رواية تعويذة العشق الأبدي - بقلم الكاتبة سمر إبراهيم - الفصل التاسع
رواية تعويذة العشق الأبدي
بقلم الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل التاسع
رواية
تعويذة العشق الأبدي
كما يصير الخمر في الماء كالسائل الواحد
ذاب حُبك في جسدي وصارا كيانًا واحدًا.
"شعر فرعونية"
بعد مرور شهرين
تقف متكئة على تلك العصا تنظر لأرجاء الغرفة التي مكثت بها ما يقرب من الخمسة أشهر لا تحمل معها سوى الذكريات السيئة ما بين المكوث في تلك الغيبوبة أو عدم القدرة على السير والتحرك بذلك الكرسي المتحرك التي باتت لا تكره سواه وها هي الآن وأخيرًا استطاعت أن تسير على قدميها لتقرر مغادرة ذلك المكان دون رجعة هي حتى لم تأخذ رأي طبيبها او فاطمة حتى لا يحاولا إثناؤها عن رأيها.
نظرت إلى رهف المنهمكة في تحضير الحقيبة نظرة امتنان وحب فقليل ما تجد صديق مثلها في هذه الأيام.
اقتربت منها بخطوات بطيئة وربتت على ظهرها بحنان فالتفتت إليها وعلى وجهها إبتسامة صادقة لتحدثها عهد وهي تنظر إلى الحقيبة التي قاربت أن تغلقها:
- إيه، خلصتي يا حبيبتي؟
أماءت لها وهي تجيبها دون التفريط في ابتسامتها:
- ايوة يا دودو كله تمام.
قالت ذلك وهي تنظر إلى خزانة الملابس الممتلئة بالملابس ثم أردفت قائلة:
- لسة برضه مصممة على رأيك ومش ناوية تاخدي حاجة من الهدوم دي معاكي؟
شعرت بكثير من الاستياء عند ذكرها لذلك الأمر والتي ظهرت علاماته بسخاء على وجهها ونفت برأسها وهي تتحدث بازدراء:
- لا مش عايزة حاجة تفكرني بالأيام دي وخصوصا لو كانت الحاجة دي منه، الله الغني عن الحاجات دي.
أنهت حديثها وهي تخرج الهاتف الذي أعطاه لها من حقيبتها وتضعه بجوار الفراش لتتعجب رهف كثيرًا من فعلتها تلك وحدثتها بتعجب:
- حتى الموبايل هتسيبيه يا عهد؟ بتهرجي على فكرة.
- ولا بهرج ولا حاجة قولتلك مش عايزة منه حاجة وخصوصا لو حاجة غالية زي دي انتي عايزاه يفتكر إني خدت الحاجات دي تعويض عن اللي حصل؟
تعلم أن رأس صديقتها أصلب من الصخر وأنها مادامت عزمت على شيء ستفعله فلم تشأ أن تجادلها كثيرًا في أمر تعلم أنها لن تحيد عن قرارها به قيد أنملة فاكتفت بتحريك رأسها يمينًا ويسارًا علامة على عدم موافقتها لما تفعله وقررت تغيير مجرى الحديث لتتحدث قائلة:
- طب يلا بينا عشان منتأخرش عن ميعاد الطيارة.
أعقبت قولها بالتفاتة مفاجئة منها وكأنها قد نسيت شيء وعقبت قائلة:
- أه صحيح انتي ناوية تمشي من غير ما تقوليله ولا إيه؟
حركت كتفيها بلا مبالاة وهي تتحدث:
- وأقوله بمناسبة إيه؟ مالوش لازمة، يلا، يلا عشان نلحق الطيارة بلا عطلة فارغة.
قالت ذلك وهي تتحرك نحو باب الغرفة متكئة على عصاها وخلفها رهف تجر حقيبتها وهي تتمتم بكلمات الاعتراض على تصرفات صديقتها المبالغ بها من وجهة نظرها فالتفتت إليها عهد وحدجتها بنظراتها الصارمة التي فهمت مغزاها جيدًا فوضعت يدها على فمها كعلامة على عدم التفوه بشي وانطلقتا في صمت عائدتان من حيث أتيتا دون وداع لأحد مكتفيتان بترك الكارت الممغنط الخاص بفتح الغرفة لدى عامل الاستقبال ليذهبا بلا عودة.
❈-❈-❈
يجلس في مكتبه لمباشرة عمله فقطع تركيزه رنين الهاتف الذي لم يكن سوى موظف الاستقبال الذي أخبره برحيلهما وتركهما للكارت الممغنط الخاص بالغرفة قبل أن يذهبا.
لا يعلم لما اعتصر قلبه عند سماعه لتلك الكلمات وتلك الغصة التي تكونت في حلقة فلم يستطع أن يتحدث بكلمة فقام بإنهاء المكالمة دون قول شيء ليتعجب عامل الاستقبال من ذلك ولكن ليس بيده حيلة ليعود الى عمله دون قول شيء ولكنه وجده يقف أمامه بعد لحظات قليلة يطلب منه ذلك الكارت الذي تركوه لتوهم.
ساقته قدماه دون إرادة منه لتلك الغرفة وكأن عقله يرفض رحيلها فقام بالدخول بحذر وكأنه يتمنى وجودها داخلها حتى لو قامت بتوبيخه كما اعتادت طوال الفترة الماضية، ولكنه أصيب بخيبة أمل عندما وجد الغرفة خاوية، فدار بنظره بها يشتم رائحتها التي تملأ المكان ولكنه تفاجأ بوجود هاتفها بجوار الفراش فعقد حاجبية وذهب ليتفحصه فوجده هو بالفعل فذهب لتفقد خزانة الملابس فأصيب بالدهشة عندما وجدها قد تركت أيضًا جميع الملابس التي قام بشراءها لها لم تأخذ شيء وكأنها لم ترد أن تحتفظ ولو بشيء واحد ليذكرها بتلك الأيام.
لعن بداخله متمتمًا بعبارات تعبر عن سخطه الشديد مما فعلته فصاحبة الرأس المتحجر تلك لا تريد لضميره أن يشعر بالراحة أبدًا فلقد ذهبت دون أن تأخذ شيء فقط لتشعره بمزيد من تأنيب الضمير لما فعله بها فكيف يمكنها أن تكون عنيدة، ومتحجرة القلب هكذا؟ ليتذكر كيف كانت تتجنبه وتتشرس ملامحها كلما رأته، أو لو حاول فتح حديث معها، لا يعلم سبب موقها هذا هو أخطأ بالفعل ولكنه كان بغير قصد منه فلماذا لا تمرئ له ذلك؟ وتوافق على أخذ تعويض عما حدث عله يشعر ببعض الراحة لينام قرير العين ولو ليوم واحد فقط، فهو طوال تلك المدة تلاحقه هذه الكوابيس والأحلام الغريبة التي تجمعهما معًا فيستيقظ من نومه وهو يتصبب عرقًا متلفتًا حوله هل هو في غرفته بالفعل؟ أم مازال محتجزًا في هذا العصر الغريب.
هو لا يعلم بالطبع أنها مصابة بتلك اللعنة هي أيضًا فلقد هداه عقله أن ذلك الذي يحدث له ما هو إلا بسبب تأنيب الضمير ليس إلا وأن كل هذه الأشياء الغريبة التي تحدث له ستنتهي غالبًا بقبولها بذلك التعويض المادي الذي سيعرضه عليها وينتهي الأمر، ولكن هيهات فها هي تأتي وتضرب بكل آماله عرض الحائط لتتركه وسط تلك العاصفة المليئة بالأفكار التي تضرب عقله دون هواده.
