-->

رواية تعويذة العشق الأبدي - بقلم الكاتبة سمر إبراهيم- الفصل الأول


رواية تعويذة العشق الأبدي 

بقلم الكاتبة سمر إبراهيم 





الفصل الأول

رواية

تعويذة العشق الأبدي




أحضر توًا يا سيدى يا من ذهبت بعيدًا
  أحضر لكى تفعل ما كنت تحبه تحت الأشجار
 لقد أخذت قلبى بعيدًا عنى آلاف الأميال
 معك أنت فقط أرغب فى فعل ما أحب
 إذا كنت قد ذهبت إلى بلد الخلود  فسوف أصحبك
 فأنا أخشى أن يقتلنى طيفون
 (الشيطان ست)
 لقد أتيت هنا من أجل حبى لك
  فلتحرر جسدى من حبك.
"مقولة فرعونية"





بنظرة انبهار لما صنعت يداه يقف في شرفة فندقه، ولا يصدق أنه أخيرًا قد حقق حلمه بإقامة هذا الفندق الرائع في هذه المدينة الساحرة "الأقصر" مدينة السحر والجمال، لطالما حلم بذلك،  وحارب لتحقيق ذلك الحلم، لا يعلم السبب ولكن شيئًا غريب كان دوما يجذبه لتلك المدينة وكأن هناك قوى خفية تربطه بها فلا يشعر بالراحة والأمان إلا وهو هنا وكأنه ينتمي إليها ليس لغيرها من المدن. 




تنهيدة حارة خرجت من صدره واتكأ على سور الشرفة لينظر للسماء الصافية التي تحارب الغيوم أمام عيناه ثم أخذ نفس عميق محمل برائحة النيل الذي يقع أمامه ليشرد متذكرًا مشاجراته مع والده في محاولات مستميتة منه لإقناعه بافتتاح فرع لفنادقهم في الأقصر ولكن والده أبى أن يستمع إليه فهو مقتنع أن تلك الخطوة ستفشل فشل ذريع؛ فالسياحة في الأقصر تأثرت بشدة  ولن ترجع لسابق عهدها سريعًا خاصة بعد  ثورة يناير، و جائحة كورونا والأوضاع غير المستقرة، كل الظروف أدت لتدهور السياحة في مصر، كما أن السياحة الأثرية لم تعد تلقى رواجًا مثل سابق عهدها،  عكس المدن الساحلية التي تعودوا الاستثمار بها فالفنادق الساحلية تجني أضعاف ما تجنيه فنادق المناطق الأثرية؛ لذلك رفض الانسياق وراء أحلامه الغير مجدية.



غامت عيناه بنظرات يملؤها الظفر، والتحدي، وشعر بنشوة  الانتصار عندما تذكر ما حدث فهو لا يعرف المستحيل ولذلك لم ييأس، وسعى لتحقيق حلمه وها هو استطاع الحصول على توكيل من سلسلة الفنادق الشهيرة "الفور سيزون" والتي تعد من كبرى فنادق العالم؛ ليفتتح فندقه باسم علامتهم التجارية، ويرجع الفضل في ذلك لصديقه "مروان" الذي لولا مساعدته له لما استطاع تحقيق ما وصل إليه إلا بعد وقت وجهد كبيرين.




مروان صديقه منذ الصغر، وتوطدت صداقتهما أكثر نظرًا لشراكة والديهما، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وحدث خلاف بين الشريكان "جلال الأسيوطي" والد يونس و "فؤاد نور الدين" والد مروان، مما أدى الى انفصال شراكتهما، وذهاب كل منهما في طريقه، ولكن الصديقان رفضا أن تتأثر صداقتهما بذلك، وعندما استقل يونس عن والده قام بمشاركة مروان الذي ترك والده بل عائلته كلها هو الآخر بعد خلاف كبير حدث بينهم؛ ليُكمل كل واحد منهما الآخر.




تنبه من شروده على صوت هاتفه  معلنا عن اتصال من أحدهم فنظر في ساعة يده ليجدها السادسة صباحا ليجعد ما بين حاجبيه فمن الذي يهاتفه في ذلك الوقت المبكر.




