-->

الفصل الثاني والعشرون - قلبي بنارها مغرم

 



الفصل الثاني والعشرون

وماذا بعد يا زماني

ألم يحِن لي نيلُ الأماني

ما عاد لي حُلمً سوي ضمتها

لأشعر حينها بكينونتي وكياني

لكنّ حتي الأمنياتِ عليا حُرمت

وأصبحت حُلمً بعيد المّديّ

صعب المنالِ

 

--

في تمام الثامنه صباحً من يوم الخميس

فاقت من نومِها علي صوت المُنبه المُزعج ،أوقفته بضغطة من يدها ثم سحبت جسدها لأعلي بتكاسُل وأرجعت ظهرِها للوراء مُستندة علي خلفية التخت، تنفست بهدوء ثم مسحت علي وجهِها بكفيها بإرهاق وذلك لعدم أخذِها القسط الكافي من النوم، تنهدت بأسي حين تذكرت لحظة رحيل حبيبها حتي قبل أن يدلف معها إلي مسكنهما ولو لدقائق،

 

كانت تتأمل المبيِت في حضرته، حتي وإن لم تحظو بالغفو بداخل أحضانة فكانَ سيكفيها أنها بجواره تستنشق رائحة جسدهِ العطرة التي باتت تحفظها عن ظهر قلب ، يا لهُ من شعور مُميت مُخزي أن يتركها وحيدة ويرحل بعدما أخبرتها عيناه ومّنتها بالكثير والكثير من الوعود التي جعلت من روحها سارحة في فضاء العاشقين ، كم كانت لحظة مؤلمة عندما ترك يدها ورحل دون وداع، كم شعرت بتألُم روحهُ وصرخة عيناها حينما كان مُرغمً علي الرحيل .

 

 

نفضت رأسها من تلك الأفكار المؤرقة لعقلها، ثم تحاملت علي حالها وتحركت إلي المرحاض، توضأت وخرجت لتأدية صلاة الضُحي، إنتهت وجلست علي سجادة الصلاة وباتت تناجي ربها وتحدثهُ بدموع قائلة بنبرة توسلية :

_إلهي، لقد هرم قلبي وشاب جراء الإبتعاد ، لقد آُستنزفت طاقتي ولم تعُد لدي قُدرةِ الإحتمالِ، أناچيكَ إلهي أن ترحم ضعفي وقلة حيلتي، فقد خارت قوتي وأشعر أنني أتجةُ نحو الهلاكِ

 

تحاملت ولملمت حالها وأتجهت إلي المرحاض من جديد، غسلت وجهها بالماء الفاطر، وهاتفت مريم كي تتجهز لتذهب معها إلي المّشفي لإستلام وظيفتها، ثم إتجهت لخزانة ملابِسها وأرتدت ثيابها العملية وتحركت مُتجهه إلي الأسفل، وجدت الجميع يلتفون حول طاولة الطعام يتناولون فطورهم بشهية

 

تحدثت إلي الجميع بوجهٍ بشوش متحاملة علي حالها لإظهارة :

_ صباح الخير .

 

رد الجميع الصباح وتحدثت الجدة:

_ تعالي آُفطري يا دَكتورة.

 

أجابتها بنبرة هادئة لصوتٍ مُجهد :

_ مجادراش يا چدة، مليش نفس.

 

تحدثت نجاة بنبرة حنون:

_ كيف ملكيش نفس يا بِتي، إنتِ لازمن تاكلي لجل ما تصلبي طولك وإنتِ عم تشتغلي.

 

 

وتحدث يزن وهو يُشير إليها بإهتمام:

_ إجدي كُلي لك لجمتين وإشربي كُباية حليب يا صفا، متطلعيش من البيت إكدة.

 

إستشاط داخل ليلي من إهتمام يزن الزائد بعدوتِها اللدود، وعلي الفور رمقتها بنظرات حاقدة وتحدثت إليها بنبرة جامدة:

_وإنتِ بجا جايلة لچوزك إنك خارچة، ولا ماشية علي كِيفك وچوزك أخر من يعلم؟

 

 

نظر الجد إلي صفا يترقب ردة فعلها، حين رمقتها هي بنظرة واثقة وتحدثت بقوة:

_ مش بِت زيدان النُعماني اللي تتخطي الأصول وتخرچ من غير عِلم چوزها

 

وأكملت لتضع لها حدوداً كي لا تتخطاها فيما بعد:

_ وتاني مرة لما تاچي تتكلمي وياي يا ريت تُبجي تنجي ألفاظك وتنتقيها، عشان أني ما بمشيش علي كيفي يا ليلي ، أني دَكتورة ومن الطبيعي إن كُل يوم هخرچ وهروح علي شغلي،

وأكملت بنبرة صارمة:

_ يعني مش كل يوم هلاجيكي واجفه لي وتسمعيني كلامك الماسخ اللي ملوش عازة ده.

