رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل العاشر النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
الفصل العاشر
النسخة العامية
منذ دقائق قليلة مضت..
أي لعنة تلك التي يتحدث عنها؟ كيف كان معها؟
أكان يتلصص عليها بشكل من الأشكال؟ أم من جديد يجبرها على تحمل الحياة كما يحلو
له؟! لم تجد بكلمات أخيه سوى الاجبار! الاجبار الذي لا تجد سواه منذ أن رأت وجه
هذا الكائن المسمى بـ "عمر الجندي" وعرفت من هو!
رأى ملامح الغضب الممتلئة بالصدمة على وجهها
ولكنه غير مستعد لفقدان ما توصل إليه بصحبة أخيه فحدثها قائلًا:
-
عمر من يوم ما فاق وبعتلك وكان عنده اكتئاب
بشع.. ويوم ما سافرلك مينيسوتا، حالته بقت أسوأ، وابتدى في موضوع الأدوية ده وهو
في أمريكا.. مكملش أسبوعين بالظبط وحاول ينتحر تاني، overdose وعملناله غسيل معدة ولولا إني كنت جانبه كان
هيموت لأنه كان رافض الأكل خالص!
تفقدته بملامح جامدة بينما لم يتوان عن
اخبارها بالمزيد:
-
عمر هو اللي اقنع بابا يوافق على يونس، وبقا
بيحاول يروح الجلسات مع نفس الدكتورة اللي كنتي بتتابعي معاها، وبقا بيستحملني وكان
عنده استعداد يعمل أي حاجة عشان خاطر يشوفك من بعيد..
انتابتها نفي الأعراض الخاصة بنوبات القلق من
شدة التفكير، نعم هي تعرف إلى أين سيصل هذا الحديث، العودة له، غفرانها على ما
فعله يوم ما ولقد تغير ولن يفعل بها هذا أو ذاك من جديد، هل يظن أخيه أنها لم
تتعلم شيء من كل ما مر عليها معه؟
-
عمر مكملش بعدها غير شهر وحاول تاني يموت نفسه،
شرب كتير وكان عايز يرمي نفسه من الدور العشرين، وحقيقي لغاية النهاردة معرفش اللي
اثر فيه هو كلامي ولا إني كلمته عنك!
تلك التشنجات ليس لها نهاية إذن، هذه الحالة
من الخوف من مجرد التفكير باتت لا تُحتمل، سيظل دائمًا وأبدًا يُشتتها بأفعاله حتى
ولو كان بعيد عنها مسافات شاسعة!!
لقد كان مكتئب كما يقول أخيه، وحاول قتل نفسه
مرتين، هل فكر أي منهما كم من مرة حاول أن يقتلها هي؟ الحبس في درجات حرارة
منخفضة، أو صندوق معدني مغلق مظلم لا تستطيع قدميها أن تستقيم به، أو ربما ذاك
العقرب، أو هذا الثعبان، هل فكر أي أحد منهما في ذلك؟!
❈-❈-❈
دفع الباب بقوة وهو يرتدي قفازه وممسك بشيء
مُغطى بقماش ثقيل كحاوية قماشية من اللون الأسود فنظرت إليها وتقهقرت إلى منتصف
هذه الغرفة المربعة من الزجاج في خشية منه وبمشاعر اندفعت بامتزاج غير نهائي منها
لم تعد تُميز ماهية تلك المشاعر ولم تعرف هل عليها الذهاب لتقبل قدميه لعله يعفو
عنها ويتركها لتنعم ببعض الشفقة أم تبتعد عنه فهو من فعل بها كل ذلك وسيقتلها لا
محالة!
- متسبنيش
لواحدي، أنا تعبت اوي يا عمر، بلاش تسبني لواحدي، خليني معاك ارجوك
انهمرت دموعها وملامحها مذعورة بالكامل
وكلماتها المترجية المرتجفة وعقلها غير المنضبط الذي لم يعد يعمل بكفاءة أثر كل
هذا العذاب العقلي لم تعد تستطيع تمييز ما يجري لها..
تابعها بأعين اتضح عليها التعب الشديد
لتتفقده وهي ترى ملامحه المشتتة، شعره الطويل المبعثر في عدم اهتمام، ولحيته التي
نمت كثيرًا بالأيام الماضية، وملابسه التي تبدو متضررة باتساخ لترتعد شفـ تاها وهي
تخبره في لحظة تفكير واعية:
- أنت،
أنت.. أنا عارفة شكلك ده، أنت مكتئب.. أنت في نوبة اكتئاب.. روح اسأل أي دكتور،
اللي انت تختاره، هيقولك إني صح!
تقهقرت للخلف أكثر وهي تلمحه ثم لمحت
ما يحمله في هذا الكيس القماشي يتحرك لتستمع لاصطكاك أسنانها ببعضها البعض من شدة
الخوف وهي تتلعثم سائلة:
- ايه
ده؟ انت هتعمل ايه؟
توسعت عينيها في ذهول بينما تعبيراته
استمرت كما هي لتندفع الدموع من بين عينيها وهي تعانق نفسها في ركن من هذه الغرفة
وظلت عينيها مثبتتين على هذا الكيس وتخبطت أسنانها ببعضها البعض وهي تتوسل له:
- بلاش،
صدقني خلاص مش هتنفس حتى غير باذنك، بس بلاش تعمل فيا حاجة تاني!
