رواية تعويذة العشق الأبدي- الكاتبة سمر إبراهيم - الفصل السابع
رواية تعويذة العشق الأبدي
بقلم الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل السابع
رواية
تعويذة العشق الأبدي
"من يزرع نبتة طيبة
يجني ثمارًا طيبة
وزهورًا يانعة تشرح القلب وتسعد النفس،
ومن يزرع نبتة خبيثة
يجني أشواكًا خبيثة
تجرح القلب وتدمي يد زارعها"
"حكمة فرعونية"
خرجت من المشفى، وركبت السيارة؛ لتعود إلى الفندق دون أن تنطق بكلمة، كانت كالجثة الجامدة لا يتحرك بها شيء يوم عينيها، تعصف بعقلها مئات الأفكار، هل ستستطيع أن تسير مرة أخرى كما أخبرها الطبيب؟ أم أنه قال ذلك فقط لتجميل الحقيقة وأنها ستظل طوال عمرها على ذلك الكرسي المتحرك، أو في أفضل الاحتمالات ستسير متكئة على عصا، وعند هذه النقطة لم تستطع تحمل الفكرة، فبذلك تكون جميع أحلامها قد ذهبت أدراج الرياح، ولن تستطيع الخروج في بعثات أثرية مرة أخرى، وستقضي الباقي من عمرها مدفونة خلف مكتب وسط كومة من الأوراق.
مر الوقت دون أن تدري لتجد السيارة تقف أمام الفندق ورهف تربت على كتفها تنبهها، لكي تساعدها في النزول هي وفاطمة.
كان قلب رهف يعتصر على صديقتها وهي تراها في هذه الحالة، هي لم تعهدها ضعيفة قط، كانت دائمًا قوية، وعنيدة، وتقف أمام الجميع، ولا أحد يستطيع أن يكسرها.
نزل ثلاثتهن من السيارة، وصعدت رهف، وعهد إلى الحجرة، وهي لازالت صامتة حاولت رهف أن تخرجها من تلك الحالة ولكنها فشلت في ذلك.
ساعدتها في تغيير ملابسها، وكادت أن تلبسها بعض من ملابسها كما فعلت صباحًا أثناء ذهابهما إلى المشفى فالملابس المنزلية التي كانت ترتديها لم تعد تلائم وزنها الجديد، ولكنها تفاجأت عندما فتحت خزانة الملابس لتجد العديد، والعديد من الملابس التي تصلح للنوم والخروج وجميعها تناسب مقاس عهد الجديد بعد فقدانها للكثير من الوزن، كما وجدت العديد من الأحذية الرياضية المريحة التي لا تعيق الحركة فوجدتها فرصة أن تسالها أن هذه الأشياء علها تخرج من حالة الصمت هذه وبالفعل أخرجت بعض من هذه الأشياء ووضعتها أمامها على الفراش وتساءلت بتعجب:
- شوفتي الهدوم دي كلها يا عهد! مكانتش موجودة الصبح، مكانش موجود غير هدوم بيت اللي كانت فاطمة وسناء بيلبسوهالك وانتي في الغيبوبة، متعرفيش مين اللي جابهم؟
استطاعت أن تلفت انتباهها بعض الشيء لتعقد حاجبيها بعدم فهم فأكملت رهف عندما وجدت استجابة منها وأخذت تقلب في الملابس والأحذية:
- واو بجد دي كلها براندات عالمية تساوي ثروة.
ثم نظرت إليها وهي تغمز بإحدى عينيها:
- دا شكل المز الأسمراني هو اللي جابهم، بس صارف ومكلف بصراحة.
استشاطت غضبًا عندما ذكرته رهف، لتشعر بغليان الدماء في عروقها، فهو السبب في كل ما تعانية الآن، أيعتقد أنه يمكنه شراء صمتها ببعض الملابس، والهاتف باهظي الثمن، فأمسكت بالهاتف وطلبت رقم فاطمة لتسألها عن هذه الأشياء:
- ألو، أيوة يا فاطمة متعرفيش الحاجات اللي في الدولاب دي مين اللي جابها.
أتاها صوتها على الهاتف لتسألها باستفهام:
- حاجات إيه؟
حدثتها بنفاذ صبر:
- هدوم وجزم بكميات كبيرة موجودين في الدولاب.
- آه، دا أكيد يونس بيه لأنه كلمني بالليل وسألني عن مقاسك في اللبس والشوزات وقولتهوله.
ازداد غضبها وأنهت المكالمة سريعًا:
- ماشي يا فاطمة سلام دلوقتي.
أغلقت الهاتف ووجهت حديثها لرهف وعروقها نافرة من كثرة الغضب:
- شوفتي! البيه فاكر إنه هيشتريني بشوية هدوم بعد اللي عمله، فاكرني هبلة، وهقبل بالحاجات دي وأحط في بوقي جزمة واسكت.
أمسكت الهاتف الخاص بالفندق وهي تتمتم:
- لا وربي ما هسكت وهوريه أنا هعمل فيه إيه.
قامت بطلب رقم خدمة الغرف وحدثته بعصبية بالغة:
- ألو، معاك أوضة رقم 510 أنا عايزة رقم صاحب المخروب ده دلوقتي.
كتمت رهف ضحكتها بصعوبة بالغة فلو رأتها تضحك ستصب عليها جام غضبها فأخيرًا عادت عهد من جديد ولكنها انتبهت لحديثها عندما وجدتها تصيح في الهاتف:
- يعني إيه مش هتقدر تديني رقمه، وده مش من صلاحياتك، بقولك هات الرقم حالًا.
رد عليها الرجل بقلة حيلة فيس في يده شيء:
- يا فندم صدقيني مش هقدر أدي لحضرتك رقمه كل اللي أقدر أعمله إني أبلغه إن حضرتك عايزاه.
نفخت خديها بغضب ثم حدثته بيأس:
- تمام بلغه اني عايزاه حالًا أو يبعت حد من ال house keeping عشان ياخدوا القرف اللي جايبه ده.
لم يجادلها كثيرًا ولم يخبرها أن بإمكانه إرسال أحد العاملات إليها لتعطيها ما تريد من الغرفة فاكتفى بموافقتها على ما تريد:
- تمام يا فندم هوصله رسالة حضرتك أي أوامر تانية.
