-->

الفصل الثاني - روضتني

 




الفصل الثاني



الرجل الحقيقي..

هو الذي يتحمل حبيبته في كل المواقف، 

وهو من يبدأ بالصلح في كل الحالات.

هو الذي يجعلك تعشقين نفسك وأنتِ معه.

هو الذي يرمم كسورك وأوجاع روحك.

هو الذي يعيدك إلى ذاتك ويصالحك مع الحياة.


❈-❈-❈


ظل يوميا يستيقظ محاولا تحاشي التعامل معها بالرغم من محاولاتها الدئوبة للتحدث معه أو حتى مشاطرته أي حدث باليوم ولو كان بسيطا كتناول وجبة اﻻفطار.


أصرت اليوم على تغيير اﻻمر فاستيقظت باكراً واعدت افطارا جيداً، ولكن تلك المرة وضعته بصنية كبيرة وصعدت لغرفته -التي ينام بها منذ شجارهما اﻻخير- ووضعت الطعام أمامه ليكن افطارا بالفراش كنوع من التغيير أو التدليل ربما.


حاولت إيقاظه بصوت رقيق فهمست وهي تربت على كتفه:

-ساااجد، اصحى.


فتح نصف عينه وعاد لاغلاقها والتفت يوليها ظهره وغطى جسده حتى رأسه بغطاء الفراش، فقوست فمها وعادت لدفعه بقوة أكثر قليلا وتحدثت بجدية:

-الفطار جاهز والساعه سبعه ونص يعني مش بدري.


سحب نفسا وزفره بضيق، واعتدل يرمقها بنظرة جامدة وابعد الغطاء من على جسده وتوجه للمرحاض ليغتسل، وخرج بعد أن ارتدى ملابسه كاملة وتوجه ناحية الباب وهي لا تزال جالسة مكانها فهتفت بلهفة:

-مش هتفطر؟


لم يعيرها أدنى اهتمام وتركها وخرج متوجها للشركة فهو قد آثر على تركها وعدم التحدث معها منذ تلك الليلة، ونقل ملابسه ومقتنياته لغرفة أخرى محاولا تقبل حديثها الذي قسم روحه إلى نصفين.


اثناء قيادته لسيارته جاءت تلك الفكرة برأسه فأدار مقود السيارة متوجها لمنزل اخيه الروحي وكبير العائلة قولا وفعلا، فهو الوحيد الذي يلجأ له الكبير والصغير لحل مشاكلهم، ليس فقط ابناء عائلة الفهد بل ايضا عائلة زوجته اصبحت تستشيرة بكل ما يخص العائلة.


دلف من البوابة الداخلية بعد أن اخبرت الخادمة بقدومه، فاستقبله فارس الذي كان لايزال يتناول افطارة برفقة عائلته فدعاه بلباقة:

-تعالى يا ساجد حماتك بتحبك.


ابتسم بزاوية فمه وتمتم بداخله متذمرا:

-آه من ناحية حماتي بتحبني، فالواضح انها هي بس اللي بتحبني لكن بنتها لأ.


استدار فارس عندما وجده شاردا لم يتحرك فدفعه دفعة صغيرة قائلا:

-يا بني، تعالى أدخل واقف ليه كده؟


أومأ له وتحرك معه للداخل ورحب بالجالسين على المائدة بابتسامة باهتة:

-صباح الخير عليكم.


رد الجميع سلامه وجلس بجوار فارس بعد أن أبتعد ساهر للجانب قليلا ليتيح الفرصة لابن عمه بالجلوس.


ابتسمت ياسمين الجالسة بالناحية اﻻخرى من فارس فاصبح ساجد أمامها تماما وسألته بعفوية:

-شيري عامله ايه؟ لسه فترة الوحم تعباها؟


ابتلع غصته بحلقه وحاول اخفاء ضيقه ورد بفتور:

-هانت.


لاحظ فارس حالته وأيقن وجود خطب ما بابن عمه وإلا لما أتى مبكرا وبهذه الطريقة؟ فرمقه بنظرة متفهمة وقال:

-افطر ونتكلم في المكتب.


أومأ له وبدأ بتناول إفطاره ولكن نظرات ياسمين الفضولية لزوجها جعلته ينظر لها بتحذير وعيونه لامعة، فطرقت رأسها تنظر لطبقها بصمت، فور أن انتهوا من تناول اﻻفطار تحرك فارس برفقته لغرفة المكتب واستدار ناظرا لزوجته وأمرها بصوت خافت:

-اياكي تتصلي بشيرين وتقوليلها إن ساجد هنا.