لم تتذكر سوى تلك اللحظة التي لدغها
بها هذا العقرب اللعين لتجده يترك هذا الكيس القماشي ليسقط ارضًا فرأت ما بداخله
يتحرك لتفزع وهو يغادر ويتركها خلفه متوجه نحو الباب فذهبت تعدو خلفه وتمسكت
بذراعه وهي تصيح برعب باكية:
- متسبنيش،
خليك معايا، أو طلعني برا، ابوس ايدك يا عمر كفاية كده!
ترجرج جسدها من شدة البكاء وهي تتوسل
له فالتفت وهو ينظر إلى الكيس القماشي الذي لم تخرج منه تلك الأفعى الجائعة بعد
فنظر إليها في صمت وبرود جليدي كاسح ومقلتين مرهقتين بشدة لتركع على ركبتيها وهي
تناشد أي ذرة رحمة به بأعين ازهقها البكاء وملامح صادقة لم يرها عليها بمنتهى
الوضوح سوى هذه المرة من شدة هلعها!
- متسبنيش،
أنا بقيت بخاف من القاعدة لواحدي، اعمل أي حاجة تانية بس متسبنيش..
نظر لها بفحميتين غائبتين لينفض يدها بشدة عن يده
المُغطاة بالكامل وحاول الذهاب فأمسكت بقدمه ونحيبها يستد واستمع لكلماتها
المتضرعة في هول من شدة خشيتها:
- ابوس رجليك بلاش تسبني، خليك معايا، مش لازم
تخرجني بس مبقتش قادرة اقعد لوحدي..
التفت إليها ويدها المرتجفة تتشبث بنهاية قدمه
ونظر لحالتها البائسة ثم دفع قدمه بقوة يركلها لينبطح بدنها أرضًا وغادر سريعًا
مغلقًا الباب تاركًا إياها بمفردها وبكائها تحول لصراخ لا ينتهي، وليس هناك أسوأ
من انعدام الأمان الذي باتت تشعر به وهو يحبط محاولة توسلها إياه بهذه القسوة
الخالية من أقل ذرات الرحمة!
نهضت في فزع وهي تنظر لذلك الكيس القماشي الذي
تحرك بعنف هائل وبدأت في الاستماع لفحيح غريب كاد أن يوقف قلبها عن العمل من شدة
الخوف!
حدقت في هلع وهي
تشعر بأن أنفاسها ستنعدم عندما رأت القماش يتحرك باضطراب شديد ثم سكن للحظة ومن
فوهته اتضح هذا الكائن المخيف أسود اللون وهو يرتفع على مقدمته لتطلق صراخ هيستيري
وهي لا تتحمل فكرة وجودها وحدها في مواجهة هذا الثعبان..
أخذت كلتا يديها وقدميها
يتخبطان في ذعر على هذا الباب وهي تتكلم بكلمات غير مفهومة فبدأ الصل الأسود
الجائع يستقبل تلك الترددات التي جعلتها تشعر بالهجوم ودفعتها في حالة تأهب
ومواجهة عبر مستقبلاتها الحساسة للغاية للحركة فاستقامت أكثر وكادت الأخرى أن تفقد
تنفسها خلال صراخها الشديد في حالة من روع لن تنتهي سوى إمّا بفقدان عقلها، وإمّا
بتوقف قلبها من كثرة الرعب، وهذا ما حدث بالفعل عندما قفز الثعبان بفمه ملتفًا حول
جزء من قدمها وهو يقوم بغرس أنيابه فسقطت هي في حالة من فقدان الوعي التام اثر
الرعب، وليس اثرا للسمية الشديدة!
❈-❈-❈
بالطبع لم تفهم حتى الآن أن كل ما حدث كان
اثرًا لخوفها، تظن إلى وقتنا هذا أن ما حدث كان بفعل هذه اللدغة، وسرعان ما قامت
بتناول احدى الأقراص من حقيبتها وابتلعته دون التفكير بالبحث عن مياه ثم اقتربت من
تلك الفتاة ببهو استقبال الفندق وهي تسير بخطوات سريعة تعجب لها أخيه وحدثتها
وكأنها لم تستمع لشيء منذ ثوانٍ، بل وكأنها لا تتذكر أكثر مما تُسلط تركيزها عليه
وكأن كل كلمات أخيه استمعت إليها امرأة صماء وأخبرت الفتاة بزهو:
- عايزة احجز
جناح رقم...
- حاضر.. ثانية
واحدة بعد اذنك..
ابتسمت لها الفتاة في ترحيب ورسمية بينما
تعجب "عُدي" مما استمع له، أليس هذا نفس رقم الجناح الذي يمكث به أخيه؟
- للأسف مش
فاضي.. ممكن جناح رقـ..
- عايزة جناحين
في نفس الدور، وبنفس الـ view،
كنت جيت هنا قبل كده والـ view
كان حلو اوي!
قاطعتها دون تفكير فلقد باتت مخضرمة في الكذب،
بسببه أصبحت ممثلة قديرة، عقلها بات يعمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل، لا تريد
سوى أن ترى قهره بعينيه، حتى لو سيُناديها الجميع بأسوأ الصفات، لا تكترث،
فليلقبوها بالفاشلة، المجنونة، العا هرة، لا يهم، كل ما يهم هو رؤيته يُهان، يتألم،
وخائف يرتجف مثل ما كانت في يوم من الأيام! لتُريه ما معنى أن تقوم بخيانته إذن في
نفس المكان الذي عذبها به في يوم من الأيام وأجبرها على تناول الخمر به رغمًا عنها..
