-->

الفصل الثاني عشر (الجزء الأول) - ظلمات حصونه - الجزء الثاني

 



الفصل الثاني عشر
الجزء الأول 



أسرع "إياد" فى الإمساك بذراعية مُحاولا إيقافه قبل الخروج من المكتب والتوجه لفعل شيء مجنون مثل عادة يمكن أن يجعله يشعر بالكثير من الندم فيما بعد، ليهتف به بلهفة: 

_ أستنى يا جواد 

دفع يد صديقه بعيدا عنه وق أعماه الغضب بشدة، وكل لحظة تمر عليه يزداد شعوره بالغليان والنيران تتأكل جسده، هو ليس بالشخص الذى يتحهاون خصيصا فى الأشياء التى يتعلق بقا قلبه وعقله معا، هو يقسم الأن على أن يذهب إلى ذلك الحقير ويقبض على رقبته إلى أن تغادر روحه العاهرة جسده القذر إلى الأبد، ولا يعيه أمر أي أحد سواء كان صديقه أو حتى هى نفسها: 

_ أستنى أيه يا إياد!! أنا هروح لأبن الكلب ده وأطلع روحه فى أيدى عشان يعرف أنه لعب مع الشخص الغلط 

للمرة الثانية حاول التشبث فى ذراعيه مانعا إياه من الخروج مُلحا على أن ينتظر ويستمع إلى ما يريد قوله: 

_ طب أستنى أسمعنى بس الأول 

ظل ممسكا به وهو يحول نظره إلى ذلك الوقف خلفهم ينتظر أعطائه أمر الإنصراف، وكم كان واضح عليه التوتر والقلق الشديد من أن يصب عليه "جواد" كامل غضبه، لينطق "إياد" بجملة الأمان بالنسبة له مُخلصا إياه من ذلك الخوف: 

_ روح أنت يا فارس 

أومأ له بسرعة ممتثلا لأمره وسريعا ما فر هاربا من ذلك المكتب الذى على وشك أن يتحول إلى حجرة من حجرات الجحيم: 

_ تحت أمر حضرتك 

بمجرد أن خرج "فارس" من المكتب نظر "إياد" نحو صديقه الذى لم يقل من غضبه قيد أنُملة بعد، ليحاول التحدث معه بهدوء لكى لا يثير غضبه أكثر من ذلك مُعقبا بنبرة إلحاح: 

_ أقعد يا جواد بس نتكلم 

النظر فى وجه "جواد" الأن أقل ما يُقال عنه حرفيا هو الإنتحار أو جعل القلب يُصاب بسكتة قلبية، فعينيه شديدة الأحمرار وعروقة بارزة للغاية، تلك النظرة المميته وحدها تكفى بجعل من أمامه يرتجف خوفا مما هو أتى: 

_ نتكلم فى أيه يا إياد!! فى واحد بيحوم حولين مراتى وعايزنى لسه أقعد وأتكلم كمان!! أستنى أيه لما يأخدها منى؟! 

لا يفل الحديد إلا الحديد وذلك الأنفعال الشديد فى أفعال وحديث "جواد" لن يصمد أمامه سوا إنفعال مماثل له، عله يستمع إلى ما يريد أخباره به، لتحتد نبرة "إياد" هو الأخر صائحا فى وجه صديقه راغما إياه على الأستماع له موضحا له حقيقة الأمر: 

_ ومراتك مش هتستجيب ليه يا جواد، ولا هيعرف يأخدها منك، صدقنى أنا متأكد من اللى بقولهولك ده 

من أين له بكل هذه الثقة العمياء!! أم اهو الشخص الأعمى هنا!! ألم يرى كيف تعاملة "ديانة" وكيف تتعامل مع ذلك الحقير "أدهم"!! ألم يرى كيف تتعمد إغضابه والظهور مع شلك العاهر اللعين!! ألم يدرك إنها حقا تريد الإنصال عنه وسيكون هناك مجال لدخول ذلك اللزج فى حياتها مرة أخرى!! أم أنه يعلم شيء هو لم يتوصل إليه بعد: 

_ وأيه اللى مخليك متاكد كده!! أنت تعرف حاجه ومخبى عليا يا إياد؟! 

