رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل السادس النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
تعريف
تصنيف الرواية
روايات رومانسية، رومانسيه، حب، اجتماعية، دراما، قصة، قصص رومانسية، روايات للكبار، اجتماعية، عادات وتقاليد، قانونية، واقعية، قصص، حزن، نفسية، عاطفية، نفسي، اضطرابات نفسية
حوار الرواية
عاميه مصرية، عامي، مصريه
❈-❈-❈
الفصل السادس
النسخة العامية
رواية - كما يحلو لها
ترك "عدي" آخر
ما تبقى من طعامه وهو يراقب أخيه بصمته الذي يدوم بشكل اعتاد عليه منذ زمن فلم يجد
به ما يُقلق منذ صباح اليوم سوى قراره بالذهاب لتلك المعالجة التي لا يدري لماذا
أخذ قراره بالذهاب إليها بهذه السرعة، كل ما يرتاب بشأنه حقًا هو تهور أخيه..
هو حقًا لا يستبعد أن
يكون ذهابه إليها في النهاية مجرد محاولة أخرى لتجميع معلومات عن زوجته!
تفقده بتردد وأجلى حلقه
ليلاحظ الآخر تلك النظرات المصوبة إليه ففاق من شروده الطويل وحدقه باستفهام
ليسأله "عُدي" من جديد:
- أنت متأكد إن ده
القرار الصح؟
تفقده الآخر بارتياب
وأشار برأسه له وهو يجيبه سائلًا:
- أنت عايز إيه
بجد؟ إيه اللي جابك أصلًا؟
زفر بحنق شديد وهو لا
يصدق أنه لا يزال يسأله هذا السؤال ليجيبه إجابة بعيدة كل البعد عما يريد أن يستمع
له:
- احنا يمكن عمرنا
ما كنا قريبين من بعض، بس لو بجد كل المُشكلة بينك وبينها إنها كانت شاكة إنك مريض
نفسي أو بتعاني من مشكلة ومش عايز تتعالج فأنا شكيت في الموضوع ده كتير من زمان..
وكنت كل ما باجي أقرب من الفكرة دي وأقول إن فيك حاجة مش طبيعية بفتكر ساعتها قد إيه
يزيد الجندي استحالة يقبل على ابنه أحسن واحد في الدنيا إن عنده مُشكلة!
ضيق عينيه بتفحص ناظرا
له ثم عقب بسخرية:
- إنت كمان شايف
إني مجنون!
هز رأسه بالرفض وعقد
حاجباه وقال بسخرية ماثلت سخريته:
- أول حاجة بلاش
بصة يزيد الجندي دي، بتفكرني قوي إنك نسخة منه، تاني حاجة هي مش حكاية إنك مجنون،
بس إنت من زمان وإنت ليك تصرفات غريبة، بس دايما كنت بعيد عني عشان كده عمري ما
عرفت أقول لك حاجة زي دي آه، زي ما يكون ذنب إني أخوك الصغير أو إني قريب من ماما
أو إني أفضل معاهم في بيت واحد وأنت لأ، بس ده مكنش ذنبي ولا اختياري، مين قال لك
إن أنا مكنش نفسي يبقى لي الحق في اختيار التجربة إني أعيش لوحدي بعيد عن البيت
ده، صدقني أنا لو كنت في مدرسة زيك كنت أحاول أكون شاطر فيها عشان مرجعش ليزيد
الجندي ومها الجندي وخناقاتهم، حاول تفهم إن زي ما أنت ما عانيت وإنت صغير أنا
كمان كنت بعاني، كان نفسي بابا يشوفني زي ما بيشوفك، كان نفسي أقدم لي نص إللي
قدمهولك، واوعى تستبعد إن مكنش نفسي أكون قريب لأخويا الكبير، من وإحنا صغيرين في
المدرسة أي حد كان ليه أخ كبير كان بيبقى له ضهر وسند وحد بياخد باله منه، كانوا
بيبقو أصحاب، حياتهم كلها مع بعض، خصوصا لو الفرق بينك وبينه تلت سنين، بس أنا كنت
كل ماجي أصاحبك ألاقيك بتصدني، وكنت بتصدني عشان حاجة مليش ذنب فيها، فلو مستغرب
إن أنا جنبك في وقت إنت محتاج فيه لحد يكون واخد باله منك المشكلة برضه مشكلتك مش
مشكلتي أنا يا عمر..
نهض وهو يجمع أشياءه، ولم يكترث بالنظر إليه وخصوصا بعد أن قال جملته الأخيرة وهو ينكس رأسه للأسفل بنبرة خافتة نوعا ما عن سابقتها واكتفى بالاستعداد للمغادرة ولم ينتظر منه رد كالعادة!!
❈-❈-❈
- أنا عارف إنها كانت عندك يومها، قالت
لك إيه بالظبط؟
تفقدها ليجد ملامحها
يتضح عليها التفهم وعلى ما يبدو أنها تحاول أن تكون حيادية فارتقب إجابتها على
سؤاله:
- هي كانت عندي
عشان مصدومة فيك، بس مظنش إن دي هي الإجابة إللي إنت عايزها، أنت أكيد عايزني أقول
لك تفاصيل إنت عارف أكتر مني!
تريثت لبرهة وتفقدت
ملامحه المترددة فهكذا كان يبدو، واطنبت بهدوء:
- لو جايلي على
أساس إنك زوج اكتشفت إن مراتك بتحاول تلاقي لعلاقتكم حلول وبعد اليوم اللي بتسألني
عنه مخصوص حاجة في علاقتكم اتغيرت أنا ممكن اجاوبك بدون تفاصيل، روان بتحب أهلها
جدًا وبتخاف عليهم، وبتحبك زي ما بتحبهم، وعمرها ما هتسمح إن أي مُشكلة تحصل ما
بينكم تؤثر على مامتها وأخوها، كانت شايفة إن كل إللي حصل ده مسؤوليتها، وإنها
السبب و المفروض محدش يتصرف غيرها ويحل مشاكلها غيرها هي بنفسها حتى ما رضيتش تقول
لي هي هتعمل إيه، في الأول وفي الآخر إللي بيجي هنا هو إللي بيقدر ياخد القرار
بنفسه، هي دايما كانت بتاخد قراراتها بنفسها، مقدرش أكدب وأخبي إنها كانت يومها
خايفة من الخطوة دي معاك وإنها تواجهك بكل حاجة، ده اللي قدرت افهمه منها يومها،
إنها لغاية آخر مرة شوفتها كانت عايزة حل، عمري ما شوفت حد زيها مصمم إنه يوصل
لحاجة مُعينة قدها!!