عقد "عُدي" حاجباه وهو ينتظر في
سكون أن تُنهي الأمر حتى يحاول أن يأخذ منها عهد بأنها لن تتعرض لأخيه بأي شكل من
الأشكال فما يمر به ليس بهين ولا يظن أنه سيستطيع السيطرة عليه في تواجدها أمام
عينيه كما حدث بأمريكا منذ شهور!
-
الحجز هيكون بنفس الاسم؟
سألتها الفتاة فقالت لها مباشرة وهي تخرج
بطاقتها الشخصية:
-
واحد باسم روان صادق والتاني باسم دايفيد
لومير، هيعمل check-in النهاردة كمان شوية!
ازداد استغراب أخيه وكاد أن يسألها ما الذي
تفعله ولكن بعد ما شاهده على وجهها منذ لحظات كان كفيل بأن يحافظ على صمته وبمجرد إعادة
الفتاة بطاقتها لها ناولتها بطاقة ائتمانها لتتفقد للحظة ما طُبع بهذه البطاقة على
الجهة الخلفية:
أنثى – مسلمة – مُطلقة!!
ابتلعت ولوهلة ظنت أنها تعيش في كابوس ما،
لتشرد تمامًا والوقت يتفلت منها، متى وصلت حياتها لكل هذا؟ ما الذي حدث؟ كيف تحولت
من فتاة بسيطة لكل ما أصبحت عليه الآن؟!
-
روان، مش هتمشي ولا ايه!
نبهها صوت "عُدي" لتلتفت حولها وهي
تحاول فهم ما يحدث لتُمسك ببطاقة الائتمان الخاصة بها وتفقدت المكان حولها لتتوجه
لعاملة الاستقبال بسؤالها:
-
الـ bar
منين لو سمحتي؟
وكأن كل ما مرت به من إعادة تأهيل لم يُفلح،
تشعر إن لم تلجأ لمشروب كحولي قوي الآن ستفقد عقلها، هي تريد أن توقفه، تريد أن
تثمل، تريد عدم التركيز في المزيد مما حدث لها، ليتها لم تأتِ اليوم.. ولكن لا، لن
تتركه سوى متألم مثل ما تألمت هي!
اتجهت حيث اخبرتها الفتاة ليتبعها
"عُدي" قائلًا:
-
روان اسمعي، أنا لغاية النهاردة معرفش ايه
حصل ما بينكم، بالرغم من اني الوحيد اللي يعرف اكتر من كل الناس بس مش فاهم ايه
اللي حصل.. أرجوكِ أنا ما صدقت فاق من اللي هو فيه، عمر بقاله شهرين ونص احسن
بكتير من الفترة اللي قبلها، أنا رضوى قالتلي يوم ما كنا ماشين من عندك إنها سمعتك
وانتي منهارة وبتقولي إنك كنتي عايزاه يكون كويس.. احنا ما صدقنا نوصل للمرحلة
دي..
التفتت له بعد أن جلست بالفعل وقامت بطلب
مشروبها الكحولي لتجده يدخل هو ووالده ويجلسان خلفهما لتتجرع كل ما بكأسها دُفعة
واحدة وحدثته بغضب وشماتة:
-
زي ما أنت ما قولت بالظبط.. كُنت! زمان كُنت
عايزاه يبقا كويس.. إنما كل كلامك ده ملوش رد عندي يا عُدي.. أنا مش هجري وراه
عشان أعمل حاجة تخليه يكتئب ولا ينتحر، بس لو عمر جه في طريقي أنا مش هارحمه!
طالبت بكأس آخر بينما سألها:
-
هو ايه اللي حصل؟ أنتو ليه محدش فيكم عايز
يتكلم؟
اجابت هاتفها دون أن تكترث لكلمات أخيه وتحدثت
به:
-
إلى اليمين قليلًا، نعم، أنا اجلس عند ركن
المشروبات، هيا انضم لي!
تركت هاتفها وحقيبتها وهي تنظر إلى
"عُدي" بجدية وغضب يلتمع بعينيها ثم أخبرته:
-
أظن كلامنا خلص، ومستنية ردك عليا في موضوع
التوكيل، وبعد اذنك أنا هبقى مشغولة طول الليلة.. اغير بس هدومي اللي مستنياها تيجي
ونتقابل جوا تاني!
لم تختلف المرأة التي قامت بطرد الجميع عن
منزلها، ازدادت غضب فقط وتوقفت عن البُكاء، ومن هذا الرجل؟
-
دايفد عزيزي اشتقت لك للغاية..
رحبت به بابتسامة ليتفاجأ "عُدي"
مما تفعله وهي تقوم بمعانقته ومبادلته قُبلات الترحيب على وجنتيه ليُحدثها مازحًا:
-
ما الذي ترتديه، لقد عهدتك امرأة ذات ذوق
رفيع؟ مظهرك يُثير الضحك!
