-->

رواية للذئاب وجوه أخرى - للكاتبة نورا محمد علي - الفصل السادس

 رواية للذئاب وجوه أخرى للكاتبة نورا محمد علي



الفصل السادس


تلك النظرة المتعمقه بقوة التي تظهر في عين عادل هو يتفحصها او بمعني أدق، يتفحص انثى لاول مر منذ ما يعادل 25 عاما، لم يفكر يوما ان لا يغض بصره، ولكن تلك التي تتهادى في خطواتها تنظر له بعمق وكانها تنظر الى ناموس الكون، هو نفسه يريد ان يتذكر أين رأها من قبل، وما علاقته بها، او ما الذي يربطها به لتطلب ان تراه بشكل شخصي، ان وجهها وعمرها لا يزيد عن منتصف الثلاثينات، على اكثر الاحتمالات فكيف يكون على العلاقه بها من 25 عاما ماضية او ربما اكثر، هل كان الى هذه الدرجه منحلا؟!
 هل لهذه الدرجة من الانحلال وصل ؟!!
ولكن هل يسال؟!!
 هل هو من يسال؟!!
 انه يعلم انه كان اكثر مما يفكر فيه الان، فلقد كان في احد فترات حياته يتجاوز المجون بمراحل!!
 ولكنها لم تتجاوز منتصف الثلاثين على الاكثر الاحتمالات فماذا يربطه بها؟!!
 حتى تاتي اليه؛ من هي؟! ان ذلك الوجه مألوف لديه ويشعر انه راه من قبل، ولكن اين رأها من قبل؟!!
 هو نفسه لا يعرف، لذي اخذ ينتقل بعينه على تفاصيل وجهها، على غير العادة!! ولكنه مضطر ولانه يخشى ان يحدث الاسواء، ان يكون هناك ما يخشاه او يخجل منها، اشار الى خديجة السكرتيرة حتي تخرج وتغلق الباب وعينه لا زالت تنظر الى تلك التي تبدو ثابتة جامدة، حتى انه لم يطالبها بالجلوس...
ورغم ان كل ما فيها يقول انها أوروبية، الا انها همست بكلمات عربية بلغه هشة ضعيفة كحالها او حال جسدها الهش، الذي يظهر من ملابسها التي لا تعد فضفاضة، ولا تناسب مناخ البلد على الاطلاق..
 اودي :صباح الخير عادل، لقد اتيت من مكان بعيد جدا، عن هنا ومختلف ايضا في الكثير، ولكن لا شيء يهم، المهم ان اراك واتكلم معك، في موضوع خاص...

 نظر لها عادل فحصا وهو يتاكد انه لم يراها من قبل، اخذ يعتصر خلايا عقله، المره المئه بعد المليون ويتأكد انه لم يراه من قبل، ومع ذلك يظهر له بوضوح ان وجهها مألوف لديه، فمن تكون؟!

 عادل: ما هو الأمر الخاص الذي بيني وبينك؟! حتى تاتي لترين!!
أودي: الكثير؛ بيني وبينك الكثير...

 عادل نظرة سخريه تزين الوجه، وهو يرجع في مقعده، يضع يديه على مكتبه ليس لشيء، فقط لانه ان تركها قد يشير لها باسلوب او طريقه غير لائقة، او حتى ينهض ليتطاول عليها، فهي اتت لتكون سبب في بعثرة آمنه الداخلي، ليس لشيء الا لانه يخشي ان تكون من الماضي او ربما لم تكن فيه من الاساس...