 

نظر لها الجد بإستحسان في حين قهقه حسن وفارس عالياً وتحدث فارس إلي شقيقتة بنبرة ساخرة:

_ عتجيبي الحديت لحالك ليه يا بِت أبوي، فاكرة لي حالك جوية ونافشي ريشك علي الكل،

ونظر إلي صفا وتحدث بضحكة ساخرة :

_ أهي چت لك اللي عتطلع الجديم والچديد علي جِتتك،

وأكمل بنبرة ساخرة مُشيراً بيداه بطريقة أضحكت الجميع:

_ من أول مواچهة جصفت جبهتك بمدفعية هاون چابتها لك الأرض.

 

 

إستشاط داخل ليلي وأكثر ما أشعلها ضحكات الجميع الساخرة منها ونظرات يزن الساخطة والحزينة علي حالِها بذات الوقت

 

بسط الجد يدهُ مادداً إياها في إتجاة صفا مُمسكً بكوبً من الحليب وتحدث بإهتمام :

_ إشربي دي من يدي يا دَكتورة.

 

نظرت إلي جدها بحب وأقتربت علية ومالت علي يدة المُمسكة كوب الحليب ووضعت عليها قُبلة إحترام ثم تناولتها منه وأردفت قائلة بنبرة شاكرة:

_تسلم يدك يا حبيبي .

وبدأت بإرتشافِها

 

تدلت مريم الدرج وكانت غاية في الرقة والشياكة مما لفت إنتباه فارس الذي نظر لها مطولاً بعيون مُتفحصة، فهي في الفترات الأخيرة غابت متعمدة عن مرمي عيناه كي تتجنب رؤياة التي باتت تُشعرها بدونيتها وعدم أهمية وجودها بالحياة، فقد أوصلتها تصرفاته وتلاشية لوجودها إلي فقدانها للثقة بحالها

 

تحدثت بنبرة مرتبكة إلي صفا:

_ أني چاهزة يا صفا.

 

نظرت لها صفا وتحدثت بإستحسان ودُعابة :

_ إية الجمال ده كلياته يا أستاذة مريم، علي فكرة إنت رايحة تتوظفي في مستشفي، مريحاش مسابجة ملكة چمال إنتِ

 

 

ضحكت لها في حين تحدث الجد بنبرة حنون كي يبثُ الثقة داخل روح حفيدته الرقيقة :

_ مبارك عليكي التعيين يا مريم.

 

أجابتة بسعادة بالغة وذلك بفضل إهتمامةُ بها :

_يبارك في عمرك يا جدي.

 

 

وتحدث مُنتصر وهو يتبادل النظر بينها وصفا :

_ خلي بالك من نفسك يا بِتي ولو عوزتي أيتوها حاجة أختك وياكي هناك .

 

إبتسمت له صفا وسعدت بوصف عمها لها بشقيقة إبنته وتحدثت لطمأنته بنبرة حنون:

_ متجلجش يا عمي، مريم في عنيا

 

 

تحدث يزن إلي صفا بنبرة جادة:

_ أني رايح علي المحچر عِندي شغل مُهم ولازمن يخلص إنهاردة، وأني جايل لدكتور ياسر ومفهمة طبيعة الشغل المطلوب من مريم زين، ما عليكِ إلا إنك هتعرفيها علية وهو عيسلمها شغلها ويفهمها المطلوب منيها حالياّ

 

ثم نظر إلي شقيقتهُ وتحدث بنبرة مطمإنه:

_ وأني عخلص ولما أچي عفهمك باجي شغلك يا مريم، متجلجيش يا حبيبتي، أني معسيبكيش لحد متفهمي كل حاچه زين .

 

شعرت بإرتياح بعد كلمات شقيقها وأردفت قائلة بنبرة شاكرة:

_ ربنا يخليك ليا يا يزن.