توسعت عينيها ثم قامت بفتح السترة ثم نهته
بجدية:
-
لقد سكبت القهوة على ملابسي كالمختلة.. هناك
ملابس أخرى آتية في الطريق وأنا انتظرها ليس إلا! أخبرني، كيف كانت رحلتك؟
نظر تجاه "عُدي" وأعاد نظره إليها
باستفسار واختلفت ملامحه فالتفتت خلفها لتجد أنه ما زال واقفًا والصدمة تعتلي
ملامحه من تصرفها الذي لن يليق بعائلة مثل عائلته بالطبع لتتكلم بالإنجليزية وهي
تقول:
-
نسيت أن اعرفكما، اعذراني، دايفيد لومير،
صديقي، عُدي الجندي واحدًا من معارفي بالعمل!
ضربته صدمة أخرى، احدى معارفها بالعمل؟! وأخيه
ووالده يجلسان ولذلك هو واقف كالمصدوم لا يدري كيف سيتعامل "عُمر" مع هذا،
ومن هذا الـ دايفيد؟ وكيف سيُفسر الأمر لأخيه؟!
-
مرحبًا، كيف حالك؟
صافحه بملامح مرحة بعد أن نطق بإنجليزية سيئة
للغاية فقام "عدي" بمبادلته من باب اللباقة ليس إلا لينظر لكلاهما وهو
يقول:
-
هذا اسم مثير للاهتمام، كيف ينطق مُجددًا؟
كرريه روان أرجوكِ..
تفقده لوهلة بلغته السيئة التي استمع لها ثم
قال:
-
لا عليك، لقد كنت على وشك المغادرة على كل
حال.. اعذرني..
تركهما وغادر بينما تابعته "روان"
لتراه يتوقف على بُعد خطوات ليست بالكثيرة أمام "عُمر" مباشرة الذي
لاقاه بمنتصف الطريق لتخلع سترة أخيها والتفتت وكأنها لا تراه ثم نظرت للجالس
بجانبها وبدأت تُحدثه بابتسامة واسعة بينما عكست ساق فوق الأخرى بأنوثة مبالغ بها
وهي تجمع شعرها بأكمله على احدى الجوانب وقالت متكلمة بالفرنسية:
-
أرأيت؟! لقد كنت في أفضل حال حتى سقطت تلك
القهوة على ملابسي، هيا أخبرني، كيف حالك أنت وماريون؟
قلب عينيه واختلفت ملامحه للحزن ثم أجاب سؤالها:
-
رفضت عرضي الثاني للزواج منذ شهرين!
نظرت له بلمحة جانبية وهي تشير للنادل ثم
أخبرته:
-
يبدو أننا سنحتاج مشروبًا قويًا لتخبرني بكل
ما حدث..
❈-❈-❈
في نفس الوقت..
نظر له بسخرية ثم تعجب
متهكمًا:
- هي دي اللي موقف
حياتك عشانها؟!
أعاد نظره نحوه من جديد ولم يتوقف عن الحديث الذي بالكاد استمع له
"عمر" وعينيه مثبتتين على ثلاثتهم:
- معندهاش أخلاق ولا مراعية إن محدش
يعرف بموضوع طلاقكم غير أنس ابن عمك ومراته وبتتصرف بمنتهى القذارة ولا كأنها كانت
متجوزة راجل!
تلك الكلمات أصابته في مقتل وجفونه تأبى التلاقي وهو يشاهد في حالة
فمن السكون كل ما يحدث أمام عينيه بينما أزاد والده الطين بلة:
- قولتلك آلف مرة وحذرتك من البنت دي،
قولتلك إنها مش هيهمها غير إنها تعمل غير اللي في دماغها، لو كنت معاها من الأول
زي ما فهمتك مكنتش اتجرأت وعملت اللي بتعمله ده، ويا عالم مين شايفنا من قرايبنا
ولا معارفنا وهي بتفضحنا قدامهم!
نظر نحو والده ولم تتحرك سوى شفتيه وهو يسأله:
- مطلوب مني ايه؟
عقد والده حاجباه وسؤاله دفع به للغضب من جديد ثم اجابه بحدة:
- مطلوب منك تفوق، مش توقف حياتك عليها
وتموت نفسك عشان طلقتها وبعدين تروح تتفسح في أمريكا وترجع تقعد في بيتك زي
النسوان ومتشتغلش.. ما أنت بعدت عن البنت بتاعت زمان ووقفت على رجليك واشتغلت
وشوفت حياتك.. اسمع ده آخر تحذير مني ليك، سيبك من البنت اللي بهدلتلك حياتك دي وبكرة
الصبح تروح تشوف شُغلك وتفوق من القرف اللي أنت فيه ده على ما اعمل مكالماتي واشوف
مين قدم مستندات تدين شهاب الدمنهوري واكلمك افهمك هتعمل ايه!
في خلال نطقه لتلك الكلمات رأى عينيه تعود من جديد لتتثبت عليها حتى جعله
يغلي بداخله ثم رآه ينهض من جديد وهو يذهب في نفس اتجاهها واكتفى بالرد المقتضب:
- حاضر يا بابا!
التفت متابعًا إياه وعيناه يقطر منها الغيظ الشديد ليتحدث لنفسه
مُفكرًا بذهول:
- أنا مش فاهم عملت فيه ايه!! ساحراله؟!
