-->

رواية روضتني -الجزء الثالث من احببت طريدتي -للكاتبة أسماء المصري -الفصل التاسع

 رواية روضتني الجزء الثالث من احببت طريدتي للكاتبة أسماء المصري



الفصل التاسع

رواية روضتني


 لا تعترف بالحريق الذي في داخلك..

أبتسم وقل إنها حفلة شواء.

فيودور دوستويفسكي.

❈-❈-❈


ران الصمت فور أن لاحظ الجميع عصبيته الهادرة وتجمع رجال العائلة حوله وهو يتحدث بغضب شديد؛ فتوقفت الموسيقى وصمت الجميع وتحول الحفل الصاخب إلى هدوء غريب ومخيف.


تجمع أفراد عائلة غزال بركن ما بالحديقة وبدأوا يتسائلوا بهمهمة عن ما يحدث وما يروه من ملامح واجمة من رجال الفهد جميعا؛ فانتهزت هي فرصة انشغال الجميع وتحركت صوبه وغمزت له ليلحق بها لداخل بهو الفيلا؛ ففعل بعد أن أخبر رفيقة بمراقبة الوضع له.


لحقها ووقف أمامها يسألها بتعجل:

-عايزة إيه يا دعاء؟ مش وقته، انتي مش شايف اللي حاصل؟


أومأت له وهمست:

-شايفه طبعا، بس هو في ايه فعلا؟


قوس فمه بضيق ورد بحدة:

-بزمتك ده وقته! الباشا لو اخد باله اني مش جنبه هيحصلي مشكله، روحي دلوقتي اقفي مع عيلتك وهبقى اكلمك لما افضى.


تحرك فأوقفته براحتها متمسكة بذراعه وسألته بدلال:

-مش كان المفروض تتفق مع بابا على ميعاد؟ ولا كده خلاص الموضوع اتأجل!


التفت ينظر لها بهدوء ورد:

-يا حبيبتي اعرف بس ايه اللي بيحصل وبعدها ربنا يحلها، فارس باشا متوتر بقاله فتره ومش على بعضة وعمال يزود في الحرس والحماية وباين كده داخلين على ايام صعبه.


سألته بحيرة:

-ايه السبب يعني؟


اجابها بتلقائية:

-تهديدات ومش عارفين مصدرها، بس انا شاكك في ولاد مروان بيه ما هو مش منطقي ابدا ان كل ده يحصل بعد ظهورهم مباشرة


أومات مؤكدة:

-اكيد هما، تفسيرك صح بس انا كده هقلق عليك.


ابتسم بعفوية واقترب منها مخللا أصابعه بخاصتها وقبل كفها برقة مؤكدا:

-متقلقيش، ربنا هو الحافظ.


تحرك للخارج تاركا اياها تنظر في إثره وهي مبتسمة ابتسامة رقيقة، فوجد تجمع الرجال لازال قائما وفارس يعطي أوامره لكل فرد من عائلته بتوخي الحذر، فوقف بجواره صامتا فالتفت له فارس ينظر له بغضب وهمس له صارا على اسنانه:

-اخرتك مش هتكون حلوه يا زين لو بدأت تستعبط في الشغل، خد بالك أنا بحذر مرة واحده.


لم يعقب عليه واطرق رأسه بطاعة فتحدث فارس لعمر بجدية:

-عندك استعداد تأمنلي باقي المنشئات ولا اتعاقد مع شركه كمان تساعدك؟


وافقه عمر مجيبا:

-متقلقش، سيب الموضوع عليا بس انت كده مش عايز رجال أمن، انت كده بتطلب حراسات 

خاصه!

رمقه بنظره جادة وسأل:

-اكيد فاهم الفرق يا فارس باشا.


تجهم وجهه ورد سريعا:

-أكيد ارواح العمال ومبالغ الخساير للمنشئات اكتر بكتير من فرق التكلفة بين اﻻمن والجارد، متشغلش بالك جهزلي انت الرجاله ومش هنختلف يا عمر.


ابتعد عمر بعد إيماءة طفيفة ليقوم بعمل العديد من اﻻتصالات فاقتربت منه زوجته وسألته بحيرة:

-في ايه؟


أجابها وهو لا يزال على حالته المنشغلة:

-الموضوع كبير أوي يا خديجه ربنا يستر.


