-->

رواية لا أحد سواك رائفي - بقلم الكاتبة سماح نجيب - الفصل الثالث

 

رواية لا أحد سواك رائفي

بقلم الكاتبة سماح نجيب




تعريف الرواية...


دائماً ما تأتينا المنحة من قلب المحنة ، فأحياناً كثيرة ننظر للإبتلاء على أنه نهاية العالم ، ولكن ربما يجعل الله إبتلائك سبباً لسعادتك ، ويمنحك ما كنت تبحث عنه طويلاً وسط الزحام 
لم يكن فارس أحلامها سوى أعرج وسيم ، وقع له حادث أدى لفقدانه الثقة بكل من حوله ، فهو لا يريد أن يكون عبئاً على أحد ، ولكن كيف سيجعل قلبه يطيعه بألا يقع بعشقها ؟ فلم يجد سوى أن يحاول إخراجها عن طورها بأفعاله ، لعلها تترك المنزل وترحل عنه 
ولكن قد فات الأوان ، فعشقه أحتل قلبها ، وجعل كل نبضة من نبضاته تهتف بإسمه ، حتى باتت تنشد منه أن يرحم قلبها وحبها ، حتى أعلنتها صريحة بأن يرأف بها 
فماذا سيحدث بين عاشقة لا ترى غيره فارسها ، وعاشق فقد الثقة حتى بنفسه ؟


تصنيف الرواية ....

إجتماعى _ رومانسى _ كوميدى _ دراما 


السرد .... 

باللغة العربية الفصحى 

الحوار......

عامى باللهجة المصرية



الفصل الثالث

رواية

 لا أحد سواك رائفي 


٣–" على أجنحة اليأس "


عبرة حارة سقطت من عيناه ، كانت أفصح وأبلغ من أى كلمات سيقولها ، فهو يعلم أن وقع ذلك الخبر ، الذى حواه بين شفتيه المطبقتين ، رافضة أن تنطلق الكلمات من بينهما ، سيكون أشد قسوة على مسامع والدته قبل الأخرين ، فهو يعلم مدى حبها لشقيقه الأكبر ، وكيف لا وهو الإبن البكر لها ، والأشد قرباً منها ودلالاً لها كأبيه ، فتلك الأنهار من الدموع التى خضبت وجنتيها ، لن تكون مقارنة بتلك الدموع ، التى ستذرفها حسرة وقهراً على ما صار إليه أمر رائف ، ولكن لاشئ سيستطيع كتمانه ، فلابد له من قول مالديه 


فحاول أن يتحلى بالجلد والصمود ، وقبض على كتفى والدته بمحبة ، متأسفاً على ما سيقوله لها الآن ، فخرج صوته معبأ بألم شديد:

– للأسف يا ماما الحادثة أثرت على العمود الفقري بتاع رائف


قطب ماهر حاجبيه ، فرمقه بإهتمام وهو يقول :

–  يعنى إيه يا أبنى فهمنا أخوك حصله إيه بالظبط 


ازدرد أكرم لعابه فقال بصوت خافت مُزج بحزنه :

– يعنى يا بابا للأسف رائف هيحصله عجز فى رجله ممكن ميقدرش يمشى هيبقى عاجز


سمعوا جميعهم ما قاله أكرم ، فلم تستطع هدى أن تحافظ على رابطة جأشها ، التى لم تعد تملكها ، منذ سماعها ماحدث لولدها البكر ، فظلت تنتحب ودموعها تنسكب على وجنتيها ، تشعر بإحتراق قلبها مما سمعته


فظلت يدها تضرب على صدرها ، وهى تدور حول نفسها كالتائهة وهى تردد :

– يا حبيبى يا إبنى يا حبيب أمك كان مستخبيلك ده فين يا حبيبى ابننا هيبقى عاجز يا ماهر أول فرحتنا مش هيقدر يمشى يا ماهر


مسلطة بصرها على وجه زوجها ، كأنها بإنتظار أن تستمع لشئ خلاف ذلك الذى أخبرها به أبنها الأوسط ، كمن تستجدى أملاً ، حتى وإن كان كاذباً 


فأخذته الشفقة عليها ، فتلك الصدمة التى تلقاها الآن ، ليست بالهينة ، أن يعلم أن إبنه الأكبر ، سيصيبه العجز وعدم قدرته على السير بشكل طبيعى ، لهو أمر محزن حقاً ، فقلبه يتفتت حزناً ، شأنه شأن زوجته وعائلته ، ولكن يجب الحفاظ على ما تبقى لديه من صمود 