أفاق من شروده ليجد نفسه جالسًا منكس الرأس على فراشها ليدرك عندما نظر إلى ساعته أنه جالس هكذا لما يقارب الساعتين لتخرج سبة نابية من بين شفتيه وخرج من الغرفة صافعًا الباب خلفه بقوة معطيًا أوامره بعدم شغر الغرفة لتبقى على حالها مؤقتًا وكأن عقله يرفض رحيلها ولازال عنده بعض الأمل في عودتها مرة أخرى.
❈-❈-❈
تقف لترتدي ملابسها أمام المرآة لتستعد للذهاب للعمل ولكنها تفاجأت بتلك العلامة التي برقبتها من أثر قبلاته لها بالأمس فتوترت ملامحها لتحاول إخفائها بيد مرتعشة باستخدام مساحيق التجميل؛ حتى لا يراها أحد لتعج رأسها بملايين الأفكار التي لا ترأف بها.
فلديها شعور دائم بتأنيب الضمير لا يفارقها أبدًا جراء ما تفعله معه فكل شيء يتطور للأسوأ فلقد تطورت العلاقة عبر الهاتف إلى مدا عبات لا نهاية لها داخل سيارته لتتذكر ليلة أمس والتي أسفرت عن تلك العلامة فلولا أنها قد فاقت لنفسها في اللحظة الأخيرة لكان حدث مالا يحمد عقباه ولكانت ضاعت إلى الأبد.
شهقة خرجت من فمها وأدمعت عيناها وهي تستعيد
تلك المشاهد في ذهنها مرة أخرى وكأنها تحدث لها الآن وليس بالأمس فتذكرت ملامحه المستاءة عندما أوقفته بصعوبة عن إكمال ما بدأه وكذلك تذكرت إيصاله إياها للمنزل دون أن ينطق بشيء والغضب الشديد مرتسم على وجهه ليعجز عقلها المغيب عن ترجمة أفعاله معها لربما أدركت وقتها أنها أفعال لا تمت للحب بصلة ولكن عشقها له قد تملك منها لدرجة أنها قد ألغت تفكيرها وضميرها وكل شيء يجعلها ترفض ما يفعله بها.
تنبهت على صوت جرس باب الشقة وسماعها لصوت والدتها مناديًا عليها لتحسها على فتح الباب لانشغالها بإعداد الإفطار في المطبخ:
- يا وعد، يا وعد روحي يا بنتي افتحي الباب الله لا يسيئك إيدى مش فاضية.
فذهبت متهدلة الأكتاف لترى من الذي جاء في ذلك الوقت المبكر وهي تجيب والدتها:
- حاضر يا ماما رايحة أهه.
فتحت الباب لتتفاجأ بتلك التي أمامها تنظر إليها بشوق جارف وعينان مليئتان بالدموع لتشل الصدمة حركتها وينعقد لسانها لجزء من الثانية وهي تنظر إليها بملامح مشدوهة محملقة العينين لا تصدق أنها تقف أمامها حقيقة فوجدتها تحرك رأسها أمامها وهي تبكي وتفرد ذراعيها لها وكأنها تؤكد لها أنها أمامها حقًا فقفزت داخل أحضانها وهي تبكي وتتحدث بكلمات غير مرتبة:
- عهد! انتي جيتي بجد، أنا، أنا مش مصدقة اني شايفاكي قدامي، قولي اني مش بحلم وانك هنا وفي حضني بجد.
أخذت تربت على ظهرها وهي تحتضنها وتحدثت من بين بكاؤها هي الأخرى:
- أيوة يا حبيبتي انا هنا بجد ومش هسيبك تاني أبدًا.
فرقت عناقهما وهي تمسح دموع شقيقتها لتتحدث رهف وهي تمسح دموعها هي الأخرى في محاولة منها للتخفيف من حدة الموقف:
- جرا إيه يا جدعان احنا هنفضل واقفين عالباب طول اليوم ولا إيه؟ ندخل طيب واعملوا اللي انتوا عايزينه مش كدا يعني.
نظرا إليها نظرات نارية بتلك العينان المتشابهتين لترفع يدها باستلام وهي تقول:
- خلاص، خلاص إحنا آسفين يا صلاح منك ليها خليكوا واقفين عالباب وادي قاعدة على ما تخلصوا عياط.
قالت ذلك وهي تجلس على السلم لتنفجر الاثنتان من الضحك وتحدثت وعد من بين ضحكاتها وعيناها المليئتان بالدموع:
- لا وعلى إيه ادخلي يختي ادخلي بدل ما تفرجي علينا الجيران.
قامت بإدخالهما لتلاحظ تلك العصى التي تتكئ عليها شقيقتها فتقطع قلبها لدى رؤيتها لها هكذا ولكنها نفت ذلك الشعور سريعًا فيكفيها أنها أمامها الآن وقامت بالنداء على والدتها بصوت عالٍ وهي تحتضنها وتأبى أن تتركها:
- يا ماما، يا ماما، تعالى بسرعة شوفي مين اللي جه.
خرجت والدتها من المطبخ وفي يدها قطعة من القماش تمسح بها يدها وهي تصيح باستياء:
- فيه ايه يا بت عاملة أزعرينة ليه عالصب...
ولكنها بترت عبارتها عندما وجدت فلذة كبدها تقف أمامها فأصابها نفس ما أصاب وعد في البداية ولكنها ألقت بتلك القماشة بعيدًا لتهرع إلى أحضان ابنتها وهي تبكي دون انقطاع فحاولت عهد تهدئتها بكل الطرق ولكن بلا فائدة فأخذت تمسح على ظهرها وهي تحثها على التوقف عن البكاء:
- اهدي يا ماما وبطلي عياط عشان خاطري أنا قدامك وكويسة أهه كفاية عياط أرجوكي.
لم تستجب والدتها وأحاطت وجهها بيديها وهي تقبلها من كل إنش به فلاحظت وعد علامات الألم البادية على وجه شقيقتها وعدم استطاعتها على الوقوف أكثر من ذلك فقامت باحتضانهما معًا وهي تحثهما على الجلوس:
- طب خليها تقعد وتاخد نفسها الأول يا ماما زمانها تعبانة من السفر.
استجابت والدتها وتركتها لكي تجلس لتلاحظ مواجهتها للصعوبة في السير فانفجرت في البكاء دون توقف وهي تمسك بيدها لتجلسها وتجلس بجوارها وتحدثت بنشيج وهي تتلمس قدمها المفرود:
- مال رجلك يا حبيبتي انتي مش قولتيلي انك بقيتي كويسة؟
لم تستطع أن تجيبها ونظرت لرهف التي فهمت وأجابت نيابة عنها:
- الحمد لله يا طنط احنا كنا فين وبقينا فين دا وضع مؤقت متقلقيش كلها كام اسبوع ومع العلاج الطبيعي هترجع أحسن من الأول إن شاء الله.
نظرت إلى ابنتها وكأنها تريد منها أن تؤكد لها هذا الحديث فأماءت لها وهي تبكي وتقوم بمسح دموع والدتها التي أخذت تقبل وجهها ويديها وعند هنا انتبهت لوجود رهف التي لم تلاحظ وجودها لانشغالها بابنتها وحدثتها بحب وهي تمسح دموعها:
- إزيك يا رهف عاملة ايه يا حبيبتي؟ معلش مخدتش بالي انك هنا انشغلت بعهد.
- ولا يهمك يا حبيبتي أنا كويسة الحمد لله.
