-->

رواية للذئاب وجوه أخرى - للكاتبة نورا محمد علي - الفصل الرابع عشر

رواية للذئاب وجوه أخرى للكاتبة نورا محمد علي



 الحلقة الرابعة عشر 

للذئاب وجوه اخرى


مهما حاولت أن تخفي افكارك، قد تظهر على صفحه وجهك، إن كنت شخصا عاديا، ولكنه لم يكن شخص عادي رغم كل هذه الصراعات في داخله، وتلك الحرب في قلبه وعقله وهو يخشى على ابنه ان يخطوا الى المجهول أو بمعني أصح الى الممنوع، وهو يفكر ان هذا التغيير الكلي والجزري ليس لانه قام بعمليه تصفيه وليس لانه في بدايه الطريق، فهو يتدرب على هذه الاشياء منذ زمن، ورغم أن قتل النفس لس هين، وأحمد نفسه يدرك ان قتل نفسه صعب وخاصة في أول مرة، ولكن حينما يكون لديك مبررا ومبررا قوي، فلا يجب ان يحمل رحيم ذلك الوزر على كتفيه لفتره طويله، إلا أن تلك الدائره التي يخوض فيها رحيم منذ فترة، وكأنه يتخبط في بحر عتي، كانت سببا قوي ليجعله يفكر ويبحث خلفه، حتى انه ارسل من يتابعه سواء كان في قبرص أو تركيا وكأنه متأكد انه سوف يذهب هناك، وهو يمني نفسه ان يخيب ظنه لأول مرة، يتمنى ان يخيب ظنه في شيء متأكد منه، يتمنى ان لا تجد الحراسة التي خصصها له شيء، يكون سببا في تعكير الدنيا وتغيير الحياة، إلا أنه لا يدرك ان القادم قد يكون أسوء!!

أقترب رحيم من المكتب يطرق الباب وهو يبتسم لوالده ربما تكون ابتسامة عادية إلا أن ما قرأه أحمد على وجهه كان كثير، ولكن ربما لأن الوقت تأخر أو لأن سهام حاولت أن تستبقيه، مما جعله يتأخر علي ياسين، الذي أختار هذه اللحظة ليرن على محمول رحيم رفعه ينظر الى رقم زوج عمته، ولكنه ابتسم لوالده وهو يقترب منها، ضمه أحمد وكأنه الدنيا في حضنه، فهو بالنسبه له يعادل الدنيا، ولكن في لحظه قد يجب عليه ان يظهر له وجهه الآخر، ان يعاقبه ويؤدبه ويرجعه الي الطريق الصحيح، يدله على درب الصواب، ومن يستطيع ان يفعل ذلك غيره هو، إنه لن يقبل من غيره ان يوجهه، أو يهينه أو أي شيء على الاطلاق..

 نظرات عين رحيم لوالده كانت كأنه يأخذ منه الدعم، اربت الوحش على كتفه، وهو يقول..

أحمد: أنا عارف أنك قدها، وعارف أنها أسهل عليك من غسيل سنانك، بس برده لازم أوصيك الحذر والحرص، وبلاش تأمن لأى حد، انت الشخص الوحيد اللي لازم تثق فيه..


 وقفت سهام بالباب وهي تقول: شكل الأدوار أتبدلت، كنت إنا اللي باقول كده، وكنت بتقول ليه أنت خايفة عليه ازاي؟! ده رحيم الديب ولا أيه؟


 أحمد: وعشان هو رحيم الديب، لازم يعرف هو أيه، لازم يعرف هو مين، ويعرف أني ما وصلتش لده من فراغ وصلت بتعب وجهد وتدريب وثقتي في نفسي قبل ثقتي في الظروف وسهولة المهمة..

 هز رحيم راسه وهو يقبل كف والده وتحرك ربما هذه الحركه البسيطه اكدت لأحمد ما يفكر فيه، نفور رحيم منه ليس بسبب العمل، أومن تلك المهمة، نفور رحيم مبني على شيء اخر، يعرف ان هناك ثغره لم يصل اليها، ولكنه بعد حضن سريع لامه تحرك الى الباب وهو يقول...


رحيم: لا إله الا الله.

 سهام: محمد رسول الله.

 وكذلك أحمد ولكنه ردها دون صوت كان قلبه يتحرك مع ابنه الذي يعلم جيدا لانه مشدد لن يستطيع ان يخرج من تلك الدوامة الا اذا خاض حرب اخرى، كانت اقوى منه، ولكن هل سيخيب ظنه، ربما وربما تكون هذه المره الاولى التي يشعر فيها احمد بانه يتمنى ذلك!

