رواية روضتني-الجزء الثالث من أحببت طريدتي-بقلم أسماء المصري_الفصل الخامس
رواية روضتني الجزء الثالث من احببت طريدتي بقلم أسماء المصري
الفصل الخامس
ربما كانت الظروف الوحيدة التي تجعلنا نرى المرأة على حقيقتها، هي عندما نكون نحن على حقيقتنا، ومن النادر أن يكون الإنسان على حقيقته؛ ولذلك من النادر أن نفهم المرأة؛ ومن النادر أن نكون على حق معها.
أنيس منصور
❈-❈-❈
أحيانا ما تجد الحياة صعبة عليك أنت بالأخص دونا عن باقي البشر، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي تحثك على المواصلة والأستمرار وتهمس بأذنك "أصنع قدرك بنفسك".
فإن كان قدرك أن تصبح تابعا للأبد وأردت أن تغير هذا اﻷمر فأصنع قدرك بنفسك وتحرك للأمام ولا تنظر خلفك أبدا، أنتظر اللحظة الحاسمة وانطلق بقوتك مهما كانت العواقب التي قد تودي بك إلى الهلاك ربما، ولكن وقتها ستشعر بمدى سعادتك وأنت تهلك لأنك وأخيراً اتخذت قرار وفعلت ما يحلو لك.
كانت تلك هي اﻻفكار والكلمات التي تدور برأسه بتلك اللحظة بالتحديد"أصنع قدرك بنفسك"
فهو يقف اﻵن أمام الطوفان بجسـ ـده المجرد من أي أداة لحماية نفسه وعلى اتم استعداد للمحاربة بكل قوته، ولكن...
انتمائه وولاءه لذلك المارد أمامه أكبر من كل شيئ ومن أي رغـ ـبة بداخله فما العمل اﻵن؟ ما المفترض به أن يفعل؟ يهدئ من غضـ ـبه الجحـ ـيمي بعد أن صـ ـرخ به لمعرفة سره المدفون بداخله وأمر سائقه بايقاف السيارة ونزل ممسكا إياه بقوة ساعده وهزه بعنـ ـف لاعـ ـناً إياه بحدة وغضـ ب:
-ما تنطق، مين اللي انت خا يف تقولي عنها؟
صمته جعل ذلك الثائر يقوس حاجبيه، وامتعض اكثر عندما تركت زوجته الرضيعة بالسيارة ونزلت تقف بجواره ممسكة إياه من كتفه:
-اهدى يا فارس، يعني كنت موافق عليه لبيري وبجد مش فاهمه ايه اللي معصبك؟
التفت ينظر لها بغضب وقال صارا على أسنانه:
-عشان خوفه ده بيقول انها واحده هو عارف ومتأكد اني هرفضها.
ردت عليه بحدة أمام رجاله غير عابئة بشيئ:
-وانت دخلك ايه باللي هو عايزه؟ انت مديره يا فارس مش ابوه، هو حر.
رمقها بنظرة غاضبة وأجزم بشرا سة:
-بتنسي كتير أوي يا ياسمين أنتي متجوزه مين! والظاهر ان لازم من وقت للتاني افكرك وأنا معنديش مشكله في ده.
ارتد جسـ ـدها للوراء وهي ترى الشرر يتطاير من عينه ففزعت على الفور فهي تعرفه حق المعرفة، فصمت عندما وجد خوفها منه بهذا الشكل فعاد ونظر لحارسه واشار له بمعنى هات ما عندك فابتلع زين ريقه بتباطئ واردف:
_اﻻنسه دعاء بنت عم ياسمين هانم.
لم ينتبه للولهه اﻻولى للاسم ولكن عندما صاحت هي بتفاجئ:
-بتقول مين؟
التفت لها ووزع انظاره عليهما وقال بصوت اجش متصنعا الهدوء:
-اخت شادي؟!
أومأ له فزم فارس شفتيه للأمام وصمت قليلا فتوتر اﻵخر وسأله بتلعثم:
-رأيك ايه يا باشا؟
أجابه بتساؤل:
-مستني رأيي ولا موافقتي؟
أجاب بدون تردد:
-الأتنين يا باشا.
نظر له بنصف ابتسامة وسأله مجددا:
-متأكد أنك هتسمع لرأيي وتنفذه؟
أومأ وهو يؤكد:
-انا عمري ما عصيت سيادتك.
هز رأسه باﻻيجاب وقال بتصميم:
-يبقى لأ، شوفلك واحده تانيه وأنا اجوزهالك الصبح.
دبلت نظراته نحو رب عمله واطرق رأسه بحزن وظل صامتا فقال فارس بتأكيد:
-سمعتني ولا اعيد تاني؟
أومأ له مؤكدا:
-سمعتك يا باشا.
اشاح بيده وقال بحدة:
-روح اركب في عربية الحرس وابعت امجد بدالك، وخد باقي اليوم اجازه.
تحرك دون تعقيب صوب سيارة الحراسة اﻻخرى التي تتبعهم، وصعد فارس السيارة ونظر لزوجته التي تحمل رضيعتها بجواره وهي تشعر بالحزن بل بالذعر منه، أمر سائقه بالتحرك فور أن دلف امجد ونظر لها متسائلا بضيق:
-ايه حكايتك؟
لم تعي سؤاله فهمست بتلعثم:
-انا علمت حاجه؟
أجابها بحدة:
-مالك؟ انتي خايفه مني ليه كده؟
أجابته بتوتر ملحوظ:
-مش شايف نفسك؟ من شوية مسكت السلاح وكنت مستعد تسخدمه ودلوقتي نظراتك وصوتك وتهديدك.
ضرب المقعد امامه صارخا بحدة:
-عشان انا قولتلك ميت مره متدخليش بيني وبين الناس اللي شغاله عندي وانتي مفيش فايده فيكي.
صمتت واطرقت رأسها باكية فزفر باختناق وأمر سائقه:
-اقفل الshield (الحاجز) اللي بينا يا كارم.
