-->

رواية أشواك وحرير - بقلم الكاتبة نسمة محمد - الفصل الثامن والعشرون

 


رواية أشواك وحرير بقلم الكاتبة نسمة محمد





تعريف الرواية


عُرفت منذ نعومة أظافرها بالتمرد والجموح واشتُهرت بكونها صعبة الوصال ..ضربت بالتقاليد عرض الحائط واستمعت فقط لصوت عقلها، وجدت في وحدتها أغلب ما أرادت فكانت لها نعم الصديق.. هل ستستمر جسارتها طويلًا؟ وهل ستتغلب علي العادات.. أم للقدر رأيًا آخر؟


تصنيف الرواية


اجتماعية، اجتماعية، رومانسيه، رومانسية، مصريه، مصرية، قصص، واقعية


حوار الرواية

عاميه مصريه


سرد الرواية


اللغة العربية الفصحى



❈-❈-❈


الفصل الثامن والعشرون 

رواية 

أشواك وحرير 



”اللي يصعب عليك يفقرك!“


                                         ”مثل شعبي“


❈-❈-❈


أغلقت "رونا" الخط بلهاثٍ مصطنع ثم أطلقت ضحكتها المتشفية عاليًا، وعادت بأنظارها لشريكها لتؤكد عليه خطتهما؛ فقالت بتحذير شديد اللهجة :


_زي ما اتفقنا بمجرد ما نصورهم تختفي، أنت متعرفنيش ولا أنا أعرفك! والصور أنا هعرف ابعتها بنفسي.


أومأ لها برأسه مؤكدًا على حديثها وبداخله يشعر بثِقل الثوانِ التي تمر عليه معها؛ فبات يتقزز من رؤياها أو سماع صوتها ويلعن حاجته التي ألقته في طريق تلك الحرباء الكريهة المتلونة.. لمحها بطرف عينه تعبث بهاتفها المحمول بمنتهى التركيز وبدا وكأنها تراسل شخصًا ما؛ فسألها بإهتمام :


_أنتِ ليه متأكدة إن مرات أخوكِ هتجيلك من غير ما تعّرف أخوكِ الأول؟!


تعمد الضغط على كلمة "أخوكِ" و ذكرها أكثر من مرة وكأنه يقصد تنبيهها بدونيتها؛ فرمقته بإمتعاض ثم ابتسمت إليه بثقة و ردت بتلك العنجهية التي ورثتها من والدتها :


_مفيش حاجة زي دي تفوتني! سكرتيرة مالك أكدتلي إنه وراه ميتنج مهم النهاردة مش هيخلص في أقل من ساعتين وده معناه إنه هيقفل موبايله أو هيسيبه في مكتبه مش هياخده الـ meeting room يعني هنكون قلعناها ولبسناها كمان!


انتبه للسخرية التي حملتها جملتها الأخيرة؛ فمط شفتيه بإمتعاض واتجه للجلوس في أحد الأركان بينما هي طالعت ساعتها بإهتمام تترقب الدقائق المتبقية بلهفة كحبة ذرة تتقافز على سطحٍ ساخن.. على الجانب الآخر ارتدت "روان" ملابس الخروج في عُجاله واستمرت بمهاتفة زوجها ولكنها وجدت هاتفه خارج التغطية فزفرت في إحباط، ثم أسرعت للبحث عن "هالة" بالخارج فلم تجد لها أي أثر وحينما هاتفتها كان هاتفها غير متاح هي الأخرى.. وقفت في الممر الذي يجمع الغرف معًا، وضربت بكفها جبهتها تفكر بما يجب عليها فعله؟ ثم هرولت نحو غرفتها وألتقطت حقيبة يدها ومحمولها النقّال واتجهت للخارج بخطى مسرعة تسابق الزمن لتُسّطر خطوطًا رئيسية في مصيرها المجهول بدون إرادةٍ منها.. و بعد بضع دقائق من قيادة السيارة وصلت أسفل البناية التي كانت تقطن بها وكانت المنطقة هادئة تمامًا في تلك الساعة الصباحية في بداية النهار فالغالب من العمال والموظفين قد اتجهوا لعملهم بالإضافة للأطفال الذين يتابعون يومهم الدراسي الآن بلا شك.. ترجلت مسرعة نحو شقتها القديمة وأخرجت إحدى نسخ مفتاح الباب وكانت تلك النسخة الأخيرة معاها.. خطت للداخل تنادي بأعلى صوتها على شقيقة زوجها وقد اطمأنت قليلًا بعدما هاتفتها في الطريق لتتأكد من أنها لازالت مستيقظة غير فاقدة للوعي، فطمأنتها "رونا" و حثتها على الإسراع بصوتٍ واهن وعندما أخبرتها "روان" بأنها ستتصل بزوجة البواب لتصعد إليها حتى تصل فأعترضت الأولى بشدة؛ مُدعية الخجل تتعلل بأنها عارية تمامًا في أرض الحمام فلا تريدها أن تعرضها للإحراج أمام الغرباء.. صُدمت وجحظت عينيها حينما خرجت إليها الأخرى سليمة تمامًا مُعافة ليس بها خدشٍ واحد! همّت بالسؤال ولكن فجأة انتبهت أُذنيها لوقع خطوات خلفها ولم تمر ثوانِ حتى تستوعب فتفاجأت بذلك المنديل ذو الرائحة الغريبة الذي وُضع أعلى فمها وشخصٌ ما يكبلها بقوة من الخلف.. حاولت الصراخ والمقاومة بإستماتة ولكن خرج صوتها كأنين مكتوم، فاستدارت إليه بصعوبة قبل أن تغيم الرؤية أمامها وسقطت مغشيًا عليها بين ذراعيه في نفس اللحظة التي سبقتها دمعتها على كف ذلك الغريب!