 

 

ثم تحركت إلي نجاة واحتضنت طفلتها التي تجلس فوق ساقاي جدتها وتحدثت إلي نجاة:

_ خلي بالك علي چميلة يا أمّا

 

اجابتها نجاة وهي تُربت علي كتف إبنتها بحِنو:

_ متعتليش هَم چميلة يا بِتي وخليكي إنتِ في شغلك

 

 

نظر لها فارس وانتظر أن تلتفت إلية أو تُعنية بأي حديث، لكنه إستغرب تجاهلها التام إلية حين نظرت إلي الأمام وتحركت بجوار صفا مُتجهتان مباشرةً إلي الخارج

 

 

خرجتا للحديقة ثم تحدثت مريم إلي صفا بنبرة إرتيابية:

_ أني خايفة جوي يا صفا، حاسة حالي رايحة إمتحان وممزكراش فية أيتوها حاچة كُمان

 

 

أمسكت صفا كف يدها للمؤازرة ثم أجابتها بإنكار للذات كي تبثُ داخل روحِها الثقة:

_ يعني هو أني اللي كُنت إشتغلت جبل إكدة يا مريم، ما الحال من بعضة يا بِت عمي، وادينا هنساندوا بعضينا لحد ما نتعلم

 

هدأت مريم واطمأنت وتحركا للجراچ الخاص بالسرايا

 

إستقلت سيارتها وبجانبها مريم، أشعلت مُشغل الموسيقي الخاص بسيارتها وأستمعتا إلي صوت فيروز وهي تتغني ،،

صباح ومسا، شى ما بينتسي تركت الحب وأخدت الأسي

شو بدي دور لشو عم دور علي غيرة

في ناس كتير لكن بيصير ما فيه غيرة

صباح ومسا شي ما بينتسي، تركت الحب وأخدت الأسي حبيبي كان هني وسهيان مافي غيرة

حِملني سنين مانن هاينين كَتر خيرة

 

كانتا ترددان الغنوة معاً بعيون سعيدة وهما تنظران لبعضيهما وتتبادلان الإبتسامات المُشجعة كِلتاهما للأخري

 

وصلتا إلي المشفي ودلفتا من الباب تتحركان داخل رواق المَشفي الطويل

 

كان يخرج من باب غرفة الكشف التابعة لهُ، نظر أمامهُ بتلقائية وبلحظة تخشب جسدهِ وأنتفض قلبهُ واتسعت عيناه وهو يري أنه وأخيراً قد عثر علي حوريته الهاربة منه

وقف مُتسمراً بمكانة حين رأها تقترب من وقفته بجوار صفا التي وقفت وتحدثت إلية بنبرة تشِعُ أملً وحماس :

_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

رد عليها وما زال بصرهِ مُعلقً بحوريتة التي خطفت أنفاسهُ من طلتِها الأولي، فتحدثت إلية صفا وهي تُشير إلي مريم قائلة:

_ دي بجا الأستاذة مريم النُعماني، الموظفة الچديدة يا دكتور.

 

ثم حولت بصرِها إلي مريم وأشارت إلي ياسر المذهول وتحدثت :

_وده دكتور ياسر اللي هيسلمك مكتبك ويعرفك طبيعة شغلك والمطلوب منك يا مريم.

 

حدث حالهُ وهو ينظر لمقلتيها الصافية،، أيُعقل أن تأتي إلي بكل تلك البساطة بعدما فقدت الأمل في لُقياكِ غاليتي .

يا لي من محظوظ

 

نظر لها وأردف غير مستوعبً :

_ معقولة حضرتك تبقي أخت الباشمهندس يزن ؟

 

نظرت إلية مُستغربة نظراتهِ العجيبة إليها، فأكمل هو حين وجد دهشتها داخل عيناها:

_ هو إنتِ مش فاكراني ؟!

 

ضيقت بين حاجبيها تحاول تذكر ذلك الوجة تحت إستغراب صفا لحالة ياسر العجيبة، فتحدث هو مُجدداً مُذكراً إياها :

_أنا اللي قابلتك في الجنينة يوم فرح الدكتورة صفا، لما الفون وقع منك.

 

كان يتحدث بنبرة حماسية وعيون مُتشوقة مما أدعي لإستغراب الفتاتان وتحدثت مريم بنبرة باردة بعدما تذكرت :

_ إفتكرت حضرتك، أهلاً وسهلاً يا دكتور.

 

 

تنهد بإرتياح وتسائلت صفا مُستفسرة :

_ شكلكم تعرفوا بعض جبل إكده، علي العموم وفرتوا عليا كتير، أسيبك مع دكتور ياسر يوريكي مكتبك وأروح اني أشوف شغلي يا مريم .

 

أومأت لها مريم وأنصرفت صفا، نظرت مريم لذلك الواقف مُتيبس الجَسد ومُسلط العينان داخل مقلتيها وتحدثت بإستغراب لحالتة :

_ هو حضرتك عتفضل واجف إكدة إكتير، أني عاوزة أعرف طبيعة شُغلي .

