-->

رواية تعويذة العشق الأبدي- بقلم الكاتبة سمر إبراهيم- الفصل السادس

 

رواية تعويذة العشق الأبدي 

بقلم الكاتبة سمر إبراهيم 





الفصل السادس 

رواية

تعويذة العشق الأبدي



ماذا أقول لأمي وأنا أخرج من البيت

إلى من أذهب صباح مساء كل يوم

أسرتَني وقبضتَ على مهجتي بين يديك

كيف الخلاص منك، لقد وهنت أمام شفتيك

آهٍ لو عرفت أمي بما صرتُ إليه

لتنادي على الذهبيّة لتعيد عقلي إلي.


"شعر فرعوني"


❈-❈-❈


أغلق الهاتف مع صديقه وظل جالسًا بمقعده شاردًا فيما حدث لا يعلم ماذا يفعل معها وهل ستسامحه وتقبل بأي تعويض مادي تريده أم ستبلغ الشرطة عما حدث خاصة إن أظهرت الأشعة آثارًا جانبية للحادث ووقتها سيذهب كل ما فعله أدراج الرياح.


كاد عقله أن ينفجر من كثرة التفكير وبعد مدة من الوقت قرر أن ينهض ويرتدي ملابسه ليغادر هذه الغرفة عله يلهي عقله بالعمل.


قام بتثاقل شديد واتجه إلى المرحاض ليأخذ حمامًا ساخنًا ليشعر ببعض الاسترخاء وفور انتهائه توجه لغرفة الملابس الخاصة به واختار إحدى حلله الرسمية وخرج ليتابع عمله ولكن وجد قدماه دون أن يدري تتجه نحو غرفتها ليطمئن عليها.


 وقف أمام باب الغرفة وتردد هل يدخل أم لا رفع يده ليطرق على الباب وأنزلها أكثر من مرة إلى أن أتته الشجاعة وطرق بالفعل وانتظر إلى أن فُتح  لبجد فتاة غير مألوفة تقف أمامه.


رفع حاجبه متعجبًا ولوهلة ظن أنه أخطأ في رقم الغرفة فنظر إلى الرقم المدون أعلى الباب ليتأكد أنها الغرفة الصحيحة وعندما تأكد ضيق عينيه وسأل تلك الغريبة التي يراها للمرة الأولى:


-  انتي مين؟ وإزاي دخلتي هنا.


تعجبت كثيرًا من حديثه فرفعت إحدى حاجبيها كما فعل هو وتحدثت معه بتعالي بعض الشيء وهي تنظر له من أعلى لأسفل.


- نعم؟ وانت مين أصلًا  عشان تسألني السؤال ده؟


كاد أن يجيبها ولكن جاءه صوت عهد من الداخل وهي تسأل عن الطارق:


- مين يا رهف اللي جه.


فأجابت وهي تشير نحوه:


- أنا عارفة أشكال غريبة بتتحدف علينا من صباحية ربنا.


تسمر مكانه عندما استمع جملتها ليستوعب عقله أنه تمت إهانته الآن بطريقة لم تحدث له من قبل ولكنه لم يعيرها انتباهًا ودخل إلى الغرفة وهو ينظر لها بازدراء تاركًا إياها فاغرة الفاه لا تصدق وقاحته. 


دخل إلى الغرفة فوجدها جالسة على الفراش فابتسم لها ابتسامة لم تلامس عيناه وتحدث بهدوء يناقض ما بداخله:


- صباح الخير.



عندما رأته نظرت له بتحفز وحدثته بعد أن ربعت يديها أمام صد رها:


- صباح النور، خير؟ حضرتك جاي الصبح بدري أوي كده ليه؟


حمحم بعد أن وضع يده خلف رأسه وهو ينظر لها في حرج مما قالته أمام تلك الغريبة:


-  أبدًا كنت جاي أطمن عليكي وأقولك إن الدكتور جاي كمان ساعة علشان ياخدك المستشفى تعملي الأشعة اللي قال عليها إمبارح وكنت عايز أسألك لو محتاجة حاجة أو ممكن آجي معاكي لو حا…


لم تعطه الفرصة لإكمال حديثه وتحدثت ببرود:


- لا شكرًا، مكانش فيه داعي تتعب نفسك وتيجي فاطمة قالتلي الصبح، اتفضل شوف وراك ايه وأنا رهف معايا مش محتاجة حد تاني.


وكأن دلوًا من الماء المثلج قد وقع على رأسه فخرج من الغرفة دون أن ينطق بكلمة خاصة بعد أن رأى صديقتها تضع يدها على فمها كاتمة ضحكتها لما تعرض إليه من إهانة.



 ❈-❈-❈



أغلقت الباب خلفه ولم تستطع كتم ضحكتها أكثر من ذلك وتوجهت إليها وهي تضحك بصوت عالٍ وتحدثت من بين ضحكاتها وهي تشير نحوه الباب:


- مين الأخ اللي اتغسل واتنشر دلوقتي ده؟ أوعي تقوليلي إن ده هو اللي خبطك بالعربية وصاحب الهلومة دي كلها؟


حركت رأسها لأعلى ولأسفل علامة على موافقتها على حديثها وأخذت تضحك هي الأخرى على ضحك صديقتها حتى أدمعت عيناها من كثرة الضحك لتتحدث رهف من بين ضحكاتها:


-  هو الواد مز صحيح وهيبة في نفسه كدا بس يستاهل اديله كمان مترحميهوش.


