الفصل الثاني عشر (الجزء الثاني) - ظلمات حصونه٢
الفصل الثانى عشر
الجزء الثانى
يتحرك بهدوء نحو غرفته ليوقفه صوتها العالى مُنادية على العاملة كى تأتى وتساعدها، بالإضافة إلى باب الغرفة الذى وجده مفتوحا بالفعل، ليلقى نظرة بالداخل مُحاولا إدراك ما يحدث!!
_ حُسنة...، يا حُسنة
دلف إلى داخل الغرفة ومن بعدها إلى المرحاض الذى وجده مفتوحا هو الأخر، لتقع عينيه عليها وهى ممسكة بذلك الطفل الرضيع العارى بين يديها ويبدو عليها التخبط والضيق الشديد، على ما يبدو إنها كانت تُحاول أن تُحميه ولكنها لم تنجح فى هذا الأمر، ليتدخل مُجيبا عليها مُستفسرا عن الأمر:
_ حُسنة تحت فى المطبخ، فيه حاجه ولا أيه!!
بمحرد أن أستمعت إلى صوته ألتفتت له بحرج شديد من هيئتها، فهى كانت مُشمرة أكمامها ملابسها مُبتلة وغير مُرتبة بفعل تلك المُعاناة التى عانتها مع ذلك الرضيع المُنزعج من هذه المياه، لتجيبه بقليل من التوتر والإحرج:
_ أصلى كنت بحمى نور وعمال يصرخ مش عارفه ليه، وديانة مش هنا، قولت أنده على حُسنة تيجى تساعدنى
لاحظ إجراجها وتوتر فى الحديث الناتج عن تجربتها لهذا الشيء لأول مرة، هذا واضح جدا عليها، ليعرض عليها المساعدة على الرغم من إنها المرة الأولى له هو الأخر بتجربة هذا الشيء:
_ طب أنا موجود ممكن أساعدك!!
هى بالفعل تحتاج إلى المساعدة من أى شخص كى لا تفقد السيطرة أكثر من ذلك أو يسقط منها ذلك الصغير، لتهتف بسرعة مُستنجدة بإقتراحه بالمساعدة عليه مُعقبة بإستفسار:
_ هتعرف!!
هز كتفيه بخفة وترحاب لمساعدتها مُجيبا إياها بحماس:
_ قوليلى أعمل أيه وأنا أعمله
أبتسمت "لبنى" بخفة على حماسه الواضح عليه وقد أدركت أنه يجرب هذا الشيء لأول مرة مثلها تماما، لتحاول أن توضح له ما يجب عليه فعله من معلومات قد سمعت عنها من قبل:
_ بص أنا همسك نور وأقرب راسه من المايه براحه، وأنت بردو براحة خالص كأنك بتحسس على بيضه أغسله راسه بالشامبو ده وأوعى مايه أو شامبو تيجى على عينه هو شعره بس
أومأ لها "هاشم" بتفهم لما قالته وبالفعل أمسك بسائل غسيل الشعر وبدأ يسكب القليل منه على يده مُحذرا إياها من إنزلاق الطفل من بين يديها:
_ تمام بس أمسكى أنتى الولد كويس وأوعى يتزحلق منك
وبالفعل بدأ فى عمل ما قالته له مُراعيا عدم إنزلاق المياة إلى وجه الولد أو عينيه، وسريعا من أنتهوا من غسيل رأسه، لتلقى عليه "لبنى" بباقى ما يجب عليهم فعله هاتفة بتوضيح:
_ كويس كده أوى، دلوقتى أنا هلفه وأغسله جسمه ورقبته كمان براحه زى ما عملت فى راسه وخلى بالك بردو من عينه
أومأ لها بالموافقة وسريعا ما بدأ فى تنفيذ ما قالته، ليضحك بخفوت وهو يقوم بعمله موجها الحديث نحوها مُعقبا بقليل من الحزن:
_ تعرفى إن دى أول مرة أعمل فيها حاجه زى دى، دايما الأولاد كانت حُسنة هى اللى بتحميهم وتخلى بالها منهم فى الحاجات دى، تقريبا كمان هناء عمرى ما شوفتها بتعمل كده
شعرت بكثير من الحزن عليه وعلى نفسها، نعم فكلاهما قد حُرم من تجربة تلك الاشياء مع أولادهم بسبب فعلة تلك المرأة المريضة وهوسها الشديد، لتتنهد بحزن هى الأخرى وتحدثت دون وعى كامل منها:
_ أنا كمان أول مره أعمل كده، يعنى أنت عارفه أنا مكنتش موجوده مع ديانة غير شهرين بس قبل الحادثه و..