لم يأتيه الرد لتفاجئه بإغلاق الخط فقام بالإتصال بالرقم الخاص بمكتب يونس ليخبره بما حدث.
❈-❈-❈
يجلس مع صديقه ليجدا حلًا لما أوقع نفسه به ليقطع حديثهما رنين هاتف المكتب فقام من مكانه وذهب للرد عليه فوجد أن المتصل موظف خدمة الغرف الذي نحدث قائلًا:
- ألو، يونس بيه معاك سمير موظف في ال room service.
همهم متذكرًا إياه وحدثه بعملية:
- خير يا سمير فيه إيه؟
- كنت عايز أقول لحضرتك إن نزيلة غرفة رقم 510 كانت عايزة رقم حضرتك بس أنا قولتلها إن ده مش من اختصاصي فقالتلي أبلغ حضرتك إنها عايزاك حالًا أو...
سكت قليلًا ليتعجب يونس من صمته فحدثه بنفاذ صبر يحثه على إكمال حديثه:
- أو إيه انجز أنا مش فاضيلك.
حمحم قبل أن يجيبه بحرج:
- أو، أو تبعت حد من ال house keeping عشان، عشان.
- عشان إيه يابني انت علقت ما تخلص:
- عشان ياخد القرف اللي حضرتك جايبه في الأوضة.
صعق مما أستمع إليه ليجده يكمل حديثه قائلًا:
- لو تؤمر حضرتك ممكن ابعتلها أنا حد من ال house keeping ياخد منها اللي هي عايزاه و..
لم يمهله ليكمل حديثه فقاطعه قائلًا:
- ماشي يا سمير الرسالة وصلت وانا هتصرف متشغلش بالك انت.
قال ذلك وأغلق الخط لينظر إلى مروان الذي أثارت المكالمة فضوله دون أن ينطق بشيء.
قام ووقف بجانبه ووضع يده على كتفه وهو يقول:
- إيه مالك؟ مين اللي كان بيكلمك؟
تنهد بعمق قبل أن يجيبه دا واحد من ال room service عهد كلمته علشان يديها رقمي ولما مرضاش قالتله انها عايزاني دلوقتي.
رد عليه بتلقائية:
- طب ما ده كويس يمكن عايزة تتفاهم.
نظر إليه وهو يبتسم ابتسامة يشوبها السخرية:
- تتفاهم؟! دا أنت غلبان أوي دي بتقوله يا يجيني يا يبعت حد ياخد القرف اللي هو جايبه.
تعجب قليلا من حديثه فعن أي شيء يتحدث:
- قرف إيه اللي بتقول عليه؟
- أكيد قصدها على الهدوم اللي بعتها مع ال house keeping بعد ما راحت المستشفى الصبح.
جعد ما بين حاجبيه وحدثه باستفهام:
- هدوم إيه؟
هرب بعينيه منه وحدثه وهو ينظر إلى أرضًا:
- أبدًا، دي شوية هدوم كنت بعت اشتريتهم لما فاقت لأنها مكانش عندها هدوم غير الهدوم البيتي اللي كنت جبتهم وهي في الغيبوبة ومقاسهم اتغير عليها كمان.
أومأ برأسه ليكمل الحديث عنه قائلًا:
- وطبعا لما دخلت الأوضة وشافتهم وهي لسة جاية من المستشفى اتجننت وافتكرت انك بتشتري سكاتها.
وافق على حديثه معقبًا:
- أكيد ده اللي فكَرِت فيه بس أنا مكنتش أقصد كدا أبدًا أنا حتى جيبتهم قبل ما اعرف كلام الدكتور.
- وهي هتعرف منين بس يابني؟ على العموم انا هروحلها زي ما قولتلك، و بلاش انت تظهر قدامها دلوقتي خالص، هي شكلها عصبية ومش من الناس اللي سهل تتعامل معاهم.
أومأ له موافقًا على حديثه ثم هز كتفه بقلة حيلة:
- ماشي اعمل محاولة والله استجابت يبقى تمام مستجابتش بقى أنا مش هضغط عليها أكتر من كده، وهعمل اللي هي عايزاه حتى لو خدتها بنفسي وروحت بلغت عن اللي حصل كفاية إحساس بالذنب وتأنيب ضمير لحد كدا.
قال ذلك ونظر له بعينين مليئتين بالحزن وأكمل:
- أنا مبنامش يا مروان من ساعة اللي حصل الكوابيس والأحلام الغريبة ملاحقاني كل ليلة مبعرفش انام نص ساعه على بعض انا بجد نفسي ارتاح.
شعر بالأسى لما وصل اليه حال صديقه وتعجب كثيرًا من ذكره لتلك الأحلام أو الكوابيس فلم يخبره بشيء من ذلك من قبل ولكنه لن يعلق على ذلك الآن فيكفيه ما به.
وضع يده على كتفه يهزه بمؤازرة وتحدث بصدق:
- متقلقش إن شاء الله كل حاجة هتبقى تمام، وانا جمبك، ومش هسيبك الا لما نحل الموضوع من غير خساير، هروح انا أتكلم معاها و أحاول أقنعها.
حاول أن يغير من حال صديقه قبل ذهابه فحدثه ساخرًا وهو يتجه للباب:
- ادعيلي بس أجيلك سليم ومتحدفنيش بحاجة تجيب أجلي وأنا لسه مدخلتش دنيا، لحسن دي شكلها شرانية ربنا يستر.
ابتسم يونس لحديثه وعقب ضاحكًا:
- لا يا خويا متخافش هي مبتستعملش إديها بتستعمل لسانها، دي عليها لسان مقولكش مبرد طوله عشرة متر، ولا صاحبتها متتخيرش عنها ما جمع الا ما وفق.
نظر إليه مضيقًا عيناه وتحدث من بين أسنانه:
- انت كدا بتطمني يعني ولا بتخوفني؟ ربنا يستر لو مرجعتش في خلال نص ساعة ابقى تعالى، أو ابعت حد يشوفني لحسن واحدة فيهم تلف لسانها على رقبتي تخنقني ولا حاجة.
قهقه ضاحكًا من قوله وتحدث وهو يشير إليه بيده يمينًا ويسارًا كمن يودعه:
- معاك ربنا يبني إلى اللقاء.د فلتصحبك السلامة.