فهتف بزوجته بلين وشفقة :

– إهدى يا هدى مش هينفع اللى انتى بتعمليه ده دلوقتى امسكى أعصابك


أقترب شادى من أكرم ، يطالعه بأمل من أن ربما ما سمعوه ، لم يكن سوى سوء تقدير من الأطباء ، وأن كل شئ سيكون على مايرام 


فنظر إليه قائلاً بصوت مفعم بالأمل :

– أنت متأكد من الكلام ده يا أبيه أكرم يمكن تكونوا غلطانين وهو هيبقى كويس يمكن شخصتوا الحالة غلط


دعمت صفية قول شادى وهى تقول :

– أيوة يا أكرم ممكن ده يحصل واخوك يبقى كويس إن شاء الله


أطرق أكرم برأسه أرضاً ، فهو يعلم ما يشعرون به ، يشعر بالمقت لنفسه على أنه سد بوجوههم كل بارقة أمل من أنه أخطأ بشأن الحالة الصحية لرائف


فزفر أكرم وقال بصوت مرتجف :

– أظن أنا مش هقول كلام مش متأكد منه يا تيتة هو فعلا هيحصله عجز فى رجله بس ممكن بجلسات علاج طبيعى يقدر يمشى بس اكيد مش هيقدر يمشى زى الأول يعنى ممكن يمشى بعكاز


سمع والده ذلك ، ففاض الحزن والأسى بقلبه ، فهو يسمع الآن أن إبنه الاكبر سيصاب بعجز وعرج ربما سيلازمه إلى الأبد ، فذلك ليس بالشئ الهين


فأغمض عينيه لبرهة ، حاول بذلك أن يخفف من وطأة تلك الأنباء ، التى شقت قلوبهم ، فحاول إيجاد حل فأسرع بإبداء إقتراح :

– لو محتاج يسافر برا يتعالج أنا اسفره يا أكرم المهم اخوك يبقى كويس نسفره اى بلد نعمل اى حاجة بس اخوك يرجع زى الأول


أخذ أكرم يد أبيه وشد عليها برفق وهو يقول :

– ملوش لزوم يا بابا ده دلوقتى حتى لو هيسافر لازم الأول يجتاز المرحلة الاولى ويقدر يقف حتى لو هيمشى بعرج


بذلك الوقت الذى تدور به تلك المحادثة بين أفراد الأسرة ، كانت مايا  تقف بعيداً ، تتخذ منأى لها عن أسرة رائف فهى لم  تسمع بشأن ما أصابه ، لأنها لو اقتربت منهم لن تنجو من أفعال والدته بها ، ولكن لم تدم راحتها طويلاً بالابتعاد عن هدى ، فتلك الأم بعد سماعها ما أصاب ولدها ، ذهبت اليها ووقفت أمامها وجها لوجه


فطفرت دموع هدى من عينيها ، وهى تحاول منعها لكى تتمكن من سؤال مايا عما حدث ، فجزت على أسنانها وهى تهتف بها :

– أنتى لازم تقوليلى ايه اللى حصل وصل ابنى لكده ارتاحتى ابنى كان هيروح فيها وانا متأكدة انك السبب فى ده كله انطقى قولى ايه اللى وصل ابنى لكده أنطقى


قبضت على ذراعى مايا ، وراحت تهزها بعنف ،كأنها تريد إخراج الكلمات من جوفها ، فما كان من مايا سوى أن أجابتها ببرود :

– هو أنا حضرتك اللى عملت فيه كده 


– وأنتى واقفة بكل برود وبتردى عليا هو اللى جوا ده مش المفروض خطيبك حتى مش شايفة فى عينك نظرة حزن عليه ولا شايفة انك متأثرة بأى حاجة ولا حتى فى دمعة واحدة نزلت من عينك عليه 

قالتها هدى وهى تناظرها بتحدى ، فإن كانت من قبل لم تشعر تجاهها بأى محبة لكونها ستكون زوجة رائف ، فالأن صارت أشد كرهاً وبغضاً لها 


زفرت مايا بملل وتأفف :

– الظاهر حضرتك أعصابك تعبانة عن اذنكم أنا ماشية والف سلامة عليه


قالت مايا ما لديها وإنصرفت ، فاستهجن الجميع تصرفها فهى من المفترض بها أن تظل بجانب خطيبها فى محنته ، ولا تتخلى عنه بكل هذا البرود ، الذى لم تبرع بإخفاءه ، بل تعاملت مع الأمر ، كأن شئ لم يكن 


نظرت صفية لأثرها وهى تتمتم بغيظ :