❈-❈-❈

ركض سريعا لسيارته ذاهبا لموقع الحريق حتى يعلم مجريات اﻻحداث ويخبرها لرب عمله الغاضب، وفور وصوله وجد عربات اﻻسعاف والاطفاء تلتف حول المصنع المشتعل والكثير من الصحفيين والمراسليين اﻻخباريين يحاولون اقتناص الفرصة لخبر حصري أو لقطة ترفع مشاهداتهم، ولكنه لم يهتم بتجمع الكل حوله بهذا الشكل فكل شاغله الشاغل بتلك اللحظة بالتحديد هو تحجيم الحريق وتقدير حجم الخسائر المادية وخسائر اﻻرواح.


هرع صوب عمال اﻷمن الجالسون بمقربة من احد عربات اﻻسعاف يسعلون بشدة فهم بالتحدث معهم بلهفة:

-ايه اللي حصل هنا بالظبط؟


وقفوا على الفور لرئيسهم ورد أحدهم وهو لا يزال يسعل بشدة من تأثير الدخان الكثيف على رئتيه:

-والله يا سامي بيه ما عارفين ده حصل إزاي! فجأه لقينا النار حوالينا من كل حته وحتى مش عارفين مصدرها منين!


تجهم وجهه وسأله بعملية:

-بدأ من أي قسم؟


حركوا رؤوسهم بعدم معرفة فتعجب ورفع حاجبه متسائلا:

-طيب ايه اكثر قسم متضرر؟


أجابه آخر:

-يا بيه المطافي لسه مش عارفين يطفوها، هنعرف منين بس؟


صرخ بهم بحدة:

-وفين اﻷمن الصناعي، وفين أمن الحرايق؟ أنا مش هرحم حد فيكم لحد ما الحقيقة تبان.


أطرقوا رؤوسهم بصمت فعاد يسأل:

-والعمال اللي كانوا جوه؟


رد أحدهم بحزن:

-للأسف مش كلهم خرجوا.


لمعت عينه وسأل بغضب:

-يعني إيه الكلام ده؟ في عمال محبوسين جوه في الحريق؟


أومأ له وأكد:

-احنا بلغنا رجالة المطافي وهم بيحاولوا يطفوا النار علشان يدخلوا يخرجوهم.


تركهم على الفور وأسرع لعربات اﻻطفاء وسأل بصوت جهوري:

-مين المسؤول هنا؟


اقترب منه أحد رجال الاطفاء ورد عليه باحترام:

-أؤمر


سأله بلهفة:

-العمال اللي جوه مصيرهم ايه؟


أجابه وهو يحرك رأسه بحزن:

-معتقدتش حد منهم ممكن يخرج حي، لو متحرقوش فأكيد هيكون عندهم تسمم من الغازات والدخان.


صر سامي على أسنانه وجعد ملامحه وقال بصرامة:

-اعمل اللي تقدر عليه وخرجهم.


وضح له رجل الاطفاء بمهنية:

-يا استاذ الشركة كلها مواسير غازات قابلة للاشتعال، وكل ما نطفي قسم نلاقي غيره ولع ده غير اﻻجهزة الكهربائية اللي جوه وكلها من خامات بتساعد على اﻻشتعال.


تفهم ما قاله وأخبره:

-احنا واخدين حظرنا كويس من ده لاننا مش هواه، والمصنع متأمن بخطوط الغاز وإن اي قسم يحصل فيه حريق بينعزل عن باقي اﻻقسام والمضخه العموميه بتعمل Look down.


رفع رجل اﻻطفاء كتفه بحيرة وسأله:

-أومال بتفسر بايه إن الحريق انتشر بالشكل ده؟ أكيد في حاجه غلط حصلت في المواسير والمضخات واﻷمن الصناعي مبلغش بيها عشان تتلحق.


نفى سريعا واكد:

-مستحيل، أنا بتمم على الموضوع ده بنفسي ومش بعدي أي حاجه خاصة باﻷمان.


قطع حديثه رنين هاتفه فأجاب على رب عمله:

-ايوه يا باشا.


صرخ به فارس متسائلا:

-ايه اللي بيحصل عندك يا بني آدم؟


شرح له كل ما علمه بالتفصيل وأضاف:

-الحكاية شكلها بفعل فاعل يا فارس باشا، لان مستحيل النار تتنقل لكل اﻻقسام كده من غير حتى ما مرشات الميه تتفتح ولا جهاز انذار يشتغل.


