-->

رواية كما يحلو لها بتول طه - اقتباس النسخة العامية

رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

 

رواية كما يحلو لها

اقتباس

النسخة العامية




هذه كارثة حتمية، أكثر من خمس وعشرين عميل من أكبر عملاءها التي ظلت هي ووالدها تعمل على الاحتفاظ بهم لسنوات وسنوات يريدون فسخ العقود بين شركتها وبين شركاتهم!! كيف يحدث هذا؟!

 

رأت هاتفها يهتز ويظهر على شاشته اسم هذا المحامي الذي لجأت له، يستحيل أن يكون هو من وراء كل ما يحدث لها، لقد تيقنت أن هذا الرجل لا يطيق "عمر الجندي" ولا والده ولا عائلتهم بالكامل!

 

اجابت بلهفة وأخذ الانتفاضات المتوالية تحركها بالكامل:

-       آلو.. ايه اللي بيحصل بالظبط؟ أنا مش فاهمة أي حاجة!

 

استمعت لصمت دام للقليل للحظة واحدة تخيلت خلالها الكثير من الفجائع التي قد تحدث فصاحب به غاضبة وطريقة تفتقر لأي نوع من أنواع اللباقة:

-       ما تنطق إيه اللي حصل، مكلمني عشان اسمع سكوتك؟

 

استمعت لنبرته المعتذرة فورًا وهو يقول:

-       أنا آسف يا مدام، يزيد الجندي عرف يوصل لكل الأدلة ونسخ الأوراق اللي معانا وملقيتهاش في المكتب، للأسف قدر يوصل لناس من اللي شغالة عندي وأنا طردت الموظف و..

 

اجابت سريعًا زهي تقاطعه دون تفكير:

-       أنت مشغل معاك شوية عيال صغيرة، يعني ايه عرف يوصل للأوراق.. أنا عندي منهم مليون نسخة تـ..

 

سكتت من تلقاء نفسها بعد أن بدأت بتجميع خيوط الأمر في وقت لم يأخذ أكثر من لحظة واحدة وجـ سدها بأكمله ينتفض بشدة من كثرة التوتر، بالطبع، أخبره أحد عن ارادتها بالقيام بشن أكثر من قضية على ابنه اللعين لذلك هو من خلف كل ما يحدث لها من مصائب، بل ويتلاعب بدناءة!! اللعنة على كل محامين الأرض!

 

-       أنا اخدت كل الإجراءات الـ

-       هشش.. متقولش حاجة، اقفل، اقفل ومتكلمنيش تاني، أنا فعلًا اعتمد على طفل مش راجل!

 

أنهت المكالمة بعد أن قاطعته بطريقة فظة غير مُكترثة لما قد يظنه هذا المحامي، مجموعة من اللعان!! كيف ستتصرف الآن؟ ما الذي عليها فعله؟ أن يقوم بتدمير عملها بهذه الطريقة؟! وما فعله بها لمدة عام كامل؟! ألا يُكفيه صنيع ابنه فيأتي بهذه التصرفات! تبًا لكلاهما!

 

اتجهت لحقيبة يدها بعد أن سقط الهاتف من يدها من كثرة الارتجاف المتتالي عليها وتناولت قرص من تلك الأقراص بل وازادت عليه بمهدئ يُقال أنه قوي المفعول لتحاول الجلوس فوق مكتبها وهي تضع رأسها بين يديها لا تدري كيف ستتصرف بكل هذا! لماذا ليس هناك قانون وحيد في هذه البلدة يسمح لها بأن تذهب، وتشكو زوجها على كل ما فعله بها؟!

 

حاولت أن تتناول شربة مياه لتتساقط من الكوب بعض القطرات من شدة ارتعاش يدها بينما دخلت "علا" بملامح مفزوعة ثم أخبرتها بالمزيد مما لا تود سماعه:

-       فيه عميلين تانين بعتو مندوبين من الشئون القانونية عندهم ومستنيين برا ومصممين يفسخو العقود ومعاكي.. ومجهزين شيكات الشرط الجزائي

 

تصاعدت أنفاسها بشكل فُجائي من شدة التوتر الذي تحول لحالة من الخوف الشديد لتتابع الأخرى:

-       بلاش، حاولي تحليها ودي معاه.. لو العملا دول مشيوا الباقين هيعرفو وكل حاجة ممكن تضيع.. أرجوكي حاولي تحليها معاه بالراحة!