سكتت من تلقائها نفسه، لا يجب أن تجعله يشعر أنه هو السبب فى حرمانها من تجربة تلك الاشياء، فهو من أختطفها وحبسها بعيدا عن أبنتها، هى بالطبع سامحته على هذا الشيء، ولكنها أيضا لا استطيع أن تنسى بسهولة كل تلك الأشياء التى حُرمت منها رغما عنها ودون أى ذنب لها
حاولت تغير ذلك الحديث بعد أن شعرت برقرقة الدموع فى عينيها، عازمة على أن لا تشعره بالحرج أكثر من ذلك، لتنهى ذلك الموقف إذا:
_ خلاص كفايه كده، ناولنى الفوطه اللى وراك وحاول تلفها على جسم نور
أمتثل لما قالته مُحاولا فعله بحذر شديد كى لا يتأذى الطفل مُعقبا بإستفسار:
_ كده!!
أومأت له بالموافقة مُصاحبا إياها إبتسامة لابقة ممتنه لمساعدته لها فى هذا الأمر:
_ أيوه تمام كده، شكرا
نظر "هاشم" إلى داخل عينيها بعمق شديد مُتمتما بإستفسار:
_ على أيه!!
أجابته مُحاولة التهرب من النظر داخل عينيه كى لا تنهار جميع حصونها بفضل تلك النظرة التى تشعر وكأنها تخترقها وتعلم ما يدور داخل عقلها:
_ على مساعدتك ليا فى حمام نور
لايزال يُطالعها بنفس تلك النظرة المُتيمة بها مُضيفا بإمتنان:
_ أنا اللى شكرا يا لبنى
ضيقت ما بين حاجبيها ورغما عنها رفعت عينيها لتقابل خاصتيهما، لتشعر برجفة بسيطة سرت فى ثائر جسدها، لتحاول إيقاف تأثيره عليها مُستنجدة بالكلمات مُعقبة بإستفسار:
_ على أيه!!
أبتسم لها بسعادة حقيقية يجربها لأول مرة منذ رحيل زوجته الأولى، مُجيبا إياها بالكثير من الود والحب:
_ على إنك خليتينى أعمل حاجه أتحرمت منها من زمان، وخلتينى أحس بإحساس جميل عمرى ما حسيته قبل كده
لا تعلم لماذا تشعر هى الأخر بالسعادة من أجله!! لما هى فرحة جدا لتلك الأبتسامة على ثغره!! لما تشعر أن دقات قلبها تتسارع الأن وكأنها فتاة مراهقة تستمع إلى كلمات الغزل من حبيبها لأول مرة!! لتزجر نفسها على تلك الأفكار المراهقة التى تستحوذ على تفكيرها، وعزمت على الفرار من أمامه الأن:
_ أنا هروح ألبس نور بقى عشان ميبردش
أوما لها بالموافقة وهو يبتسم بداخله على ذلك الإرتباك الذى رأه فى عينيها وتلعثمها فى الحديث، ليُصبح الأن مُدركا أنه ليس وحده هنا من وقع فى شباك هذا العشق، فيبدو أن كلامها قد أصابه ذلك الحب الخفى والحاجة الشديدة إلى بعضهم البعض..
❈ - ❈ - ❈
كلمة السعادة وحدها لا تصف شعوره الأن وهو مُمسك بيده اليمين يد والدها ويده اليسار يدها هى، لا يصدق إنها بعد مرور دقائق فقط سوف يُعلن هذا الشيخ إنها من الأن وحتى أخر نفس فى حياته زوجته شريكة دربه، ها هو يُردد خلف ذلك المأذون ويموت شوقا لضمها إلى صدرها مُعلنا عن ملكيته لها أمام الجميع
كانت "ديانة" تجلس بجانب "ملك" وتحتضن يدها بسعادة كبيرة، وكانت تجلس بجانبها أيضا "زينة"، بينما "جواد" و"مالك" كانوا يقفوا خلف زوجاتهم وهذا أيضا لأنهم شاهدين على عقد الزواج، ليهتف المأذون بتهنئة وإبتسامة لابقة قائلا:
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم فى الخير
أرتفع صوت الجميع البعض يُهلل بسعادة كبيرة والعض الأخر يُبارك ويُهنئ، بينما بمجرد أن تفوه المأذون بتلك الكلمات حتى نهض "إياد" بسرعة البرق مُلتقطا "ملك" داخل صدره بلهفة شديدة وكأنه يخشى أن تُفلت منه، ليفصل ذلك العناق مُلتقطا يدها مُقبلا إياها بحرارة كبيرة أمام الجميع وقد لمعت عينيه من كثرة سعادتة.
