-->

الفصل السادس والعشرون - قلبي بنارها مغرم


 


الفصل السادس والعشرون 



غَصة تقف بمُنتصف كُل وجداني

تمنعني التمّادي بسعادتي والأماني

تُلقي عليا بظِلال الخوف والرهبة والفُقدانِ 

غَصة خيانتي للحبيب ونقضي للعهودِي

أقسم أنها تشُق قلبي شقاً وتهز كُل كياني

أخاف بل أكاد أموت رعباً من لحظة إزاحة الستار عن ذنبي في حق من أهدتني الحياةَ وأعادتني لأدميتي

بعدما كُنت فقدتها داخل دوامة حياتي

فهل سيشفع لي حينها عِشقي ؟! 

أم أن روحي ستُدفن وتنتهي سعادتي تسديداً لفاتورة تمردي وعنادي ! 

خواطر قاسم النُعماني 


❈-❈-❈


داخل سرايا النُعماني وبالتحديد داخل مسكن فارس ومريم وبعد وصولهم من المركز مباشرةً 

كانت تحمل صغيرتها التي تهتم بها نجاة طيلة فترة غياب مريم بالمشفي،  وضع فارس جميع الأكياس داخل المطبخ وعاد إليها من جديد، 

أخرج من جيب جِلبابة العُلبة القطيفة وأخرج منها طوق صغيرته وأبتسم وتحدث بمرح وهو يُلبسها إياة: 

_شوفتي أبوكي چاب لك إية يا سِت جلبي 


ضحكت الصغيرة وباتت ترفرف بكفيها بسعادة وضحكات أضفت الفرحة علي قلبي فارس ومريم،  إقترب فارس عليها مُستغلاً الوضع وحاوط ظهر مريم ومال بجذعةِ علي صغيرته القريبة من وجه والدتها ووضع قُبلة حنون ونظر بعيناي مريم وتحدث بحديث ذات مغزي  : 

_ مش هناكل الكباب ولا أية يا أم چميلة  ؟! 


  

إبتلعت لُعابها خجلاً وتحدثت إلية بنبرة هادئة كعادتِها: 

_ خد چميلة لجل ما أخد دُش بسرعة وأغير هدومي وبعدها أحضر الوكل


حمل عنها صغيرته وتحركت هي بإتجاة غُرفة صغيرتها كي تُحضر ثيابها التي قامت بنقل مُعظمها بخزانة صغيرتها لتخرج بعدها إلي المرحاض الخارجي كي تستحِمّ به كعادتها مُنذُ ليلة زفاف صفا وقاسم وما حدث بها


فأمسك كفها ليُجبرها علي الوقوف وتحدث إليها بعيون مُتوسلة: 

_بكفياكِ هجران بجا يا مريم،  عشان خاطر ربنا ترچعي لأوضتك لجل ما تنوريها من تاني 

وأكمل بعيون متشوقة بها نظرات حنون تدِل علي مشاعر صادقة بدأت تُولد بداخلة لكنه لم يُصرح عنها إلي الأن ولن يتعرف عليها من الأساس : 

_ إشتاجت لنومتك چاري ولونس روحك  


قوست فمها وأبتسمت وأردفت ساخرة: 

_ونس؟  هي دي كُل جيمتي عنديك يا فارس،  الونس  ؟ 


وكادت أن تتحرك مُكملة بطريقها، أمسك كف يدها من جديد وتحدث بحيرة : 

_ مبعرفش أذوج الكلام أني، 

وأكمل بعيون متوسلة :

_  إتحميليني يا مريم علي ما أتعود وأكون لك فارس اللي إنتِ ريداه، أني محتاچك چنبي ، متفوتنيش لحالي إكدة 


لان قلبها لكلماتهِ الصادقة ونظراته المتوسلة، شعرت بغُربة روحة ووحدتهُ التي يشعر بها هذا المسكين المتمزق والمُشتت ما بين الماضي والحاضر،  فقررت إحتوائة كي لا يشرد أكثر عن دربهِ


بعد مُدة كان يجاورها الجلوس بالأريكة يحمل صغيرتة فوق ساقية ويُطعمها من الحلوي بداخل فمِها تحت سعادة الصغيرة،  أمسك قطعة من الحلوي وقربها من فَم مريم تحت إتساع عيناها بذهول من تصرفة الذي ولأول مرة يفعل هكذا تصرف 


فتحت فَمها بخجل، وضع لها قطعة الحلوي داخله وهو يبتلع سائل لُعابة من شدة إحتياجة لها ولضمة حُضنِها وتحدث بنبرة حنون: 

_ بألف هنا علي جلبك يا مريم 

وسألها بإهتمام: 

_ عچبتك البسبوسة  ؟ 


هزت رأسها وهي تمضغ ما في فمها،  وبات ينظران لبعضيهما بحنان ورغبة من كليهما وأحتياج للأخر ،  شعر برأس طفلته يميل فوق كتفة، أسندها سريعً ونظر بإبتسامة إلي مريم مُتحدثً  : 

_ چميلة نامت،  هجوم أنيمها في سريرها علي ما تلمي إنتِ الحاچات دي 


وضع صغيرتهُ ودثرها بغطائها جيداً وقام بوضع قُبلة فوق وجنتها برفق وحنين، ثم تحرك للخارج وجدها في المطبخ تصنع له مشروب الشاي بعدما جَلت الصحون وأعادت ترتيب مطبخها وأصبح نظيفً 