أطلق زفرة هاكمة بعد أن
استمع لكلماتها وعقب باقتضاب:
- يعني بتحاولي
توضحيلي رفضك بأنك تجاوبيني بس بطريقة غير مباشرة!
ضيقت ما بين حاجبيها
بتعجب ثم سألته:
- أنت جاي عشان
تحاول تحل ما بينك وما بينها ولا جاي عشان مصدوم إنها نجحت في إنها توصل لكل ده من
وراك، ولا جاي عشان تفهم مشاكلك في ايه معاها، ولا إيه سبب الجلسة النهاردة
بالظبط؟
ارتبكت نظراته وبداخله
كان يمتلئ بالكثير من السخرية التي لا نهاية لها، أبدا من أجل أن يجد حلا لهما، ما
هو؟ ما الذي يمكن أن يحل بينهما كل ما حدث؟ بما تبدو عليه هذه المرأة هي لا تملك
المقدرة على تحقيق المعجزات، هذا الزمن ليس بالوقت المناسب لصنع المعجزات حتى
يقتنع البشر بوجود كل ما هو خارق للعادة، ليته كان يعيش منذ ثلاث آلاف عام، لكان
استطاع أن يجد بعض الحلول، لماذا لم يقتل نفسه لماذا لم ينجح بهذا، الحل الوحيد هو
إيجاد معجزة لكي يدهشها بها القدر و وقتها ربما سيكون الحل الوحيد لعودتهما، هذا
مجرد احتمال ليس إلا لأنه بقرارة نفسه لا يقتنع ولا يتقبل أن تعود له بمنتهى
السهولة بس ما كانت عودة له بعد كل وقت عصيب كما السابق، هو حتى لا يعرف لو حدث
وتلاقى كلاهما صدفة كيف سيمتلك القوة و الشجاعة لينظر إليها!
طال شروده دون أن يلاحظ
ثم بعد وقت نظر إليها وحدثها متسائلًا فيما آتى من أجله في الأساس:
- إيه إللي
قلتيهولها خلاها تصدق إني راجل مجنون؟
اشمأزت بداخلها من وصفه
تجاه نفسه وتجاه الأمر برُمته وقالت برفض قاطع:
- وليه تحكم إن
إللي إنت بتعاني منه جنون؟
- تقدري تقنعيني
بعكس ده؟
سرعان ما عقب على
إجاباتها بتساؤل مثلما فعلت هي في المقام الأول فأدركت أنه شخصية مجادلة يستحيل أن
تنتهي جلساتهما في وقت قليل وخصوصا مما تتذكره عنه من كلمات زوجته، هذا بالطبع لو
أكمل جلساته معها، هنا عليها أن تحدد بطريقة واضحة كيف سيكون حديثهما منذ الآن
وصاعدا:
- أنا
مش مهمتي إني أقنع أو مقنعش أنا هنا عشان أساعد اللي عايز دعم ومساعدة لو أنت شايف
إنك محتاج مساعدة أنا مش هتأخر عليك لكن لو شايف إنك تمام يبقى قعدتك معايا
النهاردة ملهاش أي لازمة!! أنت اللي محتاج تكون مقتنع من نفسك..
نظر إليها بعبوس وقبل أن
يجيب بحدة شديدة تريث قليلًا، تلك المرأة الجالسة أمامه هي آخر ما تبقى له كي ينجح
في فعل ولو شيء واحد كما أرادات منذ البداية، كما أنها على ما يبدو تعرف الكثير،
ربما العشق يدفع المرء لفعل كل ما لا يؤمن به، ولكن هي أرادت هذا، وبداخله يأبى
مجرد الفكرة، لقد قارب على رؤية ثنايا عقله تتمدد أمامه أرضًا بعد أن تترك رأسه
وتغادره دون رجعة، كما فعلت هي تمامًا!
ازدادت عقدة حاجباه
بينما ملامح المرأة أمامه لا تتغير عن السابق ثم حدثها بمصداقية قائلًا:
- بصراحة عشان
مضيعش وقتك أنا مش مقتنع، بس في نفس الوقت عايز أجرب يمكن حاجة تختلف، وبرضه مش
عارف ابتدي منين لأني شايف إني كويس ومفيش أي حاجة محتاج فيها مساعدة!
أومأت له بالتفهم وحدثته
بتلقائية وثقة هائلة:
- أغلب اللي بيجي
هنا دايما ما بيبقاش عارف يبتدي منين، ودي حاجة مش جديدة وطبيعية جدًا، مع الوقت
إنت اللي هتبتدي تقولي إنك حاسس إنك مضايق بسبب موقف معين أو فكرة معينة أو مثلًا
فيه حاجة مش مظبوطة في حياتك أو حاجة جديدة داخل عليها ومش عارف هتتعامل معاها
ازاي، قلقان، خايف، وشوية بشوية هتبتدي تفهم النمط اللي إنت ماشي عليه في حياتك!
أطلق ضحكة ساخرة ثم غمغم
مشتقًا من كلماتها بقليل من الاستهزاء:
- نمط!!
أومأت له بالإيجاب ثم
عقبت بتأكيد:
- أيوة نمط، شخصية
زي شخصيتك مع الوقت هتبتدي تفهم إنك مثلا داخل على نوبة اكتئاب أو نوبة من الهوس
أو هتبدأ تفهم إن من طبيعة التشخيص اللي انت متشخص بيه إن العصبية اللي بتجيلك
فجأة مالهاش أي مبرر دي مجرد عرض من الأعراض اللي انت بتمر بيها مع نفسك ولوحدك
هتبتدي تعرف إيه مسببات كل اللي بيحصلك وبتختلف من موقف عن موقف، انت بنفسك لما
الوقت يمر عليك هتقولي ان لو الموقف ده استمر أو كبر ممكن يؤثر عليك بشكل معين
ويؤدي لحالة أنت اللي هتحددها بس كل ده مع المداومة والوقت وفهم طبيعة تشخيصك!
رأت الاستغراب جليًا على
ملامحه والاستهزاء لا يندثر بل يزداد وقال:
- يعني كده أنا
بقيت مجنون رسمي وهمر بحالات ونوبات وايه كمان!!
