الفصل الخامس والثلاثون - قلبي بنارها مغرم
الفصل الخامس والثلاثون
بعد حوالي ثلاثة أسابيع مّرت علي واقعة إكتشاف صفا لزواج مُتيمُ روحها عليها، عاد قاسم إلي السرايا بعد إنقطاع مقصود وذلك لعدم قدرته التطلع بوجه أياً كان، وأيضاً كي يُعطي إلي صفا وقتً كافياً لتهدأ به وتستعيد وعيها وعقلها الذي فقدته خلال إكتشافها لتلك الكارثة،
دلف بسيارته من باب السرايا مع حلول بداية الظلام، صف سيارتهُ وتحرك بساقان ثقيلتان، صعد الدرج المؤدي لباب منزل زيدان، قرع جرس الباب وكُلهُ إشتياق لرؤيا عيناي من حَرمت علي عيناهُ النوم في إبتعادها ، فتحت لهُ تلك العاملة التي تُدعي صابحة
تحدثت بوجهٍ بشوش:
_ حمدالله على السلامة يا قاسم بيه
إنتفض قلبهُ وكاد أن يخرج من بين أضلعه ويُعلن عصيانه حينما إستمع إلي صوتها العَذب وهي تتحدث إلي والدتها،
تحدث إلي صابحة بنبرة هادئة:
_ الله يسلمك يا صابحة،عمي زيدان إهنيه؟
أفسحت لهُ المجال وهي تُشير إليه بيدها في دعوه صريحة منها إلي الداخل قائلة بإحترام :
_ إيوه چوه ، إتفضل يا سي قاسم
إبتسم لها وكاد أن يخطو بساقه أولي خطواتهِ إلي الداخل ولكنه توقف سريعً بل وأتخذ خطوةً إلي الرجوع للوراء عندما وجد زيدان وقف أمامهُ وحجب عنه الدخول واضعً ساعدهُ علي الباب بقوة كسدٍ منيع
ثم تحدث إلي العاملة بتهجم:
_ إدخلي چوه شوفي ستك ورد عاوزاكِ في إيه
أسرعت العاملة للداخل وهي تؤمي لهُ بطاعة وخوف من هيأته الغاضبة التي ظهر عليها ، في حين نظر إلي قاسم وسألهُ بنبرة حادة وملامح وجه مقتضبة:
_ خير يا قاسم، چاي عاوز إيه؟
إبتلع قاسم غصة مُرة إقتحمت حلقه من تلك المعاملة المهينة لشخصه التي تلقاها من عمه، وما زادَ من حُزنهِ أنها تمت في وجود العاملة، تنفس بهدوء وتحدث بثبات نفسي إصطنعهُ بصعوبه:
_ كيفك يا عمي
قلب زيدان عيناه بتملل وتحدث بنبرة حادة وملامح وجه صارمة:
_ چاي ليه يا قاسم ؟
أجابهُ بنبرة متحفظة :
_ چاي أشوف مّرتي وأطمن عليها يا عمي،
وأكمل بإحترام كي يستدعي رضا عمه عليه:
_ ده طبعاً بعد إذنك
أجابهُ زيدان بإقتضاب وصرامة :
_ الدَكتورة نايمة
تمالك قاسم من حالة الغضب التي تملكته من معاملة عمه له فتحدث بثبات:
_ نايمة كيف وأني لساني سامع حِسها چوة
جولت لك نايمة، عتكدبني إياك ؟ كانت تلك إجابة زيدان الصارمة علي قاسم
تنفس قاسم عالياً وحاول جاهداً كَظم غيظة الذي أصابهُ من حديث زيدان المستفز وموقفهُ شديد الصرامة:
_ العفو يا عمي أني مجصدش أجول إكده، أني بس بجول إن ممكن حضرتك تكون معارفش إن لساتها صاحية
وأكمل:
_ فبعد إذنك تخليني أدخل لها، وأوعدك أني مهطولش جوة
زفر بضيق وأردف بنبرة حادة:
_ شكلك جافل ودانك ومسامعنيش عجول إيه من أصله ، جولت لك نايمة، ناااايمه
قال جُملتهُ وهو يستعد لغلق الباب بوجهه، بسرعة بديهه وضع قاسم كف يدهُ مانعً به غلق الباب وصاح بنبرةٍ عالية:
_اللي بتعمله ده حرام شرعً ولا يچوز يا عمي، مش من حجَك تمنعني من إني أشوف مّرتي وتمنعها عني ، إنتَ إكده بتخالف شرع ربنا وبتُجف في وشه
تحدث زيدان بتهكُم :
_ شرع ربنا؟
إنتَ أخر واحد تتحدت عن شرع ربنا،
واستريل حديثهُ قائلاً بنبرة حادة:
_ شرع ربنا جال لك تخون العهد وتتچوز علي بِتي وهي لساتها عروسة مكملتش شهر !
وأكمل بتساؤل غاضب :
_إلا جولي يا حضرة الافكاتو، مش بردك شرع ربنا اللي عتتكلم عنيه دي بيجول لك إن لما تاچي تتچوز علي مرتك لازمن تجولها ؟
واكمل بهتافٍ عالِ لشدة تعصبه:
_ والجانون اللي إنتَ درسته وبتجف جِدام الجاضي وتترافع بيه، مش بردك عيبعت إخطار للزوجة يعلمها فيه بچواز چوزها عليها ؟
موصلش لبِتي ليه الإخطار دِه يا راچل الجانون يا اللي دارس شرع الله وحلاله وشغلك مبني عليه ؟
وأكمل بإتهام:
_ولا هو شرع الله بيأمرك ويجول لك ترشي المُحضر لجل ما يمنع الإخطار ومايوصلش ليد بِتي ؟
كانت تُجاور والدتها الجلوس وتتحدث إليها، إستمعت إلي صياح أبيها ومن خلال كلماتهِ الغاضبة إستطاعت أن تكتشف هوية الشخص الذي جعل والدها يفقد هدوئهُ وأتزانه، شعرت بإنقباضة داخل قلبها وتغير لون وجهها من الوردي إلي أصفرٍ باهت
أما قاسم التي نزلت كلمات عمه الحادة علي قلبهِ فألمته وحملته أعباءً أكثر مما هو عليه، تنهد بتألُم وتحدث مُفسراً:
_ بكفياك علشان خاطر ربنا يا عمي، أني إعترفت بكُل أغلاطي وذنوبي جِدام العيلة كلياتها ، ومعوتش جادر ولا متحمل أسمع إتهامات وإهانات أكتر من إكده، أني سبت حضرتك تلات أسابيع بحالهم وبعِدت لجل ما تهدي، بس يظهر إن حضرتك معتهداش واصل،
وأكمل بنبرة عاقلة:
_ أني تعبت ومعتش جادر للمناهدة دي ، الله يخليك تخليني أجابل مّرتي لجل ما نحل الموضوع بيناتنا وترچع معاي لشجتها معززة مكرمة
قوس فمهُ ساخراً وسألهُ بحدة:
_أي عزة وأي كرامة اللي عتتحدت عنيهم يا وِلد أخوي،
وأكمل بنبرة يائسة :
_ روح يا قاسم، روح لحالك وفوت بِتي لحالها ، أني ماصدجت إنها بدأت تروج وترچع لوعيها بعد ما كانت عتفجد عجلها بعد اللي عِملته فيها
علم قاسم أن لا فائدة من ذلك الجدال العقيم عديم المنفعه في ظل غضب زيدان الذي مازال قائماً ولم يتزحزح، بل وتزايد أكثر مما كان عليه
أومأ له برأسهِ وتحدث بنبرة قوية بعدما فاض بهِ الكَيل :
_ أني همشي دلوك يا عمي، بس عاوزك تِعرف أني لا ضعيف ولا أني جِليل الحيلة وجادر أدخل دلوك وأخد مّرتي ، أني هصبر بس لچل خاطرك وغلاوتك عِندي واللي ربنا وحده هو اللي يعلمها زين،
وأكمل بنبرة قوية ذات مغزي :
_ بس يكون في معلومك يا عمي، أني صبري ليه حدود، وياريت ماتوصلنيش إني أفجد صبري وطولة بالي
قال كلماته وتحرك سريعً مُتجهً إلي باب السرايا المُقابل لمنزل زيدان ، حين أغلق زيدان الباب وتنفس بضيق وغضب شديد أصابهُ جراء رؤياه لوجه من باع الوعد وكسر العهد وضحي بالغالي والنفيس لأجل وفائهِ لكلمة الغريب
دلف قاسم من باب السرايا، وجد الجلسة ينقصها الكثيرون من أهل المنزل، أبويه علي سبيل المثال، وذلك إمتثالاً لأوامر عِثمان الذي أصدرها أثناء واقعة يزن المعروفة، وأيضاً عائلة زيدان الذي ما عاد يحضر إلي السرايا، وذلك إمتثالاً للحفاظ علي كرامة غاليته وحالتها النفسية التي لم تعد كسابقها ، ودون عِثمان بذاته الذي يجلس حبيس حُجرته وحيداً طيلة الوقت، وكأنهُ يُعاقب حالهُ علي ما وصل إليه أبنائه واحفاده من حالة مُزرية ألمت قلبه الذي شاب من أفعال غواليه والتي لم تكُن تراودهُ حتي في أبشع كوابيسه
ألقي السلام بملامح وجه مقتضبة وصعد الدرج مُتجهً إلي الأعلى دون أن يتحدث بحرفٍ واحداً
صعد فارس الدرج سريعً خلف شقيقهُ، تحرك إليه ووقف بجانبه وهو يضع المفتاح داخل فتحة باب مسكنة، وتحدث بترقُب:
_ حمدالله علي السلامه يا أخوي، ما جولتليش إنك چاي ليه لچل ما أستناك في المطار.