زفرة قوية خرجت من فم "إياد" شاعرا بقليل من الراحة فى نجاحه فى لفت إنتباه "جواد" وإخماد ذلك البركان الثائر الذى كأد أن ينفجر ويدمر كل شيء، مرة أخرى ضبط انفاسة ليجيبه بكل ما توصل له من تلك المكالمة: 

_ أنا مكنتش هقولك حاجه، بس الجنان اللى أنا شايفه قدامى ده يجبرنى إنى أقولك كل حاجه 

لم يعد يملك من الصبر ولو ذرة واحدة، هو حقا أقل تشبيه له هو البركان، أقل شيء سيجعله ينفجر ولن يكترث لأى شيء حينها، ليصيح به متاففا من تلك المقدمات: 

_ أنطق يا إياد متختبرش صبرى أكتر من كده 

أتخذ "إياد" شهيقا طويل مُهيئا نفسه للبدأ فى قص تلك المكالمة التى دارت بينه وبين "ملك" ليلة أمس إلى "جواد" مُتمنيا أن تأتى بنفع معه.. 


❈-❈-❈


_ هو أدهم بيشتغل معاكوا أيه بالظبط يا إياد؟! 

صاحت "ملك" بهذا السؤال موجهة حديثها نحو "إياد" عبر مكالمتهم الهاتفية، مُستفسرة عن سبب إتصاله ب "ديانة" عندما كانا معا منذ قليل، ليأتيها الرد من "إياد" مُجيبا على إستفسراها بالبرغم من شعوره بالغرابة من هذا السؤال: 

_ والده يبقى صديق لعمى هاشم وداخل معانا فى صفقة كده 

لم تكن تلك الأجابة التى تنتظرها ولن يرضى فضولها بعد، كيف يحدث هذا ويوافق ذلك الجواد على هذا الشيء، بالطبع هناك شيء ما يجب أن تعرفه، لتزيد من أستفسارتها محاولة إدراك ما يحدث بالضبط: 

_ وجواد موافق عادى كده!! بالرغم من وجود ديانة فى الشركه؟! 

إبتسامة ساخرة أرتسمت على شفتى "إياد" من سماعه لسؤال "ملك" وتذكره لما فعله "جواد" ب ذلك "أدهم" أول يوم جاء فيه إلى الشركه، ولكنه أزدادت غرابته من إستفسارتها، ليقرر الأجابة عليها أولا والأستفسار منها بعدها: 

_ لا طبعا مش عادى، دا لو على جواد هيولع فى أدهم، إنما أنتى أيه عرفك إن أدهم فيه شغل بينه وبينا!! 

تنهدت "ملك" بهدوء وأجابت على سؤاله موضحة له سبب إستفسارها: 

_ مفيش، النهاردة وديانة بتوصلنى بعد ما أشترينا شوية حاجات جالها إتصال من أدهم وأنا أستغربت جدا أنه بيتصل بيها، وسالتها بعد ما خلصت معاه وقالتلى أنه بيشتغل معاكوا، بس هى دى كل الحكاية 

عقد ما بين حاجبيه بمزيج من الفضول والإنزعاج، هو يعلم أن ذلك الشخص لا يضيع فرصة واحدة فى التقرب من "ديانة" وهذا يُشكل خطرا كبيرا على علاقتها بصديقه الذى يعلم جيدا إذا تركته "ديانة" سيتحطم نهائيا، ليستفسر عن الأمر بضيق وغضب: 

_ وكان عايز منها أيه ده!! 

لأحظت "ملك" إنزعاج "إياد" لتدرك أنه يشعر بالغضب من أجل صديقه، لتتعمد إلقاء تلك الكلمات التى من المؤكد إنها سوف تجعلهم يبدأ معها فى حديث طويل بعد أن تثير فضوله: 

_ مش عارفه!! بس اللى فهمته أنه كان عايز يقابلها وديانة أتحججت بإنها مشغوله بتحضيرات كتب الكتاب!! 

وبالفعل نجحت فى لفت إنتباه، فهو لن يترك كلمة واحدة تمر دون أن يتوصل إلى المغزى منها، ليعقب بإستفسار عن حقيقة ما قالته: 

_ طب وأيه اللى خلاكى تفكرى إنها بتتحجج!! 

_ عشان هى أختى وأنا عارفاها، لو عايزه تعمل حاجه مفيش قوة فى الدنيا هتمنعها أو تشغلها عنها، ده طبعا غير ملامح وشها وهى بتعتذر منه عن المقابله دى، كانت بتقول إنها مش حابه تقابله أصلا أو بتتهرب منه 

هى لم ترضى فضوله بل قد جعلته يزداد أكثر،ولن يرضى هذا الفضول سوا إجابة صريحة وواضحة لحزم هذا الأمر نهائيا: 

_ ملك، هو أنا ينفع أسألك سؤال وتجوبينى بصراحه!! 