– فى ستين داهية انتى السبب فى ده كله ياريته ما كان عرفك ولا خطبك ولا احنا شوفناكى


ربت شادى على كتف جدته بعد سماع قولها ، فقال بهدوء :

– سيبك منها يا تيتة دى بنى ادمة متستاهلش الكلام أصلا خسارة حتى ان الواحد يوجهلها كلام


بعد خروج رائف من غرفة الجراحة ، وتم إيداعه بغرفة العناية  الفائقة ، ولجوا تباعاً للاطمئنان عليه فى ما لا يتجاوز دقائق معدودة طبقاً لأوامر الأطباء وخاصة أكرم 


فعندما حان موعد دلوف والدته ، ولجت بأقدام مرتجفة ، فأى أم لا تحب أن ترى أبنائها بوضع كهذا ، فعندما رأته طريح الفراش متصل بجسده العديد من الأجهزة الطبية ، الخاصة بالتنفس وأيضاً التى توضح ضربات القلب من حيث إنتظامها 


عادت الدموع وملأت مقلتيها ، تهرول متخذة طريقها على وجنتيها ، فظلت تبكى وصوت شهقاتها صار مسموعاً وهى تأخذ يده اليمنى وتقبلها بنهم وحزن وهى تقول :

– بعد الشر عليك يا نور عينى ان شاء الله كنت انا وانت لاء يا حبيبى بعد الشر عليك يا رائف 


لم تحتمل قدميها الرخوتين ، الوقوف أكثر من ذلك ، فخرت ساقطة على ركبتيها بجانب فراش رائف ، فظلت محتضة كفه بين يديها ، وهى تكتم صوت بكاءها بتلك القبلات التى تضعها على ظاهر يده 

ولج زوجها لاخراجها ، فهو يعلم حالتها الآن ، فهى على وشك الانهيار لا محالة ، فهى منذ سماع بشأن حادث رائف وهى تبكى ، ولم ينسى إغماءها ، فلو لم يسرع بإخراجها الآن ، ربما سيراها تسقط بحالة إعياء هى الأخرى ، فهو لديه ما يكفيه بوقته الحالى 


سحبها من مرفقها بلين قائلاً بحنان ولطف :

– قومى ياهدى مينفعش كده انتى لازم تتماسكى علشان ولادك


رفعت هدى رأسها تطالع زوجها بحسرة وهى تقول :

– شوفت يا ماهر اللى حصل لابننا شوفت اللى حصل لرائف أول فرحتى أنا وأنت و أول واحد اسمع منه كلمة ياماما أول واحد مسك فى ايدى لما ابتدى يمشى كنت بشوفه هو وأخواته بيكبروا قدام عنيا يوم عن يوم متخيلتش فى يوم ان ممكن يحصله كده


سحبها حتى أستقامت بوقفتها ، فمد يده يزيل دموعها وهو يقول :

– كله مقدر ومكتوب وأنتى ست مؤمنة يا هدى وكل أمر الله خير واحنا مش عارفين ربنا حكمته ايه فى ده كله فأدعيله بدل ما تعيطى


اسدلت جفنيها فعلقت بعض من دموعها بأهدابها ، فلم تزيدها سوى حزناً تشعر بثقل الحزن على قلبها ، كمن وضع عليه حجراً يكاد يسحقه من شدة الألم 


فرفعت وجهها تنشد من الله العون ، وأن يمن على ولدها بالشفاء فظلت تردد بأمل :

– ونعم بالله يارب اشفيه يارب ، يارب اشفيه وعافيه يارب


أحاطها زوجها بساعديه ، فمن ستلتجأ له بعد الله غيره ، فمثلما هى بحاجة للإحتواء والدعم ، فهو بحاجة إليه هو الآخر ،  فظل يربت عليها بحنان ، لكى يهدأ من روعها ، فهو سيبذل ما فى استطاعته حتى تمر تلك السحابة السوداء التي ستغيم على أفق حياتهما بالفترة المقبلة ، فالله وحده هو من يعلم كيف ستكون الأيام القادمة ؟ خاصة بعدما سيعلم رائف بما أصابه ، وهو يعلم مدى إعتزازه وفخره بكونه أحد ضباط الجيش البواسل ، ذو القدرة والمهارة القتالية العالية ، فهو سيصبح بين ليلة وضحاهها عاجزاً عن الحركة ، بعدما كان شاباً يتوقد حيوية ونشاط 

