-->

الفصل الرابع والثلاثون - قلبي بنارها مغرم

 




الفصل الرابع والثلاثون 



 


معشوقتي

بعيدةًُ أنتِ كُل البُعد عن سّكناتي

وبرُغم هذا مازلتِ الأقرب لحبل الوريدِ، بل ولكُل ذرةً بكياني

أضناني الهوا وأرهقني صغيرتي وخارت برحيلكِ المُفجع قوتي

 

خواطر قاسم النُعماني

بقلمي روز آمين

--

 

داخل مدينة القاهرة

وتحديداً داخل مسكن رفعت عبدالدايم

كانت تدور حول حالها كالمجذوبة بقلبٍ مُشتعل وعينان تُطلق شزراً من شدة غيظها، تقص علي مسامع والديها وشقيقها ما دارَ بينها وبين قاسم من حديثٍهُ الذي سخر منها ووجه لها بهِ صفعةً قوية جعلتها تشعُر بكَمْ الحماقة التي تعاملت به مع ذاك الداهي

 

صاحت كوثر بنبرة صوت غاضبة:

_ لو كان فاكر إنه بالساهل كده يقدر يخلص منك إنتِ وأخوكِ ويرميكُم بره المكتب يبقي غبي ومايعرفش مين هي كوثر

 

 

وأكملت بملامح وجه مقتضب ينمُ عن مديّ غضبها العارم :

_ ده أنا هروح له مكتبه بكرة وهفرج عليه أمة لا إله إلا الله علشان يعرف هو بيلعب مع مين

 

أما عدنان فكان يدور حول حالهُ هو الآخر مُمسكً بهاتفهِ الجوال يحاول الوصول إلي قاسم، حيث أنهُ إتصل عليه عدة مرات ولكن دون فائدة، فبكل مرة ينتهي وقت الإتصال دون إجابة من طرف قاسم

تحدث وهو يسب ويلعن قاسم وينعتهُ بأبشع الألفاظ:

_ مش راضي يرُد عليا إبن النُعماني

 

 

 

أجابتهُ إيناس بملامح وجه مُقتضبة غاضبة :

_ ريح نفسك يا عدنان، قاسم مش هيرد عليك ، قاسم شكله كان مقرر إنه يستغني عننا من مُدة كبيرة ، ولما جاله الوقت المُناسب ما إترددش لحظة واحدة ونفذ خطته الدنيئة

 

وأكملت بفحيح كالأفعي الغاضبة  :

_ أنا كُل اللي قاهرني ومخلي النار مولعة في قلبي، هو إن في الوقت اللي كُنت بـ أسعي فيه بكل قوتي علشان أحاول ألاقي ثغرات في قضية أمجد التُهامي وأجيبها له علشان تكون البداية لرجوعنا لبعض زي الأول

 

وأكملت بعيون تطلقُ شزراً:

_ كان هو بيخطت ويدبر إزاي يخرجنا ويرمينا بره المكتب

 

 

واسترسلت بنبرة تهديدية:

_ بس علي مين، أنا بكره هروح لـ أمجد التُهامي مكتبه، وزي ما خليته يبعت له ملف قضية الرشوة، أنا بردوا اللي هخلية يسحب كل قضاياه من مكتبه ويلغي التوكيل اللي عملهُ له لو فضل علي عِناده وصمم علي فصلي أنا وعدنان عن مكتبه

 

 

 

 

وأكملت وهي تدور حول حالها كالتي آُصيبت بالجنون:

_ ما هو مش بعد ما عرضَت نفسي للخطر وروحت لناس مشبوهه وخارجة علي القانون، ودفعت لهم نص اللي حيلتي  علشان يجيبوا لي معلومات من مكتب محروس عبدالمجيد المنافس اللي كانت الشكوك كُلها بتحوم عليه وبتقول إن هو اللي لفق التهمة لـ أمجد،  يبقا جزاتي إني أتطرد طردت الكلا.. ب من إبن النُعماني.

 

 

 

 

هتفت كوثر قائلة بإنفعال شديد:

_ يا خيبتك التقيلة اللي ماوردتش علي حد ،  خطتي ودفعي نص الفلوس اللي بقا لك سنين بتلمي فيهم بالمليم،  وجيبتي له القضية زي البيضة المقشرة اللي جاهزة علي الأكل، وهو خدها علي الجاهز وأترافع وجاب البراءة من أول جلسة،  وأصبح حديث الصحافة والإعلام والكُل بيتكلم عن المُحامي اللي مافيش منه إتنين،

وأمجد عمل له توكيل بكل قضايا مجموعة شركاته، ومش كده وبس، ده بُكره مكتبه هيبقا من أشهر مكاتب المحاماة وقضايا الناس الكبار هتملي مكتبه، 

 

وأكملت بحقدٍ دفين:

_والندل قليل الأصل بدل ما يشيلك في عنيه ويشيل جميلك فوق راسه،  رايح يرميكِ إنتِ واخوكِ في حِتة مكتب كحيان في العُمرانية،  لا وقال إيه عاملك حفلة إفتتاح فيه بكره وعازم لك كل عمال المكتب،  وطبعاً هو مش هييجي

 

 

 

كانت كلماتها تخرج بحقدٍ ما زادَ إيناس إلا كُرهً وبغضً علي قاسم،  وعدنان الذي كان يشتعل داخلياً حزنً علي سنوات عُمرهِ التي أفناها في خدمة هذا المكتب، حيثُ أنهُ لم يتوَاريَّ ولو لحظة عن بذل أقصي ما لدية من جُهد كي يجعل إسم المكتب يرتفع عالياً

 

ولكنهُ لم يفعل كُل ما أنجزهُ هباءً، ولم يكُن ليفعله من الأساس لولا وعد قاسم لكلاهُما بأن هذا المكتب لثلاثتهم وأرباحهِ التي كانت تتوزع بينهم بعدل الله علي قدر سّعي كُل شخصً منهم وإجتهاده

 

 

 

أردف عدنان قائلاً بنبرة ساخطة تُظهر كّم الغضب الذي أصابهُ جراء ما قام به قاسم من فعلةً مُشينة:

_قاسم بالحركة دي أثبت إنه ملوش أمان والغدر بيمشي في دمه، باع العشرة والعيش والملح اللي كان بينا في لحظة

 

 

 

 

دَويَّ صوت ذلك الجالس يستمع لهم بترقُب شديد وصمتٍ رهيب وكأنهُ يُشاهد عرضً لمسرحية هزلية ولكن بدون جمهور سواه:

_ قاسم بيطبق الدرس اللي إتعلمه منكم يا عدنان،  بس هو غير قواعد اللعبه،  وبدل ما كان هيعمل كده في بنت عمه علي حسب إتفاقكم القديم،  طبق الدرس عليكم إنتم

 

 

 

حولت كوثر بصرها ورمقة ذاك الضعيف بنظرة حارقة وتحدثت بشراسة:

_ رفعت، الحكاية مش نقصاك ولا ناقصة فلسفتك الفارغة دي

 

 

وأكملت بنبرة صارمة:

_ هو فاكر نفسه عمل عملته وفلت مننا،

وأمسكت خصلة من خصلات شعرها وتحدثت بفظاظة:

_ بس وحياة ده ولا يكون علي واحدة ست، وماأبقاش أنا كوثر إن ما خليتك تندم علي كل ده يا قاسم يا نُعماني ،

وأكملت بنبرة حادة:

أنا بكره هروح له المكتب وهشرشحه قدام الموظفين والموكلين بتوعه،  وأعرفه إن لحمنا مُرّ وإن مش كُل الطير اللي يتاكل لحمهُ

 

 

صاح رفعت من جديد بإعتراض ونبرة ساخطة:

_ يا عالم خلوا عندكم كرامة شوية،  عيب إختشوا،  الراجل كتر خيره سايب بنتك علي ذمته لحد الوقت برغم إن أهله عرفوا بجوازه منها،  وإنتِ بنفسك قولتِ إن والدته كلمتك وقالت لك إن عمه خد بنته ورجعها بيته لما قاسم مرضيش يطلق بنتك   ، يعني الراجل بيته إتخرب ومع ذلك لسه متمسك بكلمته اللي إداها لي

 

 

وأكمل بصياحٍ غاضب :

_ وبدل ما تشكروه، قاعدين تخطتوا إزاي تجبروة يرجع عيالك تاني للمكتب،  إختشي وإتلمي يا كوثر بدل ما الراجل يتنرفز ويطلق بنتك اللي لسه مكملتش شهر جواز ونتفضح قدام الخلق.