نظر له بغيظ ثم تحدث من بين أسنانه:
- هي بقت كده ماشي أما أرجعلك بس إن ما طلعت اللي هيعملوه فيا عليك مبقاش أنا.
رفع يونس يديه كعلامة للاستسلام وهو يضحك ويقول:
- لا يا عم مقدرش قبلك أبيض.
نظر إليه شرزًا ثم خرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه بقوة لتزداد قهقهات يونس على هيئته وهو ذاهب كمن هو ذاهب لعمل عملية انتحارية وتمتم قائلًا:
- ربنا يستر وترجع سليم.
وهنا تذكر ما حدث منذ الصباح فذهبت ابتسامته وعاد الحزن ليرتسم على وجهه مرة أخرى فتنهد بأسى وهو يجلس خلف مكتبه شاردًا في انتظار عودة صديقه متمنيًا أن ينجح فيما فشل هو فيه ويجنبه الكثير من المشاكل هو في غنى عنها الآن، خاصة مع وجود عائلته هنا هي الأخرى.
❈-❈-❈
أنهت المكالمة وأخذت تلهث من شدة الغضب ولكنها انتبهت لتلك التي تكتم ضحكتها أمامها فنظرت إليها نظرات يتطاير منها الشرر:
- انتي بتضحكي على إيه يا خنفسة المقابر انتي؟
ازدادت ضحكة رهف لتتحول إلى قهقهات فهذا اللقب التي اعتادت أن تنعتها به عندما تغضب منها منذ أن دخلت الجامعة.
ازداد غضبها أكثر وكادت أن تقذفها بالهاتف الذي بيدها:
- بطلي ضحك علشان مقومش أضربك.
قطعت ضحكتها وحدثتها بنبرة صادقة مليئة بالمحبة:
- يا ستي قومي بس واضربيني زي ما انتي عايزة.
قالت ذلك وذهبت لتجلس بجوارها واحتضنت ذراعها وهي تتحدث:
- انا كنت بضحك علشان حسيت إن عهد صاحبتي رجعت تاني، كنت هموت من القلق عليكي وانتي مش راضية تتكلمي.
رفعت رأسها ونظرت إليها وهي تكمل:
- زعقي زي ما انتي عايزة واضربي كمان بس متسكتيش ومتبقيش ضعيفة تاني انتي أقوى من أي حاجة أنا واثقة إنك هتعدي الفترة دي وتقومي أقوى من الأول انتي قدها وهتشوفي.
لم تستطيع عهد حبس دموعها فقامت باحتضانها وهي تبكي:
- ربنا يخليكي ليا يا رهف أنا مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه.
فرقت رهف عناقهما وهي تمسح دموعها وتقول:
- كنتي هتقومي برضه بيا أو من غيري هو أنا مش عارفاكي ولا إيه؟
مسحت دموع عهد وقبل أن تتحدث مرة أخرى انتبهتا على صوت طرقات على الباب فذهبت لفتح الباب وهي تمسح دموعها وتقول بابتسامة متبوعة بغمزة من إحدى عينيها:
- دا شكله وصل أمسحي دموعك كدا واجمدي عايزاكي قوية وتمسحي بيه الأرض زي الصبح كده ماشي.
أومأت لها برأسها وهي تبتسم وتمسح دموعها لتسديد لمواجهته.
فتحت الباب لتتفاجأ بأن من أمامها شخص آخر غير الذي جاء في الصباح فضيقت عيناها ونظرت له من أعلى لأسفل ولوت شفتيها وتحدث بتلقائية:
- أيوة، نعم، أوعى تكون انت بتاع ال house keeping؟
قالت ذلك وهي تشير إليه بسبابتها ثم قالت متحكمة:
- مستبعداهش بصراحة في فندق علي بابا اللي احنا فيه ده.
تعجب قليلًا مما تفوهت به لينظر إلى نفسه جيدًا هل يبدوا بالفعل كأحد عمال النظافة ثم حمحم وتحدث بجدية متجاهلًا ما قالته ف فيما يبدوا أن يونس كان معه حق عندما وصفها بسليطة اللسان:
- أقدر أقابل الآنسة عهد لو سمعتي.
ردت عليه بجدية مماثلة له ومنافية لطبيعتها:
- أقولها مين حضرتك؟
قام بإخراج بطاقة تعريف من جيب سترته وأعطاها لها وهو يقول:
- مروان نور الدين، ودا الكارت بتاعي.
أخذت الكارت وأخذت تهوي به على وجهها ثم أشارت به نحوه وهي تقول متهكمة:
- ايوة يعني بتبيع ايه يا سي مروان نور الدين.
عقد حاجبيه ونظر إليها بغضب من طريقتها الفظة معه:
- أنا شريك يونس في الفندق وكنت جاي اتكلم معاها كلمتين، فلو سمحتي من غير كلام كتير ووافقة مالهاش لازمة على الباب ممكن تضر بسمعة الأوتيل ياريت تبليغها بزيارتي ليها.
ابتسامة ساخرة ارتسمت على وجهها وهي تشير له بالدخول وتتمتم بصوت منخفض:
- هو خاف يجي وبعت محامي عنه ولا ايه؟ ادخل يا خويا ادخل استلقى وعدك انت كمان.
التفت لها أثناء دخوله عندما سمع حديثها ليلعن حظه الذي أوقعه مع تلك القصيرة سليطة اللسان وتحدث بينه وبين نفسه:
- لما صاحبتها كده أومال التانية عاملة إزاى؟ الله يسامحك يا يونس جايبلنا ريا وسكينة مقعدهم عندنا في الأوتيل.
دخل الغرفة وعندما رآها جالسة على الفراش امتلأ قلبه شفقة وحزن عليها هو لم يراها من قبل ولكن علامات الهزال ظاهرة عليها فمن الواضح أنها قد فقدت الكثير من الوزن.
نظرت إليه بتعجب ثم حولت نظرها لرهف لكي تخبرها بمن يكون فتحدثت وهي تشير نحوه:
- الأستاذ..
نظرت في البطاقة التي بيدها قبل أن تجيب:
- مروان نور الدين شريك في الفندق وعايز يتكلم معاكي.