 عادل: اريد شيئا واحد من هذا الكثير، الذي لا أعرفه وابدأي بالسبب في قدومك اليا، والأفضل ان تخبريني من انت من الاساس؟!!
نظرت له بأبتسامة كانت سعيدة ففط بسماع صوته ...
عادل : ما الذي يدعوا إلي الفرح في كلامي حتي تبتسمي بهذا الشكل الأبله يا ..هل لي ان اتشرف باسمك؟! يبدو انك تجيدين اللغه العربيه جيدا!
 أودي: اجل اتقنها؛ لقد تعلمتها منذ سنوات، ليس لشئ الا من اجلك دكتور عادل...
عادل : حقا؛ لما؟!! ولما انا مهم الى هذه الدرجه حتى تتعلمي اللغه العربيه من اجلي؟!! يا...
نظر لها مطولا وهو يقول : لم تقولي اسمك ،حتى الان!!
أودي: اسمي اودي..
 عادل: لم يمر علي الاسمه من قبل، من اين انت؟! والأهم ولما انت هنا؟!! وما ذلك الشيء الخاص الذي يربطنا؛ ولا اعرفه؟!
 أودي: وهل تعرف كل ما في ماضيك؟!
 نظر لها مطولا ولم يرد....
أودي: انا من الماضي عادل، فقد كان ماضيك حافلا!!
عادل: ولكني لا اذكرك!!
اودي: ربما مررت في حياتك 
عادل : كفي هراء أنا لم اراك من قبل، لم يكن بيننا شيء!! تستطيعي به ان تاتي الى هنا، لا أتذكر انني شاركتك شيئا من قبل!!
أودي: هل تظن لهذه السبب انا هنا !!
عادل: هل تحاولي ان تخبريني انه كان بيننا شيء من الاساس؟!!
 ابتسمت رغم كل الانفعال الذي ظهر على وجهه؛ وهي تقول: 
أودي: حقا تظن أننا لم نتشارك في شيء؟! وهذا شيء مؤسف؛ من المؤسف الا نتشارك شيء انا وانت؛ خاصه اننا نتشارك في الدم...
 تلك الصدمه التي ظهرت على وجهه وتلك الدوام التي جذبته اليها وهو يفكر في كل شيء، الا ان تكون من دمه؛ ماذا تعني ؟!! هل هي ابنته؟! هل من الممكن ان تكون من احد خليلاته الماضي؟!! ماذا يحدث له!! لقد اتت الدنيا لتلعنه!! بعد كل هذا العمر...
ولكن عقله رجع ليفكر بعمق فان كان لديه طفلة، لما لم تاتي من قبل؟! لما لم يراها؟! ولما لم تطالبه بحقوق أبوته لها ؟!! لما تاتي الان؛ وتطالبه بعد ان صارت في الثلاثينيات، ليس لشيء الا لتنغص عليه حياته، هل اتي الماضي ليصفعه على وجهه؟!! في هذه اللحظه ؛ وفي هذا الان، هل بعد كل هذا العمر!! تاتي طفله له لتخبره انه ابوها؟!! هل دمه ما يربطها به؟!! لذا أدرك لما يشعر ان وجهها مالوف!! انها قريبة ااشبه به !! 
هل هي ابنته؟!!!
 كان ثابت كانه من صخر أصم، ولكنه يشعر بذلك الخنجر الذي ينغرس في قلبه اكثر واكثر!! كلما اخذته الافكار وجذابته واعادته مره اخرى، وهو ينظر في عمق عيناها، كانه لا يعرف كيف يرد او يبرر ؛ او ماذا يقول لها من الاساس؟!!
....
في الوقت الذي كان فيه (رحيم) يأخذ جرعة من العلاج وينهض ليتحرك إلي الباب، نظر عدي في اثره وهو يوقفه ويقول: 
عدي: علي فين؟!! 
رحيم: نعم ؟!!
عدي: اقصد انك تعبان لسه! والمفروض اي خروج ليك هيعرضك للخطر، ولا انت ناسي؟ احنا مش في مصر انت في تركيا ومن كام يوم بس صفيت واحد مش يمكن حد وصل لحاجة  
نظر له مطولا فهو يعلم ان كلامه صحيح، الا أنه لن يبقي هنا، حتي لو كان خطر العالم بأكمله في الخارج، لقد مر يوم وهو بخير، وايضا موجوع يبحث عن الوجع بأبرة، ها هو يظهر برود جعل (عدي) يتحكم في ما كان ينوي قوله وهو يهز رأسه بأسف ..

رحيم: افهم ايه من بصتك دي؟!!
تدخل باسل الذي ظل صامتا من البداية الا أنه قال : 
باسل انت هنا مش ظابط ومش رجل أعمال انت لو انكشفت تبقي مجرم، ومش هتعدي بالساهل، هيبقي تصفية عشان مشاكل شخصية، والبلد نفسها اللي هتنفي مسؤوليتها عنك، ومش بعيد تبقي مجرم في نظرهم وسيدته اللي هو الوحش اول واحد هيدينك في العلن، حتي لو يضطر يعمل المستحيل عشان ترجع في السر يبقي العقل بيقول ايه،!! 
عدي: نبعد عن الشر ونغني ليه، اي يكون السبب اللي مخليك عاوز تنزل، ملوش لازمة يا سيادة الملازم اول، انت بعد المهمة دي وارد جدا انك تترقي لنقيب الشهر الجاي، ولا ايه؟!