أجاب شقيقهُ برأسٍ مُنكس:
_ جولت لحالي مافيش داعي أتعبك وياي يا فارس، وبعدين ما أنتَ عارف إن عربيتي مركونة في الجراچ اللي چنب المطار
وضع فارس يده علي كتف شقيقهُ بحنو وهتف بترقب:
_ عاوز أتحدت وياك يا قاسم
رفع كف يدهُ في وجه اخيه وتحدث بنبرة إستعطاف:
_ مجادرش يا فارس، الله يخليك سيبني في حالي يا أخوي
أومئ له فارس وانسحب بهدوء بقلبٍ يتألم لأجل شقيقهُ
دلف قاسم إلي مسكنه، إنقبض قلبهُ من ذلك الظلام الدامس القابض للروح والذي سكن المكان بعد رحيلها، داس علي زر الإضاءة وبات ينظر حولهُ، رأها بجميع الزوايا، تخيلها وهي تخرج عليه من باب غرفة نومهما وتُسرع عليه لتستقبلهُ بإبتسامتها الساحرة التي كانت تُطيب قلبهُ وتُصيبهُ بالسكينة والطمأنينة الذي إفتقدهُما برحيلها ، نظر بإتجاه المطبخ، تخيلها تقف أمام موقد النار تصنع له قهوته التي ما عَاد يتمزج بها ويستحسن مذاقها سوي التي تصنعها يداها،
للحظة تسللت لأنفهِ رائحة المخبوزات الطازچة التي كانت تصنعها لأجله ، إبتسم بمرارة علي ما أصبح عليه وما حُرم منه
خطي بساقيه إلي باب حُجرتهما التي كانت تمتلئُ بالحياه والضحكات والاحضان الدافئة، الآن أصبحت كقبرٍ يُقبض أنفاس من يُدلف إليه منهما ، تنهد بألم وخطي للداخل، وجد كل شئٍ ضل بمحله سِواهما،
تحرك إلي خزانتِها وأخرج ثوبً كان يعشقُ رؤياها به، إحتضنهُ وضمهُ إلي صدرة بقوة،أغمض عيناه وأشتم رائحة جسدِها العطرة التي مازالت مُعلقة به رُغم غسلهِ،
وكأنها تضع وشمها بكُل شئٍ يخُصها حتي هو، هو الذي وُشم قلبهُ بعشقها الذي يُشبه عشق أميرات الاساطير في رُقيه، وضع شفتاه فوق ثوبها العفيف، وضع بهِ قُبلة إشتياق تنمُ عن مّدي توهة روحهِ في بُعادها ، أغمض عيناه ثم أخذ نفسً عميق للغاية وأحتفظ بهِ داخل رأتيه،
فتح عيناه من جديد وبصعوبة أبعد ثوبها عن موضع قلبهِ، ثم وضعهُ برفقٍ فوق الفراش بمحل نومتها بعدما قبلهُ ومسح عليه برقة وكأنهُ تحول إليها ، تحرك إلي الشُرفة وفتحها وبلهفة نظر إلي شُرفة غُرفتها، أصابهُ الإحباط حين وجدها عاتمة مما يدل علي عدم صعودها إليها إلي الآن
تحرك إلي المرحاض وأدار مقودهُ وتنفس ثم فتح الباب، حُزنًُ وألمً تملكا من قلبه، فكل شئ يُذكرهُ بها، تحرك إلي صنبور المياه وخلع عنه ثيابهُ وأخذ حمامً بارداً سريعً، توضأ وخرج لقضاء صلاة العشاء وجلس بعد الإنتهاء يُناجي ربهُ بخشوع ويطلب منه العفو علي ما فعل بحاله وأحبائه، وطلب منه العون فيما هو قادم، وقف منتصب الظهر ورفع معهُ سجادة الصلاة ووضعها بمحلها
إستمع إلي قرع جرس الباب، زفر بضيق وتأفف لعدم رغبته بمقابلة احداً مهما كان سوي من ملكت الفؤاد وفقط ، فتح الباب وجدها والدتهُ التي تطلعت إليه بحُزنٍ حقيقي لما رأتهُ من إنطفاء للمعة عيناى ولدها، وحتي وجههِ وجسدهِ الذي إفتقد بعضً من الكيلو جرامات مما جعلهُ يظهر بجسدٍ نحيف،
تنهدت بضيق علي ما فعلهُ بحاله ذاك العنيد، سحبته لداخل أحضانها وربتت عليه، الغريب أنهُ لم يشعر بحنينها أو أي شعور بالإرتياح نتيجة ضمتها، وكيفَ له أن يشعر بالراحة داخل أحضانها المسمومة وهي سببً رئيسي فيما حدث ويحدُث وسيحدُث له
خرج بهدوء من ضمتها وتحرك إلي الأريكة، جلس عليها بوجهٍ مهموم، نظرت إليه بضيق وتنهدت وتحركت لتجلس بجانبه وهتفت بنبرة مُلامة:
_ عامل في حالك إكده ليه يا ولدي، لا أنتَ أول ولا آخر واحد يتچوز علي مّرته، ولو زعلان عشان صفا سابت لك البيت ماتجلجش، بكره تعجل وترچع لحالها كيف ما مشيت،
زفر بضيق ورغبه مُلحة تُطالبهُ بوضع كفاي يداه فوق أذناه كي لا يستمع لما يُقال ويخرج من فمها ، تحدثت فايقة بتحريض وكأنها الشيطان بذاته:
_ عاوز نصيحتي، سيبها هي وأبوها يخبطوا راسهم في أجرب حيطة تجابلهم ويرچعوا لحالهم تاني
وأكملت بصدق:
_ أني كُل اللي كان مخوفني من اللحكاية إن چدك يغضب عليك ويحرمك من ورثك كيف ما عمل مع عمك زيدان، بس طالما چدك طلع بيحبك وسامحك، يُبجا تعيش حياتك وتكملها عادي
وأكملت بنبرة خبيثة:
_فيه حاچة كُنت عاوزه أتحدت وياك فيها، وهي هچرك لمرتك المصراوية، اللي عتعمله معاها دي حرام يا ولدي ومايرضيش ربنا، إرچع شُجتك وعيش وياها، هي كمان ليها حجوج عليك ولازمن تديهالها، وإلا ربنا عيحاسبك علي حرمانك ليها،
وأكملت بنبرة لائمة:
_ أومال لو منتاش محامي وعارف العدل والحج
كادت ان تُكمل قاطع هو حديثها بنبرة صارمة:
_ لو خلصتي حديتك ياريت تروحي علي شُجتك لأني تعبان وعاوز أدخل أنام
زفرت بإستسلام وكادت أن تُكمل حديثها لولا صوت قرع جرس الباب الذي صدح ، قامت هي علي الفور وفتحت الباب، وجدت رسميه التي تحدثت بأنفاسٍ مُتقطعة موجهةً حديثها إلي العاملة التي تحمل صنية كبيرة بها أصناف مُتعددة من الطعام المتنوع المُحبذ لدي حفيدها،و التي أمرت العاملات بتجهيزهِ علي وجه السُرعة فور حضورة،
بأنفاسٍ متقطّعة تحدثت رسميه:
_ حُطي الصنية إهنيه علي التربيزة وإنزلي إنتِ يا بهيه
وضعت العاملة ما بيدها وتحدثت بطاعة:
_ أوامرك يا ست الحاچة
وقف قاسم وتحرك إلي جدته، أمسك يدها وأسندها وأردف قائلاً بنبرة لائمة مُحبه:
_ تاعبة حالك وطالعة السلالم وإنتِ تعبانة ليه يا چِده ؟
أسندها وأجلسها بجانبه فتحدثت هي والتعب يظهر علي صوتها وهيأتها :
_ هتعب لأعز منيك يا غالي
تحدثت فايقة بنبرة خبيثة:
_ تسلم يدك يا عمه
في حين تحدثت رسمية بنبرة صارمة ونظرات كارهة إليها :
_ فوتيني مع حفيدي لحالنا ويلا روحي علي مكانك
أجابتها فايقة بنبرة ضعيفة كي تستجدي تعاطف رسمية :
_ خليني جاعدة لجل ما أوكله وياكِ يا عمه وأعمل له كباية شاي بعد الوكل .
