-->

رواية القانون لا يحمي المغفلين - بقلم الكاتبة آية صبري - الفصل الخامس

 

رواية القانون لا يحمي المغفلين

بقلم الكاتبة آية صبري






الفصل الخامس 

رواية

القانون لا يحمي المغفلين 




" ومن هُنا بدأت اللعنة "


مرت عدة أيام وكانت الأوضاع بها كالأتي.. 


أختفى " سيد " وصديقيه بعيدًا عن الصورة تمامٍ خلال الأيام الماضية، يُحاولون إستيعاب الكارثة التي أصابتهُم، كان الأول لا يملك المال الكافي لشراء نصيب " نجمة " أيضًا حتى ينفرد بملكية المطعم، ولما يفعل بالأصل وهو من تعرض للإحتيال أيضًا وضاع حلمه وأمواله هباءً، قرر أن يأخذ إستراحة قصيرة من كل شيءٍ ولكنهُ بالتأكيد سيعود إلى الصورة من جديد.. 


كانت " نجمة " تعيش أسوأ أيامها وتمر بأصعب حالاتها النفسية تعبٍ وضيقٍ، الحلم الذي لطالما كانت تحلم بهِ تحطم وتعرضت للإحتيال من قِبل عجوزٍ مُختلًا، بعد أن أصدرت النيابة حُكمها وهي لم تجد الطاقة لتقاوم أكثر، عادت إلى منزلها ثُم إلى غُرفتها تعتزل العالم، لقد خسرت كل شيءٍ ولم يعُد هناك أحلامٍ.. 


كانت مُتسطحة على فراشها بغُرفتها تتطلع بسقف الغُرفة بحُزنٍ بينما عيناها دامعة ولا رغبة لديها بشيءٍ ما، شعرت بمن يقوم بفتح باب غُرفتها لتتصنع النوم سريعًا لكن بعد دقيقة واحدة كانت تنتفض من على الفراش بغضب وهي تشعر بمن يُدغدغها بباطن قدمها.. 


=إيه الهزار المنيل دة! 

وجدت أمامها " هنا " و " قمر " و " سما " التي هتفت قائلة بخوف مُصطنع:- سوري كنت بهزر. 


=هزار رخم، يلا أطلعوا برة. 


زمت " سما " شفتيها بحُزن طفولي فتأثرت " قمر " لأجلها لذلك نظرت إلى " نجمة " وصاحت قائلة:- جرى إيه يابت محدش قادر عليکِ ليه وطايحة فينا كلنا. 

كادت أن تُجيبها ولكن صرخت " هنا " بضجر قائلة:- دة أحنا جاين نخرجها من حالة الأكتئاب اللي عندها مش نزوده. 

صمتت " قمر " على مضض وزمت " نجمة " شفتيها بضيقٍ وأشاحت بنظراتها بعيدًا، أقتربت " سما " من الفراش وجلست بجانبها قائلة برقة:- " نجمة " بليز ممكن تخرجي من الأكتئاب دة ومتزعليش، مفيش حاجة مستاهلة صدقيني، وبعدين المطعم لسة في إيدينا يعني. 

هتفت قائلة من بين أسنانها:- مطعم إيه اللي في إيدينا وأنا معايا واحد هيشاركني فيه النُص بالنُص! 

أقتربت منها " قمر " هي الأخرى وجلست على الجانب الأخر قائلة بنبرة تفاؤلية:- ياستي نُص العمى ولا العمى كلُه، أفرضي مثلًا إن اللي أسمه " عاصم " النصاب دة كان نصب عليکِ والمطعم أصلًا مش بتاعه! أهي دي وقتها كانت هتبقا الكارثة اللي بجد. 


=والله البت دي أول مرة تقول حاجة كويسة. 


=بس يا عرة إنتِ. 


نظرت إليهُن " نجمة " قائلة بأسى:- يا جماعة أفهموني أنا كان حلم حياتي أفتح مطعم صُغير وأكبره بتعبي ومجهودي مع الوقت وفجأة الحلم دة راح. 