 

 

 

 

أردفت كوثر قائلة بشراسة:

_ هو أنتَ يا راجل عاوز تنقطني،  لسه بتدافع عنه وتدي له العُذر بعد ما رمي ولادك الإتنين ونفاهم في حتة مكتب في منطقة شعبية، وخرجهم من المولد بلا حُمص،  تقدر تقولي مين هيرضي يوكلهم في قضايا وهما مرميين في حتة مكتب زي ده  ؟

 

 

 

وأكملت بنبرة صوت تهكُمية ساخرة:

_ وبالنسبة يا أخويا لكلام العقربه أمه اللي إنتَ متأثر بيه أوي كده، هي ماقالتهوش علشان صعبان عليها بيت إبنها اللي إتخرب زي ما إنتَ فاكر ،

لا يا حبيبي، دي بتقوله علشان تعرفنا إن قاسم مبقاش قدامه غير إيناس، بتديها الإشارة إنها تتحرك وتقربه منها من جديد، والمرة دي مش هيقاوم  .

 

 

 

جحظت عيناي رفعت من هول ما أستمع من حديث زوجته والذي لا يُصف إلا بالرُخص والإنحطاط ،  لكنهُ وكالعادة أخذ الصَمت من صفهِ وجلس بتخاذُل وضعف من جديد

 

 

 

حين أشارت هي لنجلاها وهتفت:

_ قومي إنتِ وهو غيروا هدومكم دي علي ما أحضر لكم العشا، وباتي معانا إنهاردة والصباح رباح

 

 

 

 

تحدثت إيناس بإعتراض وتوجس وهي تحمل حقيبة يدها الموضوعة فوق المنضدة وتتأهل للرحيل:

_ مش هينفع يا ماما، أنا مش لازم أسيب شقتي اليومين دول لأروح ألاقيه مغير الكالون ورامي لي هدومي عند البواب 

 

 

 

ضيقت كوثر عيناها بتفكر، في حين هتف عدنان مؤكداً علي حديث إيناس المتوجس:

_ إيناس معاها حق يا ماما،  قاسم بقا عامل زي المجنون من بعد ما عمه أخد مراته منه،  ومحدش عارف الضربة الجاية منه هتكون فين

 

 

 

أردفت إيناس مُتعجبة بملامح وجه مُكفهرة عابسة:

_ أومال لو كانت حلوة كان عمل إيه؟

 

 

 

ضحكت كوثر ساخرة وأردفت بتهكُم :

_ فلوس أبوها محلياها في عينه يا حبيبتي،  الفلوس المتلتله تخليه يشوفها من قردة لـ ملكة

 

 

 

 

كان يستمع إليهم ويسخر في قرار نفسهِ علي كِلتا الموهومتان اللتان مازالتا تتشبثتان بحديثهِ الذي أوهم بهِ إيناس حينها، كي لا يُحزنها ويُدخل الغيرة داخل صدرها ويُشعلهُ علي خطيبها ،  وأقسم بين حالهِ أنهما إذا رأي وجه تلك الجميلة التي أشعلت قلبه وإقتحمت خيالهُ ولم تفارقهُ مُنذُ أن رأها وذاب داخل فيروزتيها،  ستصاب كلتاهُما فور رؤياها بذبحة صدرية لا محال

 

--

 

في اليوم التالي ذهبت كوثر بصُحبة إيناس وعدنان كي تري بعيناها هذا الإفتتاح الذي تم التحضير إليه من قِبل السكرتيرة الخاصة بمكتب إيناس والذي حذرها قاسم من إخبار أياً من إيناس أو عدنان بالأمر كي يصدمهُما بواقع الآمر، بعدما أراد أن يرد لهما بعضً من الصدمات والخيبات التي تلقاها علي مدار سنوات معرفتهُ بكلاهما ويُذيقهما مرارتها

 

 

 

صدمة أصابت ثلاثتهم من تدني مظهر المكتب الذي يفتقر الكثير والكثير من الأدوات التي تجذب نظر الموكل إلي المحامي،  فقد كانت البناية المتواجد بها المكتب مُتهالكة ،  حتي المكتب لم يكُن بالمظهر الجذاب للبصر، حيثُ كان عبارة عن غُرفتان بهما مكتبان متواضعان وصالة إستقبال صغيرة موضوع بها مكتب للسكرتارية

 

 

 

حضر بعضً من عُمال وموظفي مكتب قاسم الذين أتوا رُغمً عنهم، ويرجع ذلك لبغضهم الشديد لتلك المُتعالية التي كانت تتعامل مع الجميع بتعالي، وعلي أساس أنها خطيبة والأن زوجة مالك المكتب والعمل

 

 

 

نظرت كوثر علي تلك المنضدة المُستطيلة الموضوعة جانبً ومرصوص عليها أردئ أنواع الحلوي وبجانبها بعضً القنانات من المياه الغازية 

 

 

تحدثت بنبرة غاضبة إلي إيناس:

_ اللي بيحصل ده إهانة لينا، وأنا لا يُمكن أعديها أبداً،

ده جايب لك جاتوة من أرخص نوع في السوق ، ده قاصد يستقل بيكِ و يعملك مسخرة قدام زمايلك إنتِ وأخوكِ

 

 

 

 

 

 

 

صاحت إيناس بغضبٍ من بين أسنانها:

_ ماشي يا قاسم، ما أبقاش أنا إيناس عبدالدايم إن ما خليتك تندم علي كل اللي عملته ده وترجع تترجاني علشان أقدر أسامحك تاني

 

 

 

تحدثت والدتها بثقة زائدة لا تدري من أين لها إكتسابها :

_ لازم يا إيناس تعلمية الأدب، وكويس إنك عامله إحتياطاتك وواخدة حذرك ، من بكرة تروحي لـ أمجد وتخليه يسحب كل قضاياه من عنده ويلغي له التوكيل اللي عملهُ له،  وزي ما كُنتِ السبب في نجاحة،  لازم تكوني السبب في خراب مكتبه

 

 

 

نظرت إيناس بغضب إلي زُملائها بالعمل وهم يتلامزون فيما بينهم ويتبادلون الضحكات الساخرة، وهم ينظرون إلي البوفية الذي يدعوا إلي السُخرية،  ولم يقترب أحداً من الزائرين منه بسبب رداءت مُكوناته

 

 

 

 

أسرعت إيناس إلي السكرتيرة الخاصة بها وهمست بجانب آذنها بنبرة غاضبة ومُهينة كعادة تعامُلها معها  :

_ إية الجاتوة اللي إنتِ جيباه ده يا متخلفة إنتِ،  ماعرفتيش تستنضفي وتجيبي حاجة عدلة عن كده

وأكملت بإهانة:

_ولا ده أخرك في النظافة والمستوي

 

أجابتها الموضفة بضيق بعدما فاضّ بها من معاملة تلك المُتعالية المغرورة سيئة الطِباع  :

_ والله ده اللي موجود علي قد الفلوس يا أستاذة،  أنا عملت كُل حاجة زي ما قالي دكتور قاسم بالظبط

 

 

 

وأكملت السكرتيرة بنبرة حادة:

_ بالمناسبة يا أستاذة، أنا حطيت لك إستقالتي علي مكتبك جوة، ياريت دي تبقا أول ورقة تمضيها في مكتبك الجديد، لاني من بكرة هتعين مع أستاذة أمنيه حسب تعليمات قاسم بيه،

 

 

وأكملت مُفسرة بنبرة ساخرة منها :

_ كتر خيره، مرضيش يستغني عني ويخرجني من المكتب زي ما عمل معاكِ، لأنه كان عارف إني مش طايقه الشغل مع حضرتك ومستحملاه بالعافية