حدثتها سميحة بامتنان وهي تنظر لها طارة ولابنتها طارة أخرى:
- انا مش عارفة أقولك إيه على وقفتك جمب بنتي طول المدة اللي فاتت.
قالت ذلك وهي تمسك بيد عهد وكأنها تخشى أن تفقدها مرة أخرى لتتحدث رهف وهي تنظر لعهد بحب:
- بتشكريني على إيه يا طنط عهد دي أختي ولا انتي بقى مش معتبراني زي عهد ووعد ولا إيه؟
أنهت حديثها وهي تنظر لسميحة وعلى وجهها إبتسامة مشاكسة كعادتها فابتسمت لها سميحة وهي تنفي برأسها وتقول:
- لا والله يا بنتي ربنا يعلم غلاوتك عندي قد إيه ربنا ميحرمكوش من بعض أبدًا يا ولاد يارب.
وقبل أن يكملوا حديثهم انتبها على ذلك الصوت الغاضب لعادل وهو يخرج من غرفته ويزمجر بغضب ويصيح بصوت مرتفع:
- جرا إيه يا ولية؟ إيه الدوشة اللي عاملينها عالصبح دي قلقتوا منامي ربنا يقلق منام...
ولكنه بتر عبارته عندما تفاجأ بعهد أمامه تنظر إليه بحاجب مرفوع ونظرات حادة حانقة اعتادها منها وبرغم شعوره الداخلي بالسعادة لدى رؤيتها أمامه ولكنه أخفى ذلك ببراعة وتحدث بلامبالاة:
- هو انتي اللي شرفتي يختي وعاملة الأزعرينة دي كلها؟
لم تنطق بكلمة ولكنها اكتفت بنظرات الإزدراء وعلامات التقزز التي ارتسمت على وجهها وهي تنظر إليه بتحفز وكره شديد لتحاول سميحة التخفيف من حدة الموقف فتحدثت قائلة:
- اخص عليك يا سي عادل دا بدل ما تاخدها في حضنك وتقولها حمدلله عالسلامة.
لوى فمه وهو يتحدث باستهزاء من حديث زوجته الساذج:
- آخدها في حضني؟ مش لما أعرف الأول كانت فين الشهور اللي فاتت دي كلها ولا انتوا فاكرني كروديا وخال عليا حوار الحادثة اللي قولتوا عليه ده.
صدمة أحلت على الجميع من هول ما استمعوا إليه لتحاول عهد الوقوف بمساعدة رهف متجاهلة حديثه ودخلت الى غرفتها ولحقتهما وعد دون النطق بشيء ليتفاجأ هو الآخر من عدم استطاعتها على السير ليشعر ببعض من تأنيب الضمير لما تفوه به ولكنه لم يبدي ذلك أمام زوجته داخلًا غرفته وهو يصفع الباب خلفه بقوة وهو يتمتم قائلًا:
- عيــ لة هم جاتكوا القرف كلكم.
❈-❈-❈
شهرين كاملين قد مرا عليها وهي تواظب على حضور جلسات العلاج هي وأطفالها لتشعر بتحسن ملحوظ في تصرفاتهما فلقد قل عنــ ف سليم وأصبح يتعامل مع شقيته بطريقة جيدة نوعًا ما وأيسل أيضًا أصبحت أفضل وقللت من عزلتها وبدأت في التفاعل معهم ومع اصدقائها في المدرسة بصورة أفضل والذي ساعدها على ذلك محاولتها الناجحة في تجنب الاحتكاك به وعدم استثارة غضبه لتأتي ليلة أمس وتعصف بكل ما فعلته لتكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير فلقد استيقظت فزعة من نومها على صوت صفع الباب لتجده يقف أمامها يترنح بعيون حمراء وكأن شياطينه تتراقص أمام وجهه وحدجها بنظرات نارية هي تعرفها جيدًا فازدردت ريقها بخوف وزحفت لآخر الفراش ليتملك من الرعب فأخذت ترتجف وقامت بتغطية جسدها بالغطاء وتشبثت به وكأنها تستمد منه الحماية ولكن هيهات فلقد أخذ يخلع ملابسه دون أن يحيد بنظره عنها ومن ثم انقض عليها كما ينقض الحيو ان المفترس على طريدته.
حاولت القفز من الجهة الأخرى من الفراش ولكنه كان أسرع منها فاستطاع تكبيل يديها وشل حركتها
ليغتــ صبها بأ بشع الطرق وسط مقاومة باسلة منها لأول مرة في حياتها ولكن مقاومتها تلك خلفت كدمات في معظم أنحاء جسد ها، هذا غير شرخ روحها الذي لن يندمل لوقت طويل.
كانت تقف أمام المرآة ودموعها الحارة تسيل على خديها بلا توقف وهي تشاهد الكدمات المتفرقة التي أصابها بها والتي بدأت في التلون للون الأحمر والأصفر والأزرق وكأن جسد ها أصبح لوحة فنية متعدة الألوان برع هو في رسمها بهذا الشكل البغيض.
قامت بتجفيف دموعها وهي تنظر إلى انعكاس صورته في المرآه وهو نائم في سكينة لا يشعر بأنه قد فعل شيء وكأن قلبه هذا قد صنع من فولاذ لا يحمل ذرة من الشفقة او تأنيب الضمير وهنا قد عزمت أمرها وقررت أن تتركه ولن ترجع سوى عندما يعلم قيمتها جيدًا هي وأولادها ويشعر بالندم لكل ما اقترفت يداه في حقها وبوعد قاطع منه بالتغير.
نعم هي إلى الآن تحمل بداخلها الأمل في إصلاحه لازالت تلك الفتاة الحالمة التي تؤمن بأن الحب يمكنه فعل المعجزات ولكن هيهات.
جمعت معظم أشيائها في حقيبة كبيرة وكذلك أشياء أطفالها وذهبت لتوقظهم ليذهبوا لمنزل والدتها وهذه المرة لن تستجيب لمحاولاتها وتعود من تلقاء نفسها كما تفعل كل مرة.
أيقظت أطفالها بهدوء ينافي الحزن والغضب اللذان يملآن روحها فبدأت بطفلها فأيقظته بدلال وهي تخلل شعره كما تفعل كل يوم:
- سولي حبيبي اصحى يا بابا عشان خارجين.
نظر إليها ببراءة وعيون ناعسة:
- عايز أنام شوية كمان يا مامي النهاردة أجازة.
فقبلته وحدثته بحنان:
- معلش يا قلب مامي هنروح لتيتة وابقى كمل نوم هناك.
قام على مضض وهو ينظر إليها بغضب طفولي:
- هنروح لتيتة ليه؟ مش احنا اتفقنا ان النهاردة هنروح الملاهي؟
حاولت التحدث بتلقائية وتخفي اختناقها بالبكاء وحدثته وهي تبتسم:
- هنروح با حبيبي ان شاء الله متقلقش هو أنا عمري وعدتك بحاجة ومعملتهاش.
نفى برأسه لتعقب باسمة:
- طيب خلاص قوم بقى وبطل كسل عشان منتأخرش.
قبلة على وجنتها أنستها قليل مما تشعر به من ألم لتذهب وتفعل نفس الشيء مع طفلتها وبعد قليل من الوقت ذهبوا جميعًا تاركينه خلفهم وهو يغط بنوم عميق.
❈-❈-❈
استيقظ من نومه لا يستطيع أن يفتح عيناه وذلك الصداع الرهيب يكاد يفتك برأسه بعد اسرافه في السُكر ليلة أمس ليفرغ به غضبه بعد ما فعلته وعد معه.