 

 

وعي علي حالهِ ثم إبتسم لها وتحدث بدُعابة:

_ هو إنتِ دايماً عصبية كده ولا طبعك ده معايا أنا بس ؟

 

ضيقت عيناها مُستغربة حالة ذلك الأبلة وتحدثت بنبرة صارمة كي تضع له حدود وقواعد للتعامل معها :

_ وأني أعرف حضرتك منين علشان تجولي إكدة، مكانتِش مرة إتجابلنا فيها صُدقة

وأكملت بنبرة جادة :

_وريني مكتبي من فضلك علشان مضيعش وجتك ووجت المُستشفي

 

 

تحمحم خجلاً من حالة وعذر طبيعة نشأتِها وحدودها التي تضعها بينهما في التعامل، فأشار لها إلي مكتبها ودلفا كلاهُما وبدأ بشرح طبيعة ما يجب عليها فعلة، وتفهمت مريم طبيعة العمل سريعً واندمجت، وخرج ياسر من مكتبها مُجبراً، وشكر ربهُ علي أنهُ وأخيراً وجد ضالتة الضائعة، وقد قرر التقرب منها بهدوء وجعلها تعتاد عليه أولاً ومن ثُم سيفاجأها بعشقها الذي أصاب قلبهُ وتملك منه من أول طلة رأتها فيها عيناه

 

بعد مدة دلف عامل البوفية حاملاً كأسً من عصير الليمون الطازچ وتحدث إليها:

_ صباح الخير يا أستاذة، الدكتور ياسر باعت لحضرتك الليمون ده وبيجول لك نورتي المستشفي.

 

تحدثت للعامل بإحترام:

_متشكرة، تسلم يدك.

 

خرج العامل ونظرت هي لكأس العصير وتحدثت بإرتياب :

_ إية حكايتة الراچل الملزج دي كمان، فاكر حالة في نادي العشاج إياك !

ده كَنة هيُبجا مرار وطافح يا مريم.

--

 

مساء نفس اليوم

داخل مسكن قاسم المملوك والمعروف لجدهِ وللجميع ،كانت تجلس فوق مقعداً داخل الشُرفة تضع ساقً فوق الآخري وتنظر أمامها بكبرياء وتبتسم إبتسامة ملكٍ مُنتصر ، متجهزة بثيابها الأنيقة المُحتشمة وتتأهب لحضور حفل زفاف نجلها الذي سيُحقق لها النصر التي طالما حلُمت بهِ سنوات وسنوات وهاهي اليوم ستظفر بالإنتصار وإنكسار قامة زيدان الذي صفعها صفعةً مُهينة، وهاهي تتأهب لردها وبقوة أكثر، بل وبدمار روح إبنته

أما قدري فكان يرتدي ثيابهِ بداخل الغرفة الخاصة لهُ ولفايقة

 

رن هاتفها مُعلناً عن وصول مكالمة من وريثة عرش حِقدها المُعظم،أجابتها علي الفور قائلة بنبرة جامدة خالية من لهفة ومشاعر الإمومة:

_كيفك يا ليلي، إية الأخبار عِندك؟

 

أجابتها بنبرة حاقدة:

_الأخبار مطمنش يا أمّا، چدي بعت للي ما تتسمي اللي إسميها ورد وجال إية، رايد ياكل من يدها محاشي مشكله وكِشك، وچت ووجفت في المطبخ ولا اللي يكون دوار أبوها، وهي وعمي چعدوا وإتغدوا ويانا وهاتك يا ضحك وهزار كيف ما يكونوا بيحتفلوا بعدم وچودكم في السرايا

 

وأكملت بنبرة تهكمية:

_ ولا الهانم مّرت ولدك اللي دايرة علي مزاچها كِيف اللي ملهاش راچل يلِمها، ركبت عربيتها اللي عتتمنظر علينا بيها من الصُبح وراحت علي المخروبة اللي چدي عِملهالها اللي إسميها المستشفي ولساتها راچعة من إشوي هي والست مريم .

 

 

إستشاط داخل فايقة وتحدثت بنبرة حاقدة:

_خليهم يضحكوا ويفرحوا لهم يومين من نِفسهم، أما نشوف مين اللي عيضحك في الأخر

 

تنبهت ليلي علي نبرة والدتها التي توحي بتدبيرها بكارثة تنتظر الجميع وتنهدت براحة ، ثم تسائلت بإهتمام:

_ چيبتي لي التحاليل بتاعتي من عِند الدكتور يا أمّا ؟

 

أجابتها فايقة:

_ عنروح نجيبها بكرة أني وأبوكي.