فعل الأخير على الفور فأصبحا بمفردهما فرمقته بنظرة متخوفه منه، ولكنه شعر بغصة بداخله بسبب خوفها منه بهذا الشكل فأمسك رضيعتهما وتركها بالمقعد المخصص لها والملحق بالسيارة وأمسك راحة زوجته وسحبها ليجلسها على فخذيه؛ فعلت انفاسها وحاولت تركه والجلوس بمكانها ولكنه شدد على خصرها واحتضنها بقوة رامقا إياها بنظرة معاتبة وقال هامسا بجوار أذنها:
-انا قولت لك كام مره أنك أهم حد في حياتي؟
رمقته بنظرة متشككة من حديثه الذي لا ترى صدقه؛ ففهم نظرتها وتضايق من تفسيرها الخاطئ للأمور ففسر بهدوء:
-هو لما بنكون لوحدنا بتشوفي مني حاجه تضايقك أو تخوفك؟
أومأت نافية فعقب على ردها بسرعة وضيق:
-طيب أومال إيه بقى؟ يعني انتي فاهمه كويس إني بحاول أحافظ على هيبتي قدام الناس اللي شغالين معايا، وأنتي بتحاولي بكل قوتك توريهم ضعفي ناحيتك.
ردت عليه بحزن وبكاء:
-طول ما أنت شايف حبك ليا ضعف، عمري ما هكون سعيده معاك يا فارس.
صر على اسنانه وقال لها بحيرة:
-معقول ده تفسيرك؟ أنا عمري ما خبيت حبي ليكي بالعكس أنا بظهره قدام اي حد من غير لا خجل ولا كسوف، اللي مش عايز الناس تشوفه هو ضعفي ناحيتك يا ياسمين.
زفر بضيق واطنب:
-انتي ليه مش قادره تفهمي؟ بعمل المستحيل عشان اخليكي مبسوطه ومرتاحه معايا، ومع ذلك أنتي مستكترة إنك تديني مكانتي اللي استحقها منك قدام الناس، مش طالب اكتر من كده والدليل إن وأحنا لوحدنا عمري ما بعلق على اي تصرف بيخرج منك، لكن ازاي؟ ياسمين متحسش أن فارس بيحبها إﻻ لو هزئته وصغرته قدام الناس وهو قبل وسكت، غير كده يبقى مبحبكيش وتبقي مش سعيده معايا، بجد يعني مش مصدق نفسي.
حاولت ترك فخذيه واﻻبتعاد حتى ترد عليه، ولكنها وجدته متمسك بها بشده فقالت بوهن:
-سيبني.
رفض محركا رأسه بالنفي:
-لأ.
تنفست عاليا وحاولت كبح دموعها فهمس باذنها:
-يا سلطانه براحه عليا وعلى نفسك، أنا اتغيرت كتير أوي عشانك وأنتي محاولتيش تغيري أي حاجه فيكي عشاني، وأنا قابلك بكل ما فيكي، بس انتي مش قادره تقبلي فيا العيب ده بس.
رفع وجهه ينظر لمقلتيها الحزينتين وقال بفضول:
-يمكن يكون فيا عيوب كتير، بصراحه انا مش شايفها والعيب الوحيد اللي شايفه وحاسس بيه هو الهيبه، والهيبه بتخليني عايز معامله معينه من الناس واحترام أنا شايف اني استحقه، فأنتي بقى شايفاه عيب مستحيل تعديه وتستحمليه مش كده؟
أجابته موضحة:
-مش الهيبه يا فارس، الغرور والتسلط والتحكم في كل اللي حواليك حتى اللي ملكش عليهم سلطه.
أعاد رأسه للوارء فتحركت من على فخذيه؛ فأحكم قبضته عليها وقال بصوت حزين:
-خليكي، عايزه تبعدي عني ليه؟
لم تجيبه فهمس لها:
-حاضر، كل اللي انتي عايزاه هعمله، مبسوطه كده؟
ركزت انظارها بعينيه وسألته:
-بجد؟
أومأ لها فقالت بسرعة:
-طيب وافق على جواز زين ودعاء هما.....
قاطعها فورا:
-اي حاجه إﻻ ده.
صمتت رومقته بنظرة جامدة، فرفع وجهه ساحبا ثغرها بقـ ـبلة عميقة لم تبادله إياها ولكنه أصر وزاد من تعميقها حتى تجا وبت معه؛ فأخرج اهه عفوية من مذاقها الذي ادخله الجنه وابتعد يرمقها بنظرة عاشقة وقال بحب:
-ايه رأيك نتغدى بره لوحدنا؟
أشارت للصغيرة فابتسم وقال:
-هنسيبها في العربيه مع أمجد ولو حصل وصحت يبقوا يدخلوهالنا.
وافقت بحركة طفيفة من رأسها وهي تقضم شفتيها فقبلها من جديد قبلة عاصفة ومؤججة للمشاعر وقال هامسا داخل أذنها:
-عشانك هرجع استخدم وسيلة بكرهها ومش بحب افتكر الفترة اللي كنت بستخدمها فيها.
ابتعدت عن حضنه ورمقته بنظرة غيورة وقالت:
-آه، أيام الصياعه.
ضحك عاليا وأومأ مؤكدا:
-ايوه ايام الصياعة، الحمد لله الذي تاب علينا.
خللت ذراعها بتجويف ذراعه ووضعت رأسها على كتفه تحتضنه من جانبه، وقالت بحب:
-بحبك اوي، وفرحانه أوي أنك اتغيرت وبقيت انسان تاني بتصلي وبتخاف من ربنا، ولو بس تقلل الغرور شويه عشان ربنا مش بيحب البني آدم المغرور.
مسح على ظهرها وقال مؤكدا:
-ربنا أكيد شايف أنا كنت فين وبقيت فين، والحمد لله على اللي وصلتله ومفيش حد بيتغير من النقيض للنقيض من يوم وليله.