دخل من الشرفة وذهب إلى الطاولة الموضوع عليها الهاتف؛ ليندهش بشدة عندنا ظهر اسم مروان على لوحة هاتفه فأجاب منفعلا دون أن يعطي للآخر  فرصة لقول ما عنده: 



-  فيه إيه يا مروان؟ بتكلمني الصبح بدري كدا ليه؟ 



ليجد الآخر يتحدث بجدية شديدة:



- معلش لو كنت صحيتك من النوم بس احنا في كارثة الوفد الأجنبي اللي جاي من سلسلة الفنادق الأم علشان الافتتاح هيوصل المطار عندك بعد ساعتين من دلوقتي، والمترجمين ووفد استقبالهم لسة موصلوش، لازم تتصرف وتروح انت تستقبلهم بنفسك دي أول زيارة ليهم وعايزينها تنتهي على خير لازم أول انطباع يبقى كويس يا إما الديل كله هيضيع من إدينا لو ملاقوش اهتمام بيهم.




غضب كثيرا عند استماعه لذلك الحديث فكيف لهؤلاء الأغبياء أن يتأخروا عن ذلك اللقاء الهام  فكور قبضته وهدر بصوت مرتفع لدرجة أن نفرت عروقه من شدة غضبه:




- إيه اللي انت بتقوله ده هو لعب عيال ولا إيه إزاي ماجوش لحد دلوقتي حضر لي جوابات رفدهم حالًا معادش ليهم شغل عندنا تاني.




حاول مروان تهدئته فهم لا ذنب لهم في ذلك التأخير:



-  اهدى بس يبني هما معذورين الدنيا مقلوبة عندك بيقولوا فيه كشف أثري جديد والصحافة والتليفزيون والدنيا مقلوبة ومفيش تذاكر طيران واضطروا يجيوا بري واللي بوظ الدنيا أكتر إن الوفد الأجنبي طيارته جت على مطار الأقصر علطول مش مطار القاهرة وياريت تبطل رغي وتروح على المطار علشان تلحق الناس.




أغلق الهاتف ليفكر ما الذي يمكن أن يفعله لإنقاذ الموقف، ثم قام بترتيب أفكاره ليعلم ما الذي يمكن أن يحتاجه وهو ذاهب إلى المطار.



هو يحتاج لأكثر من سيارة ليستطيع أن يقل هذا الوفد الذي لا يعلم عددهم بعد، وحقائبهم، كما يريد أن يكون بصحبته أكثر من شخص لحمل تلك الحقائب؛ ولذلك قام بمهاتفة المساعد الخاص به ليحضر معه اثنان على الأقل من عمال الفندق  ليأخذهم معه إلى المطار ليحملوا الحقائب، وكذلك هاتف سائقه ليذهب معه هو الآخر واستقلوا ثلاث سيارات وذهبوا في طريقهم للمطار بعد أن أمر مساعده أن يحضر معه تلك اللافتة ويكتب عليها بعض من أسماء ذلك الوفد حتى يتسنى إليه التعرف عليهم في المطار.




❈-❈-❈




استيقظت في السادسة صباحا كما تفعل يوميا لتستعد للذهاب بأبنائها لمدارسهم، تحاول فتح عينيها بصعوبة شديدة، فلقد تملك منها التعب، والإرهاق اليومي، فلا تكل، ولا تستطيع أيضا أن ترتاح.




قامت مرغمة لتنظر لذلك الذي يغط في نوم عميق جوارها ولا يحمل للدنيا همًا  لتجد الحسرة تعتصر روحها فهي من تتكفل بكل شيء في تلك الزيجة التي تعد من طرف واحد.



هزت رأسها في استنكار لما آلت إليه حياتها وذهبت إلى الحمام لتغتسل، ثم بدأت في روتينها اليومي، توضأت وصلت فرضها، ثم بدأت في إعداد الإفطار للأطفال، وتحضير الشطائر الخاصة بهم في آلية شديدة وبعد ذلك ذهبت لاإقاظهم.




استيقظ الطفلان "أيسل، وسليم" واستعدا للذهاب للمدرسة، لتقوم بتوصيلهم كالعادة قبل أن تذهب لعملها.




وصلت للعمل في الثامنة صباحًا، فهي تعمل صيدلانية في إحدى المستشفيات الحكومية صباحًا، أما في المساء فتعمل في صيدلية خاصة.