ليس من الصعب عليها تخمين هذا السؤال الذى يريد أن يطرحه عليها، ولكنه ستدعى عدم الأدراك وتتركه يلقى عليها كل ما بداخل عقله: 

_ أكيد صبعا، أسأل 

لن يُراوغ معها وسيلقى عليها سؤاله دون تلاعب بالألفاظ، بالتأكيد هى ستتفهم قلقه على علاقة صديقه بزوجته وأنه يتمنى لهم أن يستمر هذا الزواج، ويجب أن يعلم منها إن كان سيُهنئ صديقه عما قريب!! أم سيواسيه وهو يسقط أمامه مُحطم شيء فشيء؟!: 

_ هى ديانة كانت بتحب اللى أسمه أدهم ده!! أو لسه جواها أى مشاعر نحيته؟! 

إبتيسامة إنتصار أعتلقت شفتى "ملك" بعد أن ربحت فى ذلك الرهان التى وضعته بينها وبين نفسها أن هذا سيكون سؤال "إياد"، لتقرر أن تنهى هذا الأمر وتريحه من تلك الحيرة مُبشرة إياه بالإقتراب من نهايو سعيدة: 

_ أنا هحكيلك على حوار دار بينى وبين ديانة فى أول يوم عرفت فيه موضوع أدهم ده، بس ده سر بينا يا إياد أوعى حد يعرف وخصوصا ديانة 

ألتوى فمه بسخرية من تنبيهها له وكأنه طفلا صغير تخشى أن يقع بلسانه أمام أحد مُضيفا بسخرية: 

_ على أساس إنى عيل صغير مثلا وهروح أقولها أسكتى يا ديانة مش ملك حكتلى على كذا وكذا 

نعم هو محق، فتنبيهها غبى جدا، بالتأكيد لن يخبر "ديانة" بشيء، لتحاول أن لا تظهر إحراجها مُعقبة بسخرية: 

_ ماشى يا خفه، اليوم اللى ديانة كلمت فيه بابا وماما عن أدهم وأنه عايز يجى يقابلهم وأنا سمعتهم، قاعدت معاها وأتكلمنا كتير أوى وفى وسط الكلام سألتها سؤال واحد بس، بتحبيه!! عارف ردها عليا كان أيه!! 

قرر أخر كلمة قالتها مُستفسرا عن ردها بكثير من الفضول واللهفة: 

_ أيه!! 

" بصى أنا مش عارفة أسمى اللى بينا ده حب ولا لا!! بس أنا مرتاحه معاه، تفكيرنا قريب من بعض كذلك سننا، مستقبله كويس، عنده كرير وبيحلم بأنه يبنى نفسه بنفسه، أهله ناس محترمين، هو شخصية طيبه وحنين ومحترم، والأهم من ده كله حاسه أنه فعلا بيحبنى " 

أكملت "ملك" حديثه بعد أن أخبرته عن رد "ديانة" فى هذا الوقت بمنتهى الدقة مُضيفة بكثير من التوضيح: 

_ وردها ده معناه حاجه واحده بس، إنها كانت بتفكر فى علاقتها ب أدهم بعقلها بس مش بقلبها، هى كانت شايفه أنه مناسب فى كل حاجه وبيحبها وده كان كفايه أوى بنسبه لشخصيتها العقلانيه، إنما حب من طرفها هى!! معتقدش 

قالت جملتها الأخيرة وهى تهز راسها بالنفى مؤكدة على حديثها، ليشعر "إياد" بكثير من السعادة من أجل صديقه الذى سيطير فرحا عند سماع هذا الحديث، ولكنه أراد أن يطمئن قلبه إلى أخر لحظة، ليلقى عليها أهم سؤال بالنسبة له وللجميع: 

_ طب وجواد!! تفتكرى إنها ممكن يكون جواها مشاعر نحيته؟! 

هذه المرة هى من تريد أن تستفسر عن هذا الأمر، فهى حقا لا تملك إجابة مؤكدة على هذا السؤال، بل كل ما يدور فى رأسها هى تخمينات أفترضتها من حكم معرفتها بشخصية "ديانة"، لتجيبه برد غير مُحدد إذا كان نعم أو لا: 

_ اللى أنا عرفته يا إياد إن علاقتها ب جواد مكنتش كويسه على الإطلاق وأظن أنت أكتر واحد عارف ده، بس اللى محيرنى أيه اللى مخليها منفصلتش عنه لحد دلوقتى على الرغم من إنها كانت واخده القرار ده!! 

أجابها "إياد" بثقة موضحا ما تستفسر عنه ظننا منه أن هذا هو سبب تأخر "ديانة" عن تنفيذ قرار الأنفصال مُعقبا: 

_ عمى هاشم هو اللى مخليها ماجله الموضوع ده دلوقتى و.. 