نظرت إليه بتحفز وقامت بضم يديها حول صدرها وتحدثت بغضب وعينان يتطاير منهما الغضب:
- أفندم، بعتك ليه؟
حمحم شاعرًا بالحرج وحاول أن يمتص بعض من غضبها ولو قليلًا فتحدث بابتسامة زادته وسامة وهو بشير إلى أحد المقاعد المقابلة للفراش:
: طب ممكن أقعد طيب ولا هنفضل نتكلم وأنا واقف كدا؟
أشارت إلى المقعد ثم تحدثت بنفاذ صبر:
- اتفضل أقعد.
جلس على المقعد بعد أن حل أزرار حلته ونظر إليها وتحدث بهدوء:
- أولًا حمدلله على سلامتك انتي مش متخيلة احنا كنا قلقانين عليكي ازاي لما الغيبوبة طولت وكنا بندعي انك تقومي بالسلامة.
ضحكت بتهكم على حديثه ولكنها لم تعقب لتترك له المجال أن يقول ما عنده:
- أنا عارف إنك مش مصدقة كلامي لكن دا اللي حصل فعلًا، وبرضه عارف إنك مالكيش ذنب في اللي حصل وحقك تعملي اللي انتي عايزاه علشان تاخدي حقك، وعلى فكرة يونس متقبل دا جدًا، ومستعد يتحمل نتايج أي قرار انتي هتاخديه.
صمت قليلًا ليرى تأثير حديثه عليها فوجدها تستمع إليه بإنصات فأطنب في حديثه قائلًا:
- بس خلينا نفكر بالعقل شوية، الحادثة وحصلت وأكيد يونس مكانش يقصدها، وبرضو هو مقصرش معاكي في أي حاجة يمكن فكر بأنانية شوية لما خرجك من المستشفى ومعرفش حد باللي حصلك خصوصًا أهلك، بس أؤكدلك إنه مكانش يقصد شر أبدًا باللي عمله هو كان بيتصرف على اساس الاختيارات اللي قدامه، اللي انتي متعرفيهوش أن الحادثة حصلت يوم افتتاح الفندق، ومش عايز اقولك فضيحة زي دي كان ممكن تعمل إيه.
وجدها تنظر له بتحفز مرة أخرى وقبل أن تتحدث أشار إليها بيديه لكي تهدأ حتى يكمل حديثه فصمتت على مضض:
- أنا عارف إن كل اللي بقوله ده مش مبرر للي حصل ولا لكي ذنب فيه بس أنا بحط قدامك الصورة كاملة علشان تعرفي كل الظروف اللي حصلت واللي أجبرته يعمل كدا ولو فكرتي شوية بعيدًا عن العواطف، انتي ممكن تستفيدي إيه لو بلغتي عن اللي حصل؟ هو هيتحبس، ومستقبله هيضيع، طب وانتي إيه اللي هيتغير بالنسبالك لو ده حصل هل حبسه هيعوضك عن الايام اللي كنتي فيه في غيبوبة؟ أو هيرجعك تمشي أسرع؟ طبعا لا، هو هيخسر وانتي مش هتكسبي حاجة في حين إنك لو سامحتيه ده هيعود عليكي بأكثر من مكسب ومش قصدي فلوس أو تعويض مادي وبس مع إن ده حقك وممكن تطلبي المبلغ اللي انتي عايزاه مهما كان واحنا متكفلين بيه.
وجدها تتحفز للرد مرة أخرى فاكمل مسرعًا قبل أن ترفض ما يقول:
- وقبل ما تردي من غير تفكير أنا قولت مش قصدي من المكسب إنه مكسب مادي وبس فيه مكاسب تانية كتير زي اننا متكفلين بعلاجك لحد ما تقدري تقفي على رجلك من تاني مهما كلفنا الأمر حتى لو احتاجتي تسافري برا مفيش مشكلة خالص المهم في النهاية انك ترجعي زي الأول وأحسن، والمكسب التاني إنك كسبتي أصدقاء جداد ممكن يساعدوكي في اي حاجة تحتاجيها حتى لو بعد سنين لو احتاجتينا في حاجة عمرنا ما هنتأخر عليكي.
قال ذلك وهو يستقيم ويغلق أزرار حلته مرة أخرى وأنهى حديثه قائلًا:
على العموم أنا مش عايز أسمع رأيك دلوقتي فكري كويس وخدي وقتك في التفكير وأي قرار هتوصليله احنا موافقين عليه وأيًا كان قرارك احنا برضه متحملين كل تكاليف علاجك ومش هتخرجي من هنا إلا وانتي ماشية على رجلك بإذن الله، أسيبك انا دلوقتي تفكري ومستني قرارك اللي متأكد انه هيبقى في صالحنا جميعًا، بعد إذنك.
أنهى حديثه وغادر دون أن ينطق بشيء آخر او يسمع منها شيء ليتركها في حيرة من أمرها لا تعلم هل تستجيب لما قاله أم لا.
جلست رهف بجوارها لتفيقها من شرودها على سؤالها:
- ها ناوية على إيه؟
نظرت إليها بذهن مشتت وأجابتها بتيه:
- مش عارفة، انتي رأيك إيه؟
فكرت قليلا ثم تحدثت بعقلانية:
- بصراحة شايفة إن عنده حق هتستفيدي إيه من حبسه؟ ولا حاجة، ومش بقول كدا إني أقصد إنك تاخدي تعويض والكلام ده زي ما قال لأني عارفة إنك مش هتعملي كدا، بس على الأقل مش هتحسي بالذنب لو اتسببتي في أذيته وانتي عمرك ما رديتي الإساءة بالإساءة، على العموم فكري وخدي وقتك وانا معاكي في أي حاجة.
تنهدت بعمق وصمتت قليلًا قبل أن تجيب منهية الحديث في ذلك الأمر:
- أنا هسيبها لله واللي هو كاتبه هيكون.
ردت عليها وهي تومئ برأسها موافقة لما قالته:
- ونعم بالله.
حاولت تغيير الموضوع حتى لا تعود إلى حالة الحزن التي كانت عليها منذ قليل فتحدثت بمرحها المعتاد:
- بقولك إيه سيبك من كل ده ويلا بقى نغير هدومنا عشان تاكلي أنا عايزة في ظرف كام يوم وزنك يرجع زي زمان ولا انتي عاجبك إنك بقيتي في رفع عود القصب كدا.