ابتسمت وعقبت:
-عارف يا فارس إيه الحاجه اللي لو عملتها ربنا يشيل أي ذرة غرور من قلبك وتبقى انسان متواضع وكل الناس تحبك؟
نظر لها بفضول وعقب على تساؤلها:
-وأنا كده الناس مش بتحبني؟
حركت أناملها أمام وجهه وأجابت:
-مش كل الناس، الغالبيه العظمى بتخاف منك.
ضحك واضاف:
-الخوف حلو برده.
قوست فمها وقالت بامتعاض:
-يادي الغرور ياربي.
رمقها بنظرة مشاكسة ورد غامزا:
-اكتر صفه بحبها فيا يا سلطانه
زفرت باستسلام فسألها ضاحكا:
-طيب خلاص قولي إيه هي الحاجه اللي لو عملتها مش هبقى مغرور؟
أجابته وهي تقبله من وجنته:
-تروح الحج.
أبتسم بوجهها وقال:
-والله كانك بتقري افكاري، أنا عامل حسابي السنه دي إن شاء الله أكيد على الحج، بس كان نفسي تيجي معايا.
تحسست بشرته وقالت بتهرب:
-الجيات كتير.
ضحك ساخرا وقال:
-اه، افضلي اهربي من ركوب الطيارة كده على طول.
قضمت اسفل شفتها وقالت بمقايضة:
-طيب أنا ممكن أوافق على خوض التجربة بتاعة محاكاة الطيران بس بشرط.
انتظر سماعها فاضافت:
-تنزل معايا نعمل شوبنج ليا وليك، أنا مقاسي أختلف ومحتاجه هدوم كتير وانت كنت واعدني هتخليني اختارلك هدوم كاچيوال.
زادت ضحكاته وعلى صوته وهو ينظر لوجهها الطفولي وقرص وجنتها قائلا بحب غامزا لها بطرف عينه:
-حاضر يا سلطانه، اما اشوف اخرتها معاكي، وكاچولوني.
❈-❈-❈
أنتظر وصولهما للمطعم وتقدم من رب عمله يستأذنه بالرحيل فأذن له؛ فتحرك من أمامه ناظرا له بانكسار فرأته تلك المتعلقة بذراع زوجها؛ فشعرت بالحزن على حاله، ولكنها صمتت مؤقتا حتى لا تثير حفيظة زوجها، أما هو فتحرك مطئطئا رأسه وابتعد عن مرمى أنظارهم وزميله ينظر خلفه متفاجئا من تلك الحالة التي يجده عليها لاول مرة.
اشار لسيارة اجرة وتحرك بها لوجهه لا يعلمها فسأله السائق:
-على فين إن شاء الله؟
رد عليه زين بتجهم:
-خليك سايق كده شويه وهقولك.
أمسك هاتفه واتصل بها فردت بصوت هادئ:
-زين! متصل بدري انهارده!
رد عليها بصوت حزين استشفته فورا:
-منا قولتلك أن فارس باشا قرر يعمل مواعيد، ونبدل انا وأمجد.
تخوفت من نبرته فسألت بفضول:
-بس انت مقولتش إنك هتبدأ من انهارده!
زفر أنفاسه بفروغ صبر وقال بحدة:
-خلاص اقفلي لو مش عايزه تتكلمي.
هتفت فورا وبتسرع:
-استنى بس، أنت مالك فيك ايه؟
أجابها وهو يجاهد لكبح حزنه وغضبه:
-فارس باشا عرف بموضوعنا.
ردت بلامبالاه:
-ما انت قولت لي انه عرف.
وضح لها بتنهيدة حارقة:
-مكانش يعرف أنه أنتي يا دعاء، كان فاكرني بحب بيري هانم أخت مازن بيه.
ابتسمت وقالت بمرح:
-اه تمام، ولما عرف إيه اللي اتغير؟
رد بحدة:
-ايه الهدوء والبرود اللي انتي فيه ده؟ تفتكري رأيه هيكون ايه؟ أكيد رفض يا دعاء.
ردت عليه بهدوء وعدم اكتراث:
-طيب ما احنا كنا عارفين أنه هيرفض، إيه الجديد؟
تحدث بحزن مضجع:
-كان عندي أمل يوافق، خصوصا لما حسيته معندوش أعتراض وهو اللي فاتحني في الموضوع، اداني اﻻمل ورجع سحبه مني تاني.
سألته بتوتر:
-ورأيه يهمك اوي؟ هيفرق معاك يعني؟
نظر أمامه للطريق من نافذة السيارة ومسح وجهه قائلا بتردد:
-اكيد رأيه يهمني، فارس الفهد مش مجرد رئيسي في الشغل، إحنا علاقتنا أكبر من كده بكتير وعشرتنا من زمن، أنا افتكر أنه أول واحد اشتغل معاه من وأنا عندي واحد وعشرين سنه.
تحدثت بضيق موضحة:
-وأنت مش صغير وراجل ملو هدومك ومش محتاج موافقته على حياتك الشخصيه، هو له شغلك وبس.
سألها بتردد:
-ولو مشاني من الشغل؟ تفتكري والدك هيوافق بيا وأنا خالي شغل؟
تحركت من مكانها لتجلس على فراشها وتلاعبت بخصلاتها بعدم إهتمام وقالت:
-انت معاك مبلغ كافي تبدأ بيه أي مشروع، واهو أحسن من الشغل الخطر اللي أنت فيه ده، أنا طول الوقت بكون قلقانه عليك يا زين.
صمت فتحدتث تناديه:
-زين.
همهم بهدوء فقات:
-انا بحبك.
ردد هو اﻻخر:
-وانا كمان بحبك.
حاولت إخراجه من حزنه فداعبته بالحديث:
-فاكر أول مرة نتقابل فيها؟
ضحكت وقالت بسخرية:
-جت بمنفعه عزومة الباشا اللي كانت بالغصب.