أبتسم "جواد" على سعادة صديقه التى بالفعل يستطيع أن يشعر بها وبلمعتها فى عينيه، ف "إياد" ليس بصديقه على كل حال، بل هو شقيقه الذى لم تُنجبه والدته، بل أكثر من هذا أيضا، هو شريكه فى كل شيء، أوقاته، سعادته، حزنه، عمله، حياته بأكملها، ويالا حسن حظه من يحظى بصديق حقيقى هكذا
ليقترب "جواد" منه ويربط على كتفه وعانقة بسعادة كبيرة مُهنئا إياه:
_ ألف مبروك يا عريس، عقبال الفرح إن شاء الله
بادله "إياد" العناق بحب شديد وإمتنان لوجوده معه وهو وكل عائلته فى مثل هذا اليوم هاتفا:
_ الله يبارك فيكى يا صحبى، عقبال ما تشوف نور عريس
ضحك "جواد" وكم فرح قلبه بتلك الجملة، هل حقا أصبح لديه طفلا والجميع بتمنى له أن يكبر ويصبح رجلا!! هل هذه هى حياته حقا التى كان يظن إنها تحطمت إلى الأبد لولا وجود "ديانة" بها!! ليجيب على صديقه ممازحا إياه:
_ أجدعن أنت بس وهاتله عروسه
تدخل ذلك الصوت لأفتا إنتباه الجميه وبالتأكيد كان عذا صوت "مالك" الذى أدرك أن هذا هو الوقت المناسب للإعلان عن حمل "زينة" مُعقبا بسعادة:
_ لا معلش عروسة نور عندى وأهى جايه فى السكه كمان
كانت هذه أجمل مفاجاة حدثت لأسرة "مالك" فاليوم هو يوم سعادتهم، فى البداية عقد قيران أبنتهم والإن معرفوهم بقدوم أول حفيد لهم بالطريق، لتصيح "منال" بفرحه كبيرة مُستفسرة عما قاله أبنها:
_ أنت بتتكلم جد يا مالك!!
أوما لها مؤكدا على حديثه لكى يٌطمئنها بإنها سوف تصبح جدة عما قريب:
_ أيوه يا ماما، زينة حامل فى شهر تقريبا، حبيت أعملهالكوا مفاجأة وأقولكوا النهاردة وبدل الفرحه يبقوا فرحتين
أسرعت "منال" فى إحتضان "زينة" مُعبرة عن مدى سعادتها بقدوم ذلك الجنين مُعقبة:
_ ألف مبروك يا حبيبتى، ربنا يقومك بألف سلامه يارب
بأدلتها "زينة" العناق بقليل من السعادة لرؤية تلك الفرحة فى عين والدة زوجها، هل لو كانت والدتها لاتزال على قيد الحياة كانت ستفرح بخبر حملها هكذا!! حاولت "زينة" عدم الإنجراف وراء تلك المشاعر الحزينه لتبتسم بحب مجيبة عليها:
_ الله يبارك فيكى يا طنط
ظل الجميت يتبادلون التهانى والمباركات لكلا من "إياد" و"ملك، و"زينة" ومالك"، وأثناء ذلك وصل "أدهم" إلى البيت مُلبيا دعوة "ديانة" له، لتلاحظ "ديانة" وصل "أدهم" وتسرع فى التقدم نحوه مرحبة به:
_ أهلا يا أدهم، نورت
رمقها "أدهم" بإعجاب شديد مُتفحصا جسدها وفستانها الذى لم يكن عاريا على كل حال ولكنه مميز ومُلفت لنظر ويبرز جمال جسدها، ليصبح بإعجاب شديد ومدح فى جمالها مُعقبا:
_ هو فيه نور يغطى على نورك وجمالك يا ديانة
أبتسمت له "ديانة" بحرج شديد من كلماته تلك، هى تعلم جيدا نوياه وراء تلك الكلمات، ولكنها أخبرته من قبل أن هذا الشيء لن يحدث ولكن على ما يبدو أنه لن يستسلم
وفى تلك الأثناء لاحظ "جواد" وجود ذلك "الأدهم"، وبالفعل لاحظ نظراته الغير بريئة الموجهة نحو "ديانة" وإبتسامتها هى الأخرى التى تقابله بها، حسنا سيجعلها تبتسم وتضحك من قلبها الأن وهى ترأه وهى يحطم وجهه لهذا العاهر اللعين
أندفع "جواد" متوجها نحوهم وهو فى قمة غضبه، ليوقفه عن ذلك الجنون يد صديقه "إياد" ااذى كان يتابع كل ما يحدث فى صمت إلى رأى إشتعال "جواد"، ليهتف به مُحاولا إرجاعه عما يُفكر فيه:
_ أهدئ يا جواد، حولينا ناس غريبة مش وقت جنانك ده خالص دلوقتى
صرح "جواد" عن مدى غضبه وهو يضغط على يده ل "إياد" التى تمنعه عن التقدم مُعقبا بحدة:
_ شوفت أبن الكلب ده واقف معاها وبيبصلها أزاى!!
