رواية للذئاب وجوه أخرى - للكاتبة نورا محمد علي - الفصل الثامن
رواية للذئاب وجوه أخرى للكاتبة نورا محمد علي
الفصل الثامن
نظرات عين أودي الى أحمد وهي تقول: لن اكذب عليك؛ كانت تقولها بهمس وهي تنظر في عمق عينه وباعجابه واضح مما جعل سهام تستشيط غضبا، وهي تنظر لها بحده الا انها تمالكت نفسها، حتى لا تزيد الطين وحلا، ليس من اجلها ولكن من اجل عادل عبد الله، الذي يجلس يشعر بقلبه يعتصر بقبضة قوية وإلينا زوجته تحاول ان تخفف عنه، وهو لازال إلي الآن يستمع إلي كلام أوديل والذي يعد اسوء ما قد يظنه إنسان كان كمن في كابوس لم يتوقع ان يعيشه، او يدخل في هذه التفصيل، لم يكن يتصور أن بكون والده بهذه القسوة، وهذا الظلم وهذا الكذب، ولما لا،وهو من أدخله في هذه الدائرة هو من كان السبب في حياته البأسة و المشتتة الممزقه التي عاشها من قبل كان شارد في افكاره تأخذه وتتركه تجذبه بين شقي الرحي وكأنه قمح يطحن،
أما أحمد لم يعطي بال لتلك النظرة التي تحمل الاعجاب، و التي ترسلها له أوديل بعينها مع همس كلامها، فهو لم يفرق معه نظرات الاعجاب من قبل فهل يفرق معه الان سوء كان اعجابها او اعجاب وغيرها وهو يقول بقوه جعلت سهام تشعر ببعض الطمأنينة
أحمد: لن تستطيعين ان تفعلي، حتى لو حاولت ليس من السهل ان تكذبي عليا ولكن اريد اسمك واسم والدتك وما الى ذلك..
كان يستمع لها وياخذ منها ما تقول من المعلومات يخزنها في خلايا عقله وما أن انتهت حتى هز راسه بخفة ثم نهض يشرف عليها بطوله الفارع، وهو يتحرك الى مكتبه، في صمت لم يسال عادل الى اين؟! ولم تتكلم سهام!! ولكنها نظرت لهم بأبتسامة تحاول تخفيف الجو بها
سهام: تشرب قهوة يا دكتور تشربي قهوة يا يا ايلي هزت
هزت إلينا راسها بالنفي وهي تقول: لا يا حبيبتي ما تتعبيش نفسك..
وعادل اكد على قوله وهو يقول: لا يا يا ام رحيم ما تتعبيش نفسك مش هقدر أشرب حاجة..
نظرت الى أودي تسالها ولكنها هزت راسها بالنفي هي الاخرى مر الدقائق رتيبة عليهم، وأوديل تنظر حولها كمن لا تصدق فخامة المكان رغم انها تدرك ان اخوها او من تدعي انه اخوها يملك الكثير من المال، كما سمعت من امها ولكن ما رأته اكثر بكثير من ما كان يملكه ابوه من قبله، هي نفسها لا تعرف لما اتت إليه هل لتخبره بوجود امه، والتي يجب أن يقابلها ويرها قبل ان تفارق الحياة، ام ماذا ؟! ولكنها ما ان انتهت من تلك الجولة من النظر الى كل ما حولها في ذلك الصالون الفاخر.
وقعت عينها علي سهام التي تنظر لها بقوة ارعبتها، ليست مجرد إمرأه هينة، والف سؤال يمر في عقل أودي وأهمهم هل فعلت شيء، او هل أخطات معها، حتى تنظر اليها بهذه الطريقة!! الا انها لم تدرك انا مجرد ان تنظر الى زوجها بأعجاب فلقد تجاوزت حدودها!