صمت وهو يتذكر تلك العزيمة بالشهر الفضيل والتي تقابل معها لأول مرة وجها لوجه، وتوالت بعدها مقابلاتهما كلما سنحت له الفرصة حتى اعترفت هي بمشاعرها ناحيته فبادلها اﻻعتراف.
❈-❈-❈
نظر أمامه فوجد تلك الرقيقة تجلس بمفردها ويبدو عليها الحزن والبكاء فاتقرب منها وتحدث بصوت هادئ:
-حضرتك كويسه يا استاذة؟
مسحت وجهها الباكي والتفتت تنظر له وأومأت له مجيبة:
_ايوه، في حاجه؟
رد بحرج:
-ابدا بس المغرب قرب يأذن والعيله كلها في الجنينه الداخليه.
زفرت بضيق وقوست فمها:
-عارفه، محتاجه اقعد مع نفسي شويه.
اخ٥رج محرمة بدلته وناولها إياها مبتسما وقال:
-متضايقيش نفسك، احنا في شهر كريم.
بكت رغما عنها وسألته:
-انت البودي جارد بتاع فارس باشا مش كده؟ انا شوفتك كذا مره.
أومأ لها مؤكدا:
-ايوه الجارد الخاص بتاعه.
مد راحته وعرف عن نفسه باحترام:
-زين بدر الصوفي.
وقفت أمامه وصافحته ببسمة رقيقة:
-دعاء أحمد غزال.
سحب نفسيا عميقا وأشار لها هاتفا:
-ممكن تدخلى الجنينه من هنا اقرب ما تدخلي من البوابه.
مسحت وجهها وقالت بضيق:
-مش عايزه ادخل دلوقتي، غصب عني ضايقت ياسمين، بس مش قادره اتخطى اللي حصل من اللي اسمه فارس في حق اخويا، وفي اﻻخر كله بيتعامل معاه وكأن اللي حصل كان عادي.
بكت رغما عنها وقالت بغضب:
-حتى بابا جاي وحضر العزومه ولا كأن لينا حق عنده واللي اتبهدل اكتر من مره ده إبنه الوحيد.
حاول تهدأتها وشرح اﻻمر لها فقال:
-انا يمكن شهادتي مجروحه في الباشا بس...
قاطعته مجزمة:
-طبعا، ما انت اكيد واحد من البودي جارد اللي بهدلوا اخويا وضربوه وكسروله رجله وايده.
تلعثم قليلا ورد مدعيا:
-يا آنسه انا مجرد جارد شخصي، مليش في الكلام ده.
اشاحت بوجهها الباكي فتضايق من شهقات بكاءها التي علت؛ فحاول تهدأتها مجددا فتحدث بهدوء:
-طيب ممكن تبطلي عياط وتسمعيني؟
مسحت وجهها بمحرمته ونظرت له بانصات فقال مطنبا:
-مش هتكلم في الوقت اللي قبل جواز فارس باشا عشان يمكن معاكي حق، وهو مبهدلش أهل ياسمين هانم وبس، ده كان حالته صعبه جدا ونازل في الكل بهدله من غير تفرقة وحقيقي محدش سلم منه ولا المقربين له.
ابتلع ريقه وأكمل:
-بس اللي حصل منه في الفتره دي كلنا عديناه عشان حسينا بيه قد ايه كان بتعذب! ولو كنتي بتحبي هتفهمي يعني ايه تلاقي اﻻنسان اللي بتحبيه مع حد تاني.
بلل شفتيه وأطنب باستفاضة:
-وابدا مش ببرر له تصرفاته الغلط، أنا ببرر تساهل الكل ومسامحتهم ليه بعد كل ده، واهلك اولهم يا آنسه دعاء بعد ما فهموا الحقيقه وعرفوا قد ايه بيحب مراته، لكن لو رجعنا لتصرفات شادي فهتلاقيه هو الغلطان.
صرخت به رافضة ومتسائلة:
-غلطان في ايه؟ غلطان عشان كان بيدافع عن حقه في خطيبته؟
اجابها بتوضيح:
-لا، كان بيتحدى فارس باشا وهي على ذمته، مفيش راجل عاقل يقف قدام القطر ويقوله مش هتقدر تدوسني، لكن شادي عمل كده وبأسلوب غلط وأنا كنت حاضر واترجيته يبعد بس هو عاند.
نظر لها وكم ود إزاحة تلك العبرة العالقة على وجهها بانامله، ولكنه تراجع وتحدث معها برقة:
-انا اترجيته يبعد عن طريق الباشا، بس هو وقف وسط الشارع يقوله خطيبتي وبنحب بعض وهي كانت على ذمة فارس باشا، قسيها على نفسك قوليلي هتتصرفي ازاي؟
ضحكت وهي تمسح وجهها بمحرمته وقالت:
-انا بنت، مينفعش أكون مكانه.
بادلها الضحك وقال هو اﻵخر:
-انا بقى راجل وبقولك لو حد جمع إسمه بإسم اﻻنسانه اللي بحبها أو ناوي اتجوزها في جملة واحده هقتله، ما بالك بقى بمراتي؟
بللت شفتيها وسألته بخجل:
-ومراتك مش بتقلق عليك من الشغلانه دي؟
ابتسم ورد موجزا:
-انا لا متجوز ولا مرتبط حتى.
اتسعت عينيها فضحك واضاف:
-هلاقي وقت منين؟
سألته بحيرة:
-ليه؟ انت مش بتاخد اجازات ولا راحه خالص؟
أومأ نافيا واخبرها بصوت رجولي:
-انا الجارد الخاص، يعني ملازمه 24/7.
ضحكت وعقبت:
-صبح وليل وفي كل وقت يعني!
اكد لها بحركة طفيفة من رأسه فتعجبت وقالت:
-ده كده ملوش خصوصية خالص واﻻكيد انك عارف عنه كل كبيرة وصغيره.
ضحك عاليا ونظر للارض بخجل واجاب:
-مش بس كده، أنا اعرف ادق ادق تفاصيل حياته، بس أسرار المهنه طبعا مستحيل حد يعرف أي حاجه عنه.