هو معه حق، فنظرات ذلك الحقير غير بريئة أبدا وإذا كان مكانه حقا لأقتلع عينيه من مكانها، ولكنه عليه أن يمتص غضب صديقه كى لا يلفتوا أنظار من حولهم:
_ تعالى نروحلهم وحاول متبينش حاجه سبلى أنا الواد ده وأنت براحه مع ديانة
أغمض "جواد" عينيه مٌحالا إخماد ذلك الغضب مُمتثلا لما قاله صديقه كى لا تفسد سعادة بهذا اليوم، وبالفعل تقدم معه بهدوء، ليُعقب "إياد" موجها حديثه إلى ذلك اللقيط الغير مُرحب بوجوده:
_ أهلا أهلا يا أدهم
أنتبه "أدهم" إلى ذلك الصوت الذى يتقدم نحوه، ليجده "إياد" بصحبة ذلك "الجواد" ذو النظرات القاتله، لن ينكر لقد شعر بالقليل من الرهبة بفعل تلك النظرات، ولكنه عمل جيدا على عدم إظهار ذلك أمامهم، لينظر إلى "إياد" مرة أخرة هاتفا مُهمئا إياه:
_ أهلا بيك يا إياد، ألف الف مبروك
أبتسم له "إياد" بمجاملة على ما قاله هاتفا بنبرة كم تمنى لو أن يُدرك تحذيره له خلالها:
_ الله يبارك فيكى، عقبالك
على ما يبدو أن ذلك الشاب لا يعلم أنه يعبث فى عداد عمره وهو يحاول أن يقف أمام الشخص الخطأ، كادت نظرات "أدهم" أن تتجه إلى "ديانة" ولكن فى طريقها وقعت على زرقاوتى "جواد" الذى أزدادت قتامة وتوعد، ليشعر "أدهم" بالرهبة الشديد من تلك النظرة وهو يعلم جيدا أن هذا "الجواد" على أتم إستعداد لفعل أى شيء الأن ولن يهتم لمن حوله، ليقرر أن لا يثير غضبه ويتلاشى ذلك الجنون، ليعود إلى "إياد" مرة أخرة مبتسما بإمتتان:
_ إن شاء الله
أشار له "إياد" نحو الداخل سامحا له بالدخول:
_ أتفضل يا أدهم
دلف كلاهما نحو الداخل وكادت "ديانة" هى الأخرى أن تتبعتهم، ولكن أوقفتها يد "جواد" مانعا إياه من الحركة ولكن دون لفت نطر أحد، لتنزعج "ديانة" من تلك الحركه وقبضة يده الذى حاوطت يدها، وعلى الرغم من حدتها إلا إنها حاولت دفعها بعيدا عنها هاتفة بإنزعاج:
_ أبعد أيدك عنى
زاد "جواد" من حدة قبضته حول معصمها هاتفا بإنفعال واضح من بين أسنانه المُلتحمة قائلا:
_ أنتى أيه اللى وقفك مع الزفت ده!!
سرت هى الأخرر على أسنانها بكثير من الغضب والإنزعاج غير عابئة لمن حولها أو لتلك المناسبة، فهى على كل حال لن تسمح له أن يتدخل فى شؤنها مرة أخرى، طف الكيل وها هى الأن مُحررة من ظُلمة حصونه:
_ ملكش دعوة بيا، ونزل أيدك بدل ما أنزلها أنا وأخلى شكلنا وحش قدام كل اللى موجودين
_ لا والله!! فارق معاكى أوى شكلنا!! مفكرتيش فى شكلنا وأنتى واقفه مع الكلب ده وبيبصلك بالطريقه دى!! لولا إنى فعلا خايف على شكلنا كنت خلعتلك عنيه الأتنين دلوقتى حالا
لا تعلم لما تشعر بالرغية فى الضحك على الرغم من أن ما قله لا يدفع لضحك أبدا، ولكن هى تشعر أنه حقا سينفجر من الغضب وأن ما قاله لتو ليس مجرد كلاما بل هو على أتم أستعداد لأن يفعله، لحظة واحدة هل حقا يغار عليها!!