رمقتها بنظرة حارقة وتحدثت بحدة وتهكُم :
_ هامك ولدك جوي، جولت لك روحي علي مُطرحك
تحركت وهي تسب وتلعن بسرها تلك العجوز الشمطاء التي أصبحت لا تترك أية مجال حتي تُهين كرامتها وتُنقص من قيمتها أمام الجميع
تحركت رسمية إلي حفيدها وجلست بجانبه، وضعت كف يدها الحنون فوق وجنته وهتفت بنبرة حنون:
_ كيفك يا جلب چدتك، زين يا حبيبي ؟
أومأ لها وتحدث:
_الحمدلله يا چده
تحدثت رسمية بنبرة صوت حنون:
_ مّد يدك وكُل يا ولدي، أني خليتهم يعملوا لك كُل الوكل اللي إنتَ عتحبه
هز رأسهُ وأردف رافضً بإصرار :
_ مجادرش يا چده، مليش نفس
تنهدت بحُزن لأجل حفيدها الغالي، سحبته لعِندها و وضعت رأسهُ علي ساقيها بهدوء،، شعر براحة عجيبة غزت روحهِ بعكس ما حدث مع والدته، تنهد بعُمقٍ وراحة ، وضعت كف يدها الحنون فوق ظهرهِ وباتت تتحسسهُ بلمسة حنون إقشعر لها بدنه وأستكانت بها روحه
أردفت قائلة بحديثٍ ذات مغزي:
_ إصبر وأتحمل يا وليدي، صُح الريح عاتية وشّديدة ، بس ميتا الدِنيي فضلت علي حال، عتعدي، بكره الريح عتِهدي والدِنيي تروج والشمش عتطلع وتنور دِنيتك العاتمة من تاني،
وأكملت بطمأنه:
_ بِت أبوها عشجاك وعاشجة لأنفاسك، متخافش، عتحن، عِشجها عيغلب عِنادها وعيرچعها لحُضنك من چديد، بس إنتَ إسعي لچل ما تنول الرضا والسماح
تحدث مُستعطفً إياها بترجي:
_كلمي عمي زيدان وخليه يسيبني أدخل لها يا چده، إتوحشتها، نفسي أخدها في حُضني، نفسي أشم ريحتها،
وأكمل بنبرة مُتألمة:
_ ملحجتش أفرح بخبر حَبلها، نفسي أحط يدي علي بطنها وأطمن إبني ولا بِتي وأجولها متخافش، أني معاكِ وعحبك وعاشج لتراب رچلين أمك،
تحدثت إليه بنُصح وإرشاد:
_طلج المصراوية وأني عخلي عمك زيدان يرچعها لك
تنهد بصدرٍ مُحملاً بثُقلٍ بفضل الهموم :
_ياريت كان ينفع يا چدة، معجدرش أطلع عديم الرچولة حتي مع الغريب،
وأكمل بنبرة ضعيفة:
_كفاية عليا العار اللي شايله كِدامكم كلياتكم، وجودها سنة بحالها علي ذمتي، يعتبر أكبر تكفير عن ذنوبي، لأن إرتباط إسمها علي إسمي يعتبر أكبر عجاب ليا
إستغربت رسمية حديثه فسألته بإستغراب:
_ إنت معتحبهاش إياك ؟
زفر بضيق وأردف مُفسراً:
_أني معايش وياها يا چده، ملمستهاش، الله الوكيل مالمستها ولا علمسها، أني إنچبرت علي چوازها لچل ما أتحمل غلطي معاها زمان لما جعدت خاطبها سبع سنين بحالهم،
ضيقت رسمية بين حاجبيها مُتعجبة لحديثهُ، ثم أعادت سؤالها علي قاسم مرة آخري للتأكيد:
_صُح ملمستهاش يا قاسم ؟
أجابها بتأكيد:
_الله وكيلي ما لمستها يا چده، ولا حتي شفتها حُرمة جِدامي
سعد داخل الجده لإستماعها بتلك الإعترافات التي ستساعد كثيراً في حل المشكلة لو علمت بها صفا، أو هكذا هي تخيلت، طلبت من قاسم تناول الطعام فرفض من جديد، وبعد محايلات من الجده تناول بعض الُلقيمات التي تُعد علي أصابع اليد الواحدة
❈-❈-❈
كانت تقبع فوق تختها بعدما أصبحت تُقضي معظم يومها وهي متقوسة علي حالها فوقهُ، بعد أن أصبح ملاذها الآمن للهرب من أعيُن مُحبيها التي تُحاوطها وتنظر إليها بعين الشفقة وهذا ما كان يؤلمها ولم تتقبله، ولذا فضلت الهرب من تلك النظرات، ليست ضعفً أو إستسلامً، فهي إبنة زيدان القوية الأبية التي لا تعرف للإنهزام يومً طريقً،
بل ما كان هربها وأستكانتها سوي أنها إستراحة مُحارب لتعود أقوي من جديد
تنفست بضيق حين تذكرت صوتهُ الذي وبرغم هدوهُ المُفتعل إلا أنهُ كان يحمل ببن نبراته التي تحفظها عن ظهر قلب غضبٍ عارم، تنهدت بألم،
مازالت غاضبة منه، لا، لست غاضبة بل تشتعل ولا تطيقُ حتي النظر لعيناه الكاذبه، كّم كان مُخجلاً شعورها بالخزي من حالها عندما إكتشفت كّم الغباء التي تمتلكهُ برغم ذكائها الذي طالما شهِد لها بهِ الجميع ،
الآن وفقط تيقنت أنها تمتلكُ الكثير والكثير من الغباء والسذاجة التي جعلتها تقع داخل براثن ذئبها البشري الذي إفترس برائتها وأخترق حِصنها المنيع،
حدثت حالها بدموع وهي تضع كف يدها علي صدرها فوق موضع قلبها وكأنها تحادثهُ :
_كيف لك أيها الأبلهُ عديم المنفعه أن تنجرف وراء كلماتهِ الكاذبة وتصدق وعودهُ البائسة حين قال بأنني أصبحت حبيبته!
شهقت ونزلت دموعها بحرارة وتحدثت:
_ كيف لحدسي أن يُصاب بالتيبُسِ ويخدعني بتلك المهانة، لقد تحريتُ الصِدقَ من عيناه حينما كانت نظراتهُ تشملُني وتجعلني أسبحُ بصحبتهِ في عالم العِشق والخيال
بماذا أُفسرُ قشعريرةً جسدي التي كانت تنتابني وتُزلزلُ كياني حينما كان ينطقُ ويُناديني بصوتهِ الحنون بحبيبتي؟
ألهذه الدرجة أنتَ بارعً وموهوب في الخيانة قاتلي !
رفعت وجهها لأعلي ورمت رأسها للوراء وباتت تُزرفُ الدمعاتِ بغزارة وكأنها تعاقب حالها بتلك الطريقة
وضعت كف يدها أسفل أحشائها وباتت تتحسسها بحنان وتُحدث جنينها بحب :
_ لا تخف علي مصيرُك صغيري ، فقط إطمئن وأستكِن داخلي، فلديكَ أمً تتحرقُ شوقاً إلي رؤياك كي تُزين أهدابي بالتطلع إلي وجهك البهي
وشهقت بقوة وحدثتهُ من بين شهقاتها الموجعة:
_ حتي والدك، فبرغم كل ما جري إلا أنهُ وبالتأكيد سيغمرك بالمحبةِ والدلال، وكيف لهُ ألا يفعل وأنتَ ستُصبح خليفتهُ و وريث إسمهُ وإمتدادهِ بالدنيا
إبتسمت ساخرة وأكملت:
_ ولا تخف علي حالك من غدرهِ عزيزي، إطمئن وتأكد أنك الوحيد الذي لم ولن يقوي علي التخلي عنه والغدر به، وكيف لهُ الغدر بك وأنتَ منه،
أمالت رأسها وسألت حالها بتعجُب :
_ أولستُ انا أيصاً كُنت منه !