قاطعته "ملك" غير موافقة إياه على هذا الحديث، نعم فهى عاشت بجانب "ديانة" تسعة عشرة عاما وتدرك جيدا كيف تُفكر "ديانة" وكم هى عنيدة أيضا!!: 

_ تؤ تؤ تؤ أنت متعرفش ديانة، لو عايزه تعمل حاجه ومصممه عليها هتنفذها مهما كانت ومش هتعمل خاطر لحد أبدا، فى حاجه تانيه هى اللى مخليها مأجله الموضوع ده والحاجه دى خاصه بيها هى وجواد وأنا متأكده إن موضوع الطلاق مش هيتم أبدا 

ضيق "إياد" ما ببن حاجبيه بإستفسار ومن داخله يشعر بالسعادة من حديث "ملك" وإمداده بالأمل من أن تنجح علاقة صديقه مُضيفا بتمنى: 

_ معقول تكون بتفكر تدى علاقتهم فرصه تانية أو بتحاول تحافظ على جوازهم علشان خاطر نور ميقررش المأساة بتاعتهم!! 

أضافت "ملك" إلى حديثه ما أحترق شوقا لسماعه منها منذ بداية الحديث فى هذا الأمر مُعقبة بنبرة شبه واثقة: 

_ ويمكن تكون من جواها بتحب جواد بس بتكابر!! مين عالم؟! 



❈-❈-❈

لن يصدق أحدا أن هذا الشخص الذى كان على وشك إخراج قذائف من اللهب من عينيه وأذنيه، هو نفسه ذلك الشخص صاحب الإبتسامة البلهاء المُتسعة من الأذن للأذن تلك، بالإضافة إلى تلك اللمعة التى أضائت ظُلمة زرقاوتيه: 

_ أبقى فكرنى أجيب لعروستنا القمر هدية زى العسل زيها كده تليق بيها وبمعزتها فى قلبى وفوقيها بوسه 

قال "جواد" كلماته تلك بسعادة كبيرة دون الإنتباه إلى ما تفوه به من تأثيرات على الذى أشتعل من الغضب والغيرة أمامه، ليصيح به "إياد" بإنزعاج جديد زاجرا إياه على ما تفوه به: 

_ ما تحترم نفسك يا جدع أنت فيه أيه!! 

ضحك "جواد" بصخبا كبير على إنزعاج صديقه والغيرة الواضحة على وجهه، نعم هو يستحق ذلك ليجرب إذا كيف بكون شعور الغيرة على من نحب كى لا يسخر منه ومن غيرته على "ديانة" مرة أخرى: 

_ لامؤخذه يا صحبى معلش، بس كلامها أدانى أمل كبير وفرحنى أوى 

زم "إياد" شفتيه ولايزال يشعر بالقليل من الأنزعاج مُضيفا بإقتضاب: 

_ أفرح يا عم بس مش على حسابى أنا!! 

أبتسم له "جواد" بمكر مُحاولا التقليل من إنزعاجه مُضيفا بمرح: 

_ خلاص خلى الهدية عليا، والبوسة عليك أنت، مرضى كده يا عم!! 

أبتسم "إياد" بإعجاب شديد على ما قاله صديقه موافقا على ما قله مُضيفا بنرة راضية: 

_ لو كده معلش 

ضحك "جواد" على إنحراف صديقه، ولكن عاد الغضب إليه مرة أخرى عندما ضرب أسم "أدهم" فى رأسه مرة أخرى وأنه لن يتوقف عن محاولته فى التقرب من "ديانة"، لتقسوا ملامحه مرة أخرى مُعقبا بحدة: 

_ بس الكلب اللى أسمه أدهم ده لازم يتعلم الأدب ويبعد عن طريقها نهائى 

أومأ له "إياد" موافقا إياه على ما قاله، ولكنه يريد أن يتولى هو هذا الأمر، لكى لا يتصرف "جواد" أى تصرف خاطئ ينتج عن غضبه الشديد، ليجيبه بحزم: 

_ سيبلى أنا الموضوع ده، أنا هقرصلك عليه، ولو مبعدش عنها أبقى أعمل أنت اللى يريحك 

لم يروق ل "جواد" أقتراح صديقه، هو لن يخاطر فى هذا الأمر وينتظر إذا كان ما سيفعله "إياد" سيجدى نفعا أم لا، هو يريد أن يتخلص من ذلك "الأدهم" نهائيا: 

_ إياد أ.. 