صمتت للحظة ثُم هتفت قائلة بغيظ:- ودلوقتي في واحد تاني غيري واقف في مطعمي وواخد راحتُه أوي وأنا قاعدة هنا ببكي على حالي وحظي الزفت. 

قفزت " هنا " على الفراش أمامها قائلة بحماس:- أبدًا والله محصلش، المطعم لسة مقفول واللي أسمه " سيد " دة هو واللي معاه مظهروش من وقت ما شوفناهم في النيابة أخر مرة. 

لم تُصدق ما تسمع، كانت تتوقع أن يستغل فترة غيابها ليقوم بفرض سيطرته على المطعم لكنهُ الأن أخلف توقعاتها تمامٍ، همست قائلة بذهولٍ:- يعني إيه مُختفيين، هيكونوا راحوا فين، سابوا المطعم. 

أجابت " قمر " قائلة بسُخرية:- لا مش للدرجادي يعني، ما هو كمان أكيد دافع دم قلبه في المطعم دة. 

صمتت " نجمة " على مضض فهتفت " سما " قائلة بنعومتها المعهودة:- يا حبيبتي تفائلي خير وبُصي لنُص الكوباية المليانة. 


=خلاص بقيتوا كلكم أصحاب حكمة كدة! 


قبل أن تُجيب إحداهُن أقتحمت السيدة " صابرة " الغُرفة وهي تُهلل قائلة بسعادة:- ها خرجتوها من أكتئابها ولا لسة يابنات! 

نظرت إليها " نجمة " بتوجس قائلة:- الملامح دي أنا عارفاها كويس، في إيه يا عمتو! 

أقتربت عمتها منها وجلست على حافة الفراش قائلة بلهفة لم تستطيع أن تخفيها:- أنا بقا جيبالك خبر هيضيع منك الأكتئاب دة على الأخر. 

توجسَّت ملامحهُن خيفة من القادم وهمست " نجمة " قائلة بتوتر:- ربنا يستر، خير! 


=كُل خير يا نور عيني، أما أنا بقا جيبالك حتت عريس يا " نجمة " المرادي، إنما إيه، حكاية. 

ضربت " هنا " وجنتيها بكفيها وزمت " قمر " و " سما " شفتيهُن بفزعٍ لتهمس الأولى قائلة بدهشة:- أمال لو كنتِ مش عايزة تطلعيها من الأكتئاب كنتِ عملتي إيه بس يا حجة " صابرة "! 

نظرت إليها " نجمة " بصدمة ثُم هتفت قائلة بجنون:- يعني هو دة الخبر اللي راسم السعادة دي كلها على وشك وجاية تخرجيني بيه من الأكتئاب! 

أومأت لها بحماس طفلة فنظرت إليها ثُم إليهُن وبلحظة كانت تصرخ بجنون:- أطلعوا برة.


بعد قليل من الوقت صدح صوت رنين هاتف " نجمة " وكان المُتصل والدها، فتحت الأتصال ليأتيها رد الطرف الأخر قائلًا:- تعاليلي يا " نجمة " دلوقتي على المطعم. 

أنهت الأتصال وهي تشعرُ بالأستغراب من هذه المُكالمة، أرتدت ملابسها وخرجت من غُرفتها وجدت عمتها تجلس أمام التلفاز تقوم بتقطيع الخُضار، أقتربت منها قائلة بتساؤل:- أمال أخواتي فين يا عمتي؟! 


=نزلوا الجامعة مع بعض. 


نظرت إليها قائلة بتعجُب:- إنتِ خارجة يا " نجمة " ولا إيه! 


=أيوة، بابا أتصل بيا وعايزني أروحله على المطعم، أنا همشي بقا عشان متأخرش. 

تحركت بأتجاه باب المنزل تصحبها دعوات عمتها ولكن قبل أن تخرج سمعت الأخيرة تهتف قائلة بتمني:- فكري في العريس يا " نجمة " عشان خاطري. 