استراح بجلسته أمامها
ولم يقتنع لوهلة وحيدة بكلماتها لتجيبه سريعًا بمنتهى الجدية:
- إحنا مش في
مناظرة ولا في مرافعة عشان تاخد مني كلام وتقتنع بيه او متقتنعش، وكمان نظرتك لأنك
مجنون أو أي حد محتاج مساعدة إنه مجنون فكده تعتبر نظرة سطحية جدا.. زي أي واحد
بيحكم على على إنسان بالفشل مدى حياته عشان في مرة حاول محاولة ومنجحش!
ابتسمت له بهدوء ثم تابعت:
- روان قالت لي إنك
شاطر قوي في موضوع الكلام ده وشاطر كمان في الكتابة، فلو اتكلمنا في حاجة انت مش
مقتنع بيها ممكن نقعد نتكلم فيها سنين من غير ما نوصل لنقطة نتقابل فيها ونتفق
فيها، فكر وشوف انت محتاج مساعدة فعلا ولا لأ! ممكن بسهولة تبدأ تكتب أغلب الأحداث
اللي حصلت لك في حياتك على هيئة مراحل، وشوف ردود أفعالك كانت طبيعية ولا لا
وساعتها ممكن نبدأ نتناقش في حاجة نعدل الأفكار لو كانت غلط نناقش ردود فعلك،
ونناقش مشاعرك ساعتها إنت حاسس بإيه ومش لازم كلها تبقى متعلقة بجوازك فكر من زمان
قوي نقول مثلا من وإنت صغير لغاية ما بقا عندك خمستاشر سنة، وهقول لك تاني أنا مش
مهمتي إني أقنع حد إنه بيعاني من حاجة ومحتاج مساعدة أنا مهمتي إني أساعد اللي
شايف إنه هو عنده مشكلة!
تنهد وهو يرمقها وهو لا
يقتنع بمثل هذا الحديث الرتيب الذي شعر أنه لن يوصله لأي شيء فسألها:
- طيب هصدقك أنا
عندي مشكلة ومحتاج مساعدة بناء على الكلام اللي هي قالته لي وأنا صدقته لأني بثق
فيها انتي بقى عرفتي منين أنا محتاج مساعدة إيه اللي أثبت لك ده؟
لم تشعر بالإهانة من رجل
غير مقتنع بمعاناته ثم أجابته بما لم يستطع الإجابة عليه:
- زي ما أنت ما
بتقدر تحكم على قضية من أوراقها إنك تقدر تكسبها أو لأ!!
سكتت هنيهة وحدثته بنبرة
داعمة:
- هي قالتلي نظرتك
للعلاج النفسي في المجمل عاملة إزاي، بس أنا عايزة أوضح لك حاجة، مش كل الناس اللي
بتيجي تتعالج عندنا تبقى مجنونة أو قاتل أو محتاج مصحة نفسية طول عمره زي القضايا
إللي في النهاية بتجبر الناس تبص للمتهم البصة دي، يمكن في بعض الحالات بتكون دي
الحقيقة، ولكن برضه هأكدلك إن فيه بعض الناس لو سبناهم من غير مساعدة فعلا ممكن
توصل إنها تقتل حد.. فلو كان فيه وعي من الشخص نفسه أو من الناس اللي حوالين الشخص
يمكن كنا قدرنا نمنع على الأقل نص القضايا دي!!
لم تُعط له الفرصة
للمزيد من النقاش وسبقته بتفسير واضح:
- فيه حاجة أثبتتلي
إنك محتاج مساعدة، وخطوات سهلة جدا لو إنت عندك إرادة هتقدر بمنتهى السهولة تتحكم
في كل إللي بيحصلك، هو إنك إستجابت للأدوية إللي كتبتهالك في نوبة الهوس الأخيرة
وبعدها فيه فترة انت مزاجك فيه ثبت بسبب الأدوية.. واللي أثبت لي إنك محتاج مساعدة
ومحتاج تفهم انت بتمر بإيه هي ردود أفعالك، مفيش أبدا واحد بيحب مراته وهما لسا
متجوزين وأول تجربة إجهاض تمر عليه يبقى مبسوط قوي كده بعدها إلا لو عنده مشكلة،
يا إما مُشكلة مع الأطفال نفسها يا إما مُشكلة في تصرفاته هو نفسه ردود أفعاله
اللي مكنتش منطقية ولا مناسبة للموقف.. جاوب بينك وبين نفسك ومش ضروري تجاوبني على
السؤال ده، فيه حد ابنه بيموت وبيبقا مبسوط؟!
صمم على أن يُنهي هذا
الحوار الذي لم يجد استجابة له بشكل كامل بداخله، فهناك ما يريد أن يعلم ما الذي
يحدث له لو أن كلمات هذه المرأة صحيحة، وهناك جزء بداخل عقله يصمم على فعل ما
ارادته هي منذ البداية، وهناك مبدأ راسخ بداخله، كل من يتلقى العلاج النفسي هو رجل
مجنون وليس لديه تعريف آخر له!