 

اشارت لها بتسلط شديد أن تخرج وتغادرها بينما عادت من جديد في أقل من دقيقتين لتسألها "روان" في لهفة:

-       فيه ايه المرادي؟

 

ابتلعت قبل أن تجيبها بتردد:

-       أستاذ يزيد الجندي برا..

 

قبل أن تسمح أم لا بدخوله كان في مكتبها بالفعل لتنهض من على هذا الكرسي في تأهب شديد فشعرت "علا" بالإحراج فغادرت على الفور، لقد جربت يومًا ما التفاوض معه على ذلك الفيديو الذي كان عليها أن تقدمه للسُلطات.. ربما لو تحدثت إلى "عُدي" سيستطيع أن يفعل أي شيء.. أو على الأقل سيبلغ الوحيد الذي تسبب بكل هذه المصائب لها! ليتها لم تنطق باسمه يومها عندما سألتها عن محامي.. بداخلها لا تشعر سوى بالذنب تجاهها! 


❈-❈-❈

جلس بمنتهى الأريحية، وكأنها قامت للتو بدعوته للغداء، وكأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بمنتهى البرود الذي هو نسخة طبق الأصل من ذاك البرود الذي تشبع به ابنه وغرق به أشعل سيجاره ولمزيد من الإهانة وليستفزها بأقل القليل فضلًا عن الكثير الذي استطاع فعله خلال يومين ألقى بتبغ سيجاره المحترق أرضًا!!

 

-       خير، جاي تحتفل بنتايج المصيبة اللي عملتهالي؟

 

تحركت عينيه بتفحص لها وهي ما زالت واقفة في تأهب وملامحها كانت أكثر ما يُسعد قلبه بهذا الفزع البادي عليها وهي ترتعش من تلك الخدعة البسيطة التي قام بها وحدثها بهدوء:

-       اقعدي عشان عندنا كلام كتير نقوله! أنا عمري ما اقدر اعمل في مرات ابني حاجة تؤثر عليها في شغلها..

-       اللي كانت مرات ابنك!!

 

صححت له على الفور وهي لا تطيق أن تُنسب له من جديد وبكل هذا البرود المُستفز شعرت بأنها ستنـفجر حتمًا إن لم يذهب هذا الرجل الحقير من أمام عينيها!

 

صفعها صفعة قوية بكلماته الهادئة عندما قال وهو يلقي المزيد من تبغه المحترق أرضًا:

-       لا ما انتي هتبقي مرات ابني! تاني!

 

الأمر بات بينه وبينها، ثأر شخصي بالكامل، هل تريد مجرد فتاة صغيرة أن تزعزع مكانته؟ أم لم تُفكر بأن ما سيؤثر على صورة ابنه لن يمسه؟! لا يكره أكثر من أن تتحكم به امرأة، ولن يحدث ولو بلغ من العمر آلف عام.. ربما تكون ذكية وطموحة بحبكها لهذه الخطة التي لم يعلم عنها شيء منذ حوالي عام عندما تركت له ابنه غارقًا وسط دمائه.. ولكنه حذر الجميع لو فعلت أي شيء ومجرد حركة ضئيلة أو تصرف لا يُعجبه سيتدخل هو هذه المرة!

 

-       أنا استحالة أوافق ارجعله، ولو حتى كان آخر راجل في الدنيا، ومن الواضح إن هو كمان اللي لعب اللعبة دي معاك عشان تجبروني أرجعله تاني! لا بصراحة مشوفتش حد بالمستوى ده أبدًا كل همه يؤذي اللي قدامه وخلاص..

 

كيف تقتل من أمامك حيًا آلاف المرات؟ بالنسبة له أن يفرض عليه أحد شيئًا، وبالنسبة لهذه الفتاة التي تظن أن الكون بأكمله يتبع أوامرها، لابد من تتضح الصورة لها، "عمر يزيد الجندي" مثله مثل والده، ومن يتخطى حد واحد معه سيكون بمثابة تعدي عليه هو نفسه بالكامل!

 

ليت ابنه يلعب هذه اللعبة معه مثلما تقول، ولقنه لطالما كان لين القلب منذ أن كان طفلًا ولا يريد أن يتوقف عن اللين الذي يُفسد الرجل! سيرها ما الذي يستطيع فعله..