هزت كتفيها لأعلى وأسفل في لامبالاة:


- مز على نفسه ماليش دعوة بيه أنا أقف على رجلي بس وامشي من هنا علطول ومش هشوف وشه تاني.


توقفت رهف عن الضحك وحدثتها بجدية:


-  طب و ناوية على إيه؟ هتسيبيه بعد اللي عمله ولا هتبلغي ولا إيه؟


- مش عارفة والله يا رهف لسة مقررتش بس انتي عارفاني مبحبش المشاكل والحوارات على العموم هستنى رأي الدكتور وبعد كدا هتصرف ربنا يسهل.


اقتربت منها واحتضنتها وتحدثت وهي مازالت تحتضنها:


- المهم انك بخير ومعانا الحمد لله دا اللي يهم في الموضوع غير كدا اعملي اللي يريحك.


ربتت على ظهرها وهي تحاول أن تستمد منها القوة:


- سبيها على الله.


انتبهتا على صوت دقات الباب لتذهب رهف وهي تتحدث بطريقة ساخرة:


- لا دا كدا شكله عجبه التهزيق ورجع ياخد جرعة كمان.


ولكنها قطعت حديثها عندما وجدت فاطمة هي من تطرق على الباب ومعها كرسي متحرك فابتسمت لها رهف وسمحت لها بالدخول لتطمئن على عهد وتساعدها على الاستعداد للذهاب لعمل الأشعة قبل أن يأتي الطبيب لاصطحابهم.


 

❈-❈-❈



في نفس الوقت



كانت تستعد كعادتها لاصطحاب أطفالها لمدرستهم قبل الذهاب لعملها ولكنها تفاجأت بصوت صراخ ابنتها فهرعت إليها لترى ما بها فوجدتها واقعة على الأرض تبكي وتمسك بزراعها فأسرعت لفحصها لتجد جرح سطحي في مرفقها فحملتها واجلستها على الفراش وذهبت مسرعة لتحضر علبة الإسعافات الأولية وأخذت تمسح دموعها وتهدئها قبل تنظيف الجرح وسألتها بلهفة وهي تعقم الجرح


- إيه اللي عورك كدا يا أيسل يا حبيبتي؟


أشارت وهي تبكي نحو شقيقها الذي كان يقف بعيدًا بلامبالاة فتوجهت أنظار ضحى إليه وحدثته بتعجب:


- انت اللي وقعت أختك وعور تها كدا يا سليم؟!




فأجابها دون خوف أو تردد وكأنه فعل شيء طبيعي:


- أيوه يا مامي أنا اللي ضربتها عشان بتعلي صوتها عليا.


إجابته كانت صدمة بالنسبة إليها، صدمة ألجمت لسانها لا تستوعب كيف يقول ذلك فاقتربت منه ونزلت لمستوى طوله وهي تحدثه بأهدى نبرة صوت لديها:


-  يعني إيه علت صوتها عليك؟ وحتى لو علت صوتها عليه دا يديك الحق انك تضربها بالشكل ده؟!


رد عليها بتلقائية وكأنه لم يفعل شيء:


-  وإيه يعني ما بابي بيضربك لو رفعتي صوتك عليه وانتي مبتقدريش تتكلمي.


صفــ عة أخرى نزلت عليها فكادت أن  تفقدها عقلها ونظرت لابنها بتفحص تحاول استيعاب ما قاله وفعله وكيف كان تأثير والده السيء عليه لتدرك الآن أنها تحصد ما زرعته بنفسها فلقد استمرت إلى الآن في تلك الزيجة من أجل أن يتربى أبنائها بين والديهما ويكبروا في بيئة سوية ولكن ما حدث الآن يضر ب بكل ما اقتنعت به عرض الحائط فلقد ضرت أطفالها بدلًا من أن تفيدهم وها هي النتيجة فطفلها  يتحول دون أن تدري لنسخة طبق الأصل من والده.


كبحت جماح غضبها لأقصى درجة ممكنة فالعنف الآن سيأتي بنتائج عكسية،  اقتربت أكثر منه وأخذت تربت على ظهره وهي تقول بحنان:


-  لا يا حبيبي بابي مبيضربنيش ولا حاجة وبعدين فيه ولد شاطر يضرب اخته الصغيرة بالشكل ده ويخليها تعيط يلا تعالى اعتذرلها وطبطب عليها وبوس دماغها.


قالت ذلك وهي تمسكه من ذراعه ليقترب من شقيقته ولكنه فاجأها أكثر بردة فعله عندما جذب ذراعه منها ووقف بتحفز وهو يصيح ويقول:


- مين ده اللي يعتذر أنا راجل معتذرش وعادي لما أضر بها واكسر دماغها كمان إيه المشكلة؟.