❈-❈-❈


فرغوا للتو من تناول طعام الإفطار، واستدار "مجد" لأخته الجالسة بجانبه بنظرة تعني "هل أنتي مستعدة؟" فأومأت له برأسها وألتقطت حقيبة يدها استعدادًا للذهاب للعمل، ولكن أوقفتهما "كاميليا" التي هتفت بغموض :


_عندي مفاجأة! 


ألتفتوا إليها جميعًا فوزعت ابتسامتها اللطيفة عليهم وأردفت بسعادة :


_مريم هتوصل القاهرة النهاردة مع جوزها وولادها.


فسأل "كامل" بتعجب :


_غريبة! خدت إجازة تاني إزاي في الوقت القصير ده؟! 


بينما رفع "مجد" إحدى حاجبيه قائلًا بدهشة : 


_مقالتليش يعني إنها نازلة مصر بالرغم إنها لسه مكلماني من يومين!


هزت رأسها بلامبالاة :


_كانت عاوزة تعملها مفاجأة وطلبت إن محدش يعرف.


صمتت ثواني ثم أسترسلت برجاء :


_عاوزة تروح تقابلهم في المطار يا مجد، مش عوزاهم يتبهدلوا في التاكسي.


همّ "مجد" بالرد فأعترض "كامل" بحزم :


_مجد مسافر السخنة علشان فيه إجراءات متعطلة عليه في القرية.


صاحت "كاميليا" بإستنكار وعدم رضا :


_يعني إيه؟! ولاد بنتي يبقوا جايين البلد بعد غياب كام سنة وأسيبهم يتبهدلوا في المواصلات؟! 


مط "كامل" شفتيه بإمتعاض، فها هي لازالت تبالغ في تدليل أبنائها بالرغم من بلوغهم الثلاثين من العمر، ولكنه لا يتحمل حزنها أو رفض طلبٍ لها؛ فأومأ برأسه متحدثًا بقلة حيلة :


_أمرك يا كاميليا هانم.. هروح أجيبهم بنفسي وأمري لله.


تهللت أساريرها بفرحة وأمسكت بياقة قميصه الأبيض هاتفة بعدم تصديق :


_بجد يا كامل هتعمل كدة؟ 


رفع رأسه لأعلى بيأس من أفعالها الطفولية التي تستمر في إدهاشه بعد تلك السنوات بينهما، ثم ربت على كتفها بحنان :


_هو أنا عندي أغلى منك يا روح قلبي؟


طالعته بعشق خالص بادلها أياه بينما لكز "مجد" "يارا" التي كانت هائمة هي الأخرى في مشاهدتهما، بينما تأفف الأول من أفعالهما الصبيانية التي تشعره بالغيظ والغيرة؛ فأردف بمشاكسة موجهًا حديثه لوالده :


_يلا يا بابا عاوزين نسيب ماما علشان تلحق تدور على مسمط.


رمشت بأهدابها الجميلة عدة مرات في محاولة بائسة لفهم ماذا يعني ولكن محاولتها بائت بالفشل، فسألته بعدم فهم :


_يعني إيه مسمط؟


ابتسم ساخرًا ورد بتهكم :


_سبحان الله عرفتي إيه هي الغرزة والمعسل القص ومش عارفة معنى مسمط! 


ضحك كلا من "كامل" وابنته بتسلي وقد فهما ما الذي ينويه ، بينما طغت إمارات الدهشة على وجه الأخرى، فأسترسل "مجد" أسئلته الساخرة مدعيًا الجدية دون الإلتفات لحالة والدته الذاهلة :


_ألا قوليلي يا كامي هتعملي العشا لبنتك إيه؟ كوارع؟! ولا كرشة ولحمة رأس؟


انفتح فمها تلقائيًا من حديثه ولكن سرعان ما تحولت ملامحها من الذهول للضيق والقرف فضربته ببعض الخشونة على ذراعه عندما فهمت أنه يريد أن يضايقها، وشعرت بالغيظ أكثر عندما رأت زوجها وابنتها يضحكون عليها.. دفعته من ظهره للخارج وهتفت بحنق لين :


_برة يا مجد امشي.. أنت قليل الأدب. 


قهقه ضاحكًا فلحقت به "يارا" للخارج واستقلت المقعد بجانبه ووجها لازال يحمل آثار الضحك : 


_متقّلش معاها في الهزار علشان متزعلهاش.


ابتسم بإتساع فهو يتلذذ في مشاكستها بقوة، وسألها بإستنكار :


_أَزعل مين يا بنتي! أنا بهزر وهي عارفة كدة بحب أناكفها مش أكتر.


أومأت له برأسها بتفهم وعادت بأنظارها للأمام، ثم وجهت أنظاره إليها بإهتمام وأردفت بمحبة :


_تعرف! أنا بفرح أوي لما بشوف علاقتها بعمو عاملة إزاي! حقيقي مش كل الناس حظهم حلو في الجواز.