زجرت نفسها على تلك الأفكار التى ليس عليها التفكير بها مرة أخرى، هل فقدت عقلها لتفكر فى هذا الأمر!! كلا عليها أن توقفه عند حده كى لا يتمادى وينسى مكانته أمامها ولا يُحاول أن يؤثر على قرارها فى الإنفصال:
_ أحترم نفسك يا جواد ولتانى مرة هقولهالك، ملكش دعوه بيا ومتنساش نفسك أكتر من كده
سحبت يدها بحدة من قبضته وسريعا ما تركته ورحلت من أمامه وهى تقسم إنها تشعر بنظراتها النارية تثقبها وهى تختفى من أمامه، ليغلق "جواد" قبضته بضيق كبير متوعدا بينه وبين نفسه لذلك "الأدهم" بأفظع الاشياء، يقسم أنه سبجعل أسم "جواد الدمنهورى" هو أسوء كوابيسه:
_ حاضر يا ديانة، إن ما خليته هو اللى يجرى من قدامك فى أى مكان يشوفك فيه حتى لو لوحدك ولو بالصدفة، مبقاش أنا جواد الدمنهورى
❈ - ❈ - ❈
تتحرق فى ذلك الممر الضيق بين الغرف بعد أن خرجت من المرحاض، وذلك بعد أن هندمت من هيئتها، لتجد تلك اليدين تسحبها إلى داخل الغرفة وتغلق الباب بسرعة، وقبل أن تصيح أو تنهال عليه بالسُباب لأحظت أنه هو من يفعل ذلك هذه المرة أيضا، لحظة واحدة هذا المشهد مألوفا لها للغاية!!
نعم نعم فهو قد فعلها من قبل وفى نفس تلك الغرفة، ذلك اليوم عندما سمحت له بإقتحام حصونه وتجاوز حدودها، فى نفس الغرفة وخلف نفس الباب ولكن ليست نفس المشاعر، فى ذلك اليوم على الرغم من إنها كانت تخشى أن يراهم أحد وينكشف أمرهم إلا إنها كانت سعيدة للغاية بكونها معه فى مكان واحد، ذلك المكان الذى شهد على لحظات العشق تلك
ها هو نفس المكان وكل شيء يُقرر مرة أخرى، ولكن هذه المرة هى لا تخشى أن يراهم أحدا لأنها أصبحت زوجته ولا يستطيع أحدا أن يقول لهما شيئا، ولكن تلك المرة مشاعرها مختلفة تماما، هى الأن غير متقبلة لوجوده معاها فى مكان واحد، غير مُحبة لنظراته تلك التى تُضعفها وتجعلها تشمئز من نفسها، غير مُرحبة بلمساته تلك التى من المفترض الأن هى حق له، على الرغم من أن هذه المرة هى زوجته إلا إنها تشمئز من نفسها أكثر من المرة الماضية
بينما أقترب "مالك" منها وكم يتمنى أن تزول تلك المسافة الموجودة بينهم ويستطيع ضمها إلى صدره، لتدفعه يدها الصغيرة التى وضعتها على صدره حائلة بينها وبينه مُضيفة بجدية وحدة واضحة على ملامحها:
_ عايز أيه!!
حاول أن لا يُعطى أهتماما لذلك الجمود والحدة ويُحاول أن يستعطف ذلك الحب داخل قلبها، لعلها تستمع له تلك المرة وتعطيه فرصة أخرى، ليهمس لها بحب صادق وأعين لامعة:
_ فاكره المكان ده!!