❈-❈-❈
اما هناك في المكتب الذي يبعد عن المكان بما يقارب ١٠ أمتار أن لم يكن أكثر كان أحمد يجري اتصالاته ويتاكد من كل كلمة من كلامها وفي النهاية أكتشف أنها لا تكذب في اي حرف مما تقول، امها حكم عليها بالسجن والتهمة قضية سرقة والخصم فيها زوجها عبد الله السيد الذي أتهمها بسرقت ماله ومحاولة الفرار ومما ترتب عليه سجنها وطلاقه المدني لها وبعد سنوات خرجت من السجن، وبعد فترة وجيزة من خروجها من السجن دخلت إلي مستشفي الامراض العقلية لعدة شهور وبعد عدة سنوات اخري تزوجت وسافرت الى أيطاليا حيث تعيش الأن، فلقد كانت تصدق ان عادل توفى، كما قال والده ولقد عاشت فتره من الحزن، حتى ان هذا كان سبب دخولها الى مستشفى الامراض العقلية، لبعض الوقت بعدها خرجت ألي المجهول حتي انها عملت لوقت حتي تحصل علي المال الذي سيكون سبب لاتترك فرنسا وها هي الطرق تلتقي بذلك الذي ساعدها لتخرج من تلك الدومة، ليكون زوجا، كان جوناثان محبا لها حتى انه قبل ان يترك كل شئ ويغير حياته بكل ما فيها ويسافر معها ليعيش في بلد اخر، وهو يفكر أن يؤسس حياته بعيده عن دولته وقريته فقط ليوفر لها الشعور بالطمانينة والسكينة، وهي بعيدة عن بهرجة الاضواء التي كانت تعيشها في فرنسا، وبعيده عن تلك الحياه التي توجد فقط في المدن الكبيرة، كان متوسط الدخل وحياته بسيطة ولكنها كانت سعيدة معه انجبت اوديل بعد عدة سنوات من زواجها منه، لانها كانت لاتفكر في الانجاب من الاساس، كانت تكتفي بذلك الوجع الذي خلفته الذكرى ما بين الحين والاخر، وكانها تذكرها انها يوم ما حملت ولدا بين يديها لتطعمه حنانها وسلبته منها الحياة كما سلبت منها كل شيء، بعد كل القسوة التي تحملتها من زوجها ليس لشئ الا من أجل طفلها تلقت الغدر وألقيت في السجن، وتركت طفلها ليموت او هكذا كانت تظن، الا ان أتى ذلك اليوم الذي كانت تتابع مع ابنتها وزوجها شاشة التلفزيون، بدون اهتمام في البداية إلي أن أعلن عن المؤتمر الطبي الذي ينقل على الهواء، في عده دول براءه اختراع على نوع جديد من الدواء، سوف يقلب البشريه رأس على عقب، كانوا يتكلمون عن ذلك الدكتور المصري الفرنسي الذي استطاع ان يخترق المرض ويسيطر عليه ويحجمه باشياء بسيطة، ودواء غير مكلف، ربما لان الحاجة ام الاختراع رغم ان هذا الطبيب قالوا أنه مصري الا أن شكله لا يقول ذلك ابدا،يقول انه اوروبي الى حد كبير، كان الكل فقط يستمع ويستمع اما هي تحجرت عينها على شاشه التلفزيون، تنظر اليه بقوة وكانها ترجع بالزمن سنوات العمر وكأن العمر تقلص منها خمسون سنة، وهي تنظر له ترى وجهها فيه ترى شكلها هي، في وجهه وما ان قالوا عادل عبد الله السيد حتى فقدت وعيها وها هي تقع من طولها بعد ان كانت تقف امام الشاشة تحت نظرات الدهشة منهم ولكنها كانت تقترب فقط لتنظر إليه عن قرب، وكانها تشعر انه هناك رابط قوي قوي يربط بينها وبينه، وفي هذه اللحظة التي سقطت فيها أرضا اسرعت اليها ابنتها، تحاول ان تساعدها ان تجعلها تتكلم، نظر اليها هي وجوناثان، وهو لا يصدق ما يسمعه هو من يعرف الماضي بكل ما فيه من وجع وها هو يراه أمامه، وسؤال يطرح نفسه هل يعود الماضي؟! بهذه القوة!! من تلك اللحظة ضلت جوليا شهر كامل لا تتكلم مع أحد وبعد محاولات من اوديل حكت ولكن القصه بدات بعد الحكاية، وقتها قررت أودي ان تتعلم العربية وانت تتقنها، ربما لأن اخوها كان يتكلم بها، وظلت تتعلمها وتدخر المال الذي تستطيع به ان تسافر الى مصر حتي تلتقي مع اخوها الذي عرفته بعد ان صار عمرها على مشارف الاربعين، كل ما قالته اودى صحيح!
لم تكذب في شيء هي اخته، التي اتت بعد عمر طويل لتعرف ان لها اخ، في هذه الحياه لتعرف انه هناك من يجب ان تعرفه ويعرفها ليس لشيء الا لان بينهما دم، رغم انها تختلف عنه كل الاختلاف في العادات والتقاليد والمعتقد، ولكنها ترتبط معه في الدم هي اخته المسيحية الكسوليك التي ربت على عقيدة ومبادئ مختلفة كل الاختلاف عن ما يؤمن به الأن، ولكنها على الاقل ربيت على دين سماوي، وهو الذي تركه والده يعيش في حياته البهمية الى ان اصبح في الثلاثين من عمره او في نهايه العشرينات!!
