليليان بوجوم للحظة، قبل أن تصرخ بحماس:


- سليم عايز يجي يطلب ايدي! 


صرخت الفتاتان بدورهما، لتأتي والدة ليلى وليليان على اثر تلك الصرخات وقالت بفزع:


- في ايه؟ 


قالت هاجر لاهثة:


- البيه جاي يتجوز الهانم، والله كنت حاسة! 


نظرت لهم والدة ليلى بتعجب، لتضحك ليلى بخفوت وقالت موضحة:


- سليم اتصل بيا وعايز يجي الخطوبة بليل علشان يتكلم معاكِ قبل ما يجيب أهله ويطلب ايدي. 


نظرت لها والدتها بدهشة للحظة قبل أن تطلق الزغاريد وتتشارك الضحكات والسعادة مع ابنتيها وصديقتهما.


❈-❈-❈

كان عمر يحاول ربط ربطة العنق حول رقبته، ولكنه فشل كعادته، فأتت والدتها لتعقدها له مبتسمة، قالت بعد لحظة من الصمت وكأنها تحادث نفسها:


- البنت ممتازة وهتسعدك، صحيح إنها مش محجبة، بس مش مهم هعرف أقنعها قريب، إن شاء الله. 


ابتسم عمر وقبل رأسها، وعندما انتهت توجه نحو والده وقبل يده وقال:


- جاهز يا أستاذ سعيد؟ 


ابتسم والدها وأومأ والده، بينما ذهبت والدته لتفتح الباب بعد سماع صوت طرقات عليه، دلف زين كالعاصفة وقال:


- عموري ابن خالي، عامل ايه؟ 


كان قد اكتسب تلك النبرة من سليم، كان يريد أن يضفي جوًا مرحًا، خاصة كونه ممتنًا لعمر؛ لأنه هو من ساعده بحق في مسألة هاجر، بعد أن ألقى التحية على خاله وعمر قال موجهًا حديثه لعمر:


- يلا أنا اللي هسوق العرسان مبتسوقش. 


نظر له عمر باستنكار مزيف وقال وكأنه قد كشف أمره:


- قولي بقا إنك جاي علشان تاخد عربيتي. 


ابتسم زين بحرج وقال:


- متعشم فيك يا ابن خالي، ده أنا حلم حياتي أخمس بعربية، حلم حياتي والله. 


ضحك عمر بخفوت وأخرج سلسلة مفاتيحه من جيبه وأعطاها لزين وهو يقول:


- طلبتها ونولتها، وده علشان النهاردة خطوبتي بس متاخدش على الموضوع. 


أخذ زين السلسلة بأعين تبرقان وعانقه بحرارة وقال:


- حبيبي والله يا عمر، هروح ادور العربية. 


غادر راكضًا من الشقة تحت نظراتهم المبتسمة، ليقوموا بآخر التجهيزات، ثم تبعوا زين.


❈-❈-❈


وصل عمر وعائلته لمنزل بعد وصول بعد أقارب ليليان وما إن وصلوا حتى بدأت الصيحات والزغاريد السعيدة معلنة قدومهم، جلس عمر بجانب ليليان وبدأت مراسم الخطبة الاعتيادية، ألبس عمر الخاتم لليليان وفعلت ليليان المثل لتشغل هاجر الأغنية القديمة والتي تستخدم في تلك المناسبة لسنوات طويلة ووقفت تصور كل ما يحدث، عندما انتهت الأغنية انهال الجميع عليهما يباركان لهما، فوجدت هاجر نفسها تقف وحيدة بجانب.. زين!، حمحمت هاجر وادعت انشغالها بشيء بهاتفها، اقترب زين منها مبتسمًا وقال: 


- فكرتي؟ 


حمحمت هاجر مجددًا وأغلقت هاتفها، نظرت له بتسلية وقالت لتغيظه:


- لسه 


نظر لها زين بخيبة وقال متذمرًا:


- يا هاجر بقا متعذبنيش. 