❈-❈-❈


لم تكن تخطئ بتكهنها ، بأن سجى ربما أصابها أمر محزن وهى لا تعلم ، فهى تعلمها عن ظهر قلب ، وتعلم متى تكون سعيدة ، ومتى تكون حزينة وتحاول إفتعال أن لا شئ يحزنها ، فتلك الحالة من الشرود ، وإلتماع الدموع بعينيها ، التى ربما ستسقط بين الفينة والأخرى ، جعل القلق بادياً على محياها 


فحاولت أن تعلم لما هى بتلك الحالة ، فوضعت يدها أسفل فكها ، لتدير وجهها إليها فتسائلت ريهام بقلق :

–مالك يا بنتى فيكى ايه ايه الحزن والكأبة اللى انتى فيها دى


خرج صوتها بخفوت وهى تقول :

– فى إيه مالى يا ريهام ما أنا كويسة أهو


هزت ريهام رأسها بنفى وقالت :

– لاء انتى سرحانة ومش مركزة خالص ووشك باين عليه ان حصل حاجة وحاجة كبيرة كمان


تلك الدموع التى كانت تلتمع بعينيها منذ برهة ، صارت مستكينة على وجنتيها ، فصوت نهنهتها وهى واضعة يدها على فاها ، جعل ريهام تتعجب من أمرها ، فأزاحت يد سجى من على فمها


فهتفت بها بقلق وخوف لم تستطيع أن تخفيه :

– أنتى بتعيطى ليه يا سچى فى ايه قوليلى يا حبيبتى مش انا صاحبتك وحبيبتك قولى بفى خوفتينى 


أجابتها سجى ببكاء :

– ماما يا ريهام طلع عندها كانسر وفى المرحلة الأخيرة


أتسعت مقلتى ريهام بفزع وهى تقول :

– يا خبر وانتى عرفتى ازاى الكلام ده


– كانت مخبية عليا بس انا لقيت التحاليل والاشعة وعرفت كل حاجة

قالتها سجى وهى تدنو برأسها من كتف ريهام ، فأستندت عليه بوداعة ، فطوقتها ريهام بمحبة وهى تربت عليها تحاول أن تجد من الكلمات ما تواسيها به 


فألحت عليها دموع الحزن على حال صديقتها فقالت :

– حبيبتى ربنا يشفيها يارب والف سلامة عليها وربنا يحفظهالك يارب


ردت سجى بأمل ورجاء من الله :

– يارب يارب يا ريهام انا مليش غيرها انا ماما لو جرالها حاجة أعيش ازاى انا فى الدنيا دى من غيرها 


قبل أن تتمكن ريهام من الرد عليها ، سمعت سجى صوتاً يناديها ، ولم يكن صاحب هذا الصوت ، سوى ذلك الطبيب المحاضر لهما بالكلية والذى يدعى يوسف ، طبيب شاب يشهد له الجميع بالاحترام 


فتقدم منهما قليلاً ، ومد يده يضبط وضع نظارته الطبية الأنيقة ، التى تقبع خلفها زوج من العينان بلون القهوة الداكنة 


فتبسم بهدوء شابه بعض الخجل :

– أنسة سچى ممكن اتكلم معاكى شوية بعد إذنك


تهدج صوتها وهى تقول بخجل كاد يسحق أحبالها الصوتية :

– أفندم يا دكتور يوسف خير


تركت ريهام مكانها ، فربما هى فقهت ذلك الأمر ، الذى يريد يوسف الحديث بشأنه مع سجى ، فأرادت أن تفسح لهما المجال للتحدث بحرية


فقالت بإبتسامة هادئة :

– طب أنا هشترى حاجة من الكافتريا وهاجى على طول ماشى


قبل أن تبتعد شدت سجى على يدها وقالت :

– ماشى بس متتأخريش يا ريهام


أماءت ريهام برأسها وهى تطمأنها :

– حاضر هاجى على طول عن اذنكم


ذهبت ريهام وظلت سجى جالسة مكانها ، تزوغ بعينيها فى كل مكان ، عدا ذلك المكان الذى أتخذه ذلك الوسيم مجلساً له 


فحاولت أن تعلم بأى شأن يريدها :

– أفندم يا دكتور يوسف اتفضل حضرتك قول عايزنى فى إيه سمعاك


تبسم يوسف وهو يقول بإعجاب :

– الصراحة كنت حابب اتعرف على مامتك علشان انا عايز ارتبط بيكى


فإن كانت تعلم بأنه يريدها بهذا الشأن ، قبل أن تسمعها صريحة منه ، فهى لا تستطيع نكران بأنها بتلك الآونة لا تستطيع التفكير بأى أمر أخر ، سوى ذلك المتعلق بوالدتها ، فإن كانت من قبل أبدت عدم إعتراضها بشأنه ، إذا أرادها بإطار شرعى وأن تصبح له زوجة أمام الجميع ، فالأن لن تستطيع إعلان موافقتها الصريحة 