أبتسمت له بحزن وإنكسار، وكيف لها أن تنسى ذلك المكان الذى شهد على لحظات الحب والعشق بينهم!! ذلك المكان الذى تذوقت فيه لأول مرة مذاق لمسات عشقه لها، كيف تنسى تلك الأحاسيس التى شعرت بها حينها!! هنا شعرت بحبه ولهفته وعشقه، ولكنها الأن لم تعد تشعر بأى منهم، لتضيف مُجيبة على سؤاله بنبرة تهكم وسخرية:
_ حاجتين البنى أدم مبينسهمش، حاجه فرحته من قلبه، وحاجه ندم عليها من كل قلبه
لا، ليست هذه المرة أيضا، لن يسمح لكلامها أن يؤثر به ويجعله يتراجع عما يفعله، عليه أن يتأكد اليوم والأن بأنها لاتزال تحمل داخل قلبها ولو القليل من الحب له، عليه أن يُيقذ ذلك العشق بداخلها ولو كلفه الأمر حياته، ليُعقب بثقة كبيرة مما سيقوله وهو ينظر داخل زرقاوتيها بعمق قائلا:
_ بس أنا متأكد إن دى الحاجه اللى فرحتك من قلبك
نعم، هو على حق، تلك الذكرى كانت تترك بداخلها الكثير من السعادة والسرور كلما تذكرتها، ولكن الأن تؤلمها جدا، ليس ندما على ما فعلته معه، ولكن حسرة لأنه فى لحظة غضب هدم كل ما كان بينهم فى يوم من الأيام ونسى ثقتها به فى هذا اليوم:
_ إن جيت للحق وقتها فرحتنى، إنما بعدها ندمت ندم عمرى إنى حبيت واحد زيك
لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، كيف تراه الأن!! هل نسيت ذلك الحب الذى أحبه له، هل نسيت عشقة الذى كان يُصرح به كل لحظة لها!! لما تناست له كل ما هو جميل ولا تتذكر سوا تلك الليلة الملعونة بينهم!! لما لا تغفر له ذلك الذنب، عليها أن يذكرها بكل ما فعله من أجلها، عليه أن يذكرها بذلك العشق الذى هو أسير له إلى تلك اللحظة، ليقبض على ذراعيها بإندفاع وصاح مُعبرا عن ذلك العشق المؤلم بداخله:
_ واحد زيى حبك بجد، واحد زيي عمره ما زعلك فى يوم من الأيام قبل اليوم الزفت ده، واحد زيي عمره ما فكر يأذيكى فى يوم أو يوجعك و...
من أين أتى بكل تلك البجاحة والتهاون بما فعله!! هل يذكرها الأن بعشقه لها ويصرخ به لكى يكسب تعاطفها!! لما لا يذكرها بإ غتصا به لها وتحطيم قلبها والقضاء على كل ما كانت تحمله له من حب وثقة وإطمئنان!! حسنا لتذكره هى بما لا يريد ذكره الأن، لتقاطعه مُمسكة بتلابين قميصه مُتشبثة بها صارخة فى وجه بألم وحسرة واضحة على نبرتها وتقاسيم وجهها:
_ واحد زيك أغت~صبنى، واحد زيك جرحنى جرح عمرى ما هقدر أنساه، واحد زيك صدق فيا بمنتهى السهوله إنى واحدة مش كويسه وطلع كل عُقده عليا وأنتقم منى على كل حاجه مر بيها فى حياته
لمعت عينيه متأثرا بتلك الكلمات وخصوصا تلك الكلمة "أغت~صبنى"، هل تحول الأن من عاشق متيما بها إلى مُغ~تصب حقير أستباح جسد~ها، اللعنة عليه وعلى كل ما فعله، تهاوت تلك الدمعة رغما عنه حزنا على حالتها تلك، ليعقب مُحاولا تذكيرها بأن كل ما حدث كان رغما عنه مُستعطفا إياها:
_ اللى حصل ده كان غصب عنى وأنتى عارفه كده كويس
أبتلعت تلك الغصة المؤلمة فى حلقها مُصاحبة إياها تلك الدموع المالحة التى سبق وتهاوت من زرقاوتيها مُضيفة بجمود كى لا تنهار أكثر من ذلك:
_ عارفه أو مش عارفه متفرقش، المهم إنك أذيتنى أذى كبير أوى عمرى ما هسامحك عليه
تحركت قبضته من حول ذراعيها وألتفت ضاممة إياها إلى صدره دون إدراكا منها، بينما هى لاتنزال متشبثة فى رقبته وتنظر إلى عينيه، ليرمقها هو بنظرات العشق والإشتياق لها مضيفا بثقة:
_ لا هتسامحينى، عارفه ليه!! عشان أنتى لسه بتحبينى زى ما أنا بحبك
لن تستسلم وتصرح له بذلك الحب، عليه أن يُعانى مثلما تعانى هى أيضا، عليه أن يشعر بالحسرة كلما رأها مثلما تشعر هى بالحسرة والألم كلما نظرت له، بالطبع هى تعشقه وتتمنى لو تدفن رأسها داخل صد ره الأن ولكن هل يُعقل هذا!! هل يمكن للمجنى عليه أن يحتمى بين ذراعى الجانى؟!