 

أجابتها ليلي بنبرة حزينة:

_ أني خايفة جوي من اللي عتعمله مرت عمي مُنتصر لو طِلع فيا عيب يمنعني من الخلفة ،خايفة ليكون كلام الدكتور اللي روحنا له آخر مرة في المركز صحيح، ده حتي أبونا القسيس اللي روحنا له جال لي روحي لحكيم يداويكي من اللي شربتية

 

 

قاطعتها فايقة بنبرة حادة قوية :

_ معايزاش أسمع منيكي كلمة خايفة دي طول ما أني چارك، إنتِ بنت فايقة النُعماني، يعني الخوف هو اللي يخاف منيكي، فهماني يا بِت؟

 

إستمعت إلي صوت قدري وهو يتحدث إليها:

_ عتتحدتي وَيَا مين يا فايقة؟

 

تحدثت إلي إبنتِها تحثها علي إنهاء المكالمة:

_ إجفلي دالوك يا ليلي، واني عكلمك الصِبح وأجول لك أني عِملت إية عِند الدِكتور.

 

أغلقت معها ونظر لها وتساءل:

_ هو ولدك لساته چوة ؟

 

زفرت بضيق وأردفت قائلة:

_ من وجت ما رچع من المحكمة وهو جافل علي حالة ومطايجش يشوف خلجة حد.

 

صاح قدري بآخر صوتهِ مناديً علي ولده، فتح الباب وخرج بوجهٍ عابس وذقنٍ نابت غير مهندب، مرتديً حلة سوداء أنيقة كي يحافظ علي هيأته أمام الحضور، وتحرك إليهما فنظر لهُ قدري بوجةٍ عابس لأجل ما يحدث مع ولدة، نعم هو رجُلً طامع حاقد علي الآخرين، جشع يعشق إقتناء المال ولا يهتم بوسيلة جمعةُ ، وحقاً يفتقد قُدرة التعبير عن مشاعرة لأبنائه، لكنهُ بالنهاية أب ولدية مشاعر أبوة ويخشي علي صغارة من الزمن ،

 

إقترب قدري علي إبنهِ وربت علي كتفهِ بمؤازرة وتحدث:

_ يلا بينا يا ولدي لجل ما نجضوا المشوار دي ونخلصوا مِنية.

 

 

نظرت تلك المرأة منزوعة الرحمة وتحدثت إلي ولدِها التي لم تشعر به يومً:

_ جالب خِلجتك لية إكدة يا ولدي، إفرد وشك أومال.

 

كان ينظر لها بجمود مُستغربً حالة اللامبالاة وعدم الشعور بقلب صغيرها الذي يصرخ مُستنجداً، يُريدُ التشبُث بأي طوق ينجية من الهلاك المُحتم المُقبل علية لا محال

 

 

أخذ نفسً عالياً ثم زفرهُ وتحدث بلهجة مُحذرة:

_ مش عاوز أعيد كلامي علي حضرتك وأجول لك إن الموضوع ده لو إتعرف في النچع هيكون فيه نهايتي وهلاكي

 

 

نظر لهُ قدري وتحدث بنبرة صادقة:

_ متجلجش يا ولدي، أكيد أمك مهياش بالغباء دي لجل ما تودرك بيدها ، هي عارفة ومتوكدة زين إن يوم چدك وعمك زيدان ما يعرفوا بچوازة الشوم دي هتغفلج علي الكُل وأكتر واحد هيتإذي فيها هو أنتَ

 

 

ثم رمق فايقة بنظرة تحذيرية أرعبتها فتحدثت بنبرة صادقة حيث أنها حقاً تُريد ان يعلم الجميع اليوم قبل الغد بزواج قاسم علي إبنة زيدان حتي تسحق قلبهُ سحقً علي غاليتة، لكنها وبالتأكيد تخشي علي قاسم من بطش عِتمان وطردة من جنة نعيمهُ، فصبرت حالها بأن عتمان لم يتبقي لدية الكثير من الاعوام كي يحياها، وبعد وفاته سيحق لها الإعلان عن الإنشطار النووي لقُنبلة المُوسم

 

وتحدثت بنبرة صادقة:

_محدش عيخاف عليك ولا عيحبك ويتمني لك الخير جدي يا قاسم، طمن بالك يا ولدي.

 

 

تحرك ثلاثتهم إلي القاعة المُقرر بها إقامة حفل الزفاف، كان رفعت وأهلهِ متواجدون بالفعل، إستغرب أهل رفعت واشقائة ان العريس لم يأتي سوي بوالدية وفقط، إستقبل قدري المأذون ودلفت إيناس إلي القاعة بصُحبة والدها الذي قادها للداخل وذهب بها إلي مقر الجلسة المُعدة من قِبل إدارة الأوتيل لعقد القران، مع إستغراب الحضور لعدم إستقبالها من جانب قاسم الجالس بجانب المأذون الشرعي غير مبالي بدخول عروسه إلي القاعة.