قاطعه "إياد" مُدركا ما كان سيقوله "جواد"، ليُصر على ما قاله مٌحاولا إقناعه بالأمر هاتقا بإلحاح: 

_ أسمع الكلام يا جواد، خد مراتك وسافروا وأنا فى خلال الفترة دى هكون قرصتلك عليه ورمتله كرت إرهاب 

زم "جواد" شغتيه بقليل من الأقتضاب مُصاحبا إياه زفرة إستسلام بعد أن أقتنع بما قاله "إياد" مُضيفا بحدة: 

_ ماشى يا إياد هسبهولك أنت المره دى، بس لو مرجعش وخاف على نفسه، هيبقى بتاعى أنا بقى وساعتها هعمل فيه اللى على مزاجى 

حاول "إياد" التقليل من حدة "جواد" وإدخال بعض المرح إلى الحديث مرة أخرى مُضيفا بمشاكسة خلفها الكثير من الأفكار الوقحة: 

_ لا أبوس أيدك بلاش مزاجك ده الواد لسه صغير، وأنت مزاجك قذر 

ضحك كلاهما بصخف بعد الوصول إلى المغزى الحقيقى وراء ما تفوه به "إياد"، لينهضا بعدها لمباشرة أعمالهم والإنتهاء منها والأستعداد لكل ما هما مُقبلين عليه...



❈-❈-❈

خرج من غرفته وأغلق الباب خلفه جيدا، هو يُحاول بقدر المستطاع أن يُبعدها عن تلك الذكرى السيئة التى تركها لها فى هذا المكان، يكفى أن غبائه قد أعماه وجعله يأتى بها إلى نفس المكان الذى سبق وأن حطمها وترك لها جرح لا يُذكر به، تقدم بخطواط هادئة مُبتعدا عن غرفته عازما على الخروج من المنزل، لتقع عينه عليها وهى تجلس فى شرفة المنزل.. 

كانت جالسة بشرفة المنزل مُمسكة بيدها اليمنى فنجان القهوة الخاص بها، بينما باليسرى كانت مُمسكة بأحد الكُتب الأدبيه مُستحضرة به كامل تركيزها، كم يود أن يُهرول إليها الأن ويُعانقها ويُقبل رأسها مُلقيا عليها تحية الصباح، ولكنه بالطبع يعمل ماذا سيكون ردها على فعلته تلك وأنه سيحصل على توبيخا قاسيا فى بداية اليوم، وهو حقا فى غنى عن هذا الشيء 

تقدم نحوها بهدوء شديد كى لا تفزع منه فيبدو إنها لم تنتبه إليه بعد، ليفصل تركيزها هاتفا بهدوء: 

_ أنا نازل السوبر ماركت أجيب شوية حاجات للبيت، أجيبلك أى حاجه معايا!! 

يبدو أنه كان مُخطئا فهى تشعر به منذ أن أستمعت إليه وهو يُغلق باب غرفته ولكنها لم تُظهر هذا الشيء وأصطنعت عدم الإنتباه، بالإضافة إلى هذا التجاهل الذى قابلته به، حتى إنها لم تلتفت له وكأنها لم تستمع إليه 

ليغمض هو عينيه مُبتلعا تلك الأهانة التجاهل الذى توجهما له مُضيفا بإقتضاب شديد وهو يتجه صوب باب المنزل هاربا من ذلك الحجيم التى تقسم أن تقتله فيه: 

_ على العموم لو غيرتى رائيك وأحتاجتى حاجه أبقى أبعتيلى على الواتس 

خرج من المنزل بأكملها وتركها هى لأول مرة بمفردها فى هذا المكان الذى سبق وأن دمرها فيه، ذلك المكان الذى لم يخطر ببالها أن تأتى إليه مرة مرة أخرى، ها هى الأن تجلس فيه وتُرغم نفسها على عدم تذكر ما حدث لها هنا 

أغلقت ذلك الكتاب ووضعته على تلك الطاولة أمامها، وشردت بذهنها قليلا لتسقط فى مخيلتها سيل من الذكريات التى عاشته معه منذ أول مرة راته به، نعم لاتزال تتذكر شعورها فى أول مرة رأته وهو يدلف القصر ويصيح بالجميع ويبحث عن "ديانة"، لا تُنكر إنها قد أعجبت بشجاعته وخوفه الشديد على "ديانة" بالرغم من إنها ليست شقيقته، إلا أنه لم يهاب شيء وأتى لكى يبحث عنها ويطمئن عليها 

ذلك التحدى الذى رأته فى خاصتيه وهو يُطالع أخيها عندما ذهبوا إلى قصره ورائ "ديانة" هناك، إمتثاله لطلبها والخروج من القصر فى هذا اليوم بعد أن أخبرته بإنها بخير وتريد منه الذهاب وقتها 

نعم نعم تتذكر ذلك اليوم عندما أتصل بها وطلب مُساعدتها فى الحصول على منزل لعائلته، حينها لم تستطيع الرفض بل كانت مرحبة للغاية بهذا الأمر، تتذكر كم كانت مُنجذبة له وهى لم تنجذب لرجلا بحياتها، ولكنه كان مُختلف للغاية عن جميع الرجال التى رأتهم بحياتها 