هز رأسه بالتأكيد على كلامها وابتسم قائلًا بفخر واعتزاز حقيقي بوالديه :


_يعرفوا بعض بقالهم أربعين سنة تقريبًا وعلاقتهم قايمة على الإحترام والعِشرة الطيبة قبل الحب.. متهيألي عمري ما سمعت أبويا جـ.رحها بكلمة أو عمري ما شوفتها محترمتوش في غيابه قبل حضوره.. علشان كدة العلاقة بينهم مقدسة.


طالعته من أسفل جفونها، ثم سألته بترقب لسببٍ ما في نفـ.سها :


_يعني أنت رأيك الإحترام أهم من الحب؟


سلط أنظاره عليها بصمت وفي داخله لم يستسيغ سؤالها ولم يشعره بالراحة، ولكنه أجاب بصدق :


_مش المهم عندي إيه ييجي الأول.. المهم أكون مرتاح!


❈-❈-❈


على الجانب الآخر 


انتهى الإجتماع وتفرق الموظفون كلٌ منهم لمكتبه بينما وقف "مالك" بصحبة صديقه يودعا مندوبي الشركة الأخرى بحرارة، ثم لملم "مازن" متعلقاته الشخصية استعدادًا للرحيل، ولكن أوقفه الأول متسائلًا بإهتمام :


_أنت مالك كدة اليومين دول؟ مش عاجبني وبقيت هادي في أوقات كتيرة وأوقات تانية عصبي.


تنهد "مازن" بعمق وصمت قليلًا يفكر "هل عليه إخبار صديقه بأمر ابنة عمه؟ أم عليه حفظ سرها؟ " ولكنه قطع سكوته حينما أردف بوجوم :


_أنا هسيب ميرنا! 


تهللت أسارير "مالك" فرحًا لصاحب عمره فهو يعلم مدى حبه لابنة عمه المختفية، المختفية!! رددها في سره بصدمة وكأنه لم يستوعب إختفائها إلا الآن؛ فهتف مصدومًا بما فاجئ مازن :


_ميرا فين يا مازن؟ أنا بقالي كتير من وقت جوازي مشوفتهاش ولا اتكلمت معاها ومعرفش عنها حاجة!


ابتسم الأخير بمرارة فلقد انشغلوا عنها جميعًا والتهى كلٌ منهم في دنياه غافلين تمامًا عن السؤال عنها.. رفع أنظاره فأصتدمت بنظرات الآخر المترقبة فلم يستطع سوى المرواغة بسخرية أشعرت رفيقه بالحرج :


_ياه لسه فاكر تسأل عليها بعد أكتر من شهر؟!


مسح "مالك" على شعره بإحراج خاصةً وأن ما بين ثلاثتهم ليس بالقليل، ولكنه قد انشغل بأموره الشخصية عنهما حتى عمله أهمله.. حاول التبرير فخرج كلامه مصحوبًا بتأتأه خفيفة :


_عارف إني مقصر بس آآ.. بس آآ.. أنت عارف ظروفي الفترة اللي فاتت وكنت فاكر إنها هي كمان مشغولة فمسألتش.


ضر.به "مازن" بخفة على ذراعه بمحبة في نفس الوقت الذي دخلت فيه مساعدة "مالك" قاعة الإجتماعات تحمل ظرفًا ورقيًا، وتقدمت منهما بخطوات عملية، فكان الأخير أول من بادر بالحديث :


_خير يا أميرة؟ إيه اللي رجعك؟


رفعت إليه الظرف الذي بيدها؛ فلم ينتبه إلى ما كانت تحمله بين أصابعها إلا الآن، ثم ردت بنبرة رسمية :


_فيه حد ساب لحضرتك الظرف ده على مكتبي.


_ظرف إيه ده؟! ومين اللي وصله؟ 


تسائل بدهشة موزعًا أنظاره بينها وبين رفيقه الذي لم يستطع أن يمنع فضوله هو الآخر من الترقب لمعرفة ما بداخل ذلك الطرد الغامض :


_مش عارفة يا فندم خرجت من الميتنج لقيته على مكتبي ومكتوب على ضهره يوصل لحضرتك في أسرع وقت وكمان فيه عنوان! 