 

بعد نظرات قاتلة تبادلها معها بمنتهى البرود الذي أهلكها نهض ليطفأ ما تبقى من سيجاره الغليظ أسفل حذاءه وقال بهدوء:

-       عيب لما تبقى بنت أصول وعاقلة تعمل عمايلك دي، أنا مش هؤذي مرات ابني، اللي هترجعله، أنا بس بحاول اعاملك بالمثل، هتضريي أنا وابني في شغلنا هضرك في شغلك.. ولا فكرتي إن اللي هيدور ورا عمر مش هيدور ورا يزيد وبعدها أنس وناس كتير أوي، لا انتي بتضري عيلتنا كلها.. فاسمعيني كويس جدًا عشان تفهمي عواقب اللي بتعمليه!

 

تريث لبرهة وهو يتفقد حالتها المريعة ونظرات الغضب المختلطة بالخوف تنهم من عينيها تجاهه ليُتابع:

-       أنتِ كنتِ هتؤذي عيلة الجندي كلها، بس عشان صغيرة ومش فاهمة أنا وريتك ممكن يزيد الجندي يعمل ايه.. يمكن تكوني ذكية وغيرتي في ابني حاجات كتير، وبرافو عليكي، مش هنسهالك، وأنتِ اكتر ست مناسبة ليه في حياته، مش هانكر ده.. بس هتيجي عليا، وعليه، وعلى عيلتنا كلها ده مش هاسمحلك بيه.. واديكي شوفتي العيلة ممكن توصلني إني اهد سبع شركات بمكالمة تليفون!!

 

عقد حاجباه وهو يتفقدها بينما وجد أنفاسها تتعالى بشكل غير طبيعي كمن يعدو وهي بالكاد تستطيع الوقوف أمامه ولكنها تماسكت بقدر المستطاع ليُكمل:

-       كل العقود ممكن تكمل زي ما هي، وأي حد في شركتك جه عشان يفسخ العقود هيمشي من هنا في عشر دقايق بالظبط، هتقعدي وتفكري كويس ازاي هتروحي لعمر وتحلو مشاكلكم بهدوء وترجعوا لبعض زي أي اتنين عاقلين، قدامك لبليل، خدي بالك أنا لسه مش ناسي اللي كل الناس شافوه في الخطوبة ده! ويا إما..

 

تريث لعدة ثوان وهو يُغلق سترته وصفع قدرة تحملها بما لن تحتمل حدوثه:

-       بسام موجود، وماما بردو ربنا يبارك في صحتها.. ويونس، وأخته، وولادها، زي ما أنا عندي عيلتي اللي بخاف عليها، أنتِ كمان عندك عيلتك.. احنا ناس فلاحين في الأول وفي الآخر مش هنستعر من أصلنا، بعيد عن القانون، زي ما اخدتي كل اللي معاكي بطريقة غير قانونية، أنا كمان ممكن اتصرف بطريقة غير قانونية.. طول عمرنا من سنين ماشين على عُرفنا اللي مش هيغيره الزمن.. اتفقنا يا حبيبتي!!  

 

لم تعد قدماها تستطيع حملها لتسقط على الكرسي وصاحت به:

-       أنا لا يُمكـ

-       أنا مش عمر، أنا بحذر مرة واحدة، ومفيش اتنين وتلاتة، أنا بتصرف على طول!!

 

التفت ليُغادرها فأوقفته قائلة:

-       يكون في علمك، لو جيت ناحية أهلي أنا هـ..

-       الكلام ده اتقالي من اللي قبلك وعرفت اتصرف معاها كويس لغاية ما ابني كرهها، وأنا وهو لما بنكره حد بنخلي حياته جهنم! اللي يخليني ابعدها عنه زمان يخليني ارجعك ليه دلوقتي!

 

صُدمت بعد أن قاطعها وتركها ليتوجه خارجًا ليتركها بعدها في حالة من الذهول، الغضب، وشلل تفكيري لن تستطيع الصمود أمامه..

--

لم تمر سوى دقائق قليلة من محاولة تهدئة "علا" لها بعد أن غادر وهي لا تستطيع التصرف، بل عقلها لا يواكب ما يحدث، هل هذا كابوس وسينتهي بأفعى أسفل مكتبها وستستيقظ منه صارخة؟!

 

فجأة وجدت كلًا من "عُدي" و "عمر" يدخلان مكتبها لتنظر لكلاهما ولم يتحدث معها سوى أخيه ليسألها باهتمام:

-       بابا عمل ايه يا روان؟

 

هزت كتفيها وهي لا تستطيع النطق بالأمر، هل تخبره بأن والدهما يريد قتل أخيها ووالدتها أم أن يؤذيهما فضلًا عن تدمير عملها بالكامل؟! هي حتى لا تصدق امكانيته من فعل الأمر!