دخلت حجرة المعمل، وألقت السلام على زملائها بابتسامتها البشوشة التي تتميز بها، ثم توجهت لصفاء زميلتها لتسألها باهتمام داعية ربها أن تكون وجدت عمل لزوجها:



- صباح الخير يا صفاء طمنيني عملتي إيه في الموضوع اللي كلمتك عليه؟



لتجيبها الأخرى بابتسامة ودودة:



- صباح الورد يا دودو كله تمام كلمت له ابن خالتي بيشتغل HR في شركة مقاولات كبيرة ومحتاجين مهندسين، هيكون مستنيه هناك الساعة ١١ الضهر إن شاء الله، يروح بس ومالوش دعوة.



ثم أخرجت من حقيبتها بطاقة تحمل المعلومات الخاصة بهذه الشركة لتعطيها لها:



- وادي يا ستي عنوان الشركة، أهم حاجة ميتأخرش عن الميعاد علشان يعرفوا إنه ملتزم.



تهللت أساريرها لا تصدق أنها أخيرًا قد استطاعت أن تجد له عملًا جيد فمنذ أن ترك عمله وهو يرفض العمل في مكان أقل منه وكلما جائت لو بفرصة عمل يتحجج بأنها أقل من امكانياته ويرفض الذهاب لعمل لقاء ولكنها متفائلة هذه المرة فتلك الشركة معروفة ولها سمعة جيدة ولا تعتقد أنه يستطيع الرفض.




استأنفت عملها بنشاط بعد سماع هذا الخبر الجيد وفي تمام العاشرة قامت بمهاتفته لتخبره بذلك الخبر السعيد.




هاتفته أكثر من مرة ولكنه لم يجب لتعض خدها من الداخل من كثرة الغيظ لتأكدها أنه لازال نائمًا وقبل أن أن يتملكها اليأس وتغلق الهاتف وجدته يرد عليها بصوت أجش يحمل آثار النعاس:



- إيه يا ضحى في إيه؟ الدنيا اتهدت نازلة رن رن زي ما تكون حصلت كارثة عايزة إيه الصبح بدري أوي كده؟



تملكها الغضب الشديد  من طريقة كلامه فعن أي صباح يتحدث ولقد قارب النهار أن ينتصف فكادت أن توبخه ولكنها حاولت ضبط أعصابها بكل الطرق الممكنة حتى لا يعلو صوتها أو تقول كلام يأخذه ذريعة ولا يذهب للمقابلة فتحدثت بأهدى نبرة صوت استطاعت أن تنطق بها:



- معلش يا حبيبي بس لو مكانتش حاجة مهمة مكنتش كلمتك.



قلب عيناه وأجابها بكثير من الملل:



- ويا ترى بقى إيه الحاجة المهمة اللي متستناش  على ما تيجي من الشغل.



فتحت عينيها عندما استمعت لما قاله لا تصدق طريقة حديثه المستفز فلكم ودت لو كان أمامها الآن فتلكمه في وجهه الوسيم حتى ينزف  الدماء من كل مكان فردت عليه وهي تتحدث من بين أسنانها:




- فيه interview (مقابلة عمل) في شركة مقاولات كبيرة ال HR هناك قريب صفاء زميلتي في الشغل وهو مستنيك هناك الساعة ١١ بالظبط يعني يا دوب تلحق تاخد شاور وتنزل أنا هبهتلك العنوان وكل التفاصيل واتساب.




لم يمهلها لتكمل حديثها فقاطعها محبطًا كل أمل بداخلها في أن يعمل كباقي الرجال.




- قولتلك قبل كدا متشغليش بالك بشغلي انا عارف هشتغل فين كويس أوي وعلى فكرة انا عندي interview تاني بالليل بطلي تعملي نفسك وصية عليا.



قال ذلك وأغلق الهاتف في وجهها دون أن يعطيها فرصة للرد عليه ليسيطر عليها الحزن ويظهر على معالم وجهها لما آلت إليه حياتها فهي تدفع ثمن اختيارها وتمسكها به رغم رفض عائلتها له كما أنها أحست بالحرج الشديد من زميلتها فلا تعلم كيف يمكنها أن تبرر لها عدم ذهابه للمقابلة فحدثت نفسها بكثير من اليأس




- ربنا يسامحك يا أحمد ديمًا كدا كاسفني كدا قدام الناس.