تحولت ملامح هاجر للجدية وقالت بجمود:


- لا من حقي أعذبك، كفاية إنك عذبتني شهرين كاملين وأنا بسأل نفسي هو أنا مش كويسة علشان حد يستكفى بيا. 


صمت زين ولم يجب، كان يعلم أنه أخطأ وأنها من حقها أن توبخه وأن تستمر في قول كلماتها السامة تلك، ولكن قد نفذت كل الحلول والسبل لاسترضائها ويبدو أنه فشل، صمتا للحظات قبل أن يعود زين ويقول كمحاولة أخيرًا:


- يا هاجر ده حتى ربنا بيسامح أنتِ مش هتسامحي. 


كان يعلم أن تلك الجملة بلا جدوى وأنها تكررت مئات المرات، ولكنه قد يئس ولم يجد شيئًا آخر يقوله، شعر بالضيق كونه فشل فزفر عدة مرات بضيق وتحولت ملامحه للجمود التام، نظرت له هاجر مطولًا، تريد أن تجعله سعيدًا، تريد أن توقف تلك اللعبة، وأن تعود لتخيل حياتهما معًا في المستقبل، ولكنها لا تستطيع، كبريائها لا يسمح لها!، زفرت بضيق ولعنته تحت أنفاسها، فقد تسبب في صراع جديد بين عقلها وقلبها في أكثر وقت غير مناسب، حاولت أن تجد حلًا يرضي عقلها وقلبها، جاهدت طويلًا حتى اهتدت لجملة وحيدة قد تعطيه أملًا، ولكن بنفس الوقت تخبره أنه لن يحصل عليها بسهولة، وأنا لم تصفح عنه، نظرت له مطولًا، فشعر بها تحدق به ونظر لها بدوره، مرت لحظة من التواصل البصري بينهما الذي أربكها، فقالت:


- أنا مقولتش إني مش هسامحك، أنا سايبة الباب موارب. 


ثم ابعدت نظرها عنه وبدأت بالتصوير مجددًا، بينما ظل زين يحدق بها للحظة غير مصدق أنها تعطيه فرصة حقيقية، تخبره أنها ما زالت تريده، ولكنه عليه أن يبذل المزيد من الجهد، ابعد نظره عنها وابتسم ببلاهة ولم يحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث، بعد دقيقة أو أكثر أتت والدته وابعدته عن هاجر، ثث وقفت تتحدث معها، أراد أن يعرف عن ماذا تتحدثان، ولكنه لم يستطع بسبب الضوضاء، وجدهما تتحدثان وتنظران نحوه، مما جعله يظن أنهما تتحدثان عنه، يبدو أن هاجر قالت شيء ما جعل والدته تضحك، فشعر بفضول شديد ليعرف عن ماذا يتحدثان، وبعد القليل من الأحاديث تركتها والدته وتوجهت نحوه وهمست له:


- فيه أمل، متقلقش. 


ابتسم زين ونظر لها بامتنان، ثم وقف بجانبها وذهبا ليباركا لعمر وليليان.


❈-❈-❈

كانت ليلى تستقبل الحضور مع والدتها بعقل شارد، فهي تفكر بسليم الذي تأخر كثيرًا، كانت تشعر بالقلق من ألا يأتي، كانت خائفة من احتمال أنه كان يخدعها، ما زالت متشككة ولن تتيقن حتى يأتي وتراه أمامها، فهذه هي خصلتها التي تبغضها ولا تطيقها، تتمنى أن تتوقف عنها ولا تستطيع، فهذه التشكك نابع من خوفها، وهي لا تستطيع أن تتوقف عن الخوف، بعد حوالي ساعة من استقبال الحضور حتى امتلئت الشقة بالأقارب والمعارف وكل من عرفهما يومًا، ظهر سليم أخيرًا يرتدي البذلة الكحلية والتي تجانس مع لون شعره البني والذي لم يكلف نفسه القليل من الوقت لترتيبه، صافح والدتها التي نظرت له نظرة ثاقبة متفحصة وقالت: 


- أنت سليم؟ 


ابتسم سليم بحرج وعدل نظارته وأجاب ممازحًا:


- ده أنا طلعت مشهور. 