أخذ يدلك رأسه عله يخفف من حدة هذا الألم الذي يشعر به وفتح عيناه بصعوبة شديدة لينظر في ساعته فوجدها قد تعدت الخامسة مساءًا فعقد حاجباه متعجبًا كيف لم توقظه لتناول الغذاء إلى الآن فأخذ ينادي عليها بصوته الجهوري:
- يا ضحى، انتي يا ست هانم.
وعندما لم يجد رد ازداد غضبه فناداها بصوت حاد:
- انتي يا زفتة مبترديش ليه.
لم يجد رد كذلك فتحامل على نفسه لينهض من الفراش وهو يترنح ممسكًا برأسه، وعازمًا على تلقينها درسًا على تجاهلها إياه بتلك الطريقة ولكنه لم يجدها في أي مكان في الشقة وكذلك لم يجد أطفاله في غرفتهم فتعجب بشدة وذهب لغرفته ليهاتفها ويصب عليها جام غضبه ولكنه لاحظ أن أشيائها ليست موجودة في الغرفة فعقد حاجباه وذهب تلقائيًا نحو خزانة الملابس الخاصة بها ليجدها خاوية لم تترك بها شيء فعاد لغرفة أطفاله مرة آخرى فلم يجد شيء في خزانة ملابسهما وكذلك اختفت ألعابهما بالكامل فازداد تعجبه فهذه أول مرة تأخذ أشيائها وأشياء طفليهما بالكامل عندما تترك المنزل وبدأ يتذكر ما حدث ليلة أمس شيئًا فشيئًا ليندهش أكثر وأكثر فهذه ليست المرة الأولى التي يجبرها فيها على معا شرته فلماذا تركت المنزل الآن ففي رأيه لا يوجد سبب لذلك.
لم يشعر بخطأه ولم يؤنبه ضميره على ما فعله بها بل على العكس من ذلك فهي المخطئة بتركها للمنزل بدون سبب ودون علمه أيضًا وعند هنا شعر بسعادة غامرة فأخيرًا سيرتاح من ضوضائها هي وأطفالها فلتذهب إذن لن يعيرها أي إهتمام وكما ذهبت بمفردها ستعود بمفردها كما اعتادت أن تفعل فليستغل الفرصة إذن ليكمل ما بدأه مع وعد فلقد سئم من مدا عبات السيارة التي لا تكتمل ولكن عليه أولًا أن يعتذر لها عن تماديه معها بالأمس ويعدها أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى حتى تطمئن له وتأتيه بكامل إرادتها.
دخل المرحاض ليأخذ حمامًا ساخنًا حتى يستطيع التخلص من آثار الثمالة ثم خرج وهو يجفف شعره بمنشفة لاففًا منشفة أخرى على نصفه السفلي ثم جلس عالفراش ممسكًا بهاتفه وقام بطلب رقمها ولكنها لم تجيب ليزفر بضيق ورفع حاجبه معتقدًا أنها مازالت مستاءة مما حدث بالأمس فعاود الاتصال مرة أخرى ولكنها أجابت هذه المرة بصوت منخفض:
- أيوة يا أحمد معلش مش عارفة أرد عليك.
أجابها باندهاش:
- ليه يا حبيبتي فيه حاجة ولا إيه؟
قامت بالرد عليه بنفس الصوت المخفض:
- لا، بس عهد جت النهاردة الصبح الحمد لله ومن وقتها والبيت عندنا بقى مزار سياحي كل اللي عرف انها وصلت سواء من الجيران أو من قرايبنا أو زمايلها في الشغل جايين عشان يشوفوها ويتطمنوا عليها.
زفر براحة عندما وجدها لم تعقب على ما حدث بالأمس وحدثها مدعيًا الفرحة:
- حمدلله على سلامتها يا قلبي أنا قولت اتطمن عليكي واعتذر عن اللي حصل مني امبارح.
تغيرت ملامحها وتباينت ما بين غضب وخجل مما حدث لتتحدث بتوتر:
- أرجوك يا أحمد متفكرنيش عشان أنا كل ما افتكر أحس بتأنيب ضمير وبجد مش متخيلة لو مكونتش فوقت في الوقت المناسب كان حصل ايه.
لوى فمه وتحدث بندم أجاد تزييفه ببراعة شديدة:
- حقك عليا يا حبيبتي أنا الغلطان مقدرتش أمسك نفسي مهو بصراحة محدش يقدر يمسك نفسه وقدامه الحلاوة دي كلها.
أحست بالحرارة تغزو جســ دها ليتحول وجهها للون الأحمر وسرت القشعريرة على طول عمودها الفقري خاصة عندما أعيد إلى ذهنها ما حدث بالأمس ولم تستطع أن تتفوه بحرف ليصله ما تشعر به بسهولة فعقب قائلًا:
- على العموم هانت والحاجة اللي كانت منعانا اننا نبقى مع بعض علطول خلاص مبقتش موجودة وساعتها مش هر حمك.
ابتسمت بخجل وفي لحظة نسيت ما كاد أن يفعله بها:
- هانت يا حبيبي ونبقى مع بعض علطول.
حاول أن يغير مجرى الحديث حتى لا تتطرق لموضوع الزواج أكثر من ذلك:
- طبعا، طبعا يا قلبي طب مش هنتقابل النهاردة ولا إيه؟
أجابته بتلقائية:
- لا النهاردة صعب جدا ممكن بكرة أو بعده دنا حتى مروحتش الشغل النهاردة ومعتقدش هعرف أروح بكره كمان.
لوى شفتيه وتحدث بضيق أجاد إخفائه:
- خلاص يا روحي ولا يهمك أسيبك دلوقتي عشان تقعدي مع أختك وعشان الناس اللي عندك.
قال ذلك وهو يتآكله الغيظ من ضياع الفرصة بخلو الشقة قبل أن تأتي زوجته كعادتها ولكنه لم يشأ أن يبدي ذلك متمنيًا أن تحتفظ زوجته بجزء من كرامتها ولا تعود الآن حتى يمكنه تنفيذ خطته.
أفاقه صوتها من شروده ليستمع إليها تتحدث قبل أن تنهي المكالمة:
- ماشي يا حبيبي سلام دلوقتي ولو لقيت الوقت مناسب بالليل هكلمك.
- ماشي وانا مش هرن عليكي عشان مسببلكيش حرج انتي لما تبقي فاضية كلميني سلام.
- سلام يا روحي.
أنهى المكالمة ملقيًا الهاتف على الفراش بإهمال1 ونهض ليرتدي ملابسه وهو يتمتم بغيظ:
- ما بدهاش بقى أما أقوم ألبس واتغدى برا طالما الست هانم عاملة زعلانة.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
غضب عارم يجتاح كيانه دون سبب فمنذ ذهابها وهو في غير حالته الطبيعية لا يعلم لماذا؟ ولا ما الذي حلٌ عليه برحيلها؟ كل ما يعلمه أنه يشعر بفراغ داخله وكأن حياته ينقصها شيء لن يكتمل سوى بوجودها، تطارده في أحلامه، ويقظته، لا يفكر سوى بها وكيف هي الآن؟ وكأنه توجد قوى غامضة تجذبه إليها ولا يقدر على المقاومة.