زم فارس فمه بضيق؛ فهو أعلم الناس بالتهديدات التي يتعرض لها ولكنه أبدا لم يتوقع أن تأتي الضربة بتلك القوة فسأله بضيق:

-المصنع راح؟


أجابه مؤكدا:

-للأسف، معتقدتش هنقدر نلحق منه حاجه، المطافي مش قادرين عليه وعربيات الدفاع المدني والجيش كمان وصلت وبتساعد بس السيطره على الحريق صعب جدا يا باشا.


نظر أمامه لمازن الذي سأله بنظراته الصامته فقوس فمه وسأل الطرف اﻵخر:

-في خساير في اﻻرواح؟


أومأ له وكأنه يراه وأجاب:

-للأسف.


لمعت عين فارس بالغضب وسأله بحدة وصوت جهوري:

-قد ايه؟


أجابه بجهل:

-مش قادرين نحدد لسه، المشكله إن كان في عمال كتير شغالين أوفر تايم واللي خرجوا إما في اﻻسعاف أو راحوا المستشفى فعشان نحصر العدد هيكون صعب في الوقت الحالي.


هدر به بغضب وهو يتحرك للخارج:

-تابع كل حاجه يا سامي لحد ما اجيلك، اعرفلي كل كبيره وصغيره بتحصل عندك وبلغني بيها أول بأول.


وافقه على الفور واغلق معه ليعود ويباشر مهام عمله، أما فارس فقد بدا بالتحرك فسأله مازن:

-هتعمل ايه؟ خليك هنا بلاش تروح المكان مش متأمن كويس.


زغر له بطرف عينه وقال بضيق:

-واسيب مالي ومال العيله كله يروح في غمضة عين؟ مصنع العالمية كده راح.


اقترب عمر بعد أن أجرى الكثير من اﻻتصالات وتحدث بجدية:

-أنا أمنتلك الدنيا هناك، وفي اربع عربيات حراسه هتكون معانا، بس لازم نروح عشان اﻷدله وشركة التأمين.


زم شفتيه وهاج بغضب:

-العمال الأول يا عمر، الناس اللي عندها عيال وبيوت مفتوحه وحياتهم متعلقه في رقبتي.


أومأ له بصمت وزفر بحزن على هذا الوضع الذي أمامه وتحرك ثلاثتهم للخارج فأقترب ساجد متسائلا:

-طيب أنا مطلوب مني ايه؟


نظر له فارس بحيرة وقال:

-حضرتك ال SEO بتاع الشركه، ولا محتاج عزومه؟


تفهم الجميع حالته وهجومه الشرس على الكل فلم يراجعه احد، ولو أرادوا لما تجرأ احد لفعلتها على كل حال وهو بحالة هدوءه فما بال حالة غضبة الثائر؟


هرعت ياسمين ترمقه بنظرات قلقة وحزينه واحتضنته هامسه له:

-ربنا يعوض عليك يا حبيبي، خد بالك من نفسك انا وولادك محتاجينك.


ربت على رأسها وانحنى يقبل فلذتي كبده وغادر على الفور برفقة رجال العائلة ومعهم عمر الباشا الذي وقف أمام زوجته وتحدث معها بهدوء:

-انا مش عارف هتأخر قد ايه؟ لو بعد ساعه مكلمتكيش اتصلي بالسواق بتاع بابا وخليه ييجي ياخدك، وياريت تروحي عند بابا عشان متقعديش لوحدك.


وافقت وابتلعت ريقها بتوتر وقالت بهمس:

-خد بالك من نفسك، انا خايفه اوي يجيبوا رجلك في المشاكل دي.


رد مؤكدا:

-متخافيش ربنا هو الحافظ.


ركبوا جميعا السيارات وتحركوا صوب مقر المصنع، وفي الطريق جاءة اتصال من سامي فأجاب فورا يسأله بهلفة:

-ايه اﻷخبار؟


أجابه بتوضيح:

-الدفاع المدني قدر يسيطر على جزء كبير من الحريق، وحاليا أنا بحاول أحصر أعداد العمال والموظفين اللي كانوا في المصنع بس مش عارف لسه العدد بالظبط و....


قطع صوته دوي انفجار عالٍ ورهيب واصوات عالية من صراخ وانقطع الاتصال بلمح البصر؛ فنظر إلى جواره لأخيه الروحي وقال بتوتر:

-حصل انفجار.


لمعت عين مازن وظل فارس يحاول مهاتفه سامي من جديد ليعرف ما الوضع اﻻن ولكن كان هاتفه خارج التغطية فقال مازن مفسرا:

-أكيد اﻻنفجار اثر على شبكات المحمول يا فارس، احنا خلاص ثواني وهنكون هناك.