قالت ذلك وهي تقوم بمساعدتها في تغيير ملابسها فضحكت عهد على حديثها وحدثتها بمزاح:
- لما أنا عود قصب انتي تبقي ايه؟ زعزوعة؟!
شهقة مازحة خرجت منها وهي تقف بعد أن وضعت يديها في خصرها لتدور حول نفسها لتستعرض قوامها أمامها:
- اخرسي، بقى القمر ده يتقال عليه زعزوعة دا عود عارضات أزياء يا جاهلة إيش فهمك انتي.
ظلتا تضحكان لبعض الوقت حتى تذكرت عهد شيئًا فالتفتت إليها وحدثتها بجدية بعض الشيء:
- تعالي هنا، كام يوم إيه اللي بتقولي عليهم؟ هو انتي ناوية تشرفيني هنا كام يوم وتسيبي شغلك ولا ايه؟
جلست أمامها على الفراش مربعة قدميها قدم فوق الأخرى وهي تتحدث:
- شغل إيه يا حبيبتي وكام يوم إيه انا مش همشي من هنا الا ورجلي على رجلك قاعدة على قلبك من الآخر انا هكلمهم في الشغل وهاخد أجازة بدون مرتب شهرين تلاتة كدا وإذا كان عاجبهم مش عاجبهم يرفدوني عادي.
لم توافق على حديثها فحركت رأسها يمينًا ويسارًا علامة على رفض ما تقول:
- لا طبعًا إيه الهبل اللي بتقوليه ده؟ ومين هيوافقك على كده ارجعي شغلك ومتقلقيش عليا أنا معايا فاطمة وهي طيبة زي ما انتي شايفة لو احتجت حاجة هقولها عليها وكمان فيه سناء اللي بيقولوا عنها بس انا لسه مشوفتهاش يمكن تكون كويسه زي فاطمة كده.
لم تستمع لحديثها وقامت بإلباسها بعض من الملابس الجديدة وهي تتحدث:
- انا مش بقولك كدا علشان آخد إذنك انا خلاص قررت ومش هقبل مناقشة في الموضوع ده نهائي وزي ما قولتلك مش همشي من هنا الا ورجلي على رجلك معاكي فاطمة معاكي عفريت أزرق أنا مش هتحرك من هنا حتى لو طردتيني هفضل برضه قاعدة على قلبك.
لم تستطع عهد أن تمنع دموعها وهي تنظر لصديقتها نظرة امتنان وتقول:
- ربنا يخليكي ليا يا رهف انا بجد مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه.
اعتدلت وقامت وكأنها تعدل من ياقة ملابسها الوهمية وتحدثت بزهو مصتنع:
- كنتي هتلوصي من غيري طبعا مفيش كلام.
قامت بقذفها بإحدى الوسائد التي بجوارها وهي تبتسم وتقول بمزاح:
- تبًا لتواضعك يا شيخة.
ظلتا تضحكان ويتمازحان لبعض الوقت متناسين أي شيء قد يزعجهما مؤقتًا تاركين كل شيء بموعده.
❈-❈-❈
منذ أن وصلت إلى العمل وهي تعمل بذهن شارد لا تستطيع التركيز في شيء لدرجة أنها كادت أن تعطي دواءً خاطئًا للمرضى أكثر من مرة لولا إنقاذ صفاء لها في الحظات الأخيرة لكانت تسببت في حدوث كوارث للمرضى ولها على حدٍ سواء.
جلست تستريح لبعض الوقت علها تصفي ذهنها حتى تستطيع مواصلة عملها بتركيز أكثر، وعندما رأتها صفاء ذهبت لتتحدث معها لتعرف ماذا بها.
جلست على الكرسي الذي أمامها وهي تنظر لها باهتمام:
- مالك يا ضحى فيكي ايه؟ مش مركزة من ساعة ما جيتي فيه حاجة حصلت؟
أمسكت بجبهتها تدلكها علها تخفف من حدة هذا الصداع الذي يفتك برأسها وأجابتها بعيون زائغة:
- مفيش يا صفاء.
- لا فيه طبعا هو أنا مش عارفاكي، فيه حاجة حصلت مع أحمد تاني ولا إيه؟
نفت برأسها وهي مغمضة العينين:
- لا مفيش العادي بتاعنا مفيش جديد.
ضيقت ما بين حاجبيها واقتربت بمقعدها منها أكثر وتلمست كتفها بعطف:
- اومال مالك يا حبيبتي؟ الولاد بخير طيب؟
وعند هذا السؤال لما تستطع تمالك نفسها ونزلت دموعها قهرًا لما وصل له حال أطفالها، فقلقت صفاء عليها أكثر وتوقعت أم مكروه قد حدث للصغار فتحدثت بخوف وهي تحاول تهدئتها حتى تفهم منها ما حدث:
- طب اهدي بس يا حبيبتي وفهميني إيه اللي حصل والولاد مالهم.
تحدثت بنشيج من بين بكائها:
- الولاد، الولاد بيضيعوا مني يا صفاء وأنا السبب.
شهقة خرجت منها دون إرادتها لتدور في ذهنها الكثير من السيناريوهات المؤسفة والتي حاولت طردها من رأسها والفهم منها أكثر عما حدث:
- إيه اللي حصل يا بنتي؟ اتكلمي من غير ألغاز أبوس إيدك بيضيعوا منك ازاي؟ فهميني.
ظلت تبكي لبعض الوقت إلى أن هدأت قليلًا وأخذت تقص عليها ما حدث من سليم صباحًا فتنفست صفاء الصعداء لاطمئنانها بأن الأطفال بخير:
- وقعتي قلبي يا شيخة حرام عليكي انا افتكرت حصلهم حاجة وحشة.
نظرت إليها بعيون حمراء من كثرة البكاء وحدثتها بانفعال:
- يا سلام واللي حصل ده مش حاجة وحشة بقولك الولد بقى بيقلد أبوه والولية حماتي بتسمم أفكاره بكلام زي الزفت عايزة إيه تاني؟
ربتت على كتفها وتحدثت معها بصراحة ومصداقية:
- وانتي كنتي مستنية إيه بس يا ضحى؟ ماهو ده اللي كان متوقع انتي عارفة كويس ان الأطفال ما هما إلا سفنجة بتمتص تصرفات وكلام الكبار وتنقله من غير عقلهم ما يترجم التصرف ده غلط ولا صح طبيعي جدًا إن الولد يتأثر بأبوه في كل حاجة، أما بالنسبة لجدته فمتزعليش مني انتي منظرة إيه من واحدة ربت واحد زي أحمد جوزك ده؟!