فنكست رأسها قائلة بأسف :

– والله يا دكتور يوسف اليومين دول عندى ظروف صعبة اوى ممكن نأجل الموضوع ده شوية علشان اعرف أفكر كويس


بدا أنه مهتم بذلك العذر الذى قالته ، فسألها بإهتمام :

– ظروف ايه خير فى حاجة


رفضت سجى البوح له بما لديها ، فأكتفت بالقول :

– معلش مش هقدر اقول لحضرتك دلوقتى يا دكتور يوسف


أماء يوسف برأسه متفهماً ، ولكن أراد سؤالها عن شعورها حيال ذلك الأمر فقال بتساؤل :

– طب بالنسبة للفكرة أنتى إيه رأيك فى كلامى


تخضبت وجنتاها بحمرة خفيفة وهى تجيبه بخجل :

– والله أنت يا دكتور يوسف دكتور ممتاز والكلية كلها تشهد باخلاقك بس انا اليومين دول مش قادرة افكر في حاجة خالص فياريت نأجل كلام فى الموضوع ده حالياً حتى علشان أقدر أفكر وأقرر واقولك على رأيى النهائى


هب يوسف يستقيم بوقفته وهو يقول بصوت رصين وهادئ :

– خلاص هديكى الوقت اللى انتى محتجاه علشان تفكرى براحتك يا أنسة سجى عن إذنك


ردت سجى قائلة بهدوء مماثل : 

– إن شاء الله ، اتفضل يا دكتور

أنصرف يوسف ، وعادت ريهام تحمل بيدها طعاماً وشراباً ، إبتاعته من أجلهما ، فجلست ملاصقة لها ، فوكزتها بكتفها وهى تقول بتساؤل :

– هو كان عايز ايه منك دكتور يوسف


رسمت سجى دوائر وهمية بإصبعها على دفترها الدراسى وهى تقول :

– كان عايز يقابل ماما عايز يرتبط بيا يا ريهام


تجلت السعادة على محيا ريهام ، فسألتها بحماس :

– ها وأنتى قولتيله ايه يا سجى 


ضمت سجى كتبها لصدرها ، وهى تتأهب لترك مكانها :

– قولتله إن أنا اليومين دول عندى ظروف لانى يا ريهام مش هقدر افكر فى اى حاجة تانية غير ماما دلوقتى انا كل اللى يهمنى ماما مش اى حاجة تانية


أخذ كف ريهام يتحرك صعوداً وهبوطاً على طول ذراع سجى ، كمن تحاول بث بها الأمان ، فتبسمت فى وجهها بتشجيع :

– ربنا يشفيها ان شاء الله ويباركلك فيها يا حبيبتى


نظرت للسماء وهى تقول برجاء :

– اللهم امين يارب العالمين ، ربنا قادر على كل شيء


ناولتها ريهام الطعام الذى أبتاعته من أجلها وقالت :

– طب خدى كلى الساندوتش بتاعك و يلا علشان نحضر المحاضرة بتاعتنا خلاص هتبدأ كمان شوية


أخذته سجى من يدها قائلة بإرهاق :

– طيب يلا بينا يا ريهام


لم يقرب الطعام فمها ، فهى أصابها الزهد بكل شئ ، سوى التضرع والدعاء لله ، فزادها الذى تحتاجه الآن ، أن يمن الله عليها بأن تبرأ والدتها من هذا المرض ، الذى بدأ بتأكل جسدها ، كالوحش الضارى ، غير قادرة على فعل شئ لمقاومته ، غير دعاءها لله ، وتناولها لتلك العقاقير الطبية ، التى تمنحها شعوراً موقتاً بالراحة ، على أن تعود إليها ألامها أشد من ذى قبل ، تحاول هى إخفاءها خلف إبتسامة واهنة ، أو أن تدفن أنينها بوسادتها ، تشهد جدران غرفتها ، على مدى ذلك الألم الذى يفتك بجسدها ، فهى عندما تختلى بذاتها ، تطلق العنان لدموعها ، غير مدركة بأن إبنتها ترى كل هذا ، وهى تحاول أن تتوارى عن ناظريها ، فلو رأتها ستظل تحاول إيهامها بأن أمورها بخير 