_ كنت، كنت بحبك
حتى لو ظلت تقول هذا الكلام الباقى من عمرهم لن يصدقها، لو أستطاعت أن تكذب على الناس جميعا لن تستطيع أن تكذب عليه هو، فهو يعرفها جيدا ويعلم بكل ما يدور بداخلها من تخبط، ولكن عليه ان يتحمل ولو حتى إلى أخر نفس فى حياته، ولكن ليس هناك مانع من مُصارحتها بهذا الأمر:
_ لو كنتى فعلا زى ما بتقولى مكنتيش دلوقتى سيبانى حاضنك كده ومقربك منى بالشكل ده، لو كنتى فعلا زى ما بتقولى مكنتيش هتتعلقى فى رقبتى بالطريقة دى، لو كنتى فعلا زى ما بتقولى مكنتيش عينك لمعت كده وأنا بتكلم معاكى وبقولك إنى بحبك ولا كان قلبك دق جامد كده زى ما بيدق دلوقتى
أنتى لسه بتحبينى يا زينة وأنا مش مستنى أسمعها منك لأنى شايفها فى عينك..
لو كنتى فعلا زى ما بتقولى مكنش وشك أحمر أوى كده وأنا بقولك الكلام ده!!
وكأنها عقلها فقد السيطرة على لسانها ولا تستطيع أن تتفوه به بكلمة واحدة، أم إنها لا تجد أى من الكلمات لتقوله!! ظلت صامته وتطالعه فقط ببعض من نظرات الرفض تارة ونظرات الإنكسار والحزن تارة أخرى، بينما تنهد هو بألم كبير ملاحظا تشتتها ذلك مُكملا حديثه:
_ سامحينى يا زينة، سامحينى وأدينى فرصه تانية وتعالى نبدأ من جديد، أوعدك هنسيكى كل حاجه وعمرى ما هخليكى تندمى مرة تانيه، أنا بحبك يا زينة
ظلت ضربات قلبها تتسارع وأنفاسها ثقلت جدا وكأن الهواء يتلاشى من حولها شيئا فشيء، تتمنى لو تلقى بذلك الحمل من فوق أكتافها وتُعانقة بشدة وتسمح لنفسها بأن تنهار للمرة الأخيرة بين ذراعيه، وتسامحه بعدها وتنسى كل ما حدث، ولكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، لن تستطيع أن تنسى بتلك السهولة، ياليتها تفقد تلك الذاكرة وتبدأ معه من جديد
بعدت يدها سريعا عن عنقة وأزاحت يده التى تضمها مُتشبثة بأخر ذرة قوة بداخلها وبعدته عنها مرة أخرى مُضيفة بحدة وجمود:
_ وأنا مبحبش حد يا مالك، ألتزم حدودك معايا الكام شهر دول لحد ما أولد وبعدها هننفصل بهدوء
عاد ليجذب ذراعها من جديد ولكن تلك المرة بحدة وقوة، وكأنه يعطيها إشارة صريحة مضمونها إنه لن يتىكها ولن يبتعد عنها مهما كلفه الأمر، مُضيفا بتأكيد على ما يقصده:
_ أنا مش هسيبك، متوهميش نفسك إنى ممكن أسيبك تبعدى عنى فى يوم من الأيام أو إنى ممكن أطلقك، أنتى حبيبتى، ومراتى، وأم طفلى، وأنا متاكد إنك لسه بتحبينى بس بتعاندى يا زينة، ماشى عاندى براحتك وأنا هعاند براحتى والعبرة بالنهاية
دفعته مرة أخرى ولكن تلك المرة أسرعت فى الخروج من الغرفة مُتهربة من ذلك الحديث الذى يبدو وكأنه لن يتركها سوا منهارة بين يديه صارخة بعشقها له على الرغم من كل ما فعله بها، ولا عذاء لجرح قلبها وكرامتها..
❈ - ❈ - ❈
كانت تقف أمام خزانتها تُحاول إخراج ملابسها التى سوف تحتاج إليها فى تلك السفرية، بينما كانت والدتها تجلس خلفها على الفراش وتحمل أبنها بين ذراعيها إلى أن تنتهى هى من تحضير أغراضها، لتعقب "لبنى" مُستفسرة عن موعد رحلتهم:
_ هى طيارتكم الساعة كام؟!