 

 

جلست إيناس وهي تنظر إلي ذلك الناظر أمامة بجمود ويبدوا للجميع إرغامهِ علي تلك الزيجة من خلال ملامح وجههِ العابس

 

 

بدأت مراسم عقد القران وقام المأذون بخطبتهِ الشهيرة وبعد مدة إنتهي رفعت من قول ما أملاهُ علية المأذون وجاء الدور علي قاسم

فتحدث المأذون إلي قاسم قائلاً :

_ قول ورايا يا عريس، قبلت الزواج من موكلتك

 

نظر لهُ قاسم وكاد أن يصرخ معلناً للجميع عن تخليهِ عن تلك الزيجة التي ستذبح روحهِ قبل مُتيمتهُ، وَدْ لو أن لهُ رفاهية الوقوف والخروج من ذلك المكان الذي يضغط علي أنفاسة بقوة حتي أنه بات يشعُر بالإختناق، ود الخروج مسرعً ضاربً بكل شئ عرض الحائط، وَد الذهاب إلي حبيبته والإرتماء داخل أحضانِها الحنون

 

إنتبهْ علي صوت المأذون وهو يُكرر علي مسامعة كلماتةِ السابقة مستغربً حالة التيهه والتشتت اللتان تُظهران علي هيأة العريس وتحدث:

_ إنتَ سامعني يا أبني ؟

 

إستشاط داخل كوثر التي تقف بجوار جلوس إبنتها واشتعلت النار بداخل قلبها من ذلك الذي جعل جميع الحضور يتهامزون فيما بينهم، أمسك قدري يد إبنهِ ونظر إلية ليحثهُ علي إستكمال الإجراءات لإنتهاء تلك المراسم وذلك الزفاف الذي أجبر عليه هو وولده

 

 

حينها نظر رفعت إلي قاسم وأستمال له بعيون متوسلة أرهقت قلب قاسم وجعلتة يتحامل علي حالهِ كي يُنهي مأساة ورُعب ذاك المُرتعب ضعيف الكيان المسمي برفعت

 

تنفس قاسم عالياً وبدأ بقول ما يُملية علية المأذون وكأنهُ ألة إلكترونية يُكرر ما يُؤمر به دون روح أو قلب أو أية مشاعر، إنتهت المراسم وقُمن النساء الحاضرات بإطلاق الزغاريد معلنين عن فرحتهم بإتمام الزيجة ومن بينهم فايقة التي كانت تزغرد بقلبٍ سعيد شامت وكأنها حققت أعظم إنتصاراتِها للتو

 

تنفس رفعت ونطق الشهادة بينهُ وبين حالة وحمدالله كثيراً علي إسدال سترهِ العظيم علي إبنته وعلية أمام الحضور والعلن

 

 

وقف قاسم وتحامل علي حالة وذهب لجلوس إيناس التي تشعر بلذة الإنتصار وبأنها وأخيراً ظفرت بلقب حرم قاسم النُعماني وهذا ما حلُمت به مُنذُ أن رأتهُ بأول يومٍ لها داخل كُلية الحقوق حين قدمهُ لها عدنان لتتعرف علية بإعتبارهِ صديقةُ المُقرب إلي قلبة طيلة الثلاث سنوات دراسة

 

 

أمسك يدها ليوقفها مُتضرراً وكأنهُ يحتضنُ شوكً يؤلمهُ بشدة ويسحب منه روحهُ ، تحرك بها حتي وصل إلي المكان المُخصص لجلوسهما وهُنا تركها سريعً وجلس هو قبلها مما جعلها تكَادُ تزهق روحها من شدة الخجل التي شعرت به أمام الحضور الذين يُسلطون ابصارهم علي العريس ووجههِ الكاشر ويتهامزون بوجوة مُستغربة

 

جلست وهي تنظر للجميع بكبرياء لحفظ ماء الوجه ثم نظرت إلي قاسم وتحدثت بنبرة رقيقة أخرجتها بصعوبة بالغه :

_ مبروك يا حبيبي.

 

 

نظر لها وأبتسم بجانب فمة وتحدث ساخراً :

_ حبيبك؟

إنتِ مصدقة نفسك، تبقا كارثة لتكوني مصدقة المسرحية الهزلية اللي بتحصل دي؟

 

تحاملت علي حالها وتحدثت بنبرة زائفة كي تسترضي رجولته :

_أنا عارفة إنك زعلان مني بسبب الكلام اللي أنا قولته، بس ده كلام طلع وقت غضبي يعني ما اتحاسبش علية يا قاسم، خلينا نستمتع ونفرح باليوم اللي ياما حِلمنا بيه كتير

 

وأكملت بنبرة أنثوية في محاولة منها بسحبهُ إلي عالمِها من جديد:

_ فاكر يا حبيبي، فاكر قد إية حِلمنا وإتمنينا إن اليوم ده ييجي ؟

 

 

رمقها بنظرة إندهاش مُستغربً حالة الإنكار للواقع التي تتعايش داخِلُها غير مبالية بافعاله المُهينة لشخصِها.