برر لنفسه أن سبب ذلك الشعور هو احساسه بالذنب لذهابها دون أن تستكمل علاجها أو تأخذ تعويض عن الحادث نعم هذا هو السبب فماذا يكون غير ذلك؟ فهما لم يتحدثا كثيرًا طوال مدة مكوثها في الفندق وحتى محادثاتهما لم تكن سوى جدال من حانبها ونظرات ازدراء تعبر عن كر هها الشديد له ولكن بالرغم من ذلك لا يستطيع أن ينكر انه كان يشعر بالكثير من الراحة لوجودها بجواره كيف ذلك لا يدري.
دون إرادة منه وجد نفسه يحجز على أول طائرة ذاهبة للقاهرة ليذهب ويراها لا يعلم ماذا عليه أن يقول لها او كيف يمكنه أن يراها وهو لا يعرف مكان إقامتها من الأساس ولكنه فعلها على كل حال.
بعد ساعات قليلة كان يقف أمام شركة السياحة الخاصة به هو ومروان ليتفاجأ الأخير به يقف أمامه فتعجب كثيرًا ونظر إليه لبرهة من الوقت فاغرًا فاه ثم نطق بإسمه بذهول:
- يونس!
وجده ينظر إليه بوجوم دون أن ينطق بشيء ليزداد قلقه فقام من مقعده ذاهبًا إليه وهو عاقد حاجبيه وبعد أن عانقه تحدث بقلق يريد أن يطمئن من أنه بخير:
- مالك؟ انت كويس؟ فيه حاجة حصلت؟
اجابه باقتضاب:
- أبدًا، مفيش.
حدق به باندهاش وهو يشير إليه أن يجلس لكي يفهم منه ما به:
- طب تعالى اقعد الأول وفهمني مالك إيه اللى حصل؟
جلس على الكرسي المقابل للمكتب متهدل الأكتاف منكسًا رأسه أرضًا فجلس مروان على المنضدة الصغيرة التي أمامه وقام بهز جسده لينظر إليه وحدثه بخوف حقيقي سيطر عليه من حالته هذه:
- مالك يبني فيك إي؟ه انت كدا قلقتني عليك.
نظر إليه نظرات خاوية فسأله مستفهمًا:
- مامتك وباباك كويسين طيب؟
اكتفى بإماءة من رأسه ليطمئنه بأنهم بخير ليزداد غضبه وحدثه بانزعاج:
- أومال مالك عامل كدا ليه؟ ما تنطق يا أخي موتني من القلق.
لم ينطق سوى بكلمتين:
- مش عارف.
عقب بحدة وهو يلكذه في كتفه:
- يعني أيه مش عارف؟ إيه اللي حصل يخليك توصل للمرحلة دي؟
عقب بحيرة ودون أن يدري بما يتفوه به:
- حقيقي مش عارف يا مروان كل اللي أعرفه إن عهد مشيت من الأوتيل من يومين.
جحظ بعينيه ونظر إليه ببلاهة هل يعي حقًا ما يقول هل هو في هذه الحالة لمجرد أن تلك المدعوة ب عهد قد غادرت الفندق إنه يمزح لا محالة:
- نعم يا خويا، وانت عامل في نفسك كب ده عشان
ســ ت عهد هانم مشيت وسابت الاوتيل؟ طب ما تمشى هو انت كنت فاكر أنها هتقعد علطول ولا إيه؟
نفى برأسه قبل أن يعقب:
- الموضوع مش كدا يا ابني انت.
- أومال إزاي؟ فهمني.
- زفرة طويلة خرجت منه ثم نظر إليه وهو يطنب:
- الموضوع أدإنها مشيت من غير ما تكمل علاجها ولا قالت لحد إنها ماشية سواء ليا او للدكتور او حتى الممرضة، فجأة كدا لقيت عامل الريسيبشن بيكلمني وبيقولي إنها سلمته الكارت بتاع الأوضة، ولما طلعت لقيتها سايبة كل حاجة زي ما هي الهدوم اللي جيبتهالها حتى الموبايل سابته، عرفت بقى أنا زعلان ليه؟
حرك رأسه بأسف مما استمع له وتحدث باستفسار عله يفهم ما حدث:
- طب تفتكر عملت كدا ليه؟ وهي حالتها عاملة إزاي دلوقتي أصلًا؟ انا آخر مرة شوفتها كانت لسة عالكرسي المتحرك.
أجابه بقليل من الحدة:
- عملت كدا ليه؟ معرفش، وحالتها اتحسنت كتير الحمد لله بس لسة مخفتش ١٠٠% لسة مبتقدرش تمشي من غير عصاية عشان كدا هتجنن.
- طب وتتجنن ليه هي حرة مش هي اللي مشيت من نفسها خلاص بقى انسى الموضوع ده كأن لم يكن وركز في شغلك.
تفاجأ من لامبالاته فرفع حاجبه وحدثه بانزعاج:
- يعني أيه ماليش دعوة وكأن مفيش حاجة حصلت انت سامع نفسه بتقول إيه يبني.
أنهى حديثه وهو يضر ب رأسه بخفة من الجنب باستخدام اصبعيه السبابة والوسطى.
حدثه مروان ممازحًا وهو يمسك بيده يبعدها عنه محاولًا إخراجه من هذه الحالة:
- براحة يا عم طيب من غير مد إيد هتجيبيلي ارتجاج في المخ بإيدك التقيلة دي إهدى مش كدا.
وقف من على مقعده وهو يقول بغضب:
- طب تصدق إن أنا غلطان اني جيتلك من الأول يا مستفز انت.
قال ذلك وحاول السير نحو باب الغرفة ليوقفه مروان رافعًا يديه أمامه وهو يقول:
- ما تهدى بقى يبني فيه إيه بهزر معاك.
حدجه بغضب وتحدث من بين أسنانه:
- يعني انت شايف ان ده وقت مناسب للهزار.
- أنا آسف يا سيدي تعالى أقعد بس وقولي ناوي على إيه:
أنهى حديثه وهو يحثه على العودة لمقعده مرة أخرى ليستجيب على مضض وهنا تحدث مروان بجدية:
- ها قولي ناوي على إيه وانا معاك؟
تنهد بحيرة وهو يجيبه:
- مش عارف، أومال انا جايلك ليه بس؟
أخذ يحك ذقنه بيده مفكرًا ثم سأله:
- انت تعرف عنوانها طيب بما إنها سابت التليفون اللي كان معاها ومتعرفلهاش رقم تليفون.
نفى برأسه بقلة حيلة فأخذ مروان يفكر قليلًا لتلمع فكرة في عقله فقام وربت على كتفه بحماس وهو يقول:
- بس لقيتها.
لمعت عيناه ببريق الأمل وهو ينظر له وتحدث ليحثه على قول ما يفكر به:
- لقيت إيه؟ قول بسرعة.
- مش انت بتقول انها بتشتغل في مصلحة الأثار.
أماء له برأسه فأردف متسائلًا:
- وانت عارف اسمها بالكامل؟
حرك رأسه لأعلى ولأسفل مرة أخرى:
- يبقى خلاص سهلة جدا احنا لنا معارفنا هناك هات اسمها بس وأنا هعرف أجيبلك عنوانها.
فرحة عارمة احتلت فؤاده لتجدد الأمل بداخله لرؤيتها مرة أخرى معللًا ذلك بأنه سيذهب ليعطيها مبلغ من المال يريح به ضميره ووقتها سيذهب كل منهما في طريقه.
بالفعل استطاع مروان الحصول على عنوان سكنها بعد قليل من الوقت ليعقد العزم على الذهاب إليها مباشرةً فلا داعي لإهدار المزيد من الوقت.