 

 

 

 

وتحدثت بنظرة كاشرة وهي تتحرك إلي الخارج:

_ مبروك المكتب الجديد وتتهني بيه يا أستاذة

 

 

 

 

إستشاط داخل إيناس وزاد سخطها وحقدها أكثر علي قاسم  ،لكنها ضلت متماسكة وتنظر لنُظرائها بتعالي وأبتسامات مُصطنعة بإعجوبة باتت تُفرقها علي الجميع كي لا تدع لهم الفرصة ليشمتوا بها

 

 

 

  وعند الغروب

تحركت إلي مكتب أمجد التُهامي لتشتكي لهُ غدر قاسم لها، وكلها أمل وثقة أن أمجد سيقف بجانبها

 

دلفت السكرتيرة وتحدثت إلي أمجد قائلة:

_المحامية اللي إسمها إيناس عبدالدايم برة يا أفندم ومُصرة تقابل حضرتك، برغم إني قُلت لها إن جدول حضرتك مزدحم جداً

 

 

أشار لها بيده وتحدث من بين أوراقه دون النظر إليها:

_ مشيها وبلغي الأمن ما يدخلوهاش من باب الشركة تاني، وإلا هيتعاقبوا كُلهم

 

 

 

خرجت السكرتيرة وتحدثت إليها بنبرة حادة:

_ أمجد بيه مش فاضي يقابل حد

 

 

أردفت قائلة بترجي:

_ طب من فضلك، يا ريت تبلغية إني عوزاه في موضوع مهم جداً ويخصه

 

 

 

زفرت السكرتيرة بضيق وتحدثت إليها بنبرة صريحة:

_ هو حضرتك مش عاوزة تفهمي ليه،  أمجد بيه مش عاوز يقابلك،  ونصيحة أخويه مني،  لو عاوزة تحافظي علي كرامتك ياريت ماتجيش هنا تاني، لأنه بلغ الأمن يمنعك من الدخول لو جيتي مرة تانية

 

 

 

 

إستشاط داخلها وعلمت أنها خسرت جولتها أمام قاسم، ولابد لها من أخذ هُدنة كي تُعيد ترتب أفكارها من جديد، وتستعيد صفائها الذهني لتري ما عليها فعلهُ مع ذلك القاسم الذي وجه لها صفعة مدوية ستتذكرها علي مديّ سنوات عمرها القادمة

 

 

 

--

 

كانت تقبع داخل غُرفتها التي خصصها لها زيدان كي لا تصعد الدرج ويتأذي جنينها، ولحين تحسُن صحتها التي أصبحت في التدني بفضل ما حدث لها من أهوال لم تقوي علي تخطيها إلي الآن

 

 

أصبحت تلك الغُرفة كـ سِجنها التي تتواري خلفهُ عن العيون الشامته واللائمة وحتي المُشفقة،  فقد أصبحت كل أمانيها هو إعتزال الجميع والإختلاء بحالها وفقط،  حتي أبويها لم تعُد تُريد الجلوس بصحبتهما ورؤية حزنهما والتألم التي باتت تستشفهُ من داخل أعينهُم وهم ينظرون عليها

 

 

 

إستمعت إلي طرقات فوق بابها،  دلف والدها مُطلاً برأسهِ من فتحة الباب بإبتسامته الخلابة التي جاهد لإخراجها،  تحرك للداخل وهو يتمسك بصنية يحملها بساعديه،  وضعها أمامها وباتت هي تتطلع إلي أصناف الطعام المُتعددة المرصوصة عليها بعناية، 

 

 

جلس مجاوراً إياها وتحدث بنبرة حنون:

_ عِملت لك الكبدة بالبصل اللي عتحبيها من يدي وچيت لجل ما أفتح نفسك وأكُل وياكِ

 

 

 

 

تنهدت وتحدثت بنبرة ضعيفة  :

_ مجدراش أكُل يا أبوي،  كُل إنتَ بالهنا علي جَلبك

 

 

 

 

تحدث إليها بصدقٍ وقلبٍ حنون:

_اللُجمة معتتبلعش من غيرك يا جلب أبوكِ

 

 

 

نظرت إليه بألم فحمل الصنية ووضعها جانبً،  وسحبها لداخل أحضانه وبات يتحسس ظهرها بحنان

وأردف مُشجعً إياها كي يحثها علي البُكاء التي إحتجزته مُنذ ذاك اليوم وإلي الآن  :

_ إبكي يا صفا،  إبكي يا بِتي وخرچي كل اللي كاتم علي صدرك وتاعبك،  ولو عاوزة تصرخي كُمان صرخي يا بِتي

 

 

 

 

وكأنه بتلك الكلمات البسيطة قد أعطي لها الإشارة،  لم تدري بحالها إلا وهي تجهش بالبكاء الشديد،  كانت تبكي وصوت شهقاتها تعلو وتجعل جسدها ينتفض من شدتها،

بقلبٍ يتألم كان يحتضنها ويُشدد من ضمته إليها ،  وكلما زادت وعلت شهقاتها يُطالبها بنزول المزيد، ويمسح علي شعر رأسها بحنان يخبرها به أنهُ معها وبجانبها ،  وبعد وقتٍ غير معلوم،  إستكانت بين أحضان أبيها، شعرت براحهة غزت صدرها بعدما أخرجت منه كل ما كان يضيق به علي هيأة دموع تساقطت بشدة كـ شلالات

 

 

 

 

 

--

 

 

 

 

عند غروب أشعة الشمس الذهبية

داخل الحديقة الخاصه بسرايا النُعماني

كان يقف بأرض الفيراندا مُنتصب الظهر بطولهِ الفارع، مُرتديً جلبابهُ الصِعيدي ومُصففً خُصلات شعر رأسهُ الفحمية بعناية شديدة ،  لقد كان حقاً جذابً وللغاية كعادته مؤخراً، حيثُ أصبح يهتم بأناقته ومظهره فقط لأجلها،

 

بعدما كان قد زهد الحياة وشعر بحالهِ كالأموات طيلة العامان المُنصرمان،  وبالتحديد عندما قرر جدهُ عقد قرانه علي ليلي التي كانت بالنسبة له بمثابة شهادة خروج روحهُ من جسده ودفنها تحت رُكام تلك البالية الروح والمعدومة الحدس والإحساس المُسماه بليلي ،

 

 

 

 

كان ينظر حولهُ مُستطلعً للمكان ، إتسعت عيناه وأنتفض قلبهُ حينما أصابته هزة قوية من أثر رؤياه لطلتها البهية وهي تدلف من البوابة الحديدية الضخمة بمظهرها الحَسن وأناقتها المعهودة،  إنشرح صدرهُ جراء رؤية تلك التي باتت في الأونة الأخيرة تُشرح قلبهُ وتُدخل عليه الكثير من السعادة والسرور

 

 

 

 

لم يدري بحاله إلا وساقيه تخطو سريعً نحوها وكأنهُ مُنساقً بلا وعيٍ، تحدث بطريقة دُعابية كعادتهِ مؤخراً في حضرتِها  :

_ شكلك إكده خدتي حكاية مرض صفا حچة علشان ما كُل شويه تنطي لنا إهني لچل ماتملي عينك من شوفتي يا دكتورة

 

قهقهت بطريقة إستحوذت بها علي جذب إنتباههِ وانتفاضة قلبه ، وهزت رأسها ساخره وأجابته:

_ نفسي أفهم إيه سر الغرور وطريقة العنجهه اللي بتتكلم بيها دايماً دي

 

 

عدل من جلبابه بطريقة بها تفاخُر مُصطنع وتحدث بدُعابة:

_ ده مش غرور يا استاذة،  دي ثجة بالنفس يصعب فهمها علي أمثالك

 

 

 

قهقهت من جديد وتحدثت بدُعابة مماثلة وهي تنسحب من أمامهُ:

_انا هدخل عند صفا بدل ما أرتكب فيك جريمة حالاً

 

 

 

 