تحرك إليها حتي وقف بجانبها وتحدث متحمحمً بنبرة حنون : 

_ خلصتي اللي عتعملية؟ 


أجابته بنبرة خجلة وهي تنظر لجهاز فوران المياه : 

_خلصت وبعمل لك شاي 


إقترب عليها وأمسك كفاي يداها وأحتضنهما برعاية وتحدث وهو ينظر لداخل عيناها بهيام : 

_ معايزش شاى أني،  أني عاوز مّرتي اللي وحَشتني 

إرتبكت بوقفتِها، فسحبها هو من يدها مُتجةً بها داخل غرفتهما وأغلق بابها عليهما ليسترقا معاً من الزمن لحظات سعادة لينعما بها 


بعد مُدة كانت تقبع داخل أحضانة، قبل جبهتها وتحدث مُتسائلاً إياها : 

_ أني لحد دلوك معارفش إنتِ إية اللي زعلك وخلاكي تسيبي أوضتك،  بس أني معايزكيش تسيبيني تاني 


ورفع وجهها إلية وتحدث بنبرة صادقة: 

_ السرير بارد جوي من غيرك والأوضة كنها جَبري ( قبري )  يا مريم 


تنهدت بأسي لكنها قررت عدم البوح بما يذبح روحها، حتي لا تُقلل من شأنها كأنثي لا يراها زوجها بل ومازال يدفن حالهُ داخل إسطورة الماضي العتيق 


تحدثت وهي تضع كف يدها علي ظهرة وتمسحةُ بحنان إقشعر لهُ بدنه واستكانت به روحهْ: 

_ إنسي كُل اللي فات يا فارس وأطمن،أني مهسيبكش تبات لوحدك تاني، 

وأكملت بنبرة توسلية: 

_بس إنتَ ياريت تراعيني شوية ، بلاش تحسسني إني مفرجش في حياتك جوي إكدة  


أجابها مُتعجبً: 

_مين جال بس إنك مفرجاش وياي يا مريم ،  مفرجاش كيف وإنتِ بت عمي وأم بِتي ومّرتي، أني عاوزك تكَبري عجلك إشوي عن إكدة. 


تنهدت بأسي وسحبت حالها من داخل أحضانة وتحدثت وهي تلتقط مأزرها وترتدية قائلة بنبرة يائسة:

_ هروح أعمل لك الشاي 


سحب حالةُ لأعلي وجلس مُستنداً علي ظهر التخت وتحدث بإنتشاء:

_ هات لي وياكِ حتة بسبوسة مع الشاي لجل ما أحلي يا مَريم  


تحركت للخارج بقلبٍ مكسور من معاملة هذا الرجل التي تأكدت بأنها لم ولن تتغير حتي بعد كل ما حدث خلال اليوم ومحاولاتهِ إسعادها بشتي الطُرق، لكنهُ ختمها بجملتهِ المُميتة لإنوثتها حيث وصفها بأنها إمرأته وإبنة عمه وأم طفلته الغالية وفقط،


كم كانت تتمني نطقة لكلمة حبيبتي،خليلتي، رفيقة دربي وأحلامي، كم تمنت أن تستمع منه لكلمات الغزل التي باتت تحلم بالإستماع لها منه بعد أن تعلق قلبها به رويداً رويدا وأصبح هو فارس أحلامها ورجلها التي تتمناه ، لكن خجلها وحيائها يمنعاها بالإعتراف له بمشاعرها المكنونة 


❈-❈-❈


داخل مدينة شرم الشيخ 

كانت تجلس بحياء ووقار بجانب ذلك المُتمدد فوق الشيزلونج  أمام حوض السباحة المتواجد داخل الفندق،، مغرومةً هي بعيناه حيثُ أصبحت لا تُشيح بناظريها عنها طيلة وقتها، أما ذاك العاشق فكان مُمسكً بكف يدها بتشبُث وكأنهُ يخشي إضاعتِها 

شعوراً رائع كان ينتابها من مسكة يده وأهتمامهُ الزائد ودلالهُ الذي يغمرها به مُنذ ان عادَ إليها من القاهرة 


نظر لداخل عيناها وتحدث بنبرة حنون  :  

_مبسوطة يا صفا  ؟ 


أجابتهُ بعيون عاشقة  : 

_ مبسوطة فوج ما خيالك يصور لك يا قاسم، مبسوطة لدرچة إني حاسة حالي هطير من كُتر سعادتي 


شعر بإرتياح وسعادة وتحدث إليها من جديد  :

_  ربنا يجدرني وأخليكي أسعد إنسانه في الدنيي كلها يا حبيبتي. 