 أبتسم إلى سهام وهو يقول...

أحمد : هتفضلي بصي على الباب لحد امتي؟ هو زمانه دلوقتي في نصف الطريق.

 التفقت له واقتربت منه تضم نفسها الى صدره، وكأنها تبحث عن الدعم، تبحث عن السند! وأي سند غيره قد يكون لها..

 أحمد: ما تخافيش اطمئني هو قدها وانا مش سايبه لوحده..

 نظرت له بأستفسار إلا إنه لم يضيف حرف آخر..

❈-❈-❈

 اما هناك كان هو يستعد يرتدى ملابسه، يقرا البيانات وبعض الاشياء الاخرى، وهو يتكلم مع ياسين في الاساسيات ويتناقش في كل شيء كما اعتاد دائما، نظرات ياسين له كانت تحمل الفخر والمحبة، وبعد ما فعله معه هو وجودي زادت مكانته اضعاف، هو لم يتحمل ان يلتع قلبه ويتالم وهو يدرك انا والده كان يتعامل بالانا الخاصة به وبمكانته..


ياسين: الموضوع سهل بس لازم نركز انت عارف الوحش أكتر مني والغلطة في الموال ده معناها موته..

 رفع رحيم عينه عن ما يقراه ينظر الي قائده وابتسامه ترسم على وجهه وهو يقول..

رحيم: أطمن أنا فاهم كل اللي انت عايز تقوله.

 ياسين: انت مش فاهم لو حصل اي لبس او اي غلط في الموضوع لازم تفكر في نفسك بس، انا هاعرف اخلص نفسي فأعتبر انك لوحدك في المهمة، المطلوب منك أعمله حتي لو انا في ورطة لأن انا هاعتبر اني لوحدي في المهمة يعني بيا أو بيك هنفذ المطلوب..


 ادرك رحيم ما الذي يفكر فيه ياسين هو لا يريد ان يضع عبئ فوق كتفيه يطلبه ما أن يبعثر الوسط عليه الفرار والسبب الأهم لكل هذا الهراء إنه لن يستطيع ان يواجه والده، أن حدث له شيء..

 رحيم: هو حد قال لك ان انا لسه في KG ولا انت ناسي اني في العمليات الخاصة، لو بتفكر بالطريقة دي لان المهمة كبيرة، لازم تعرف ان انا واثق فيك زي ما واثق في نفسي وبعد اللي انت بتقوله دلوقتي، الوحش عارف كويس هو مربي مين بس لو حصل اي حاجه انا كده كده بأعرف أختفي، يعني مفيش حد هيلومك 


 ياسين ابتسامه على وجه وهو يربت على كتف رحيم 

ياسين: ماشي ماجيك خلصنا كلام واتفقنا على النقط مهمة ومن اللي اللي انا حاسه انك مش هتلتزم بالنقطه الأخيرة، اللي طلبتها منك، بس لازم تفهم اني انا القائد هنا وكلامي لازم يمشي..


رحيم: طبعا انت تؤمر بس يلا ميعاد الطيارة كمان ساعة

أبتسم ياسين وهو يتحرك معه مع بعض العناصر ولكنهم لن يجلسوا معهم في نفس المكان، حتي أن رحيم سيكون في مقعد بعيد عنه، وكأنهم لا يعرفون بعض من الاساس...