أنا إبنةُ عمهْ، وبرغم هذا طعنني غادراً، وقام مُتعمداً بهدم حصُوني المُشيدة فوق عُنقي فكسرها، وأصبحتُ لا أقوي علي رفعها لأعلي كسابقُ عهدي
فاقت علي كلماتِها الاخيرة وأستنكرت ضعفها الذي تملك منها، رفعت رأسِها بشموخٍ كالجبل وتحدثت:
_ لا عَاشّ من كَسرني وأصابني بالإنحناء، فأنا إبنة أبيها الأبية ولم يُخلق بعد من يحني قامتي ويجعلني أتواري خلف الأبواب
وقفت ناصبة ظهرها وكأنها تحولت إلي هرة شرسة ذات حوافر مُدببة مسنونةِ كالسيف الحاد،وعلي الإستعداد التام للدخول القوي إلي ساحة المعركة وللإنتصار
تحركت إلي الخارج قاصدة حُجرة أبويها كي تُخبرهُما أنها نفضت ترابها التي كانت تندثر تحتهُ وانتوت الخروج من قوقعتها التي فرضتها علي حالها ومكثت بداخلها لأكثر من ثلاثة أسابيع
وصلت إلي باب الحُجرة ورفعت كفها لتطرق الباب وفجأة توقفت حين إستمعت إلي ورد وهي تسأل زيدان بنبرة مهمومة:
_ يا حومتي، يعني هو كان عشجان لزميلته دي وهو لساته بيدرس في الچامعة ؟
زفر زيدان الجالس بجوار ورد وتحدث بنبرة حزينة يائسة:
_ البت كانت أخت زمِيله عدنان وعشجها من أول مرة شافها، ولما إتخرچ چه لأبوي وطلب منيه يفتح له مكتب هِناك لجل ميكون جريب منيها ويشغَلها معاه هي واخوها، وبعدها إتفج وياها علي الچواز بس كان مستني لما المكتب يكبر وإسمه يعلي،
وأكمل وهو مهموم:
_ بس أبوي سبجه بخطوة وخطب له صفا، قدري عيجول إنه مكانش موافج من اللول وكان هياچي لچده ويعترف له بكُل حاچة، بس قدري وفايقة ضغطوا عليه، راح لأبو زميلته وخطبها منيه، واتفج علي إنه عيتچوزها بعد سبع سنين ، وإتفج ويا زميلته يجولوا لأبوي إنه موافج علي خطوبته من صفا، وبعد ما صفا تخلص چامعتها ياچي ويجول لأبوي إنه مجادرش يتچوز صفا لأنها أعلي منيه في العلام، وإنه رايد يتچوز من زميلته في الشغل
كانت تقف بالخارج تستمع لكلمات أبيها والتي كانت تنزل علي جسدها وتجلدهُ كسواط يُمزق كل ما يقابله، شعرت وكأن أحدهم يُمسك بسكينً حاد ويقوم بغرسهِ داخل قلبها ويطعنهُ بحدة، بطعنات متكررة
لم تعُد بحاجة إلي إستماع الباقي من التفاصيل، فقد كانت علي دراية بالبقية عندما أتي إليها قاسم وطلب منها تنفيذ الجزء الثاني من خطتة الدنيئة، عادت سريعً إلي غُرفتها وأوصدت بابها ودموعها تنساب فوق وجنتيها بغزارة من هول ما استمعت، وضعت يدها فوق فمها تكتم بها شهقاتها المتعالية وتلعن غبائها وضعفها الذي يجعل دمعاتها الملعونة مازالت تنسابُ لأجل طاعنها
أما بغرفة زيدان فاكمل هو باقي روايتهُ إلي ورد التي سألته بنبرة حزينة:
_ يعني هو رفض چوازه من زميلته لجل صفا؟
أجابها زيدان بنبرة حزينة:
_ عيجول إنه حب صفا ومرضاش يكسر وعده ليا، راح لابوها وفض الخطوبه وعرض عليهم فلوس، واكمل زيدان باقي التفاصيل التي قصها عليهم قاسم
بات الجميع بقلوب ومشاعر مُبعثرة، تائهة،
غفت بدموعها المُنسابة والتي جفت فوق وجنتيها وجف معها نبع حنينها إليها وبحر عشقها اللامنتهي
أما هو فكان يحتضن ثوبها ولم يتذوق للنوم طعم من شدة تألمه وأشتياقهُ الجارف لرؤياها ولضمة احضانها الحانية
❈-❈-❈
شق الصباح ظلام الليل وظهرت أشعة الشمس لتُعلن للدنيا عن ميلاد يومً جديد بأمال وأحلام وأمنياةٍ جديدة
ضل يُراقب منزل عمه من وراء النافذة متواري كي لا يراهُ زيدان ويترصد نزولهُ، تحرك سريعً للأسفل بعدما وجد زيدان خرج من البوابة الحديدية بعدما إستقل سيارته،
وقف أمام المنزل ودق بابه، فتحت لهُ ورد التي نظرت بحزن إلي هيأته المُبعثرة وشعرهِ المُشعث وعيناه المُنتفخة والتي تدل علي عدم نومه، ناهيكَ عن هيأتهِ ككُل وجسده الذي إفتقد بعضً من الكيلوجرامات،
شعرت بألم غزي قلبها عليه، فبرغم كُل ما حدث لإبنتها علي يده إلا أنها تعرف بحدسها أنهُ يعشق صغيرتها بل انهُ أصبح متيمً وهذا ما أستشفته من داخل عيناه الهائمة
وبرغم شعورها هذا إلا أنها إدعت الجمود وتفوهت بقوة:
_ چاي ليه يا قاسم علي الصُبح إكده
أجابها بنبرة رجل مهزوم:
_ چاي أشوف مّرتي يا مرت عمي، عاوز أجعد وياها لحالنا ونتكلموا
زفرت بضيق وتحدثت:
_ مش عمك جالك معينفعش
كاد أن يتحدث مُعترضً لكنه إبتلع لُعابهُ واهتز بعُنف قلبهُ العاشق حينما رأها تطل عليه كقمرٍ منير، فبرغم خسارتها لبعضً من وزنها وشحوب وجهها وذبولهُ، إلا أنها مازالت قمرهِ الذي أنار عُمرهِ العاتم
كانت تخرج عليه مرتدية ثيابً عملية كي تستعد إلي العودة لعملها، هتفت قاصدة بحديثها والدتها:
_ خلي المتر يتفضل يا أمّا لجل ميجول الكلمتين اللي عِنديه ونخلصوا من الزن دي
زفرت ورد وتحدثت إليها بإعتراض:
_ أبوكِ لو عِرف إنك جَابلتيه وإتحدتي وياه عيشندلنا شنديل
أجابتها صفا بإطمئنان:
_متجلجيش يا أم صفا
وأكملت وهي تنظر لذلك الواقف يتطلع عليها بعيون متلهفه تنظر لملامح وجهها بشغف ووله كما الظمأن في الصحراء في وضح النهار ، الذي وجد أمامه قنينة مياة مُثلجة:
_ المتر معيطوِلش إهنيه، هما كلمتين عيجولهم ويمشي علي طول،
وأكملت بنبرة جافة وإهانة إبتلعها هو وعذرها عليها:
_ أني أصلاً ورايا شُغل مُهم ومفضياش للحكاوي
دلفت وأشارت إليه للحُجرة الجانبية المُلصقة بالباب والخاصة بإستقبال الزائرين الأغراب وتحدثت:
_ إتفضل يا متر
خطت بساقيها وتحرك هو خلفها وتحركت ورد إلي الداخل لتترك لهما المجال للحديث، إبتلع لُعابهُ وهتف بنبرة متلهفة وهو ينظر لعيناها بإشتياقٍ جارف:
_ وحشتيني يا نور عيني
وتحرك إليها مهرولاً وكاد أن يسحبها لداخل أحضانه الدافئة كي يطمئن روحها ويُطفئ لهيب إشتياقة إليها الذي أذاب قلبه، توقف مكانهُ حين وجدها وضعت كف يدها بوجهه في إشارة منها لتحذيرة من الإقتراب وتحدثت بنبرة صارمة:
_ خليك مكانك وخلصني وجول الكلمتين اللي چاي علشانهم
توقف ناظراً إليها والألم يُمزق داخلهُ وبنبرة مُتألمة تحدث :
_بلاش تُبجي إنتِ والدنيي عليا يا صفا ، ده أني طول المُدة اللي فاتت وأني جاعد أصبر حالي وأوسيها وأجول لها إصبري، چراحك النازفة هتطيب من أول ضمة من حُضن صفا،
صُبرت عليكِ وبعدت عنيكِ واني جلبي بيتجطع عليكِ وعموت وأخدك في حضني لچل ما أطيب چراحك، بعدت لچل ما تهدي وبعدها أچي لك وأفهمك
وأشار إليها قائلاً بنبرة تشع حنانً وعِشقً:
_خليني أخدك چوة حُضني وأنسيكِ كُل اللي حُصل يا حبيبتي
وقفت أمامهُ بشموخ وسألته بإستنكار :
_ حبيبتك؟
إنتَ مين أصلاً لچل ما تطيب چراحي چوة حُضنك ؟