رفعت كتفاها وقالت بلامبالاه:
-كنت شوفتني سألتك عن حاجه؟
ابتسم لها بلباقة ونظر بساعته وصوت اﻻذان يصدح عاليا فقال لها بود:
-طيب اتفضلي اوصلك للجنينه، المغرب ادن خلاص.
تحركت معه للطريق المختصر للحديقة المقام بها العزيمة وابتسم لها معقبا:
-صوما مقبولا إن شاء الله.
ردت عليه:
-واياكم، ومتشكرة جدا أنت فعلا خرجتني من المود اللي كنت فيه.
أطرق رأسه باحترام وقال بصوت خافت:
-أي خدمه.
عاد من شروده مستمعا لصوتها فأخبرها بتنهيدة عميقة:
-انا عايز أشوفك.
ابتسمت ورحبت مؤكدة:
-بس كده! ده انا هتجنن واشوفك، وحشتني اوي.
شعر بغصة مؤلمة داخله فكيف سيخبرها بانفصاله عنها بعد أن علم قرار رب عمله القاطع بذلك اﻻمر؛ فاغلق معها الهاتف وهو يشعر بتمزق أوصاله.
❈-❈-❈
ظل يهاتفها مرارا وتكرارا ولكن وجده مغلق فشعر بالقلق ولكنه لم ييأس وعاود اﻻتصال بها طوال اليوم فلم يجد بدا سوى أن هاتف إحدى الخدم بڤيلته فردت عليه باحترام:
-اؤمرني يا مازن بيه.
سألها بدون مقدمات:
-جني فين؟ اديهالي.
ردت عليه بحيرة:
-هي نزلت من الصبح يا بيه ولسه مرجعتش .
احتدت تعابيره وهو يستمع لردها فصاح بحدة:
-نزلت راحت فين؟
أجابت برهبة من نبرته العالية:
-والله ما أعرف يا بيه، هي قالت لي على ليستة اﻻكل وخرجت ومقالتش رايحه فين!
اغلق معها دون مقدمات وجلس ينظر لهاتفه بضيق وتمتم بداخله:
-هتكون راحت فين؟!
هاتف سائقها ولكن الأخير أخبره ايضا:
-الهانم أخدت العربيه وساقت لوحدها.
زفر أنفاسه بغضب وهو يشعر بالضيق من تصرفاتها الهوجاء وعاد، يحاول اﻻتصال بها مجددا ولكن ظل الهاتف مغلق.
اما هي فقد ذهبت لتلك الزيارة التي تأخرت كثيرا عليها لصعوبة فعلها، ولكن اﻷمر يستحق العناء فقد افتقدته وبشدة بالرغم من كل ما حدث، دلفت المكتب وجلست على المقعد المقابل له ونظرت لذلك الرجل بالزي الميري مبتسمة وشكرته بامتنان:
-متشكره لحضرتك على المساعدة.
ابتسم لها وقال باستحسان:
-انا تحت امرك، ثواني اخلي حد من العساكر يستدعيه.
انتظرت بلهفة وهي تشعر بألم بداخلها حتى دلف مرتديا ذلك الزي باللون اﻻزرق؛ فبكت فورا وهو يقترب منها ناظرا لها باشتياق هاتفا:
-چوچو، بنتي.
ارتمت بحضنه واحكمت ذراعيها حوله وهي تقول باكية:
وحشتني أوي أوي يا بابي.
قبلها من وجنتها وابعدها عن حضنه ليملي عينه بطلتها التي افتقدها وابتسم لها بحب، وعاد يسحبها داخل حضنه ويربت على ظهرها بشوق جارف:
-حبيبتي يا بنتي، وحشتيني اوي واخواتك وماماتك، كلكم وحشتوني.
وقف الضابط المسئول وقال متحركا للخارج:
-اسيبكم تاخدوا راحتكم.
ترك المكتب وغادر فعاد مدحت لاحتضان غاليته، وظل يقبلها من وجهها حتى يزيل نار اشتياقه، اجلسها أمامه فنظرت لحالته بحزن وسألته:
-مامي وميار بيزوروك؟
أومأ مبتسما:
-ايوه وساهر كمان، أنتي اللي اتأخرتي عليا يا چنى بس انا مقدر اللي حصل ومش زعلان منك.
بكت واطرقت رأسها وقالت بحزن:
-غصب عني يا بابي، انا مريت بحالة نفسية وحشه اوي، بس الحمد لله عديت منها.
استحسن حديثها و ظل مبتسما فسألته بحيرة:
-انت كويس؟ عارف تتأقلم في المكان هنا؟
تنفس ببطئ وقال:
-الواحد بيتعود واحده واحده، انا مش عايزك تقلقي عليا وخلي بالك من نفسك.
اومات له فسألها بفضول:
-عامله ايه مع مازن؟ اتفقتوا على انفصال ولا الجواز ده هيستمر لامتى؟
شعرت بالحرج وردت بخجل:
-الجواز هيستمر يا بابي.
لم يفهم فنظر لها بحيرة فقالت له بتردد:
-انا ومازن بنحب بعض و...
قاطعها رافضا وهاتفا:
- يا بنتي منا عرفت كل حاجه، وعارف انه جواز على الورق عشان مشكلتك، فطمنيني اخوكي متفق مع مازن على ايه أنا عايز اطمن عليكي.
ردت موضحه بعد أن اكتسحت حمرة الخجل وجهها:
-يا بابي انا ومازن بنحب بعض بجد، وجوازنا حقيقي مش على الورق، ده حتى انا عندي خبر هيفرحك اوي وانت هتكون أول واحد تعرفه.
نظر لها بترقب فابتسمت وقالت بخجل:
-انا حامل.
❈-❈-❈
سحبها داخل حضـ نه وتراقص معها وهي تبتسم بسعادة فانحنى يقـ بلها من تجويف عنقها فعضت على شفتها وهمست لها باذنه:
-الناس يا فارس.