ثم نظر لليلى وتحولت نظرته للمكر، فادعت ليلى أنها لم تلاحظ نظرته، بينما عاد سليم لينظر لوالدتها وسحب علي ليقف أمام والدة ليلى:


- وعلشان نتكلم بشكل رسمي، جيبت أخويا الكبير يكلم حضرتك، علشان أنا لو اتكلمت هعك الدنيا وهترفض، وساعتها هخطف بنتك ونروح الملاهي ونجيب شيبسي واندومي وكل الحاجات اللي عايز أعملها معاها بعد الجواز وأرجعها لك تاني. 


ضحكت والدة ليلى وهي تنظر له بتعجب وقالت:


- اهدى يا ابني طيب ونتكلم براحة. 


أومأ سليم ودفع علي بعد أن شعر أنه ليس بحاجه له وقال:


- ماشي، بس أنا بقولك اللي هيحصل من البداية يعني. 


ضحكت مجددًا وأشارت له نحو الداخل وقالت:


- طب ادخل طيب الأول. 


اتسعت ابتسامة سليم وسحب علي الذي نظر له مستشيطًا وتوعد له بداخله أنه سيلكمه حينما يعودا للمنزل.


أمالت والدة ليلى عليها وهمست:


- دي دماغه في المهلبية أوي، عرفت حبتيه ليه دلوقت، أنتوا الاتنين فيكوا جنان وهبل من بعض ما شاء الله لايقين على بعض بشكل رهيب. 


نظرت لها ليلى بغيظ وصاحت باستنكار:


- متشكرين يا ماما، خلاص كفاية مدح فينا. 


ضحكت والدتها بخفوت وقالت:


- تقريبًا كدا أنتوا هتحاولوا تنولوا رضايا بأنكوا تضحكوني. 


ابتسمت ليلى وقرصت وجنتها وقالت:


- أعيش وأضحكك كدا على طول يا رحومتي. 


ثم عانقتها لتبادلها والدتها العناق وقد شعرت بالحزن داخليًا كون ابنتيها الصغيرتين أصبحتا شابتان وقريبًا ستتزوج إحداهن ويبدو أن الأخرى ستتزوج هي الأخرى وتلحق بها، زفرت والدة ليلى بحزن ثم فصلت العناق وادعت أنها ذاهبة للتأكد من بعض الأشياء، ولكنها في الواقع أرادت البكاء.


❈-❈-❈


كانت ليليان تشعر بسعادة عارمة في تلك اللحظة، لا تصدق أنها قد تتزوج من الشخص الذي يتحلى بجميع الصفات التي أرادتها، تعلم أنه يخفي الكثير وأنه لا يظهر حقيقته معظم الوقت ويفضل الاصطناع، ولكنها ستحاول أن تكون مصدر أمانه وثقته، ويبدو أنها فعلت بالفعل، فهو وإن اعترف لها بأشياء مبهمة، ولكن هذا يعني أنه يثق بها، وأنه كلما أصبحت علاقتهما أقوى كلما سيشعر برغبة في التحدث، ولكن في تلك اللحظة أرادت أن تعطيه شيئًا مميزًا، شيئًا فكرت به لوقت طويل وتريد أن تعلنه له الآن؛ لهذا أمالت عليه وهمست:


- عمر 


نظر لها عمر وأمال نحوها بانتباه ليسمع لها، فقالت:


- أنا قررت اتحجب. 


تأملها عمر للحظة بصمت، ثم ابتسم وهز رأسه برضى ولم يعلق بشيء، اعتدل في جلسته واتسعت ابتسامته، كان سعيدًا أنها تقبلته بجميع عيوبه، وأنها مستعدة للاستماع له وتكون مصدر أمانه وثقته، كان سعيدًا بمحاولتها للتغيير، به الكثير والكثير من المشاعر الجميلة التي وعد نفسه أنه سيبوح لها بها حالما تصبح زوجته.