رمش بأهدابه عدة مرات وألتقطه منها بأطراف أصابعه، و أمرها بالإنصراف.. تابعا انصرافها للخارج بلامبالاة ثم نظر للعنوان ببعض الإهتمام فشعر أنه يعرفه لكنه لم يدقق فيه فقد كان لايزال منشغلًا بتفاصيل الصفقة الجديدة بينما لايزال رفيقه يطالعه بترقب وفضول.. ترك "مالك" أمر المكان جانبًا وقـ.طع المظروف طوليًا من الجانب فوجد بعض الصور الفوتوغرافية التي طالعها بدون إهتمام ولكن سرعان ما اتسعت حدقتيه بهلع حينما رأها! نعم إنها هي زوجته "فهل سيُخطأها؟!" كانت مُندسة بين أحضـ.ـان رجلٌ ما ذراعيها وكتفاها عاريان والآخر يُحيطها بحـ.رارة.. تسمر في مكانه يطالع الصور بصدمة واستنكار، لم يرف له جفن وكأنه ميـ.ـت شُلت حركته تمامًا، فبدا لـ "مازن" كتمثال حجري جاحظ العينين بدقات قلب مُضطربة، ينفر منه العرق البارد، وبطنه تؤلمه.. ارتعـ.ـب الأخير من حالة صديقه، وبتلقائية اتجهت عينيه إلى تلك الصور؛ فأتسعت عينيه هو الآخر بصدمة، ولكن سرعان ما غض بصره واتجه به إلى المتسمر أمامه في الوقت الذي عاد فيه "مالك" للواقع وطالع صاحبه بألم أوجـ.ـع قلبه عليه فيقسم أنه رأى لمع دموع تكومت في حدقتيه اللتان مازالتا تحت تأثير الصدمة.. دفعة قوية من أيدي "مالك" كانت سببًا لإرتطام "مازن" بالحائط، ثم اندفع مسرعًا إلى غايته المنشودة؛ عازمًا النية على الثأر لكر.امته ورجو.لته التي دنستهما بسبب قذ.ارتها.. وتبعه "مازن" بخوفٍ وقلق غافلًا تمامًا عن موعد خروج ابنة عمه؛ فحالة رفيقه لا تبشر بأي خير ولقد كانت المرة الأولى في حياتهما التي يراه بتلك الهيئة!



❈-❈-❈



أدارت مفتاحها في باب الشقة، فدخلت بخيلاء ورأس مرفوع لأعلى بكبرياء أعمى ولازالت لم تنزع ضمادة أنفها، عندما لمحت "سهير" تتوسط أحد الآرائك ولم تولها أي إهتمام و بدت لها حزينة كعادتها! أطلقت ضحكة عالية ساخرة "فهذة المرأة دائمًا ما تراها كئيبة ومهمومة" تُذكّرها بالبومة! 


_كان لازم الراجل يطلقها ويخلص من قرفها ونكدها وبوزها الفقر ده!


قالها عقلها بتشفي خالص وتسائلت في نفسها "متى ستجلس بجانبها تلك الكونتيسة ذات الأنف المرفوع الذي أقترب موعد كسره!" عند تلك الخاطرة وتأكلها الغيظ من الداخل فبعد كل المعلومات التي مدت بها المدعوة "رونا" عن حياة "روان" أبعدتها عنها بقرف وكأنها قطة جرباء تخشى على نفسها من تلويث ثيابها وأصابتها بالحكة إن لامستها! لا تطمع سوى في رؤيتها مذلولة، مُهانة، مكسورة الكبرياء! "حسنًا.. حسنًا، ستنتظر بضعة أيام أخرى فقط وإن لم تنفذ "رونا" ستنفذ هي ولو حتى بتلويث سمعتها تدريجيًا من بعيد أمام زوجها وأهل بلدتها، وهل هناك أسهل من افتعال فضيحة لإمراة في مجتمع كهذا وبالأخص لو كان في الريف! هو فقط كإشعال النار في الهشيم" .. تخلت عن صمتها وأسكتت صوت عقلها حينما ألقت التحية بميوعة على عمتها (يُطلق لقب العمة على أخت الزوج في بعض القرى الريفية) :


_العوافي عليكِ يا سهير.


مطت الأخيرة شفتيها بإمتعاض فهي ليست بحالة مزاجية تسمح لها حتى بالنظر في وجهها فقلبها يتأكل من القلق منذ الصبح ولا تعلم لمَ! كما أنها لم ترى في حياتها مَنْ هي أكثر بجاحة من تلك المرأة؛ فهي لن تنسى أبدًا ما افتعلته لإبنتها من فضائح بالزور ليلة عرسها! بالإضافة لكونها السبب في كسر فرحة ابنها واتجاهه للهجرة.. لوت فمها بتبرم وردت بقرف متعمدة عدم الدعاء لها بقول "العوافي عليكِ" :


_أهلا! 


حركت شفاها للجانبين وشهقت بحركة سوقية، ثم اتجهت إلى داخل غرفتها تنوي أخذ جميع مصوغاتها الذهبية وأردفت لنفسها بتوعد :


_بكرة أشمت فيكم يا ولاد الـ... وساعتها هتبقوا قاعدين زي الكلاب تحت جزمتي! 


ودعتها "سهير" بإشاحة من إحدى يديها بضيق وقالت بغيظ وقهر :


_جتك ستين نصيبة ولية سَو.. ربنا يعجل بذهابك من حياتنا بقى!


لم تنتبه "ريهام" لتمتمة الأخرى فكان كل همها أن تجمع مصوغاتها الذهبية وتلوذ بالفرار سريعًا قبل عودة زوجها، فلم تكن بمزاج يسمح لها بمواجهته خاصةً بعدما ذهب للقائها في شقة عائلتها واتهمها بفظاظة بأنها سبب فسخ خطبة ابنتها وتدليس سمعة ابنة أخته المصون.. لم تعد تتحمل لقائه أو رؤيته بسبب عتابه الدائم لها واتهامها المستمر بالسخط على نعم الله التي لا تعد ولا تحُصى؛ اعتقادًا زائف منه بجشعها لأنها تتطلع دائمًا للأفضل! جمعت باقي أغراضها بأقصى سرعتها واتجهت لباب الشقة دون أن تخبر "سهير" التي اختفت في إحدى الغرف، انتبهت الأخيرة لصوت الباب يُفتح فظنت أن أخاها أو أيًا من البنات قد عاد من الخارج، ولكنها فوجئت بغرفة شقيقها وزوجته مفتوحة ففهمت بأنها رحلت من جديد، ولم يؤثر بها الآمر سوى بالغضب من تصرفات تلك الحمقـ.ـاء الغير مسؤولة عن زوجٍ وأبناء!