ابتسم وهمس بدوره:
-عشان بس متقوليش بتكسف ابين حبي ليكي.
قوست فمها وردت وهي تتراقص معه على انغام الموسيقى:
-وهو ده يصح برده؟! ساعات بتفاجئني بتصرفاتك والتناقض اللي في شخصيتك.
ضحك ورد ولا تزال آثار الضحكة على صوته:
-اعمل ايه بس؟ جننتيني بحبك.
وضعت رأسها على صـ دره لتستمع لنبضاته واكملت رقصتها حتى انتهت الموسيقى وعادا للجلوس على الطاولة؛ فنظرت لساعة هاتفها وقالت بقلق:
تفتكر چاسمين نايمه كل ده؟
رد بتأكيد:
-بينا وبينها خطوتين يا سلطانه، لو صحت الحرس هيجيبوها.
عادت تسأل بحيرة:
-وجاسر اكيد دوغ داده!
قرص وجنتها وقال بمداعبة:
-انسي البيت والولاد شويه احنا بقالنا كتير اوي مخرجناش سوا، خلينا نستمتع بالوقت المسروق ده شويه من غير تفكير.
عضت على جانب شفتها عندما غمز لها بطرف عينه فقال بوقاحة:
-ايه؟ تحبي نروح؟
رفضت برأسها فقال موضحا:
-اومال بتغريني ليه طيب طالما مش عايزه تروحي؟
ضحكت وتدللت أمامه بشكل آثاره كليا وقالت بصوت انثوي ورقيق:
-اصل شكلك حلو أوي في البدلة دي، ودقنك لما طولت اوي كده بقت Se xy اوي.
استند برأسه على كفه ورمقها بنظرات متفحصة لملامحها وقال بعفوية اضحكتها:
-ابقي فكريني اشتري الوسيلة واحنا مروحين بدل ما تطلعي من تحت ايدي حامل انهارده.
ضحكت عاليا فشاطرها الضحك ولم يقاطعهما سوى رنين هاتفه الموضوع أمامها؛ فالتقطت عيناها اسم الطبيب المعالج لحالة عاليا؛ فتجهم وجهها وابتلع هو ريقه بضيق زاما شفتيه ورد عليه فورا:
-ايوه يا دكتور، خير؟
تلقى صوته على الجانب اﻵخر هاتفا بترحيب:
-ازيك يا فارس باشا يارب تكون بخير؟
اجابه بفروغ صبر:
-الحمد لله تمام، خير؟
اجابه موضحا:
-في ناس جايين وطالبين زيارة اﻻنسه عاليا، وأنا محبتش أوافق بالزيارة قبل ما اخد رأيك.
تعجب ونظر امامه لتلك التي توقف وجهها عن اﻻبتسام وعاد يتحدث معه متسائلا:
-مين؟ احنا متفقين الزيارات تكون عائلية بس.
اكد له بتوضيح:
-ما الواضح انهم من العيلة يا باشا، اسمهم يزن وآسر الفهد.
قوس حاجبيه بتعجب، ولكنه عاد متذكرا تلك اﻻحداث اﻻخيرة التي مرت عليه وما أخبرته به عاليا؛ ففهم اﻻمر برمته وتأكد من ظنونه فصر على اسنانه محاولا كتم غضبه الظاهر عيانا لتلك الجالسة على جمرات تحرقها، ورد حديثه للطبيب:
-تمام، خليهم يزوروها بس سجل الزيارة صوت وصوره ومتخليهومش يطولوا معاها لاني مش ضامن زيارتهم في مصلحتها ولا لأ!
أكد عليه الطبيب:
-متقلقش يا فندم، اﻻكيد هنسألها إذا كانت موافقه تقابلهم ولا لأ؟ بس انا محبتش آخد أي خطوه من غير إذن جنابك.
أومأ مستحسنا حديثه وقال باطراء:
الله ينور عليك يا دكتور، يا ريت دايما تشركني في كل كبيره وصغيره عشان ابقى متابع اﻻمور قبل ما تحصل اي مصايب تانيه، المهم دلوقتي متنساش تسجل الزيارة صوت وصوره.
اغلق معه ونظر لزوجته وقبل أن يتفوه بأي كلمه وجدها تقف من مكانها وتقول بحدة:
-انا عايزه اروح.
حاول أن يتحدث معها فوجدها تتحرك للخارج وهي تقول بعجالة:
-كفايه كده على الولاد، يلا عشان منتأخرش على جاسر اكتر من كده.
بلل شفتيه بطرف لسانه وحاول تمالك اعصابه، وتحرك خلفها بعد أن أولى أحد حراسه بدفع الحساب، ودلف السياره بجوارها فوجدها ممسكة برضيعتها تحاول تجهيز طعامها بارتعاش يديها؛ فحاول مساعدتها ولكنها سحبت منه زجاجة اللبن بحدة فانسكب محتواها على كفها وكفه على حد سواء؛ فاحترقا ولكنه تحامل على نفسه، أما هي فصرخت بتألم فنظر لسائقة الذي لم يحرك السيارة بعد وأمره بلهفة:
-انزل هات تلج بسرعه من المطعم.
سحب راحتها بعد أن تأكد أن لم يطال الرضيعة شيئ، وتركها بمقعدها الهزاز وظل يجفف يد زوجته التي صدح بكاءها عاليا وكأنها طفلة صغيرة تسترعي اﻻهتمام بالبكاء.
اقترب كارم حاملا بيدة قطع الثلج وناولها لرب عمله فوضعها فارس على راحتها، وظل يربت عليها بحنان هاتفا بأسف:
-معلش حقك عليا، حصل خير.
وكأنه من تسبب بذلك، ولكنه آثر على امتصاص غضبها تلك المرة فهو يعلم ما يوجد بداخلها تجاه عاليا، ويعلم أيضا انه قد اخلف وعده معها توا وأمام ناظريها.