تحدثت إليه بنبرة حنون ونظرات عاشقة :

_  وچودك جنبي وحواليا كفيل إنه يخليني أسعد واحده في الدِنيي يا حبيبي 


كان هُناك من يجلس مُقابلإ لهما علي الجانب الآخر لحوض السباحة  ،،  وكعادتهِ مُمسكً بيدة أوراقة وقلمةِ الرُصاص اللذان يُلازماه طيلة الوقت ، يخطُ به ملامح وجهها الصافية التي جذبت إنتباههْ مُنذُ الوهلة الأولي التي رأها فيها مُنذُ أكثر من سبع سنوات ، وها هو يُكرر ما فعل من ذي قبل ويزيد من الشعر بيت بإضافة ذلك المُخادع من وجهة نظرة 

"نعم " ،  إنه المجهول ذاته الذي رسم صورتها النقية فوق تلك المحرمة داخل اليخت 


إستغرب حين وجدها مازالت مع ذاك الحاد الطباع  ،، 


كانت تُمشط المكان بعيناها وبلحظة توقفت مقلتيها وذُهلت عندما رأته يجلس مقابلاً لها ،  دققت النظر بوجههِ وبمقلتيه اللتان كانتا تنظر لها بتمعن  ،  لم تشعر بحالها من شدة السعادة التي إنتابتها عندما تذكرته علي الفور  ،  نعم تذكرت ملامحهُ الهادئة رُغم مرور كل تلك السنوات، لكن تظل ملامحهُ التي تتسم بالطيبة والهدوء والسلام النفسي كما هي، وحينها فسرت ذاك الوجة المألوف التي رأته وسط زحام المارة مُنذُ يومان 


نظر لها قاسم وتحدثَ مُستغربً وهو ينظر بإتجاه ذاك الرجُل  : 

_ بتبصي علي إية يا صفا؟ 


إلتفتت إلية سريعً وتحدثت بنبرة يملؤها الحماس  :

_تخيل يا قاسم مين موچود معانا إهني ؟


نظر لها منتظراً باقي حديثها فأكملت بنفس نبرة الحماس:

_ فاكر الراچل اللي رسم لي رسمة زمان فوج المنديل  


ضيق عيناه بعدم إستيعاب فتحدثت هي بنبرة حماسية لتذكيرهُ  : 

_ الرسام يا قاسم، أني متوكدة إنه بيرسمني دالوك 


نظر إلية سربعً ليتأكد من حديثها وبالفعل تأكد حينما رأي وجههُ أعاد ببصرهِ إليها وتحدث بنبرة حادة غائرة  :  

_والهانم إية اللي مِفرحها جوي إكده إن شاء الله  ؟! 


نظرت إلية وبلحظة إنكمشت ملامحها وأنطفأت إبتسامتها وتحول وجهها المنير إلي حزين، تحدثت بنبرة يائسة  :

_  ولا فرحانة ولا حاچة يا قاسم  ،،  إنسي كل كلامي 


شعر بغصة مُرة وقفت بحلقة عندما لمح حزنها الذي سكن عيناها،  وما شعر بحالهِ إلا وهو يهب واقفً وسحبها إليه لتقابلهُ الوقوف وتحدث إليها بنبرة حماسية: 

_ تعالي نروح نسلم عليه 


إتسعت عيناها بذهول وتحدثت بعدم تصديق: 

_ بتتكلم چد يا قاسم؟ 


تحدث وهو يحتضن كفها الرقيق ويسحبها بجانبه: 

_ إمشي معايا بدل ما أرچع في قراري 


ضحكت وهي تنظر إلية بعيون تكاد من الهيام تنطقُ صارخة،  وصلا لموضع جلوسهُ وما أن شعر الرجل بأنهما يقصداه حتي أغلق أوراقةُ سريعً مخبئً إياها من أبصارهما، ثم وقف إحترامً وتقديسً لمجيأهم إلية 


تحدث قاسم إلية بنبرة صوت رخيمة: 

_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 


نظر عليهما الرجُل الذي تخطي عامهِ الثاني والأربعون ولكن يبدوا علي وجههِ البشوش أنهُ وبالكاد لم يتخطي الخامسة والثلاثون وذلك لنقاء روحهِ الذي يظهر علي وجهه 


وتحدث بنبرة هادئة مريحة لسامعيها: 

_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 


نظرت هي إلية وتحدثت بحنين وكأنهُ يذكرها بطفولتها الماضية: 

_ حضرتك مش فاكرني يا أستاذ؟ 


إبتسم لها وتحدث بنبرة هادئة: 

_ وأنساكي إزاي بس يا صافية،  إنتِ من الأرواح الشفافة اللي الواحد يقابلها مرة واحدة في حياتة وتتحفر ملامحها النقية جوة عقلة 


إستشاط ذلك الواقف الذي بدأ يصُك علي أسنانة من شدة غيظة وغيرتة لكنة تمالك من حالة لأجل ألا يُحزِنها ،شعرت هي به عندما ضغط علي كفها بشدة هائلة غير واعي علي حالة 


قتحدثت سريعً وهي تُشير إلي قاسم:

_ ده قاسم چوزي، أكيد فاكرة هو كمان 


ضحك الرجل بخفة وأجاب وهو ينظر إلي قاسم الرافع قامته وهو يرمقهُ بكبرياءٍ وضيق :

_ ولا الأستاذ قاسم هو كمان يتنسي 


هز له قاسم رأسهُ بإستحسان فتحدث الرجُل قاصدها:

_ شايف إنك أزلتي خيوط العنكبوت اللي كانت بتقيد حركتك ومنعاكي من تحقيق أحلامك 


ضحكت وتحدثت بنبرة حماسية:

_ هو أنتَ لسة فاكر،أني الحمدلله شيلت كل الحواجز اللي كانت في طريقي وحججت كُل احلامي  