قالت ذلك وهي تلوي شفتيها لتنظر لها ضحى بصدمة مما قالته فتابعت صفاء:
- متبصليش كدا أنا وانتي عارفين كويس اللي فيها وأنا يا ما نصحتك تاخدي موقف من اللي بيعمله وانتي مسمعتيش كلامي كنتي فاكرة إيه اللي هيحصل لطفلين شايفين أبوهم طول الوقت بيعنف أمهم وبتعامل معاملة السيد للجارية وهي بتسكت ومبتاخدش اي رد فعل يحسسهم ان تصرفه ده غلط؟ طبيعي إن يترسخ جواهم إن ده هو الصح ويترجم لأفعال مع مرور الوقت.
نعم هي تعلم كل العلم أنها على حق وأنها من أوصلت أطفالها لذلك بضعفها وسلبيتها فنظرت أرضًا وتحدثت بحرج:
- طب والحل يا صفاء؟ أعمل ايه علشان ألحق الولاد؟
وضعت يدها أسفل ذقنها وقامت برفع رأسها لتجعلها تنظر إليها وهي تتحدث بجدية:
- مفيش قدامك غير حل من اتنين يا تطلقي وإن كنت أشك إنك تقدري تعملي كدا، يا تسيبي البيت فترة يمكن الباشا يعرف قيمتك وقيمة ولاده ويتغير شوية.
ابتسامة ساخرة ارتسمت على وجهها عند استماعها لحديث صديقتها وتحدثت بتهكم:
- يتغير ويعرف قيمتنا! دا انتي بتحلمي دا ما هيصدق يخلص مننا.
اغتاظت مما قالته وحدثتها من بين أسنانها:
- ولما انتي عارفة كدا يا أم دماغ جزمة مستمرة معاه لحد دلوقتي ليه؟
- هربت بعينيها منها وتحدثت بتلعثم وهي تضع خصلات شعرها خلف أذنها:
- ما انتي عارفة إن شغلي هنا وفي الصيدلية بيكفي طلبات الولاد وأكلنا وشربنا بالعافية هجيب منين مصاريف المدارس والنادي اللي أهله بيدفعوهم؟
غضبت كثيرًا وتحدثت بصوت كاد أن يصبح مرتفع ولكنها لحقت نفسها قبل أن يستمع إليها زملائهم:
- انتي بتضحكي عليا ولا على نفسك انتي عارفة ومتأكدة إن مش ده السبب اللي مخليكي مستمرة في الجوازة الهباب دي، وبرضه عارفة إن دخلك مش وحش بالنسبة لستات تانية كتير، ولو مسكني إيدك شوية هيكفوكي انتي والعيال، ويا ستي بناقص المدارس الإنترناشونال والنوادي وخليكي في المدارس الناشونال ولا حتى التجريبي العيال مش هيحصلهم حاجة لو نقلتيهم من مدارسهم واتربوا في بيئة سوية لكن هيستفيدوا إيه بالمدارس وهما متربين في بيئة مؤذية زي اللي هما عايشين فيها دلوقتي.
نعم هي تعلم أن كل ما قالته صحيح وأنها تتحجج بأطفالها لكي تمكث معه فبرغم كل شيء يفعله لازال قلبها يحمل بعض الحب له ولا تتصور أن تحيا بدونه وتدعي كل يوم في صلاتها أن يهديه الله لها ولأولادهما ولكنها تأبى الاعتراف بذلك، لتأتي صفاء الآن وتضعها أمام المرآة لترى بها حقيقتها المجردة امرأة ضعيفة، سلبية، تعجز حتى عن حماية أطفالها وعند هذه النقطة عادت لتبكي من جديد فشعرت صفاء بالشفقة عليها واعتقدت انها تبكي جراء ما قالتله لها فأخذت تربت على ظهرها وتحاول تهدئتها ولكن دون جدوى فتحدثت معها بحزن وشعور بالذنب لكونها السبب في حالة الانهيار التي وصلت إليها تلك:
- طب اهدي بس عشان خاطري أنا آسفة إني كلمتك بالطريقة دي بس أنا عايزة مصلحتك والله وخايفة عليكي وعلى الولاد.
ظلت تبكي دون انقطاع ليجتمع حولهما زملائهما ليعلموا ما السبب وراء بكائها ولكن صفاء استطاعت إبعادهم حتى يعطوها الفرصة لكي تهدأ فتحدثت إليهم وهي تشير إليهم أن يبتعدوا:
- مفيش حاجة يا جماعة دي مامتها تعبانة شوية وهي زعلانة عشانها، ابعدوا عنها بس عشان تقدر تاخد نفسها لأن الزحمة الكتير حواليها كدا غلط، لو سمحتوا ارجعوا أماكنكم تاني وهي لما تهدا هتطمنكم عليها.
استجابوا جميعًا لما قالته وعاد كل منهم لمكانه وسط همز ولمز وهمسات فيما بينهم عن سبب بكائها هكذا.
اقتربت منها صفاء مرة أخرى وهي تحاول أن تجعلها تتوقف عن البكاء:
- اهدي يا ضحى وبطلي عياط أبوس إيدك لميتي علينا للناس.
وعندما لم تجد استجابة منها عقبت قائلة:
- طب انا عندي فكرة تانية أحسن من إنك تسيبي البيت.
وهنا نظرت إليها وكأنها تخبرها أن تكمل وتقول ما عندها لتكمل صفاء دون اقتناع منها بما ستقوله ولكن ما بيدها حيلة فهي تعلم أنها مازالت تحبه وهي الآن أضعف من أن تأخذ قرار بالابتعاد عنه:
- ايه رأيك تتجنبيه على قد ما تقدري ولما تلاقيه متعصب مترديش عليه علشان الموضوع ميتطورش ويوصل للضرب زي كل مرة حاولي كدا يمكن لما تعملي كدا والولاد يبطلوا يشوفوا خناقاتكم نفسيتهم تتحسن شوية.