❈-❈-❈
أوقفه "عدي" من أن يُتابع طريقه وهو يضع راحة يده أعلى بطنه
قليلًا ثم حدثه بابتسامة مُرتبكة:
- بلاش يا عمر..
نظر له بغلٍ هائل ثم سأله بنبرة يعج بها الغيظ:
- مين ده اللي معاها؟
تعالت تقاسيم وجهه بارتباك وبدأ في دفعه للخلف عندما شعر بمقاومة
جسده:
- معرفش مين، بتقول اسمه دايفيد.. انتو
اتطلقتو ومش عايزين مشاكل.. تعالى نرجع عشان ميصحش أنا وأنت وبابا منبقاش موجودين
مع الناس..
دفع الآخر نفسه فقوت يد "عُدي" ليمنعه وحذره قائلًا:
- خلاص بقا، قولنا مش عايزين مشاكل..
احترقت عينيه غيظًا بينما لم تجعل الأمر عليه سهلًا عندما استمع
لضحكتها الرنانة وشعر وكأن هناك بركان يثور بداخله لما تفعله به وشعر بأسنانه
تؤلمه من شدة احتكاكها ببعضها البعض ليحدثه من جديد محاولًا إقناعه:
- تعالى بس خلي اليوم يعدي على خير..
وجدها تنهض فجأة وهي تُعيد سُترتها عليها وأحس أنها على وشك المغادرة
بعد أن قامت بالتوقيع على الفاتورة وهي تتكلم بهاتفها فنظر لأخيه ثم قال:
- ماشي.. أنا طالع فوق!!
تركه والتفت مغادرًا بينما لم تكن سوى حيلة حيث أقنعه لبُرهة أنه توجه
نحو المصعد ولكنه لم يفعل سوى الاختفاء بركن آخر بسرعة ليتابع إلى أين ستذهب!
وجدها تتجه نحو نفس اتجاه المصعد فأخذ يلتفت حوله سريعًا ليتصنع ذهابه
لدورة المياه حتى عبرت وهي تتحدث بتلك اللغة اللعينة مع هذا الحقير الذي لا يعلم
ما صلته بها بعد لتعانقه وتقبله وتحتسى معه الخمر ولم تمر سوى ثوانٍ قليلة حتى دخل
كلاهما للمصعد فلم يجد سوى أن يذهب لنفس المصعد الذي لم يدخله سواهما ليرى بأي
طابق سيتوقف!
طلب المصعد الآخر وأخذ يُتابع أين سيقف وازداد استغرابه عندما وجده قد
توقف في نفس الطابق الذي تقع به نفس غرفته فسريعًا استقل الآخر تابعًا إياها للأعلى!
بمجرد خروجه وجد كلاهما يتبادلان الحديث وهي تقف أمام احدى الغرف مع
هذا الوغد فوجد نفسه يتجه نحوهما كالمنوم مغناطيسيًا وهو لا يملك أي فكرة في عقله
لما سيقوله أو سيفعله بمجرد اقترابهما..
وجد نفسه خلفها تمامًا فتوقف فجأة ليجد هذا الرجل توقف عن الحديث
بالفعل وينظر له بتعجب بينما هي التفتت على اثر نظرات "دايفيد" المتعجبة لتراه خلفها تمامًا فاستمعت لتساؤل "دايفيد"
المستفسر:
-
هل تعرفينه؟
بعد برهة وجدته لا ينظر سوى نحو الأرضية لترتبك
لحقيقة وجوده بالقرب منها والتفتت سريعًا بتوتر لتجيب هذا السؤال بالفرنسية وهي
تتحاشاه بالكامل:
-
سأخبرك لاحقًا، هيا بنا.. على تبديل هذه
الملابس لنذهب للحفل سويًا ونستكمل حديثنا!
❈-❈-❈
لم يُصدق "عدي" أن أخيه استسلم في
غضون لحظات، كما لم يُصدق ما رآه من "روان" ولم يطمئن بأي طريقة أنه قرر
فجأة التراجع وكأن شيئًا لم يكن..
هناك عدة تخمينات عن مكانه الآن، إمّا أن
يتبعها وإما أن يعود للحفل وإما أن يتواجد بغرفته ليجلس بمفرده كما اعتاد فعلها، والتخمين
الأول لن ينتج عنه سوى مصيبة والأخير قد يدفعه للانتحار!
أخرج هاتفه ليجري اتصالا سريعًا فليس هناك سوى
"أنس" قد يُساعده في هذا دون أن يسبب له صداع لعين بأسئلة لا تنتهي وهو
في طريقه حيث استمع لأرقام الجناحين وهي تقوم بالحجز منذ قليل وبمجرد إجابة ابن
عمه مكالمته الهاتفية سأله:
-
معلش يا أنس، مأخدتش بالك من عمر، شايفه
قدامك؟
تريث "أنس" قبل أن يجيبه ونهض
ليتفقد المكان حوله بينما أخبره:
-
لأ.. مش موجود هنا!
توقف المصعد في نفس الدور وبمجرد ذهابه لرواق
الغرف وجده يقف ولكن ليس أمام غرفته هو بل أمام غرفة أخرى، يبدو شارد أو ربما هناك
شيئًا حدث بالفعل فيما بينهما، وهذا كان كل ما يُريد منعه!