تصنعت عدم الأستماع ورحلت وهي تفكر في ما الذي يريده والدها منها الأن ولماذا بالمطعم بالتحديد.... 



❈-❈-❈


" في الجامعة بكلية الأداب "


حاولت على مدار الأيام الماضية أن لا تُفكر في أمر " شهاب " لكن مازاد الوضع سوءً هو أختفائه الغير مُبرر وعلى غير العادة، من وقت دراستهُما سويًا منذُ ثلاث سنوات وهو دائمًا مُنتظم ولم يتغيب يومٍ لكن بعد المواجهة الأخيرة بينهُما وهو بدأ يختفي تدريجيًا وها هو مُتغيب منذُ عدة أيام، كانت تجلس بالمُدرج تنتظر أن تبدأ المُحاضرة بعقلٍ شاردٍ وبجانبها صديقتها لكنها عادت من شرودها على صوت شهقة من صديقة بجانبها وهي تهتف قائلة بصدمة:- إيه دة معقولة، " شهاب " داخل المُدرج مع " حسن " وشلتُه! 

نظرت " قمر " إلى ما ينظر إليه الجميع وتفاجأت أن حديث صديقتها صحيح، أتسعت عيناها بعدم تصديق فمن المعروف عن " حسن " وأصدقائِه ليس مُبشرًا بالخير إذا كيف تقرب منهُم " شهاب " ولماذا!، أعقد دخولهم دخول أستاذ المادة وبدأ بالشرح، لم تنتبه إلى كلمة مما قالها بل كل أنتباهها مع هذا الذي يجلسُ بعيدًا عنها ويبدوا عليه الحُزن والهم، تنفست الصعداء فور أن أنتهى الأستاذ من الشرح ولم تكد تُلملم أغراضها حتى وجدتهُ أختفى من المُدرج بأكملِه، تسللت من بين صديقاتها وركضت خارج المُدرج وأستطاعت أن تراه بين الجموع لتركض نحوهُ، قبضت على معصمه قائلة بأنفاسٍ لاهثة:- " شهاب " لو سمحت عايزاك. 

ألتفت إليها بهدوء ونظر إلى قبضتها على معصمه وإليها حتى أنتبهت إلى فعلتها، تلونت وجنتيها بحُمرة الخجل وأبعدت كفها سريعًا، نظر إليها " حسن " بتسلية قائلًا:- خير يا ست " قمر " عايزة إيه! 

نظرت إليه بأشمئزاز قائلة:- وأنت مالك، هو أنا وجهت ليک أنت كلام! 

كاد أن يُصيح بها لكن أوقفهُ " شهاب " قائلًا بصرامة:- لو سمحت يا " حسن " خد صُحابك وأستناني قُدام باب الجامعة. 

نظر إليها " حسن " بغيظ لكنهُ هتف قائلًا بتشفي:- ماشي يا صاحبي هستناك برة عشان نروح نسهر سوا زي كل يوم. 

رحل وتركها بصدمتها ولم تستطيع أن تمنع نفسها من السؤال قائلة:- إيه اللي بيقولوا البني أدم دة، أنت إزاي تعمل في نفسك كدة وتقرب منه ومن صحابه! 


=وإنتِ مالك! 


على الرغم من الإحراج الذي أصابها إلا أنها هتفت قائلة بثباتٍ:- يعني إيه أنا مالي، هو مش أحنا زمايل وأنت في يوم من الأيام حذرتني من " حسن " واللي معاه فمن واجبي أنا كمان إني أحذرك! 

نظر إليها بنظرات عميقة تتفحصها بدقة بالغة ولأول مرة ترتعش من مُجرد نظرة من شابٍ ما، على الرغم من توترها إلا أنها رأت بعيناه مشاعر عديدة دافئة وأيضًا شيءٍ أخر وكأنهُ يستنجد بها، أنتبهت إلى صوته قائلًا بشجن:- يعني إنتِ جاية تحذريني عشان أحنا زمايل وبس يا " قمر "!. 

