-->

رواية نعيمي وجحيمها- بقلم الكاتبة أمل نصر - اقتباس - الفصل الثامن والأربعون

 

رواية نعيمي وجحيمها

بقلم الكاتبة أمل نصر







اقتباس

الفصل الثامن والأربعون

رواية

نعيمي وجحيمها 



أنهت المكالمة وهمت بوضع المفتاح في كالون الباب، إلا أنها وجدته يُفتح وحده دون مجهود، دفعته قليلًا بتوجس خيفة من وجود لص ما او شئ اخر ، ولكنها تفاجأت به على مكتبها جالس وأمام إحدى الإطارات الصغيرة للصور، تركزت عينيه على واحدة تخصها بملابس التخرج وهي تضحك بملأ فمها والسعادة تشرق من عينيها الساحرتين، فبادرها بقوله دون أن يرفع أنظاره إليها:

- حلوة اوي الصورة دي، بتضحكِ فيها كدة من قلبك، واحدة دايسة في الدنيا ومافيش حاجة تهمها، ولا شايلة هم لبكرة ولا عاملة اعتبارات لأي حد.

ختم جملته لتلتقي عينيه بخاصتيها ولون قهوتها المتوهج بحذر أمامه فقالت بصوت حاولت تغليفه بالحزم وقد اجلته قليلًا من توترٍ اكتنفه بمجرد رؤيته:

- إيه اللي جابك هنا يا طارق؟ انا مش نبهت عليك قبل كدة، إنك ما تدخلش المكتب في غيابي ولا تقتحم خصوصياتي؟

صمت مدة من الوقت يرمقها بنظراته الثاقبة ليزيد بداخلها الاضطراب قبل أن يُجيبها بكل هدوء وتمهل بكلماته:

- نفس اللي جابني هو اللي جابك يا كاميليا.... مش انتِ جيتي عشان الملف اللي في إيدي ده؟

قالها بإشارة إلى ما يحمله أمامها، اومأت برأسها تزدرد ريقها بقلق :

- ايوة بس انا كنت جاية اخلصه ع السريع وبعدها ابعته مع اي حد يسلمهولك، يعني مكانش في داعي انك تيجي هنا من غير ما تبلغني. 

شبك كفيه أمامها على سطح المكتب يرد بنفس الرتابة:

- العميل نفسه اتصل بيا يا كاميليا، وأنا زي ما انتِ عارفة بقى بطلت اتصل بيكِ ولا ازعجك، دا غير ان حضرتك مش فاضية حسب ما اسمع، مش بيقولوا برضوا ان كتب كتابك النهاردة؟

أطرقت برأسها غير قادرة على مواجهته، حتى أغمضت جفنيها تتنهد بصمت، وأفعاله معها تزلزل كيانها بغير رأفة ولا رحمة، تمالكت لتخاطبه بعملية تتجاهل بها الرد على سؤاله:

- معلش يا طارق، انا كنت عايزة القي نظرة سريعة على الملف اللي معاك.

اومأ له بذقنه نحو سطح المكتب:

- الملف قدامك اهو.

جسرت نفسها لتقترب وتناولته لترى ما دون به من بنود واتفاقات، تدعي التركيز، وسهام انظاره تزيدها تشتتًا حتى أصبحت لا تعي أي حرف تقرأه، فتركته فجأة تلقيه بعنف تبتغي الهروب:

- خلاص مش مهم، انا عندي ثقة فيك....

- بجد والله!

صاح بها مقاطعًا أجفلها، ونهض فجأة ليعترض طريقها مردف ساخرًا بضحكة تقطر بالمرارة:

- تصدقي حقيقي فرحتيني، اصل الموضوع دا كان تعبني قوي الايام اللي فاتت، إن يبقى عندك ثقة فيا دي حاجة كبيرة اوي ولا في أحلامي حتى تخيلتها يا كاميليا 



ترقرقت مقلتيها بالدموع أمامه ولم تعد به طاقة لما يفعله معها، يكفيها ما تعانيه بداخلها، فقالت تُخاطبه برجاء:

- إنت ليه بتصعبها عليا وعليك يا طارق؟ ما تسيبني بقى امشي في حالي، وعيش انت حياتك 

مال برأسه نحوها يقترب أكثر بوجهه منها ليرد بشبه ابتسامة ليس لها معنى:

- حياة ايه اللي عايزانى اعيشها يا كاميليا؟ ما انا حياتي باظت خلاص من ساعة ما شوفتك، لا انا عارف ارجع طارق بتاع زمان، ولا قادر حتى اكون إنسان طبيعي وانسى، أنا مش عارف انساكي يا كاميليا  .

إلا هنا وانهار كل تماسكها فلم تدري بنفسها وهي ترتد بأقدامها للخلف لتُغلق بكفها على فمها تكتم شهقات بكاءها التي ازداد فجأة بحرقة اوجعة قلبه حتى زادته تشتتًا ليهدر صارخًا بغير سيطرة على انفعاله:

- إنتِ عايزة تجننيني معاكِ يا كاميليا؟ بتعيطي ليه وانت اللي اخترتي بنفسك وفضلتيه عليا؟ هو انت حد غصبك عليه؟

نفت برأسه دون صوت مع بكاءها الذي لا يتوقف،  فتابع بحيرة كادت ان تشطر رأسه نصفين فصرخ يجذب شعر رأسه بيديه:

- ولما هو كدة بتعذبي نفسك وتعذبيني معاكِ ليه؟ إنت إيه حكايتك بالظبط؟

أوقفت تتطلع إليه بعجز صامتة، وهو كالغريق يترقب ردًا ولو بكلمة واحدة تُطفئ نيرانه او على الأقل ترحمه من عواصف تدور برأسه بحثًا عن حل لهذه العنيدة التي بعثرت كيانه بعد أن امتلكت وحدها زمام هذا القلب الذي يتنفس برؤياها وتُضخ الدماء به ليحيا من أجلها، هي فقط.


يتبع