-->

رواية نعيمي وجحيمها- بقلم الكاتبة أمل نصر- اقتباس - الفصل الثاني والخمسون

 

رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر 



اقتباس

 الفصل الثاني والخمسون 

رواية

نعيمي وجحيمها 


كم مر على الإجتماع؟ لا تدري.

وما هي الموضوعات التي يتم مناقشتها في هذه الدائرة المغلقة؟ وعلى الطاولة المستديرة وهذا الجمع الكبير من الأفراد رجالًا ونساءًا، بهيئاتهم الأنيقة وثرثرة لا تنتهي من المباحثات التي لم تفقه منها شئ، وكيف تفعل؟ وقد ذهب التركيز بغير رجعة، وهذه الفتاة بحركتها المستمرة في الذهاب والإياب حولها وفي جميع الإنحاء وكأنها احتلت الغرفة وشغلتها بالكامل بنشاطها الدؤب بشكل مستفز وجمال صورتها المبهرة الذي يخطف ألأبصار نحوها كساحرة لجذب العيون ، لقد شتتها بالكامل ما بين النظر إليها والإنتقال إلى زوجها حتى ترى إن كانت تشغله كما شغلتها هي أيضًا أم لا، وهي تراقبه بتحفز إن فعلها، ثم تعود إلى الإجتماع فتقع عينيها على طارق لترى هذه الهمة في الأدلاء برأيه والجدية التامة، فينتابها الفضول، كيف فعلها واستطاع تخطي أزمته وهذه الهيئة المزرية التي رأته عليها منذ شهر، بعد لوعته وعقد قران كاميليا؟ ليعود بهذه الصبية لترفع من ضغط دمها في الحمل وهي لا ينقصها ، أم هو يقصد كاميليا ؟ ذهبت عينيها نحو المذكورة لتجدها تجاهد للإندماج في الإجتماع بتجهمٍ لم تعهده عليها من قبل يعلو ملامح وجهها، اتراكِ تحترقين بالغيرة أنتِ أيضًا يا كاميليا؟ وعلى من؟ على طارق وقد دهستِ على قلبك وقلبه معًا حينما قبلتِ برجل غيره، ولم يعد لديك حق الآن حتى بالتفكير، ام هي الغيرة على الزوج المستقبلي؟ كارم ، لأول مرة منذ استلامها الوظيفة بهذه الشركة تجد نفسها تنظر إليه جيدًا، أنيق بشكل مبالغ فيه، يعمل كالاَلة بلا تفكير أو توقف أو حتى يصيبه التعب او الإرهاق كالبشر العادين، ولكن مهلاً....

ما هذه النظرة التي خطفها نحو الفتاة منذ قليل؟ حينما دنت لتتناول أحد الملفات من أمام إحدى مديري الأقسام؟ إنه يبدوا كخبير بأربع أعين، قد التقط هفوة الفتاة كالبرق، مع أنه لا يفتر عن عمله ولا يغفل لثانية عن كاميليا التي بدأت تشفق عليها بالفعل، بعد رفضها العديدة من الرجال لتوافق عليه متوسمة الخير بأخلاقه، 

وعلى الرغم من خبرتها القليلة في عالم الرجال، انتابها إحساس قوي، أن طارق وبكل ما يُشاع عنه وعن مغامراته مع النساء، لا يأتي نقطة في بحر هذا الرجل!

- قولتلك من الأول بلاش تتعبي نفسك وروحي أحسن.

همس بها جاسر يجفلها عن شرودها، لتلتف إليه سائلة بعدم تركيز:

- تقصد ايه يا جاسر مش فاهمة؟

همس مرة أخرى مستغلًا التهاء الحضور عنه في مناقشة بند ما لإحدى العقود:

- سرحانة من أول الإجتماع وماتدخلتيش في مرة ولو بكلمة تدلي فيها برأيك حتى عشان تحسسي الناس بوجودك 

برقت عينيها في التطلع إليه بنظرات أربكته، شاعرة بأنه أهانها، لتسأله بصدمة:

- يعني انت قصدك إن وجودي زي عدمه يا جاسر؟

أجفل من ردها فارتدت رأسه للخلف يستوعب جديتها في الحديث أم هي تمزح، وما الذي حدث حتى يرى هذا اللوم منها؟ وهو لم يخطئ حينما أمرها بالإنصراف من اجل راحتها، ع الأقل بذكر غيابها افضل من رؤيتها بهذا الشرود وكأنها طفلة بجلسة للكبار تنظر للجميع ولا تفقه من لغتهم شئ، تحمحم يصرف نظره عنها ليعود لوقاره وطلبه لانتهاء الإجتماع:

- طب يا خوانا انا بقول كفاية كدة، ونأجل أي حاجة تانية للاجتماع اللي جاي .