توترت وتلجلجت ولأول مرة تخونها مشاعرها ولا تستطيع تحديدها لكنها أجابت قائلة بثباتٍ أشد:- أيوة يا " شهاب ". 

هذه المرة ندمت حقًا على حدتها معهُ لقد رأت على ملامحه مشاعر الإنهزام وكأنهُ كان يُحارب لأجل أمرٍ ما بكُلِ قوتِه وعلى حين غرة خسر الحرب، أومأ لها برأسِه ببعض الثبات ثُم هتف قائلًا بنبرة مُختنقة:- تمام يا " قمر "، بعد إذنك. 


= " شهاب " أنــ اا. 


قاطعها قائلًا بقسوة:- لو سمحتي لحد هنا وكفاية، أنا مش عايز أسمع أكتر من كدة ومهما شوفتيني بعمل إيه متدخليش، أعتقد إنك عملتي اللي عليکِ وحذرتيني وأنا حر أقبل أو مقبلش، بعد إذنك. 

رحل وتركها تقف بمُنتصف الطريق وحيدة وبائسة، تنتفض من شدة الحُزن بينما عِبراتها بدأت بالأنهمار على وجنتيها، لم تستطيع أن تستكمل يومها الدراسي وتوجهت إلى منزلها ومنهُ إلى غُرفتها لتبكي على فراشها بقوة دون أن تنتبه أن صوت بُكائها وصل إلى السيدة " صابرة " التي أقتحمت الغُرفة بفزعٍ قائلة:- " قمر " مالك يا قلبي، يااللهههههووي، في إيه يابنتي، حصلك إيه! 

ألقت بنفسها بجانبها وأحتضنتها قائلة بخوف أمومي:- مالك بس يا نور عيني، مين زعلك وأنا أقطملك رقبته! 

هدرت " قمر " قائلة من بين شهقات بُكائها:- أنا مخنوقة أوي يا عمتو. 


=من إيه يا حبيبتي، دة أكيد حسد والله، عين وصابتكُم ياولاد أخويا، عين وصابتكُم. 


حاولت أن تجعلها تهدأ وبالفعل بعد وقت ليس بقصير هدأت " قمر " ولم تتركها العمة " صابرة " قبل أن تعرف منها كل شيءٍ، قصت عليها كل ما حدث معها وبعد أن أنتهت هتفت قائلة ببكاء طفولي:- هو دة اللي حصل يا عمتو، أنا حاسة إني مجروحة أوي منه. 

كانت السيدة " صابرة " تستمع إليها بصبر لكن بعد جملتها الأخيرة لم تحتمل أن تصمت أكثر فصاحت قائلة من بين أسنانها:- بقا ياولية يا مفترية أنتِ رافضة الراجل كل دة، وكاسرة نفسه وإنتِ عارفة إن هو يا حبة عيني وحداني وملوش حد وزعلانة عشان كرفك مرة من نفسه! 

زمت " قمر " شفتيها بضيق قائلة:- هو إنتِ معايا ولا معاه يا عمتو! 


=معاه طبعًا. 


=كنت متوقعة. 


ساد القليل من الصمت حتى قاطعته " قمر " قائلة بتوتر:- طب وبعدين يا عمتو، هنعمل إيه! الشلة اللي هو ماشي معاها دي هتضيعه. 

نظرت إليها عمتها بتفحص ونظرات خبيرة قائلة:- بت يا " قمر " إنتِ متأكدة إنك مش بتحبي الواد دة يابت! 


=إيه اللي بتقوليه دة يا عمتو! إحم أيوة أكيد يعني مش بحبه. 


=مممممم هعمل نفسي مصدقة. 


صاحت " قمر " بضجر قائلة:- أيوة برضه مقولتيش هنعمل إيه! 


=العمل عمل ربنا يابنتي. 