لم تفهم مغذى تحذيره ولكنها وجدت إصراره وجحوظ عينيه ونبرته المحذرة، فلم تجد بد سوى الرضوخ لأمره بايماءة خفيفة فأضاف بصوت مسموع:

-ياريت تعمليلنا اتنين قهوة من ايديكي.


وافقت وتحركت صوب المطبخ، ودلف هو جالسا على مكتبه وساجد أمامه يفرك أصابعه بعضها البعض بتوتر وحزن بيّن.


صمت فارس منتظراً أن يبدأ بالتحدث، ولكن طال به الصمت فسعل فارس سعلة صغيرة وسأله بهدوء:

-في ايه؟


رفع عينه ناحيته فرأى اﻻول احمرار حدقتيه، فتعجب وتجهم وجهه بشدة وسأله بحدة:

-مالك يا بني؟


تنهد بعمق وزفر باختناق واخبره بصوت حزين:

-انا وشيرين اتفقنا على الطلاق.


تلك الدهشة التي اصابته جعلته يعود بجسده للخلف مرتدا بقوة وهو يسأل بحيرة:

-يعني ايه؟ ليه؟


حرك ساجد رأسه مستسلما وقال:

-مفيش فايده يا فارس، انا حاولت كتير وخلاص حياتنا مع بعض بقت شبه مستحيلة.


وقف منتفضا وصرخ به دافعاً المقعد وراءه:

-ايه اﻻستهتار ولعب العيال ده، واللي في بطنها؟ سهل عليكم انتو اﻻتنين تربوا ابنكم مشتت بينكم! 


صاح بنهاية حديثه بغضب:

-مفيش حاجه اسمها طلاق بعد ما اتنيلتوا وبقى في طفل فى النص.


طرقت ياسمين التي استمعت لصراخه من الخارج على الباب ودخلت واضعه القهوة أمامها، فنظر لها فارس مدركا تماما لما سمعته، فصر على أسنانه وحذرها بصوت غليظ:

-اي حاجه سمعتيها أو استنتجتيها لو خرجت من جواكي للحيطه اللي قدامك فحسابك معايا هيكون عسير.


هل يهددها ويهينها بهذا الشكل أمام ابن عمه وزوج اختها الروحية؟ هل عليها الرد عليه اﻻن أم تركه حتى يهدأ؟ بالطبع هي تعلم من هو فارس الفهد وكيف يمكن أن يتسبب بأذيتها وقت غضبه رغما عنه، فخرجت مطرقة رأسها وهي حزينة من طريقته معها التي تذكرها دائما انه هو لم ولن يتغير مهما حاول.


اما هو فقد استند بمرفقه على المكتب واخذ يرتب لحيته الكثيفة بيده وسأله بهدوء حاول اكتسابه:

-ايه اللي حصل ووصلكم لكده؟


اجابه ساجد ببعض التفاصيل التي قصها عليه وهو في شدة الخجل واﻻحراج مما يتفوه به، قص عليه اسباب اﻻزمة التي تفرق بينه وبين زوجته ولا يجد سببا مقنعا لها، قص عليه وهو يلعن بداخله الموقف الموضوع به بسببها ولا يجد له حل.


استمع له فارس حتى صمت فسأله بحدة:

-خلصت؟


أومأ برأسه فبدأ فارس حديثة باهانته:

-طبعا أنت غلطان وغشيم ومعندكش اي مرونة في التعامل.


اندهش ساجد من حديثه فهل يكهله وحده باﻻمر ولكن لم ينفك فارس أن يكمل:

-وهي غبية ومستفزه وعايزه ربايه من اول وجديد.


ظن انه قد يسعد عندما يسمع اهانتها من قِبل فارس اﻻ أن الحقيقة قد شعر بالضيق لسماعه يسبها بهذا الشكل الذي اثار حنقه، ولكنه آثر الصمت فهو من أتى طلبا للمساعدة ولم يتأخر فارس بها فهدأ نفسه وقال بتوضيح:

-عايز تعرف ايه الغلط اللي عندكم؟


أومأ صامتا فأجاب فارس تسائلة:

-كل الستات ساعة الحمل بتبقى مش طايقه ازواجها، ده ممكن تبقى مجرد ريحته بتخليها مش قادره تقرب منه، فرفضها ليك وخصوصا في مراحل الحمل اﻻولى ده امر طبيعي جدا ومر علينا كلنا.