❈-❈-❈


من يمر من أمام تلك المنطقة الصناعية والتي بها العديد من المصانع والشركات لقال أنه يوم الحشر وأن القيامة قد جاءت، أصوات صراخ ولهيب بكل مكان والجرحى والموتي بكل مكان، فلم يسلم أحدا ممن كانوا بالقرب من المصنع من رجال اطفاء أو شرطة أو حتى مراسلين الصحافة ورجال اﻻسعاف؛ فالانفجار كان مدويا وطال كل شيئ تقريبا.


وصلت السنة اللهب والدخان عنان السماء لدرجه أن رآها فارس ومن يلحقه من على أبواب المدينة الصناعية من بعيد؛ ففتح فارس النافذة وأخرج رأسه ينظر للسماء الملبدة بالدخان الكثيف وهو يشعر بغصة ألم تجتاح صدره، فتجهم وجهه واعتدل بجسده فلاحظ مازن حالته فأمسكه من ذراعه وقال مؤازرا:

-كل حاجه تتعوض يا فارس، فكر في مراتك وولادك.


أومأ له وعبرات اﻷلم المحبوسة بمقلتيه تتحول لجمرات نار كتلك التي تحرق أمواله ومجهود سنين عمره، وصلوا للموقع فنزلوا جميعا بلهفة وهم ينظرون لحطام المصنع الذي كان بيومه يعتبر أكبر مصنع لصناعة اﻻجهزة المنزلية بعد مصنع الفهد الذي يبعد عنه بضع كيلومترات بالمدينة الصناعية المجاورة.


مسح لحيته بقسوة ونظر حوله وتكلم بصيغة آمرة لرجاله:

-شوفولي مين المسئول هنا عشان اتكلم معاه.


لحظات وحضر مدير اﻷمن بنفسه وانحنى باحترام لفارس وقال بلباقة:

-ربنا يعوض عليك يا فارس بيه.


لم يرد أو يحرك ساكنا ولكنه التفت وسأله بعملية شديدة:

-عايز اعرف وصلتوا لايه؟ العمال اللي كانوا جوه اهم من أي حاجه.


زم مدير اﻵمن شفتيه ورد موضحا:

-في الوقت الحالي حصر عدد المصابين أو الموتى هيكون صعب، لحد اﻻنفجار مكانش في حد جوه المصنع نقدر نقول عليه ممكن يخرج حي، وبعد اﻻنفجار زاد عليهم كمان من اللي كانوا بره فالعدد كبير للأسف.


سأل بتوتر:

-سامي مدير المصنع فين؟


رفع كتفاه علامة على جهله بمكانه فالتفت ينظر لمازن وهدر به:

-خليهم يدوروا عليه يا مازن، جوز أختي فين؟


شعر مازن بتأجج الحريق بداخله ليصل لنفس حدة حريق المصنع فتحرك سريعا دون مراجعته او مناقشته بشيئ تحاشيا لاغضابه، وبدأ بالبحث عن سامي هو ومن معه من رجال الحراسات.


نظر فارس أمامه وتنهد بعمق وتمتم بداخله:

-انا آسف يا بابا، مقدرتش احافظ على تعبك ومشروع عمرك.


شعر بدوار خفيف فأستند على سطح السيارة؛ فهرع زين صوبه واسنده وهمس له حتى لا يلحظ أحدا حالته:

-باشا، تعالى خليك في العربيه.


نظر له بعيون زائغة ومشوشة ووقف منتصبا رغم اﻻعياء الظاهر عليه وقال بصوت قوي:

-أنا كويس، روح شوف ساجد ومازن بيعملوا ايه؟


وافقه رغما عنه وتحرك من أمامه، فعاد فارس يتكئ على سطح سيارته واغلق عينه محاولا استرجاع انفاسه ولكن دون جدوى.


بحث بجيب سترته عن دواءه ولكنه لم يجده فتذكر انه خرج بتعجل ولم يتناوله، وعندما شعر بوهنه اﻻكيد رفض أن يسقط هكذا أمام الجميع؛ فخبط مرات متتاليه على سطح سيارته فانتبه له سائقه الذي نزل بسرعه متوجها لرب عمله وسأله باحترام:

-اؤمرني يا باشا.


وضع فارس راحته على ذراع كارم ونظر له بتعب وهمس له:

-اسندني لحد ما ادخل العربيه.