دون أن تدري عصف بها الغضب واحتد صوتها عليه لأول مرة:


-  إيه الكلام الفارغ اللي أنت بتقوله ده؟ ومين قالهولك؟ وإزاي تتكلم عن أختك أو تعاملها بالاسلوب ده قدامي؟ اومال من ورايا بتعاملها إزاي؟ وإزاي أصلا تكلمني بالطريقة قليلة الأدب دي؟ أنا ربيتك على كدا؟



لمحت بعض الخوف على ملامحه وارتد بضع الخطوات إلى الخلف ولكنه تحدث بما سمعه وتشبع به:


-  تيتة ليلى هي اللي قالتلي كدا وإن أنا الراجل ولازم أيسل تسمع كلامي ولو مسمعتوش تاخد على دماغها.


تجمدت ملامحها للحظات وكأنها قد أصيبت بصدمة كهربائية فلم يستطع عقلها فهم ما حاولت والدة زوجها زرعه في طفل لم يتجاوز السابعة وجعله يعامل شقيقته بتلك الطريقة الفظة ولم التعجب فهي نفس المرأة التي قامت بتر بية زوجها من قبل ليصل لهذه النتيجة.


جلست أرضًا لا تحرك ساكنًا لبعض الوقت فأثارت ريبة صغارها وأصابتهما بالفزع من حالتها هذه فنزلت أيسل من على الفراش واقتربت منها وجلست بجوارها وهي تبكي وتمسد  يدها التي وجدتها كلوح الثلج ليزداد خوفها أكثر وأخذت تنادي عليها بصوت عالٍ:


- مامي انتي كويسة فيكي إيه؟ ردي عليا.


أما عن سليم فجلست على الفراش دون أن يحرك ساكنًا لا يعي فيما أخطأ فلقد رأى والده يضرب والدته مرارًا وتكرارًا دون أن يحدث شيء كما أن جدته أكدت له أنه يحق له معاقبة شقيقته وأنه هو الرجل وله الحق في تقويمها.


ظلت هكذا لبعض الوقت وكأنها انفصلت عن الواقع يُعرض أمامها شريط حياتها بالكامل فترى أول صف عة أخذتها منه لأنها تأخرت في إعداد الطعام وتلى ذلك صفعا ت وصفعا ت كانت معظمها أمام أطفالها أو خلف باب غرفتها المغلقة ولكنها لم تكن تعلم أنهما قد يتأثرا إلى هذا الحد.


بدأ صوت بكاء طفلتها يتسرب لأذنها شيئًا فشيئًا حتى بدأت تستعيد وعيها لترى حالتها وهي تفترش الأرض وابنتها واضعة رأسها على قدميها ولا تتوقف عن البكاء فربتت على ظهرها لكي تهدئ من روعها وحدثتها بحنان أمومي:


-  اهدي يا أيسل  متعيطيش أنا كويسة أهه.


قالت ذلك ووجهت نظرها لطفلها الذي تتضح عليه علامات الخوف والتشتت وعدم الفهم فأشارت إليه ليقترب منها فهرع إليها وارتمى في أحضانها وهو يتمتم ويقول:


- أنا آسف يا مامي متزعليش مني.


وضعت أصابعها بداخل شعره تمشطه له كما اعتادت أن تفعل عندما يحزن وحدثته بحنان وصوت منخفض:


-   مش أنا اللي المفروض تعتذر مني يا سليم دي أختك اللي المفروض تبقى سندها وضهرها وانت اللي تحميها لو حد حاول يؤذيها مش تبقى انت مصدر خوفها وبكاها.


رفعت رأسه  ونظرت الى عينيه وهي ممسكة بذقنه وتحدثت بلهجة حاسمة:


-  اللي حصل النهاردة ميتكررش تاني ولو اتكرر انا هعاقبك، أوعى تخلي أي حد مهما كان يقسيك على أختك أو يخليك تستقوي عليها ولما جدتك تقولك الكلام اللي قالتهولك ابقى قولها عمري ما هبقى راجل وانا بضرب اختي واخليها تخاف مني وتكرهني انا هبقى راجل لما أخليها تحبني وتعتبرني سندها وصاحبها، فاهم يا سليم؟


حرك رأسه لأعلى ولأسفل علامة على فهمه لما حدثته به لتعيده لأحضانها مرة أخرى هو وشقيقته وهي تبكي وتحدثهما معًا:


-  أوعوا تزعلوا من بعض تاني أو حد فيكم يمد إيده على التاني فاهمين؟


جاءها الرد على شكل إماءة من رأسيهما لتنتبه إلى مرور الوقت وأنهما قد تأخرا على موعد المدرسة وهي أيضًا تأخرت عن عملها لتبعدهما عن أحضانها بعد أن مسحت دموعها:


-  عاجبكم كده أهو احنا اتأخرنا يلا في ظرف خمس دقايق تكونوا جاهزين عشان ننزل.


ابتسما إليها وتوجها لكي يكمل كل منهما ملابسه وهما يتمتمان بمرح:


- حاضر يا مامي.