❈-❈-❈



قبل ذلك الوقت بعد ساعات كان السيد " صابر " يقف أمام باب منزل " سيد " بعد أن وصل إلى عنوانه عن طريق المُحامي الخاص بهِ، طرق الباب وأنتظر دقيقة قبل أن يفتح لهُ " خالد " الذي صُدِم قائلًا:- أستاذ " صابر " حضرتك عرفت العنوان منين! 

أبتسم الرجُل ببشاشة قائلًا:- من المُحامي بتاعكُم، أنا بعتذر عشان جيت من غير ميعاد، تسمحلي أدخُل. 

تنحنح الشاب بحرجٍ وأفسح لهُ المجال سريعًا قائلًا:- أة أكيد طبعًا أنا أسف أتفضل. 

دلف السيد " صابر " إلى الداخل وأدخلهُ " خالد " إلى مكان جلوس الضيوف ثُم أختفى قليلًا بالداخل وبعد دقائق قليلة ظهر " سيد " بملامحه العابسة مُرحبًا بهِ بهدوء، أبتسم الضيف بوقار قائلًا:- أنا عارف إن زيارتي أكيد مش مُرحب بيها. 

صمت لحظة ثُم هتف قائلًا بمرح:- ماهو أنا من الأخصام برضه ولا إيه! 

تنحنح " سيد " بحرج قائلًا:- لا أكيد طبعًا حضرتك مرحب بيک في أي وقت. 


=ربنا يعزك يابني. 


أبتسم لهُ " سيد " بهدوء والفضول يتقافز في عينيه ليعرف ما الذي أتى بهِ إلى هنا ولم يُطيل عليه الضيف بل تحدث قائلًا بنبرة جادة:- بُص يابني أنا مش جاي هنا ونيتي شر خالص، أنا عارف إن اللي حصلكم إنتوا وبنتي مش سهل ودي صدمة صعبة لشباب لسة بيبدأ حياته وبيحقق أحلامه، ولا جاي برضه أعرض عليك إني أشتري نصيبك في المطعم، أنا راجل على قد حالي ولا أملك في الدنيا من مال غير مغسلة عربيات دي اللي بصرف منها على بناتي لغاية ما ربتهم وكبرتهُم منها الحمدلله. 

عقد " سيد " حاجبيه قائلًا بحيرة:- أمال حضرتك جاي ليه! 

تنهد الرجُل قائلًا بهدوء:- جاي أعرض عليكُم تبقوا شركاء لبنتي في المطعم، وكل حاجة تكون مناصفة بينكُم من مكسب وخسارة، ها قولت إيه! 

سخر " سيد " قائلًا:- والهانم تعرف وموافقة على الحل دة! 

تجاهل السيد " صابر " سخريته وأبتسم ببشاشة قائلًا:- الهانم دي أغلب من الغُلب والله، مش عشان بنتي بقولك كدة لأ، بس دي الحقيقة ولو ربنا أراد وكان ليكُم لقمة عيش مع بعض هتتأكد من صدق كلامي دة. 

صمت " سيد " وهو يشعر بالتيه أكثر، نظر إلى " خالد " حتى يستمد منهُ الدعم فأومأ لهُ بأبتسامة هادئة، أعاد نظراته إلى السيد " صابر " قائلًا بهدوء:- تمام أنا موافق.. 


=على خيرة الله.. 


بعد ساعة كان يجلس الشباب بالمطعم ومعهُم السيد " صابر " في أنتظار " نجمة " التي تأخرت كثيرًا على موعدها، زفر " سيد " بضيق قائلًا ة:- لا دي قاصدة تتأخر بقا. 

تنهد السيد " صابر " قائلًا بهدوء:- يابني هتقصد تتأخر ليه بس! أنا مقولتش ليها إنكم معايا ولا هي تعرف أي حاجة أصلًا، إن الله مع الصابرين. 

صمت على مضض وبعد قليل وصلت " نجمة " التي تفاجأت بوجود الشباب فصرخت قائلة:- إنتوا بتعملوا إيه هنا! أطلعوا برة. 