لمعت عين كارم وفعل فورا دون تأخير وفتح باب السيارة وساعده ليجلس بالمقعد الخلفي واراح ظهر المقعد للوراء اكثر حتى يرتاح رب عمله بوضعيته وسأله باهتمام:

-تحب اجيب لحضرتك حد من اﻻسعاف يا باشا؟


نفى برأسه وقال:

-سيبهم يشوفوا شغلهم، انا شوية وهبقى كويس.


لم يراجعه ولكنه وقف يبحث بنظره عن مراد حتى يأتي لنجدة ابن أخاه، وفور أن لمحه يقف على مقربة منه اتجه فورا وهمهم له هامسا:

-يا دكتور، فارس باشا تعبان أوي في العربيه.


التفت مراد بلهفة وهرع صوب السيارة واستند على ركبتيه بجواره وأمسك ساعده يقيس له نبضاته؛ فسحب فارس يده منه وسأله بتجهم:

-لقيتوا سامي؟


نفى بصمت فانتفخت فتحتي أنف اﻵخر وقال بوهن:

-اكيد جراله حاجه.


ربت مراد على كتفه وقال:

-كله بأمر ربنا يا فارس.


تنهد وزفر باختناق وحرر عنقه من ربطته ورد:

-ونعم بالله.


❈-❈-❈

تجمعوا حول شاشة التلفاز العملاقة يتابعون أخبار الحريق والذي تناقلته كافة القنوات، وكانت لحظة اﻻنفجار مصورة صوت وصوره من إحدى الكاميرات والتي تناقلتها القنوات وهي توصف بشاعة المشهد وتأكيد وجود الكثير من الوفيات واﻻصابات.


تركتهم وتحركت صوب تلك الجميلة التي تحمل صغيرتها بحضنها وسألتها بتوتر:

-خديجه هانم، ممكن لحظة؟


أومأت لها وتحركت لغرفة المكتب وجلست بجوارها على اﻻريكه وهي تقول بأدب:

-ممكن نشيل اﻻلقاب، أنا خديجه بس مش هانم ولا حاجه.


ابتسمت لها بهدوء وسألتها مباشرة:

-ممكن تحكيلي عن اللي تعرفيه لو سمحتي.


جعدت جبينها وسألتها بدورها:

-هو انتي متعرفيش؟


نفت برأسها وأجابت:

-فارس الفهد بير ملوش قرار.


ابتسمت بتصنع وقالت:

-أنا آسفه، بس مظنش من حقي أقولك على حاجه جوزك اختار يخبيها عنك.


رمقتها بنظرات متضايقة وراجية بنفس الوقت، ولكنها حقا لا تعلم شخصيتها الكتومة فاعتذرت منها:

-حقك عليا، بس حقيقي مقدرش أبدا افشي سر وميخصنيش كمان، انا كنت بحسبك عارفه.


بكت ياسمين وهى تقول:

-أنا خايفه عليه اوي.


ربتت عليها مؤكده:

-ادعيله ربنا يحفظه ويقويه؛ لان اللي بيمر بيه صعب ومحتاج دعم كبير اوي.


خرجتا للبهو عند تجمع العائلة فنظرت لها خديجة وقالت:

-أنا مضطرة أمشي بس أكيد هتصل اطمن عليكي.


ودعتها بحبور وعادت تجلس برفقة عائلتها فانتفضت ميار تصرخ بلهفة:

-سامي تليفونه مقفول من ساعة ما راح المصنع، قلبي مقبوض.


ربتت عليها شيرين وهدأتها:

-أكيد الشبكه واقعه، مش شايفه الدنيا هناك عامله ازاي؟ اهدي ودلوقتي نطمن عليهم كلهم.


لم توافقها فهتفت بلهفة:

-اتصلوا بيهم شوفوا لو حد منهم تليفونه مفتوح.


حاولن جميعا ولكن دون جدوى فقالت ياسمين:

-أنا هتصل على خط التجوال بتاع فارس لانه Satellite واكيد هيقبل اتصالات.


بالفعل هاتفته بنفس اللحظة التي كان يستريح بسيارته ومراد يقيس له ضغطه.


اجابها بصوت متعب:

-ايه يا حبيبتي!


تنهدت براجه فور سماع صوته، ولكن لم يخف عنها تعبه وحزنه فقالت تواسيه:

-حبيبي، أي حاجه فداك.


لم يرد واستمع لها تسأله:

-طمني، كلكم كويسين.