❈-❈-❈

عاد إلى منزله ، يحمل بجيبه سوار ذهبى ، فهو أعطاها وعده من أنه عندما ينتهى من تسليم شحنة الأثاث ، سيزين معصمها ذلك السوار ، الذى ألحت عليه بشراءه لها ، فهو لا يضع مطلب لها بخانة الرفض ، فهو يسعى لتحقيق كل أمانيتها سواء كانت طوع بنانه ، أم يجد جهداً بتحقيقها ، أما تلك المسكينة زوجته الأولى ، لا يكلف نفسه عناء الذهاب إليها ورؤيتها هى وإبنته  


فتحت فادية ذراعيها مرحبة بعودته للمنزل :

– حمد الله على السلامة يا حبيبى


تبسم حامد بإتساع وهو يقول :

– الله يسلمك يا قمر


تغنجت بصوتها لتزيد من خنوعه لها وهى تقول :

– أنت جعان احضرلك العشا يا حامد


أبتلع حامد لعابه ، كأن نيران نشبت بجوفه بعد سماع توددها له فأجابها بوله وهو يمد يده لها بالعلبة الخاصة بالسوار :

–اه يا ريت بسرعة بس استنى اتفضلى يا ستى هديتك اهى


أخذتها منه ونظرت لها متسائلة :

– إيه العلبة دى يا حامد فيها ايه


فتح حامد العلبة ، وأخرج منها السوار يضعه بمعصمها :

– دى  يا ستى هديتك اسورة بالخاتم بتاعها كمان


تأملت فادية الخاتم والسوار ، فردت قائلة بسعادة :

– الله حلوين أوى تسلملى يا أبو بنتى وتعيش وتجبلى


لثم ظاهر يدها بقبلة شغوفة وهو يقول :

– ربنا يخليكى ليا يا ست الستات هى  فين أروى مش شايفها


سحبت فادية يدها من بين كفيه ، وحطت براحتيها على كتفيه هامسة بدلال :

– جوا فى الأوضة بتاعتها بتذاكر كنت عايزها ليه


قبض على خصيلاتها المتحررة على كتفيها ، وهو يستشعر نعومتها بين أنامله ، فهتف بإنتشاء من إمتلاكه زوجة مثلها :

– كنت عايزها علشان نتعشى سوا واعمليلك همة يلا بقى وحضرى العشا انا هموت من الجوع


– بس كده من عنيا الاتنين احلى عشا لاحسن راجل فى الدنيا دى

قالتها فادية وهى تتجه صوب المطبخ ، ومازالت تتأمل ما أهداها زوجها بسعادة ، من أنه طوال تلك الأعوام الماضية ، لم يكن حاله يفرق عن ذلك الخاتم بإصبعها 


فأثناء تناول العشاء ، نظر حامد لأروى بفضول ، بسبب تلك الحالة من الشرود ، التى تلبستها منذ جلوسها لتناول الطعام 


فمد يده وربت على يدها ، ليسترعى إنتباهها على ما سيقوله :

– مالك يا أروى فى إيه مش بتاكلى ليه


زفرت أروى بخفوت وهى تجيبه :

– مفيش حاجة يا بابا 


أخذ ملعقة صغيرة من الأرز ، وقربها من فمها ليطعمها وهو يقول :

– طب خدى دى من إيدى وقوليلى مالك سرحانة ليه كده فى حاجة حصلت ضايقتك


تناولتها أروى منه ، وأبتلعتها بمتمهل قبل أن تقول :

– سچى يا بابا


بسماع حامد إسمع إبنته الكبرى ، وضع الملعقة من يده وسألها بإهتمام :

– مالها سچى فيها ايه يا أروى


حركت أروى رأسها دليلاً على معرفتها الكاملة بما أصاب شقيقتها :

– حاسة أن سچى فى حاجة مضايقاها أوى بس مش راضية تقولى يا بابا حتى لما شفتها فى الكلية مكنتش على طبيعتها انا خايفة تكون تعبانة ولا حاجة


أسرعت فادية بالرد وهى تقول بعدم رغبة فى ذكر إسم سجى أو والدتها :

–ومالها بقى ست الدكتورة ان شاء الله ايه اللى تاعبها كفا الله الشر إحنا هنقضى الليل كله فى سيرتها 


غضت أروى الطرف عما ذكرته والدتها ، فتوسل أبيها بصوتها الرقيق :

–ما تيجى يا بابا نروح نشوفها مالها لتكون تعبانة ومش عايزة تقول علشان خاطرى


ألقت فادية الملعقة من يدها ، تصدر صوتاً بإرتطامها بالطبق الخزفى ، فهدرت بوجه إبنتها بتعنيف :