تعجب من معرفته لتلك المعلومات، ولكنه استنتج أن ربما زوجته قد فعلت المثل فحاول التأكد متسائلا:

-يعني ياسمين كانت رفضاك انت كمان و...

قاطعه فارس بجدية:

-بلاش مقارنات، واسمع اللي بقولك عليه وانت ساكت.


ارتشف رشفة من قهوته اعادته للجنة، فهو قد ادمن نكهتها من يد زوجته التي لا يضاهيها أحدا بصنعها وترك الفنجان مكانه واطنب:

-شيرين من اﻻول عندها مشكلة، كانت نفسيه او عضويه، فأنت لازم تعترف إن في مشكله وهي كمان لازم تتأكد أن الحل لازم ييجي منكم انتو اﻻتنين، ورفضها تروح لدكتور نفسي امر طبيعي لانها حامل وحساسه وهتاخد كل حاجه على اعصابها، فأنت بطل غشامه واحجز لها عند دكتور امراض نسا وشوف اﻻول إذا عندها مشكلة عضويه ولا لأ، وتقدر طبعا وأنت في الزياره دي تتكلم ولو طلع مفيش مشكله عضويه الدكتور نفسه هو اللي هينصحكم بالطب النفسي وتبقى جت منه هو مش منك انت.


ظل يستمع له وهو يوضح:

-رفضها ليك من أول الجواز له سبب ولازم تعرفه عشان المشكله تتحل، وبعدين اصبر عليها شويه الست في الشهور اللي بعد كده بيبقى عندها رغبه جامده جدا وممكن كمان هي اللي تطلبك.


ضحك ساجد ساخرا وقال:

-مظنش.


ابتسم فارس من سخريته ووقف متحركا صوبه ووقف وراءه يربت على كتفه وهو يهدأه:

-استحملها شوية عشان الحمل وهرموناته بتخليهم مش طايقين نفسهم وبيكونوا عايزين دعم نفسي كبير اوي، فأنت بدل ما توافقها على طلب الطلاق اظن كان اﻻفضل تبين لها أنك متمسك بيها، مش بعد ما صبرت كل ده رايح تقول لها اتجوز عليكي وهي حامل، غشيم!


شعر بالحرج يجتاحه ووقف قبالة فارس مطرقا رأسه فهتف اﻵخر مؤكدا:

-انا اخوك، اوعي تتكسف مني او تتضايق من كلامي، تيجي مني احسن ما تيجي من الغريب يا ساجد فاهم؟


تنهد ووافقه فمسح على ظهره بكفه الغليظ ونظر بساعة يده هاتفا بتعجل:

-طيب يلا انت كده يادوب توصل العالميه بعد تسعه.


❈-❈-❈


تفاجئت بهما على بوابة بيتها، فرحبت بهما وادخلتهما وهي تبتسم بسمة مصطنعة:

-ماما، طنط، اتفضلوا ايه النور ده؟


دلفتا كل من هدى ودينا وهما حاملتين اكياس مشتريات كثيرة لمحل مشهور لملابس المواليد وهتفت دينا بمرح:

-انا عديت على هدى واخدتها نعمل شوبنج وقولت نفاجئك، ها ايه رأيك بقى؟


حاولت رسم السعادة على وجهها وابتسمت وتناولت منهما اﻻكياس وبدأت بتفحص محتوياتهم فعقبت هدى:

-جبنا بس الحاجات اللي تنفع البيبي ولد أو بنت، ولما نعرف النوع نبقى نكمل شرا.


أومأت لها ببسمة مقتضبة فلاحظت والدتها شكلها الحزين فسألتها باهتمام:

-مالك يا شوشو؟ في حاجه مضيقاكي؟


نفت برأسها وأجابت:

-ابدا يا ماما، انا الحمد لله كويسه.


اضافت دينا موضحه:

-الحوامل كده يا هدى، كل يوم بحال، شوية مبسوطه وشويه زعلانه وزهقانه، متعرفيش لهم حال.