ونظرت إلي قاسم بهيام وتحدثت بنبرة أنثي تهيمُ عِشقً: 

_وأهم وأعظم أنچازاتي هو چوازي من قاسم والسعادة اللي بعيشها في جُربُه 


إبتسم الرجل بخفة وتحدث: 

_مبروك يا صافية،  بس إوعي تخلي الفرحة تغمي عيونك وتخليكي تلغي شخصيتك القوية اللي بتميزك عن غيرك، وتصبحي تابع لحد 


نظر لهُ قاسم قاطبً مُستغربً حديثهُ الغير مباشر، حين إبتسمت صفا وتحدثت بنبرة هادئة:

_ متجلجش عليا، مش ناوي توري لي الصورة اللي رسمتها لي المرة دي  ؟ 


إبتسم بخفة وتحدث نافيً: 

_ للأسف، المرة دي أنا مرسمتكيش  


خاب أملها وهتفت بنبرة حزينة: 

_يا خسارة، لما لجيتك بتبص علينا وبترسم بجلمك، إفتكرتك بترسمني أني وقاسم،  جيت لك بسرعة وأني متوكدة إني هشوف رسمة عظمة،  

وأكملت بخيبة أمل:

_ بس يظهر إني مليش نصيب 


حزن لأجلها وتحدث قاسم وهو يحتضن كفها:

_ يلا بينا علشان نسيب الأستاذ براحتة يا صفا 


أومأت لهُ بإيجاب وأستأذنت من المجهول، وتحركت بجانبة مستسلمة حزينة، إستدارت سريعً حين إستمعت بمن يُناديها بصافية. 


فنظرت إلية بتمعن فتحدث المجهول ناصحً لها :

_زي ما شيلتي خيوط العنكبوت اللي كانت معششة حواليكي ومكتفاكي ومعجزاكي عن تحقيق حلمك،ياريت تشيلي كمان الغمامة اللي علي عيونك، بصي حواليكي ودققي كويس  ، متخليش الفرحة تمنعك من إكتشاف الأسرار 


وأكمل مُبتسمً مشجعً إياها: 

_ ومهما كانت الحقايق مُرّة وصعبة ، لازم دايما تكوني متأكدة إنك أقوي منها وهتقدري عليها، وهتتخطي كل الصعاب 


إنتفض قاسم رُعبً من  إستماعة لتلك الكلمات التي نزلت علي مسامعه كصاعقة كهربائيّة زُلزِلّ جسدهِ بفضلِها،  إبتلع لُعابة حين نظر لهُ الرجُل داخل عيناه وكأنهُ يكشف ويستشف ما بأعماقةِ من أسرار لا تُحكي ولا يُفهم مغزاها إلا لمن وُضع وجُبر عليها 


نظرت له صفا بإستغراب وتحدثت ببراءة : 

_ المرتين اللي جابلت حضرتك فيهم وكلامك ليا كيف الالغاز،  مبفهمش منية حاچة أني . 


أجابها بهدوء: 

_ هتفهميه بعد ما يتحقق يا صافية،  علي العموم متقلقيش،  علشان إنتِ صافية أكيد ربنا هيشيل الغمامة اللي حوالين عيونك،  بس كل شئ بأوان 


لم يعُد يتحمل أكثر سخافة ذلك المجهول ،  أسرع إلية ووقف قُبالته وتحدث بنبرة حادة وهو يتمعن داخل مِقلتية بنظرات غاضبة: 

_إنتَ مين؟! 

وتقصد إية بألغازك دي  ؟ 


إبتسم الرجُل وتحدث إلية قائلاً: 

_أنا مجرد واحد عادي جداً، ربنا مانن عليا بمَلكة بيسمح لي بيها إني أقري جوة عيون البشر اللي مخبياة قلوبهم،


وأكمل نبرة مريحة:

_  رسايل،  مجرد رسايل بتعدي قدام عيوني وبقدر أفهم من خلالها اللي مسموح لي إني أفهمة ! 


كان ينظر له بعيون مذهولة مما يستمع مما جعل تلك الصافية تنظر لكلاهما مُتعجبة حديثهما ونظرات كلاهُما للأخر وكأنهما يتحدثان بنظرات الأعيُن 

إقتربت من وقفتهُما التي تُشير بوجود حرب ستنشئ في القريب، أمسكت كف يدهُ بإحتواء وتحدثت إلية: 

_ يلا بينا يا قاسم


إنتبة حينذاك علي وجودها والتف إليها سريعً، أومأ لها وتحرك بها للأمام بعد أن ألقي نظرة تحذيرية علي ذلك المجهول الذي إبتسم بخفة وجلس من جديد وأخرج تلك الرسمة التي خبأها عندما تأكد أنهما يقصُداه 


نظر إلي الرسمة والتي كانت عبارة عن صفا وقاسم يسحبها من معصمِها مُنقادة خلفةِ بإستسلام وهي معصومة العينان بشريطٍ أسود يُحجب عنها الرؤية تمامً، مُبتسمة بشدة بينت صفي أسنانها ناصعة البياض، من يراها يتأكد أنها تعيش أجمل لحظاتها، لكنها تعيش وهمٍ كاذب ستفيق منه علي كارثة ستُقضي علي جميع أحلامها الوردية 