❈-❈-❈
تجلس بمفردها بعد ذهاب شقيقتها لعملها وانهماك والدتها في الأعمال المنزلية ممسكة بهاتفها القديم الذي نسيته في العمل يوم الحادث وقام زملائها بإعطاؤه لوالدتها لتحتفظ لها به فأخذت تتصفح الرسائل التي جاءتها منذ اختفائها.
تشعر بكثير من الملل ولا تعلم لما يتملكها شعور بالحزن منذ أن تركت الأقصر وكأنها تركت روحها هناك وعادت من غيرها.
يحتل كامل تفكيرها فلا تستطيع أن تخرجه من عقلها لا تعلم لماذا وهل لتلك الأحلام الغريبة دور في ذلك أم أنها مجرد أضغاث أحلام وليست أكثر من ذلك لا تعلم حقًا فهي تمتلك قناعة تامة بأنها تكرهه ولا تريد رؤيته مرة أخرى فلم إذن تفكر به ليل نهار وتشعر بأنها ينقصها شيء منذ عودتها لمنزلها.
تنبهت على صوت طرقات خافتة على باب غرفتها ثم انفتح الباب لتطل والدتها برأسها وتخبرها بأن هناك من ينتظرها في الخارج.
لم تتوقف كثيرًا عند ماهية الزائر ظنًا منها بأنه أحد زملائها في العمل أو أحد من الأقارب الذين لا ينفكون يحضرون لزيارتها منذ عودتها.
قامت بتبديل ملابسها وخرجت من غرفتها متكئة على عصاها وسارت ببطئ لترى من هو ذلك الضيف لتتفاجأ به أمامها في حجرة الضيوف فخرجت شهقة من فمها فوضعت يدها اليسرى عليه بسرعة وحاولت التحكم بعض الشيء في رد فعلها أمامه حتى لا يلحظ توترها حال رؤيته فقامت بوضع نفس اليد في جنبها وتحدثت مستنكرة وهي ترفع إحدى حاجبيها:
- هو انت؟!
اقترب منها ماددًا يده لمصافحتها ودقات قلبه تقرع كالطبول لمجرد رؤيته لها ولكنه حاول أن يتحدث بلباقة وعملية:
- إزيك يا آنسة عهد؟ أخبارك إيه؟.
صافحته على مضض وأجابته وهي تلوي شفتيها باستياء ظاهر على تقاسيم وجهها ينافي ذلك الصخب الذي تشعر به بداخلها منذ أن وقعت عيناها عليه فتكاد تجزم بأنها تستطيع سماع دقات قلبها ولكن هيهات أن تظهر له ذلك فهي بارعة للغاية في إظهار عكس ما تبطن:
- بخير الحمد لله، خير؟ أقدر أعرف إيه هو سبب الزيارة الكريمة.
ها هي تبرع في إهانته من جديد وكأنها لا تجد لذة في هذه الحياة سوى في توجيه الإهانات له فتجاهل أسلوبها الفظ وأجابها بتهذيب عله ينتهي سريعًا من ذلك اللقاء:
- أبدًا لقيتك مشيتي فجأة ومن غير ما تقولي لحد قولت آجي أطمن عليكي:
نظرت له بتقزز وتحدثت بسخرية لازعة:
- والله محدش قالي إني المفروض آخد منك الإذن قبل ما أمشي.
ها هي تصــ فعه بلسانها اللازع من جديد ليتساءل بينه وبين نفسه لما عليها أن تكون فظة هكذا في كل مرة يتحدثون بها؟ هل سيصيبها مكروه إن تحدثت بطريقة أكثر تهذيبًا من هذه؟
حاول تمالك أعصابه لأقصى درجة حتى لا تنفلت منه ويحدثها بنفس طريقتها:
- لا مش مطلوب منك تاخدي الإذن ولا حاجة بس على الأقل تعرفي الدكتور اللي متابع حالتك عشان يقولك تعملي ايه ومتعمليش إيه أو يرشحلك دكتور كويس في القاهرة تتابعي معاه جلسات العلاج.
أحست بألم في قدمها من كثرة الوقوف فجلست على أقرب كرسي لها دون أن تسمح له بالجلوس هو الآخر فتركته واقف كما هو ثم حدجته بنظرات نارية وهي تتحدث بسماجة مفرطة لا تعلم سببها ولا تعلم أيضًا لما تحب أن تعامله بتلك الطريقة الفظة كلما رأته وكأنها تتلذذ برؤيته هكذا ولكنها تجهل أن هذه هي وسيلتها في الهروب من ذلك الاحساس الذي يغمرها كلما قابلته وكأنها تعرفه منذ آلاف السنين بل منذ بدء الخليقة:
- اللي أعرفه إن دا كله شيء ميخصكش وسواء اتعالج أو لأ دي حاجة تخصني انا محدش له دخل فيها.
عند هذا الحد لم يتحمل أن يتعرض للإهانة أكثر من ذلك فتحدث بنفاذ صبر وهو يخرج ورقة صغيرة من جيب سترته:
- على العموم انا متأسف لو كنت أزعجتك أو لو كنت ضيف غير مرغوب فيه انا بس جيت لما لقيتك سايبة كل حاجة في أوضتك زي ما هي حتى الموبايل وعشان كدا جيت عشان اديكي ده.
مد يده إليها ليعطيها تلك الورقة المطوية التي بيده فعقدت حاجبيها وسألته دون أن تمد يدها لتأخذ منه هذه الورقه:
- إيه ده؟
- دا شيك بمبلغ كويس تقدري تعتبريه تعويض عن الأضرار اللي حصلتلك بسببي، اتفضلي ولو المبلغ مش عاجبك انا ممكن أكتبلك واحد تاني بالمبلغ اللي تقولي عليه.
استشاطت غضبًا لدرجة أنها قد أحست بغليان الدماء داخل عروقها هل يريد شرائها بالمال أم يريد أن يرد إهانتها له بطريقته فردت عليه بفظاظة:
- ومين قالك اني محتاجة فلوسك دي؟ أو محتاجة لأي حاجة من ناحيتك من الأساس.
قالت ذلك وهي تأخذ منه الشيك وتمزقه لقطع صغيرة وتلقي بها في وجهه وهي تتحدث بغضب:
- وآدي الشيك بتاعك أهه وياريت تتفضل وماشوفش وشك تاني.
هل قامت بطرده الآن؟ لا لن يتحمل أكثر من ذلك فلقد حاول معها بكل الطرق لكي يرضي ضميره ليس أكثر إن كانت تأبى ذلك فهي حرة فيما تريد.
توجه ليخرج من باب الغرفة ولكنه توقف فجأة وقام بإخراج بطاقة ما من محفظة نقوده وتحدث دون أن يلتفت إليها:
- على العموم أنا عملت اللي عليا وحاولت معاكي أكتر من مرة عشان أرضي ضميري مش أكتر من كدا أنا ماشي ولآخر مرة بقولك لو احتاجتي حاجة في أي وقت انا موجود ومش هعاملك بمعاملتك.
قام بوضع البطاقة على الطاولة التي أمامه وهو يردف قائلًا:
- دا الكارت بتاعي هتلاقي فيه كل نمري الخاصة لو احتاجتي لحاجة بلغيني سلام.
لم يعطيها فرصة للرد عليه وخرج من الغرفة قاصدًا الخروج من حيث جاء ليتفاجأ بشخص ما يقف أمامه يبتسم بسماجة مظهرًا أسنانه شديدة الصفار ماددًا يده إليه ليصافحه وهو يفحصه بنظرات تقييمية وتحدث قائلًا:
- يا أهلا وسهلا بسعادة الباشا خير يا بيه؟ محسوبك أبو عهد لو فيه حاجة احنا في الخدمة أؤمرني.