اقترب تجاه أخيه ثم حاول أن يُكلمه بطريقة
لينة لكي لا يتحول الأمر ويُصبح شجار شديد:
-
عمر، أنت بتعمل ايه هنا؟ مش هتيجي نروح نشوف
الناس اللي جاية تجاملنا دي؟
تثبتت عينيه على نفس الباب الذي قامت بإغلاقه
منذ قليل أمام وجهه وهو في حالة من الخمول التام ولا يتقبل عقله بعد حقيقة تواجد رجل
معها بالداخل، لا يدري هل عليه أن يقوم بإثارة العديد من المُشكلات، وبعد أن
يفعلها، ما الذي سيحدث؟ ما الذي سيقوله؟ هل سيخبرها أن كل ما حدث كان لظنه الخاطئ؟
أم لقيامه اتهامها ظلمًا بخيانتها له مع رجل يتواجد بالأسفل يقوم بخطبة أخته؟ لا
يستطيع كيف يواجه عينيها بعد لينطق بكلماتٍ لن تصلح مما حدث..
يراها مرتان في يوم واحد وليلة واحدة ثم
ينعقد لسانه دون أن يقوى على النطق سوى بترهات لم تُفدها، لا يقبل كونها أصبحت مع
رجل آخر، ولا يتقبل فكرة أن ما فعله يستحق عليه الغفران وأنه من حقه أن يتحدث لها،
هو حتى لا ينسى كل ما فعلته يداه بها حتى الآن!
تنهد "عُدي" من صمته الذي غرق به
ثم حاول أن يوقفه عن صمته ويخرجه من هذه الدوامة التي وجده عليها منذ أن رآها
مجددًا ومد يده ليجذبه بخفة لكي يجعله يبتعد عن المكان في نفس الوقت الذي آتى
رجلان في طريقهما نحو نفس الغرفة وقبل أن ينطق بحرفٍ واحد كانت لكمة قد قامت
بالاستقرار بوجهه بالفعل ونفض يده عنه ثم ذهب وتركه خلفه دون اكتراث!
تابعه بعينيه متعجبًا ولأول مرة يجد لكمة
أخيه له منذ أن كانا طفلان بهذا الوهن الشديد ليغمغم:
-
أنا زهقت من المسخرة دي، دي علامة تقريبًا
إني ماجيش الاوتيل ده تاني!
وجد هذان الرجلان ينظران له حيث توقف كلاهما
أمام باب غرفتها فتعجب مما يُريداه بطولهما الفارع واجسادهما الرياضية فانسحب
ليتبع "عمر" الذي دخل غرفته للتو!
طرق الباب لمرات ومرات وبعد مُدة قام بفتح
الباب له ولم يتضح على وجهه أي تعابير واكتفى بسؤاله المقتضب:
-
عايز ايه مني؟
قلب الآخر عينيه بعد أن استمع لهذا السؤال
آلاف المرات وقام بإجابته ملايين المرات ولكنه لم يقتنع بعد سوى بأنه لا يريد أكثر
من أن يراه بخير!
-
احنا مش ناقصين مشاكل، وما صدقنا إنك بقيت
كويس، بلاش تعمل مشاكل معاها أرجوك!
هل حقًا يُصدق أنه أصبح بخير؟ أي خير هذا وهو
يرتجف طوال الوقت؟ أي خير وهو لا يستطيع التحدث؟ وأي خير قد ينتج عن كثرة تفكيره
حتى يحترق عقله مرارًا وتكرارًا دون أن يجد ما ينشده في النهاية؟
التفت وتركه خلفه دون اكتراث وتوجه ليجذب من
سجائره الوحيدة أقل ضررًا مما قد يبالغ في تناوله من كل ما يُمكن أن يحصل عليه
بمنتهى السهولة كي يفرغ عن هذا الغضب الذي لا يراه أحد ولا يشعر أحد سواه بمقداره
وضرره الذي لو تصرف بناء عليه سيدمر كل شيء!
-
أنا عارف إنك بتحبها بس أنت اخترت تبعد، يا
تحاول تتكلم وتفهمني إيه اللي حصل ما بينكم يا تبعد فعلًا زي ما أنت اخترت.. لكن
تبقى بتعمل تصرفات مش فاهم هي أساسها ايه وأنا حتى مش قادر اساعدك أو أحاول حتى أقنعها
تتكلم معاك مش هاينفع كده.. متسبنيش تايه في النص ما بينكم
يتحدث؟ وماذا بعد أن يتحدث؟ هو لا يستطيع
البوح والتحدث سوى لها هي فقط! لديه تلك المُعضلة طوال رحلة علاجه بأنه لا يستطيع
التحدث، ولو فعل يبقى أسيرًا لكلماته لمدة ليست بهينة من الوقت!
سيتحدث، وماذا بعد حديثه؟ يحتاج معجزة إلهية لتقتنع
بالعودة له مرة أخرى وهو رجل قام بالتخطيط لقتلها وافقادها عقلها حتى باتت خائفة
بهذه الطريقة الشديدة منه!
فرضًا أنه تحدث، وساعده هذا الفاشل، واقتنعت
هي بالعودة، كيف سيفعلها هو ويقتنع؟ لا يستحق هذا، كيف ستكون هذه الحياة مع امرأة
قام بالحاق الضرر بها، عقلًا وجسدًا وروحًا.. لو بُعث كنبي للعشق بإرهاصٍ لا يقبل
النقاش بعشقه لها سيكفر الجميع وأولهم هو برسالته!