❈-❈-❈


ليلاً داخل غرفة يزن التي كان يقطن بها قبل زواجهُ وإنتقاله إلي مسكنه الخاص بصحبة زوجتة ،  كان يتمدد فوق تختهِ تائهً شارد بذقنٍ نابت ،  يُمسك بين صباعية سيجارةُ يُنفثها بشراهة وذلك بعدما إلتجأ إليها كي ينفث بها عن غضبة وقهر الرجال الذي أصابهُ بعدما علم بشأن عجزة عن الإنجاب


طرقات خافتة فوق باب حُجرته جعلته يخرج من شروده، لكنهُ لم يعر الطارق أية إهتمام وبرغم ذلك وجد من تقتحم الحُجرة،إنها ليلي لا غيرها التي دلفت وتحركت إلية بهيئة جنونية وذلك بعدما هجرها يزن وعاد إلي غرفتة يمكُث بها بعيداً عن وجة تلك التي أصبح يمقت رؤياها البغيضة 


هرولت إلية وركعت فوق ركبتيها أسفل تختهِ ومالت علي قدمة تُقبلها وتحدثت متوسلة بدموعها الصادقة : 

_ أبوس رچلك يا يزن تسامحني وترچع لشُجتك من تاني 


سحب ساقه سريعً يبتعد عن لمستها وإحتضانها لساقه التي تُشبة إحتضان الأفعي بجلدها الناعم وهي تحتضن وتلتف حول ضحيتها بكُل نعومة لتُشعرةُ بالطمأنينة،وهي في الأصل تُريد تكسير عظامه وسحب وتجفيف جسدهِ من أخر نقطة بدمة 


هتف بحدة وهو يرمُقها بنظرات مُشمئِزة: 

_ إنتِ إية اللي چابك إهني،  أني مش جولت لك الصبح معايزش اشوف خلجتك جدامي  ؟ 


أجابته بلهفة وعيون عاشقة: 

_مجدراش أني علي البُعد دي يا حبيبي 


هتف بحدة: 

_الله الوكيل لو ما خفيتي من وشي الساعة دي لكون فايت لك السرايا كلياتها وواخد هدومي وأروح أجعد في الإستراحة بتاعت الچنينة تحت 


أجابتة بنبرة صادقة وهي تقترب حيثُ جلسته :

_ يُبجي أنتَ إكدة ناوي علي موتي يا حبة جلبي 


وقف سريعً ونفض يدها التي لامسته بها بشمئزاز وتحدث بنبرة حادة: 

_ مصدجة حالك إنتِ إياك؟ 

ميتا كانت جلوب الخونة عتعرف تعشج وتحس ؟ 


جحظت عيناها وهتفت بنبرة مذهولة  :

_  بجيت خاينة خلاص في نظرك يا يزن  ؟


أجابها بنظرات كارهة:

_أومال عتسمي كدبك ولفك من ورا ضهري وإنتِ دايرة علي الدچالين الكَفرة بإية 

ثم إقترب عليها وأمسكها من ساعدها ولفةُ خلف ظهرها في حركة جعلتها تتألم وتحدث إليها بفحيح:

_ كُتي عتنامي في حُضني كيف ومنين كانت بتاچيكي الجرأة تبصي چوة عيوني وإنت مستغفلاني ومضحكة الخلج عليا 


أجابته بدموع عيناها الصادقة : 

_أني عِملت كُل ده علشان بحبك يا يزن،  كان نفسي أچيب لك حتة عيل لجل ما أفرحك و أربطك بيا أكتر 


ترك مِعصمها وتحرك ليُعطيها ظهره كي لا تري تألم روحة وصرخات عيناه وأجابها بحسرة ملئت صوته  : 

_ وأديني أني اللي طلعت معيوب ومهعرفش أكون راچل وأچيب حتة عيل من صلبي يحمل إسمي ويشيلني في شِيبتي وضعفي 


نزلت كلماتةِ ونبراتهِ الضعيفة المُتألمة علي قلبها شطرته لنصفين،  وبرغم حُزنها علية إلا أنها لم يطرق حتي بمخيلتِها أن تعترف له بالحقيقة التي تعلمها عِلم اليقين بعدما قصت عليها والدتها كل ما فعلاه هي وأبيها مع طبيب الفحوصات، بل وسعدت لما حدث بتوهمها أنها وبذلك التصرف الخالي من الضمير تحافظ علية وتضمن بقائة مُجبراً داخل أحضانها وللأبد 


أخذت نفسً عميقً إستعداداً لإستمرار كذبها علية وأردفت قائلة بنبرة ناعمة كنعومة الأفعي : 

_وأني جبلاك علي إكدة يا حبة جلبي ومعيزاش من الدنيي دي كلياتها غيرك إنتَ وبس،  معيزاش لا عيال ولا مال ولا حتي ناس في حياتي 


وأقتربت علية وتلمست ظهرة بلمسة حنون قائلة:

_معايزاش من الدِنيي كلاتها إلاك يا جلب ليلي 


إنتفض بوقفته كمن لسعةُ عقرب وأستدار لها وتحدث والشرر يتطاير من عيناه قائلاً: 

_ وأني معايزكيش ولا طايج أشوف خِلجتك جِدامي،  إنتِ واحدة كدابة وخاينة للأمانة 

  

وأكمل مُهدداً إياها بنبرة غاضبة :