وتحركت بالفعل نحو منزل زيدان، تنفس براحة وهو يتابع إنسحابها وقلبهُ يُحدثهُ بإعتراض علي ثباتهُ، ويحثهُ علي التحرك السريع خلفها كي يتشبع داخلهُ برؤياها البهية التي باتت تُدخل السرور والإستكانه لداخله، ولكي يتأنس بقُربِها المهلك لقلبهِ الذي بات عاشقً لتلك الراقية ذات النفس المُتصالحة علي حالِها  ،

 

بالفعل كاد أن يستمع لنداء قلبه ويتحرك خلفها إلي منزل زيدان ،وبأخر لحظة توقف وأستمع لنداء العقل الذي امرهُ بالتعقُل والثبات

 

  إبتسم وحدث حالهُ بهمسٍ مسموع:

_ ماتعجل أومال يا ولِد النُعماني، عتخيب علي آخر الزمان وتجلب لمُراهج إياك 

 

 

إستمع إلي صوت فارس الذي تحرك من جانبه وتحدث بنبرة صارمة ووجهٍ ذو ملامح كاشرة:

_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

ألقي سلامهُ وتحرك وأكمل بطريقهُ إلي الخارج، إستوقفهُ يزن وهو يُمسكهُ من ذراعه ليحثهُ علي التوقف الجبري،  وأردف متسائلاً بنبرة حزينة  :

_ لحد ميتا عتفضل مجموص مني إكده يا فارس؟

وأكمل بنبرة صوت مُتأثرة وصادقة :

_مجدرش أني علي معاملتك دي يا أخوي 

 

 

 

زفر فارس وتحدث مُتلاشئً النظر داخل عيناه كي لا يضعف ويتأثر بحديثهُ الصادق :

_ وعايزني أعاملك كيف بعد في اللي عِملته مع أخوي، 

وأكمل معاتبً بعيناي حزينة :

_ أني لو أخوك صُح كيف ما بتجول، كُنت عِملت لي حساب وركنت خلافك الجديم ويا قاسم علي چنب، وكنت سيبت له مّرته تركب وياه عربيته لجل ما يهديها ويشرح لها اللي حُصل صُح

 

 

وأسترسل بإتهام:

_لكن إنتَ إستغليت الموجف لجل ما تطلع قاسم عِفش كِدام العيلة يا باشمهندس

 

 

 

جحظت عيناي يزن وهتف بنبرة تحمل كّم الخزلان الذي شعر به من خلال حديث إبن عمه الذي يعتبرهُ بمثابة شقيقهُ الفعلي:

_ صُح شايفني بعنيك إكده يا فارس، لو الناس كلياتها شكت فيا وظلمتني هجول ميعرفونيش ، لكن إنتَ تظلمني ليه يا أخوي  ؟

 

 

 

وأكمل بنبره جادة:

_ الله الوكيل ما عملت اللي عِملته دي غير من خوفي علي صفا من الحاله اللي كانت فيها، أني لو سبت صفا لقاسم مش بعيد كانت رمت حالها من العربية وهي ماشية، ولا كانت عِملت حاچة وجلبت العربيه بيهم هما الإتنين لاجدر الله،

 

وأكمل بإثبات حديثه:

واظن إنتَ شُفت بعينك صفا لما وصلت لهنيه كانت حالتها كيف، دي متحملتش الكلام ووجعت من طولها في وسطيهم،

 

وأكمل بصدق وإخلاص:

_ولعلمك يا فارس، لو أي واحده من العيلة كانت مكان صفا كُنت هعمل معاها نفس اللي عِملته مع صفا بالظبط ،

وأكمل بنبرة متأثرة:

أني مش ظالم ولا حجود كيف ما وصفتني يا فارس، أني حركتني إخوتي لصفا وأحترامي لعمي زيدان، ولو الموجف إتكرر تاني هعيد اللي عِملته تاني لاني شايف إني بعدت النار عن البنزين وجتها

وأكمل بنبرة تخازلية:

_وألف شكر يا أخوي علي ثجتك الكَبيرة فيا

 

 

 

وادار وجههُ لتحرك بإتجاه المنزل، أوقفته يد فارس الذي لفهُ إليه وتحدث وهو ينظر له بأسي وأسف:

_ حجك عليا يا يزن،  أني جولت اللي جولته دي من جهرتي وحرجة جَلبي علي أخوي واللي نابه.

 

 

 

تنفس يزن وتحدث بنبرة صادقة:

_ معارفش عتصدجني ولا لا يا فارس،  بس الله وكيلي جلبي واچعني علي اللي وصل ليه قاسم يمكن أكتر من صفا كُمان،

 

 

وأكمل مُفسراً حديثهُ:

_ طول عمري وأني بشوف قاسم أخويا اللكبير العاجل اللي عحبه وعحترمه، وعشان إكده صدمتي فيه كانت شديدة من اللي عِمله مع عمه زيدان وصفا، يعز عليا إني أشوفه في موجف المتهم وواقف خلف الجضبان وبيتحاكم بتهمة الخيانة وكسر العهد، واعرة جوي علي الراچل منينا يا فارس

 

وأكمل بنبرة حادة :

_ بس إنتَ عارفني زين يا فارس ، طول عُمري وأني أكتر حاچة أكرهها في حياتي هي الكذب والغدر، وملهمش عِندي مُبرر، عشان إكده عتلاجيني حاد وصارم مع اللي عِمله قاسم ومجادرش أتجبلها منيه

 

 

 

تنهد فارس بألم لعلمهِ صحة حديث يزن،  ثم إحتضنهُ وتحدث بقلبٍ صافي:

_ متزعلش مني يا يزن، أني مُخي واجف ومطايجش حالي من اللي حصل مع قاسم ومدريانش اني بجول ولا بعمل إيه، ده غير مريم اللي زعلانه مني عشان صفا،

وأكمل بإعتذار:

_ حجك عليا يا أخوي

 

 

 

تقبل يزن حديثهُ وسألهُ:

_ أومال إنتَ لابس ومتشيك ورايح علي فين إكده  ؟

واكمل مازحً بدُعابة كي يُخرجهُ من تلك الحالة المحزنة :

_ إوعاك تكون رايح تِعمل مع مريم أختي كيف عَملة أخوك اللمجندله مع صفا ، الله الوكيل أعلجك من رجليك علي البوابة الحديد وأخليك فرچة للي رايح واللي چاي

قهقه فارس وتحدث:

_ الله يحظك يا يزن كيف ما ضحكتني وأني مهموم

 

وأكمل بنبرة جادة:

_ چدك باعتني للحاچ كرم لچل ما يتصل بشريكه وياچوا يتفرچوا علي محصول الذرة

 

 

اومأ له يزن بتفهم وتحرك فارس للخارج وعاد يزن ليجلس داخل الفيراندا ينتظر بقلبٍ مُتلهفً خروج قمره الذي أنار لهُ عتمة ليله الكالح

 

 

--

 

في اليوم التالي

داخل مسكن ماجده زوجة قدري وعشيقتهِ السريه التي يأتي إليها بين الحين والآخر ليأخذ قِسطً من الراحة وأستكانة روحه وإنعاشها

 

كانت تجلس وتجاورها صديقتها أحلام التي تحدثت مُستفسرة بإلحاح :

_ بردوا مش عايزة تقولي لي علي اللي ناويه تعمليه مع قدري النُعماني؟

 

 

ضحكت ماجدة بخلاعة كعادتها وأردفت قائلة بتخابث:

_ ده سّر بيني وبين نفسي، وأهو زي ما بيقولوا في المثل، داري علي شمعتك تقيد،

وأكملت:

_إدعي لي بس إن اللي بخطط له يتظبط وينفع، وأنا أهيصك

 

 

 

قوست أحلام فمها وهتفت ساخرة:

_ مبخدش منك غير كلام يا ماجده، من وقت ما أتجوزتي المخفي اللي إسمه قدري وأنا ماشوفتش منك مليم أحمر، برغم إنك كُنتِ وعداني لو الحال إتعدل معاكِ هتشوفيني ومش هتنسيني

 

 

 

 

رمقتها ماجدة بنظرة حادة وهتفت بإستنكار:

_ تصدقي إنك عاملة زي القطط بتاكلي وتنكري،  ده أنا من وقت ما اتجوزته من ييجي أربع سنين وأنا مشهيصاكي خروجات وعزومات وعمري ما خليتك تدفعي جنية واحد في خروجة

 

 

 

لوت صديقتها فاهها وهتفت بنبرة مُلامة:

_يا فرحة قلبي، خروجات وعزومات، هو ده أخرك في الشهيصه يا ماجدة ؟

وأكملت بنبرة منكسرة وهي تتصنع الحُزن:

_ ده أنا ليا سنه بتحايل عليكِ تديني الخاتم الذهب أبو فص أزرق، اللي كان جابهولك هدية جواز بنته وإنتِ مش هاين عليكِ

 

 

اجابتها ماجدة بتهكم:

_ اديكي قولتيها بنفسك، هدية منه،  ومن أمتي بقا الهدايا بتتهادي يا ست أحلام.