تنهيدة حارقة خرجت من صد رها وهي تشاهدهم أمامها لتنهال الأفكار على عقلها ف فيما يبدوا أن القادم أسوأ كثيرًا مما كانت تتخيل.




❈-❈-❈



خرجت مسرعة علها تستطيع الوصول إلى المدرسة في الموعد المحدد واستقلت المصعد لتجد جارتها الطيبة "أمل" التي تقطن في الشقة التي تعلو شقتها.


سعدت أمل برؤيتها كثيرًا فصافحتها بحرارة وقامت باحتضانها وتقبيل وجنتيها كما قبلت الطفلين وحدثتها بود وهي تبتسم لها:


-  إيه يا دودو عاش من شافك انتي فين يا بنتي؟ معنتش بشوفك خالص غير بالصدفة وحشتيني جدا ووحشتني قعدة النميمة بتاعة زمان.


ردت عليها بنفس الإبتسامة الصافية:


-  وانتي يا مولا وحشاني جدًا، غصب عني والله انتي شايفة أهه ما بين البيت والولاد والشغل مبفضاش أبص ورايا حتى.


- عارفة اللي انتي فيه يا حبيبتي وعذراكي ربنا يعينك انتي بس بتوحشيني.



قالت ذلك أثناء وصول المصعد للدور الأرضي ف تصافحا ثانية على وعد من ضحى بالذهاب إليها يوم العطلة لتشكي كل واحدة منهن همومها للأخرى وذهبت كل واحدة في طريقها.



❈-❈-❈




خرج من الغرفة لا يرى أمامه من كثرة الغضب فلم يتعرض لمثل تلك الإهانة من قبل ولم يعامله أحد كما عاملته هي.


خلل شعره بعصبية شديدة فلا يعلم لماذا تلجم لسانه أمامها ولم ينطق ولو بكلمة ربما لأنه يعطيها العذر لذلك فلقد استيقظت لتجد نفسها كانت في سبات لمدة شهرين ولا أحد يعلم عنها شيء وأيضًا لا تستطيع التحرك وهو السبب في كل ذلك.



نفخ خديه بعنف ليخرج ما برئتية من هواء وذهب ليباشر عمله بذهن مشتت فكان يصب جام غضبه على الموظفين حتى وإن لم يخطئوا في شيء ليتعجب الجميع من حالته الغريبة عليهم.


رنين هاتفه قاطعه عن توبيخ ذلك الموظف المسكين ليرد بعصبية دون أن يرى اسم المتصل.


- ألو


ليأتيه صوت مروان:


- أيوة يا يونس أنا بكلمك من المطار الطيارة هتطلع بعد نص ساعة من دلوقتي يعني الساعة تمانية ونص  وهكون عندك إن شاء الله على على تسعة ونص عشرة بالكتير أوي.


صمت لبعض الوقت قبل أن يكمل:


- بس عايز أقولك إني مش جايلك لواحدي.




❈-❈-❈



في مطار القاهرة


يجلس في انتظار النداء على رحلته ليصعد إلى الطائرة ويذهب إلى صديقه ولكنه تفاجأ بالقادمون أمامه ليتوقع أنهم ذاهبون لنفس وجهته ليتمتم ساخرًا من حظ صديقه العثر:


-  اللهم صل عالنبي، دا انت موعود النهاردة يا عم يونس يارب يكونوا رايحين مكان تاني.


هز رأسه بعدم تصديق ثم ذهب ليلقي التحية عليهم حتى وإن كان غير مرحب به.


تغيرت ملامح وجه جلال عندما وجد هذا القادم نحوه بابتسامته المتكلفة ليلعن حظه الذي جعله يتقابل معه.


اقترب مروان منهم ماددًا يده ليصافح جلال وهو يبتسم ابتسامة لم تلامس عيناه ويقول:


-  دا ايه الصدفة الجميلة دي ازي حضرتك يا جلال بيه أخبارك إيه؟


تردد قليلا أن يمد يده ليبادله المصافحة ولكنه صافحه في النهاية على مضض ولم يرد عليه سوى بكلمة واحدة:


- كويس.


أحس بالإحراج من هذه المصافحة الباردة فوجه نظره لتلك الواقفة بخيلاء بجوار زوجها ومد إليها يده يصافحها برسمية هي الأخرى:


-   أهلا بحضرتك يا سوزان هانم.


مدت أطراف أصابعها لتصافحه ببرود هي الأخرى ومثل زوجها لم ترد سوى بكلمة واحدة وهي تنظر إليه من أعلى الى أسفل باستعلاء:


- أهلًا.


اكتفى بإماءة من رأسه ك تحية لسيلين والتي ردتها بالمثل  ثم استأذن باحترام  ليذهب بعدما استشعر بأنه غير مرغوب به من ثلاثتهم وبعدما علم أنهم بالفعل ذاهبون معه على نفس الطائرة إلى الأقصر وليس لوجهة أخرى.



ابتعد عنهم بمسافة كافية ثم أخرج هاتفه ليخبر صديقه بما هو قادم إليه وعندما أجابه رد عليه قائلًا:


"أيوة يا يونس أنا بكلمك من المطار، الطيارة هتطلع بعد نص ساعة من دلوقتي يعني  الساعة تمانية ونص وهكون عندك إن شاء الله على على تسعة ونص عشرة بالكتير أوي.