 

فهم ذلك الذي تمر به عندما تُصدم في أمرٍ ما، لم ينظر بعينيها مباشرة بل اكتفى بلمح القليل من هيئتها من على مسافة، فاكتفى بالتكلم بهدوء:

-       اطلعوا برا وسيبوني معاها خمس دقايق

 

نهضت وهي لا تستطيع التحكم في ارتجافها ورؤية ملامحه التي لا تستطيع التحكم في خوفها التلقائي منها ثم صرخت بهم:

-       هو ايه اللي يمشو، هو أنت وهو مواركوش غير تدو أوامر وخلاص! اطلعي يا علا خمس دقايق بالظبط والأمن كله يدخل هنا وخليك يا عدي متمشيش!

 

خرجت فورًا مغادرة بعد ما سمعته بينما قال هو دون أن ينظر لها:

-       اطلع يا عدي

 

نظر نحوها شاعرًا بالإحراج من الموقف برُمته وبمجرد تحرك قدمه صرخت به:

-       خليك يا عدي

 

زم شفتاه وهو لا يعرف ما الذي عليه قوله ثم همس له بنبرة خافتة لكي لا تستمع له:

-       حل الموضوع وأخلص وهاعمل نفسي مسمعتش، روان مش قادرة تاخد نفسها واحنا مش ناقصين مصايب!

 

نظر نحوه بغضب اتضح من عينيه ولم يظهر بوضوح على ملامحه فتابع همسه:

-       انجز يا عمر قبل ما الناس تدخل وتتفضح اكتر ما انت مفضوح!

 

اتجه بعينيه وهو يقترب منها وترك أخيه حيث هو في صمته المعتاد ثم سألها باهتمام:

-       بابا عمل ايه يا روان؟

 

نظرت له وهي تقول بدون تصديق وغضبها ولهاثها لا يندثران على حد سواء:

-       عايز يدمرني في شغلي كله، والناس بتفسخ العقود معايا، مشي من شوية، وعايزني ارجعله تاني يا إما المرادي بيقولي اهلك موجودين.. بيهددني بمامي وبسام!!

 

خلل "عُدي" شعره وهو في غاية الاحراج أمامها بينما حاول تكوين جُملة واحدة فلم يستطع وقاربت هي على البُكاء من شدة هذا القهر الذي انتابها بمجرد نطقها بهذه الكلمات بصوت مسموع ليتدخل صوته من على مسافة وهو يتكلم بلهفة:

-       بابا هيعملها.. اوعي تفتكري انه بيقول كلمة ومش بينفذها، هخاف اقولك لو عايزة تجربي جربي.. لازم نسمع كلامه يا إما هينفذ اللي قاله

 

رمقته باندهاش وتعالى المزيد من غضبها إلى أن بات جـ ـسدها في حالة مريعة من شدة الارتجاف و "عُدي" ينظر لها دون تصديق فحتى اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت لا يفهم ما الذي فعله بها وكلاهما لا يُريدان الإفصاح لتخبره بغلٍ شعرت على أثره باعتصار قلبها الذي لا تتوقف نبضاته عن الارتطام ببعضها البعض في جنون:

-       موتني أحسن، لا يُمكن ارجعلك!

 

شعرت أنها ستسقط أرضًا فاتجهت لحقيبتها ولم تكترث بما يريانه منها فتابعها بعينيه ليرها تتناول بعض الأدوية وهي ترتعش لتدمع عينيه وبمجرد التفاتها ابعد عينيه سريعًا من أن ينظر لها ليتدخل "عدي" قائلًا:

-       معلش اللي هقوله ده مش من عادتي إني اتفق مع عمر في حاجة، بس هو معاه حق!

 

تحولت نظراتها لتلتمع بالمزيد من الغضب وهي تمنع نفسها بأعجوبة عن البكاء ثم وجهتها نحوه باحتقار وهو تهز رأسها بالإنكار وقالت بغيظ:

-       مش بعد اللي عمله فيا!

 

تنهد وهو لا يُريد أن يصعب هذا الموقف على كلاهما وخصوصًا بتواجد أخيه معهما ولكن هذا سيهدئها فقال بانكسار:

-       أنا نفسي مش موافق ارجعلك عشان أنا مستاهلكيش.. وبعد اللي حصل مينفعش نرجع لبعض.. اعتبريه حل مؤقت لغاية ما اعرف اتصرف معاه.. ومستعد اديكي كل الضمانات اللي انتِ عايزاها..

 

التوت شفتيها بسخرية وقالت بتهكم ونبرة غالبها البُكاء:

-       ايوة، الكلام الكتير اللي بتقنع بيه اللي قدامك..