- تمام، من وجهة
نظرك المتخصصة أنا عندي إيه بالظبط؟
هو يريد اسم، تعريف،
تشخيص، وبعدها لديه كل الوقت ليبحث خلف ما تقوله:
- اضطراب ثنائي
القطب من الدرجة التانية، بتعاني من نوبات، النوبة دي ممكن نبسط اسمها شوية عشان
تقدر تفهمه بأنه حالة مزاجية، بس بتبقى شديدة شوية غير بعض الناس في الاضطراب ده،
الاغلب في التشخيص ده بتكون نوبات الاكتئاب، وفيه وقت من المزاج المعتدل، وكمان
نوبات هوس خفيفة، أحيانا بتحس بالخمول وإن الحياة دي كلها ملهاش أي لازمة وإنك
مهما حاولت متنجحش زي ما يكون شعور ثابت مبيتغيرش باليأس والفشل وعدم المقدرة على
الإنجاز في العموم كأن معندكش إستعداد أو شغف تعمل أي حاجة مهما جربت حاجات جديدة
بتلاقيك زاهد فيها، وفي أوقات تانية تحس إنك نشيط ومزاجك حلو اوي، عايز تجرب حاجات
جديدة تعمل حاجات مش متعودة عليها وتكسر الروتين عندك شغف وإقبال على الحياة بشكل
مش طبيعي وعندك شعور كبير بأهمية نفسك وأنك تقدر تعمل أي حاجة مستحيلة، ممكن كمان
بيجيلك أوقات بتشتري حاجات كتيرة بعدها بوقت تحس انها ملهاش لازمة، وكل حاجة في
النهاية بيبقى ليها درجة ساعات بتكون شديدة قوي ساعات بيكون خفيف وفي حالتك
الاكتئاب دايما بيكون أكتر، وفي وقت تاني بتكون في مزاج معتدل خالص مش ضروري تبقى
مكتئب أو تكون بتعاني من هوس، وكل النوبات دي مش لازم يكون لها أسباب ممكن تبقى
فجأة واحدة وبتحصل بس إنت إللي هتقدر مع الوقت تحدد إيه المحفزات إللي بتؤدي لده،
يعني امتى ممكن يحصلك اكتئاب أو هوس، النمط اللي كنت بقولك عليه بس هياخد منك
مجهود إنك توصله وتقدر تفهمه، وبرضه مع الوقت والعلاج لو حبيت هتقدر تتحكم في
حاجات كتير وخصوصا نوبات الهوس وبالمواظبة على الأدوية والخطوات العلاجية ودعم من
إللي حواليك هتقدر تتعايش معاه بمنتهى السهولة بس أهم حاجة تكون إنت إللي عايز
العلاج، متستناش حد يقنعك بيه، ولا تتعالج عشان حد.. لازم يكون عشان نفسك
وباختيارك!
أومأ بالإنكار بعد مدة
حاول أن يتفهم خلالها كل تلك المعلومات دفعة واحدة وهز رأسه بالإيجاب وكأنه
يوافقها، أو هذه كانت بمثابة النهاية لتواجده داخل هذه العيادة بصحبة امرأة تتهمه
بالجنون، ربما كان قرار خاطئ منذ البداية، لا يدري، هو يشعر بالصدمة!!
نهض ليغادر بسرعة كقرار
اتخذه عقله تجاه الصدمة التي تلقاها دُفعة واحدة، هذه عادته، عقله لا يتقبل
الصدمات بسهولة، منذ أن كان طفل، هكذا يتصرف، يبتعد ويصبح بمفرده ليتعامل مع
الصدمة التي هي عبارة عن موقف مفاجئ لا يقبله، ولكنه قبل أن يغادر نادته لتخبره:
- لو جاي عشان هي
مهدتلك الطريق وأنت فعلًا بتحبها وعايز تنجح معاها، فكر في تصرفاتك وقيسها على
اللي قولته، سواء عايز تكمل معايا أو مع غيري، لو عايز حياتك تنجح لنفسك وبعدين
ليها العلاج النفسي والدعم عمرهم ما كانوا جنون!!
ينجح معها!! يا للسخرية، أي نجاح تتحدث عنه هذه المرأة، هي لا تدري أقصى نجاح يُمكن أن يصل له هو أن يذهب للنوم دون كراهية نفسه على ما فعله بها!
❈-❈-❈
في نفس الوقت بفرنسا..
ابتلعت تلك الأقراص
اللعينة دُفعة واحدة بعد أن أخذت مقدار من سائل كحولي حارق المذاق لكي يساعدها على
سقوط تلك المُسكنات لعلها تستطيع التغلب على صداع رأسها الذي باتت تحتاج لحوالي
ساعة بكل صباح يعقب ليلة ثمالة شديدة وجرعة متوسطة تستطيع أن تعدل القليل من صداع
رأسها!!
كوابيس، وجوه وغرف بيضاء
لا تحتوي على أي ملامح، تخيُل ثعابين سوداء، عقارب، برودة شديدة، لحيته السوداء
المخيفة، ثم خمر تحاول السقوط بها لكي تستر عقلها الواعي عما تهرب منه، هي لا
تستطيع التحدث، ترفض الحديث، كانت تُنكر الأمر، ولكن الآن لم يعد يُفدها أن تنكر
ما حدث لها، لقد انتهى الأسوأ على كل حال!
نوبة من بُكاءٍ جارف لم
تستطع أن توقفها وهي تتذكر الكثير مما مر عليها في ذلك القفص الحديدي المُظلم، كل
مرة تستيقظ بها صارخة من نومها، الخمر أفضل آلاف المرات هي وصداعها لتستيقظ بدلا
من أن تستيقظ على صوت صراخها، أو هيئته وهو يركلها أسفل قدمه وهي تتوسل له أن يبقى
معها بدلًا من أن يتركها بمفردها، ذاك الذعر وهي تنهض من فراشها باحثة عن ثعبان
أسود أسفل الغطاء لا يُقارن ولو بتهشيم الرأس الذي تواجهه الآن، على الأقل ألم
الرأس هذا يسبقه فترة من اللاوعي وهي تظن أنها تستمتع بوقتها أو وهي تقنع نفسها
أنها تستمتع بوقتها وقد تغلبت على ما مر.. الحقيقة المُرة أنها لم تفعل!!
جففت عينيها ووجهها لتجد
يدها تمتلئ بعلامات سوداء لتزفر بين شهقاتها المتتابعة لتكتمها رغمًا عنها ثم
توجهت للحمام المُلحق بغرفتها واخذت تغسل وجهها ونظرت لملامحها التي باتت مُزرية
دائمًا بالآونة الأخيرة وتلك المساحيق اللعينة تأبى الذهاب فامتدت يدها لمزيل
مستحضرات التجميل واخذت من القطع القطنية وهي تسكب منه بغيظٍ على ما وصلت له ثم
استمرت في تدليك وجهها به لتمتعض من منظرها بالمرآة لتتوجه للداخل حيث تناولت
هاتفها واتصلت بمساعدتها الشخصية التي تجنبت سؤالها عن حالها ثم ألقت بتعليماتها
بنبرة غاضبة:
- احجزيلي في اول
طيارة على مينيسوتا، first class، وابعدي عن الشركات اللي مش بحبها..