صمت لبعض الوقت قبل أن يكمل:


- بس عايزة أقولك إني مش جايلك لواحدي.



تعجب يونس كثيرًا من حديثه وعقب باستفهام:


-  يعني إيه مش فاهم؟ مين اللي جاي معاك؟


-  حزر فزر كدا مين اللي جاي معايا؟


تحدث بنفاذ صبر:


-  مروان وحياة أبوه أنا فايق لهزارك قول علطول جاي مع مين.


- طب بالراحة بس متزوقش كدا.


أخذ نفس عميق وصمت لبرهة وقبل أن يجيبه وجده يتأفف وتحدث بعصبية مفرطة:


-  ما تنجز يا بارد بدل ما اقفل السكة في وشك أنا مش فايق لبرودك عالصبح.


- خلاص يا عم تصدق اني غلطان اني كلمتك، على العموم أبوك جلال بيه ووالدتك سوزي هانم وسيلين جايين معايا على نفس الطيارة.


لحظات من الصمت مرت عليهما فلم يستوعب عقله ما يقوله صديقه ف مجيئهم الآن ليس بالوقت المناسب بالمرة:


-  انت متأكد من اللي بتقوله ده يا مروان مش وقتهم خالص دلوقتي.


- متأكد مع الأسف علشان كدا قولت أقولك عشان تعمل حسابك بدل ما تتفاجئ بيهم قدامك.


تنهيدة حارة خرجت من صدره فلا يدري ماذا يفعل الآن:


- ماشي يا مروان متشكر انك قولتلي ومتزعلش مني لو اتعصبت عليك انت مش عارف أنا في إيه من الصبح.


ابتسامة صادقة ارتسمت على فمه قبل أن يجيبه:


- ولا يهمك يا حبيبي عارف ومقدر اللي أنت فيه إن شاء الله كله هيعدي على خير.


-  يارب


أنهى المكالمة مع صديقه وفي داخل رأسه حرب طاحنة لا يعلم إلى أين ستنتهي ف فيما يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى.



❈-❈-❈



بعد مرور ساعة



تجلس على ذلك الكرسي المتحرك المقيت بعد أن انتهت من تلك الفحوصات والأشعة تنتظر أن يأتي الطبيب ليخبرها بالنتيجة وبجوارها رهف ممسكة بيدها ل تدعمها وتبث بها الطمأنينة، وبعد قليل من الوقت حضر الطبيب بالفعل وجلس خلف مكتبه في مواجهتها ليتحدث معها  بعملية شديدة:


- بصي يا عهد أنا هكلمك بصراحة علشان تبقي شايفة الصورة كاملة قدامك و تتصرفي على أساسها.


نظرت إليه وقد وقع قلبها في قدميها فهذه بداية غير مبشرة بالمرة فيبدو أن القادم ليس جيدًا ولكنها حاولت استجماع قوتها وتحدثت وهي تمسك بقوة بيد رهف:


-  تقصد ايه يا دكتور؟ أرجوك قول اللي عندك.


صمت قليلًا ثم حمحم وتحدث وهو ينظر إلى تقارير الفحص والأشعة التي أمامه ثم نظر إليها بأسى:


-  انتي طبعا عارفة إن ال coma الطويلة   بتأثر على وظائف الجسم وانتي قعدتي شهرين في coma "غيبوبة"  وكان عندك كسر في ايدك ورجلك وطبعا كنتي عايشة على ال Nutrients  "المحاليل المغذية".


أومأت له دون أن تنطق فأطنب هو :


- طبعا كان جسمك بيخس جدا وبنضطر نفك الجبس ونضيقه كل فترة ودا عمل Muscular atrophy "ضمور في العضلات" خصوصًا في القدم اللي كانت مكسورة، صحيح فكينا الجبس بس انتي للأسف مش هتقدري تمشي عليها دلوقتي خالص لأنك لو دوستي عليها ممكن الكسر يتجدد تاني والمرادي هيبقى double fracture "كسر مضاعف"


صدمت من حديثه ورفض عقلها استيعاب معظم ما قاله فتحدثت بتلعثم وعيون ممتلئة بالدموع:


-  تقصد ايه بكلامك ده يا دكتور؟ يعني انا مش هقدر أمشي تاني؟


نفى حديثها برأسه معقبًا:


-  لا طبعا أنا مقولتش كده بس لازم تخضعي ل

physical therapy "علاج فيزيائي" لمدة شهرين على الأقل هتتحركي خلالهم بالكرسي المتحرك وبعد كده هنشوف هتقدري تمشي على عكاز ولا لأ وده برضه مش هيبقى علطول اتطمني هيبقى لفترة بس على ما تقدري تستغني عنه وتمشي طبيعي بس لازم يكون عندك صبر و متستعجليش و تدوسي على رجلك عشان العلاج الفيزيائي يجيب نتيجة سريعة


لم تستطع النطق واكتفت بتحريك رأسها لأعلى ولأسفل كعلامة على تفهمها وأشارت الى رهف لتصطحبها الى الخارج فاستأذنت كلا من رهف وفاطمة من الطبيب وخرج ثلاثتهن من الغرفة.