❈-❈-❈


مَنْ يراه لن يصدق أنه استطاع بالفعل الوصول إليها بالرغم من حالته الواضحة تمامًا للأعمى؛ فقد كان العرق يتصبب منه رغم برودة الجو، عروقه نافرة من الغضب بالإضافة لحالة الإنكار أو الصدمة التي لازال يعاني منها! لم ينتظر حتى نزول المصعد بل أمتطى الدرج بقدميه الطويلة بخفة فهد نشط مُتجاهلًا نداءات البواب المتكررة والمعترضة على اقتحامه للعمارة بدون إذن، ولكن بالرغم من ذلك كان يقدم رِجل ويؤخر الأخرى خوفًا من القادم.. أخيرًا استطاع الوصول لباب الشقة يطرق قلبه بعنف كقرع الطبول بألحان بشعة غير منظمة في ترتيبها الطبيعي المتناسق وبداخله أمل ولو ضعيف بألا يجدها وحينئذٍ قد يضع لها عُذرً مؤقتًا بأنها صورًا مُفبركة!حتى يتأكد من صحتها، ولكن أمله قد تحطم عندما لاحظ أن الباب مفتوحًا! تقدم للداخل بسرعة يشعر أنه في إحدى كوابيس العصرية، وتنبه قلبه تلقائيًا لغرفة النوم وكأنه كان يسكن الشقة لسنواتٍ طويلة بالرغم من أنه لم يزرها سوى مرة أو مرتين على الأكثر معها! اتسعت عيناه بصدمة وكاد قلبه أن يقفز خارج ضلوعه من الألم؛ فقد كانت لاتزال ممددة على الفراش ويبدو أنها تحاول الإفاقة من نومٍ عميق وبدى على وجهها الإرهاق واضحًا! لم يستطع الصمود أكثر من ذلك فاتجه إليها مسرعًا يجذبها من شعرها بقوة حتى كاد أن يقتلع خصلاته بينما هي لم تكن استعادت وعيها بعد فكانت خائرةً القوى.. غلت الدماء في عروقه حينما رأها ترتدي إحدى قمصان النوم المبتذلة جدًا بلون داكن يعكس بياض بشرتها ونفرت عروق جبهته في مشهد مرعب لمن يراه، رفع كف يده الآخر ولطمها على وجهها بعنف فأحرق وجنتها كسوطٍ حارق وأرتطمت بالأرض الرخامية بفعل قوة ضـ.ربته وطنين أذنيها لا يسعفها على إدراك الموقف الذي تمر به أو حتى تفهم ذلك السباب القـ.ـذر الذي يرميها به.. عاد لإمساك شعرها بقـ.ـسوة لم يعهدها في نفسه والمارد بداخله يستوحش أكثر خاصةً بعد حالتها المستسلمة تمامًا لما يفعله فحتى أنها لم تدافع عن نفسها ولو بدفعة من كفها أو حتى الصراخ! لطمها بكفه الآخر؛ فبركت على الأرض بركبتيها ورأسها مُنكّس لأسفل تسعل وتبصق الدماء من فمها وسالت دموعها بحرقة رغمًا عنها بالرغم أنها لم تستعد وعيها كاملًا؛ فمازالت تحت تأثير المخدر، ولكنها بالكاد أستطاعت تمييز أنه يسبها بألفاظ كانت بالتأكيد خارجة.. رفعت أنظارها إليه بوهنٍ شديد وارتكزت على الأرضية بكفيها، وقد بدأت كدمة زرقاء في التشكل والوضوح بطول خدها فرمقها بنظرات مُحتقره قـ.ـاسية و همّ بالأمساك بشعرها الذي انخلع بعضًا منه في يده مُسبقًا، ولكن اتضحت صورته أمامها بدرجة ليست بالكبيرة، خاصةً مع شعورها بالدوار، وبعض الومضات الخاطفة تمر في رأسها بشكل معقد عن الساعات الماضية؛ فخرج صوتها ضعيفًا بشدة كمن امتنع عن الكلام لفترةٍ طويلة :


_مالك! إحنا فين؟ 


لم يؤثر به ضعفها ولا حالتها الواهنة الضعيفة، وصرخ بها بغضب؛ فهي تُزيده استفزازًا بسلبيتها تجاه الموقف :


_فين يا بت الـ*** اللي كان معاكِ؟ 


لم تتفهم مقصد سؤاله، فحاولت الوقوف لمواجهته مُستنده على كفيها لتدعم ثِقل وزنها؛ ولكنه ضغط على إحدى كفيها بحذائه فصرخت متألمه وتابع هو صراخه بجنون :


_عاوزة تقفي ليه؟! الناس الرخيـ.ـصة اللي زيك مكانهم على الأرض تحت جزمتي! أنتِ *** مش وش نعمة وخسارة فيكِ النضافة!