رحيم : مخنوق ومحتاج أشم هوا!!

نظر باسل إلي رحيم ثم إلي عدي وهو لا يعرف ماذا يقول له ...
رحيم : مش اول مرة ازور تركيا سياحة، فمش هغلب واكيد كوني بالمواصفات اللي انت بتقولها، يخليني أخرج من اي ورطة فلو خلصت كلام يبقي اقدر انزل ...
باسل اكيد بس ممكن تاخد جاكت،
رفع غطاء الراس الخاص به ليربه اياه!! 
عدي: تمام يبقي خلي بالك من نفسك 
رحيم: حاضر يا مامي!!
ضحك الاثنين بينما هو اختفي من أمامه، حتي ان واحد منهم اتجه الي الشارفة لينظر من خف الزجاج إلي الشارع ليجد لا اثر له!!
ام هو تاه وسط الزحام وكانه واحد من هؤلاء البشر الذي يتجاوز عددهم المئات بل الالاف، ولكنه تحرك الى وجهته، لقد وصل الى بيتها او بمعنى اصح الشارع المقابل لبيتها ينظر الى ذلك الزجاج الشفاف، ليراها تتحرك داخل البيت، على غير هدى تقف في المطبخ تارا وتتحرك إلي الصالة تارة اخري وهو يتابعها من حيث هو في الجهه الاخرى للطريق، ينظر لها بعمق وكانه يمني نفسه، ان يراها او يكون معها، ولكن هو نفسه يتسال لما هو هنا؟!! 
والاسوء ماذا بعد؟!!
 عليه ان يرحل قبل ان يراه احد!! ولكنه اخذ يمني نفسه ان تخرج الى الشرفه؛ فقط حتى لو كانت سوف تغلق الباب المفتوح ليري طيفها الذي يداعب خياله، منذ راحل عن بيتها في اليوم الماضي، وكان السماء مفتوحة، وأستجاب الله لدعائه، اخذت ذلك الكوب لترتشف ما به في الشرفه الضيقه بعض الشيء، أما هو تاه في تفصيلها وقف حيث هو ينظر لها وهي تنظر امامها وتفكر فيه و في ملامحه التي حفظتها عن ظهر قلب ، ولكنها لا تعرف انه ينظر لها وأبتسامة تداعب محياه!!
 وهو يتعمق في النظر إلي عينها كأنه يتاكد من انها لم تخرج الى الان، لم تذهب الى عملها، كما يمني نفسه، وما ان رفعت عينها تنظر الجهه الاخرى من الشارع، حتى صدمها ذلك الذي يقف أمامها، اخذ تنظر اليه بلهفة وهي تحاول أن تدعك عينيها وأعادت النظر مره اخرى، ولكنها لم تجد شيء امامها لقد اختفى، هل تتخيل !!
 هل هو هنا حقا؟!! اما هي فقط تفكر فيه!!
 تنهدت بحزن واخذت كوبها ودخلت الى شقتها، تتكوم على فراشها علا االنوم يريحها ولكن اين هو النوم؟!!
❈-❈-❈
اما هو تحرك ليعود يكتفي بأن يلمح طيفها، وها هو يتنزه مثل أي سائح عادي، يشتري اشياء تذكارية وهداية وما أن وصل إلي البيت وجد عدي يتسال لما تأخر ؟!!
رحيم: ابقي فكرني لما ارجع مصر؟!!
عدي: تعمل ايه ؟!!
رحيم: أطلقك..
بهت وجه (عدي) ونظر إلي (باسل) الذي يحاول ان يكتم ضحكته..
عدي ببعض الغضب قال: نعم 
رحيم: اصل لو مراتي هتقف تستناني كده، وتسأل بالطريقة دي هطلقها ، تصبحوا علي خير وتحرك إلي الغرفة ثم وقف مكانه... 
باسل : في حاجة؟!! 
رحيم: نسيت اشتري موبيل وعاوز اكلم البيت.، في حد معاه موبيل خاص ...
عدي بما انك هطلقني يبقي سوري
 