وبعد خروجهن قام الطبيب بمهاتفة يونس ليخبره بما حدث كما طلب منه.



❈-❈-❈



خرجت من غرفة الطبيب ولم تستطع أن تتمالك نفسها من البكاء فأوقفت رهف الكرسي وجلست على ركبتيها أمامها وهي تبكي هي الأخرى ولكنها أخذت تمسح دموع عهد وتمسد على شعرها وظهرها علها تهدأ قليلًا وحدثتها من بين دموعها:


-  اهدي عشان خاطري هتبقي كويسة ان شاء الله انا واثقة،  انتي قوية يا عهد وتقدري تعدي المحنة دي وانتي سمعتي الدكتور قالك كل الحكاية كام شهر مش أكتر وهتبقى زي الفل ننتظم بس في العلاج الطبيعي اللي قال عليه ونسمع كلام الدكاترة وكله هيبقى تمام وهتقفي على رجلك قبل المدة كمان أنا واثقة فيكي.



لم تستطع أن ترد عليها كان عينيها تذرف الدموع بلا توقف مما جعل رهف وفاطمة يبكيان بحرقة على بكائها حتى بدأ الناس من حولهم ينظرون إليهن وهنا أمسكت فاطمة الكرسي وسارت مسرعة وبجوارها رهف حتى وصلن إلى السيارة وركبن بها لتتجه بهن إلى الفندق مباشرةً.



❈-❈-❈



أنهى المكالمة مع الطبيب ولم يستطع ان يتمالك نفسه فقذف الهاتف في الحائط الذي أمامه وأخذ يدور حول نفسه داخل حجرة مكتبه، تتضارب المشاعر بداخله ما بين الشعور بالذنب والشفقة تجاهها وبين الغضب من نفسه وما اقترفت يداه.


شعر بغصة في قلبه  وكأنه يعتصر من الألم فقام بفك رابطة عنقه حتى يتخلل بعض الهواء إلى رئتيه عله يشعر ببعض الراحة ولكن هيهات لم يتغير شيء ولا يعرف ما سر ذلك الألم ليهديه عقله بأنه بسبب الشعور بالذنب ليس إلا.


وقف يستند على مكتبه متهدل الأكتاف يفكر فيما ستكون ردة فعلها بعد ما سمعته من الطبيب فمن المؤكد أنها لن تصفح عنه بسهولة ومعها كل الحق في ذلك حتى لو قررت الإبلاغ عما حدث لا يلومها أبدًا وقرر ألا يحاول اثنائها عن ذلك فهذا ما اقترفت يداه وعليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله.


التفت إلى الخلف جراء فتح الباب بصورة مفاجئة دون الطرق عليه ليتفاجأ بسيلين تندفع نحوه وتعانقه بحرارة دون أي مقدمات.


تسمر مكانه ولم يبدي أي رد فعل جراء فعلتها ليجدها تتعلق في عنقه وتنظر له وهي تبتسم وتقول:


- وحشتني أوي يا يونس، كده برضه متكلمنيش المدة دي كلها، ولا حتى بترد على تليفوناتي، حتى حفلة افتتاح الفندق مقولتلناش نحضره، أنا كنت حالفة مكلمكش تاني بس لما طنط و uncle كلموني وقالولي إنهم جايين أنا نسيت كل الزعل وجيت عشان أشوفك.


هذا ما كان ينقصه حقًا فها هي مصائبه تزداد واحدة ولكن هذه المرة هي المصيبة الأصعب على الإطلاق.


أزال يديها من حول عنقه وابتعد عنها بضع خطوات وحدثها بفتور اعتادت هي عليه:


- معلش كنت مشغول الأيام اللي فاتت زي ما انتي شايفة.


ابتلعت طريقته الجافة ولم تعلق عليها فلقد اعتادت على ذلك منه وأخذت تدور حول نفسها لتشاهد المكتب وهي تتحدث بحماس:


-  waw المكتب تحفة بجد.


ثم نظرت إليه وعينيها تنطق بالحب الذي يتجاهلك منذ سنوات:


- الفندق كله تحفة يا يونس ذوقك يجنن.


رد عليها باقتضاب فهو ليس في مزاج رائق ليتبادل معها أطراف الحديث:


-  متشكر.


وقبل أن تتحدث مرة آخرى دخل والده ووالدته فاندفعت والدته نحوه تعانقه وتقبله وهو بادلها العناق فلقد اشتاق إليها للغاية ليتحدث والده بعملية اعتاد عليها:


-  طب استني أسلم عليه الأول يا سوزي وبعدين خديه ليكي خالص:


فصلت عناقهما وهي تنظر لزوجها:


-  أعمل إيه بس يا جلال مهو واحشني بقالي شهور مشوفتوش.