_ وعليا اليمين لو مخفيتي دالوك من خِلجتي لأكون رامي عليكِ يمين الطلاج ومعاملش إعتبارات لأي حاچة واصل


إستمعت لذلك التهديد وأرتعب داخلها وأنتفض جَسدِها بالكامل رُعبً،  وبسرعة البرق كانت مُنسحبة للخلف وتحدثت وهي تقترب من الباب إستعداداً للمغادر: 

_ إهدي يا يزن،  متخليش الغضب يعميك عن اللي عشجتك وسلمتك روحها وجلبها عن طيب خاطر، 


وأكملت مُنسحبة: 

_ أني هسيبك دالوك وهعذرك لجل غضبك اللي عاميك وعيخليك تجول حديت مش محسوب 


رمقها بنظرة إشمئزاز حين خرجت هي سريعً خَشيةً فقدانةُ السيطرة علي حاله ووصولةُ لقمة غضبة وتنفيذةُ لتهديدة 


خرجت وزفر هو بضيق وأخذ نفسً عميقً كمن كان يقبع داخل قُبة لا هواء بها ولا شئ يصلح للحياة 


تحرك لتختةِ وأرتمي بجسدهِ علية بإهمال وعاد لأحزانة وقهرة قلبهِ،  ثم مد يدهُ جانبً وسحب سيجارة من العُلبة وقام بإشعالها والتنفيث بها بشدة وكأنهُ يصب بها غضبة المكظوم الذي لو خرج لأشعل المنزل بجميع من يسكنه


❈-❈-❈


كانت تقبع داخل أحضان ذلك العاشق الذي يجلس فوق الشيزلونج المتواجد داخل ال  Suite, يُطعمها الشيكولا بيده ويُدللُها، مسح بإبهامه علي حافة شفتها وأمتص ما بها من بقايا شيكولاته جراء قُبلتهُ لها 

وضعت رأسها علي صدرهِ بحنان وتحدثت بدلال إنثوي: 

_قاسم،  عوزاك تفضل تچلعني وتحبني إكدة علي طول 


تنهد براحه وشدد علي ضمتها بذراع والأخر أمسك بكفهِ رأسها وضمها أكثر لصدره وتحدث بنبرة حنون: 

_ إنتِ فاكرة إني بچلعك إنتِ إكدة؟ 

واكمل بحنان: 

_ ده أني بچلع روحي وبهنيها بجربي منك يا بِت أبوكِ يا عالية 


إبتسمت ودثرت بحالها أكثر داخل أحضانة وتحدثت: 

_ هو إحنا هنرچع سوهاچ بكرة خلاص يا حبيبي؟ 

وأكملت بنبرة مُتألمة: 

_يعني كُلها يومين وتسافر القاهرة ومهشوفاكش غير كُل إسبوع يوم ؟ 


تنهد وأمسك وجهها محاوطً إياة بكفيها وأردف إليها بنبرة حنون قائلاً : 

_ معايزش أشوف الحُزن ساكن عيونك تاني يا جلبي،  وصدجيني أني مبجتش أجدر أبعد عنك ولو حتي ثواني،  إن شاءالله هحاول ما أجعدش في القاهرة غير الأيام اللي فيها جلسات في المحكمة وبس  


إعتلت الفرحة ملامح وجهها وتساءلت مُتلهفة: 

_ صُح هتعمل إكدة يا قاسم؟ 

مسح علي شعرها وأرجع خصله منه خلف آذنها وتحدث بإبتسامة: 

_ صُح يا جلب قاسم 


نظرات عاشقة سكنت مقلتيهما وطالت وحركت مشاعر الرغبة بداخلهما،  مال علي شفتها وبات يُذيقها من قُبلاتهِ التي تُذيب كلاهما وتنقلهما لعالم موازي، وحملها برقة واتجه بها نحو تختهما ليحيا معاً حياة العاشقين 


بعد مدة كانت تقطن داخل أحضانة تنتفض من شدة سعادتها وشعورها بلذة الحياة،تحدث إليها بنبرة مبحوحة أثارتها:

_ بحبك يا صفا، بجيت مچنون عشجك خلاص 


إبتسمت خجلاً وهي تُداري حالها وتندثر داخل صدرة،قهقه هو علي تصرفها وكاد أن يتحدث لولا إستمع إلي رنين هاتفة يصدح من فوق الكومود،  تناولهُ ونظر به وأرتبك حين وجد نقش حروف إسم عدنان  


مما جعلهُ يسحب جسدهِ ويتخلي عن ضمتهِ لها وهو يرتدي ثيابهُ ويتحدث إليها بإعتذار: 

_ معلش يا حبيبتي، هرد علي التلفون في الرسيبشن برة علشان مش عاوز أدوشك بتفاصيل شغلي 


أومأت له بإبتسامة وأنسحب هو خارج غرفة النوم،  وكاد أن يضغط للإتصال الذي إنقطع لكنهُ تجدد بالرنين من جديد فضغط زر الإجابة وتحدث بنبرة رسمية جادة:

_ أفندم يا أستاذ عدنان 


أجابهُ عدنان بنبرة مستائة وهو يجاور شقيقته الجلوس بشقتها  :

_ أستااااذ عدنان، للدرجة دي إحنا بقينا بُعاد أوي كدة عن بعض يا قاسم   ؟ 

مكنش العشم يا صاحبي تكلمني بالطريقة الرسمية دي

تنفس قاسم عالياً وتحدث بنبرة جادة : 

_ إنتَ اللي وصلت علاقتنا للمرحلة دي بإيدك يا عدنان، فياريت متجيش تلومني علي الإسلوب اللي أنا إختارتة لشكل علاقتنا كرد فعل علي موقفك معايا وعلي اللي أجبرتوني ووصلتوني لية إنتَ وعيلتك.