هذا الغبي لا يعرف ما الذي يتحدث عنه، عليه
التوقف في تصنع أنه يساعده، عليه الابتعاد عنه وتركه وشأنه، على الجميع أن يفعل
هذا، وربما عليه هو نفسه أن يبتعد ويتخلص من كل ألم الرأس هذا!
-
أنت مال ايدك؟!
اجتذبه هذا التساؤل اللعين من دوامة أفكاره فأخفاها
سريعًا ولم يُجبه بينما ابتعد إلى الشرفة فتبعه أخيه وهو يلح عليه في تساؤله:
-
أنت حصلك ايه؟ متقولش إنك اتخانقت مع حد!! جاوبني
يا عمر مال ايدك؟
وضع يده بجيب بنطاله وزفر تلك الأدخنة وأخبره
باقتضاب:
-
ابعد عني بقا.. روح شوف اصحابك ولا زمايلك وسبني
يتركه!! نعم لقد فعل هذا بالسابق مرتان، مرة
قام رجل بإخباره أنه فقد وعيه وبالمرة الثانية كان قد تناول الكثير من أقراص مضادة
للاكتئاب أوشكت على قتله، وبعد رؤيته لها اليوم هو لا يراه سوى يتخذ من هذه الشرفة
مكانه قبل الأخير في الحياة وهو يحاول القفز منها كما فعل بمحاولة انتحاره الأخيرة
بمينيسوتا!
-
تعالى طيب شوفهم معايا.. يمكن يبقا عندك أصحاب
ولا حاجة
لمحه بطرف عينيه ولم يشعر سوى بالسخرية
الشديدة من كلمات أخيه ليعقب باقتضاب:
-
لا، كفاية عليك أنت يبقالك أصحاب
قلب "عُدي" عينيه بينما لوهلة فقد
اعصابه دون وعي منه وتفلتت الكلمات منه:
-
الاصحاب هم اللي خلوني طبيعي بدل ما أعيش طول
عمري ابن مها الفاشل.. بص لنفسك وبصلي وشوف مين فينا احسن من التاني!
تراجع عن كلماته بعد ادراكه ما قاله بينما لم
يتوان الآخر عن ارادته في التخلص منه وأخبره:
-
تمام، امشي وابعد عني وروح عيش حياتك!
تنهد بضيق وسرعان ما حاول احتواء الموقف
ليخبره بلين:
-
أنا آسف مقصدش..
لم يكترث باعتذاره ليفهم "عُدي"
هذا فكان عليه أن يُحرك هذا الجبل الجليدي الذي لا ينصهر سوى بافتعال حريق فكان
عليه أن يولع أولى شرارات هذه النيران ليجد ردة فعل منه:
-
روان طلبت مني تشوفك بكرة!
❈-❈-❈
كان هذا هو الحل الوحيد لإجباره أن يتجه معه
حيث الحفل لم يعد هناك طريقة أفضل لاستغلاله إلا بذكرها أو أي شيء يخصها، وبالطبع
تفاوض معه بأنه لن ينبس ببنت شفة إلا لو آتى معه، لقد بات الأمر لا يُحتمل ولا
يدري إلى متى سيظل هكذا، هل حقًا بات فاشلًا في أن يمكث بمفرده؟ كيف عليه التواجد
معه طوال الوقت في حالته تلك؟
توقف كلاهما أمام المصعد ليتحقق أسوأ كوابيس
"عُدي" من جديد، تأتي هي وهذا الرجل لتتجه معه نحو نفس المصعد الذي
سيستقله اربعتهم! ألن ينتهي من هذه المعضلة؟
عينيه ذهبت تلقائيًا لتفقدها بينما وقفت في
هذه النقطة الفاصلة من تلاقي اعينهما، لا يجد بداخله الشجاعة ليفعلها، بالرغم من
هذا الاشتياق الذي يهلكه ولكنه لو نظر من جديد لها سينهار بالكامل، ولا يدري ماذا
سيصحب انهياره، محاولة انهيار أم نوبة هوس!
تلك العقاقير لا تفيد بأي لعنة سوى بأنه أصبح
أسوأ، وصوتها المتكلم لهذا الرجل الذي يود أن يقتلع عينيه بيديه يثير حفيظته وهو
يقف كالغبي لا يفهم من حديثهما شيئًا، لماذا لم تنجح محاولاته بقتل نفسه؟ ولماذا
لا يتركه هذا المزعج وشأنه؟ لقد أوشك على ثلاث مرات وهذا الغبي يحول بينه وبين
فعلها في كل مرة!
دخل جميعهم بينما اشتم لرائحة عطرها الذي
انبعثت بداخل هذه المساحة الصغيرة ليغمض عينيه والكثير من الذكريات كصور متلاحقة تنبعث
برأسه، ما الذي يمكنه فعله ليوقف الأمر؟ متى سيتخلص من كل هذا العناء؟!
لم تمر سوى ثوانٍ أو هكذا ظن عندما دفعه
"عُدي" بخفة من ظهره ليتجه للخارج فسرعان ما تخلص بحركة عفوية من لمسته،
ما زال هذا الأمر يزعجه، لا يحب أن يلمسه أحد على الاطلاق وخصوصًا ظهره!