ضحكتا وحاولت هي مجاراتهما بالضحك المصطنع فوقفت هدى تهتف:

-طيب تعالي نرص الهدوم دي فوق، وخلينا نشوف الاوضه بتاعة البيبي هتجهزوها ازاي؟


صعدن ثلاثتهن للطابق الثاني وعند مرورهن من أمام باب الغرفة التي يمكث بها ساجد بعيدا عن غرفة الزوجية، لاحظت دينا الفراش المبعثر فقوست حاجبها بحيره، ولكنها آثرت الصمت فهي لا تعلم مجريات اﻻمور، وعند دخولهن لجناحهما بدأت هدى تنظر للغرفة وتسأل بفرحة:

-قوليلي بقى هتخلي البيبي ينام معاكي في اﻻول ولا هتعملي زي اﻻجانب وينام من صغره في اوضه لوحده؟


تذكرت طلبها للطلاق وموافقته على طلبها، ولكنه أخبرها وقتها بضرورة اﻻنتظار حتى تضع طفلها، فابتلعت مرارة بحلقها وردت:

-لا هينام معايا في اﻻول طبعا.


اتجهت هدى فورا لخزانة الملابس وفتحتها وهي تقول:

-طيب ارص الهدوم هنا على ما تجهزوا بقى اﻻوضه براحتكم.


تفاجئت دينا بالخزانة فارغة وهي تعلم تماما العلم أن تلك هي خزانة ابنها، فحكت وجهها باظافرها والتفتت تقول لشيرين:

-تقريبا نسيت الموبايل تحت، هنزل اجيبه احسن مراد يتصل.


أومأت لها دون تعقيب فخرجت اﻻولى متجة للغرفة اﻻخرى وفتحت اﻻدراج وخزانة الملابس لتجد مقتنيات واشياء ابنها مرصوصة بداخلها، فتجهم وجهها وقد فطنت انه ترك فراش الزوجية وانفصل عن زوجته لسبب لا تعلمه أو ربما تعلمه ولكن لا تريد اثارته.


اندفعت رغما عنها كالطلقة التي خرجت من مكانها وتوجهت لجناحهما وهي متجهمة الوجه وفور أن دلفت قالت بصوت حاد:

-ايه اللي بيحصل يا شيري؟


لم تعي سؤالها فنظرت لها بعدم فهم فوضحت اﻻخرى:

-انتوا متخانقين؟


التفتت هدى على الفور بدهشة وسألتها:

-مين اللي متخانقين؟ تقصدي شيرين وساجد؟


أومأت لها واضافت:

-ايوه، الاستاذ سايب اوضته وبينام في اوضه تانيه


تلعثمت وسألتها بخفوت:

-هو حكالك؟


نفت على الفور وردت:

-لا، بس انا اخدت بالي ان دولابه فاضي واﻻوضه التانيه فيها حاجته يبقى ايه غير انكم متخانقين!


❈-❈-❈


ارتمى على مقعده الوثير بعد أن قضى اليوم بين اجتماعات ومناقشات اهلكته فدخل عليه مازن بمرحه المعهود:

-سلام يا أبو چاسمين.


ضحك فارس باستسلام وقال مازحا:

-وجاسر شيلته من الالقاب ليه؟


غمز له مازن وهو يوضح:

-اللي اعرفه إن البنت حبيبة ابوها.


اتسعت بسمته حتى اذنيه وأومأ مؤكدا على حديث رفيق دربه:

-معاك حق، احساسي بيها مختلف خالص عن جاسر، طبعا هم اﻻتنين ولادي ومش هقدر اقول بحب حد اكتر من التاني، بس چاسمين احساسي بيها مختلف ومش عارف السبب.


غمز له مبتسما ومعقبا:

-عشان شبه حبيبة القلب بس، هو ده السبب.


ضحك ملئ فمه، وحرك رأسه باستسلام على افعاله ومزاحه الدائم فقطع ضحكته بسؤاله:

-بس مش ناوي تعمل حفله ولا عقيقه زي وقت جاسر؟ ولا هو الكلام ده للصبيان بس؟


أجابه موضحا:

-هعمل بس أنت عارف الظروف وتعبهم الثلاثه، أهو مستني بس فترة التعب دي تعدي وإن شاء الله هعمل لهم حفله جميله، لان عيد ميلاد جاسر كمان فات ومحتفلناش بيه.


حك مازن رأسه وسأله بتردد:

-الحياة الزوجيه عامله ايه معاك يا بوص؟


ابتسم واجاب بعفوية:

-الحمدلله زي الفل، يا رب ياسمين تفضل هاديه كده على طول.