زفر عدنان وتحدث بنبرة لائمة: 

_ وبالنسبة للي إنتَ عملته مع أختي بدون ما تراعي العشرة والصداقة اللي بينا تسمية إية يا قاسم  ؟ 


أشارت له إيناس بإكمال ما أتفقا عليه منذُ القليل وهي تنظر له بإستحسان، وأكمل ذلك المُلقن قائلاً بنبرة صوت حزينة كي يستدعي تعاطفة:

_ يرضي مين إنك تسيب إيناس تاني يوم فرحها وتسافر وتفوتها لوحدها منهارة بالشكل ده، البنت هتموت يا قاسم، أنا جيت لقيتها مغمي عليها من كتر حُزنها وقلة أكلها من يوم ما أنتَ مشيت 


كان يستشف كذبة من نبرة صوتهِ، وعَلم بجلوس تلك الحية وتيقن من أنها من تلقنهُ كُل ما يتفوة بهِ كالبغبغاء بدون تفكير،  فتحدث بنبرة حادة غاضبة: 

_ عدنان،  لو عندك حاجه مهمة بخصوص الشغل تستدعي نقاشنا ياريت تقول،  غير كده أنا مُضطر أقفل السكة لأني مش فاضي للمهاترات اللي بتقولها دي. 


إبتلع ذلك البهلوان لُعابهُ رُعبً من نبرة قاسم الشديدة وتحدث سريعً بنبرة يبدوا عليها الإرتباك مما أكد لقاسم شكوكهُ: 

_  لا يا قاسم، الشغل كله تمام وماشي كأنك إنتَ وإيناس موجودين بالظبط . 


تحدث إليه بنبرة حادة وهو يغلق الخط : 

_ تمام،  مع السلامه. 


وأغلق دون أن يستمع حتي لردةِ مما جعل إيناس التي كانت تستمع إلي المكالمة عن طريق مُكبر الصوت تستشيط غضبً وتحدثت بنبرة غاضبة:

_ قليل الذوق، ماشي يا قاسم، إن ما خليتك تدفع تمن كل جَليتك وقلة ذوقك معايا ده غالي، ما أبقاش أنا إيناس رفعت 


أردف إليها عدنان قائلاً بنبرة تعقلية: 

_إعقلي يا إيناس وبلاش تلعبي مع قاسم النُعماني لأن وقتها هتخسري كل حاجة،  وياريت متنسيش إنه صعيدي،  يعني قرصتة ليكي وإنتقامة هيكون بدون رحمة وأكبر مما خيالك يصور لك. 


أجابته بحدة:

_ يعني عاوزني أقف أتفرج وهو بيقلل مني وبيحتقرني بأفعاله المستفزة دي يا عدنان؟ 


اجابها بدهاء: 

_ أكيد ما أقصدش كدة يا حبيبتي،  أنا كل اللي عاوز أوصلهُ لك إنك تفكري وتخطتي وتحاولي ترجعي قاسم ليكي من جديد بدل ما تخسرية للأبد. 


نظرت له بإستحسان وشعرت بصحة حديثةُ وتعقله 


❈-❈-❈


في الصباح 

داخل فيراندا سرايا عِثمان،  كان يجلس هو وزيدان ومُنتصر يتناولون مشروب الشاي بالحليب التي أعدته ورد وقدمتهُ للجميع بنفسها ،  ودلفت من جديد لداخل المطبخ لتستعد لتجهيز وجبة الفطور لأهل المنزل ولرسمية التي مازالت تُلازم الفراش لشدة مرضها 


خرج يزن وألقي عليهم السلام بنبرة حادة وعيون تتلاشي النظر لأيً كان،  فهذا للاسف أصبح حالهُ مُنذُ تلك الليلة المشؤمة 

وكاد أن يتحرك للخارج فاوقفهُ زيدان قائلاً بنبرة حنون  : 

_ تعالي يا ولدي إشرب لك كُباية شاي بحليب علي ما الفطور يچهز. 


تحدث إلية متلاشي النظر بعيناه تحت نظرات مُنتصر المُتألمة لأجل إنكسار ولده : 

_ هبجا أفطر في المحچر ويّاَ الرچالة يا عمي عشان فية شُغل مستعچل لازم يتسلم كمان شوي.