سالت دموعها بقهر من جديد لا تفهم ما يرمي إليه.. لا تفهم سوى ما تتعرض له الآن من ضربٍ وإهانة معنوية وجسدية وهي التي لم تتعرض لها يومًا! بكت بصوتٍ عالٍ فآخر ما تذكره مكالمة شقيقته لها وحضورها إليها حتى أنها لا تدري إن كان قد حدث بالفعل أم كان حُلمًا؛ فهي لا تذكر أي شيء.. تسائلت بجملٍ مُتقطعه يتخللها شهقات عالية بسبب بكائها :


_مش.. فاهمة.. حاجة.. والله.. مش فاهمة! أنا عملت إيه؟!


تعالا الغيظ بداخله؛ فها هي الحـ.ـقيرة تنكر خيانتها له بكل وقاحة! أخرج الصور من جيب سترته الداخلي وتطلع فيها من جديد حتى يظل مُتذكرًا خيانتها فلا يشفع له انكسارها أمامه الآن، ثم ألقاها في وجهها  بإحتقار وصاح بقلبٍ مجروح ينزف دمًا اساله غدرها وخيانتها فطعن قلبها بخنجرٍ مسموم هو الآخر :


_اتفضلي يا هانم يا محترمة شوفي ****** بعينك! عملتلك أنا إيه علشان تعملي فيا كدة؟! استأمنتك على بيتي وولادي وعملت منك بني آدمه مكنتيش تحلمي تكونيها! لميتك من الشوارع وأنتِ لا أصل ولا نسب يشرف! 


كلماته كانت كالسياط النارية التي تنزل على جسدها فتحرق جلده ويُسيل دمًا تَجلط في جروح تقرحت بفعل الزمن لعدم مداواتها؛ لم تشعر بالإهانة لأنه ضربها أو اتهمها بالخيانة بقدر ما شعرت بها حينما عايرها بأهلها ومستواها الإجتماعي الأقل منه؛ فهذا أكثر ما كانت تخشاه طوال سنوات عمرها السابقة! أن يتم مُعايرتها! ألتقطت الصور بإيدي مرتعشة وقلبٍ مجروح يلفظ أنفاسه الأخيرة، صُعقت وتجمدت الدماء في عروقها بل وشعرت بتوقف نبضها، إنها هي! عارية بأحضان رجلٌ غريب بالفعل على سريرها.. إنه لا يكذب! لم تنتبه إلا الآن أنها في غرفتها القديمة لا يستر جسدها سوى قميصٍ شفاف قصيرٍ جدًا يكشف أكثر مما يستر! لم تبدي أي ردة فعل سوى كفيها التي غطت بهما صدرها بحركة تلقائية أخرجت شياطينه التي تقاوم قتلها مباشرةً حتى تفصح عمن خانته معه وحتى يتمتع في تعذيبها قليلًا قبل أن يُزهق روحها! أمسك بشعرها فصرخت بألم شديد ومرت لمحة سريعة في رأسها أثناء حضورها لتلك الشقة؛ فتنبهت حواسها عندما هدر بصوتٍ أرعبها :


_انطقي مين البأف اللي كان معاكِ بدل ما أخلص عليكِ! 


استجمعت شجاعتها وهتفت بنحيب : 


_أختك.. والله أختك اللي جابتني هنا قالتلي إنها تعبانة والله فجيت ألحقها! والله وشوف موبايلي! 


جحظت عينيه بصدمة وترك شعرها تلقائيًا فترنحت للخلف واختل توازنها لولا أنها أمسكت بطاولة الزينة لكانت سقطت.. ظل يبحث عن هاتفها بلهفة كأسدٍ جريح؛ فبالرغم أن حديثها لا يدخل العقل ولا يصدقه طفلٌ صغير إلا أن بذرة أمل نبتت في قلبه بأنها تقول الصدق خاصةً مع هيئتها التي تُدمي القلب! أجبرها على فتح الهاتف وكان ببصمة الأصبع فقط، ولكنه لم يجد رقم شقيقته مُسجل عندها في قائمة الأسماء ولم تتلقى أي اتصالًا اليوم من الأساس بل هي من قامت بمهاتفة عدوه! فتح تطبيق المراسلات "واتساب" فوجد ما أتسعت له عيناه بصدمة الـ*** قد بعثت رسائل لم تصل! لعشيقها الـ*** "مجد" تتطلب منه الحضور لمقابلتها في شقتها وتتعجله للقدوم بسرعة! ألقى الهاتف في الحائط أمامه فتهشم لمئات القطع، وأرتعبت خوفًا من حالته التي توحي بالخطر! فتلقائيًا ارتفعا ذراعيها لا إراديًا أمام وجهها تحتمي بهما من صفعاته المتتالية التي أسقطوها أرضًا.. في نفس اللحظة اقتحم "مازن" الغرفة وهو يلهث فقد وصل بصعوبة بعدما ضل طريق صاحبه بفعل زحام العاصمة وتعطل أحد الطرق! وجد صاحبه يُخْيم فوقها ويحاول خنقها بينما هي تقاوم بإستماتة بوجهٍ أحمر قاني يقاوم الإختناق وعروق بارزة، فكان صاحبه في حالة جنون لم يرها من قبل لدرجة أنه لم يشعر بوصوله! أما عنها فكانت في حالة يُرثى لها.. تسمر في مكانه ولم يستطع الحركة إلا بسبب عينيها اللتان جحظتا في محجريهما وكأنها تلفظ روحها! اندفع نحو "مالك" يرفعه بقوة عنها فزأر الأخير بغضب :


_سبني يا مازن أقتـ.ـلها.. دي رخيصة ومتستحقش إلا المـ.ـوت! 