نظر إلى والده واكتفى بمصافحته وهو يقول:


-  ازيك يا بابا عامل ايه؟


أومأ له وهو يبتسم:


-  بخير يا يونس انت اللي إيه أخبارك؟ أنا شايف الفندق ماشي كويس جدا وبصراحة مكنتش متخيله بالشكل ده برافو عليك.


قال ذلك أثناء دخول مروان ليذهب إليه يونس يعانقه وجذبه ليوقفه أمام والده:


-  كله بفضل مروان يا بابا لولاه مكنتش وصلت لنص النجاح ده.


تغيرت ملامح والده ونظر بغضب لمروان وهو يقول:


-  مفهوم، مفهوم.


أحس يونس بتوتر الجو بين والده وصديقه وأنه مازال يضمر له الكره بسبب ما حدث بينه وبين والد مروان فأراد تغيير مجرى الحديث وهو يشير لوالديه متجاهلًا تلك الواقفة يتآكلها الغيظ من طريقته الفظة معها:


-  طيب تحبوا تطلعوا أوضكم ترتاحوا شوية ولا آخدكم لفة في الفندق.


تحدث والده وهو ينظر لمروان نظرات ذات مغذى:


-  لا نرتاح شوية الأيام جاية كتير واحنا قاعدين كام يوم نتفرج بعدين.


طلب يونس خدمة الغرف والذي طلب منهم منذ قليل تجهيز  جناح لوالديه وغرفة لسيلين ليرى هل انتهوا أم لا وذهب معهم لكي يوصلهم ثم عاد إلى مروان ليقص عليه ما حدث.



❈-❈-❈


كان ينتظره في المكتب حتى عاد وقبل أن يتحدث سبقه يونس قائلًا بأسف:


-  حقك عليا يا مروان متزعلش من معاملة بابا بس انت عارفه هي دي طريقته خصوصا بعد اللي حصل بينه وبين uncle فؤاد



تنهد ونظر إليه بتفهم:


-  عارف وفاهم اللي أنت بتقوله، انا كل اللي مزعلني إنهم خسروا بعض بعد السنين دي كلها واحنا اللي متاخدين في الرجلين لا بابا طايقك ولا باباك طايقني والاتنين زعلانين من شراكتنا وحاجة آخر قرف.


ربت يونس على كتفه وهو يؤازره متفقًا مع ما قاله:


-  عندك حق في كل اللي قولته بس هنعمل ايه بس ربنا يهديهم وأديك شوفت حاولنا قد أيه نصالحهم على بعض ومفيش فايدة هما أحرار بقى.


غير مروان مجرى الحديث ليعلم ما حدث مع الفتاة:


-  المهم سيبك من الموضوع ده واحكيلي اللي حصل.


شعور بالحزن والأسى غمراه من جديد فتوجه ليجلس على الأريكة الجلدية التي في الغرفة وشابك أصابعه وهو ينظر أرضًا وأخذ يقص عليه ما حدث:


-  زي ما حكيتلك الصبح فاقت إمبارح وطبعا مقولكش على المعاملة الزفت والكلام اللي زي السم اللي بسمعه ومش منها وبس تخيل دا من صاحبتها كمان.


نظر إليه بسخرية قبل أن يكمل


- أخوك بقى ملطشة على آخر الزمن.


لم يتمالك نفسه من الضحك وأخذ يتحدث وهو يضحك:


- إيه ده عشت وشوفتك بتتهزأ.


وقبل أن يرد عليه يونس الذي غضب بشدة من سخريته منه تحدث وكأنه تذكر شيء:


- أنت بتقوله صاحبتها؟  ودي جت منين وامتى؟


- معرفش أنا قولت أعدي عليها الصبح عشان أطمن عليها وأقولها على ميعاد الدكتور لقيت واحدة غريبة عندها وسبحان الله نفس طولة اللسان فولة واتقسمت نصين.


ضحك مروان مرة أخرى وهو يقول:


-  لا دنا اتفرج بقى نفسي اشوف مين اللي قدرت تهزأك وتاخد بتار البنات اللي جيبت أجلهم ببرودك وأولهم الغلبانة اللي لسة طالعة مع مامتك وباباك دي.


استشاط غضبَا من طريقته:


-  تصدق أنا غلطان اني بحكيلك على حاجة امشي ياد من هنا.


قال ذلك وهو يمسك بمنفضة التبغ التي على المنضدة التي أمامه وكاد أن يقذفه بها ليضع مروان يده أمام وجهه وهو يضحك:


- خلاص، خلاص احنا آسفين يا صلاح.


قال ذلك ثم نظر له بجدية وهو يتحدث:


- المهم طمني الدكتور قال إيه؟


تنهد بحزن وعادت ملامح وجهه للجدية وأعاد المنفضة مكانها مرة أخرى:


- راحت عملت الفحوصات و الأشعات اللي الدكتور طلبها من شوية وللأسف النتيجة مش كويسة.


ضيق ما بين حاجبيه وهو يسأله:


- مش كويسة إزاي؟


- الدكتور بيقول ان الغيبوبة أثرت على رجليها بسبب الكسر وهتفضل على كرسي متحرك فترة وبعد كده تمشي على عكاز.