❈-❈-❈
الافكار التي تعصف في عقل عادل لم تتوقف إلي أن رأي تلك النظرة التي على وجه احمد وهو يخرج من المكتب، كانت تؤكد كلامها كان يهز راسه لعادل فقط، وكانه يقول هي لا تكذب، اذدرت الينا لعابها شعرت بما يشعر به عادل من وجع، وهو صدقها ما ان بدات تحكي عن حياه والده!! ولكن كان لديه شعره واحده خيط وحيد بين الثقه والشك؛ ولكن في هذه اللحظة التي تضاربت الافكار في عقل عادل ومحاولة إلينا أن تقدم له الدعم قبل ان ينهار، او حتى تقترب لتضمه!!
كان الجرس يرن وكانت تلك التي تجلس بهدوء ورتابة تقف مسرعة وأبتسامة تشق شفتيها وهي تتحرك الى الباب لتفتحه، بينما كان احمد ينظر لها بهدوئ وكان لازال يقف على باب مكتبه، الذي اغلقه ولكن ما ان فتحت الباب حتى اخذ ابتسامتها تتسع وهي تنظر له تتحسس وجهه بيديها وهي تلقي بنفسها في حضن ابنها تضمه اليها ، لتعوض لتلك الايام التي ابتعد عنها فيها ، وتعوض ذلك الشوق والذي يسكن احشائها، تحت نظرات ذلك الذي تشتعل الغيرة في قلبه وعقله، وهو يراها تضمه وكانها تريد ان تدخله الى داخل قلبها الذي يسكن هو في، وفي هذه اللحظه قال بصوت جهور رج جدران البيت
أحمد : ما خلاص بقى هو أيه جو العشق الممنوع ده؟! ما تشيل ايدك يا زفت؛ من عليها بدل ما اجي اشيلها نهائي!!
ابتعد وهو يرفع يده بأستسلام وسهام تنظر له بدهشة وصدمة ولكنها لم تعقب، وهي تسال ابنها..
سهام: ازيك يا حبيبي؟! عامل ايه؟! وحشتني قوي؛ انت كويس، انت تمام؟
كان يبتسم لها ويهز راسه فقط، وهو ينقل عينه من بينها الى بين والده، الذي ينظر له بغضب ،وكأنه يقع اللوم عليه، هو يقول
أحمد : أستغفر الله العظيم ما كفاية بقى، ايه هو غاب سنه ده كلها شهر،
ابتسم له رحيم وهو يقترب منه حتي يسلم عليه
اربت أحمد علي كتفه السليم بخفة وهو يقول: مش هاعدي ليك اللي عملته، ازاي تحضنها كده ،!
رحيم : دي امي يا بابا يعني يعني
احمد :مش مكسوف وانت اطول منها كده، عمال تقول امي !!
هنا ضحكت سهام بصوتها كله، غافل عن وجود صحبة وهي تنظر له وهي تعقد ذراعيه امام صدرها وتقول:
سهام: بس حتى لو هو بقى أطول من كده هأفضل امه مش من حقك تغير منه، فاهم ليه؟! لانه الوحيد اللي بحس بالأمان معاه وانت مش موجود معايا!!
احمد: نظر لها بأنفعال
سهام : يا ربي اقول ايه بس؟! ما نقدرش نستغنى عنك؛ يا وحش!!
احمد: كلام!!
وهنا لم يتمالك عادل نفسه وهو يضحك بصوته كله، والينا تكبت نفسها وهي ترى تلك الحرب الباردة بيننا الاب وابنه، وتلك الغير مستعرة بينهم اب يريد من ابنه ان يبتعد عن محيط ذراعي أمه، وابنه يريد ان يشبع من دفئها كأن حضنها سوف يعوضه عن تلك المعاناه، التي عاشها في تلك المهمة..
اما رحيم في اللحظة التي لاحظ فيها وجود صحبه، حتى اعتدل في وقفته وهو يلقي التحيه، ويسلم عليهم ولكن ما أن لاحظ ان الجو مضطرب أو مكهرب كما يقولون، وان هناك شيء في الافق، حتى نظر الى أمه وهو يقول..
رحيم: انا هاطلع فوق
سهام: تمام يا روحي انا هاحضر لك الاكل، عاملة ليك كل اللي بتحبه!!
احمد: اه كل اللي بتحبه، كل حاجه بتحبها، كل انواع المحاشي من ورق عنب للحمام، اطلع بقى خذ دوش وانزل عشان الهانم بقى لها يومين قاعدة في المطبخ علشانك!!
سهام: هو يوم واحد بس،
اما رحيم رفع كفها الى فمه وهو يقبل يديها وجبينها وينظر في عمق عيناها ويقول:
رحيم: تسلم أيديك يا ماما بس ليه تعبتي نفسك
احمد: وما تتعبش نفسها ليه وتدي الخدم اجازة، اصل حبيب القلب جاي النهاردة!!
رحيم وهو على درجات السلم قال: اه يا احمد باشا لو تبطل غيرتك هتبقى الحياة، احلى من كده بكثير!