 

هتف العامل المسؤل عن إدارة تشغيل الموسيقي وتنظيم الحفل وأردف قائلاً وهو ينظر إليهما:

_ سقفة كبيرة يا جماعة للعريس والعروسة اللي هيتفضلوا معانا علي الدانس فلور علشان يفتتحوا الفرح برقصتهم الأولي.

 

صفق الجميع وإبتسمت إيناس بتفاخر ورفعت قامتِها بغرور وهيأت حالها للوقوف، فاجأها قاسم الذي أشار بيدة مُعتذراً للعامل مما جعل الجميع ينظر للعريس مرةً آخري مُستغربين حالته

 

صُدمت إيناس وتخشب جسدها وتصنمت بجلستها، أما كوثر التي تمنت لو أن الأرض شُقت وأبتلعتها حتي تتفادي نظرات الحضور التي تنهشها وتشمت بها وبكبريائِها الدائم

 

 

تسائلت زوجة شقيق زوجها بنبرة تهكمية:

_هو العريس ماله كدة زي ما يكون مجبور علي الجوازة يا كوثر ؟!

 

إبتلعت لُعابها من شدة خجلها ثم إستجمعت قوتها وتحدثت بنبرة قوية حادة :

_ مجبور؟ فشر يا حبيبتي، ده حِفي زمان علي ما بنتي وافقت علية وإختارته من بين كُل اللي إتقدموا لها

 

وأكملت بنبرة زائفة لحفظ ماء الوجه:

_ كُل الحكاية إنه صعيدي ومُتحفظ شوية وملوش في الرقص والمسخرة دي

 

أما زوجة شقيق زوجها الآخري والتي تقدم ولدها لطلب الزواج من إيناس وقُبل بالرفض،فقد هتفت بنبرة تهكمية :

_ ويا تري التكشيرة اللي مالية وشه دي كمان بردوا علشان صعيدي ؟!

 

نظرت لهما بعيون حادة كالصقر وتحركت بصمت عندما لم تجد رداً لديها، حين أطلقت السيدتان ضحكاتً ساخرة علي تلك المغرورة الدائمة التكبُر والتعالي علي أهل زوجها

 

 

تحركت كوثر إلي فايقة وجاورتها الجلوس تحدثت بنبرة مُشتعلة:

_ عاجبك اللي البية إبنك عاملة ده؟

ده فضحنا في وسط المعازيم، الناس كلت وشي وهرتني تريقة

 

تنهدت فايقة وأردفت بنبرة حزينة:

_ بِتك اللي خايبة ومعارفاش تفرفشه وتشده ليها، علي العموم ملحوجة، لما يروحوا شُجتهم تُبجا تتچلع علية وتخلي الحديد يلين

 

 

ونظرت لها متحدثة بإلحاح:

_ فهمي بِتك زين وأكدي عليها إن لازمن قاسم يدخُل عليها الليلة،

وأكملت بغلٍ شديد من بين أسنانِها:

_ وإلا هخسِر الرهان اللي عِشت أستناه عُمري كلياته

 

 

نظرت لها كوثر وتحدثت بكبرياء وثقة:

_ متخافيش علي إيناس دي تربيتي، وبعدين إبنك بيحبها وهيموت عليها علي فكرة، ميغركيش الوش الخشب اللي مركبهولنا من وقت ما دخل القاعة ده، هو بس زعلان منها شوية، وأول ما يتقفل عليهم باب هيجري عليها وياخدها في حضنة ويتمني ترضي علية ،

 

وأكملت بغرور:

_ ما هو بالعقل كدة يا مدام، معقولة فية راجل هيكون مقفول عليه باب واحد مع ست بجمال وسحر إيناس كدة وما يلمسهاش ؟

 

رمقتها فايقة بنظرات ساخرة ولوت فاهها من تهويل تلك الموهومة الشديد في جمال إبنتها التي رأتهُ فايقة أقل من العادي، ولكنها فضلت الصمت وعدم الدخول في مهاترات

 

تحدثت إيناس إلي قاسم بنبرة حزينة مُنكسرة:

_إنتَ لية مُصر تكسرني وتذلني قدام الناس يا قاسم؟

 

أجابها بنبرة جامدة وهو ينظر أمامهُ:

_ أنا وإنتِ نستاهل الذُل والكسرة لأنه حصاد طبيعي لزرعة الأنانية والخداع اللي زرعناها من سبع سنين.