ترددت الأخرى على الطرف
الآخر من المكالمة لتقول:
- حاضر، هشوف ايه
المتاح وهبعتلك كذا اختيار زي ما متعودين.. بس بصراحة فيه حاجة حصلت ولازم اقولك
عليها
تجمدت بمكانها وتصاعدت
خفقات قلبها ذعرًا فهي لم تنس ما قرأته ليلة أمس، ما الذي فعله يا تُرى، هل أذى
أحد من عائلتها؟
- انطقي يا علا فيه
ايه؟
حمحمت الأخرى وحاولت أن
تنتقي كلماتها لتجيبها بتوسل:
- أنا آسفة، بس
والده صمم ياخد الفيديو اللي كان بينك وبينه ومتسجل فيه كل حاجة، غصب عني بس هددني
ومكونتش عارفة اتصرف ازاي و..
- خلاص يا علا
اهدي.. انا كنت متوقعة ده.. أي حاجة هيعرفها أو هتوصله اكيد هيحاول ياخدها!
قاطعت كلماتها المرتبكة
ثم تنهدت ببعض الراحة فعقلها لم يعد يتخيل سوى الأسوأ لتخبرها مرة أخرى:
- أنا بجد آسفة،
غصب عني.. مكنش قدامي حل!
توقفت من
تلقاء نفسها وكانت تود أن تصرخ بها لتتذكر أنها في يوم من الأيام عانت مثلها
تمامًا مع رجل يُشابهه يجمع الكثير من الأدلة ويحتفظ بها في غرفة داخل غرفة بداخل
غرفة لتلقي بتلك القطعة القطنية أرضًا بمنتهى الغل الذي بات يحرق وجدانها وكل ما
بها عندما تتذكر ما مرت به معه وانهتها عن قولها من جديد:
- خلاص يا علا،
شوفيلي الحجز وحاولي تختاري أقصر حاجة
تنهدت الأخرى واجابتها
متسائلة بتلقائية اعتادت عليها معها:
- حاضر، والعودة
امتى؟!
تجمدت بمكانها، هذا
السؤال اللعين الذي تهرب منه، لا تدري كيف عليها أن تجيب هذا التساؤل، لأول مرة لا
تعرف متى ستعود، ولماذا أول مرة؟ بل هي المرة الآلف التي يذهب عقلها ليُفكر في
إجابة على هذا السؤال، لا تعرف متى ستعود، ليس فقط لبلدها أو عملها الفعلي، ولا
حتى لعناق يجمعها بأخيها وبوالدتها، لا تعرف متى سيكون بداخلها الشجاعة لمواجهته،
هي تهرب، وتشعر بأن عليها الهرب من كل هذا، لا تعرف كيف تحدد نهاية لكل هذا الفرار
الدائم، ليس لديها أي فكرة عن عودتها كإنسان، مثلها مثل سائر البشر الطبيعيين!
- مش مهم، خليها one way
(اتجاه واحد)، ارجع وقت ما ارجع!!
أنهت مكالمتها ثم اتجهت
سريعًا لتقوم بتأكيد بعض الحجوزات التي ظلت تقوم بتأخيرها طوال الفترة الماضية،
كانت تريد فقط أن تصل لما ستستطيع النطق به، هل تريد التعافي من علاقة مع رجل قتل
نفسه لأجلها، أم التعافي من علاقة مع رجل كاد أن يقتل نفسه من أجلها.. هناك فرق شاسع
أن تنتهي العلاقة بحادثة مأساوية كادت أن تكون المتهمة الأولى بها، وبين أن تنتهي
العلاقة بأحداث صعبة ولكنها لا تصل لقتل، أو لقضية حقيقية!
❈-❈-❈
بعد مرور يومين..
ورقة بيضاء مليئة بنقاط
من الحبر الأسود متتابعة على كل سطر من السطور المتراصة فوق بعضها البعض، سبقها
الكثير من الأوراق على نفس النهج، ليس هناك كلمة واحدة بأي منها.. نقاط، محاولة
كبداية لكتابة شيء، ثم يتوقف عقله!!
لقد حاول الكتابة
بالسابق ونجح بمحاولته أكثر من مرة وفعلها من أجلها، وها هو يحاول فعل هذا اللعنة
من جديد لأجلها، لأجل أن يثبت لها أنه سيفعل أخيرًا كل ما كانت تريده، لماذا لا
يريد عقله التحدث سوى بترهات تأخذه بعيدًا للكثير من المواقف والأفكار التي لا تمت
لما يريده بأي صلة!
زفر بضيق ثم نهض وهو
يُلقي بهذا القلم، كيف يمكنه كتابة شيء عن حياته، كيف يصفه كل من حوله بالجنون،
أخيه وزوجته وتلك المرأة، هناك شيء خاطئ.. هو ليس بمجنون!
ترك غرفة مكتبه واتجه
للخارج وهو يطنب بنظره تجاه الكثير من الأماكن لتستقر عينيه حيث واحد من الأماكن
بالدور الأرضي ليتجمد مكانه ولا يدري لماذا لم يختر عقله سوى هذه الذكرى معها
بالتحديد ليتذكرها وكأنه يرى نفسه ويراها على بُعد خطوات قليلة!!
❈-❈-❈
زم شفتاه وهو
يلعن اندفاعه نحوها ليُمرر اصابعه بشعره مرة أخرى ثم تناول شهيقًا حبسه برئيتيه
وسألها بنبرة خافتة تعثرت الحروف بنطقه به:
- انتي حاسة
زي ما انا حاسس؟ بتحبيني؟
تفقد ملامحها
المصدومة لتساؤله، ليزداد ارتباكه وهو يرى جفنيها لا يلتقيان ومقلتي كلًا منهما لا
تتفارق ليزفر في احتياج لإمرار بعض الهواء لرئيتيه ثم عقد حاجباه وتوسلها
مستفهمًا:
- الموضوع
كله انجذابنا الجسدي؟ الرغبة والشغف اللي دايمًا بينا؟ جاوبي يا روان! حاسة بإيه
من ناحيتي؟
شعر بقلبه
يوجف بصدره في تصاعد ربما لم يختبره سوى برؤيته لخيانة "يُمنى" الموثقة
بأم عينيه وتصاعدت أنفاسه بمزيد من الإرتباك بينما خللت هي شعرها لتعيده للخلف
واستقر كفيها بجانبي عنقها وتفقدت عينيها الأرضية اسفلها وهي تشعر بالخوف الشديد
لو اجابت مُفصحة عما يدور بداخلها له ولم تستطع أن تجيبه ثم لمحت قميصه الساقط
أرضًا فتناولته لتخفي به جسدها الذي بالكاد غطى أسفل نهاية ظهرها ثم تركته خلفها
واقفًا دون النطق بأي كلمات..