 لقد وضعها في ورطة مثلما يفعل دائمًا، وما الذي يمكنها أن تفعله فهذا ليس جديدا عليه، هزت رأسها باستسلام ثم نهضت لتذهب لزميلتها لتعتذر منها وتختلق أي عذر حتى تخرج من ذلك المأزق، فحدثتها بتردد وهي تفرك يديها بتوتر وحرج شديدين:


- معلش يا صفاء انا والله مكسوفة منك جدًا ومش عارفة أقول إيه.



لتتعجب الأخرى من طريقتها تلك ولكنها توقعت ما تريد قوله فربتت على ذراعها لتبث بها الشجاعة لقول ما تريد وحدثتها قائلة:


- خير يا حبيبتي في إيه؟ قولي اللي انتي عايزاه مفيش بينا كسوف.



 لتجدها استأنفت حديثها بتلعثم وكأنها لا تجد الكلمات المناسبة:




- بس أصلي اتصلت على أحمد لقيته رايح interview دلوقتي في مكان بعيد جدًا عن الشركة التانية وصعب  يوصل في الميعاد معلش اعتذري لابن خالتك وبلغيه اعتذاري أنا وأحمد.



تعلم أنها تكذب لتجمل صورته ولكن ما باليد حيلة فهو والد أبنائها والرجل الوحيد الذي وقفت أمام الجميع من أجله فلا تستطيع إلا أن تفعل ذلك.



ردت عليها الأخرى بابتسامة محبة:



- ولا يهمك يا حبيبتي أهم حاجة ربنا يوفقه في المكان اللي يختاره ويكون مرتاح فيه أنا هكلم ابن خالتي دلوقتي علشان أعرفه إنه مش هيروح.



انهت حديثها مع زميلتها ثم عادت لعملها مرة أخرى علها تلتهي به عن تلك الحرب الدائرة في رأسها والتي لا تعلم متى ستنتهي.



❈-❈-❈





هرج ومرج مع ظهور أول خيط للنهار في مدينة الأقصر وخاصةً منطقة "جبانة طيبة القديمة" الموجودة في "البر الغربي" والتي تحتوي على مئات المقابر وعشرات المعابد المصرية القديمة حيث أنه أخيرًا بدأت البعثات المصرية والأجنبية أن تؤتي ثمارها بعد سنوات من البحث والتنقيب.




تم إرسال خمس بعثات أثرية لمدينة الأقصر ثلاثة منهم مصرية وواحدة أمريكية وأخرى إسبانية للبحث والتنقيب عن الآثار التي لم يتم العثور عليها بعد في المدينة.




تم اختيار أكفأ المنقبين عن الآثار و المرممين المصريين لتلك البعثة وتم تدريبهم على أعلى مستوى وإعطائهم العديد من الدورات المكثفة قبل تلك البعثة وكانت هي من بينهم تقف منبهرة لا تصدق أنها أخيرًا قد قاربت على تحقيق حلمها فمنذ أن كانت في سن العاشرة ومع أول درس أخذته في مادة الدراسات الإجتماعية وهي أصبحت أسيرة لذلك العالم.




تشعر أنها تنتمي إليه وليس لعالم سواه، وقفت أمام الجميع لكي تدخل كلية الآثار بالرغم من حصولها على مجموع يؤهلها لدخول كلية من كليات القمة ولكنها صممت على تحقيق حلمها وها هي تقف على بعد خطوات من تحقيقه فتاة نحيلة سمراء بملامح مصرية تضع على ظهرها حقيبة تشبه الحقائب المدرسية وكأنها رجعت لتلك الفتاة ذات العشر سنوات مرة اخرى من يراها لا يصدق أنها في السادسة والعشرون من عمرها.




تتحرك بخفة هنا وهناك لتنجز الكثير من الأعمال في وقت قصير وها هو باب المقبرة قد لاح في الأفق، مقبرة تقع في الجزء الخارجي من الجدار الجنوبي لمعبد الملك تحتمس الثالث.