عقبت على حديثها وكأنها كانت تنتظره فنظرت إليها وعيناها تتوسل إليها أن تكون محقة:
- تفتكري ممكن الطريقة دي تجيب نتيجة؟
رفعت كتفيها وأنزلتهم كعلامة على عدم المعرفة:
- ممكن ليه لأ، جربي مش هتخسري حاجة، وياريت تقللي مرواح الولاد لجدتهم عشان متبخش سمها في ودانهم تاني والأهم من دا كله لو تقدري تودي الولاد لأخصائي نفسي، إن شالله حتى الموجود في المدرسة صدقيني هيفرق معاهم جدا.
أومات لها دليلًا على موافقتها على حديثها وتحدثت بأمل:
- هعمل كدا إن شاء الله وأشوف ويارب يجيب نتيجة.
نظرت إليها بعينان مملوءتان بالشفقة عليها هي تعلم تمام العلم أن ما هذا سوى مجرد اقتراح مؤقت لن يؤتي بثماره ولكنها مضطرة لأن تقول لها ذلك حتى تستطيع هي في يوم ما أن تأخذ قرار الإبتعاد بمحض إرادتها ووقتها لن يستطيع أحد أن يجعلها تعود في قرارها هذا لأنه وقتها سيكون نابع منها هي دون تدخل من أحد، هي فقط تتمنى أن يأتي هذا اليوم قريبًا دون أن يحدث لها أو لأطفال خسائر أكثر من ذلك.
❈-❈-❈
نفس اليوم ظهرًا
يتقلب في فراشه وقام بإحضار هاتفه الموضوع جوار الفراش ليعلم ما هو الوقت الآن ولكنه تأفف عندما رأى أن الساعة لازالت الواحدة ظهرًا فقرر أن يعود إلى النوم مرة أخرى إلى أن تعود زوجته من العمل وتحضر الغذاء ثم تقوم بإيقاظه كالعادة ولكنه قام بتغيير رأيه ليقرر أن يهاتف وعد أولًا قبل أن تعود زوجته ووقتها لن يستطيع مهاتفتها إلا عندما تعود لعملها الآخر.
قام بإخراج رقم هاتفها من قائمة الهاتف والذي بالطبع يسجله باسم أحد أصدقائه حتى لا يثير شكوك زوجته كما يفعل غيره من سائر الرجال الخائنون.
أتاه الرد سريعًا فابتسم عندما استمع إلى لهفتها في الرد عليه وتحدث ببحته المميزة:
- يا مساء الفل على أجمد مزة شافتها عنيا.
أجابته بخجل:
- مساء الورد يا حبيبي.
استشعر خجلها من حديثه فأكمل وهو يبتسم بخبث:
- إيه؟ حبيبي لسة بيتكسف مني؟ لا انتي تبطلي الكسوف بتاعك ده احنا خلاص معادش فيه ما بينا كسوف خصوصا بعد ليلة إمبارح كنتي جامدة يا بنت الذين.
لم تتوقع أن يقول لها ذلك فأحست بالدماء تندفع إلى رأسها تزيد من حرارة وجهها من شدة الخجل وتحدثت بصوت منخفض:
- بطل بقى يا أحمد الكلام ده انت عارف انتي بتكسف.
- مش قولنا نبطل كسوف بقى انا مبحبش الست اللي بتتكسف على فكرة.
صمتت ولم تجيبه فقرر أن ينتقل بعلاقتهم لمرحلة أخرى طال انتظاره لها فحمحم وتحدث بصوت يملأه الرغبة:
- تعرفي إني نفسي أغمض وأفتح ألاقيكي في حضني بجد مش عن طريق التليفون بعد الأيام والليالي علشان تيجي اللحظة دي وحياتك ما هسيبك ساعتها أبدا.
ازداد خجلها من حديثه هذا واعتقدت أنه بذلك يمهد الطريق لطلب يدها من والدها فقررت التغلب على خجلها بعض الشيء حتى لا يغضب منها:
- طب وإيه اللي مانعك؟
أحس بأنه قد أقترب من هدفه بالفعل ليقرر أن يضرب على الحديد وهو ساخن:
- يعني أفهم من كدا انك انتي كمان مستنية اليوم ده؟
أجابته بدون تردد:
- طبعا يا حبيبي هو ده سؤال.
- طب وإيه اللي مانعك؟ ما تيجي نتقابل لواحدنا بعيد عن الناس.
تعجبت كثيرًا من حديثه هذا فلقد توقعت ردًا مختلفًا تمامًا:
- تقابل لواحدنا ازاي؟
- عادي يا قلبي هظبط ميعاد ونتقابل في شقتي إيه رأيك؟
غضبت من حديثه هذا وتكلمت بجدية:
- إيه اللي انت بتقوله ده يا أحمد؟ ازاي يعني نتقابل في شقتك من غير جواز؟ انت فاكرني إيه بالظبط؟ حتى لو اتساهلت معاك في التليفون شوية دا مش معناه إني هعمل كدا ابدًا.
شعر بالإحباط من ردها هذا ولكنه قرر أن يقلب الأمر لصالحه:
- أيوة كدا يا حبيبتي أنا كنت مرعوب لحسن توافقي، دنا، دنا كنت بختبرك مش أكتر علشان أشوف هتوافقي ولا لأ، عارفة لو كنتي وافقتي مكونتش هعرفك تاني أبدًا.
للحظات اعتقدت أنها قد لمست السحاب بيديها فتحول الغضب الذي شعرت به منذ لحظات لمشاعر عشق لا تعلم إلى أين ستأخذها:
- بجد يا أحمد يعني كلامك ده كان مجرد اختبار مش جد؟
رد عليها سريعًا لينفي أي شك بداخلها تجاهه.
- طبعا يا قلب أحمد بجد هو أنا أقدر أضرك برضه، فيه حد يضر روحه؟
أراد تغيير الموضوع فمن الواضح أنها ليست مستعدة لتلك الخطوة بعد فتحدث إليها مدعيًا الاهتمام:
- المهم طمنيني أختك عاملة إيه دلوقتي؟
في لحظات أعادها من السماء السابعة للأرض مرة أخرى لتجيبه بعد أن تذكرت حديثها مع شقيقتها منذ عدة ساعات:
- الحمد لله إنها بخير وده أهم حاجة، بس لسة تعبانة ومش قادرة تدوس على رجليها، أنا كلمتها الصبح علشان أطمن عليها وعرفت إن الدكتور قالها إن قدامها شهرين على الأقل على ما تقدر تمشي على رجليها من تاني وطبعا حلفتني مقولش لماما الكلام ده علشان متزعلش.