رد مؤكدا:

-ايوه الحمد لله، بس هنتأخر أوي هنا ... لسه تحقيقات وطب شرعي وليله طويله.


اقتربت ميار وهي تخبرها:

-كلهم كويسين متقلقوش.


تحدثت بلهفة:

-اسأليه سامي جنبه؟


استمع لها فتوتر فورا وقال بجدية:

-ياسمين، حاولي متخليش حد ياخد باله من كلامي.


ابتسمت بتصنع ولكن بداخلها قلبها يحترق من القلق وردت بادعاء:

-حاضر متقلقش كلنا كويسين.


أخبرها بغصة تقف بحلقة:

-سامي مش ظاهر ومش عارفين إذا عايش ولا لأ، كان قريب أوي من مكان اﻻنفجار.


ابتلعت ريقها بتوتر حاولت اخفاءه وظلت ترسم البسمة على وجهها بكذب وهمهمت:

-اممم، تمام أنا مش هنام قبل ما تيجي بس طمني عليك.


فهم أنها تحاول اختلاق اي أمر حتى لا يشعر من حولها بحديثها فقال بوهن:

-أنا احتمال ارجع متأخر اوي، وأول ما اعرف حاجه هكلمك.


وافقته واغلقت معه والتفتت تبتسم للجميع هاتفة:

-فعلا مفيش شبكه، اطمنوا .. كلهم كويسين.


❈-❈-❈

انتهى مراد من فحص ابن أخيه وتحدث بجدية:

-انت كده وضعك خطر، اهدى شويه الخسارة على الكل مش عليك لوحدك.


صر على أسنانه ورد بغضب:

-ما هي عشان ع الكل يا دكتور، لو ليا لوحدي مكانش همني.


حاول التعامل معه بهدوء وتريث فقال:

-طيب بغض النظر، أنت الوحيد اللي تقدر تخرجنا من اﻻزمه دي ولو جرالك حاجه عيلة الفهد كلها هتقع؛ فلازم تتماسك.


خلل أصابعه بشعره ومشطه للخلف واغلق عينه مرات متتاليه وعدل من وضع قميصه مغلقا ازراره رابطا ربطة عنقه ونزل يقف بقوة ناظرا أمامه لبقايا وحطام المصنع.


اقترب مازن ومعه أحد رجال الدفاع المدني وأخبره باحترام:

-تقرير الإنفجار ظهر يا فارس.


اومأ ونظر له بترقب فأخبره:

-الحريق وصل لأنابيب الغاز وأول ما وصل لقسم الثلاجات اتفاعل مع غاز الفريون وحصل الإنفجار.


سأله بايجاز:

-حجم الخساير؟


رد مؤكدا بحزن:

-المصنع محتاج معجزه عشان يشتغل تاني.


أومأ بهدوء وسأل:

-الوفيات والإصابات؟


أجابه بعملية شديدة:

-المصنع كان ي حالة اشغال اقل من 25% لأنه يوم الجمعه وتقريبا اللي نجوا منهم اقل من نصهم.


صاح بحدة:

-اديني أعداد يا مازن.


ابتلع ريقه ونظر لضابط الدفاع فأجاب هو :

-خساير اﻻرواح حوالي 100 شخص وفيات و اكتر من 70 إصابات وفي حاﻻت مفقوده معتبرينهم من الوفيات.


حك لحيته الكثيفة وسأله:

-وسامي؟


رد مازن بحزن:

-لقناه.


نظر له باهتمام فأضاف:

-للأسف، البقاء لله.


لحظة صمت وتبادل نظرات حزينة واخرى مواسية؛ فخانته دمعة واحدة نزلت على وجهه مسحها فورا فربت عليه مراد يواسيه:

-البقاء لله يا فارس.


رد بحزن وغصة:

-ونعم بالله، ابنه لسه يا دوب 6 سنين.


عقب مازن عليه:

-وكل الضحايا عندهم عائلات يا فارس، هو قضاء واصاب الكل.


تحدث بغضب وعصبية:

-أنا اللي بعته، انا اللي خليته يسبقنا وييجي...


قاطعه مراد موضحا:

-هو جه لقضاه لأن ده مكتوب له يا فارس، ربنا كاتب له كده متحملش نفسك الذنب.


سحب شهقيا حاول به أن يثبط غصة بكاءه، والتفت يحدث ساجد:

-كلمت شركة التأمين؟


أجابه بعملية:

-ايوه، والمحققين بتوعهم هنا مع بتوع المعمل الجنائي.