توجه للخارج معه بينما استمع لصوت الجلبة
المنبعثة من الحفل وسأله قبل أن يدخل معه من هذه البوابة المؤدية لعنائه بالضوضاء:
-
قولي بقا على موضوع بكرة ده، عايزاني فـ ايه؟
ارتبك قليلًا من أن يتوقف وجذبه بطريقة غير
مباشرة نحو الداخل بخطوات بطيئة ثم أجابه سائلًا:
-
لما تقولي أنت الأول توكيل ايه اللي عملتهولك؟
جلس على واحد من هذه الكراسي بخيبة أمل ويأسه
يزداد بداخله، بالطبع تتحرك كالفراشة ذات الألوان الزاهية بينما هو غارق في هذه
الليل الذي لا يضيئه سوى لون البرق الخاطف من شدة تخيلات لا تتوقف، تريد أن تقطع
بينهما كل صلة به ممكنة وقد تؤدي إلى تعاملهما فما بعد.. لها ذلك.. لها كل ما
تريد..
عينيه غير قادرتين على متابعتها من بعيد، من
مسافة، هذا كل ما يقدر عليه، ليس بين يديه المزيد من الحلول، إمّا هذا وإمّا أن
يتوارى جسده أسفل التراب، لا يرى المزيد من الحلول لحياته التي باتت أصعب وأقسى
ولا تترك له سوى الآلام المتلاحقة!
-
عمر، عامل ايه؟
لماذا صوته مُزعج؟ من هذا؟ ابن عمه "أنس"،
لماذا لا يريد أحد أن يتركه وشأنه؟ مرحبًا بك أيها الزائر المؤلم الذي لا تصيبني
سوى بتذكيري بهذه الليلة المشؤومة وبتلك الشهور التي بقيت بها بمفردي..
-
تمام.. أنت عامل ايه؟
ليقصر الطريق على أخيه الذي سيخبره أن هذا
الرجل ساعده كثيرًا، وليمنع المشاحنات بينه وبين والده فيما يتعلق بعضو البرلمان
البارز ذو السمعة الطيبة والصيت المعروف ونجاحه الذي لم يحققه سواه من العالمين
منذ بدء الأرض ومن عليها كان يضطر أن يجيبه حفاظًا على رأسه وأفكاره من الدمار
المرتقب!!
جزء من الثانية ومن جديد فقد اتصاله بأرض
الواقع ووجد نفسه يُتابعها، تثرثر مع ابنة خالتها، وهذا الطفل الصغير الذي لا يعرف
متى أصبح رجل أطول منه هو نفسه يقف معهما لتكتمل اللعنة بتواجد هذا الرجل الوسيم
المُسمى بـ "دايفيد" وينضم لهم.. هل هذا صوت والده؟!
-
قولت ايه يا بابا؟!
رفع نظره له ليحدثه قائلًا:
-
تعالى عايزك هقولك حاجة مهمة..
نهض ليمنع المزيد من المشاحنات التي ليس لديه
طاقة لتحملها واستسلم بالكامل لتك الموجات التي تجذبه بعنف لخيالات شتى ثم تلقي به
إلى شاطئ الواقع المرير واكتفى بالقول باقتضاب:
-
أنا عرفت مين اللي قدم المستندات دي، واحد
اسمه سليم الخولي.. ممكن تحاول تقعد معاه وتحلها ودي، أكيد اللي يقدر يحرك الدنيا
كده يقدر بردو يحلها.. اتفاوض معاه وشوف يمكن تحل المواضيع من غير محكمة..
نظر له بعد تركيز وقال مستفهمًا:
-
مستندات ايه؟ ومين سليم الخولي ده؟
زفر والده بضيق وهو لا يدري لماذا لا يريد أن
يركز كالرجال في عمله وأغمض عينيه كمحاولة لاحتواء غضبه منه وبمجرد أن فتح عينيه حدثه
مجيبًا:
-
ده اللي ورا التحفظ على أملاك شهاب الدمنهوري
أخو هاشم اللي قولتـ..
توقف من تلقاء نفسه عندما وجد شرود ابنه من
جديد وهو ينظر لمكان ما فتملك منه الغضب ونظر باتجاه ما ينظر له ليجد تلك الفتاة
عديمة الاخلاق بملابس لا تليق لأي من عادات وتقاليد عائلتهم تثير فضيحة حقيقية
برقصها الذي حول كل الأنظار إليها وهي تترك يد أخيها هذا الدنيء الذي لا يعرف كيف
يُسيطر على أخته واقتربت من رجل غريب وابن خالتها في نفس الوقت وهي تتابع وصلة
راقصة لم تتركه سوى مشتعلًا بنيران لو اصابتها ستتركها ميتة!
-
دقيقة واحدة، لو ملمتش البنت دي أنا هفرج
عليها الناس وهتدخل أنا.. سامعني يا عمر!!
التفت نحو والده بملامح يبدو عليها الخمول ثم
اتجه بتلقائية مقتربًا منها، أمر واحد أثبته له "يزيد الجندي" منذ قليل،
عندما يقول شيء فهو يعنيه حقًا.. وتلك القضية التي لا يعلم عنها شيء ووجد نفسه
مضطرًا لسماع تفاصيلها بعد مجرد موقف صغير ليُذكره بأنه لا يمزح على الإطلاق!
يُتبع..