قلب عينيه في ملل من حديثها ولكنه تحدث بمشاعر مزيفة:
- معلش يا حبيبتي المهم إنها بخير زي ما قولتي وإن شاء الله تقوم وترجعلكم بالسلامة.
أراد أن يحظى بأي مكسب من تلك المكالمة التي لم تعود عليه بفائدة حتى الآن:
- طب انتي في الشغل ولا في البيت.
أجابته برد خيب كل آماله:
- لا في الشغل طبعا بس احنا دلوقتي في وقت ال break علشان كدا عرفت أرد عليك.
زفر بإحباط عندما وجدها تخيب كل آماله ولكنه قرر أن يحاول معها محاولة أخيرة علها تؤتي له بفائدة:
- طب إيه رأيك نتقابل النهاردة بعد الشغل في نفس المكان اللي اتقابلنا فيه المرة اللي فاتت.
نفت برأسها بأسف وكأنه يراها بالفعل:
- للأسف يا حبيبي مش هقدر ممكن نخليها لبكره لأني لازم أروح علطول علشان ماما عايزة تكلم عهد video call وهي موبايلها قديم لأنها مبتفهمش في الموبايلات الأندرويد وحلفتني وأنا نازلة الصبح إني أرجع بدري علشان تكلمها وتطمن عليها.
مرة ثالثة تخيب آماله ليشعر بخيبة أمل فقرر أن ينهي المكالمة ليعود للنوم أفضل من تلك المكالمة عديمة الفائدة بالنسبة له:
- ماشي يا حبيبتي ولا يهمك نخليها لبكره مفيش مشكلة أسيبك دلوقتي بقى علشان ترجعي لشغلك وهكلمك تاني بالليل.
- ماشي يا حبيبي مع السلامة.
- سلام
أغلق الهاتف وألقاه بجانبه بإهمال ليعود إلى النوم مرة أخرى.
❈-❈-❈
ذهبت ماكنيا لقاعة العرش بعد أن أخبرتها إيزادورا بطلب الملك لها فكانت ترتعد خوفًا من مواجهة الملك خاصة بعدما رأت وجه الأميرة الصغيرة كيف بدا شاحبًا بعد لقائها مع والدها وعلمها بأن ما كانت تخشاه قد حدث بالفعل والآن هي المسؤولة الوحيدة أمام الملك لأنها لم تحافظ على الأميرة التي كانت في أمانتها.
أدخلها الحرس قاعة العرش فأشار إليهم الملك بالانصراف لتبقى وحيدة أمامه فازداد رعبها ليترجمه جسدها على شكل رعشة لا تستطيع التحكم بها.
رأى الملك حالتها واستشعر خوفها ليتأكد أكثر فأكثر مما وصله من أخبار، فنظر لها بنظراته الثاقبة وتحدث بصوته الجهوري الذي يبث الرعب في كل من يقف أمامه:
- ما بكِ ماكنيا لماذا ترتعدين أمامي هكذا.
أحست بتجمد الدماء في عروقها وانعقد لسانها فلم تستطع أن تجيبه فأكمل هو بتهكم:
- لماذا لا تنطقين؟ هل أكلت القطة لسانك؟
عندما طال صمتها أمرها بالتحدث صارخًا في وجهها:
- انطقي قبل أن أقطعه لكِ بالفعل.
اضطرت إلى أن تتحدث قبل أن ينفذ تهديده لها ولكن خرج صوتها مهزوز ومتلعثم:
- لا، لا ش، شيء يا مولاي أنا فقط أرى جلالتك غاضبًا فخشيت أن أكون قد أخطأت بشيء دون أن أدري.
نظر لها نظرات متفحصة وكأنه يقرأ ما يجول في خاطرها وترفض البوح به ليزداد خوفها أكثر فأكثر:
- حسنًا، حسنًا، والآن أخبريني دون كذب ما الذي تعرفينه عن علاقة الأميرة الصغيرة بهذا المصري.
صعقت عندما وجه إليها هذا السؤال، فهي الآن أمام خيارين، إما أن تكذب وتواجه غضبه، وإما أن تقول ما تعرفه، ووقتها لا تعلم ما الذي سيفعله في صغيرتها وهنا استجمعت شجاعتها وأجابته بثبات قدر ما استطاعت علها تستطيع أن تجعله يصدقها:
- لا أعلم عما تتحدث مولاي فمولاتي الصغيرة لا تخبرني بشيء عما يدور في رأسها ولا أعلم عن أي مصري تتحدث.
اعتراه ذلك الغضب العارم فمن تكون هذه الوصيفة لكي تجرؤ على الكذب عليه ولذا أراد أن يضيق عليها الخناق أكثر:
- فما قولك إذن في الحديث الدائر في القصر بأن الأميرة تقابل رئيس الحرس في حديقة القصر وتتحدث معه أيضًا؟
مثلت الصدمة ببراعة شديدة فخرجت شهقة مصطنعة ونفت كل ما قاله الملك:
- لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا مولاي فالأميرة لا تتجول في الحديقة دون مرافقة وصيفتان على الأقل لها ولا يجرؤ قائد الحرس على أن يتحدث إليها، فمن المؤكد أن من أخبرك بذلك إما كاذبًا، وإما أنه لا يعي ما يقول.
صمت قليلًا وهو ينظر لها وهي تنظر أرضًا وقد قل ارتعاش جسدها يحاول أن يتبين صدق حديثها من عدمه:
- حسنًا ماكنيا سأصدق ما تقولين الآن ولكن اعلمي أنه إن ثبت لي أنكِ قد كذبتي عليّ سينالك غضبي ووقتها ستتمنين الموت ولن تناليه.
قال ذلك وأشار إليها بيده لكي تخرج، فخرجت مترنحة لا تقوى على السير جيدًا تشعر برعب شديد من تهديد الملك لها لتعقد العزم على أن تمنع الأميرة من الاستمرار في تلك العلاقة مهما كلفها الأمر.
يتبع..