بعد تحرك السيارة وطول بكاءها أخيراً صمتت بعد أن وجدته جهز طعام الرضيعة بنفسه وامسكها بحضـ نه وبدأ باطعامها أمام انظار حارسها وسائقه اللذان تعجبا من فعلة رب عملها الصارم، انتهي من اطعامها وسألها بمرح:
-خايف أنا أخرج الهوا من بطنها زي ما بتعملي تبهدلي البدله اللي عجباكي.
لم تضحك أو تتفاعل معه فسحبت منه الصغيرة وبدأت بالتربيت على ظهرها حتى ارتاحت وناميت؛ فاخذها منها ووضعها بمقعدها وعاد ناظرا لزوجته وسحب نفسا عميقا بتفكير، فكيف عليه أن يخبرها بوعده لعاليا الذي سبق وعده لها بترك أمور عاليا لعمه مراد؟ بل كيف يخبرها بما علمه من مخاطر قادمة لا محاله؟ وهل طاقم الحراسه الجديد الذي قام بتوظيفه سيكون كافيا لما هو مقبل عليه؟
تنهد تنهيدة عميقة زادتها حنقا فقالت بتنمر:
-ياااه، ده موضوع عاليا شاغلك أوي، يا ترى إيه المهم أوي كده ومخليك عايز تتابعها بدقة كده؟
ابتلع رقه وحاول التحدث بهدوء ولكنها لم تمهله الفرصة وقالت بعصبيه أنتبه لها هذان المرافقان لهما:
-كدبت عليا يا فارس وخلفت وعدك معايا، أنت انسان كداب واناني وأنا مش قادره اتحملك خلاص.
لمع الغضب بعينه ولكنها تحدته وقالت بثقة زائفة:
-متبرقليش، مش هخاف ولا اتهدد خلاص.
تحدث بهدوء مخالف لم بداخله:
-طيب اجلي خناق لما نوصل البيت.
ادار وجهه ينظر من الجهه اﻻخرى المجاورة له مراقبا الطريق فاستمع لها تتمتم:
-اه طبعا عشان الهيبه الكدابه.
مسح على وجهه ومسد لحيته بقوة وعنف، زفر انفاسه صارا على اسنانه وحذرها بصوت حازم:
-طيب احذري غضبي يا ياسمين، واسكتي لحد ما وصل البيت.
ظلت تتمتم بتبرم وضيق:
-هو ده بس المهم، فارس ومن بعده الطوفان، كل حاجه غلط في غلط وعايز حياتنا تبقى كويسه.
صرت على أسنانها وقالت بغضب:
-هتبقى كويسه منين وأنت كل تصرفاتك مش مراعيه انك بقيت زوج وأب وليك عليتك اللي المفروض تكون اهم اولويه في حياتك.
سألها بضيق:
-وانتي وولادي مش اهم اولويه في حياتي يا ياسمين؟
نفت برأسها وأجابت بتأكيد:
-لا يا فارس، اﻻولويه لهيبتك وجبروتك وبعدها شكلك العام قدام عيلة الفهد وعيلة غزال اللي بتتحكم فيهم زي عرايس الماريونت، ومعاهم طقم موظفينك وحرسك اللي وصلت بيك تتحكم في حياتهم وعواطفهم، وعايز زين يسيب اﻻنسانه اللي بيحبها عشان تثبت ليه ولنفسك إن ليك اليد العليا على الكل.
تحدثت بحدة واطناب وعلى دفعة واحدة واﻵخر ينظر لها بغضب ثائر تأجج بداخله، فعاد متحدثا بصرامته المعهودة آمرا اياها بنبرة خشنة:
-آخر مره هقولك اسكتي لحد ما نوصل البيت.
هي تعلم اﻵن إن تحدثت بحرف واحد فقد تفقد حياتها بسبب غضبه المتجلى على وجهه؛ ففكرت لحظة قبل أن تنطق بزفرة قوية:
-ماشي يا فارس، هانت وقربنا نوصل.
اخرج ضحكة ساخرة وقال بصوت عالٍ مسموع:
-وانا اللي هجهزلك العصاية بنفسي عشان تعلميني اﻻدب، أصلي متربتش.
نظرت له بضيق فوجدت احمرار حدقتيه المخيفتين؛ فابتعلت ريقعا بذعر واطرقت رأسها خوفا منه وهي تعض على شفتيها بتوتر؛ فضحك وقال بسخرية:
-عالم جبانات مبتجيش غير بالعين الحمرة، فضلت اقول اسكتي اسكتي، لازم ارجع لفارس الفهد القديم اللي بيخوفك واللي انا مبحبهوش.
لم ترد عليه وظلت صامته حتى وصلا للمنزل؛ ففتحت الباب بسرعه تاركة رضيعتها وهرعت للداخل فحرك رأسه بامتعاض وأمسك مقعد الصغيرة وحقيبتها وترجل من السيارة متحركا للداخل، ولكنه عاد ناظرا لأمجد وتحدث له آمرا:
-اتصل بزين شوفه فين وقوله في ظرف ساعه يكون هنا.
أومأ له اﻷخير بطاعة، ودلف فارس لفيلته فلم يجد أحداً بالبهو؛ فدلف غرفة مربيته وجدها نائمة بجوار الصغير جاسر فناداها بصوت هامس:
-داده.
فتحت عينها بطئ وسألته:
-جيتوا امتى؟
ابتسم لها وقال بهدوء:
-لسه حالا، چاسمين نايمه بس معلش خليها معاكي ساعه كده وهاجي اخدها.
ابتسمت له وتناولتها منه وهي تدعي له بفرحة:
-ربنا يسعدكم يا بني.
ضحك ساخرا على حاله وأمن على حديثها:
-آمين يا داده.
صعد لاعلى ودلف جناحه؛ فوجدها قد بدلت ثيابها بأخرى منزلية وجلست على الفراش تهز ساقها بعصبيه فقال مداعبا إياها:
-بلاش غل في نفسك انتي لسه خارجه من حمى نفاس بسبب الغل ده.