أومأ وقال:

-جهزلي list بكل الوفيات واﻻصابات ودرجة الإصابه عشان نبقى مستعدين لدعاوي التعويضات اللي هتترفع علينا.


أوما له بصمت فسحبه مازن على إنفراد وهمس له:

-اللي حصل كان بعيد عن كل حسابتنا، كل اللي فكرنا فيه أن الضربه هتيجي لشخصك أو...


قاطعه بغضب:

-أنا لازم اروح لهم، لازم يعرفوا اني عارف كل حاجه.


مسح فارس على ذراعه وأكد:

-بس مش هتروح لوحدك، وده مفهيوش نقاش يا فارس .. بلاش فاتحه الصدر اللي ع الفاضي دي.


اقترب عمر منه وتحدث بدون مقدمات:

-أنا خليت الإسعاف يبعت جثة جوز اخت حضرتك على المشرحة على طول علشان نستخرج بسرعه تصريح الدفن، وجهزت كل حاجه للدفن والعزا بكره.


استحسن فعلته وشكره:

-متشكر يا عمر، ده حتى مش من اختصاص شغلك.


ابتسم له وأكد:

-في المصايب اللي زي دي الكل لازم يساعد حتى لو بره صميم عمله، واللي يقدر على حاجه يعملها.


مر الليل ما بين تحقيقات وتحريات والكثير من الأعمال الغير منتهية حتى شعر الجميع بالإنهاك الشديد؛ فقرروا العودة لعائلاتهم ليرتاحوا قليلا فقد قارب الوقت على منتصف الليل.


جلس فارس بمقعده وبجواره مازن فأمسك هاتفه وتحدث مع زوجته:

-ياسمينا، انتي كويسه والولاد كويسين؟


ردت بلهفة:

-الحمد لله، انت عامل ايه؟ طمني عليك.


أجابها بحزن شديد:

-سامي مات.


وضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها وهو يسألها:

-ميار جنبك؟


نفت سريعا:

-لا .. روحت من بدري عشان سايبه مامتك لوحدها تعبانه.


أخبرها بتنهدية عميقة:

-طيب انا كده مضطر اعدي عليها الاول قبل ما آجي.


لم تعارضه؛ فهمهمت بتفهم ولكنه قال بتردد:

-ياسمين، انتي عارفه اني بحب أهلك مش كده؟


ايدته فورا:

-طبعا يا حبيبي.


عقب عليها مفسرا:

-بس أنا في حاله متسمحليش اتعامل مع حد ولا ارد على اي اسئله ولا حتى اتظاهر بالقوة، فمن فضلك عايز ارجع البيت ملاقيش غير عيلتي وبس، انتي وولادي واخواتي وبس، مفهوم؟


وافقته الرأي ورددت:

-مفهوم.


اغلق معها ونظر للجانب وقال بتيه غير معهود به:

-نسيت اقول لها تخلي چنى وشيرين عندنا لحد ما تروح انت وساجد تاخدوهم من هناك.


ابتسم له مؤكدا:

-ياسمين ذكية واكيد هتعمل كده من نفسها يا فارس، أرتاح انت لحد ما نوصل.


❈-❈-❈

اغلقت معه وتوجهت لتجمع العائلة فسألها جدها باهتمام:

-خير يا بنتي! في اخبار؟


ردت وهي ترتمي على اﻻريكة بجواره:

-مش خير أبدا يا جدو، المصنع بقى رماد وجوز اخته اتوفى كمان وفارس حالته وحشة اوي، انا عارفه جوزي كويس حتى لو بيحاول يخبي فأنا حاسه بيه.


ربت الجد على ظهرها وقال:

-ده ابتلاء واختبار من ربنا بيقيس بيه قوة صبره وإيمانه، يخليه يحتسب يا بنتي عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع.


ردت بحزن:

-ونعم بالله.


سألتها شيرين بلهفة:

-طيب هم فين دلوقتي انا قلقانه على ساجد أوي.


ردت موضحة:

-رايحين على بيت ميار يا شيري.


فكرت بداخلها كيف عليها أن تجعلهم يغادروا كما أمرها زوجها؛ فنظرت لجدها وقالت بتوتر:

-جدو، أظن اﻻفضل تروحوا عشان تجهزوا لبكره لأن اكيد هيكون في عزا وعيزاكم تقفوا جنب فارس.