احمد: ممكن بس لو ما بعدتش عن وشي الوقتي هتبقى الحياة بالنسبة لك احلى بكثير!
ضحكه رحيم وهو يصعد درجات السلم، ولكنه توقف في منتصفه وهو يقول: امال ادم فين؟!
سهام: في التمرين يا روحي،
نظر لها احمد بحدة فتحركت إلي المطبخ وهي تقول: أنا قولت حاجة؟!
ورغم ان مناوشتهم كانت حادة إلي انها أضفت جو من المرح علي قلب عادل الذي كان يشعر بقبضة من حديد تعتصر قلبه وابتسامة ترسم علي وجه إلينا
اما أودي كانت تشعر بالتعجب من علاقتهم التي تعد مختلفة، عن أغلب الناس بالإضافة الي انها لا تصدق أن ذلك الوسيم، أبن ذلك الذي تكلمت معه ولا حتي ابن تلك الصغيرة التي تعد رشيقة القد، وهي تنفي ان تكون أمه فعلا !! ربما زوجة ثانية لذي بغير عليها من طفله. كانت افكارها واضحة!
نظر لها أحمد وهو يحلل ما علي وجهه من أفكار ..
احمد: علي فكرة هي أمه فعلا ومش زوجة تاتية، لأني متجوزش ولا هتجوزها غيرها هي بس كفاية من الدنيا، وزي ما انت شايفة بغير عليها من أبنها وأبني!!
ابتسمت بأرتباك وهي تحاول أن توري خلجها، وعقلها يسأل هل تكلمت بصوت مرتفع وها هي تنفي ان تكون قد فعلت ذلك، الا أنها سكتت
ام عادل نظر الي الوحش وهو يناوله ذلك التقرير، الذي أرسل له من الخارج، والذي يحمل بين اوراقه الحقيقة..
نقل عادل نظرة بين ما كتب في الورق، وبين اخته التي تنظر له بأبتسامة، بينما رحيم نزل السلم الداخلي، بملابس اخري مريحة أكثر، وهو يدخل إلي المطبخ يري أمه ترص الطعام في أطباق..
اقترب يساعدها وهو ويسال عن سبب هذا الجمع، وما أن قالت...
سهام: البتاعة دي تبقي أخت عادل.
رحيم: اختك عادل ازاي بس مش مهم شكلها زعلتك يا قلبي والا ما كنتش قولتي عليها بتاعة!!
سهام: اسكت يا رحيم انا لولا الوضع وحالة إلينا ودكتور عادل، كنت جيبتها من شعرها!!
رحيم: وهو يضع محشي ورق العنب في فمه، وهو يأكلها بتلذذ وعينه تسأل ليه؟!
سهام: اسكت مش عاوزة افتكر البنت عمال تبص لأبوك، من فوق لتحت زي ما تكون بتأكله بعينها، بس صبرك عليا وانا هدلق عليها الشوربة..
نظر لها رحيم بصدمة، ام أحمد الذي ترك عادل يتكلم مع أخته ويسمع منها ما تعرفه وهو يفكر مع الينا عن كيف يعرف اولاده بها او متي يذهب معها إلي حيث أمه وها هو واقف بالباب انفجر في الضحك وعينه تنظر لها بعبث مما جعل رحيم يأخذ أطباق المحشي ويخرج إلي الخارج اما أحمد حاصرها بين ذراعيه وحائط، وهو يهمس بعشق ورغبة تركض في شرينه، وكأنه نسي أن أبنه قد يدخل مرة أخري في أي لحظة، ولكنه لم يهتم وهو يقترب من خدها يمسه بنار ملتهبة وعينه تركض فيها حمم وهو يقول لها :
شكل ليلة أمبارح هتنعاد من تاني بس لازم سهام هانم تحاسب علي المشاريب الأول، وما أن حاولت أن تبتعد حتي كان يأكل شفتيها بخفة، وما ان وقف معتدل يبتعد عنها حتي دخل رحيم وهو يحمحم وكأنه يتوقع ما حدث، او ما كان يحدث !!
رحيم: مامي اخد .ده ؟
سهام: أه، يا قلبي..
غمز لها احمد وما أن خرج رحيم حتي أبتسم لها وهو يقول :ماشي أنا وأنت والليل وأخره !!
كاد أن يتحرك فأوقفته وهي تقول مش هتشيل معاك حاجة
التفت ينظر لها بمزيج من الدهشة والصدمة ولسان حاله يقول:: نعم!!!
سهام: أنا بقول
ولكن الكلام وقف علي لسانها وهي تستمع إلي ذلك الصوت اللي من الخارج ولكنه لم يكن يحمل الفرح والبهجة بل كان يحمل الحزن...
تركت ما في يدها واسرعت حتي قبل أحمد نفسه وهي تسأل في أيه ؟!!
يتبع...