على الرغم من تقرب "إياد" الشديد لهم، إلا إنها لم تشعر بأى شيء تجاهه، على الرغم من إنهاوكانت تلاحظ كثيرا مُحاولاته فى التقرب منها وإظهار إهتمامه الشديد بها، ولكنها لم تكن تراه سوا أخا ثانى لها مثل "جواد" بالضبط وكانت تحبه حب أخوى كبير بحكم تداخلهم معا منذ وفاة عائلته، وهذا يُفسر صدمتها عندما وجدت نفسها فى فراشه، هى لوهلة قد شكت به ولكن عندما ذهبت إلى الطبيبة أطمئن قلبها بأن "إياد" لم يخُن ثقتهم بل حبيبها هو من خان ثقتها فيه 

عادت بذكرياتها إلى تلك اللحظات التى تشاركها معا، لحظات الضحك والمرح، نظرات الحب البريئة والعاشقه قبل إعتراف كلا منهما إلى الاخر، تتذكر إهتمامه بها وخوفه الشديد عليها، تتذكر ذلك اليوم الذى أستطاع فيه إخراج كل ما تكمنه داخله له من حب وعشق، ذلك اليوم التى أعلنت فيه عن إنهيارها عند تذكرها لرحيل والدتها وكان هو من يواسيها وقدم لها العون والأحتواء 

لا تستطيع أن تنسى ما شعرت به تجاهه فى هذا اليوم، شعرت بأن هناك من يهتم لأمرها وحزنها غير والدها وشقيقها، رأت الحزن والدموع المتحجرة فى عينيه عندما كانت تبكى وتنتحب أمامه أشتياقا إلى والدتها، مازالت تشعر بدفئ عناقه إلى هذه اللحظة وكانها لاتزال داخل صدره، ما أجمل كلمة أُحبك عندما خرجت من شفتيه حينها، لم يأخذ منها الأمر الكثير من الوقت لتفصح هى الأخرى عن عشقها له بسبب كل ذلك الصدق الذى شعرت به حينها، لماذا لم يُصدقها هو فى ذلك اليوم المشؤم 

ضرب برأسها كل ما حدث بينهم فى هذا اليوم عندما تجولت بعينيها داخل المنزل، لتقع عينيها على ذلك المكان التى كانت تقف فيه وتحاول أن تُفسر له حقيقة الأمر ولكن لا حياة لمن تُنادى، نهضت من على ذلك الكرسى التى كانت تجلس عليه ودلفت إلى الداخل وصوته هو الشيء الوحيد الذى تستمع إليه داخل أذنيها وعقلها، وكأنها تعيش ذلك الموقف مرة أخرى، نبرته وهو يقدم لها أصابع الأتهام وكانها عاهرة خائنة هو كل ما يضرب بمسامعها الأن 

"_ تفهمينى!! لا أستنى بقى أنا اللى هفهمك، أنا دخلت عليكى لقيتك نايمة فى سرير راجل وأنتوا الأتنين عريانين وكان لسه قايم من جمبك 

_ كنتى مبسوطه مش كده!! كنتى متمتعه وأنتى نايمة معاه، عرف يبسطك صح؟! 

_ فاكرانى عيل صغير جايه تضحكى عليه بحته ورقة!! 

_ فكره نفسك هتعرفى تلعبى معايا صح!! وأنا بقى هوريكى اللعب بيبقى عامل أزاى " 

حاوطت يديها كلا من أذنيها مُحاولة إخماد ذلك الصوت الذى يصدح داخل راسها، لا تريد أن تتذكر تلك الكلمات التى تنهش قلبها كلمها فكرت فيها، ولكن الإنسان دائما ما يُميل إلى الشيء الذى يؤذيه لا تعلم إذا كانت طبيعة البشر!! أم غباء منهم!! 

رغما عنها وجدت نفسها تسير دون إرادتها نحو تلك الغرفة وهى تتذكره وهو يجرها خلفه جاذبا إياها من شعرها نحو الداخل، وبمجرد أن دلفت أعتصر الألم قلبها وكانها تشاهد كل ما حدث فى ذلك اليوم أمامها على هيئة فيلما ما يُعرض أمامها، لتعود كلماته تضرب برأسها مرة أخرى 

"ليه أبص فى حتة ورقه أنا معرفش أساسا هى سليمة ولا لا عشان أتأكد منها إنك منمتيش مع إياد!! منا ممكن أتاكد بنفسى يا ست زينة" 

ظلت زقاوتيها تتجول فى جميع أنحاء الغرفة إلى أن وقعت على تلك الأريكة التى سحبها نحوها وألقى بها فوقها وقام بذبحها وهتك عرضها دون شفقة أو رحمة.. 