أني معرفاكش، حاسه حالي بشوفك لأول مّرة، ملامحك غريبة عليا ومعارفهاش ، عِنيك كنها صحرا فاضية مفهاش غير الخراب والموت المُحتم للي يدخل في طريجها
إتسعت عيناه من حديثها المؤلم فهتف بنبرة حنون:
_أني قاسم يا صفا، قاسم البني أدم اللي إتولد من چديد علي أديكِ، قاسم اللي أول حكايته بدأت وياكِ ، قاسم اللي شاف الدنيي وعرفها وداج حلاوتها چوة عنيكِ، بين أديكِ لجيت راحتي وروحي التايهة اللي عيشت عمري كلياته وأني بدور عليها، أني قاسم يا صفا
تحاملت علي حالها كي تظهر أمامهُ بكُل هذا الثبات وتحدثت بمرارة:
_وأني صفا، صفا الهبلة اللي صدجت عيونك الكدابة، صفا اللي شافت توهتك وحيرة نفسك التايهة وضمتك لحضنها وطمنت روحك الغدارة، صفا اللي أمنت لك وضمتك لصَدرها لچل ما تشَرِبك من حنانها وتدوجك من العِشج اللي عاشت عمرها كلياته شيلاهولك إنتَ مخصوص، صفا اللي رمت حالها چوة حُضنك وغمضت عنيها وأدتك الأمان،
وأكملت بنبرة حادة :
_ صفا اللي دفعت تمن ثجتها العامية غالي ، مجنيتش من وراك إلا كل غدر وحُزن وشجي، مشفتش من وراك خير يا قاسم ، محسيتش منيك غير بسكينة غدرك اللي كُنت مداريها طول الوجت ورا ضهرك ومستني الوجت المُناسب لجل ما تطعني بيها في نُص جلبي بكُل جبروت
نظرت إليه بجمود وهتفت بنبرة جاحدة:
_ملعون أبو عشجك الكداب اللي دبحني وشج جلبي لنصين في عز فرحتي،
واكملت وهي تضع يدها فوق أحشائها:
_ده أني ملحجتش أفرح بخبر حَملي من الراچل اللي عشت عمري كلياته أحلم بيه
نظر لها بعيون متوسلة وتحدث بنبرة رجُل مُنكسر:
_ إرحميني يا صفا، كلامك عينزل علي جلبي كيف النار بيكوي ويحرج كل اللي بيجابلة في طريجه
نظرت إليه وسألته بنبرة تهكمية:
_صُح عِنديك جلب وبيحس كيف الناس يا قاسم ؟
أجابها بتأكيد وثقة:
_عِندي يا صفا، وإنتِ ساكناه ومالكة الروح يا بِت جلبي،
وأكمل بأمل ونبرة حماسية مُشجعة:
_ خليني اللول أحكي لك اللي حصل وبعدها أحب علي راسك وأخدك في حُضني ونفرح بإبننا ولا ببتنا اللي چاية، متخليش العِند يضيع فرحتنا يا صفا
ضحكت ساخرة وتحدثت:
_ عتحب علي راسي؟
كُت دوست علي رچلي من غير متجصد لجل ما تحب علي راسي وأسامحك إياك ؟
للدرچة دي شايفني مغفلة وهبلة ؟
أغمض عيناهُ بتألُم وأردف قائلاً برجاء:
_إرحميني يا صفا، أني تعبت ومجادرش أعيش من غيرك يا حبيبتي، من يوم مافوتيني وأني ملاجيش روحي چواتي، عدور علي قاسم ملاجيهوش، إرچعي لي يا بِت جلبي ورچعي لي حياتي
وأكمل بنبرة جادة:
_ فيه تفاصيل كَتير غايبة عَنيكِ ولازمن تِعرفيها لچل ما يكون حُكمك عليّ عادل
إبتسمت ساخرة وأجابتهُ بنبرة مُنكسرة:
_وفر دِفاعك ومرافعتك لجضية تكون كسبانة يا مِتر، جضيتك وياي خسرانة، لأن أي حاچة عتجولها معتغيرش إحساس الكَسرة والمذلة والشعور بالمرارة اللي ملازمني ومالي جوفي ومفارجنيش من يوم اللي حُصل
ثم دققت النظر لداخل عيناهُ النامة وسألتهُ بضعفٍ ألمَ قلبهُ وأحرقه:
_أذيتك في إيه أني يا وِلد عمي لجل ما تأذيني في جلبي وتدهس كرامتي تحت رچليك ؟
وبرغم كّم الوجع الذي أصابهُ جراء حديثها المؤلم إلا أن ما لفتْ إنتباههُ وجعلهُ يعترض هو وصفها له ومُناداته بإبن عمها، فتحدث بإعتراض بنبرة حادة:
_ أني مش وِلد عمك يا صفا، أني حبيبك اللي ساكن روحك وعشجي عيچري چوات دمك
قوست فمها وتحدثت ساخرة:
_حبيبي، حلوة الثجة اللي لساتك عتتكلم بيها دي رغم كُل اللي حُصل
تنفست بضيق وتحدثت وهي تتأهل للرحيل:
_ بيتهئ لي كفاية تضييع وجت لحد إكده يا مِتر، أني إتأخرت علي شُغلي وإنتَ كمان أكيد عنديك حاچات أهم من كلامنا اللي لا عيودي ولا عيچيب دي
أسرع عليها وأمسك ذراعها ليحثها علي عدم التحرُك،نفضت يدها رافضة لمسة يده التي أصبحت كـ نار تحرقُها فتحدث هو بإعتراض:
_ معتمشيش جبل متسمعيني وتعرفي الظروف اللي خلتني أتچوز يا صفا
نفضت يدها وباتت تمسح مكان مسكته وكأنهُ يحمل جراثيم ستلوثها وتحدثت بفحيح:
_ بعد يدك عني، وجولت لك ملوش لزوم حديتك، لأنه لا هيجدم ولا هيأخر، اللي عرفته كان كفاية جوي يا مِتر
أجابها بثقة:
_لزمن تسمعيني يا صفا، صدجيني الكلام اللي عجوله عيرضيكِ ويعرفك إن غضبك ده كِلياته مش في محله
تغاضت عن حديثه وسألتهُ بقوة:
_ لو صُح عاوزني أجعد وأسمعك يُبجا تطلجها اللول، وده شرطي الوحيد لجل ما أسمعك
إبتلع غصة مُرة من عدم إستطاعتهُ لتنفيذ رغبتها المشروعة، أخذ نفسً عميقً وزفرهُ بضيق وأردف قائلاً بنبرة بائسة حزينة:
_ مينفعش يا صفا، معجدرش أطلجها دلوك
إبتسمت بجانب فمها ونظرت إليه وتحدثت:
_وأني كمان معجدرش أسمعك دلوك
هتف مُترجيً:
_ بلاش عِند يا صفا
ردت بقوة:
_أني مبعندش، أني بجولك شرطي وإنتَ حُر في إختيارك
أجابها بيأس :
_ مهعرِفش أطلجها جبل سنه ؟
عقدت ذراعيها فوق صدرها وتحدثت بنبرة صارمة:
_ بسيطة ومحلولة يا مِتر، يُبجا نتجابل ونتحدتوا بعد سنه من دلوك
جحظت عيناه وأشتعلت روحهُ المتشوقة لضمتها وتسائل بذهول:
_كَنك إتچنيتي يا صفا، إنتِ عيزانا نُجعدوا بعيد عن حُضن بعض سنة بحالها ؟!
قوست فمها وأبتسمت ساخرة وتحدثت متعجبة مما جعل الدماء تغلي بعرقهِ:
_ ومين جال لك إن بعد السنة ماتعدي هرچع لحُضنك تاني !
واسترسلت حديثها بقوة وشموخ أنثي أبية:
_أني كلامي واضح، جولت بعد ماتطلجها هجبل أجعد وياك وأسمع مبرراتك اللي عتجول عليها دي، ووجتها هجرر وهشوف هعمل إيه، وأني وكيفي وجتها يا متر
صاح بنبرة غاضبة:
_إعجلِي حديتك يا بِت الناس وشوفي حالك عتجولي إيه ، أني صابر عليكِ لجل غلاوتك اللي في جلبي واللي إنتِ بتستغليها بحديتك دي ، بس لازمن تعرفي إن صبري ليه أخر
إقتربت عليه وتحدثت بنديه وعناد :
_أهو أني بجا عاوزه أشوف أخرك دي
امسك ذراعيها ونظر لداخل عيناها وتحدث بقوة:
_ إوعي تفكري إن صبري عليكِ إنتِ وأبوكِ ضعف مني ولا جلة حيلة، أني ممكن أشيلك دلوك وأخدك غصب ونطلع علي شُجتنا وأجولك كل اللي معيزاش تسمعيه، بس أني عاوزها تاچي منك بالرضا والعجل
نفضت يداها منه بعنف وهتفت بنبرة صارمة حادة:
_أنهي عجل وأنهي رضا اللي چاي تطالبني بيه يا متر ، هو اللي إنتَ عِملته فيا كان فيه ريحة العجل ، تطلع خاطب واحدة من سبع سنين في نفس الوجت اللي كُنت خاطبني فيه وتجول لي عجل؟
وصاحت بكُل صوتها وبنبرة غاضبة مُشتعلة:
_ تتچوزها علي وأني لساتني عروسة مكملتش شهر وتجولي عجل، أجول لك طلجها تجولي مينفعش جبل سنة وتجولي عجل؟
إنتَ خليت فيها عجل ولا منطج لجل ما أفكر وأچيك بيه !