قالها وانتظر انصراف معظم الحضور يتحاشى النظر إليها، مع شعوره بسهام عينيها المصوبة نحوه بغضب، وقد علم بنيتها جيدًا، ألقى نظرة سريعة لمحضر الإجتماع وما دونه السكرتير الجديد،ثم التف إليها كابتًا ضحكته يسألها ببرائة:

- كنتِ بتقولي إيه بقى يا زهرة؟

ازداد بريق عينيها بشراسة على ملامح وجهها التي عبست بدرما محببة إليه رغم كثرتها وما يصيبه في كل مرة خلفها فزوجته العزيزة متقلبة المزاج أثناء حملها، لا تفوت شيئًا دون تحقيق:

- انا كنت بكلمك يا جاسر وانت معبرتنيش. 

مال نحوها يتصنع الجدية في مخاطبتها بإقناع :

- يا حبيبتى انا كنت بفض الإجتماع واصرف الناس عشان افضالك، ها كنتِ عايزة إيه بقى؟

أربكها بذكائه ولهجته اللينة في مهادنتها حتى انساها سبب غضبها فسألته بتذكر:

- انت كنت بتتكلم عن وجودي. 

- وماله وجودك يا قلبي؟

سألها ببساطة وتسلية لرؤية الاضطراب الذي بدا جليا عليها في استعادة انفعالها وقد تبدد بابتسامة رائعة منه.

- انتوا بتتخانقوا ولا إيه؟

هتف بها طارق بالقرب منهم والتفا الإثنان نحوه، فرد جاسر بلهجة خشنة إليه:

- ملكش دعوة خليك في نفسك، وقوم يالا انصرف زي اللي مشيوا

كشر طارق بوجهه إليه قبل أن يلتفت إلى لينا التي أتت تخاطبه:

- طب احنا كدة هنروح يا فندم ولا هنستى شوية؟

- استني شوية. 

أجاب بها طارق قبل أن يلتفت نحو جاسر الذي تحدث إلى لينا:

- خلصتي جامعتك ولا لسة بتدرسي؟

وكأنها كانت في انتظار السؤال، لتردف بالإجابة الطويلة:

- بصراحة يا فندم انا خلصت ومخلصتش في نفس الوقت، لسة عندي دبلومة وبعدها ان شاء الله هقدم درسات عليا ودا بقى هيقعد سنين .

ختمت بتنهيدة طويلة:

- مشوار طويل وربنا يستر.

- ربنا يعينك إن شاء الله ويوفقك، 

قالها ردًا على كلماتها ليلتف على قول زهرة التي تدخلت قولها معهما:

- لا بجد ربنا يعينها، شكلك بتتعبي قوي .

قالتها بنبرة محتقنة لم تخلو من التهكم؛ الذي أسعد الاَخر رغم تصنعه اللا مبلاة معها .

وفي الناحية الأخرى القريبة وبعد انصراف معظم الحضور همت لتنهض، لتفاجأ بكفه يده تمسك بأعلى ركبتها يوقفها، كتمت شهقة لتسألها هامسة بحذر:

- بتعمل إيه يا كارم؟ شيل إيدك حالًا دلوقتِ؟

أجابها بهدوء رافعًا كفه:

- حاضر، بس انتِ ماتقوميش من جمبي غير لما اخلص ترتيب الملفات اللي قدامي، ولا انت هيرضيكِ يعني تخرجي وتسبقي خطيبك.

تسارعت أنفاسها تحدجه بغضب وهو يبادلها بابتسامة واثقة وقد نجح بتشيتها وصرف انتابهها عن الاَخر 



يتبع