سعلت بقوة وحاولت التنفس من كسمكة عادت للمياة من جديد، بينما "مازن" يلجمه بأقصى قوته :


_أعرف الحقيقة الأول يا بني آدم قبل ما تظلمها وتودي نفسك في داهية!


_أنت بتدافع عنها! بتدافع عنها بعد اللي عملته!


هدر بهما بصراخ جرح حنجرته وخبط بكفه بعنف على الحائط مراتٍ متتالية، بينما أومأ الأخر برأسه قائلًا بتعقل بالرغم من عدم اقتناعه بما ينطق به لسانه بشكلٍ كبير ولكنه قاله بدافع حماية صديقه مما هو مُقدم عليه : 


_أيوة ممكن فيه سوء فهم.. أنت يعني حكمت عليها من صور ممكن تكون فيك! 


تراقصت الشياطين أمام أعين "مالك" فصاح بغضب ونفاذ صبر :


_متدافعش عنها.. الهانم باعتة رسالة للـ*** "مجد" تطلب منه يقابلها هنا وبتكذب عليا تقول أختي اللي جابتها هنا!


استدار إليها وركلها بقوة في بطنها فتلوت في الأرض بوجع لم تعد تحتمله ولم تعد تحتمل الإهانة أكثر من ذلك خاصةً أمام "مازن" وعُريها، وكادت أن تتلقى الركلة الثانية لكنها أمسكت بقدمه بقوة لم تعرف من أين آتتها تتوسله للصفح عنها :


_مظلومة والله! 


أزاح يدها الممكسة به بجلافة وركلها بقدمه الثانية بقسوة أغضبت "مازن" الذي لم يعد يستطع أن يتحمل هيئتها المثيرة للشفقة والتي ألمت قلبه، فمنظرها يوحي ببرائتها فعلًا وليس مجرد تمثيل! ضرب صاحبه بلكمة قوية أسفل فكه، وحاول سحبه لخارج الغرفة لإبعاده عنها؛ فكان رده أن بادله بلكمة هو الآخر أخلت بتوازنه ولكن لم يكن هناك وقت للتدلل من "مازن" فأستقام واقفًا و دفعه للخارج بقوة رغمًا عنه وبحركة سريعة ماهرة منه من الخلف ضغط بأطراف ثلاثة أصابع على أحد عروق رقبة "مالك" جعلته يفقد الوعي ويخر صريعًا بجانب "روان" التي أنتقلت إلى عالمٍ آخر بكل تأكيد بعدما تلقت الركلة الثانية!



❈-❈-❈


منذ دقائق في العين السخنة


وصل "مجد" للتو بعد قيادة استمرت لساعةٍ ونصف إلى المدينة الساحلية.. ترجل من سيارته بشموخ يرتدي نظارته الشمسية التي أضفت عليه جاذبية خاصة، بمظهره العضلي المتناسق وبذلته الكحلية أسفلها قميصًا أسود اللون، ولمع شعره الكستنائي أسفل أشعة الشمس الباردة التي تظهر على حياء في أواخر فصل الشتاء! أخرج هاتفه المحمول وفتحه بعد غلقٍ دام لساعتين أثناء الطريق من بيته مرارًا بالشركة التي تلاها سفره.. أنتظر بضع ثوانِ حتى انفتح الهاتف وبعض الثوانِ الأخرى ليتصل الهاتف بالشبكة العنكبوتية حتى يستقبل الرسائل الواردة أو يرى هل تلقى أي إتصالًا في الوقت السابق.. خفق قلبه شوقًا حينما ظهر إسمها من ضمن الإشعارات العائمة ولكنه لم يُعطي تركيزًا كافيًا لمحتوى الرسالة الظاهر جزئيًا أعلى الشاشة فيكفيه أنها لم تقطع علاقتها به فقط! همّ بفتح تطبيق الدردشة بقلبٍ متلهّف كطفلٍ مسكين ينتظر العيد ليرتدي الملابس الجديدة التي لا يحصل عليها سوى مرتين في العام! ولكنه سرعان ما وبخ نفسه وذكرها بأنه قرر انتزاع قلبه من بين ضلوعه بقسوة حتى لا ينبض بإسمها من جديد! لوى ثغره بسخرية من حاله الذي يتبدل مائة وثمانون درجة بسببها حتى ولو كان البعد بينهما الكثير من الكيلومترات! نفض صورتها من رأسه وضغط بضعة أزرار ليُهاتف المدعو "صلاح" الذي أتى للقائه بصحبة تيم العمل، ولكن سبقه استقبال مكالمةً ما برقم غريب فلم يُجيب وضغط على زر الرفض، ثم استرسل في طلب مكالمته.. أتاه صوت "صلاح" عبر سماعة الهاتف :


_مجد بيه.


_هقابلك فين؟ 


تسائل بإقتضاب؛ فرد عليه الآخر بتعجب :


_تقابلني ليه يا باشا خير؟! 


_نعم يا أخويا؟ مش أنت طلبت نعمل ميتنج في السخنة النهاردة؟! 


_يا باشا الميتنج يوم الثلاثاء.. النهاردة الأتنين!