أبتسم " سيد " بسخرية قائلًا:- هو إنتِ بتطردينا من القصر بتاع بابا، لامؤاخذة ياعم " صابر ". 


=ولا يهمك يابني، أنا بس عـ اا. 


قاطعت " نجمة " حديثه بعصبية قائلة:- لا ياخويا مش بطردكُم من قصر بابا، أنا بطردكُم من المطعم بتاعي، أتفضل أطلع برة أنت وأصحابك. 


=يابنتي أنا بس عـ اا. 


قاطعهُ " سيد " هذه المرة وهو ينتفض واقفٍ ثُم هدر قائلًا بعنف:- هو إنتِ كنتِ نايمة وأحنا في النيابة ومسمعتيش اللي قالُه الظابط ولا إيه، أحنا منصوب علينا يا غيبوبة! 


=أحترم نفسك وأوعى تطاول عليا بدل والله لهـ اا. 


نفذ صبر السيد " صابر " منهُما فصرخ بشراسة قائلًا:- بس أنتوا الأتنين، أسكتوا ومش عايز أسمع صوت حد فيكُم. 


=يابابا دة اا. 


=أخرسي خالص. 


=ياعم صـ اا.


=أخرس أنت كمان. 


كانت نظراتهُما لبعضهُما البعض زاجرة، قاسية، لا تحمل قليلًا من الود، تنهد السيد " صابر " قائلًا بتعب:- أقعدوا أنتوا الأتنين واقفين ليه! 

جلس كُلًا منهُما على مقعده وألتفوا جميعًا حول الطاولة الصغيرة، هتف " خالد " قائلًا بهدوء:- يا جماعة أحنا جاين نحل مش نربُط، عايزين نصفى لبعض عشان ربنا يكرمنا في اللي جاي بقا. 

وافقه " كرم " وهتف قائلًا ببشاشة:- والله معاك حق، اللي راح راح واللي حصل حصل خلاص، خلونا نشوف مصلحتنا دلوقتي. 

لم يُجيب أحدًا منهُما لذلك تنهد السيد " صابر " وهتف قائلًا بنبرة حكيمة:- شوفوا بقا، أنتوا اتنصب عليكُم وعوضكُم على الله طالما مش عارفين نوصل للي عملها، بس الحياة مش بتوقف وأنتوا الأتنين حاطين كل اللي معاكُم في المطعم دة، يعني مفيش قدامكُم غير إنكم تشتغلوا مع بعض. 


=أنا لا يمكن أشتغل مع البني أدم دة. 


=لا أنا اللي هموت وأشتغل معاكِ، دة إنتِ هتفقريني. 


وقبل أن تجيب صرخ والدها قائلًا بضجر:- خلاص في حل تاني، أنت يا " سيد " يابني أشتغل تلات أيام وهي تلات أيام ويوم المطعم يكون فيه أجازة وأمرنا لله. 


=لا أنا هشتغل أربع أيام، أنا مبحبش الأجازات. 


=وأشمعنا أنا اللي أشتغل تلات أيام وإنتِ لأ، أنا كمان مش بحب الأجازات ولا قاعدة البيت. 


=طبعًا ما أنت صايع وواخد على اللف والدوران. 


جز على أسنانه قائلًا بغيظ:- يابت هقوم أهبدك بحاجة على دماغك. 

وقبل أن تُجيب عليه بما يليق قاطعها والدها وهو يصرخ بحدة قائلًا:- والله عيب عليكُم اللي أنتوا بتعملوا دة، مفيش أي أحترام للراجل الكبير اللي قاعد بيحل ليكُم مشكلتكُم، والله لو ما أحترمتوا نفسكُم هبلغ عنكُم وزارة الصحة وأقول شغالين بلحم حمير، خلي بقا سُمعة المطعم تبوظ قبل ما تبدأ عشان ترتاحوا. 

تدخل " كرم " بالحوار قائلًا بلهفة:- لا خلاص ياعم " صابر " هما هيتلموا خلاص. 