طمأنه مبتسما:

-ياسمين بتعشق التراب اللي انت بتمشي عليه، فلو مره زعلتك ابقى صهين.


ضحك ضحكة رجولية عالية وقال متذمرا:

-اصهين! يا بني انا نفسي اعرف انت بتجيب اﻻلفاظ دي منين؟


اشاح مازن بيده وعاد لتوتره وتلعثمه ففهم فارس على الفور ملامح أخاه الروحي وسأله بمشاكسة:

-قول اللي واقف في زورك وهيموتك.


رمقه بنظرة مترددة فأومأ له فارس ليدعمه اكثر فقال اخيرا:

-انا وچنى قررنا ننجيب بيبي.


ابتسم فارس ورد بسعادة:

-جميل، الف مبروك.


 رد ممتنا:

-الله يبارك فيك، هي لسه فكره يعني، مجرد فكره قيد التنفيذ.


هذب فارس لحيته وسأله بحيرة:

-انتو اصلا كنتوا متفقين على التأجيل وغيرتوا رأيكم؟


أومأ له موضحا:

-بصراحه، انا اللي كنت مصمم على التأجيل ولحد دلوقتي مصمم، بس هي بقى غارت منك انت وياسمين وعماله تقولي نفسها تبقى ام.


رمقه بنظرة حادة وسأله بضيق:

-وانت مش عايز تخلف ليه؟


اغرورقت عينه بالعبرات التي حاول كتمها واجاب بصوت متحشرج:

-مش عايز اعلقها بيا اكتر من كده يا فارس، وكمان اسيب ورايا عيل يت....


قاطعه فارس هادرا:

-مااازن، ايه الكلام ده؟ انت خلاص تقريبا خفيت والكلام ده في علم الغيب، فبلاش بقى دراما وعيش حياتك وابني اسره.


استعر الحزن بصدره وهو يضيف:

-احنا مش اتفقنا انك سندي في الحياه ومش هتسيبني واحنا لسه في اول الطريق؟


أومأ محاولا اﻻبتسام فقال فارس بمزاح:

-يا واد انت مش لايق عليك الدراما والجد، مش هتقنع الجمهور ابدا.


ضحك مازن بشدة بعد أن استطاع فارس اخراجه من حالة الحزن فهتف ساخرا:

-لااا من ناحية اﻻدوار انا بقيت بلعب ادوار متنوعة مش بس الواد اللي دمه خفيف.


لم يفهم فارس معنى حديثه فنظر له بحيرة فاردف اﻻول بسخافة:

-اهو يوم دكتور ويوم مريض، يوم رجل اعمال ويوم رجل مطافي، كده يعني عشان الملل.


رفع فارس حاجبه عاليا بعد أن فهمه وهدر به بغضب:

-الله يفضحك، يا بني اختي، انت متجوز اختي يهرب عقلك، انسى بقى زمان وحياتك اللي كانت على المشاع دي الله يحرقك.


ضحك مازن ساخرا من ردة فعله عندما عاد فارس للجلوس على مكتبه وسأله بحيرة:

-وفعلا مفيش ملل؟


لم يتمالك مازن نفسه من الضحك بانهيار فرمقه اﻻخر بنظرة حادة فحاول أن يصمت وأومأ مؤكدا:

-مفيش ملل خالص، خصوصا أن الواحد كان متعود على التغيير وكل يوم واحده، فكده بحس كأني فعلا كل يوم مع واحده.


مسح فارس وجهه وزفر بضيق وهو يتمتم بصوت مسموع:

-صيعت البت الله يخربيتك، سامحيني يا چنى انا اللي وقعتك الوقعة دي.


ابتسم له وعقب:

-احلى واقعه والله، بجد مكنتش متخيل اني بحبها بالشكل ده، تفتكر ده كان غشامه مني ولا ايه الموضوع؟


اتكئ فارس على مقعده وقال بهدوء وصوت رزين:

-اقولك الحقيقة وتصدق على كلامي؟


وافقه منتظرا اكماله لحديثه فقال:

-انا من واحنا صغيرين كنت بحس أن معاملتك لچنى مختلفه، بس كنت بعمل زيك واقول اخته زيها زي بيري، لحد ما طلبت مني انك تتجوزها شوفت في عينك لمعه غريبه مشفتهاش إﻻ في عين ياسمين وهي بتحبني.


شعر مازن بالخجل فأطرق رأسه وفارس يضيف:

-انت كنت حاسس وبتكابر زي ما كنت بعمل مع ياسمين، وجودكم مع بعض هو اللي شال الحواجز اللي بينكم.