 تم فتح المقبرة ولم تصدق نفسها عندما وقع اختيار رئيس البعثة الأجنبية عليها لكي ترافقه للداخل مع أجنبي آخر لتكون أول مصرية تطأ بقدمها داخل تلك المقبرة.




دخل ثلاثتهم المقبرة لفحص محتوياتها مزودين بكافة المعدات اللازمة لذلك، وارتدى ثلاثتهم الأقنعة المضادة للأبخرة السامة تحسبا لأي هواء سام يوجد داخل المقبرة فهي مغلقة منذ آلاف السنين كما قاموا بارتداء القفازات والسترات الواقية تحسبا لأي طارئ.



 بعد الفحص وجدوا بها تابوت بداخله مومياء من الكرتوناج في حالة جيدة جدًا من الحفظ.



المومياء تحوي العديد من الزخارف الملونة، تحمل مجموعة من الرموز الدينية في مصر القديمة، من بينها الآلهتان الحاميتان "إيزيس ونفتيس" ناشرتان أجنحتهما، و أبناء حورس الأربعة ورمز قرص الشمس وغيرها من النقوش.



 


كانت عهد في حالة غريبة منذ وطأت أرض المقبرة فبداخلها الكثير من المشاعر وكادت تبكي من فرط سعادتها بهذا الاكتشاف.




أثناء فحص المومياء شعر رئيس البعثة بالاختناق ووقع على الأرض غير قادر على التنفس ليحاول الآخر إسعافه بكافة الطرق ولكنه لم يستطع ولذلك لم يجد مفر سوى حمله والخروج به من هذا المكان لتجد نفسها فجأة وحيدة بين جدران تلك المقبرة.




قررت أن تستأنف العمل بمفردها  إلى أن يعود الرجلان أو على الأقل واحدًا منهما غير عابئة بما قد يحدث جراء ذلك، وأثناء فحصها للمومياء وجدت أسفلها حجر غريب بنقوش لم ترها من قبل لتمد يدها وتحمل هذا الحجر وتقربه منها حتى تستطيع رؤية تلك النقوش عن قرب.




هي ليست ضليعة في قراءة اللغة المصرية القديمة ولكنها تعلم عنها القليل وبتقريب الحجر إليها أكثر استطاعت قراءة حرف الحاء والباء وكأنه اسم به هذه الحروف.




لم تستطع منع نفسها من لمس الحجر بيديها المجردتين فهو يعتبر أول إنجاز حقيقي لها في هذا المجال الذي لا تعشق سواه، هي تعلم أنه من غير الآمن فعل ذلك ولكنه مجرد حجر فما الذي يمكن أن يحدث بلمسها له فمن غير المنصف ألا تلمس أولى اكتشافاتها بيديها، وبالفعل قامت بخلع القفازات التي ترتديها وقامت بلمسه وفي تلك اللحظة أحست بشيء غريب يحدث لها وخزات خفيفة كوخز الإبر شعرت بها في أصابعها عند لمسها له وهنا وجدت قشعريرة غريبة تسري  في سائر جسدها وأحست بحركة حولها داخل المقبرة وصوت غريب سمعته يهمس بكلمات غير مفهومة في أذنها لم تفهم من تلك الكلمات شيء سوى اسمها الذي تكرر أكثر من مرة لتشعر أن بها خطب ما لا تعلم ماهو.



أفاقت من تلك الحالة على نداء أحدهم عليها من الخارج:



- آنسة عهد ياريت تخرجي من المقبرة بسرعة.




لم تلتفت للصوت في بادئ الأمر فلقد كانت في حالة من النشوة تتخيل اسمها وهو يذكر في المحافل العالمية مقترن بذلك الاكتشاف العظيم.


أخذت تفحص المقبرة والنقوش التي بها ليزداد يقينها أنها تخص كاهن ما كما لم تأخذ تلك الوخزات التي شعرت بها بعين الاعتبار فهذه المقبرة مغلقة منذ آلاف السنين ومن المحتمل أن يكون سبب هذه الوخزات حشرات لا ترى بالعين المجردة أو شيء من هذا القبيل.