– تروحى فين يا بت أنتى الظاهر أنك عايزة اللى يلمك


عبست ملامحها وهى تجيب والدتها :

– إيه الغلط فى انى عايزة أعرف اختى مالها وايه اللى مضايقها حرام يعنى


جزت فادية على أنيابها وهى تقول بغيظ :

– متقوليش أختك دى تانى فاهمة أنتى ملكيش اخوات


حاول حامد فض ذلك النقاش ، الذى أحتدم بين زوجته وإبنته ، فهتف بهدوء لعل زوجته تهدأ :

– خلاص نروح نشوفها يا أروى ونطمن عليها


لم تكن عبارته ، سوى فتيل أشعل نيران الكره بقلب زوجته ، فصاحت به بجماع صوتها :

– وترجع من هناك زى كل مرة قفاك يقمر عيش دى حتى رجعتلك الفلوس اللى أنت كنت بعتهالها دى بنت حاطة رأسها فى العالى ومش هاممها حد وأعمل حسابك لو روحت هناك مترجعش هنا تانى يا حامد مفهوم


دمعت عيني أروى من قسوة والدتها فقالت :

– أنتى بتكرهيهم ليه كده هم عملولك ايه دول هم المفروض اللى يكرهوكى وبرغم كده عمرى ماسمعت منهم كلمة وحشة عليكى مش زيك طول الوقت تغلطى فيهم 


رفعت فادية ذراعها تشير لإبنتها بالنهوض :

– إخرصى يابت أنتى ويلا على اوضتك احسن والله العظيم اجيبك من شعرك تحت رجلى ومحدش هيرحمك منى يا قليلة الادب أنتى


فضلت أروى الذهاب لغرفتها ، عوضاً عن سماع الباقى من حديث والدتها وتهديدها لها ، ولكنها ظلت تبكى بسبب سلوك أمها السىء مع شقيقتها سچى ووالدتها وكرهها لهما

أما هو فلا يستطيع الإعتراض ، على أى أمر قد أصدرته هى بشأنه ، أو بشأن أبنته ، فكيف له ذلك ، وهى مالكة لكل شئ يخصه ، فهذا هو حاله معها دائماً ، رجل خانع وخاضع لإمرأة لا تحمل فى قلبها سوى الكره والحقد والغيرة

❈-❈-❈

رفع ماهر وجهه ، ونظر لزوجته ووالدته وشادى ، الجالسين بغرفة مكتب أكرم بالمشفى ، وكل منهم يجلس على مقعد ، أتخذ منه ملجأ لغفوة قصيرة ، فمنذ مجئ رائف للمشفى ، وهم رافضون العودة للمنزل ، قبل الإطمئنان على الحالة الصحية لرائف ، فأكرم تدبر أمر إحدى الغرف لينالوا بها راحتهم ، ولكنهم أصروا على المكوث بغرفة مكتبه ، فاليوم هو اليوم الثالث ، ومازال رائف لم يستعيد وعيه بعد ، ولكن تلك المكالمة الهاتفية التى جاءته ، جعلته يسرع فى الذهاب لمقر عمله ، بعدما أخبر زوجته


ولكن تلك الطرقات المُلحة على الباب ، جعلتهم جميعاً ينتفضون من أماكنهم 


فولجت إحدى الممرضات ، بعد أن فتح شادى الباب ، فصاحت الممرضة بإبتسامة :

– الأستاذ رائف فاق بس الدكتور أكرم فى أوضة العمليات


بعد تلك الجملة القصيرة ، هرولوا جميعهم خارج غرفة المكتب ، ووصلوا لغرفة العناية الفائقة ، وجدوا رائف يحرك رأسه على الوسادة ، محاولاً فتح عينيه ببطىء شديد كأنه يخشى أن يفتحها مرة واحدة ، فتتأذى بالضوء الساطع بالغرفة ، ظل ينظر حوله ليتذكر أين هو ؟أو ماذا حدث له؟


فوقع بصره على وجه والدته المنحنية إليه بجزعها العلوى ،تبتسم من بين دموعها ، فهتف بها بصوت واهن :

– ماما


أنسكبت دموعها بعد سماعه يناديها ، فتبسمت له بحنان وهى تقول :

–حبيب قلب ماما حمد الله على السلامة يا حبيبى وبعد الشر عليك يا نور عيني


تململ برأسه على الوسادة قائلاً بتساؤل :

– هو ايه اللى حصل يا ماما أنا فين 


أقتربت جدته تقف على الجانب الأخر من السرير ، فربتت على كتفه بمحبة وهى تقول :