❈-❈-❈

أسرعت يدى "مالك" فى القبض على ذراعى "زينة" ساحبا إياها خلفه إلى تلك الأريكة، ليلقى بها سريعا على بطنها فوق إحدى جانبى الأريكة، ليصبح وجه "زينة" مُقابلا لمقعد تلك الأريكة وبطنها مُقابلة لذلك الجانب وقدميها متدليتان إلى الأسفل تكاد تلمس الأرض مما أدى إلى جعل مؤخرتها فى مقابلة "مالك" مباشرة ويده على ظهرها راغما إياها على الأنحناء، لتصيح "زينة" بعد ما أدركت ما ينوى عليه "مالك" مُحاولة إيقافه مُعقبة بصراخ: 

_ لا يا مالك متعملش كده، أرجوك يا مالك بلاش، فوق يا مااالك 

أمتدت يد "زينة" إلى خلف ظهرها مُحاولة إبعاد "مالك" الذى بالفعل فرق ما بين ساقيها وأصبح يقف بينهما، ليلتقط يدها التى حاولت إبعاده بواسطتها وألتقط الأخرى مُقيدا إياهما خلف ظهرها بيد واحدة من يديه، لتمتد اليد الأخر لترفع عنها فستانها وتجردها من سروالها الداخلى، لتصرخ "زينة" بهسترية وهى على وشك أن تفقد أعز ما تملكه أية فتاة بالعالم صائحة بذعر: 

_ لا يا مالك لا، أبوس أيدك يا مالك، ابوس رجلك متعملش كده 

ترقرت الدموع فى عينى "مالك" وهو يشعر بكثير من الألم والحزن، بينما أمتدت يده مُحررة رجولته ظننا منه أنه بمجرد أن يفعل هذا سيتخلص من ذلك الألم الذى عانى منه لسنوات طوال وبالكاد تعافى منه، لتأتى "زينة" الأن وتجدد ذلك الألم بداخلة، لم يكن يستمع إلا لتلك الصرخات التى تطالب بالمزيد من تلك العلاقة المحرمة المُصنفة تحت بند الخيانة ولا يستمع لصراخ تلك المسكينة بين يديه رادفة بهسترية: 

_ مالك..لا يا مالك، تعالى معايا عند الدكتور طيب، أسأله بنفسك بس بلاش كده يا مالك، مالك لا اااه 

••• 

_ ااااه 

صرخت بها وهى تسقط أرضا وتضع يدها على أذنيها مُغمضة العينين بشدة بعد أن فاضت بكثير من الدموع إلى أن كادت أن تُظرف دمًا بدلًا من الدمع، وكانها تحاول أن تهرب من تلك الذكرى التى جعلت جسدها بالكامل ينتفض من شدة البكاء والحسرة، بل وشعرت بنفس الالم التى شعرت به فى تلك الليلة 

ها قد خارت قواها وسقطت أرضا مُعلنة عن إنكسارها وإنهيارها، ضامّة قدميها إلى صدرها محتضنة إياها، دافنة وجهها بينهما وظلت تصرخ وتصرخ دون الحركه كمن تحاوطه النيران من جميع الجِهات ويخشى الحركة كى لا تلتهمه، جسدها ينتفض دون توقف وضربات قلبها سريعة للغاية، تشعر وكأنه سيتوقف عن النبض فى أية لحظة ولكنها لا تستطيع فعل شيء، تيبث جسدها على تلك الوضعية وكأنها أصيبت بلعنة ما جمدتها ولا تستطيع الحركة، لا تستطيع فعل شيء سوا الصراخ بأقوى ما لديها 

صوت صراخها يدوى فى جميع أنحاء المنزل بل وخارج المنزل أيضا، أستطاع هو سماعه منذ أن كان أمام باب شقته، لتسقط الأغراض من يديه أمام الباب وأسرع فى إخراج المفتاح الخاص به من جيب بنطاله وفتح بسرعه البرق وقلبة يصرخ رعبا وفزع من حدة وقوة صرخاتها 

دلف "مالك" المنزل وعلى وجهه ملامح الهلع وأول ما وقع عينه عليه هو ذلك المكان التى كانت تجلس فيه قبل أن يخرج، ولكنه لم يجدها ليلتف حول نفسه وهو فى مكانه محاولا التركيز على مكان مصدر الصوت، لتقع عينه على باب غرفته ولاحظ أنه مفتوح، على الرغم من أنه أغلقه قبل أن يخرج من المنزل، ليدرك أنه حقا وقع فى مأذق كبير إذا كان ما يدور فى عقله قد حدث بالفعل... 