تكرر النداء عليها من خارج المقبرة فارتدت قفزاتها وخرجت مسرعة لتجد حركة غير طبيعية في المكان وكأنهم يتركون الموقع لترفع حاجبيها ونظرت لما يحدث بغير فهم فكيف يمكن أن يقوموا بإخلاء الموقع في هذا الوقت المبكر فلايزال العمل في بدايته فأذاحت القناع عن وجهها قليلا ثم وجهت حديثها لزميلها مستفسرة عما يحدث:



- خير يا طارق إيه اللي حصل؟



رد عليها  وعلى وجهه علامات الأسف:



- مفيش بس مضطرين نوقف شغل النهاردة علشان البروفيسور ويليام تعب جدًا ولازم يروح المستشفى.



أحست وكأن دلوًا من الماء المثلج قد صب فوق رأسها واحتقن وجهها لما سمعته، فكيف يمكنهم أن يوقفوا العمل وهم مازالوا في بداية اليوم من أجل مرض أحدهم ولذلك ردت على زميلها وهي تستشيط من كثرة الغضب ليعلو صوتها دون أن تدري:




- يعني إيه نوقف شغل؟ مينفعش طبعا الكلام ده احنا لسه في أول اليوم دا يبقى تهريج، واحد تعب نطلب له الإسعاف ونكمل احنا شغلنا هو احنا منعرفش نشتغل من غيره يعني ولا إيه؟ حرام اليوم كله يضيع وتعبنا دا كله يجي على الأرض علشان شخص واحد. 



يعلم أنها على حق ولكن ما بيده حيلة هذه هي الأوامر ويجب عليهم جميعًا الإذعان لها فتحدث إليها محاولا امتصاص بعض من ذلك الغضب:



- الموضوع مش واحد تعب، الموضوع انه وقع في قلب المقبرة يعني ممكن يكون فيها حاجة هي اللي اتسببت في اللي حصله وعلشان كدا وقفوا الشغل على ما يتم فحص المقبرة كويس علشان نشوف هل فيها أبخرة سامة هي السبب في كده ولا كل الحكاية نقص أكسجين وخلاص.



لم يعجبها حديثه، ولم يستطيع تهدئة غضبها، بل على العكس تمامًا، فعن أي أبخرة سامة يتحدث وهم كانوا يرتدون القناع الحاجب للأبخرة لتجنب ذلك، كما أنها هي وزميلهم الآخر لم يحدث لهما شيء، ولكنها لم تستطع فعل شيء، فتآكلها الغيظ أكثر لعدم قدرتها على إكمال ما كانت تفعله، فنفخت خديها، وخلعت القناع الذي كان لا يزال على وجهها، والقفازات، وألقت بهم أرضا بغضب شديد، ثم خلعت تلك السترة الواقية ومعها بطاقة التعريف الخاصة بها، وذهبت من الموقع دون النظر أو الرد على أحد، ومن فرط غضبها نسيت أن تأخذ أغراضها، أو حتى هاتفها المحمول، ولم ترتدي سترتها الثقيلة لتحتمي بها من برودة هذا الطقس، وظلت تسير ، وهي تتمتم بين نفسها في غيظ شديد.




- نوقف الشغل علشان الكونت ويليام وقع مهو لو كان واحد تاني غيره هو اللي وقع ولّا حتى ١٠ كان هو نفسه اللي هيرفض نوقف الشغل إنما إزاي بقى ييجوا على الغلبانة و يبوظوا لها اليوم اللي كانت بتتمناه.



- يادي النحس اللي انتي فيه يا عهد يعني يوم ما يحصل اللي انتي مستنياه بقالك سنين  الدنيا تبوظ كده يعني يا سي ويليام مكنتش قادر تستنى شوية ياريتك ما دخلت معانا يا شيخ.



ظلت تهذي وتحدث نفسها فتارة تتحدث بصوت عالٍ وتشير بيديها يمينا ويسارا وتارة أخرى تتحدث من بين أسنانها ونتفخ خديها وتتأفف فمن يراها يعتقد أنها فقدت عقلها لا محالة.



كانت تسير بغير هدى بين تلك المقابر الفرعونية لا تعلم أين أخذتها قدميها لتنظر يمينًا ويسارًا ولكنها لم تعلم أين هي فقررت أن تبحث عن الطريق لتوقف سيارة أجرة وتذهب إلى الفندق الذي تقيم فيه فلقد شعرت بالبرد لتلعن غباءها لعدم ارتداء سترتها مرة أخرى بعد انتهائها من العمل وهنا أدركت أيضًا أنها لا تحمل أي شيء من أغراضها فحمدت ربها أنها دائما ما تترك بعض النقود في جيب بنطالها تحسبًا لأي طارئ.