ثم أكملت بعيون طامعة وهي تنظر بشرود :

_ بس وحياتك عندي يا أحلام،لو اللي في بالي حصل لاكون عطيالك الخاتم وفوقه كمان خمس ألاف جنيه حلاوة الموضوع

 

 

 

 

إلتمعت أعيُن أحلام بنظرة طامعة وتحدثت:

_ أما أشوف يا ماجدة،  خليني وراكِ لحد باب الدار

 

 

 

وبدأت برفع كأس العصير وبدأت بإرتشافه،  إستمعتا كلاهما لقرع جرس الباب،  فقامت ماجدة تتحرك بغنچ،  إرتبكت ولطمت خديها عِندما نظرت من فتحة العين السحرية ووجدت امامها ذلك القدري، وذلك لعلمها كرههُ لصديقتها تلك،  اسرعت لصديقتها وجعلتها تجلس بإحتشام وترتدي ثوبها العلوي وحجابها، وهي ايضاً إرتدت حجابها وتحركت إليه من جديد وفتحت الباي

 

هاجمها كعادته وتحدث بنبرة ساخطة :

_ساعة لطعاني علي الباب لجل ما تفتحي

 

 

 

تحدثت بإرتباك واضح عليها :

_ مش كنت بلبس الطرحة وبستر جسمي يا أخويا، مش إنتَ اللي دايماً تزعق لي وتقولي متفتحيش غير وإنت ساترة جسمك وشعرك  ؟

 

أجابها بإستحسان وهو يضُم جسدها إليه بإشتياق:

_ براوه عليكِ يا ماچدة

 

 

 

فك وثاقها سريعً حين إستمع لصوت تلك التي تخرج عليهم وتتحدث بإستئذان وخجل مُصطنع:

_ حمدالله على السلامة يا قدري بيه،  بالإذن أنا

 

 

 

رمقها قدري بنظرة حادة وتحدث بضيق :

_مع السلامة.

 

 

خرجت وأمسك هو ذراع ماجدة وأحكم السيطرة عليه بطريقة ألمتها وتحدث بفحيحٍ غاضب :

_ إيه اللي چاب الوليه الناجصه دي إهنيه، أني يا مّرة مش جايل لك جبل إكده تجطعي علاجتك بيها و متدخليهاش البيت تاني.

 

 

 

تألمت من قبضة يده القوية وتحدثت بتلبك:

_ صدقني يا أخويا قطعت علاقتي بيها من زمان، بس لقيتها طابه عليا إنهاردة من غير إحم ولا دستور، قال إيه كانت مزنوقة في قرشين وكانت متأمله تاخدهم مني،

 

 

 

 

وأكملت بكذب:

بس أنا وحياتك زعقت لها، وقولت لها مكنش ينعز يا الدلعدي ، وقولت لها كمان إنك منبه عليا مشوفهاش، وكنت لسه هطردها لولا أنتَ سبقتني وجيت، وغلاوتك عندي زي ما بقول لك كده يا سي قدري.

 

 

 

 

زفر بضيق وفك قبضته وتحدث بنبرة أقل حدة مما كان عليه:

المّرة السو دي معايزش أشوفها إهنيه تاني، دي مّرة سمعتها مجندلة والمركز كِلاته عارف إكده ،مخيفاش علي سُمعتك إياك؟

وأكمل بنبرة تهديدية:

_ ودي آخر تنبيه ليكِ يا ماچدة، بعدها متلوميش غير حالك من اللي عيچري لك مني، مفهوم يا ماچدة  

 

 

 

تحركت إليه بغنچ وتحسست صدرهُ بدلال وتحدثت بطاعة اثارته :

_ حاضر يا سيد الناس،  كل اللي قولت عليه هنفذه بالحرف الواحد، بس إنتَ إهدي كده وروق دمك وكل أوامرك مطاعة

 

 

 

تحمحم وتحدث إليها بنظرات راغبة:

_ عاوزة تاكلي إيه لچل ما أتصل بالمحل يچهزه لنا علي ما ندخلوا نريحوا چوه شوي

 

 

 

أطلقت ضحكتها الخليعة التي تستطيع بها ذوبان قلب ذلك الأبله، تحركت وسحبته من يده منساقً خلفها كالمعتوة بدون عقل

 

 

 

--

 

 

 

عندما حل المساء

كان يدلف بسيارتة من داخل البوابة الحديدية، وتحرك بها لداخل الجراچ المُخصص لإصطفاف السيارات الخاصة بأفراد العائلة،  وجدها تقف داخلهُ وكأنها تعلم ميعاد وصولهُ وتنتظرهُ،  صف سيارته وترجل منها وهو يستغفر ربهُ علي إبتلائة بالنظر إلي وجه تلك التي تُشبه البومة في نظرتها الحقود

 

 

 

 

تحرك في طريقهِ قاصداً الخروج والتوجة إلي منزله، مُتلاشيً النظر لوجهها الذي بات يبغضهُ أشد البغض وكاد أن يتخطاها لولا وقوفها أمامهُ وقطع طريقهُ وهي تتحدث إلية بعيون مترقبة لإنفعالات ملامح وجهه عند رؤياها:

_ كيفك يا زيدان،  لجيتك خفيت رچلك من السرايا من وجت اللي حُصل لبِتك، جولت أچي أعمل بأصلي وأستناك إهني لچل ما أسأل عليك وعليها 

 

وقربت وجهها القبيح وسألته بعيون متفحصة وأبتسامة خافته شامتة:

_طمني،  إنتَ مليح؟

 

 

 

هتف بنبرة ساخطة ناهراً إياها بضجر:

_ بعدي عن طريجي يا حُرمة خلينا أفوت

 

 

 

إبتسمت وتحدثت بنبرة ساخرة:

_اللي يسمعك إكده يجول مستعچل علي دخول الچنه يا خي،  عتلاچي إيه عِند بِت الرچايبة غير الحِزن والنكد والعويل

 

 

واكملت شامته:

_ إلا جولي يا زيدان،  حسيت بإيه وإنتَ شايف كسرة جلب بِتك والنار شاعلة فيها، وهي عتتخيل راچلها وهو نايم في حُضن مّره غيرها؟

وأكملت بفحيح، بعينان مترقبتان بحقدٍ وبنبرة شامتة :

_ عيوچع الإحساس ويجتل صُح  ؟

 

 

تنهدت بهدوء وأردفت قائلة بحُزنٍ مُصطنع وبنبرة هامسه كساحرة شريره تتراقص علي جُثث ضحاياها :

_ مچرباه أني ياما الإحساس دي،  وعاوزه أجول لك إن مع مرور الوجت، النار في الجلب عتلهلب وتشعلل أكتر،

وأكملت بتذكير:

_ إوعاك تكون فاكر إن نار بِتك عتطفي مع مرور الزمان،  غلطان يا زيدان،  نار العاشج ولهيبه معيطفيهاش غير جُرب الحبيب والنعيم جوات أحضانه،

 

 

وأسترسلت حديثها بطريقة أمره مستفزة لمشاعر زيدان:

رچع صفا چوات حُضن حبيبها لجل ما تطفي نارها الشاعله يا زيدان، رچعها بدل ما تحزن عليها كُل يوم وإنتَ شايفها بتدبل كِدام عينيك لحد متروح منيك وتموت بحسرة وچع جلبها من بُعد الحبيب عنيها 

 

 

 

 

 

رغبة مُلحة تُطالبهُ الآن وبقوة بسحب مسدسهُ المرخص الموضوع بجنبهِ وتوجيههُ صوبها وتفريغ جميع ما بهِ من رُصاصات وتوزيعهُما بالتساوي ببن قلبها المُحمل بالسواد وبين عقلها الذي يتبني كل ما هو مُدمر لمن حولِها وكأنها مُكلفة من الشيطان ،

 

لكنه تمالك أعصابهِ وتمكن من ضبط النفس وتحدث بفحيح ونبرة بارده مماثله لبرودها القاتل:

_ وغلاوة بِتي عندي يا فايقة واللي عُمري ما أحلف بغلاوتها باطل، ماهيتكوي بالنار اللي عتجواي عليها دي ويتحرج بيها غير ولدِك،  وبكره عفكرك يا واكله ناسك

 

 

 

 

 

ودلوك إخفي من وشي يا غُراب الشوم بدل ما أفجد أعصابي وأطلع طبنچتي وأفرغها چوة جلبك، واجتلك ويحسبوكِ عليا نفر  

 

 

 

تمعنت النظر لداخل عيناه وهتفت بفحيح وهي ترمقهُ بنظرات نارية :

_ وهو أنتَ لسه مجتلتنيش يا زيدان؟

ده أنتَ جتلتني بدل المّرة إتنين يا حبيبي ،  مّرة يوم ما چيت لك الچنينة وأتوسلت لك ترحم جلبي، وبدل ما تاخدني في حُضنك وتطمني، ضربتني وشندلتني

وأكملت بتذكر :

_والمّرة التانية يوم ما وجفت تتفرچ عليا وتترجص بفرستك  وهما بيزفوني بكفني الابيض، وبيسلموني بيدهم لعزرائيل اللي دبحـني وجبض روحي بحِتة عَجد كتبه المأذون بين أبوي وأبوك ، ومن يوميها وهي روحي مفرجاني ومعاودتش

 

 

 

أردف قائلاً بنبرة لائمة موبخاً إياها:

_يا وليه عيب عليك إختشي ،  ده أنتِ بجيتي چِدة ولساتك عتفكري في المسخره دي يا حزينة   ؟

 

وأكمل بنبرة حادة ونظرات كارهة:

_الله الوكيل لو يطولوني رجبتك ويحكموني عليها ، لكون فاصلها عن جِتتِك لجل ما أريح العالم كِلياته من خُبثك وشرك اللي غلب خُبث الشيطان الرچيم

 

 

 

وتحرك مُسرعً من داخل الجراچ متجهً إلي منزله قبل أن يري كلاهما أحداً ويُثير الأقاويل

 

 

 

نظرت لخروجهُ بعيون يتطاير الشر والتوعد من نظراتها الحقودة ،وعلي الفور رفعَت يدها التي تحمل بها هاتفها وطلبت رقم إيناس وأنتظرت الرد

 

 

أما إيناس التي كانت تجلس فوق أريكة منتصف المنزل بقلبٍ مازال مُشتعل ولم يهدأ بَعد، رفعت هاتفها لمستوي وجهها لتري من المُتصل، قوست فمها وإبتسمت بتسلي حين وجدت نقش إسم والدة بائعها،

 

 

علي الفور أجابت بنبرة صوت تصنعت بها الحُزن والإحترام كي تستحوذ علي تعاطف تلك الحية الرقطاء وجبرها علي مساعدتها:

_ ألو،  إزي حضرتك يا ماما

 

 

 

ضيقت فايقة عيناها مُتعجبة لنبرة صوت تلك القوية دائماً  :

_ مال حِسك يا بِتي، في حاچة حُصلت إياك   ؟

 

 

 

أجابتها إيناس وهي تُمثل صوت البُكاء كي تستجدي تعاطف ووقوف تلك البلهاء بصفها:

_ هو حضرتك ما تعرفيش إن قاسم خرجني من المكتب أنا وعدنان ولا إيه 

 

 

 

إتسعت عيناي فايقة وتسائلت بتعجُب:

_ خرجكم كيف يعني ،  تجصدي طاحكم ورماكم برة المكتب  ؟

 

 

 

 

إغتاظت إيناس من سوقية تلك المرأة الجاهلة وإسلوبها السئ في إختيار كلماتها المُبتذلة التي تُلقيها في وجه من أمامها دون تفكُر، أو ماذا ستفعل تلك الكلمات المسمومة به ،  ولكنها تغاضت عن كل هذا في سبيل الوصول إلي هدفها الأثمن، وهو مساعدة تلك الحمقاء ذات القلب اليابس،

 

علي الفور إستعادت نبرة التسول مرةً آخري وبدأت تقص علي مسامعها ما بدر من قاسم وفعلتهِ المُشينة في حقها وحق عدنان

 

 

وأكملت وهي تُمثل شهقاتها العالية لتستجدي شفقة تلك البلهاء:

_ يرضيكِ يا ماما اللي قاسم عمله فيا أنا وعدنان بعد وقفتنا معاه طول السنين اللي فاتت دي كلها؟

 

 

وأكملت:

_ معقوله تكون دي كلمة شكراً اللي بيقولها لي بعد ما أتحملت معاه ظروفه وظروف عيلته وجده

 

 

تنهدت فايقة بضيق وغضب، ليس لأجل تلك الشمطاء التي لا تُمثل لها سوي أنها وسيلة ستُحقق لها غاية إنتقامها الأسود من معشوقها الأبدى، والذي تحول عشقه بداخلها كمرضٍ خبيث بات يأكل الأخضر واليابس دون رحمة 

 

 

 

وتحدثت إليها بنبرة تعقلية:

_ إسمعي الكلمتين اللي عجولهم لك وحطيهم في دماغك وإعجليهم زين يا بِتي،  قاسم دلوك عامل كيف الثور الهايچ من اللي عِملوه فيه چده وإعمامه ، و معيرحمش أي حد يُجف في طريجه اليومين دول ،

 

 

 

وأكملت بنُصح:

_ إبعدي عنيه دلوك لحد ما يروج ويفوج من اللي حصل له،  وشويه إكده اللحكايه عتهدي وعمه هيسلم ويرچع له البِت لحد عنديه، 

وأكملت مبررة:

_ البِت حِبله ومعينفش تجعد كَتير في دوار أبوها لجل كلام الناس ميكترش ويجولوا غضبانة وجاعدة عِند أبوها ليه

 

 

 

إشتعل داخل إيناس عندما إستمعت بحمل غريمتها وهتفت بنبرة تحمل غضبً وغيرة واضحة:

_ حامل،  حامل إزاي يعني

 

 

 

إستغربت فايقة سؤالها الأبله وأجابتها ساخرة:

حِبله كيف النسوان مابتحبل يا نضري ،  وحِبله شهرين كُمان

 

 

وأكملت بإشادة وأستحسان:

_بِت ورد طلعت واعيه وحِبلت من أول يوم دخل عليها قاسم فيه،

وأكملت بنبرة ساخطة:

مش خايبه كيفك،  بجالك ياچي أكتر من شهر متچوزاه ومعرفاش تخليه يدخل عليكِ لدلوك

 

 

 

إستشاط داخل إيناس من تهكم تلك الحقيرة عليها فأكملت فايقة بنُصحٍ وإرشاد:

_ علي العموم مش وجت الحديت دي، خلينا نتكلموا في المهم

 

 

 

أردفت إيناس مُتسائلة بطريقة تهكمية:

_ وإيه هو بقا المهم من وجهة نظر حضرتك يا ماما  ؟

 

 

أجابتها فايقة بذكاء:

_ إن قاسم دلوك بجا خالي،  ولدي راچل طول بعرض وفي عز شبابه الله يحميه ، فكرك هيجدر يتحمل ويصبر يعيش من غير مّرة في حياته إياك،  وخصوصي بعد ما جرب الچواز وداج حلاوته  ؟ 