ضحك رحيم وهو ينظر له اما باسل أعطاه تلفونه ابتسم له  
 
 ابتعد رحيم خطوة واتصل من الهاتف استمع إلي صوت امه وهي تقول برسمية 
سهام: سلام عليكم 
رحيم عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مامي 
ابتسم عدي وهو ينظر إلي باسل ويهمس: ظلمته انا قولت هيكلم المزة
اما سهام ما أن سمعت صوت رحيم حتي قالت : 
 لا فيك الخير لسه فاكر تطمني بعد ما كلمت ابوك ..
رحيم: يا قلبي انا كلمت سيدته بصفة و وظيفته، وكلام رسمي علي الخط الامن، لكن انت يا قمر بكلمك اهوه وطمنك يا روحي 
سهام: لا زعلانة منك، انا لو روحك بجد كنت اتصلت بيا من بدري ..
رحيم: انت روحي وقلبي، بس لو أحمد بيه سمعنا هيصفيني في ميدان عام، ويقولي ايه جو العشق الممنوع ده 
ضحكت سهام بمرح وهي تقول: طيب افتح الكاميرا 
رحيم: مش هينفع يا مامي بابي هيبيتني بر البيت ياله يا قلبي هقفل عشان مش تلفوني..
باسل: لا ولا يهمك خد وقتك ... هز رحيم راسه واستمع إلي امه التي تقول..  
سهام: خلي بالك من نفسك. 
رحيم : حاضر.  
سهام: لا اله الا الله ..
رحيم: محمد رسول الله؛ بوسي أدام وبابا ..
سهام: لا يا حبيبي؛ ابقي انت بوس ابوك؛ أصل ابوك هيعمل مني بطاطس محمرة ..
صحك بصوته كله، وهو يقول: عملتي ايه ؟!!
سهام: ولا حاجة كنت قلقانة عليك.
رحيم: ممم دخلتي علي البار كود بتاعي!!!  
سهام: ايوة وابوك عرف ، ويومي هيبقي طويل، ياله باي اصله جاي!!
رحيم : من امتي سو هانم بيخاف..
سهام اصلك ما شوفتش الوحش اللي انا شوفته ده كان هيكلني 
رحيم: طيب خالي بالك بيقرأ حركة الشفايف علي بعد ١٠ أمتار ..
سهام اقفل واغلقت الخط، اما احمد نظر لها وهو يقول بهمس دون صوت: 
من ناحية هاكلك فأنا هاكلك بس لما نروح ...
اما هناك كان رحيم يعطي الهاتف إلي باسل بعد أن حذف الرقم من كل البرامج 
باسل اكيد مش هتصل بولدتك 
رحيم هههههه تتصل بمين بسهام هانم المدير التنفيذي لديب جروب عشان أحمد ببه يفطر بيك ده انا ابنها و... وضحك وهو يتحرك إلي غرفته..
عدي: انت بتقول ايه؟! ده مفيش خد في القطاع ما يعرفش؛ ان والده بيغير علي والدته بجنون، وكمان مامته خبير تشفير واتصالات اكيد بتهزر!!!
  اما هناك كان عادل يقف جامد يستمع لها وكلامها الذي لا بمت للحقيقة بصلة من وجهة نظرة فما الذي تقوله هو متأكد من انها ليست ابنته ،ماذا تعني بأن امها إلي الآن علي قيد الحياة، ما كل هذا الهراء 
وما أن وقف ليقترب منها لم تنتظر وهي تلقي بنفسها في حضنه وهو ينظر إلي شعرها وقد تجمد وجهه وعضلاته وهو يستمع إلي همسها،
أودي اشتقت اليك ... 
همسها الصادق وكلامها عن أشياء كثير وتاكيدها على وجود دليل بالإضافة إلي استعدادها لأجراء الدي ان ايه DNA...
 جعله يتركها تستكين في حضنه, 
في اللحظة التي فتحت قيها إلينا الباب، وهي تقف جامدة تنقل نظرها بين عادل وتلك التي تضمه كأنها لم تعد تقوي علي البعد !!!
يتبع...