أسرع "مالك" بالركض إلى داخل غرفته لتقع عينيه على أكثر منظر تمنى أن لا يراه فى حياته، كان سيكون الموت أهون على أن يراعا فى تلك الحالة، ولكنه قد حدث على كل حال، وهذه هى عواقب أخطائه فليتحملها إذا 

أنحنى "مالك" بسرعه إلى تلك الجالسة أرضا تستند بظهرها إلى تلك الطاولة الخشبية، تضم ساقيها إلى صدرها بقوة وتدفن رأسها بينهما وتصرخ بأقوى ما لديها، ليحتضنها "مالك" بسرعة وقد أنسابت الدموع من عينيه وقلبة يصرخ ألما وحسرة على ما أوصلها إليه مُعتذرا عما فعله بكثير من الندم والحُرقة: 

_ أنا أسف، أسف إنى جبتك هنا، أسف على اللى عملته فيكى هنا، أسف إنى ظهرت فى حياتك أساسا، أنا أسف يا أنضف إنسانة شوفتها فى حياتى، أتمنى لو ربنا كان أخدنى قبل ما أشوفك أصلا 

كان يضمها إليه أكثر مع كل كلمة تخرج من فمه مُصاحبة لها سيل من الدموع التى لا تتوقف ألما وندما عما بدر منه فى حقها، بينما هى كانت لاتزال تبكى وتنتحب داخل صدره وهى على نفس تلك الوضعية ولايزال جسدها يرتجف بين يديه، مازالت تصرخ بألم وحسرة وهى تري كل ما حدث أمامها على الرغم من إنها مغمضة العينين 

بينما هو كان لا يقل عنها ألما وبكاء، يشعر وكان قلبه هو من يرتجف وليس جسدها، يتمنى لو يستطيع أن يُنهى حياته فى تلك اللحظة إذا كان هذا ما سيهدئها، مازالت دموعه تنهمر دون توقف وهو يضيف بكثير من الندم والصدق: 

_ أهدى يا حبيبتى، أهدى وبطلى عياط أبوس رجلك، أنا عارف إنى مستاهلكيش ولا أستاهل ضوفرك، وعارف كمان إنى أقذر إنسان على وجه الأرض ومستاهلش السماح، بس أنتى أحسن إنسانه فى الدنيا ومفيش أكبر من قلبك، سامحينى يا زينة بالله عليكى، أو موتينى لو ده هيريحك!! أنا موافق بأى حاجه بس أرجوكى بلاش أشوفك كده عشان خطرى 

توقف كل شيء فى لحظة واحدة بكائها، نحيبها، أنتفاضها داخل صدره، حتى دموعها توقفت عن الهبوط، ليشعر هو بالهلع من ذلك التوقف المفاجئ ويخرجها من داخل صدره ليجدها قد فقدت الوعى ولا يربط بينها وبين الحياة سوا ذلك النفس الذى تتنفسه بصعوبه، ليحملها بسرعة ويخرج من تلك الغرفة الملعونه ويتوجه بها إلى غرفتها ويضعها على الفراش برفق، أسرع نحو أغراضها الموجودة أمام تلك المرأة وأنتشل منهم زجاجة العطر الخاصة بها، ليضع القليل منها على يده ويقربها نحو أنفها كى تستنشقها 

أتخذ الأمر بضغ ثوانً حتى أستعادت وعيها مرة أخرى وتلاقت عينيها بخاصتيه ثم أغمضتهم مرة أخرى بعد أن تذكرت ما حدث داخل غرفته، لتقابله بنبرة حاولت جاهدة بها عدم إظهار ضعفها أمامه مرة أخرى مُتمتمة: 

_ أطلع برا 

حاول أن يتحدث معها لعلها تستجيب له تلك المرة، ولكنها كانت أسرع منه، فهى الأن لا تستطيع أن تستمع إلى أى كلمة منه أو حتى النظر إليه، لتصر على طلبها لأجئة إلى الأستعطاف هذه المرة مضيفة: 

_ لو سمحت 

تنهد "مالك" بقلة حيلة وأومأ لها برأسه مُتقبلا لطالبها وسريعا ما نهض من على الفراش وتوجه نحو الباب وخرج وأغلقه خلفه، لتنفجر هى فى البكاء وأحضتنت تلك الوسادة كاتمة بكائها ونحيبها بها لكى لا يستمع هو إلى ذلك الأنهيار التام 

بينما هو توجه إلى باب الشقه الذى كان لايزال مفتوحا وتلك الأغراض ساقطه أمامه، لينحنى ويلتقطهم من على الأرض وأغلق الباب وتوجه نحو المطبخ لكى يصنع لها بعض الطعام لكى تأخذ أدويتها، فعل كل هذا بصمت وملامح فارغة وكأنه تحول إلى مجرد ألة خالية من أية مشاعر، ألة صنعت خصيصا لخدمتها والأعتناء بها... 



يُتبع..