❈-❈-❈

بينما كان عادل يجلس بجوار أوديل في طائرته الخاصة، المتجهه إلي إيطاليا من أجل تلك اللحظة التي انتظرها منذ أن تلكم مع أمه لأول مرة، كان بنظر أمامه يبدوا ثابت إلا أن ابتسامة تشوق ولهفة كانت تظهر علي وجهه، وكأنه لم يعد يقوى على الصبر، لم يعد يتحمل طول الفراق كانت الايام الماضيه تمر عليه كانها سنوات، إلا إنه الأن وفي هذه اللحظه سوف يلتقيه معها، بعد قليل سيكون في حضنها كما تمنى، منذ القدم منذ كان طفلا، تربي علي انه يتيم الام، رغم انها هي ترزق، ورغم كل ما سعر به قديم وما شعر به عندما عرف الحقيقة لم يقوي علي أن يدعي علي والده، لانه فعل به وكأنه كل هذا، لقد بعدها عنه في الوقت الذي كان يحتاج الى حنانها ودفئها، وهو الأن يشعر أنه طفلا مرة آخرى وكأنه رجع بالعمر سنوات، وهو ينتظر ذلك الحضن الدافئ، الذي ستغمره به، وتلك اللحظة التي ستكون بين ذراعيه، يمني نفسه تحت نظرات أودال التي تبتسم هي الاخرى، لما يظهر على وجه اخوها، ولم تعد تقوى على الصمت او الهدوء من اجل ما يعتمل في داخله، فهو في الآيام الماضية كان يتكلم مع أمه كل يوم وكل لحظه وأي وقت فراغ يفتح كاميرا الفيديو، كي يراها وتراها ولولا تاخر الاوراق الخاصة بأوديل، لكن سافر وتركها فيها مصر، الا أنه أثر أن يأخذها معه ليكونا معا في نفس الوقت ونفس اللحظة، فهي السبب الاساسي في ذلك الشعور الذي يعتمل بداخله، هي السبب في معرفته أن امه لازالت على قيد الحياة، اخرجته من شروده وهي تربت على كفه وهي تقول:

أوديل: اقترب الوقت اخي الان سوف ترها وترك وجها لوجهه 

أبتسم عادل وهو يهز رأسه يرفع كفه ليعود ترتيب شعره وهو ينظر لها كأنه ينتظر رأيها ابتسمت وهي تقول

أوديل: أنت وسيم أخي واه لو لم تكن أخي ما كنت تركتك لحالك ولكن هناك شى متغير اليوم؟

عادل: ايه ؟

أوديل: عينك تضحك هل تصالحت مع أيلي؟

نظر لها بطرف عينه وهو يرجع بتفكيره الي ما حدث قبل ساعات وهو نفسه لا يصدق كم الشغف واللهفة التي أجتاحها بها بعشق ولهفة ورجولة بينما أفكاره تأخذه الي تفاصيل التفاصيل التي كانت بينه وبين حبيبته.. سكتت أوديل وقد أدركت أن الصلح قد تم بينهم ..


بينما كانت جوليا تنظر الي الساعة كل دقيقة تقريبا، حتي أن جوناثان نظر لها بشفقة فمن يلومها لقد عاشت عمر كامل تظن ابنها رحل، عاشت عمر تفكر انها من أهملت فيه وكانت النتيجة موته، لقد حملت وزر لم ترتكبه حتي انها قررت ان لا تحمل منه إلا بعد سنوات، كانت تردد انها لا تصلح لأن تكون أم من الاساس، فلقد كانت سبب لكل تلك المأساة، رغم انها في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عنها، هي الضحية ولم تكن الجاني كما كانت تظن..

 هي من وقع عليها الاذى والضرر هي من سجنت ظلما وعانت الامرين، ولكنها لن تقوى أن تقول ذلك لأبنها مرة اخرى!!

فهي تعلم كم هو يتألم دون صوت فهو المشتت بينها وبين والد الراحل، الذي يعرف جيدا انه مخطئ في كل شيء مضى، ومع ذلك لا يستطيع أن يلقي عليه اللوم، لا يستطيع أن يفعل شيئا إلا أن يطلب له الرحمة والمغفرة حتى و أن كان لايستحق المغفرة فهو لم يختار والديه..

 نظر لها جوناثان بشفقة من تضارب الأفكار على وجهها، الذي كان واضح وضوح الشمس، فاراد ان يخرجها من تلك الحالة التي هي فيها...

 جوناثان: هاي جوليا ألن تطعمي عادل حينما ياتي؟ ألم تنظري الى ذلك الطعام في الفرن؟ ربما حدث له شيئا..

 أبتسمت وهي تنهض لتنظر الى ما أعدته من أطعمه كثيرة، تدخل في قائمتها وكلها لحوم ذبحت على الطريقه الإسلامية كما يقولون، ابتعدت عن كل شيء محرم عن المسلمون، حتى انها عدت عصيرا فريش من اجله، فيبدو ان ابنها متدين، وهي سعيده بذلك..

وتشكر الرب انه ليس مثل ذلك العربيد، الذي تزوجته وكان نتيجة زواجها منه عادل..

أخذت تتحرك في المطبخ تعد أشياء وتفعل أخرى طلب منها جوناثان أن يساعدها وهو يشتت تفكيرها يسالها عن أشياء، وهو يحاول ان ياخذ من ذلك تلك الاطعمة يتذوقها

بينما هي تبتسم له بين الحين والاخر حتى مر الوقت..