ابتسم صامتا فشاكسه فارس وهو يعبث بشعره:

-ايه ياختي الكسوف ده؟ مازن الفهد بيتكسف معقول!


ضحكا اﻻثنان على مزاحهما فاستدار فارس عائدا لمقعده وتحدث بجدية:

-خلينا نتكلم جد شويه، عايزك تاخد بالك اليومين الجايين من ساجد وحاول تخرجه من المود اللي هو فيه.


انعقد حاجبيه وسأله بدهشة:

-هي مشاكلهم دي مش هتخلص؟ معقول ساجد مش عارف يظبطها البت دي؟


قوس فارس فمه بضيق ورد بتلقائية:

-مش قادر احكم العيب عند مين فيهم، بس اللي متأكد منه إن شيرين عندها مشكله مش صغيره ولازم يلاقولها حل واﻻ حياتهم هتبوظ.



❈-❈-❈

عاد منزله كعادته متاخرا بسبب كثافة العمل فوجد المنزل بحالة سكوت تام ولكنه سمع صوت همهمات صغيريه بغرفة حنان، فابتسم وطرق على الباب وفتح فوجدها جالسة برفقة زوجته.


اقترب ملقيا السلام فهو لم يغب عنه حزنها منه صباحا بالرغم من محاولتها عدم اظهار ذلك، ردت حنان وهي تداعب الصغير:

-ازيك يا حبيبي.


ابتسم لها وجلس ملتصقا بزوجته الجالسة على حافة الفراس ورد:

-الحمد لله يا داده.


انحنى بوجهه وقبلها من عنقها فشعرت بالخجل ورمقته بنظره معاتبة وقالت بصوت خافت:

-ميصحش كده.


غمز لها مبتسما وحمل الرضيعة چاسمين واخذ يقبلها ويغمغم باصوات مرحه، فصرخ جاسر بغيرة فضحك فارس عاليا وهو يجد الصغير قد قارب على التحدث من كثرة غيرته، فترك الرضيعة ومسكه ناظرا له بحب وقال بصوت طفولي:

-يا غيور، بتغير من اختك وتغير على مامتك مني، اعمل فيك ايه بس!؟


قبله وهو مستمر بملاعبته فرفعت حنان يديها للسماء هاتفة بتضرع:

-يارب يحفظك يا فارس انت وعيلتك، وميورنيش فيكم حاجه وحشه ابدا.


أمن عليها:

-آمين يا داده.


اقترب من أذن زوجته وهمس لها بنبرة مثيرة:

-ما تيجي نطلع الجناح بتاعتنا شويه، فرصه وداده قاعدة بالولاد.


التفتت تنظر له بتحذير من استمراره باحراجها بهذا الشكل أمام حنان، التي تفهم كل ما يدور بينهما بحكم مكوثها معهما فقالت بهمس:

-وبعدين معاك يا فارس، بطل تحرجنى بقى.


عاد لهمسه:

-وحشتيني اوي، هو ميعادك امتى مع الدكتورة؟


اجابته وهي ناظرة له بوله وحب:

-يوم الخميس إن شاء الله، بس انا بقيت كويسه خالص والنزيف وقف كمان.


أمومأ موافقا وعقب:

-حلو اهو يوم الجمعه يبقى احتفال من كله.


نظرت له بفضول فأزال فضولها موضحا:

-هنعمل الحفلة للولاد يوم الجمعه الجايه باذن الله.


ابتسمت بفرح وردت بطفولة:

-الله ايوه بقى.


تدخلت حنان بالحديث متسائلة:

-ما تفرحوني معاكم.


أجابها فارس على الفور:

-ابدا يا داده بس يوم الجمعه إن شاء الله نعمل سبوع چاسمين وعيد ميلاد جاسر كمان.


ثم انحنى وهمس باذن زوجته:

-واحتفالي انا بقى فوق في الجناح بتاعنا بعد الحفلة ما تخلص.


اخفضت رأسها بخجل وهي تقضم شفتها السفلي بحرج، فربت على ظهرها ووقف متحركا للخارج وهو يقول:

-يلا يا سلطانه خلينا نسيب داده ترتاح شوية.


حمل طفليه فهتفت حنان:

-سيب جاسر معايا يا فارس هو متعود يفضل معايا.