تبعها ثم هتف
بها ليدفع كتفيها للارتجاف عندما سقط على مسامعها نبرته المنزعجة:
- متهربيش من
الإجابة وقولي حقيقة احساسك..
ابتلعت وهي
تلتفت ببطء لتشاهده وهو لا يزال على نفس حالته ولكنها بدأت تلاحظ أن إلحاحه عليها
بدأ في دفعه للغضب لتجد فحميتيه تزداد صلابة برمقاته إليها وهو يتكلم:
- اتكلمي
وقولي الحقيقة، اجابتك مش هتغير اي حاجة بينا، انا بس عايز اعرف مش اكتر!
قضمت شفتيها
وهي ترمقه وعسليتيها مترددتين باحثة بملامحه عن مصداقيته فيما يقول لتجده يقترب
منها وشعرت بالخوف لو أثر على اجابتها لترفع يديها وصاحت به:
- متقربش،
بلاش تؤثر عليا بقربك يا عمر، احنا عارفين كويس اخرتها بتبقى ايه!
توقف عن الاقتراب
وهو ينظر بعينيها متفحصًا اياها ثم هتف بها:
- مش هقرب..
بس جاوبيني.. أنا مش راجل صبور، انتي عارفة ده كويس..
ابتلعت مرة
أخرى ولكنها تفقدته بشجاعة واجابته بتنهيدة:
- لو بتسأل
عن الراجل الهادي الحنين اللي بيحسسني بالأمان والود والهدوء والألفة وعنده استعداد
يعمل اي حاجة تسعدني فأنا مبحبش ولا عمري حبيت في حياتي غيره..
زفر براحة
وهو يرى المصداقية تصرخ بعينيها وكل ملامحها ثم بعدها شعر بالخوف لرؤية تلك
العبرات الحاجبة للون مُقلتيها وعقد حاجباه بإستغراب ليجدها تستطرد بصراخ عندما
أخذ خطوة نحوها:
- متقربش،
سيبني اخلص كلامي
اخذت خطوة
للوراء لتجد نفسها تلتصق بالمائدة الرخامية خلفها وتابعت:
- أما بقى
الراجل بتاع اوضة عذاب الكفار، بكل تصرفاته الغريبة، الراجل اللي بيتعصب من غير
مبرر وبحس أنه مش عايز غير أنه يتحكم في الهوا اللي بتنفسه، فأنا مبكرهش في حياتي
اكتر منه ومبيحسسنيش غير بالتشتت والخوف..
بنطقها
الكلمتين الأخيرتين انسابت دموعها لتتساقط على وجنتيها ونظرت له بملامح مرتجفة
وأكملت بصوتٍ مهتز:
- أنت اللي
تحدد ده، انا قبلت جوازنا من البداية وصدقني أنا عايزة السعادة والنجاح معاك، حدد
رد الفعل اللي انت بتدور عليها مني يا عمر، اظن احنا مش اغبيا علشان نلاحظ قد ايه
أنا ضعيفة قدامك وبمجرد هدوئك وكلمتين حلوين بهدوء معايا أنا بستجيب ليك من غير اي
رفض.. وانا وانت عارفين اني ببعد دايمًا عن كل اللي بيضايقك لو حصل مني بعفوية مش
بعمله تاني..
ابتعلت بين
بُكائها في محاولة للتغلب على شهقاتها ثم تابعت بلوم:
- عمري ما
كنت شخصية ضعيفة أبدًا قدام حد، بس انت جيت وظهرت في حياتي بكل اللي فيك وشقلبتها،
وبكل افعالك الغريبة بلاقي نفسي مستنية الإشارة الأولى للينك وهدوئك وتصرفك زي اي
شخص طبيعي وكزوج مش عايز غير السعادة مع مراته وبجري وراها زي العامية بالمشوار،
عايز ايه اكتر من كده يثبتلك اني حاسة ليك بمشاعر واني بحبك أو على الأقل في طريقي
لحبك، التعامل معاك مبيسبنيش غي متشتتة وتايهة والرغبة والإنجذاب دول جوايا
مبيبطلوش ابدًا وانا خلاص تعبت ومبقتش عارفة اعمل معاك ايه..
ازداد
بُكائها ليقترب نحوها فصرخت لتوقفه:
- قلتلك
متقربش
لم يكترث
لمنعها اياه وجذبها نحوه ليُعانقها بقوة دافنًا وجهها بصدره لتشعر بخيبتها وهي لا
تستطيع دفعه بعيدًا ووجدته يُمسد ظهرها برفق بحركات متتالية إلي أن هدأ بُكائها
قليلًا ثم رفع أسفل ذقنها وفحميتيه تلتقي بعسليتيها في عناقٍ حميمي يُنبأ بالكثير
من الوعود غير المنطوقة ليهمس لها:
- هاعمل كل
اللي اقدر عليه علشان متبطليش تحبيني يا روان
❈-❈-❈
بمجرد أن فتح
عينيه وهو يتذكر واحد من تلك الوعود التي وعدها بها تساقطت دموعه بغتة، لقد كانت
هنا بين يديه في يوم يشعر وكأنه كان أمس، أو بالكثير أول أمس، والآن، يعرف أنه لم
يفعل ما يستطيع أن يفعله بمنتهى السهولة لأنه لم يُرد أن يجرب أمر واحد ارادته هي
ولكنه رفضه رفض قاطع!!
ماذا لو كان ذهب معها
منذ البداية، ذهب لتلك المرأة أو غيرها، يا ليتها كانت معه اليوم لتستطيع أن تسهل
عليه تلك الكلمات التي يحاول أن يكتبها منذ ثلاثة أيام ولا يستطيع، ولماذا أخفت
عليه الأمر؟ هل يمزح مع نفسه؟ لقد أوشك على قتلها، بالطبع كان سيرفض!!
أمسك بشعره بين أصابعه
وهو على وشك أن يقتلعه وحاول أن يتوقف عن البُكاء، عاد من جديد حيث مكتبه وتفقد
حوله ناظرًا للكثير من أرفف تلك الكتب التي يحفظ البعض منها عن ظهر قلب، ولكن ما
لفت نظره وهو على وشك الاتجاه لواحد من كتبه التاريخية هو ما يقارب من رف بأكمله
يتواجد عليه بعض الكُتب التي لا يدري لماذا يؤجل قرائتها منذ سنوات!