وأكملت بنبرة حادة:
_ إسمع يا وِلد الناس أخر الحديت علشان متوجعش دماغك ودماغي معاك أكتر من إكده ، لو السما إنطبجت علي الأرض مهجعدش معاك ولا عيچمعني بيك مكان واحد من جبل متطلج اللي إتچوزتها علي وكسرتني جِدام الكِل،
وأكملت بنبرة حازمة:
_جبل إكده معيزاش أشوف وشك جدامي، إحنا كان بيناتنا عجد ووعد وإنتَ أخليت بيه ، ورتبت حياتك وأمورك بالشكل اللي يريحك ويناسب ظروفك،
وأكملت بندية:
_ أظن أني كمان من حجي أرتب حياتي كيف ميحلالي وبالشكل اللي يناسبني ويريحني
وأردفت قائلة بنبرة صارمة وهي تُنهي الحديث:
_ ومن إهنيه لحد ما السنة اللي جولت عليها تعدي ياريت مشوفش طلعتك البهيه جدامي تاني،
واكملت بنبرة تهديدية:
_ وإلا قسماً بالله، عتشوف وش تاني لصفا وعتصرف بطريجة معتحبهاش لا أنتَ ولا حَامي الحِمي چدك
قالت كلماتها وأسرعت مُنسحبة إلي الباب وفتحته، أسرع إليها وأمسك ذراعها بقوة وهتف بنبرة حادة:
_ وجفي عِنديك رايحة فين ، لساتني مخلصتش كلامي
نفضت يدهُ بقوة وتحدثت بنبرة صوت حاسمة:
_ بس أني خلصت كلامي وجولت لك اللي عِندي، لما تنفذ لي شرطي أُبجي تعالي، وساعتها هبجا أسمع مبرراتك اللي أني متوكدة إنها معتفرجش وياي، ولا عتغير وجهة نظري في اللي عِملته معاي
جن جنونهُ من حديثها الذي أشعلهُ عندما شعر بإبتعادها عن عالمه، أمسك ذراعها وجذبها إليه مقربً إياها بالإجبار وتحدث:
_ وبعدهالك في دماغك الناشفة ، مش كُنا خلصنا منيه العِند ونشفان الدماغ دي ؟
خرجت ورد علي صوت صياحهما علي عُجالة من داخل المطبخ، هرولت إلي إبنتها سريعً وأمسكت قبضة قاسم محاولة فكاكها عن ذراع إبنتها التي تقف بصمود وشجاعة وهي تنظر إليه بنظرات ثابتة برغم الألم التي تشعر به جراء قبضتة القوية التي لم يشعر هو بقوتها من شدة غليانة
صاحت ورد به بنبرة غاضبة:
_ إتخبلت إياك يا قاسم، بعد يدك عنها لأتصل بعمك ياچي لك
نظر لها بقوة وتحدث بنبرة رجُل فاقد العقل:
_ إعملي اللي علي كيفك يا مّرت عمي، فاكراني خايف منيه إياك؟
ثم نظر إلي صفا وتحدث وهو يصك علي أسنانه من شدة غيظه:
_ تعالي معاي نطلعوا علي شُجتنا عشان نعرف نتفاهم صُح،
وأكمل ليطمأنها:
_ وصدجيني هراضيكِ يا صفا، عفهمك وعخليكي تصفي
هتفت بنبرة قاطعة:
_وأني جولت أخر كلام عِندي، ولو جطعت من چسمي معتحركش معاك خطوة ولا عسمع منيك كلمة واحدة جَبل ما شرطي يتنفذ
سألها بغضب :
_عتتشرطي علي چوزك يا صفا، إعجلي يا بِت الناس وإوعي لحالك
تحدثت ورد بقوة ومازالت تحاول فكاك قبضة ذاك القاسم الذي يقبض عليها وكأنها فريسة تحت يد أسدٍ چائع:
_ سيبها يا قاسم، ناسي إنها حِبلة إياك، ولا عاوز تأذي عيلك كيف ما أذيتها يا حزين ؟
نزلت جملة ورد علي قلبه أشعرته بدونيته وجعلته يستفيق من حالة الغضب التي تملكت منه،
فك وثاق يده وتحدث بنبرة صارمة:
_ أني هصبر عليكِ بس لجل غلاوتك عِندي، بس زي ماجولت لك يا صفا، صبري عليكِ ليه حدود
قال كلماته وخرج كالإعصار المُدمر
أما ورد فتحدثت بنبرة غاضبة :
_ اللي حُصل ده معيتسكتش عليه واصل ، أني لازمن أجول لأبوكِ ويروح لچدك لجل ما يوجفوه عِند حده المخبول دِه
أجابتها صفا بقوة:
_ ملوش داعي تكبري المواضيع يا أم صفا، هو معيجيش إهنيه تاني بعد اللي سمعه مني
رمقتها والدتها بنظرة حارقة وتحدثت بنبرة غاضبة:
_ كنك إتخبلتي يا صفا، عاوزاني أسكت كيف بعد ما چات له الجرأة إنه ياچي لحد إهنيه ويهدد بِتي في جلب بيتها، وكُمان كان عاوز يمد يده عليكِ ويجُرك وياه بالغصب
تنهدت صفا وتحدثت بنبرة بها بعض التعاطف:
_ مكانش عيعمل حاچة يا أمّا، هو دلوك عامل كيف الفرخة المدبوحة وبيفرفر، بس هو معيأذنيش واصل، أني متوكده
قالت كلماتها وانسحبت بإتجاه الجراچ، إستقلت سيارتها وتحركت إلي المشفي، وجدت إستقبالٍ حار من جميع موظفي المشفي وأصدقائها الذين إفتقدوا روحها التي تشعرهم بروح الجماعة وروعة العمل المشترك
تحرك إليها ياسر ورحب بها بحفاوة عالية، وأعتذر لها علي عدم زيارته لها طيلة الفترة المُنصرمة، وفسر ذلك بالحفاظ علي مشاعر فارس وعدم إثارة غضبة وغيرته بخصوص مريم،عذرته صفا بل وأحترمت تصرفهُ الأخلاقي، وشكرته وأثنت علي إحترامة الكبير لشخصه ولغيرة
بعد مدة داخل مكتبها، دلف إليها طفلً في الخامسة من عمره يُدعي مروان، إبتسمت له حين رأت برائة ملامحهُ الطفولية، وكعادتها مع الصغار أخرجت إحدي حبات الشيكولاته ومدت يدهها بها إليه وتحدثت بنبرة حنون:
_ البطل بتاعي كيفه
إبتسم لها الصَغير ومد يدهُ سريعً يلتقط حبة الحلوي وشكرها بلطف، وبدأت هي بمعاينتهُ وفحصهُ وتحدثت والدته بنبرة مهمومة:
_ معرفاش الانيميا مرضياش تسيب جسده ليه يا دَكتورة، عِملت معاه اللي مايتعمل وبردك مافيش فايدة
أجابتها صفا بهدوء :
_معلش، هي الأنيميا علاچها بياخد وجت مع الأطفال، بس إنتِ شكلك مكتيش بتابعي مع الدكاترة المّدة اللي فاتت
أجابتها المرأة :
_ مروان مكانش راضي ياچي لما عرف إنك مش إهنيه يا دكتورة،
وأكملت بإبتسامة:
_ ألف بركة علي الحَبل يا دكتورة وربنا يتمم لك علي خير،
وأكملت بتفسير:
_لما غِيبتي الوجت ده كلياته روحنا وسألنا الغفير سالم اللي علي بوابة السرايا، وهو اللي جال لنا إنك حِبله ومعتطلعيش بأمر من الدكتورة أمل ، كان نفسي ادخل أطمن عليكِ أني والحريم، بس خفنا للحاچ عِثمان يتضايج، عارفينه معيحبش الزيطة
إبتسمت لها صفا وشكرتها بحفاوة ، بالفعل لم يدري أحداً من أهل النجع بما دار داخل السرايا من حربٍ وقذائف متبادلة بين أطراف جميع العائلة ، فهذا هو حال عائلة عِثمان المُصغرة، ما يدور داخل المنزل من المستحيل أن يخرج خارج أسوار السرايا،
والكُل يعلم قانون عِثمان الصارم فيمن يتهاون بإفشاء أسرار عائلتة، فجزائهُ بالتأكيد سيكون أكبر مما يتخيلهُ عقل حتي ولو كانت رسمية بذاتها، وهذا ما يخشاه الجميع ويهابون الدخول داخل تلك النقطة المُحرمة
خرجت المرأة ودلف يزن بوجههِ الصابح وأبتسامته المُشرقة التي تُشفي العليل من جراحه
هتف بنبرة سعيدة مُرحبً بشقيقته:
_ وأني أجول المستشفي منورة بزيادة ليه إنهاردة، أتاري الدكتورة صفا خطت برچلها فيها من چديد، حمدالله علي السلامه يا خيتي
إبتسمت بخفوت وأجابته :
_ الله يسلمك يا أخوي.