 

ابتلع وهو لا يقوى على قول سوى القليل:

-       مستعد اعملك أي حاجة عشان تطمني إن ده حل مؤقت وأنا هعرف الاقي حل يخلصك ويخلصني ويخلصه هو كمان من كل ده، وهطلقك تاني أول ما أعرف أحل اللي بيحصل، كل جوازنا هيكون عشان احميكي منه، ومش هيبقى جواز بجد زي ما انتي فاكرة، فكري كويس وانا هاروح أحاول اتفاهم معاه لغاية ما تردي عليا!

--

في مساء نفس اليوم..

 

انتظرت تواجده من جديد بمكتبها بصحبة "عدي" الذي لم يتركها طوال تلك الساعات الماضية بينما دخل هو بملامح غير مقروءة، كل ما يبدو عليه هو تغيره، وكأنه منوم مغنطيسيًا أو هناك شيء ما به يمنعه من أن يكون شخص طبيعي..

-       قولت ايه بقا قبل ما تمشي؟

 

سخر بداخله من هذه الإهانة التي تفرضها عليه من جديد ليقول بهدوء:

-       قولت إني مستعد اعمل أي حاجة عشان اثبتلك إن كل اللي عايزه هو احميكي منه.. قولتلك كتير ولسه بقولها بابا مش زيي، وعمره ما هيكون.. انا ولا حاجة من اللي هو يقدر عليه.. انتِ شوفتي بنفسك عمل ايه في يومين بس!!

 

تفقدته بانزعاج وهي لا تدري لماذا منذ أن التقت به وهو لا ينظر لها وبات هذا الأمر يصيبها بالجنون فهمست بتحدي متعجبة:

- بجد.. أي حاجة؟؟

 

هز رأسه وعينيه مثبتتين على الجدار خلفها فنظرت حيث ينظر هو فلم تجد شيئًا لتسلط عسليتين تذرف لهيب جارف من شدة غضـبها والتمعت تلك الفكرة بعقلها لتخبره بشماتة متحفزة للغاية لسماع اجابته:

-       تمام.. العِصمة تبقا في ايدي أنا، مش أنت!

 

توسعت عيني "عُدي" بالانبهار ثم نظر نحو وجه أخيه ليجده يرد بهدوء:

-       موافق..

 

ضيقت عينيها نحوه وقالت بتشفي:

-       أنا في بيت وأنت في بيت والأمن مش هيسبني لحظة ويوم ما يبقا فيه أي تعامل ما بينا تكلم علا الأول تشوفني فاضية ولا لأ!

 

عقد حاجباه بينما ازدادت دهشة "عُدي" وانتظر اجابته بينما قال:

-       مش هاينفع كل واحد يكون في بيت، عشان بابا مش هايسكت، في بيت بنيته لعنود، هاقعد معاها فيه وانتي اقعدي في البيت القديم بالأمن بتاعك زي ما تحبي!

 

هل يعشق أخيه هذه المرأة حقًا؟ وافق هكذا؟ دون مفاوضات أو برود أو صمت طويل؟ لولا هذا الموقف البائس لكان أخرج هاتفه ليقوم بتصوير هذا النقاش منذ البداية!

 

نظرت له بتشفي وأخبرته قاصدة أن تهينه:

-       خد بالك إن أخوك معانا وسامع كلامنا، شغلي ولبسي وحياتي وخروجي وكل حاجة تخصني أنا وبس، أنت مجرد صورة ملهاش أي لازمة لغاية ما تصلح اللي أنت عملته، فاهمني ولا تحب اعيد كلامي تاني؟!

 

تحولت يديه لقبضتين وهو يقف أمامها بثبات بينما بداخله أحترق على كل ما يحدث ليرمقها أخيه بعدم تصديق، لو استمع لهذه الكلمات من امرأة يستحيل أن يتزوجها، فضلًا عن عشقه لها، لماذا تفعل به كل ذلك؟ ما الذي كان يفعله بها حقًا حتى تصل لهذه المرحلة؟!

 

أجلي حلقه واكتفى بأن يهز رأسه بالموافقة فأخبرته بهدوء:

-       تمام.. اعتقد تعرف عنوان بيتنا، تاخد أخوك معاك بما إنه الوحيد الكويس اللي فيكم وتروح تطلبني من بسام، ولو وافق نتقابل بكرة الصبح عشان تجهز التنازل عن العصمة ويتوثق في المحكمة، واعتقد أنت محامي وعندك فكرة عن باقي الإجراءات! 



يُتبع..