 

 

 

اجابتها إيناس بضجر ونبرة يشوبها الإحباط :

_ ما أنا حاولت معاه قبل كده ومأخدتش غير قلة القيمة ،  إبنك بيعاقبني علي وقفتي أنا وأهلي في وشه لما كان عاوز يسيبني قبل الفرح بحجة الوعد اللي قطعة علي نفسه وإداه لعمه، 

 

 

 

وأكملت بدفاع عن حالها :

_ قاسم مش قادر يفهم إني كُنت بحارب وبدافع عن شرفي وسُمعتي اللي كان عاوز يحطهم تحت رجلين الناس علشان يدهسوهم وينهشوا في لحمي وشرف بابا

 

 

 

 

هتفت فايقة بإهانه مفسرة المقصد من حديثها :

_ سيبك من رط الحريم اللي عماله ترُطي فيه دي، وكفياكِ عويل وندب علي اللي راح، ركزي معاي وإفهمي حديتي زين،

واكملت بنُصح:

_ قاسم دلوك ضعيف وهو بعيد عن سحر المحروجة بِت ورد عليه ،

 

 

 

وأكملت بحقارة وحديث يدل عن إنعدامها للاخلاق وبطريقة تدل عن مديّ عدم معرفتها بشخصية نجلها الذي يضع الله ورضاه دائماً صوب عيناه:

يعني كيف معيجولوا ، لو أي واحده شاورت له من بعيد مهيمانعش ،  فمابالك من مّرته حلاله اللي ربنا شرعها له

 

 

 

إلتمعت عيناي إيناس من صحة حديثها برغم إعتراضها علي سوقية تلك الشمطاء، وأقتنعت بحديثها وباتت تُعيد تفكيرها في تقربها مرةً آخري من قاسم ورمى شباكها عليه من جديد

 

 

--

 

 دلف من باب مكتبه صباحً، كان يتحرك داخل الرواق بجسدٍ ممشوق ورأسٍ مرفوع ينظر أمامهُ غير مباليً بمن حوله ، ليس غروراً أو كبرياءً ، بل جمود وتيبس وشرود أصاب جسدهِ مثلما أصابْ حياتهُ بالكامل،

مُنذُ إبتعاد من كانت تمثل لهُ الروح والحياة ومع رحيلها رحلت عنهُ دُنياه

 

 

 

 

 

لفت إنتباههِ تداخل أصواتً مُتعددة ومتداخله ببعضها مما أحدث فوضي عمت بالمكان، بات ينظر حولهُ يترقب الإزدحام الشديد الناتج عن وجود مجموعات كبيرة من الشباب الذين ينتظرون داخل صالة الإنتظار، وما أن لمحته سُهى السكرتيرة حتي إنتفضت من مقعدها وأسرعت إليه في محاولة منها في مجاراته بالتحرك السريع إلي جانبه وهو يتجه إلي غرفة مكتبه  وتحدثت إليه:

_ حمدالله علي السلامة يا أفندم

 

 

تحدث إليها بهدوء:

_ الله يسلمك يا سُهى

 

 

ثم سألها بإستفسار وهو يترقب وجوه الجالسين والواقفين من الجنسين ممن لم يسعهم الحظ لوجود مقعداً خالياً وينظرون إليه بإنبهار شديد  :

_ إيه الزحمه اللي في المكتب دي كُلها  

 

وأكمل بنبرة ساخرة :

_هي وزارة الشؤن الإجتماعية نقلت مقر مكتبها عندنا وأنا ما أعرفش ولا إيه  ؟

 

أمسك مقبض الباب الخاص بمكتبه وأدارهُ ودلف للداخل بخُطى ثابته،

أردفت سُهى التي تتحرك خلفهُ قائلة بتفسير الموقف إلي سيدها:

_ دول المحاميين اللي جايين بخصوص الإعلان اللي حضرتك نزلته تطلب فيه تقديم C. V لوظايف خالية بمكتبنا يا دكتور

 

 

 

خلع عنه حِلته وعلقها بمكانها المختص، ثم شمر أكمامه لأعلي وتحرك إلي مقعده وجلس عليه ثم تحدث إليها قائلاً بتعجب:

_ وكل الأعداد اللي موجوده بره دي، جايه علشان طلبت خمس وظايف ؟

 

 

أجابتهُ سُهى بمفاخرة وفضلٍ لشخصه:

_هو حضرتك مش واخد بالك ولا إيه يا دكتور،  إسم قاسم النُعماني إتنقل وبقا في حتة تانية خالص من بعد ما حضرتك كسبت البراءة في قضية التُهامي من أول جلسة

 

 

 

إبتسم بخفوت ساخراً من حاله وإسمهِ الذي أصبح رنانً وذو شأنً عالي في عالم المحاماة وكسب القضايا المُهمة،  لكنهُ ولسخرية القدر فشل بكسب قضية حياتة، خسرها من أول جولة ولم يستطع حتي الدفاع عن حاله أو إثبات براءته من الإدعاءت التي وُجهت إليه بتهمة الخيانة والخزلان، واللتان ستلازما إسمه وتلحقا بهِ العار حتي النهاية

 

 

 

 

تحدث قاسم إليها بنبرة عملية:

_ من فضلك يا سُهى، خدي منهم ال C. v وقولي لهم إننا هنراجعها وهنتصل بيهم في أقرب وقت وهنبلغهم بالنتيجة،

 

 

وأكمل:

_فضي لي الرسيبشن من الزحمة دي علشان العُملا يلاقوا مكان يقعدوا فيه، 

 

 

وأمسك نظارته الطبية وأرتداها وتحدث إليها:

وهاتي لي ملف قضية كامل بطران علشان أدرسه

 

 

 

بالكاد فتحت فاهها كي تُجيبهُ وأغلقته سريعً عِندما وجدت من تقتحم باب المكتب بطريقة همجية وبدون أدني تصرفات اللباقة وهي الطرق علي الباب للإستئذان، 

 

 

 

إنها كوثر التي تحدثت بنبرة ساخرة حادة وهي تُشير بيدها بطريقة سوقية :

_ يا تري يا متر شوية العيال اللي لاممهم من علي القهاوي وقاعدين بره دول، هما اللي هيملوا مكان الأستاذة إيناس والأستاذ عدنان عبدالدايم  ؟

 

 

 

 

تحدث السكرتير الذي دلف خلفها حينما وجدها تقتحم دخول المكتب دون إستإذان :

_ يا أفندم ميصحش كده،

 

وأكمل مُعتذراً ومُفسراً أسبابهُ إلي قاسم:

_أنا أسف يا دكتور،  أنا قولت لها والله تستني بره لحد ما أدخل وأبلغ حضرتك بوجودها، بس هي تخطت وقوفي ودخلت بالشكل اللي حضرتك شفته ده

 

 

 

 

نظرت له بحدة فتحدث قاسم موجهً حديثهُ إلي الموظف بنبرة صارمة :

_ إتفضل يا أستاذ علي مكتبك، وبعدين هنتحاسب علي اللي الفوضي اللي حصلت دي

 

 

 

تحرك الموظف إلي الخارج بتخاذل، وأكمل قاسم بنبرةِ عملية :

وإنتِ يا أستاذة سُهى،  إطلعي إجمعي ال C. v من الشباب وفي خلال عشر دقايق يكون المكتب فاضي، وجهزي الملف اللي قولت لك عليه ودخلهولي بعد عشر دقايق  بالظبط

 

 

 

 

 

أومأت سُهى وتحركت إلي الخارج وأغلقت خلفها الباب، نظرت كوثر بإستشاطة لذلك الذي لم يعر لوجودها أية إهتمام وتحدثت كوثر بنبرة حادة:

_ إيه يا إبن الإصول،  هتفضل سايبني واقفة كده كتير،  ولا إنتَ قلة الأصل خلاص بقت بتجري في دمك 

 

 

إنتفض واقفً من جلسته وبقلبٍ يشتعل هتف قائلاً بحدة من بين أسنانهِ:

_ إحترمي نفسك يا ست إنتِ، وياريت ماتوصلنيش إني أضطر أنده لك الأمن علشان يخرجك بره المكتب خالص

 

 

 

صاحت بنبرة صوت غاضبة:

_أهو ده اللي ناقص يا سي قاسم، تنده لي أنا كمان الأمن يطردوني بعد ما أستغنيت عن ولادي اللي شالوا لك المكتب علي أكتافهم اكتر من 12 سنة، وإستحملوا معاك وداقوا المُر قبل الحلو علشان يكبروا المكتب،

وأكملت بصياحٍ عالّ:

_ وأول ما ربنا عطاك من وسع وأتشهرت، إفتريت عليهم وطردتهم، بدل ما تاخدهم جارك وتدوقهم من الخير اللي بقيت فيه واللي هما السبب في وجوده

 

 

 

وأكملت متسائلة:

_ تنكر إن إيناس هي السبب في نجاح قضية التُهامي اللي كَسرت الدنيا وقفشت فيها فلوس قد كده من الراجل وعلي حِسها جالك بدل القضية عشرة  ؟

 

 

 

أجابها بنبرة غاضبة جراء حديثها الذي أوصلهُ للإشتعال  :

_ عيالك مين يا أم عيالك،  إوعي تكوني مصدقة كلامك الأهبل اللي جايه تتحفيني بيه ده؟

 

 

 

وأكمل بنبرة حادة:

_أنا اللي نشلت عيالك من الضياع ونشلتك إنتِ وجوزك من الفقر اللي كان معشش في بيتكم وبياكل في جسدكم،  لولا مكتبي اللي جدي فتحهُ لي ولمتهم معايا فيه،  كان زمانهم بيشتغلوا زي الصراصير عند محامي ماصص دمهم وبيديهم فتافيت، 

وأكمل شارحً:

_أنا اللي عملت منهم بني ادمين،  أتقيت ربنا فيهم وعاملتهم بما يُرضي الله، عُمري ما عاملتهم علي إنهم موظفين عندي ، طول عمري وأنا بقول لهم إن المكتب ده بتاعنا إحنا التلاثة، كُنت بوزع الأرباح علينا بالتساوي في القضايا اللي كُنا بنشتغل فيها مع بعض

 

 

 

وأكمل بنبرة ساخرة:

_   جاية تهينيني في مكتبي بعد ما شبعتي من ورايا إنتِ وعيالك ، إنتِ ناسيه كُنت بتعامليني إزاي أيام ما كُنتِ لسه ساكنة في الأوضة والصالة والحمام المُشترك اللي كُنتم بتدخلوه بالدور

 

 

وأكمل بغضب:

_مكنتيش بتقولي لي غير يا أبن الأكابر ،  إتمسكنتي لحد ما اتمكنتي إنتِ وبنتك والوقت جاية تتهميني بقلة الأصل يا سليلة الحسب والنسب

 

 

ردت علي حديثهُ قائلة بإعتراض ونفي:

_اللي إحنا وصلنا له ده مش ببلاش يا حبيبي ولا صدقة منك، ده شقي عيالي وشغل سنين مصيت فيهم دمهم وفي الآخر رميتهم في حتة مكتب كحيان في العمرانية  ، بعد ما كانوا في مكتب في أرقي منطقة في مدينة نصر  ،  هو ده رد الجميل؟

 

 

 

وأكملت بإتهام:

_ عملنا لك إيه علشان تكافئنا بالشكل ده،  سبع سنين بحالهم وإنتَ خاطب البت في السر من غير ما أهلك يعرفوا وقولنا ماشي،  نستحمل لحد ما تعدل أمورك وتظبتها مع أهلك،  وحتي لما إتحوزت بنت عمك وطمعت في مال أبوها لوحدك، وكُنت عاوز تتخلي عن بنتي، وفي الآخر اتجوزتها بردوا في السر وقولنا ماشي،

 

وأكملت بتساؤل غاضب:

عملنا لك إيه نستاهل عليه غدرك ده رد عليا؟

 

 

 

تحرك من وقفته ووقف مقابلاً لها وهتف بنبرة نادمة:

_ أقولك أنا عملتولي إيه، صنعتوا مني إنسان أناني حقير بعد ما كنت جاي من الصعيد علي فطرتي والطيبة سكناني،من أول ما اتعرفت علي صديق السوء إبنك، وبعدها بنتك، من وأنا لسه طالب وهما بيزرعوا فيا بذرة الأنانية والجحود  ،

 

 

واكمل بصياح وغضب:

_بنتك أول واحدة إتعلمت علي إديها الكذب والمراوغة وقلة الضمير، لما فضلت زي الشيطان توسوس لي لحد ما خلتني أكذب أول كذبة في حياتي، واللي بعدها مشيت في طريق واكتشفت إن ممنوش رجوع  ، كذبة جرت وراها كذبة، لحد ما في يوم صحيت لقيتني باني جبل ذنوب طبق علي صدري لحد ما خنقني،

 

 

وصرخ بها عالياً:

_ إنتم لعنة وصابتني، بنتك هي لعنتي في الدُنيا، ذنبي اللي هعيش أكفر عنه كل اللي باقي لي من حياتي، وياريتني هخلص منه

وأكمل بنبرة ضعيفة:

_جايه تسألي عملتوا لي إيه، إنتوا دمرتوني، حولتوني لمسخ دميم، حولتوني لألة ماشية علي الأرض، أهم حاجة مصلحتي،خلتوني بعت ودوست علي اللي مني وأنا زي الأعمي المنساق ورا سحركم الملعون وببرر لنفسي خيانتي ،

وأكمل بألم:

بقيت بستخبي من نفسي واداري منها وأنا واقف قدام المرايا، علشان ما أشوفش ملامح وشي الدميمة،

بنتك لعنة، لعنة صابتني ودمرتني، بس خلاص كل كذبي إنكشف وأنا نويت اتطهر من ذنوبي،  وأول ذنوبي هما ولادك اللي كان لازم أبعدهم عني بأي شكل،  الخطوة الجايه هي الطلاق اللي للأسف مش هقدر انفذة غير بعد ماتعدي المُدة،  وده مش إحترامً لجوزك الهفأ عديم الشخصية 

 

وأكمل معترفً:

_ لا،  ده علشان ما أخسرش نفسي أكتر من كده وأحافظ علي ذرة الرجولة اللي لسه فاضلة لي بعد ما أتمحت رجولتي وكرامتي علي إديكم يا شوية رعاع

 

كانت تنظر إلية ولكم الغضب الدفين الذي يتحدث به وهي ترتعب من هيأته المُوحشة التي ولاول مرة تراها

 

 

 

وتحدث وهو يسحبها من يدها إلي باب الغرفة مما أرعبها  :

_ والوقت إطلعي بره ونصيحة مني لوجة الله بلاش تيجي هنا تاني، ونبهي علي شلة النصابين اللي إنتِ مخلفاهم،  إني لو شُفت منكم حد هنا تاني  ، قسماً بربي لأقتله وأخد فيه إعدام

إطلعي بره، يلااااااااا

 

 

 

إنتفضت وتحدثت بصوتٍ مُرتجف لم تستطع السيطرة علي الهلع الذي أصابها:

_ ماشي يا قاسم، ماشي

 

 

وتحركت هي للخارج وصفق هو الباب خلفها بقوة جعلتها ترتعب وتُهرول بأقصي سُرعتها بإتجاه الخارج 

 

 

 

أما هو فبات يتنفس عالياً ويزفرهُ علهُ يُهدئ موجة الغضب التي أصابته جراء مُقابلتهِ لتلك المرأة التي تُمثل الشيطان في أقبح وجوههُ

وضع كف يدهُ فوق شعره وسحبهُ للخلف في حركة تُظهر كّم غضبة

 

وبات يلعن حالهُ ويؤنبها علي ما فعل بحاله،وكيف سيُخلص حالهُ وكيفية خروجه من بئر سبع الذي ألقي بحالهُ داخله

 

يُتبع..