هتف " خالد " بتوتر وهو ينظر إلى " سيد " بتحذير لكي لا يعترض:- خلاص يا أنسة " نجمة " أحنا موافقين تشتغلي أربع أيام وأحنا تلاتة. 

نظرت إلى " سيد " بأنتصار فرد لها النظرة بأُخرى زاجرة لكنه تنهد بتعب وهتف قائلًا:- وبالنسبة للأسم هيكون اا. 

قاطعتهُ قائلة بسُخرية:- ثواني ثواني ومين قالك إنك هتسمي المطعم أصلًا، أنا اللي هسميه. 


=وليه مش أنا اللي أسميه! 


سخرت منه قائلة:- وهتسميه إيه بقا إن شاء الله، مطعم " سيد قشطة "! 

صاح قائلًا بسخرية مماثلة:- لا هسميه مطعم شندويلي يا شندويلي. 

لكزهُ السيد " صابر " قائلًا بغيظ:- ما تحترم نفسك ياض أنت، دة أسم جدي. 

تنحنح بحرج ولكن " كرم " تدخل في الحديث قائلًا:- خلاص أحنا نخلي حد تاني هو اللي يسمي المطعم. 


=مساء الخير. 


ألتفت الجميع إلى مصدر الصوت ليجدوا " سما " تقف بهيئتها الرقيقة وتبتسم لهُم بنعومتها المُعتادة، أبتسم السيد " صابر " لها قائلًا بحنان:- تعالي ياقلب أبوکِ، جيتي نجدة من السما. 

أقتربت منهُم وجلست بجانب والدها قائلة برقة:- في حاجة ولا إيه يا بابا! 


=أيوة في، قوليلي لو المطعم دة بتاعك يا حبيبتي تسميه إيه! 


وسريعًا كانت إجابة " سما " وصلتهُم حيثُ هتفت قائلة بحماس طفولي:- " تينكي و وينكي ". 

زمت " نجمة " شفتيها قائلة بتبرُم:- والنبي يا " سما " بلاش أسماء سبيس تون دي. 


=لا تينكي و وينيكي مش على سبيس تون دلوقتي. 


وقبل أن تُجيبها " نجمة " هتف " سيد " قائلًا بأنتصار:- أنا موافق. 

زجرته " نجمة " قائلة:- هو أي عِند وخلاص، هو دة أسم أصلًا! 

تلاعب بحاجبيه قائلًا بخُبث:- مالُه الأسم، أختك العسولة دي هي اللي أختارته وأنا موافق واللي قاعدين موافقين ومش هنكسر بخاطر القمر دي، عايزة إنتِ مشكلة ليه بقا دلوقتي! 

نظر إليها الجميع بصمت في أنتظار ردها لكن أمام موافقتهُم لم تجد بد من الرضوخ للأمر الواقع، نظر إليها بأنتصار بينما هي رمقتهُ بتوعد وأثناء أنشغالهُم كان هُناك زوج من العيون تُراقب تعبيرات " سما " الطفولية الرقيقة بإعجاب واضح.... 

❈-❈-❈


" منزل سيد " 


في صباح اليوم التالي كان يقف " سيد " يقف بغرفة " خالد " ينظر إليه بغضب وهو يراه يقوم بجمع أغراضه بداخل حقيبة السفر الخاصة بهِ، لم يحتمل الصمت أكثر فصرخ قائلًا:- أنا مش مصدق إنك هتسيبني وتمشي من أول يوم مع البومة التانية دي. 

تنهد " خالد " بتعب من كثرة الشرح الذي شرحه لهُ منذُ البارحة لكنهُ تحامل على نفسه وهتف قائلًا بهدوء خادع:- يا " سيد " يا حبيبي قولتلك أنا مش هسيبك وأستقر هناك، بس أحنا واصلين من أمريكا بقالنا أكتر من 20 يوم وكل دة مروحتش زورت أمي عشان خاطر الحوار اللي حصل دة وأكتر من كدة مش هقدر أبقا أنا وهي في بلد واحدة ومشوفهاش. 