صرت على أسنانها وقالت بصياح:
-ما أنت مش هترتاح اﻻ لما اموت مقهوره منك ومن تصرفاتك.
جلس بجوارها وسحبها بقوة ورغما عنها داخل حضـ نه واسند رأسها على صد ره هامسا لها بغزل:
-اجمل من رأت عنيا، دقات قلبي دي مش بتقول غير ياسمين، بطلي تصرفات جنان وغيره ملهاش أساس.
ابتعدت عنه بحده وهدرت به:
-انت فاكر اني بغير من عاليا؟ الموضوع مش غيره يا فارس.
سألها بهدوء:
-أومال ايه؟
تعجبت من سؤاله وقالت:
-معقول مش عارف؟ كل اللي عملته فيا وفي ولادك ومش عارف!
اكد لها برأسه قبل صوته:
-عارف عمايلها كويس، بس اللي زي عاليا لو اتسابت هتعمل مصايب أكبر بكتير من اللي فات، وانتي عيزاني اسيبها خالص من غير ما اتابعها؛ فتفتكري يا عقل النمله هعرف اللي في دماغها منين لو بعدت؟
ادارت وجهها عنه وقالت بضيق:
-انت بتفرق جامد اوي في المعالمه بين اهلي واهلك يا فارس.
تعجب من حديثها وقال برفض:
-الكلام ده مش صحيح، أنا بحاول على قد ما اقدر اتعامل مع اهلك على انهم اهلي.
نفت حديثه معقبة باطناب مسترسل:
-لا والله، أنت بس اللي مش واخد بالك ولو فكرت لحظه هتعرف انا بتكلم عن ايه؟
صمت واستمع لها تقول:
-محدش من اهلي اذانا غير شادي واذتيه كانت مجرد جوازه شرعيه انت اللي رفضت تعترف بيها ومع ذلك شوف رد فعلك كان معاه ومع اهله ازاي؟ روحت بهدلته وسفرته آخر الدنيا ومنعتني عن عمي وعيلته، حتى ابسط اﻻمور حفلة الولاد بعت كروت دعوه للكل ما عدا هو، وانا وقولت معلش ليه حق الموضوع مش سهل عليه، لكن شوف بقى على النقيض اللي حصل لنا من اهلك وعاليا باﻷخص؟
ابتعلت ريقها واكلملت حديثها عندما وجدته منصتا لها باهتمام:
-روحت دخلتها اكبر مصحة في البلد وبتابعها بنفسك ومش عايز تخرجها من حياتنا، وعمك مدحت روحت قومت له اكبر محامين ومتابع معاهم خطوة بخطوة، ومامتك جبتها عيشتها هنا وممشتهاش اﻻ لما تصرفاتها ضايقتك انت شخصيا.
نهجت بانفاسها بعنف واضافت:
-ويا سلام بقى لعودة ولاد مروان بيه، السبب في كل حاجه وحشه حصلت من اول حادثة شارم لحد اللي حصل لچنى، ورايح تستقبل ولاده وتعزمهم على حفلة ولادك كانهم عادي هيتقبلوا اللي حصل لابوهم لمجرد انهم عاشوا بعيد عنه!
صمتت قليلا ولكنها عادت تصرخ به:
-خايف من جواز زين ليه إن شاء الله؟ دعاء حتة البنت الغلبانه دي هتكون بتخطط هي كمان زي عيلتك ما بتخطط؟ هتضحك على زين بجلالة قدره وتتجوزه يا حرام عشان تنتقم منك؟!
زفر انفاسه بضيق ووقف من مكانه ناظرا لها وهي تكمل صراخها به:
-انا خلاص مش قادرة استحمل ظلمك وغرورك وانانيتك، خاف على ولادك يا اخي بلاش تخاف عليا، ارحمنى وارحم ولادك من كل الضغط النفسي والعصبي ده.
اقتربت منه رافعه رأسها لتنظر لطوله وقالت بحزم:
-اختار طريقك يا فارس لان صاحب بالين كداب، يا مراتك وولادك، يا عيلتك بكل اللي فيها من مشاكل؟ اختار وأنا مش هراجعك في اختيارك بس ابقى عارفه أنا مركزي ايه في المعادلة دي؟
سحبها من خصـ رها بقوة فالتصق جسـ دها بجـ سده وابعد خصلاتها عن وجهها خلف اذنها وهمس لها بنبرة هادئة:
-خلصتي؟
أومأت فبلل شفتيه وقال بصوت رزين وهامس:
-انا مش محتاج افكر يا سلطانه، انتي اختياري اﻻول واﻻخير وأي حاجه هتبعدني عنك همحيها من على وش اﻻرض.
رمقته بنظره حائرة وارادت التعقيب على حديثه ولكنه أمسك شفتيها مغلقا اياهما وابتسم مستطردا:
-انتي وولادي مكانهم اﻻلفا في أي معادله، بس أي معادله ناجحه متنفعش من غير بيتا وجاما، علشان كده انا بحاول احل كل اﻻمور المتعلقة حوالينا عشان الخطر مراحش زي ما انتي فاكره واللي جاي يمكن يكون اصعب من اللي فات.
لمعت عينها بالذعر وحاولت النطق ولكنه عاد لاسكاتها بكفه واضاف:
-مكنتش عايز اقولك حاجه عشان حالتك الصحية، بس انا لا ينفع اسيب مراقبة عاليا ولا ينفع اي حد لا من عيلة الفهد ولا من عيلة غزال يبعد عن عنيا؛ وده كله لامانك أولا ولمصلحة العيلتين ثانيا، ومتحاولش تسأليني في اي تفاصيل لاني مش هينفع اقول اي حاجه دلوقتي.
قبلـ ها من تجويف عنقها وقال هامسا:
-عايزك تاخدي بالك من نفسك ومتزعلش مني ابدا مهما حصل، وتعرفي وتتأكدي اني لا حبيت ولا هحب غيرك يا ياسمينتي.
يتبع....