وصلت أخيرًا لمنطقة الفنادق فتابعت الطريق بعينيها وهي تعانق جسدها من شدة البرودة التي تشعر بها ونظرت نحو الطريق لتجد أنه لابد من قطع السيارة لمسافة لا بأس بها حتى ينزلها السائق أمام بوابة الفندق مباشرةً فشعرت أنها لن تحتمل ذلك فأخذت قرارها بالتوقف في الجهة المعاكسة لتلك البوابة فعبور الطريق أسهل بكثير من تحملها لهذه المسافة فقالت للسائق:


- على جمب يسطا.


نزلت من السيارة وأعطت للسائق النقود التي كانت تحملها في جيب بنطالها وقامت بعبور الطريق وهي ترتجف من شدة السقيع ولكنها لم ترى تلك السيارة المسرعة الآتية باتجاهها لتصطدم بها فابتلعها الظلام ولم تشعر بشيء.


 


أخر ما تتذكرة صوت بوق سيارة مع فرملة مفاجئة وذلك الألم الرهيب الذي شعرت به في سائر جسدها وهذا الصوت الآتي من بعيد وكأنه من عالم آخر سمعته يقول:



- حد يطلب الإسعاف بسرعة.





❈-❈-❈



تهرول خائفة تتلفت يمينًا ويسارًا بين تلك الأعمدة في البر الشرقي، خائفة من أن يلحق بها أحدهم، فإن وجدوها فهي هالكة لا محالة، تتسارع أنفاسها، وقاربت قواها أن تخور ولكنها تأبى التوقف دون الوصول لوجهتها.  يديها وملابسها ملطختان بدماء ليست دمائها، وتبكي مقهورة، ولا تستطيع الرؤية بوضوح من شدة بكائها لتتعثر وتقع أكثر من مرة، لا تصدق ما حدث وشاهدته أمام أعينها، لا يمكن أن تكون فقدته هكذا دون رجعة، عازمة على إنهاء هذا الأمر سريعا حتى يتسنى لها اللحاق به. وصلت إلى كبير الكهنة تلهث ولا تستطيع التقاط أنفاسها بل تكاد أن تفقد وعيها من سرعة ركضها. تفاجأ كثيرا عندما رأى تلك المرأة الغريبة التي ترتدي ملابس الوصيفات وتضع تلك العباءة الغريبة التي تخفي بها ملامحها تقتحم عليه خلوته في قدس الأقداس بتلك الطريقة الهمجية، فاستشاط غضبًا، واقترب منها معنفًا إياها، ولكن قبل أن ينطق بكلمة رُبط لسانه عندما رفعت قلنصوة العباءة و تحقق من وجهها وعلم من هي، فانحنى باحترام وسألها متوجسًا عن تلك الحالة الغريبة التي جاءت بها في هذا الوقت المتأخر متخفية في ملابس وصيفتها عله يعلم ما لحق بها: - سمو الأميرة "إيزادورا" ما الذي أَلَمً بكِ؟ وكيف يمكنني مساعدتك؟ حاولت تنظيم أنفاسها حتى تستطيع التحدث معه،  وعندما وجدها في تلك الحالة الرثة أشفق عليها، ودعاها للجلوس أولًا حتى تستطيع أخذ أنفاسها، ثم ذهب وأحضر إليها بعض الماء علها تهدأ ويهدئ من روعها قليلًا، ولكنها لم تهدأ أبدًا بل دخلت في نوبة بكاء شديدة، ليزداد إحساس الشفقة بداخله تجاهها، وخاصة بعد فشله في تهدئتها بأي طريقة.  تحدثت إيزادورا بصوت متقطع من كثرة البكاء: - لقد قتلوه أمامي ولم أستطع إنقاذه قتلوه بدم بارد دون أن يرتكب ذنب سوى أنه أحبني. تعجب كثيرا من قولها، ودار في عقله العديد من الأسئلة فمن الذي قُتل؟ ومن قتله؟ وعن أي حب تتحدث عنه؟ ليسألها علها تستطيع أن توضح له: - من الذي قُتل؟  