زم " سيد " شفتيه بضيق وبدا كطفل كبير غاضب لكنهُ لم يتحدث، أشفق عليه " خالد " بشدة فهو يعرف سبب غضبه من سفره جيدًا، من بعد وفاة والديه وهو يكره البقاء في المنزل هنا وحيدًا لكي لا يقع فريسة للذكريات، أقترب منهُ قائلًا بمزاح ليخفف من عليه حدة الأمر:- يابني شكلك عامل زي العيل الصغير وأنت غضبان كدة وبعدين ملامحك دي مش لايقة مع شكل جسمك أساسًا. 

لم يجيب أيضًا فتنهد " خالد " قائلًا بهدوء:- الواد " كرم " هيوصلني محطة القطر وهيرجعلك وهيفضل معاك في البيت هنا لغاية مانا ما أرجع وبإذن الله مش هتأخر. 

أومأ لهُ بهدوء فأحتضنه صديقه وودعهُ ورحل حيثُ مسقط رأسه، أستمرت رحلة القطار عدة ساعات حتى غابت الشمس وحل الليل بظلامه الحالك، وكعادة المناطق الريفية كانت أغلب الطرقات مُظلمة والمحال مُغلقة، تأفف " خالد " قائلًا بضيق:- هي عين الواد " سيد " أهو حتى مفيش عربية تدخلني جوة وهاخُدها مشي. 

سحب حقيبته خلفه وبدأ بالسير بالطريق الزراعي الطويل المُظلم، بعد الكثير من السير والأرهاق وصل إلى منزل والدته أخيرًا، توقف أمام الباب الخارجي للمنزل وهو يلهث بتعب قائلًا:- الظاهر لازم أرجع الچيم تاني ولا إيه! 

فتح الباب الخشبي الصغير وسار عدة خطوات حتى وصل إلى باب المنزل الداخلي، ومن الظلام الظاهر من المنزل أدرك أن والدته نائمة الأن، أخرج من جيب بنطاله نسخة المفتاح التي يملكها وكان على وشك أن يفتح بها الباب لكن لم يحدث، حاول عدة مرات وفشل، تأفف بضجر قائلًا بهمس:- هي عين الواد " سيد " رشقت في مفتاح البيت كمان! 


=وقف عندك يا حرامي. 

صدح هذا الصوت الحاد من خلفه وقبل أن يلتفت شعر بشيءٍ ما صلب على رأسه أدرك على الفور أنها فوهة سلاحٍ ما، رفع ذراعيه وأبتلع ريقه بقلقٍ قائلًا:- أستهدى بالله ياعم الحاج أنا مش حرامي. 

هدر الصوت قائلًا بغضب:- متفتحش بوقك يا واكل ناسك. 


=وأنا هاكُل ناسي ليه بس، هو أنا زومبي!


وقبل أن يتحدث الطرف الأخر كان " خالد " يلتفت بخفة وبحركة رشيقة سحب السلاح ليقع أرضٍ ولكن أثناء ذلك تعركلت قدمه بحجرٍ ما أسفله ولشدة قربه من الشخص الذي كان أمامهُ تشبث بهِ ليقعا أرضٍ سويًا، سقط " خالد " فوق هذا الشخص وقبل أن يُدرك ما حدث صدحت صرخة أنثوية من أسفله جعلت عيناه تتسع وينتبه إلى طراوة الجسد المُتسطح فوقهُ، بلحظة كان يُزيح شال الرأس الذي كان يخفي وجهها عن عيناه، كان المكان مُظلم لكن قبسٍ من نور القمر كان يُنير المكان، أسفل نور القمر، بين الخُضرة والزرع، كانت لحظة سريعة مرت عليهُما لم يستطيع أن يتأمل ملامحها حيثُ قاطعهُ شهقة عالية وصوت حاد يهتف بغضب:- يا واقعة سودة، مين دة يابت يا " سعدية "!.... 



يُتبع