ابتسم لها وأومأ بتفهم؛ فخرج صوت هدى المستفز:

-ونسيبك يا بنتي في الظروف دي؟ ما نخرج كلنا من هنا ع العزا بكره ايه لازمة المشوره؟ ولو على لبس الاسود بسيطه، اهو ياسين يروح يجيب لنا هدوم ويرجع.


تذمر ياسين هاتفا:

-كل حاجه ياسين ياسين، يا ماما أنا عندي شغل بكره ومش هعرف أعمل حاجه، وبعد المصيبة دي أكيد هيكون في اجتماعات لا لها اول ولا آخر، فخريني من حساباتكم ولو عرفت اصلا احضر العزا يبقى كتر خير الدنيا.


وافقته ياسمين موضحة:

-صح كلامك، أول حاجه الشركة هتعملها انها هتوقف مبيعات في مراكز البيع وتحصر اﻻعداد اللي في المخازن عشان طلبيات التصدير اللي ميقدروش يتأخروا عليها، بس ده معناه إن منتج العالمية هيبقى نادر جدا في السوق هنا وسعره ممكن يغلى كمان ولو ده حصل فالمبيعات...


قاطعها مضيفا:

-المبيعات هتقل ويمكن تقف نهائي لأن في منتج الفهد اللي اعلى جودة طبعا وده هيعلي من مبيعات الفهد بشكل كبير.


دارت انظار الجميع لحديثهما الغير مفهوم للبعض فوقف السيد على الفور وهتف بجدية وتعجل:

-طيب يلا بينا قبل الوقت ما يتأخر أكتر من كده، بقينا نص الليل.


تحرك الجميع للخارج وتبعتهم شيرين فأمسكتها ياسمين هامسة لها:

-انتي رايحه فين؟ اكيد ساجد هييجي ياخدك من هنا.

 

رفضت معقبة:

-ﻷ انا هروح معاهم علشان ابات مع نرمو، اديكي شايفه حالتها عامله ازاي!


رمقتها بنظرة غاضبة وهدرت بها بصوت مسموع سمعه الجميع:

-هتسيبي جوزك في الوضع ده وتروحي تباتي مع نرمين؟! بجد يعني يا شيرين دماغ عيال صغيره.


ربتت نرمين عليها وقالت بهدوء:

-خليكي يا شيري أنا كويسه ويمكن كمان اخلي السواق يوصلني ع البيت، خليكي انتي مع جوزك.


❈-❈-❈

دلف من أبواب المنزل ذو الطابقين الذي ربما لم تطأ قدميه أرضه من قبل؛ فهرعت أخته تسأله بلهفة:

-انتو جيتوا؟ أومال فين سامي؟


سحبها واجلسها بجواره وجلس باقي رجال الفهد أمامها؛ فشعرت بالخوف وتجهم وجهها وسألته بتوتر:

-هو سامي فين؟ جوزي جراله حاجه؟


صر على أسنانه محاولا انتقاء الكلمات ورد بحزن:

-اﻻعمار بيد الله يا ميار و...


وقفت على الفور صارخة فحضرت فريدة على صوت صراخها الصام للآذان:

-لااااا، أنت السبب وأنا مش مسمحاك.


بكت وارتمت أرضا تنتحب:

-ابني اتيتم بسببك، منك لله يا فارس منك لله.


لم يهتم بحديثها وجلس أرضا على عجزتيه بجوارها واحتضنها هاتفا بحزن:

-البقاء لله، ارتضي واحتسبي عند الله يا ميار بلاش التصرفات دي.


نفضت يده عنها ووقفت تنظر له بغل وكره دفين وهدرت به:

-ابعد عني، أطلع فوق لابنه اللي نايم وصحيه وقوله بنفسك إن أبوه مات، قوله أنك السبب في موت أبوه بسبب كرهك لينا وتفرقتك في المعاملة طول عمرك ليا ولأي حاجه تخصني.


نهجت بانفاسها وصرخت:

-قوله انه بقى يتيم وهو لسه مكملش 6 سنين.


رمقها بنظرات تائهه وﻷول مره لا يجد ما يرد به؛ فتحدث مراد يهدئها:

-اهدي يا بنتي، ده عمره ومحدش له يد ابدا في اللي حصل.


بكت وارتمت ارضا فتكلمت فريدة أخيرا بغضب:

-أخدت تار أبوك أخيراً مننا يا فارس؟ قتلت مروان وسجنت مدحت ويتمت ابن أختك! ارتحت كده ولا لسه؟

يتبع.....