أحست بقبضة تعصر قلبها عندما تذكرت ما حدث، وكيف قُتل "حابي" أمام عينيها، ولم تستطع إنقاذه، وهنا تذكرت ما جائت من أجله لتقف فجأة، وحدثته بتصميم لا يقبل التراجع: - أنا أريد مساعدتك في استعادته مرة أخرى. صدم الكاهن من حديثها وأخبرها بقلة حيلة: - عذرًا مولاتي ولكني غير قادر على إحياء الموتى فذلك شيء خارج عن مقدرتي.   ولكنها دخلت في نوبة بكاء هستيري مرة أخرى لتهذي، وتتحدث من بين شهقاتها بكلمات متقطعة: - أعلم هذا ولكنني لا أستطيع العيش بدونه. وهنا لمعت في رأسها فكرة فإن كانا لم يستطيعا العيش معا في تلك الحياة فمن الممكن أن يعيشها آخرون في زمان آخر فإن فشلت هي الآن من الممكن أن تنجح أخرى في زمان آخر وعند هذه النقطة وقفت وهي مليئة بالإصرار وقالت للكاهن: - إذا لم تكن لديك القدرة على إحياء الموتى فأنت بالتأكيد تستطيع عمل "تعويذة العشق الأبدي" لعلها تنجح في الجمع بين حبيبين في زمن آخر غير هذا الزمن. صدم من حديثها وتحدث برفض قاطع وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا: - آسف مولاتي ولكني لا يمكنني عمل ذلك فلو عُرِف الأمر قضيَ علي في الحال. جلست أرضا ثانية ركبتيها أسفلها وأنسكت بيده تتوسل إليه لمي يقبل طلبها: : أتوسل إليك كبير الكهنة فهذه فرصتي الأخيرة لكي أجتمعُ معه مرة أخرى هذا آخر طلب اطلبه منك بل هو آخر طلب لي في هذه الحياة البائسة أتوسل إليك أن تفعل ما أطلبه منك هذا ليس أمر ولكنه طلب أرجو منك تنفيذه رأفة بي. لم يستطع مقاومة دموعها وانهيارها أكثر من ذلك فاضطر للإذعان لما تريد بعدما رأى حالتها التي لا تقبل الرفض. حجر منقوش عليه بعض الرموز الفرعونية  أحضره الكاهن ونقش عليه اسمها واسم حابي وأعطاه إليها لتمسكه بيديها الملطخة بدمائه  ثم جرحت إحدى يديها ليختلط دمائهما معا ووضعت قطرات الدماء على الحجر ورددت خلف الكاهن. " عندما تأتي شبيهتي التي هي من نسلي في مكان غير المكان وزمان غير الزمان وتلمس ذلك الحجر سيتجدد كل شيء وستجد عشقها الأبدي،  ستعيش نفس قصتي ولكنها ستنتصر في النهاية ويفوز عشقهما متحديا كل الصعاب" بعدما قالت التعويذة تركت الحجر بيد الكاهن وقالت له بعيون باكية: - عاهدني أن تأخذه معك الى قبرك. قامت لترحل بعد أن أخذت العهد منه ولكنه حاول منعها بكل الطرق لخطورة ذلك على حياتها: - لا تذهبي مولاتي فذلك به هلاكك لا محالة انتظري هنا فأنا أستطيع أن أخبئك عن أعين الجميع حتى يهدأ الأمر وبعدها سأقوم بتهريبك لمكان آمن. رفضت طلبه بصورة قاطعة أبت أن تمكث وحدثته وهي تومئ برأسها يمينًا ويسارًا: - لا أستطيع فعل ذلك ولا تخشى علي فأنا لم أعد أكترث لشيء. أنهت حديثها  وخرجت مهرولة مرة أخرى رغمًا عن أنفه علها تلحق بحبيبها لتلقي بنفسها بين أحضان النيل ليرحب بها ويوصلها لحبيبها وعشقها الأبدي لتكون بذلك أول شهيدة للعشق عرفتها البشرية تاركة سرها خلفها، سر لا يعلمه سوى وصيفتها المخلصة.




يتبع