 

تحرك قدري إلي زوجته وجلس بجانب فايقة وتحدث بنبرة ساخطة ناظراً إلي كوثر التي تُقابلهُ الجلوس:

_ إوعاكِ يا حُرمة تكوني فاكرة إني تممت الچوازة دي لچل حديتك اللي ميسواش عِندي مليمين علي بعض، وإحمدي ربنا إن لساتك عايشة بعد ما إتچرأتي وهددتي قدري النُعماني بچلالة قدرة،

 

ثم حول بصرهِ ناظراً علي رفعت الجالس بجانب أشقائة وأكمل ساخراً:

_ وإدعي لخيال المأتة اللي إنتِ مِتچوزاة اللي لولا محلستُه وكُهن الحَريم اللي عِملُه، الله الوكيل قاسم ما كان هيتراچع عن رأية لو السما إنطبجت علي الأرض

 

 

رفعت قامتها بكبرياء وتحدثت بذكاء :

_ بلاش نقلب في اللي فات يا عُمدة وخلينا ولاد إنهاردة، وخلينا متفقين إن كلنا بنعمل أقصي ما عندنا علشان نشوف اولادنا مرتاحين ونضمن لهم مستقبل أحسن.

 

وهمت واقفه وتحدثت بقوة:

_ هخلي الويتر يجيب لكم عصير فريش علشان يهدي لك أعصابك يا عُمدة.

 

وتحركت هي وهتف قدري بنبرة ساخطة وهو ينظر عليها بإحتقار :

_ جبر يلم العِفش

 

تحدثت فايقة إلي قدري قائلة:

_ إعمل حسابك يا قدري هنروحوا من إهني علي شُجة قاسم نبات فيها عشان نجوم بدري ونعدوا علي المعمل نچيبوا التحاليل بتاعت ليل، وبعدها هنروح لقاسم شُجته نطمن علية ونسافروا طوالي

 

رمقها قدري بنظرة حارقة وأردف متحدثً بنبرة تهكمية:

_ عتروحي لقاسم لجل ما تطمني علية ولا تطمني جَلبك وتطفي نارك اللي والعة بجالها سنين يا فايقه؟

 

 

إنتفض جسدها وأهتز قلبها وابتلعت لُعابها رُعبً خشيةً من أن يكون قدري قد إفتضح أمرُها، فأكمل هو بنبرة محذرة:

_ إعجلي يا مّرة وحُطي مُصلحة عيالك جِدام عِنيكي ولو مرة واحدة، سيبك من الغل اللي ماليكي من ناحية ورد وبطلي مكايدة وشوفي المُصلحة اللي عتطلع لولدك من ورا چوازتة من بِتها

 

وإياكِ يا فايقة عجلك يِجِل وشيطانك يوزك وتچيبي سيرة الچوازة اللمجندلة دي جِدام ورد ولا بِتها ولا حتي المچنونة بتك

 

وأكمل مهدداً بنبرة صارمة :

_ الله الوكيل يومها مهعمل لعِشجك الملعون اللي معشش جوة جلبي حساب يا فايقة.

 

رمقتة بنظرة ساخطة وفضلت الصمت والمشاهدة بتلذُذ وإستمتاع لهذا المشهد العظيم المُثلج لصَدرِها المُشتعل مُنذُ قديم الأزل .

 

إنتهي حفل الزفاف باكراً بناءً علي طلب قاسم الذي تحجج بإصابتهِ بنوبة صُداع نصفي شديد وانهي الحفل، تحرك العروسان بسيارة قاسم الذي قادها عدنان واوصلهما لمسكنهما الجديد دون إضافة كلمة واحدة من ثلاثتهم ،

 

 

فتح الباب وتحرك بساقية للداخل تاركً إياها بالخارج في مشهد مُهين لشخصِها ، نظرت لهُ بقلبٍ مُستشيط مُشتعل لكنها كظمت غيظها ودلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها ، تحرك هو بخطوات سريعة نحو غرفتهِ وهي تتبع خطواته ،

 

وضع يدهُ علي رابطة عُنقة وفكها بطريقة عنيفة تدل علي مّدي وصولهُ للمُنتهي، وقف عند مدخل الباب وألتفت بجسده ناظراّ عليها وتحدث بنبرة صارمة مُشيراً بكف يده إلي الغرفة المُعدة للأطفال:

_ أوضتك اللي هناك، ودي أوضتي أنا.

 

جحظت عيناها بإتساع وتحدثت بذهول خشيةً إفشال خطتها للتقرب منه :

 

يُتبع..