أجابتها "ديانة" وهى تضع ذلك الفستان داخل الحقيقبة مُعقبة بهدوء:
_ الساعه ٨ الصبح إن شاء الله
شعرت والدتها بالأسى عليها لأنها لن تأخذ كفايتها فى النوم، فعلى كل حال الساعة الأن الثانية بعد منصف الليل، فهم لتو عائدون من بيت عائلة "ملك":
_ يااه دا أنتى يدوبك تلحقى تنامى الساعتين دول
أومأت لها "ديانة" بالموافقة على ما قالته والدتها مُعقبة بتوضيح:
_ أخلص بس تحضير الشنطة وأرضع نور وبعدها أنام
أبتسمت والدتها بخفوت على ما أخبرتها به من قبل بأنه خائفة من أن تترك "نور" وتسافر تلك السفرية، ولكنها سبق وأن طمئنتها وأخبرتها أنها سوف ترعاه جيدا، ولكنها يبدو إنها لم تقتنع بعد:
_ لسه بردو قلقانه على نور وهو معايا!!
حاولت "ديانة" توضيح الأمر إلى والدتها وإنها لا تخشى أن تتركه معها، بل هى ترتاب من فكرة تركه والسفر إلى دولة أخرى:
_ طبعا يا ماما مش قلقانه أنه معاكى، بس يمكن عشان دى أول مرة أبعد فيها فترة زى دى وأسيبوا من بعد ما خرج من الحضانة، خلى بالك منه يا ماما وطمنينى عليه أول بأول
ضحكت والدتها على خوفها الشديد من ترك طفلها واكنها حاولت أن تطمئن قلبها، فهى فى الأول والأخر أما مثلها وتقدر ذلك الخوف جيدا:
_ متخفيش يا عمرى، أنا حتى هأخده ينام معايا فى الأوضة كمان
شعرت "ديانة" بالأحراج لأنها هكذا سوف تزعج عمها ومن الممكن أن لا يروقه صراخ "نور" فى الليل، لتعقب رافضة حديث والدتها:
_ بلاش يا ماما لحسن عمى يضايق أو يقلقه
تدخل "هاشم" الذى كان يمرأ من أمام باب الغرفة ليوقفه سماع صوتهم وذكر أسمه، ليتدخل فى الحديث مُقاطعا لما كادت أن تقوله "لبنى" مُعقبا بإصرار:
_ ملكيش دعون أنتى، نور بيه يعمل اللى هو عايزه
أبتسمت له "ديانة" بإمتنان وأضافت مُستفسرة عن مدة تلك السفرية التى تتمنى لو تجد سببا مُقنا يُبعدها عنها:
_ هى السفرية دى هتحتاج وقت قد أيه يا عمى
أجابها "هاشم" موضحا لها مدة تلك السفرية ومطمئنا إياها بأنه سوف تمكث هناك ببيت "ماجدة" وليس هناك ما يدعو للقلق:
_ يعنى من أسبوع ل عشر أيام كده، وبعدين مالك زعلانه ليه كده!! ده أنتى رايحة أمريكا وفيه دلع وحاجات كتير أوى مستنياكى هناك، ده كفاية عليكى ماجدة!!
حاولت "ديانة" عدم إظهار إستيائها من تلك السفرية، فهى بالأساس كل ما يُزعجها إنها ستكون برفقة "جواد" طوال الوقت، وما يزيد الأمر سوء إنها ستمكث عند "ماجدة" وسيكون من المفترض عليها عدم إظهار أى شيء أمامهم كى لا تحزن أحد أو يحاول أحد التأثير عليها، فهى لا ينقصها هذا الشيء، لتجيب على عنها بإحترام:
_ معلش هى بس عشان أول مره أسافر فيها، حتى أول مرة أركب طيارة
ربط "هاشم" على كتفيها مُحمسا إياها جاعلا الأمر يروق لها قائلا بقليل من المرح:
_ متقلقيش هتنبسطى أوى بالسفرية دى وأنتى اللى هتتمنى تعديها مرة تانية كمان
أبتسمت له "ديانة" بود ومجاملة مُعقيبة بإحترام:
_ إن شاء الله
أومأ لها "هاشم" بهدوء مُغلقا ذلك النقاش رادفا بهدوء:
_ طب أسيبك أنا بقى عشان ترتاحى، تصبحى على خير
أومأت له بهدوء مُضيفة بإبتسامة إمتنان:
_ وحضرتك من أهله يا عمى
يتبع