أردف قائلاً بإستحسان :
_لما لجيت المستشفي زحمة والناس ملجياش مكان تُجعد فيه، عِرفت وجتها إنك چيتي، الناس عتحبك جوي يا صفا،وخصوصي العيال اللصغيرة، كانوا بياچوا يلاجوا ياسر في وشهم يصرخوا ويرچعوا تاني
ضحكت صفا بشدة وأكمل يزن مفسراً:
_ مش تجليل من ياسر لاسمح الله، بس العيال عتحب الدكتور اللين اللي عيضحك في وشهم ويطمن خوف جلوبهم
وضحك وأكمل حديثهُ وهو يُشير إلي عُلبة الشيكولاتة الموضوعة فوق مكتبها:
_ ده غير الشيكولاتة الفاخرة اللي عتفرجيها عليهم
كانت تستمع إلي حديثهُ وتبتسم بخفوت وقلبٍ يابس يُشبه الأموات، شعر بها فتحدث إليها ناصحً إياها بأخويه:
_ عجولك علي نصيحة بس معايزكيش تفهميني غلط يا صفا،
أومأت له وأجابتهُ بنبرة واثقة قوية:
_ عمري ما أفهمك غلط يا يزن، إتكلم براحتك وإطمن
تنفس براحة وأردف قائلاً بتأكيد:
_ إوعي تتهاوني في السماح يا صفا، مش معني إكده إني بحرضك علي قاسم ولا بطلب منيكِ تسيبيه، بس أني عاوزك جوية وشامخة كيف ما أتعودنا عليكِ، لو سامحتي بسهولة اللي جِدامك معيتعلمش من أغلاطه وعيرچع يدوس عليكِ ويچرحك من تاني،
وأكمل مفسراً:
_ مهو ملجاش منيكِ العجاب الرادع اللي يخليه يفكر بدل المرة ألف جبل ما يرچع يعيدها
لكن لو داج الويل والمُر وأتعاجب في بعدك عنيه، مستحيل يفكر يعيدها ولا حتي يمس كرامتك من بعيد
واسترسل حديثهُ بصدقٍ خالص لوجه الله:
_ربنا يعلم إني عجولك نصيحتي خالصة لوچه الله ولأنك أختي اللي عخاف عليها ويهمني شكلك جدام نفسك جَبل الناس
أومأت له بإبتسامة خافتة وتحدثت بنبرة صارمة:
_ عارفة وفاهمة كلامك زين ، متخافش علي يا يزن، أني بِت زيدان النُعماني وتربيته، وهعرف أخد حجي زين من اللي ظلموني وأستباحوا حُرمتي، وحجي هاخده بالإصول وبالأدب كيف ما رباني زيدان النُعماني
❈-❈-❈
تحرك يزن من غرفة صفا مُتجهً إلي مكتب التي خطفت أنفاسهُ عن جديد وحَرمت علي عيناه النوم، سأل السكرتيرة الجالسة أمام مكتبها والمسؤلة عن تُنظم ودخول المرضي إليها،سألها عن وجود مرضي بالداخل فأجابتهُ بلا، دق بابها ودلف بعدما سمحت إليه هي
نظر إليها وكعادته مؤخراً رفرف قلبهُ وكاد أن يترك صدرهُ ويجري عليها ليحتضنها ويتنعم داخل قلبها الحنون، يكادُ يجزمُ بأنها تمتلك فيضً من الحنان لو تفرق علي بِلدةً سيُفيض،
تمالك من حالة الولهْ والهيام اللتان تُصيبهُ خلال حضرتها وتحدث بنبرة هادئة أخرجها بصعوبة:
_ كيفك يا دَكتورة؟
كانت تنظر إلي طلته البهية التي تُنعش قلبها وتُعطيه دفعة لإكمال يومها بتفاؤل وسعادة وتحدثت:
_ أنا تمام جداً، إنتَ كويس ؟
لم يستطع التحكُم بحاله فأجابها بنبرة حنون وعينان راغبة للمزيد من النظر والتشبُع لسحر مقلتيها:
_ ببجي كويس لما بشوفك يا أمل
إهتز داخلها وشعرت بعشقهِ البرئ يغزو قلبها المغدور، لكنها وكعادتها كظمت وضغطت علي ذلك العشق كي يختنق قبل ان يُولد بداخلها "ولكن " هل حقاً هو لم يُولد بَعد أيتُها الجميلة؟
وإلي متي ستستطيعين خنق عشق ذلك الخلوق داخلك أيتها المسكينة
كانت تخنق عشقهُ داخلها لسببين، أهمهما أنهُ رجُل متزوج وليست هي بالمرأة السيئة التي تسمح لحالها بأن تأخذ رجل غيرها من النساء، حتي ولو كان زواجً صوري مثلما أعلمها يزن، والسبب الآخر هو تجربتها المريرة التي قررت عدم الخوض بإعادتها مرةً آخري مهما كلفها الآمر من تحمل أوجاع
تحدثت بنبرة جادة وملامح صارمة كي تُلهيه عن إكمال حديثهُ المعسول الذي يمس قلبها مباشرةً :
_كويس إنك جيت، انا كُنت لسه هطلبك في التليفون
أمسك ياقة قميصهُ العلوي وتحدث بمفاخرة مُصطنعة ممزوجة بنبرة عاشقة :
_ ما أني عارف إنك مبجتيش تِعرفي تستغني عن شوفتي يوم واحد ، وعشان إكده سيبت كل اللي وراي وچيت لك طوالي
إبتسمت بجانب فمها وتحدثت:
_ هو أنتَ ماتعرفش تتكلم كلمتين جد علي بعض،
وأكملت بنبرة جادة:
_ كُنت محتاچة منك تضيف بند حَضَانة جديدة في موازنة المستشفي، حَضَانة واحدة مش كفاية خالص وخصوصاً إن الميتشفي قدرت في وقت بسيط تسمع وتثبت جدارتها، واصبح بييجي لنا مرضي من كُل أنحاء المركز
رمقها بنظرة تعجُب من قلبها المتيبس وأردف قائلاً بدُعابة:
_ يا أباااااي عليكِ يا أمل، مفيش مرة ادخل عليكِ من غير ما تطلبي مني حاچة، عاملة كيف الحُرمة الرطاطة اللي أول ما تشوف چوزها داخل عليها تفتح في لستة الطلبات
إبتسمت برقة علي تشبيهاته العجيبة وحديثهُ المُضحك
نظر لها وتحدث بنبرة حنون وحديث ذات معني :
_ حاضر يا أمل، إنتِ تؤمري ويزن عليه التنفيذ.
إبتلعت لُعابها وتحول وجهها إلي وردي من شدة خجلها، بات كلاهُما ينظر داخل عيناي الآخر بإنجذاب شديد وجسدٍ يلتهبُ من شدة شرارة العشق الذي أصابَ كليهُما، ذاب قلبها من نظرته وإنسجمت معه لأبعد حد متناسيين الزمان وحتي المكان،
إنتوي الأن في قرار نفسهِ أن يعترف لها بعشقها الذي إستحوذ علي قلبهِ الذي يُشبهُ الأطفال في برائته، أخرجهُما مما هما عليه رنين هاتفها،
تحمحمت وسحبت بصرها بعيداً عنه بخجل وهي تلعن صعفها ، سحبت هاتفها ورفعته إلي وجهها كي تري من المُتصل، إتسعت عيناها بذهول وتجهمت ملامح وجهها وتحولت لغاضبة حين ظهر لها رقم المتصل علي تطبيق التريكولور، ولم يكُن غير ذاك الندل بائع قلبها ومحطم كبريائها
إستغرب حالتها وتغييرها المُفاجئ وسألها بإهتمام حين وجدها تنظر بشاشة الهاتف دون ان تُجيب :
_ فيه حاچة يا أمل؟
فاقت من شرودها ونظرت إليه وتحدثت بملامج جامدة:
_ مافيش حاجة يا باشمهندس
سألها بتوجس وغيرة غزت قلبه :
_ طب مين اللي إتصل عليكِ وجلب ملامح وشك إكده ؟
صدح صوت الهاتف مرةً آخري بإسم وائل بعدما إنتهي، نظرت إليه بنفس الملامح، وبتصرف جديداً وغريبً عليه تحرك إليها وجذب الهاتف من يدها ونظر به، وجد إسم دكتور وائل،
إشتعل جسدهِ من شدة الغيرة وسألها بنبرة حادة وعيون تطلقٌ شزراً :
_ يطلع مين وائل اللي عيتصل عليكِ دي ؟
واكمل بصياحٍ عالّ:
_ ردي علي يا أمل
إنتفضت من جلستها بغضب وتحركت إليه سريعً وأختطفت هاتفها من بين كف يده وصاحت بنبرة غاضبه وملامح وجه حادة:
_ إيه التصرف الهمجي ده يا باشمهندس، إنتَ إزاي تسمح لنفسك تقتحم خصوصياتي وتاخد فوني بالطريقة السوقية دي، ثم بأي صفه واقف قدامي وبتسألني عن تفاصيل حياتي الشخصية ؟
وأكملت بعيون مشتعلة وكأنها تُخرج به كل غضبها وحزنها وإنكسارها الذي أصاب روحها عندما نظرت بشاشة الهاتف ووجدت إسم خائن عهدها :
_ يا ريت يا باشمهندس تراعي حدود الزمالة اللي بينا وماتتخطهاش، لأني مش هسمح لك بعد كده بتكرار السخافة اللي حصلت من حضرتك دي
شعر بعالمه الوردي الذي بات يُبنية ويُشيدُ صَرحهُ العالي ويتخيلهُ بصحبتها، شعر وكأنه إنهار بلحظة فوق رأسهِ وأصبح رُكامً وحطام
إبتلع غصة مريرة داخل حلقه جراء حديثها المُهين لشخصه ورجولته، لعن حالهُ وغبائه الذي صور لهُ بأنها أصبحت الأقرب لروحه وبأنها تُبادلهُ نفس مشاعرهِ الجياشة
رفع قامته لأعلي بعدما إستعاد توازنهُ وتحدث بنبرة قوية شامخة :