صافحه ملامسًا أطراف أصابعه بتقزز وتحدث على مضض:
- لا مفيش حاجة متشكر.
قال جملته وهو يتجه نحو باب الشقة ولكنه اوقفه مرة أخرى متحدثًا:
- إزاي مفيش حاجة؟ أنا سامعك بتتكلم عن شيك وتعويض لو مقصوفة الرقبة دي مزعلاك في حاجة قولي وانا اقـطــ ملك رقبــ تها.
لم يستطيع أن يتحمل ان يقف أمام هذا الشخص لأكثر من ذلك فتحدث يحاول تخطيه:
- تقدر حضرتك تسألها واللي هي تقول عليه أنا هنفذه غير كدا معنديش كلام تاني بعد اذن حضرتك.
قال ذلك وخرج من المنزل صافعًا الباب خلفه فنظر عادل في أثره بغيظ ثم دار بنظره ناحية غرفة الجلوس ليجدها واقفة أمام باب الغرفة تنظر له بتقزز وكره شديدين فتآكله الغيظ وذهب إليها ممسكًا بذراعها بقوة وهو يتحدث من بين اسنانه:
- تعالي هنا يا مقصو فة الرقبة، وقوليلي مين الراجل ده؟ وفلوس إيه اللي كان عايز يديهالك؟ وخد إيه قصادها؟
حدجته بنظرات نارية وقامت بنزع يدها من بين أصابعه بتقزز وهي تصيح به بصوت مرتفع:
- بقولك ايه يا عادل الشويتين دول تعملهم على ماما او وعد إنما مش معايا أنا وإياك تمد إيدك عليا تاني فاهم ولا لأ.
قالت ذلك وهي تشير إليه بعصاها كعلامة على تهديده وتحدثت وهي تتجه لغرفتها
- على العموم عشان ترتاح دا اللي خبطني بعربيته وكان جاي يديني تعويض وأنا رفضت وقبل ما تقول ولا كلمة دا شيء ميخصكش وحتى لو كنت وافقت مكونتش هتطول مني مليم فياريت بلاش كلام كتير.
وقبل أن تغلق باب غرفتها نظرت إليه بإبتسامة سمجة تشابه خاصته وهي تقول بسخرية وضحكة متهكمة:
- ماشي يا، يا، بابا.
كاد أن يتآكله الغيظ من ردها عليه بتلك الطريقة والذي كان قد استراح منها طوال الخمسة أشهر الماضية ولكن ها هي تعود من جديد لتقوض نفوذه في المنزل وتفرض سيطرتها عليه مرة أخرى.
التفت ليخرج من المنزل غاضبًا ولكنه وجد زوجته واقفة تنظر إليه دون أن تنطق بشيء ولكن عيناها تنطق بالكثير والكثير فسار ناحية الباب متخطيًا إياها وهو يزيحها من أمامه بقوة لتسقط على الأرض متألمة بصمت كما اعتادت وخرج وهو يتمتم:
- غوري من وشي انتي كمان هي ناقصاكي مش كفاية عليا خلفتك اللي زي وشك.
❈-❈-❈
في نفس الوقت
خرجت من عملها في الموعد المحدد لتجده يقف أمامها بسيارته فهرولت نحوه بسعادة وركبت بجواره وهي تردد:
- إيه المفاجأة الحلوة دي؟
قاد السيارة وهو يحدق بها بنظرات تقطر عشقًا مزيفًا:
- أعمل ايه وحشتيني قولت أعدي عليكي وأشوفك ولا مش عايزة تشوفيني.
نفت برأسها وعقبت بلهفة:
- لا طبعًا، إزاي تقول كدا؟ دنا بتمنى أشوفك كل لحظة.
أحست بالخجل مما تفوهت به فنظرت أرضًا فحدثها بتزمر وهو يوجه بصره للطريق الذي أمامه بعد أن نظر إليها نظرة خاطفة:
- برضو مفيش فايدة في كسوفك ده، مش قولتلك قبل كدا ١٠٠ مرة مبحبش الستا ت اللي بتتكسف.
رفعت رأسها سريعًا تنظر إليه وهي تقول:
- غصب عني يا حبيبي بس اوعدك لما نتجوز هبطل اتكسف منك خالص.
غير مجرى الحديث كما يفعل دائمًا قائلًا:
- ها، تحبي تتغدي فين؟
حركت كتفيها دون إهتمام وقالت:
- زي ما تحب.
- خلاص ماشي هوديكي مكان جديد عمرك ما روحتيه قبل كدا.
ضحكة صافية ارتسمت على وجهها وتحدثت وهي تحتضن ذراعه:
- أي مكان معاك يبقى جنة يا حبيبي.
نظر إليها بطرف عيناه مبتسمًا بخبث وهو يربت على ظهرها:
- أوعدك إن النهاردة ذكراه هتنحفر في دماغك عمرك ما هتنسيها أبدًا.
توقفا أمام إحدى المطاعم الشهيرة التي لم تكن تحلم أن تمر من أمامها في يوم ما فنظرت بانبهار وكادت أن تخرج من السيارة ولكنها وجدته يبحث في جيوب بنطاله ويتمتم باستياء:
- هتكون راحت فين بس؟
تعجبت من حالته تلك ووضعت يدها على كتفه وهي تحدثه باهتمام:
- مالك يا حبيبي بتدور على إيه؟
نظر إليها مدعيًا الحرج وهو مازال يبحث في جيوبه:
- مش عارف أقولك إيه، بس المحفظة مش لاقيها شكلي كدا نسيتها في البيت.
أحست بإحباط شديد ولكنها حاولت إخفاء ذلك وقالت بابتسامة هادئة:
- ولا يهمك يا حبيبي نأجل العزومة يوم تاني وخلاص الأيام جاية كتير.
نظر إليها وكأنه قد خطرت فكرة على ذهنه قائلًا:
- ونأجلها ليه؟ أصلا البيت قريب من هنا تعالي معايا نجيب المحفظة ونرجع علطول مش هناخد ربع ساعة.
ترددت كثيرًا في قبول ذلك وتحدثت برفض ليس بقاطع:
- لا مش مشكلة نخليها وقت تاني وخلاص.
رسم ملامح الخزلان ببراعة شديدة ونظر إليها بحزن معقبًا:
- انتي برضه لسة مش واثقة فيا؟ على العموم ممكن تستني في العربية وانا هطلع اجيبها مش هتأخر.
استحسنت الفكرة فأماءت برأسها موافقة على اقتراحه ليقود السيارة متجهًا لبيته الذي لم يبعد بالفعل عن المطعم سوى عشر دقائق فقط كما قال.
خرج من السيارة ونظر إليها من النافذة:
- استنيني عشر دقايق بس مش هتأخر عليكي.
أماءت له وهي تبتسم بحب وذهب وجلست هي تنتظر عودته.
مر ما يزيد عن النصف ساعة دون أن يأتي وقبل أن يتملكها القلق استمعت إلى رنين هاتفها لتجده ينير بإسمه فتعجبت كثيرًا وأجابته مسرعة لتستمع ال نبرة صوته المضطربة وهو يقول:
- الحقيني يا وعد أنا محتاس ومش عارف أعمل إيه.