أبعد الأخير الهاتف عن أذنه وتمتم بسبةٍ خافتة؛ فهو يكره العَطلة ويبغضها بشدة! "بالفعل أخبره أبيه منذ مدة بأن الموعد اليوم الثلاثاء وهو لم ينتبه سوى لكلمة اليوم وغفل عن تخمين والده بأن الثلاثاء هو اليوم" أعاد الهاتف لأذنه مرة أخرى على نداء الطرف الآخر المتكرر، فقال بحزم :


_اقفل يا صلاح هي إصطباحة فقر! 


أغلق الخط سريعًا وبقى يفكر "هل يمكث الليلة هنا أم يعود للقاهرة؟" ولكنه تذكر عودة شقيقته فركب سيارته عازمًا العودة بسرعة ليذهب لإستقبالها في المطار بدلًا من والده، ولكن عاد ذلك الرقم الغريب في الرنين بإلحاح مستفز فأجاب "مجد" بإقتضاب :


_آلو.. مين؟ 


أتاه صوتٌ ما بدى مألوفًا سرعان ما عرف هويته حينما عرف الرجل بنفسه والذي لم يكن سوى بواب العمارة التي كانت تقطن بها "روان" فشعر بالغرابة وتملكته الدهشة؛ فقفزت رسالة الأخيرة لمخيلته واستمع للرجل بإهتمام : 


_أيوة يا مجد بيه يا ابني.. الباشمهندسة اللي في الخامس دي، اللي طلبت مني أخد بالي منها وأبلغـ...


قاطعه بنفاذ صبر؛ فلم يكن بمزاجٍ رائق يتحمل الثرثرة :


_أيوة مالها يا عم مجدي؟! 


_عشية امبارح جت ست طلبت مني مفتاح الشقة تبات فيها، والست روان طلبت مني اديهولها.. بس النهاردة شوفت الست خارجة من العمارة معاها شاب!


ارتفع إحدى حاجبيه تلقائيًا وتسائل "مجد" بحيرة :


_طب إيه المشكلة؟!


_المشكلة إن أم محمد قالتلي إن الباشمهندسة طلعت الشقة قبل ما الست دي تمشي، ومن شوية كدة جه شاب باين عليه إنه ناوي شر فتح الشقة ودخل وبعديه طلع واحد تاني وراه، وكان فيه صوت صويت وصريخ! 


ضغط بقوة على البنزين ليُزيد من سرعته؛ ليصل بأقصى سرعة، وصاح في الرجل بغضب :


_وأنت إزاي تسيبها في الشقة لوحدها مع شابين يا راجل أنت؟! والصويت ده سببه إيه؟ 


أجفل الأخير من صياحه وتمتم بتأتأة :


_أنا خوفت أخبط عليها تكون مش محتاجة مساعدة، أو أتبهدل أنا وعيالي! 


_ تروح فورًا تخبط عليها وتشوف إيه اللي بيحصل معاها وأنا برة القاهرة ساعة بالظبط وهكون عندك، بس متسبهاش! 


أغلق الخط وطالع الطريق أمامه بشرود يتأكله الخوف قلقًا عليها "تُرى لهذا قامت بمراسلته؟!" الرسالة! تذكر أمرها الآن ففتح هاتفه سريعًا، ثم قام بالبحث عن اسمها؛ فوجد ما كاد أن يقتله من الرعب "قابلني بسرعة في شقتي ومتتأخرش هستناك ضروري" هل وقعت في ورطةٍ ما؟! هل تعرض لها أحد الأوغاد كالذي حاول التعدي عليها أمام باب منزلها ولحقها بصعوبة حينما كان يوصل لها مفتاحها؟! تعالت ضربات قلبه بعنف كقرع الطبول، وتصبب العرق البارد من جبهته، ولم يتحمل فكرة إصابتها بمكروه.. همّ بمهاتفتها ولكن هاتفها كان مُغلقًا، فأزداد القلق بداخله، وفكر هل يهاتف زوجها أم يبادر هو بالذهاب إليها؟ لكن مهما بلغت سرعته لن يكون بسرعة "مالك" القريب أبدًا! أمسك هاتفه وحاول إيجاد رقم الأخير فلم يجده سوى بصعوبة ولكن الهاتف كان خارج الخدمة أيضًا؛ ففكر بمهاتفة "مازن" ودعى ربه كثيرًا أن يُجيبه.. انتظر ثوانِ مرت عليه بثِقل حتى انفتح الخط؛ فبادر التحدث بلهفة :


_مازن.. روان واقعة في مشكلة وهي في شقتها القديمة روحلها أو كلمها أنا كلمتها موبايلها مقفول.. بسرعة لو سمحت وأنا جاي في الطريق.


تفاجئ "مازن" من معرفته بما يحدث مع "روان" فهتف بدهشة :


_أنت عرفت منين؟!


فهم من سؤاله أنه صُدم لا أكثر فعجاله صائحًا بنفاذ صبر :


_هفهمك لما أوصل بس شوفها مالها وطمني!


أغلق الخط وزاد من سرعة القيادة بشكل جنوني فبتأكيد ألتقطه الردار بتلك السرعة التي ستقلب السيارة بسهولة بكل تأكيد! وعاد من جديد يحاول مهاتفة "روان" وكل مرة يكون الهاتف مغلق؛ فبالتأكيد أصابها مكروهًا ما يرتعب من تخمينه!



يتبع