قاطع حديثهُ عِثمان قائلاً بنبرة صارمة: 

_ وبعدهالك يا يزن،  عتفضل علي حالك المايل ده كتير،  أني مش جولت لك فضي حالك يوم لجل ما تدلي ويا عمك علي مصر وتعمل تحاليل چديدة ؟ 


إشتعل داخلهُ وشعر بدونيتة ونقص رجولتة الذي بدأ يُلازمهُ عندما يُذكر أحدهم هذا الأمر أمامه وتحدث بنبرة حادة  :

_ وأني جولت مرايحش يا چدي وبكفياك چبر فيا لحد إكدة 


وأكمل بنبرة رجُل مهزوم:

_ مهروحش أني كل شوية للحُكما لچل ما يشفجوا علي حالي ويتفرچوا علي خيبتي وعجزي، أني عرفت نصيبي من الدنيي ورضيت بيه خلاص 


في تلك الأثناء كانت فايقة تقف خلف الحائط الداخلي وتتسمع عليهم بعدما كانت في طريقها إليهم تحمل بيدها صَحنً كبيراً من المخبوزات لتقديمةُ إليهم كي تُكحل عيناها برؤيا زيدان التي مازالت تعشق تفاصيلة إلي الآن برغم السواد الذي يملئ قلبها، وأيضاً كي تنال رضي عِثمان عليها بعدما أصبح يبغضُ رؤياها بشدة  


إبتسامة سعيدة إعتلت ملامحها حين إستمعت إلي حديث يزن المُثلج لصدرِها وأستشفت وتأكدت من إستسلامه وإعلانه الرايا البيضاء لما أخبرته بهِ هي وقدري 


تحدث إلية مُنتصر بنبرة غاضبة:

_حديت إية الماسخ اللي عتجولة ده يا يزن، كَنك إتخبط في نفوخك ، تايه إنتَ إياك عن لعب المحروجة اللي إسميها فايقة  ؟ 


أجاب والدهُ بنبرة صارمة لا تقبل النقاش:

_ أنا جولت كُل اللي عِندي ولو ليا غلاوة في جلبك يا أبوي تنسي الموضوع ده ومحدش فيكم يفاتحني فيه تاني، وإلا قسماً بالله لكون مِطلج ليلي وأروح أبني لي أوضة في چنينة المانچة ومهتشوفوا وشي إهنية تاني 


قال كلماته التهديدية وهرول مُسرعً خارج البوابة الحديدية حتي إختفي عن الأنظار، وضع مُنتصر كف يدهُ سانداً به رأسة وتحدث بنبرة مُنكسرة: 

_ يا ميلة بختي في ولدي الكَبير 


تحدث زيدان إلي شقيقةُ المهموم:

_ متعملش في حالك إكدة يا أخوي ليچري لك حاچة،  وأصبر يومين تلاتة إكدة لحد ما يهدي اعصابة وأني بنفسي هاخدة وأعيد له التحاليل تاني 


أما في الداخل تحركت فايقة عائدة بما في يدها إلي المطبخ من جديد بعد ذهاب يزن مباشرةً، وتحدثت إلي العاملة بإنتشاء وسعادة ظهرت فوق ثغرها: 

_ خدي يا حُسن خرچي الصَحن دي للحاچ برة 


رمقتها نجاة بنظرة نارية وتحدثت بتهكم: 

_ ملجتيش مواصلات إياك يا فايقة ولا زي عادتك، عِملتي الجراجيش حِجتك و وجفتي وأتسمعتي علي الرچالة وعاودتي  


إبتسمت بجانب فمها وأجابتها ساخرة وهي تنظر إلي ورد قاصدة إياها بحديثها  : 

_أصلي لجيت إن مايصحش إن أسياد البيت يهينوا حالهم ويجوموا هما بشُغل الخَدم. 


إبتسمت ورد لتيقُنها أنها تقصدها بذاك الحديث لتقديمها قبل قليل مشروب الحليب الممزوج بالشاي، فتحدثت ورد بنبرة متسامحة: 

_عُمر خدمة الست منينا لچوزها وناسه ما كانت إهانة،  الإهانة اللي بچد إن الإنسان يكون عارف ومتوكد إنه ماشي في طريج الشيطان، ومع ذلك مكمل في أذيته لخلج الله 

إبتسمت ساخرة ورمقتها بنظرة إشمئزاز وتحركت للخارج 


❈-❈-❈


أما في الأعلي 

كان يغفو وهو يحاوط جسدِها بذراعية من الخلف، تمللت من بين ضمته عندما إستمعت إلي رنين المنبة، مدت يدها بتكاسُل وضغطت علي زر التوقف،  وكادت أن تتحرك لولا يداهُ التي كبلتها من جديد وتحدث بصوتٍ مُتحشرج ناعس: 

_ خليكي نايمة چاري 


إبتسمت بسعادة وأستغربت تحولهُ، وتحدثت إلية: 

_ مهينفعش يا فارس، لازمن أروح المستشفي، صفا مش إهنية ولازمن أباشر المستشفي مكانها 


شدد من ضمتة لها وتحدث وهو مُغمض العينان بتكاسُل : 

_ بلاش المستشفي إنهاردة وخليكي چاري، أني كسلان ومش عاوز أجوم بدري وعاوزك في حُضني 


ما كان منها إلا أن أطاعته وأستسلمت لضمته بل ونعمت داخل أحضانة وغاصت من جديد في نومتها الهنيئة داخل أحضان زوجها الدافئة الحنون التي ولأول مرة تشعُر بها 


أما عن ياسر الذي قضي يومهُ العملي مُكتئبً لعدم رؤيتةُ لوجة فاتنتة الجميلة التي سحرته وأصبح يومهُ لا يكتمل إلا برؤياها الساحرة التي تُربت علي قلبه وتمنحهُ السلام النفسي 



يتبع