شعر بالحزن الشديد على ما حدث لتلك الفتاة التي لم يراها من قبل:


-   يا خبر دا الموضوع كبير فعلًا.


أماء له برأسه فأكمل:


-  طب وانت ناوي تعمل ايه؟ 


أشعل لفافة تبغ وأخذ منها نفس عميق وأراح رأسه إلى الخلف:


-  مش عارف، حقيقي مش عارف بس هعملها اللي هي عايزاه مهما كان ايه حتى لو عايزة تبلغ انا مستعد أتحمل نتيجة غلطتي.


اقترب منه وأخذ لفافة التبغ وأطفأها في المنفضة وهو يتحدث:


-  لا فوق كدا واعقل الكلام بلاغ إيه بس؟ إن شاء الله مفيش بلاغات ولا حاجة أنا هتكلم معاها و أحاول أقنعها متتدخلش انت في الموضوع ده نهائي وياريت متظهرش دلوقتي علشان الحكاية متتعقدش أكتر من كدا.


- ماشي، أعمل اللي تشوفه.



❈-❈-❈



جميلة هي في كل حالاتها إن ظهرت نهارًا تمثلت الشمس في عينيها لتزيدها بريقًا وتوهج، وإن ظهرت ليلًا تمثل الليل في لون شعرها اللامع فيزيدها جمالًا ورقة.


جميلة وقوية ك إيزيس، وماعت، وساحرة تخطف القلب كما فعلت نفرتيتي مع إخناتون حتى جعلته لا يرى امرأة غيرها.


كان ذلك ما يخطر على بال حابي كلما رآها فتوالت اللقاءات فيما بينهما في حديقة القصر ليعتادا على تبادل الحديث دون خجل منها أو خوف و ترقب منه.


لقاءات بدأت رسمية حتى اعتاد كل منهما على الآخر فأخذت اللقاءات تأخذ منحنى آخر حتى صارت تحدث ليلًا في مكان بعيد عن الأنظار يتبادلا به القبلا ت المحمو مة التي يبث خلالها حبه وشو قه إليها وتحاول هي أنا تبادله بخجل عذري راق له كثيرًا.


لاحظت ماكنيا ما يحدث ونصحتها كثيرًا أن تكف عن ذلك حتى تتجنب غضب والدها إن وصل إليه الأمر ولكنها أبت أن تستمع إليها منساقة وراء مشاعرها الغضة التي تشعر بها للمرة الأولى في حياتها.


تعددت اللقاءات حتى باتا حديث من بالقصر ليصل الأمر لوالدها بالفعل.

"الأميرة الصغيرة تقابل قائد الحرس كثيرًا وتجالسه وتتحدث معه دون حفظ المقامات فيما بينهما"


أرسل إليها والدها يطلب رؤيتها فذهب إليه خائفة تترقب تخشى أن يكون قد علم شيء، وتأكدت من ذلك عندما دخلت إليه قاعة العرش لتجده ينظر إليها وعينيه تخرج شرارات الغضب وعندما رآها أمر الحرس بإغلاق الباب وتحدث معها بصوته الجهوري ودون أي مقدمات:


- ما الذي بينكِ وبين قائد الحرس أيتها الأميرة إيزادورا.


فركت أصابعها وكاد قلبها أن يتوقف من كثرة الخوف وتحدثت بتلعثم:


-  لا، لا شيء بيني وبينه، وما الذي يمكن أن يكون بيننا؟


قام من مقعده واقترب منها بغضب وتحدث وهو يشير إليها بإصبعه


- أنا من يسأل هنا لا أنتِ، وإن لم يكن هناك شيء بينكما كيف انتشرت الشائعات داخل القصر حتى وصلت إليّ هنا في قاعة العرش؟


ازداد خوفها وتلعثمها مما جعله يتأكد مما وصل إليه  

-  لا، لا أعلم عما تتحدث فلا شيء بيننا فلم أره سوى بضع مرات أثناء تجولي في الحديقة برفقة وصيفاتي.


دار حولها في ترقب وهو يمسك بذقنه:


-  حسنًا إن كان الأمر كذلك فأنتِ ممنوعة من الذهاب إلى الحديقة وإن أردتِ التجول يمكنكِ أن تتجولين في القصر كما تريدين.


نظرت إليه بعيون مليئة بالدموع ثم نظرت أرضًا مرة أخرى:


-  كيف ذلك مولاي؟ فهل سأصير حبيسة هذا القصر.


-  نعم هذا ما سيحدث إلى أن أرى ما الذي سأفعله مع هذا المصري.


تملكها الخوف أكثر عندما استمعت لجملته الأخيرة فنظرت إليه ياستفهام:


-  ماذا تقصد أبي؟


-  لا شأن لكِ بذلك والآن عودي إلى غرفتك ونفذي أوامري.


قال ذلك وهو يشير إلى باب القاعة لتخرج منها مهرولة ولكن قبل وصولها إلى الباب وجدته يقول لها:


-  أرسلي إليّ ماكنيا.


التفتت إليه ونظرت له برعب وهي تقول بقلة حيلة:


-  حسنًا، كما تأمر مولاي.



يتبع