اقترب وبدأ في تفقدها
ليجد أول كتاب منها يتحدث عن أصل اللغة الفارسية ليتعجب وتركه جانبًا، لماذا قام
بشراء هذا الكتاب؟ متى فعلها؟ عقد حاجباه لبرهة وهو يحاول التذكر ولكنه لم ينجح في
فعلها ليُمسك بكتاب اخر وتفقد عنوانه ليجده يتحدث عن المحاسبة ليقلب شفتيه وترك
الكتاب جانبًا ليتفقد الثالث ليستغرب بشدة من عنوانه ليجده يحمل قصص للأطفال!!
أخذ يتفقد تلك الكتب
التي أرجأ قراءتها بارتباكٍ شديد وحاول أن يتذكر متى ابتاعها وعندما وصل للكتاب
السادس الذي يحمل عنوان "بستان الرهبان" عاد خطوة للخلف ثم تذكر متى قام
بابتياع كل هذه الكتب، منذ حوالي ثلاث أعوام، عندما كان يعذب تلك الفتاة التي تشابهها!!
هل هذه هي نوبة الهوس الخفيف وإنفاق المال وشراء كل ما لا يهم والتصرفات الغريبة
التي قصدتها تلك الطبية؟!
سرعان ما تذكر بعض من
كلماتها بآخر مرة ظن أنه كان يخدع عقلها بأنه سيطلقها، ليته صدقها يومها!
❈-❈-❈
- أنت كل
شوية بحال، واظن أنت فاكر الفترة اللي قبل ما نسافر المكسيك، ساعتها جاتلك نوبة
هوس شديدة اوي، ده سبب إنك نسيت كل حاجة، مش عارفة أقولك ايه ولا اشرحلك ازاي
الموضوع محتاج حد يفهمك ازاي حصلك ده، بس أنت مفوقتش منها في الآخر غير بعد ما كنت
بحطلك ادوية في الأكل.. عمر أنت كنت بتغتصبني كل يوم مرة واتنين وتلاتة، بتولع في
البيت، وعايز تنط من البلكونة، مكونتش بتنام، كنت بتاكل بطريقة مش طبيعية وبتشرب
كتير اوي وبتصرف فلوس بشكل مش طبيعي وفاكر كل الناس ضدك.. واتحايلت عليك مليون مرة
نروح لدكتور وأنت رفضت!
حاولت التنفس
بين شهقاتها ليقترب منها بخطوة واحدة وادعى الاندهاش والصدمة:
- انتي
بتتكلمي بجد؟ ازاي أنا عملت كل ده؟ أنتي تقصدي إن كل اللي حصل وقتها أنا مكونتش
واعي للي بعمله؟ ازاي؟!
ليس هناك
أفضل من ادعاء تصديق من أمامك وموافقته بشدة، حسنًا، هو رجل مجنون، فليُصدق هذا
ظاهريًا، بينما حقيقة أنها تحاول أن تُثبت أنه رجل مجنون بمرض عقلي كفاقدي الأهلية
الذين يُعطى لهم أحكام مخففة بسبب اضطراباتهم بقضاياه، لن تُفلح هذه الحيلة معه،
فلقد احتال بها على العديد من المستشارين والقضاة وهو يفر بموكله بعيدًا عن حكم
الإعدام.. أمّا هي فلن تستطيع إقناعه بتخفيف حكمه النهائي عليها! فبعد ما فعلته
لقد أصبحت ميتة بالنسبة له بالفعل!
أومأت له
بالموافقة ولم تستطع أن تتوقف عن البكاء وملامحها ترتجف بشدة ثم اجابته بإطناب وهي
تحاول أن تقنعه للمرة الأخيرة بكل ما تعرفه عن حالته:
- أنا عارفة
إن مالكش ذنب في حاجات كتيرة، وعارفة إنه كان غصب عنك، بس الموضوع هتقدر تعديه،
والناس كلها بتقدر تسيطر على النوبات بالأدوية، بس لازم تفهم وأنا هحاول اساعدك
على قد ما اقدر.. مش معنى اننا هننفصل يبقى خلاص ممكن منرجعش لبعض تاني.. بس أنا
مش هاقدر يا عمر استحمل أعيش وانت مش واعي لنفسك ولتصرفاتك.. أنت كنت هتموتني
وتموت نفسك عشان بس مش عايز تروح لدكتور! يمكن لو حاولت محاولة أخيرة كل حاجة في
حياتك تبقى أحسن، ويمكن نرجع لبعض، بس طول ما أنت مصمم إنك تستمر كده من غير ما
تفهم اللي بتعاني منه عمري ما هاقدر أعيش ساعتها مع راجل هيكون أبو اولادي في يوم
ونصحى في لحظة نلاقي حياتنا اتدمرت بسبب نوبة هوس أو نلاقيك موت نفسك في نوبة
اكتئاب ونخسرك!
ابتلع بصدمة
وأخذ خطوة أخرى نحوها لترمقه بتردد وهي تلمح على وجهه عدم مقدرته على تكوين جُملة
واحدة ورأت كيف انحنى كتفيه وكأنما لسانه انعقد بالكامل لتهتف به بمصداقية ولم
تستطع التوقف عن بُكائها:
- صدقني
هتقدر تعدي كل ده، وهتكون أحسن راجل في الدنيا، مش معنى اننا هنسيب بعض يبقا حياتك
هتبقا وحشة، وممكن وقتها نرجع لبعض.. أنا بس محتاجة وقت، وأنت كمان محتاج وقت
لنفسك قبل أي حاجة في حياتك، لا باباك ولا دراستك ولا يمنى ولا شغلك ولا حتى أنا..
حدق بها
بصدمة ثم تلعثم قائلًا بملامح مذهولة:
- عشان كده
أنا مش لاقي إجابات على أسئلة كتيرة.. صح.. انتي صح!
انهمر المزيد
من دموعها وبالكاد تنفست بين نحيبها ليُردف:
- اوعدك إني
هروح لدكتور..
❈-❈-❈
غبي، غبي
وساذج، هذه الكتب بأكملها طبعات موقعة مما يعني أنه دفع مبلغ ليس بقليل لهذه
النسخ، في نفس الفترة التي كان يحتسي بها الكثير من الخمر ويعمل على سبع قضايا
بوقت واحد ويمارس الجـ ـنس بصخب، ولا ينام، وكل ما يتذكره وقتها أنه كان سعيد
بنجاحه وباستطاعته أن ينتقم من امرأة تشبه "يُمنى"..