كانت ليلى تقف بجانب ليليان، فأتى سليم ووقف بجانبها وقال:


- ايه رأيك في الخطة اللي حطيتها بعد جوازنا؟ 


نظرت له ليلى بدهشة، فهي لم تشعر به وهو يقبل ناحيتها، فابتسمت له وقالت:


- خطة مناسبة لدماغك فعلًا. 


كانت تتعمد ليلى أن تثير غيظه، وقد نجحت بالفعل، فقد نظر لها سليم باستنكار ورفع حاجبه الأيسر وقال:


- مجنون أنا يعني؟ 


ابتسمت ليلى باصفرار وقالت:


- لسه واخد بالك؟ 


نظر لها سليم بازدراء وعدل نظارته، زفر بعمق وقال بهدوء:


- لولا إني عارف إنك بنت، وإنك لسه متشككة من مشاعري تجاهك كان زماني اديتك على وشك. 


نظرت له ليلى باستهجان وقالت بغرور:


- ولا تقدر أصلًا. 


هز سليم رأسه وقال:


- ماشي، بعد الجواز هتشوفي. 


أعطته ليلى نظرة متهكمة، ثم أبعدت نظرها عنه بينما حدق بها سليم مبتسمًا، بعد لحظات أمال عليها سليم وقال منصبًا تركيزه على عمر وليليان:


- عارفه يا ليلى، لما أختك تخلف خليها تسمي ابنها أحمد، علشان لما تحب تشتمه تناديه باسمه الثنائي بس. 


قطبت ليلى جبينها بتعجب ونظرت له للحظة بعدم فهم حتى استعابت ما قاله لتكتم ضحكاتها بصعوبة وقالت:


- أنت فظيع! 


شاركها سليم الضحك وصمت كلاهما.


كان زين يراقب هذا المشهد ويراقب عمر وليليان، فاقترب من هاجر مجددًا وقال:


- الحبايب كلهم اتنينات وأنت مش ناوي تحن يا جميل. 


نظرت له هاجر بتعجب ولم تستطع منع ضحكتها وقالت:


- لا مش ناوي يحن، ناوي يعاقبك شوية كمان. 


نظر لها زين بازدراء وقال:


- أنتِ الخسرانة. 


ضحكت هاجر مجددًا وصمتت، بينما ذهبت لتغير الأغنية.


نظر عمر لليليان وأمال عليها وهمس:


- ايه رأيك منعملش فرح ونسافر لكذا بلد؟ 


ابتسمت ليليان وتأملته للحظة وأجابت:


- ونكتب كتاب عن البلاد اللي هنروحها. 


- أكيد 


همس عمر مبتسمًا، ثم اعتدلا في جلستهما مجددًا.


نظر زين لهاجر بغيظ وقال:


- أنا أروح أرقص لي شوية أحسن من النكد ده. 


ثم صاح مناديًا سليم الذي كان يتحدث مع ليلى، ليتقدم بدوره ويرقص كلاهما بالمنتصف وصاحا بقوة معًا بينما رقصا رقصات خرقاء معًا، ثم حاولا أن يقنعها عمر بأن يشاركهما وسحباه للمنتصف، حاول عمر أن يجاريهما رغم أنه لا يجيد الرقص، ولكن بعد القليل من الوقت اندمج معهما ورقص معهما بنفس الحركات الخرقاء غير مبالي للذين يضحكون عليهم، بينما جلست الثلاث فتيات بجانب بعضهما البعض وصفقن لهم بينما ضحكن على طريقتهم الخرقاء، ليعلنوا جميعهم بداية جديدة، بتغيير أبدي أعطى لكل شخص منهم فرصة ليصبح سعيدًا.


تمت