التفت وتركه بحوزتها وهو يخبرها بتأكيد:

-خلاص يا داده هانت، وبكره الصبح جاي طقم مربيات عشان ياسمين تختار منهم وإن شاء الله ترتاحي من فركه الفراك ده.


ضحكت وهي تحمله قائلة:

-ده حبيبي، بيفكرني بيك وأنت صغير يا فارس نفس العنين الشقية دي اللي بتقول كلام كتير اكبر من سنه.


ضحك عاليا وياسمين ترمقه غامزه وهي تقول:

-لو سألوني نفسك في ايه؟ مش هقول غير أن نفسي اشوف فارس وهو صغير.


غمز لها بطرف عينه وقال بمشاكسة:

-كنت شقي اوي ومدوخ البنات ورايا.


ضربته ضربة توبيخ فضحك عاليا واحتضنها وقبل رأسها هاتفا بحب:

-حبيبتي انتي.


خرج برفقة زوجته وصعدا لاعلى، وفور أن دلف جناحه استمع لرنين هاتفة فجعد ملامحه وهو يخرجه من جيب سترته هاتفا بقلق:

-خير، مين اللي بيتصل دلوقتي؟


وجد الرقم الخاص بالطبيب المعالج لابنة عمته فرد فورا:

ازيك يا دكتور؟ خير؟!


اجابه الطبيب من الطرف اﻵخر:

-أنا اسف لو بتصل في وقت متأخر يا فارس باشا، بس الموضوع مكانش ينفع يستنى للصبح.


تضايق من ثرثرته فقال بحدة:

-في ايه يا دكتور اخلص؟


اجابه بتردد:

-اصل الانسه عاليا حاولت تنتحر و...


قاطعه صارخا:

-ايه؟ انت بتقول ايه؟


اجاببه موضحا:

-متقلقش احنا لحقناها بس حضرتك عارف ان المصحه لازم تبلغ عن الحالات دي وانا قولت...


قاطعه مجددا وهو يتحرك صوب الباب:

-انا جاي في الطريق، بلغ أمن البوابه عشان يدخلوني.


اغلق معه وهو بالفعل قد خرج من جناحه ولكن لحقته ياسمين تسأله بلهفة:

-في ايه يا فارس؟


رد عليها وهو ينزل الدرج:

-عاليا حاولت تنتحر تاني.


زمت شفتيها بضيق، ولكنه لم يهتم وخرج من بوابة الفيلا بعد أن هاتف حارسه ليجهز له سيارته واندفع بالسيارة متوجها للمشفى الذي تمكث فيه عاليا والذي لا يبعد كثيرا عن منزله.


وصل سريعا ودلف من البوابة الحديدية ومنها إلى غرفة الطبيب، الذي استقبله بترحيب لم يلاقي مثيله عند فارس الذي هدر به بعنف:

-انا عايز اعرف انتم لازمتكم ايه؟ لما كل شويه تحاول اﻻنتحار وبتنجح فيه! ده معناه انكم لا مأمنين المكان كويس ولا العلاج جايب نتيجه معاها.


رد الطبيب محاولا شرح اﻻمر:

-يا فارس باشا مشكلة اﻻنسه عاليا انها رافضه العلاج، هي اللي مش عايزه تتعالج ولا متقبله أي حاجه مننا عشان كده وضعها من سيئ لاسوأ.


زفر بعصبيه واحتقنت الدماء بعينه وقال بضيق:

-مش قادرين تعالجوها بلغوني وأنا اوديها اكبر مصحه تساعدها، كانت هنا ولا بره البلد، لكن انا مش هتساهل معاكم تاني لو حاولت تنتحر مرة تانيه.


صمت الطبيب بحرج فهتف فارس بصوت غليظ:

-عايز اشوفها.


أومأ صامتا وارشده لمكانها، فوجد كل من يديها وقدميها مكبلتين بالفراش فتضايق من هذا المنظر والتفت ينظر للطبيب بغضبب وهتف بشراسة:

-ايه اللي انتو عاملينه فيها ده؟


فتحت عينها فور أن استمعت لصوته و الطبيب يخبره:

-كانت في حالة هياج جامده جدا بعد ما انقذناها يا فندم وكان لازم....


رفع فارس يده عاليا بوجه الطبيب يأمره بالصمت وهتف آمرا:

-فكوها فورا.


اتسعت بسمتها ونظرت له هامسة بتعب:

-فااارس.

يُتبع..