– أنت فى المستشفى دلوقتى الحمد لله يا حبيبى على كل شىء قدر ولطف الحمد لله


زوى رائف ما بين حاجبيه ليتذكر ما أصابه ، فدمدم بصوت منخفض :

– أنا فاكر آخر حاجة لما مايا كانت بتعدى الطريق وكنت ماشى وراها وبعدين عربية جت بسرعة وبعد كده مش فاكر أى حاجة خالص


تقدم شادى هو الأخر ، وأخذ أحد كفيه بين يديه وقال باسماً :

– حمد الله على السلامة يا أبيه وألف سلامة عليك


بادله رائف إبتسامته وهو يجيبه :

– الله يسلمك يا حبيبى هو بابا فين واكرم مش شايفهم هم فين


أجابته والدته وهى تمسد على خصيلاته السوداء بحنان :

– بابا كان هنا من شوية بس طلبوه فى الشركة ضرورى علشان شغل مهم وأكرم فى أوضة العمليات وشوية كده وتلاقيه جاى يشوفك


بحثت عيناه عنها بالغرفة ، ليرى هل هى هنا وهو لم يراها ، أم هى بالخارج وستأتى الآن لرؤيته ، فرمق والدته بتساؤل :

– مايا فين يا ماما هى مش موجودة هنا ولا مستنية برا


نظر ثلاثتهم لبعضهم البعض ، لا يعرفون بما يخبرونه ، هل يخبرونه أنها منذ مجيئه للمشفى ، لم تكلف نفسها عناء السؤال عنه ؟


فردت صفية بفتور وجمود :

– خليك فى نفسك يا حبيبى دلوقتى اهم حاجة انت دلوقتى يا رائف ومايا هتلاقيها شوية وجاية 


تبسم وهو يومئ برأسه ، فرآى حاجته أن يعتدل قليلاً بجلسته ، فعندما حاول سحب جزعه العلوى ، ليستند على الوسادة ، لم تنجح محاولته ، فعاد الكرة مرة أخرى ، ولكن ساقيه لا يستجيبان ، فدلك بيديه فخذيه ، لعل ذلك يرجع إلى أثر العقاقير الطبية المخدرة ، ولكن كيف يستجيب جسده من الأعلى ، فى حين أن ساقيه مازالتا تحت وطأة التخدير 


أصابته الحيرة فغمغم بغرابة :

– هو فى ايه مش قادر اقعد ومش حاسس برجلى خالص زى ما تكون متخدرة 


تلك الدموع التى ألتمعت بأعينهم ، جعلت تلك الخاطرة التى تشكلت بعقله ورفض تصديقها ، تنخر عقله بلا رحمة ، فتلك الخفقات التى زادت عن معدلها ، من فرط سريان الخوف بأوردته ، شعر بها تسد مجرى الهواء عن رئتيه ، كأن قلبه قفز لحلقه 


فتتابعت أنفاسه بإهتياج وهو يقول :

– ماما قوليلى فى إيه أنا اتشليت مش كده يا ماما مش هقدر أمشى تانى خلاص أنا بقيت عاجز  بقيت عاجز


أنفجرت هدى بالبكاء وهى تقول بنهنهة :

– أهدى يا قلب أمك الانفعال مش حلو علشانك اهدى يا رائف


مطالبتها له بأن يهدأ ، مازادته سوى أن تشنجت أعضاءه وهو يقول بعصبية :

– أهدى ! اهدى ازاى  أنا حياتى ومستقبلى خلاص ضاعوا أنا خلاص انتهيت انتهيت يا ماماااا


علا صوت صراخه إحتجاجاً على ما أصابه ، فقبض بيده على ملأة السرير ، كاد يمزقها وهو يحاول منع دموعه من أن تفر من عينيه ، ولكنها علقت بأهدابه وشعر بثقلها ، كوقع ذلك الخبر الذى جثم على صدره ومزق فؤاده


حاولت جدته أن تخفف من وطأة حزنه فقالت بأمل :

– دا أمر الله يا حبيبى وربنا قادر يشفيك بأذن الله وإن شاء الله تخف وتبقى كويس


– أيوة إن شاء الله هتبقى كويس يا حبيبى وأكرم بيقول بالعلاج الطبيعى ممكن تمشى تانى يا رائف

نطقت بها هدى بأمل ، فما كان منه سوى أن رد قائلاً بألم:

– أمشى تانى ولا امشى بعرج متضحكيش عليا يا ماما 


يتبع...