هل يمكن أن كل هذه
الفترة كان يُعاني من نوبة هوس؟؟! لقد نطقها لسانه يومها على سبيل السخرية ورفض
عقله رفض قاطع أن تكون هي محقة، هل هذا هو الدليل الوحيد؟ لابد من أن يكون هناك
المزيد!!
تفقد كل ما حوله وهو لا
يبحث سوى عنها، تفاصيلها وكل ما يخصها وكل لحظة قضتها معه سواء كان واعيًا لهذا أم
لا، هل كان ساذج طوال هذه الفترة؟ وهل تحملت هي كل ذلك؟ يا له من مختل وغبي بشدة!
بالرغم من كل
هذا ولكن لابد من أن هناك أمور أخرى تُثبت الأمر، لابد من أن هناك دليل آخر، كيف
يكون مجنون وكان يعمل على الكثير من القضايا ويكسبها في نفس الوقت؟ هل هذا ممكن
الحدوث؟ لا يصدق!! لابد من أن يتقصى المزيد!
بدأ عقله
يذهب مُفكرًا في كيف عليه أن يجد الحقيقة على جنونه وتلك النوبات التي حدثته عنها،
يُمكن أن تكون هذه المرأة تقوم ببيع بعض الكلمات ليس إلا، هي تعمل من أجل المال في
النهاية، هو نفسه يقوم بالتلاعب ببعض الكلمات لكي يحصل على تبرئة متهم!
اخذ ينظر
حوله بجميع أرجاء مكتبه وهو يخلل شعره حتى قارب على اقتلاعه وهو لا يدري ما الذي
عليه فعله فتوجه ليذهب وقام بفتح حاسوبه لكي يلج لكاميرات المراقبة ولكن لم ينجح
في تسجيل كلمة المرور ليلعن حظه وعقله على نسيانه، ربما قام بتغير كلمة المرور وهو
ثمل!
امتدت يده
لهاتفه وهو مضطر أن يلجأ له هذه المرة فربما يملك حل له وبمجرد مهاتفته اجابه
الآخر بمرح:
- يااه،
عمر بيكلمني، هعمل فرح النهاردة!
زفر بضيق
واشتدت عقدة حاجباه ثم حدثه باقتضاب مستفسرًا:
- فاضي؟
اجابه بمزيد
من المرح الذي لا يتلاءم مع مرحلة الصدمة التي يمر بها:
- ولو
مش فاضي افضالك، ها قولي، محاولة انتحار جديدة؟!
لم يُعجبه
مرحه الساخر منه ليكلمه في صلب الأمر مباشرة دون الاستجابة لمزاحه السخيف الذي لا
يطيقه:
- عندي
مُشكلة في password
نسيته ولو عملت reset كل
حاجة هتتمسح..
- لا
لا، كده بقا الطلب يبقا ممكن يا عدي باشا تساعدني عشان محتاجلك ومفيش غيرك
هينفعني!
المزيد من
السخرية لم تنفعه على الاطلاق، لولا أن ما يريد الوصول له أمور شخصية وخاصة للغاية
لما فعلها، ولكن هو يعرف أن كل من يعمل لديه لن يستطيع التجرأ على التدخل في
تفاصيل كتلك فرد ببرود:
- خلاص
هكلم حد من بتوع الـ IT عندي!
هل ينهي
المكالمة؟! سيفعلها إن لم يلحقه!!
- استنى
بس، أخوك الصغير وبيتدلع عليك، هجيلك حاضر.. اديني ساعة كده وهجيلك!
أنهى مكالمته
وجلس يدفن وجهه بين كفيه، يمر بمرحلة شديدة من الصدمة مثله مثل أي مريض، والأمر
ليس بهين، هو ليس رجل غبي، بتلك الأيام تذكر هذا المرض النفسي والعقلي على حد
سواء، في واحدة من قضاياه بالسابق كان هناك متهم قد تمت تبرئته من حكم الإعدام
لأنه فاقد الأهلية بسبب نفس التشخيص ولكن من الدرجة الأولى! ربما هو غبي.. فلقد
تساوى معه على كل حال!!
❈-❈-❈
ولاية مينيسوتا.. بعد ثلاثة أيام..
شابكت أصابعها ببعضها
البعض وهي قد رتبت بالفعل هذا الحديث أكثر من مرة بداخل رأسها، وهي من أعدت لكل
هذه الترتيبات بهذه المصحة، كانت تنتظر فقط أن تطمئن من كونه حي يُرزق قبل أن تكون
قاتلة، لديها بالفعل كل ما يثقل كاهلها وهي تعرفه تمام المعرفة، صدمتها ليست
بالهينة، وما مرت به دفعة واحدة سيكون من الصعب أن تتخلص منه دفعة واحدة.. لا تدري
حقًا كيف سيفيدها علاج بالكلام بعد كل ما حاولت الهرب منه الفترة الماضية!
- لقد
مررت بصدمة، لم تكن بهينة، علاقة مدمرة لزواج دام حوالي سنة، لم أكن على دراية
بالعلاقات وظننت أنني سأستطيع النجاح في ذاك الزواج.. وبعد كل هذا كنت خائفة بشدة،
فلقد انتحر زوجي..
تريثت من
تلقاء نفسها لوهلة ثم صححت ما قالته بسخرية شديدة متكلمة باللغة الانجليزية:
- أو
زوجي السابق، بعد أن حصلت على الطلاق منه.. ولقد تم اتهامي بشكل ما بأنني من
قتلته، كنت انتظر أن أبدأ حتى اطمئن أنني لا ينتظرني قضايا.. لذا تركت بلدي الأم
وسافرت للخارج وركزت على العمل وأنا أحاول التماسك كي لا اتعرض للانهيار.. هناك
الكثير مما حدث لي بعد علاقتنا معًا، فلقد كان زوجي سادي، ومصاب باضطراب ثنائي
القطب من الدرجة الثانية.. وطوال العام السابق كدت أفقد عقلي وحياتي على حد سواء!!
هذه ببساطة مقدمة صغيرة لما عانيته، الأمر ليس وحده هكذا بل..
ابتلعت وهي
تخفض بصرها نحو الأرضية في احراج وهمست:
- أظن
أنني ادمنت الكحوليات!
يُتبع..