_ حجك عليا يا دَكتورة، وسامحيني علي غبائي اللي معيتكررش تاني واصل، وأوعدك إن دي أخر مَرة عدخل عنديكِ المكتب أو عنتكلموا فيها من الأساس
وأكمل بملامح وجه صارمة:
_ من إنهاردة أي حاچة تعوزيها بخصوص شغلك تطلبيها من الدَكتور ياسر
وأكمل وهو يُعطيها ظهرهُ مُنسحبً إلي الباب:
_ وتمسحي رقمي من عنديكِ لأن من إنهاردة معيبجاش فيه تعامل ببناتنا نهائيّ
خرج وصفق خلفهُ الباب، أما هي فكانت مصدومة من رد فعله ومن حديثها المهين إليه، لا تعرف لما فعلت وقالت ما قالته وذبحت به روح ذلك الخلوق
إرتمت فوق مقعدها بإنهيارٍ
خرج يزن من مكتبها كالبركان الثائر، وتحرك إلي باب المشفي، وجد صفا تتحدث بصياح مع رجال كمال أبو الحسن المرشح الحُر أمام والدها بنفس الدائرة الإنتخابية
صفا بنبرة عاليه للرجال الذين يقومون بتعليق اللافتات الإنتخابيه التي تحمل إسم كمال داخل حديقة المشفي وآخرون يقومون بلصق صور الدعاية علي جدران المشفي الخارجية والداخلية بإستفزاز :
_ شيل يا چدع إنتَ وهو الصور اللي عتعلجوها دي، وإطلعوا بره المستشفي بدل ما اطلب لكم الأمن ياجوا ياخدوكم
حدثها أحدهم بفظاظة:
_ عتطلبي لنا الأمن بتهمة إيه إن شاء الله، إحنا بنعملوا دعاية لنائب الدايرة اللي هينچح بإكتساح جِدام أي حد يجف جِدامه
لم يدري بحاله إلا وهو يهجم عليه كالأسد الغاضب ويُسدد له عدة لكمات متتالية شوهت وجه الرجُل، أمسكهُ من تلابيب جلبابه وهتف بنبرة غاضبة:
_ تاخد شوية النسوان اللي ساحبهم وياك دول وتخرچوا من النچع حالاً، وإلا يمين بالله عربطكم في النخل اللي المستشفي إهنيه، ولو في بلدكم راچل يُبجا ياچي يوريني حاله ويفرچني عيفكُكم كيف
جرت عليه صفا وجميع رجال المشفي ليقوموا بتخليص ذلك الأبله الذي وقف بوجه الأسد وهو جريح،
وأكمل يزن بنبرة مشتعلة:
_ وبلغ النايب الخيبان بتاعك وجول له يزن النُعماني عيجول لك، لو راچل تدلي برچلك النجع إهنيه وشوف اللي عيچري لك علي إديه
ثم قام بتنزيل الرجل الذي يصعد السُلم لتعليق اللافتة وسدد لهُ هو الآخر بعض اللكمات، وقام بحمل السُلم ورماه بعيداً بطريقة مُرعبة للجميع، مما جعل الرجال يفرون هاربون بسياراتهم كالجرذان من أمام ذلك الثائر
تحرك كالمجنون وقام بتقطيع جميع اللافتات وإزالة الصور الدعائية المُلصقة
كانت تُشاهد ما يحدث من ذلك الغاضب بقلبٍ حزين مُتألم، تعلم أنها وبتصرفها الغير مقصود هي من وصلته لتلك الحالة
تحدثت صفا إليه بهدوء:
_ إهدي يا يزن، مالك يا أخوي، الموضوع مكانش يستاهل غضبك ده كلياته وضربك للناس
كان يستمع إليها ومازال جسده مشتعل ناراً وهو يقوم بإزالة الصور بطريقة غاضپة دعت إستغراب كُل من حولة
إقتربت أمل عليه وتحدثت بحذر وهي تُمسك يده التي تُزيل الصور والتي كانت تنزف الدماء:
_ إيدك مجروحة، خليني أطهرها لك
جذب يدهُ منها بطريقة عنيفة وهتف بها بحدة وهو يرمقها بنظرات كارهه لحاله قبلها:
_ بَعدي يدك
إرتعبت من صرخته بها وتراجعت للخلف برُعب وألم ، رمقها بإشمئزاز وتحرك سريعً إلي سيارته وأستقلها وخرج بسرعة عاليه
نظرت صفا علي أثرهِ بإستغراب لحالته ثم حولت بصرها إلي أمل الباكية وجسدها ينتفض، تحركت إليها وسحبتها من يدها ودلفتا للداخل
حين هتف ياسر بصياحٍ عالّ في الواقفون يلتفون حول المكان ويشاهدون ما حدث:
_ يلا يا جماعة لو سمحتم كل واحد علي مكانه
إنفض الجَمع، الموظفون للداخل وعامة الناس خرجوا لمتابعة أعمالهم وانتهي الأمر
أما أمل التي بدأت بقص ما دار بينها وببن يزن بعد إلحاح من صفا التي أصّرت علي أمل كي تُخرج ما في صدرها وتُريحهُ
❈-❈-❈
عِند كمال ابوالحسن
وقف يتحدث بإستشاطة:
_ واللا عالّ، مبجاش إلا العيال اللصغيرة كُمان اللي عيطوحوا رچالتي ويبعتولي تهديد علي لسانهم، دي البسَه كلت عيالها يا رچاله
إنتفض شقيقهُ من جلسته وتحدث بنبرة حقودة:
_ كله من المحامي الملعون اللي إسميه قاسم، لولاه ولا كان حد هيدري إن الحِزب إتخلي عنيك وعتترشح فردي، ولا كان كَلب في المركز كلياته جدر يترشح جِصادك
هز كمال رأسهُ لشقيقهُ وتحدث بنبرة ذات مغزي:
_ يظهر إني لازمن أتصرف مع العيلة دي بطريجة تانية، لو فضلنا ماشيين علي إكده لحد الإنتخابات، زيدان عياخد كرسي المجلس مني بإكتساح
وأكمل بحقدٍ دفين:
_ زيدان داير هو وعيلته في النچوع اللي حوالينا يزورو كُبراتها والكُل مرحب بيه، إمبارح إدليت نچع أبو علي وروحت دوار العُمدة لچل ما أوصيه يديني أصوات بلده، جالي مزعلش منيه بس الحاچ عِثمان خِيره كَتير علي أهل النچع والكُل عَيدوا أصواتهم لولده زيدان
❈-❈-❈
داخل مسكن فارس
خرجت مريم من غرفتها وجدت فارس يتوسط الاريكة وينظر إلي شاشة التلفاز بملامح شارده، تحركت إليه وجلست بجانبه وبدون مُقدمات رمت حالها داخل أحضانه قائلة:
_ حجك علي يا حبيبي، متزعلش مني
إستغرب تصرفها وهو الذي بات يُراضيها عدة مّرات وكانت ترفض مُراضاته بشدة، حُزنً وأعتراضً علي صمتهِ المُخزي أمام ظُلم أخيه البين لإبنة عمها
تحدث مُتعجبً وهو يضع يدهُ علي جبهتها :
_ إنتِ عيانه يا مريم ولا إيه
تنهدت براحة وتحدثت بنبرة حنون:
_ يزن أخوي كلمني إمبارح ولامني، جالي إن مليكش ذنب في اللي حُصل، جالي كمان إن مكانش جِدامك حل غير السكوت وإنك تداري علي أخوك عشان خايف عليه من غضب چدك
خرجت من داخل أحضانه ثم وضعت كف يدها علي وجنته وتحدثت بإستعطاف:
_ أني بس ليا عِندك طلب يا فارس
نظر لداخل عيناها ورفع كف يدها ووضع عليه قُبلة إشتياق وتحدث بنبرة حنون:
_ أؤمريني يا حبيبتي
إبتلعت لُعابها وتحول وجهها إلي وردي من شدة خجلها من نظراته الراغبة وتحدثت بدلال:
_ عوزاك متخبيش علي حاچة بعد إكده، عاوزه أحس إننا واحد
واكملت بدلال أنهي علي ما تبقي من صبره:
_ مش أني بردك مّرتك اللي عتحبها يا فارس
أجابها بعيون مشتعلة بالرغبة :
_ إنتِ مّرتي اللي عِشجها بيچري في دمي يا مريم
وقف سريعً وقام بحملِها وتحرك إلي داخل غرفتهما تحت سعادتها التي وصلت عنان السماء
❈-❈-❈
بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع آخري
في وقتٍ مُتأخر من الليل
دلفت إلي حديقة المنزل بعدما فتح لها الغفير البوابة وهي تصرخ بكُل صوتها قائلة:
_يا أخووووووي، مكانش يومك يا حبيبي ، يا حرقة جلبي عليك يا جلب أختك
فزع جميع من بالمنزل وفاقوا علي صريخ عَلية التي أتت لتخبرهم بالخبر الذي نزل علي قلبها فزلزلة، بلمح البصر كان جميع من بالمنزل يحاوطون تلك الصارخة ويتسائلون بهلع عن ما حدث
تحدث عثمان بقلبٍ يرتجف خشية إستماعة لتأكيدها لما يُخبرةُ بهِ حدسة منذ الصباح :
_ إجفلي خاشمك وبطلي عويل وجولي لي إية اللي حُصل يا بِت ؟
أجابتة بصراخ وانهيار :
_زيدان أخوي إنجتل يا أبووووي
إستمع الجميع لإرتطام شئ قوي بالأرض مما أحدث صوتً عالياً، حول الجميع بصرهم بإتجاة خروج الصوت وجدوها فايقة التي وقعت مغشيً عليها من واقع صدمتها من ذلك الخبر المشؤوم
صرخت ورد وصفا بإسم غاليهم وانضمت رسمية إلي فايقة لتجاورها السقوط
يتبع