 في اللحظه التي توقفت فيها الطائرة وحطت على ارض المطار الذي يعد قريبا نسبيا من المنطقة الريفية التي يقتنون بها، كان هو يحاول ان يتمالك نفسه، بينما مديري اعماله ينهون الاوراق والاشياء الخاصة به باخته، التي تشعر بدهشة وبأستغراب من هذه المعاملة التي تعامل بها لأول مرة!!

 لمجرد انها تخص عادل لم تكن تتوقع ان اخوها بهذا الوضع، او هذه المكانه فالكل كان يرحب به سواء بصفه رجل أعمال يعد له مكان عالمية، بالاضافه إلى أنه دكتور في التركيب الكيميائي، وله مكانه علمية بارزة في المجتمع، وما ان خرجوا من المطار كانت هناك سياره فارهه تنتظرهم، اقلتهم الى البيت، وها هو يشعر بالترقب والقلق والفرح والسعادة مزيج من الأفكار داخل قلبه تموج وتفور وتثور وتظهر على صفحة وجهه الوسيم..

 وهو لا يعرف كيف يخرجها من داخله أو يتحكم فيها، بينما مدت اخته كفها تربت على يده، ففتح فمه ليقول:

عادل: لا اصدق انني هنا، لا أصدق أن بعد بضع دقائق ساكون في حضنها، حاسه بي؟!

 بلاكنا خفيفه تحاول ان تتكلم مصري: ايوة عادل اشعر بك..

 ابتسم له وهو يمد زراعه ليقربها منه يضمها ضمه خفيفة بينما يقود السائق السياره بسلاسه حتى وصلوا الى البيت..

 في اللحظة التي توقفت فيها السيارة كاد قلب جوليا ان يتوقف عن النبض، هل حانت اللحظة ؟هل اتت اللحظه التي ستره فيها بعد 50 عام؟ هل بعد خمسون عاما قد تستطيع أن ترى ابنك ؟ الذي لم تراه من قبل!!

 كل خطوه كانت تخطوها اليه كأنها تخوض مارثون، وكأن فوق كتفيها حمل كبير، اكبر من الزمن نفسه، بينما هو كان ينزل بلهفة ولكن تلك لهفة وهذا الشوق تجمد فيه، كما تجمد النفس وهو ينظر الى امه على بعد امتار يكاد قلبه يخرج من مكانه بينما قدمه لا تقوى على أن تخطوا خطوة اخرى، دوامه من الافكار والمشاعر واشيائ كثيرة في قلبه وعقله، إلا أنه كان ثابتا؛ رغم ذلك البركان الذي يثور ويفور بداخله، في هذه اللحظه في هذه اللحظه فقط..

 رغم كل ما عاناه من والده شعر انه يكرهه، بعد كل ما عاش هو من قبل، كان يجد له عذرا الا ان هذه اللحظة التي تأخرت سنوات، جعلته يشعر انه غدر به وظلمه، وكان سببا لمعاناته وتمزيقه وتشتيته وافكاره السلبية، التي عاشها لقد كان السبب في كل تلك المعاناة، التي كان هو جزء منها ولكنه كان يبحث له عن عذر، اما الآن لم يعد يجد له شيئا..

 اخذته الخطوات إليها ليقترب منها، تقلصت المسافه رغم كل الافكار التي تدور في داخلهما ولم يعد يقوى على الصبر، وهو يجذبها برقه الى حضنه، يخشى عليها من نفسه، يضمها بين ذراعيه وهو يقبل منبت شعرها .


 ويهمس بصوت محمل بالمشاعر والانتماء 

عادل: ماما.. 

وكأن ماما فقط تكفي، وبعدها كان يتكلم بالفرنسية، عن الشوق واللهفة 


ورغم أنه رأها عبر الشاشة إلا أن ذلك لم يكن شيئا يذكر، أمام ما شعر به الآن، فان يتكلم معها عبر الهاتف لا شيء مقارنة بهذه اللحظة التي كانت الدنيا تتوقف فيها، وسكنت الساعات وتوقف الزمن، وعيونه ينهمر منها الدمع، وكأنه لم يعد يقوى على الكلام وهو يقبل راسها وخدها وكفها، وهي تنظر اليه بفرح وسعادة وكأن الدنيا تتجسد امامها، فيه هو وهو فقط!!

يتبع...