حاولت طمأنته لتفهم منه ما حدث:
- طب اهدى بس يا حبيبي وفهمني فيه ايه؟
- طلعت الشقة لقيتها غرقانة مية مش عارف المحبس فوّت ولا نسيت حنفية شغالة ولا إيه وبقالي نص ساعة مش عارف أعمل إيه، معلش ممكن تطلعيلي شوية بس أنا حقيقي مش عارف اتصرف.
لم تستطع الرفض فأجابته بتوتر:
- حاضر، حاضر هطلعلك هي الشقة الدور الكام.
- الدور العاشر أرجوكي متتأخريش.
- مش هتأخر متقلقش خمس دقايق وهكون عندك.
أغلق الهاتف ملقيًا به على الأريكة التي بجواره شاعرًا بنشوة الانتصار فأخيرًا سيستطيع النيل منها دون مجهود يذكر.
❈-❈-❈
يقف أمام شرفتها عاجز عن فعل شيء فلقد مضى شهر كامل منذ رآها آخر مرة ومن يومها لم يلمح طيفها في أي مكان، ظل أيام وأيام يتقلب على جمر مشتعل لجهله بسبب احتجابها عنه لتدور الظنون بعقله فكاد أن يجن لولا مقابلته لماكنيا وسؤاله عنها ليشرد في تلك الذكرى التي لم يمر عليها سوى يوم واحد.
كان يقف في حديقة القصر يدور حول نفسه كثور هائج لا يعلم فيما أخطأ حتى تختفي بتلك الطريقة المفاجئة فلقد مضى ما يقرب من ثلاثون يوما منذ أن لاقاها آخر مرة، فوجد ماكنيا أمامه ولم يجد بدًا من اعتراض طريقها ليسألها عنها فاقترب منها مع احتفاظة بمسافة بينهما وحدثها بتحفظ:
- كيف حالك سيدتي؟
ردت عليه التحية بتهذيب:
- بخير، شكرًا لك.
حاولت المرور ولكنه اعترض طريقها مرة أخرى فنظرت إليه بتعجبه لتجده يحمحم ثم تحدث بحذر وتردد:
- كنت، كنت فقط أريد أن أطمئن على الأميرة إزادورها، كيف هو حالها؟ فلقد اختفت دون اثر منذ مدة ليست بالقصيرة.
فاجأتها جرأته الشديدة فغضبت بشدة وحدثته بتحفز:
- كيف تسول لك نفسك أن تسأل عن مولاتي الأميرة؟ هل تعرف ما هي عاقبة سؤالك هذا؟
نكس رأسه دون أن ينطق لبعض الوقت ولكنه تحدث قبل أن تذهب:
- أرجوكي أخبريني كيف هو حالها؟ وهل هي بخير أم لا؟ أنا فقط أريد أن أطمئن عليها.
زفرت بضيق ثم أجابته باقتضاب:
- هي بخير لا تقلق.
تنفس براحة بعض الشيء ونظر إليها بتوسل وهو يقول:
- فلماذا لم تعد تظهر إذن؟
أجابته بكلمتين لا أكثر:
- لا أعلم.
اغتاظ كثيرًا من عدم إخباره بما حدث ولكنه حاول أن يهدئ من نفسه حتى يصل إلى ما يريد:
- أتوسل إليكِ أن تخبريني بما حدث حتى لا يتآكلني القلق أكثر من ذلك.
تنهيدة حارة خرجت من صدرها وأخذت تفكر بما تخبره، فهي الآن واقعة بين شقي الرحى فلو أخبرته بما حدث وعلم الملك بذلك ستكون نهايتها الدفن حية في إحدى المقابر المجهولة وإن لن تخبره تخشى من ردة فعله كما تخشى على صغيرتها التي وصلت لحالة يرثى لها وربما تفقد حياتها إن امتنعت عن الطعام أكثر من ذلك دون إكتراث من أحد وخاصة والدها الملك، وعند هذه النقطة عزمت أمرها لتخبره بما حدث إذن ويحدث ما يحدث فحياتها لا تساوي شيء أما حياة أميرتها الصغيرة.
نظرت حولها لترى هل يراها أحد وهي واقفه معه ام لا وعندما اطمأنت من أنه لا يراها أحد نظرت إليه وأخذت نفسٌ عميق ثم تحدثت بتردد ورعب لما قد تؤول إليه الأمور:
- أنظر ما أستطيع أن أخبرك به هو أن الملك قد علم بلقاءتكما المتكررة وأصدر أمره بحبسها داخل غرفتها لأجل غير مسمى، أتوسل إليك أن تتركها وشأنها حتى لا تتسبب في كارثة قد تطيح برأسك ورأسي معك أنا أيضًا.
ألقت بكلماتها بوجهه وانطلقت تهرول لداخل القصر حتى لا يراها أحد.
عاد من شروده وهو لا يحيد بنظره عن شرفتها المغلقة منظرًا وقت تغيير الحراسة الخاصة بالقصر وعندما سنحت الفرصة وجد نفسه رغما عنه يتسلق الشجرة المجاورة لشرفتها ثم قفز بها بسرعة قبل أن يراه أحد ليراها تبكي بشدة وتتجادل مع ماكنيا فتقطع قلبه لرؤيته لها في هذه الحالة المزرية.
انتظر حتى خرجت ماكنيا من الغرفة مغلقة الباب خلفها ثم تسلل لداخل الغرفة دون أن يراه أحد حتى هي لم تشعر به لكثرة بكاؤها.
بقى ينظر إليها لبعض الوقت ثم اقترب منها بحذر وأخذ يربت على ظهرها ولكنه استمع لصوتها الغاضب المختلط ببكائها:
- ألم آمركِ أن تتركيني بمفردي وأنني لا أريد أن أرى أحدًا.
صمت قليلًا يتأمل هيئتها المهلكة بالنسبة له بالرغم من بكائها ونحول جسدها ثم تحدث بحب قائلًا:
- حتى أنا أيضًا لا تريدين رؤيتي مولاتي؟
رفعت رأسها لتنظر لصاحب الصوت وهي لا تصدق أنها تراه أمامها الآن فظنت في البداية أنها تتخيل ذلك او تحلم فتحدثت من بين دموعها:
- حابي، هل هذا أنت حقًا أم أنني أحلم بذلك؟
أماء برأسه وأخبرها بإبتسامة صادقة:
- لا، أنتِ لا تحلمين فهذا أنا حقًا.
دون أن تدري وجدت نفسها ترتمي داخل أحضا نه وتبكي بشدة ولكن هذه المرة لم تكن تبكي حزنًا على فراقه ولكنها تبقي من كثرة شوقها له.
أخذها بين أحضا نه بقوة وأخذ يدور بها تارة ويمسد على ظهرها تارة أخرى إلى أن هدأ بكاؤها قليلًا فتوقف ورفع رأسها لينظر إلى وجهها الذي اشتاق إليه حد اللعــ نة وأخذ يقبل كل إنشٍ به ماسحًا دموعها بقبلا ته الرقيقة إلى أن وصل لثغرها الذي اشتاق لمذاقه العذري بشدة، وهنا لم يستطع تمالك نفسه فأخذ يقبــ لها بنهم شديد حتى أحس بطعم الدما ء في فمه أما هي فقد بادلته على استحياء في بادئ الأمر ثم تحول الأمر لمبادلته القبلا ت بشغف لتحاول مجاراته وأن تبث إليه شوقها له الذي دام لشهر كامل ليجدا نفسيهما دون شعور منهما على الفراش غارقين في بحر الشوق دون أن يستطيع أحدهما إيقاف الآخر لينتهي بهما الحال متحدان في جسد واحد غير آبهين بعواقب ما فعلاه.
يتبع