-->

رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني - بقلم الكاتبة شيماء مجظي - الفصل الثامن عشر

 

رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 

بقلم الكاتبة شيماء مجدي



الفصل الثامن عشر 

رواية

مشاعر مهشمة

الجزء الثاني



إنعدام الضمير سريعا ما يتمكن من مرتكبو الذنوب، شيئا فشيء مع تكرار كل ذنب، ينتقص جزءٌ من إحساسهم بتأنيب الضمير، إلى أن يُشاع في نفوسهم الفجور، ويقبلون على المعاصي، والأفعال المشينة بقلوب ميتة، حتى تنتشر وتسود العتمة من النور، وينبجس ما هو مدفون بداخل القلوب من سواد حالك وشرور، قادته خسته، ودناءته، إلى الذهاب إلى بيت أخيه، متظاهرا بقيامه بالواجب الذي تحتم عليه فعله، كون أخيه تعرض إلى حادثٍ عرضيٍ أليم، وكأخ له؛ يتوجب عليه زيارته للاطمئنان على احواله، ولكنه في قرارة نفسه يعلم أنها محاولة أخرى للضغط عليه، حتى يردع له، وينفذ رغبته، في مطلب لا يحق له، فزيارته الودية، لا تنم إلا على مكرٍ ولؤم، من شخص اعتاد على تزيين الأذى، كما الحال في العسل الذي يُدس فيه السم، ضغط ضغطة واحدة على جرس الشقة، وانتظر ريثما يُفتح له الباب، وكما توقع أن يظهر له واحدة من اثنتين، زوجته أو والدته، كانت المرأة الماثلة أمامه لا يتخطى عمرها الخمسة وعشرون عاما، بدون أي تفكير توصل إلى هويتها، وقبل أن يعرف عن نفسه، سألته بتعجب من صمته الذي دام للحظات منذ فتحت الباب:


-مين حضرتك؟


وهو محافظ على وقفته السامقة، وهيمنته الطاغية طغيانا واضحا، أجابها بصوت مشبع بغطرسة لا تخبو من صوته:


-عاصم، عاصم الصباحي.


لاحت المفاجأة على وجهها، وعلى الفور علمت بالصلة الجامعة بينه وبين زوجها، كونه أخبرها من بداية زواجهما بحقيقة نسبه، وإلى قصة حياته التي لم يسردها على أي أحد سواها، ظلت تناظره في دهشة صامتة من مجيئه، ف"عز الدين" لم يقل لها شيء عن مقابلتهما، ولا ما دار بينهما من مساومة دنيئة من قبل أخيه المزعوم، فاقت من تفكيرها الشارد، على صوت والدة زوجها، آتيا من خلفها، سائلة إياها باهتمام:


-مين يا زينة؟


أدارت جسدها لها، بينما كانت تتقدم منها، ولا يفرق بينهما سوى بعض السنتيمترات، حولت نظرها تجاه الآخر في غرابة من صمت الأخرى، وأمارات الصدمة الظاهرة على محياها، وعندما أبصرته تعقدت ملامحها الهادئة وهي تتمعن النظر به، وقبل أن تسأله عن هويته حتى لاحظت الشبه الكبير بينه وبين زوجها السابق، خفق قلبها عند تذكرها لهيئته، وجحظت بعينيها في تشكيك حوله، عندما ذهب فكرها نحو احتمالية كونه ابنه، ولسانها راح على فورها ينطق باسمه باستشفاف:


-عاصم؟


جرت عيناه بنظرة سريعة على وجهها، رائيا لمحة جمالية لوجه جار عليه الزمن، لم يخفَ عنه أثناء ذلك بؤسها المرسوم، والمحفور، في خطوط وجهها، والانطفاء المتفشي بعينيها، ولكنه لم يستطع إخفاء ضيقه من وقوفه أمام المرأة؛ التي خان والده والدته معها، وأنجبت له أخا سيتسبب في تلطيخ سمعتهم بقاذورات الماضي، التي عمل بقصارى جهده على دفنها، وجعل الثرى يواريها، حمحم بعد مرور بعض اللحظات التي قضاها في النظر إليها، وحاول محو الكراهية والنفور اللذين شاعا في تعابير وجهه، وأومأ بهزة بسيطة من رأسه بالإيجاب، تبعها قوله وهو على حالة الجمود المتعجرفة:


-أنا جاي أسأل على اخويا، هو مش حصله حادثة برضه؟


هزت رأسها عدة مرات سريعة متتالية بالإيجاب، وأكدت على تساؤله ورحبت به في تعجل متلهوج بعض الشيء:


-ايوه، اهلا وسهلا بيك.


تقوس فم "عاصم" بشبح بسمة هازئة بالكاد ظهرت، وهو يعلق ببرود متهكم:


-من على الباب كده! مش هتسمحولي ادخل ولا إيه؟


تنبهت مدارك "أمل" إلى عدم دعوته إلى الدخول، تحركت إلى الحانب مفسحة له المجال للولوج، وأشارت له بيدها إلى الداخل وهي تقول له في تلهف يحمل الأسف:


-لأ ازاي ده بيتك اتفضل ادخل، متأخذنيش بس من مفاجئتي بيك.


هز رأسه في تفهم وهو يدلف إلى الداخل، مرر عينيه على أساس المنزل، كان راقيا، ومنظما، عكس ما دار في خلده من تخيل عن أثاث منزله، كونه متواجد في بقعة شعبية، يفوح منها رغئحة الفقر، ولكن على ما يبدو أنه يعتز بتواجده في ذلك المكان، حتى بعدما تحسن دخله، بعد مزاولته لمهنة التطبيب، حول عينيه نحو "أمل" وهي تقول له من جواره:


-اتفضل من هنا.


هم بالتحرك نحو المكان المشار إليه، وهي إلى جواره، وتبعتهما "زينة" بعد إغلاقها لباب المنزل، بعد ان طرقت "أمل" على باب غرفة ولدها، دلفت بتريث وهي تسكتشف صحوته من عدمها، وجدته موجها بصره نحوها، وهو ممددٌ على الفراش، دلفت بوجهها البشوش وابتسامتها الطيبة، بادلها بابتسامة صغيرة هادئة، سريعا ما خبت عندما خطا "عاصم" بقدمه داخل الغرفة، وظهر إلى الآخر بشحمه ولحمه، توسعت عيناه في جحوظ، وظهرت الصدمة جلية على ملامحه التي شُدهت من مجيئه، قابل الأول ما طرأ على محياه من تفاجؤ واضح بوجوده؛ بهدوء مشبع باللؤم الذي يندلع من نظراته، وبصوت يحمل التريث قال له وهو يتقدم نحو سريره:


-مساء الخير يا دكتور عز.


ازدرد مرارة حزنه مما تعرض له من صنيعه، وتحامل على نفسه وجع قلبه، ورد عليه بوجه عابس وصوت مقتضب:


-مساء النور.


انفرجت شفتا "عاصم" ببسمة متشفية، فقد تراءى له البؤس المعتري وجهه، واستنبط أنه راجعا إلى ما فعله به، أمسك بمقعد خشبي وقربه إلى فراشه، ثم جلس عليه وبود زائف أخبره:


-شدة وتزول، لازم تاخد بالك بعد كده وأنت سايق عشان الحوادث اللي زي دي بتتكرر كتير.


كلماته الموحية أثبتت إلى "عز الدين" أنه آتيا حتى يشهد كسرته، ويظهر شماتته، وليس ندما منه على إيذائه، الذي طاله تعسفا وظلما، أراد ان يستخدم نفس طريقته اللئيمة في الرد عليه، وبكلمات ذات معنى قال له:


-أيوه طبعا، والمؤذين كتير، بيطيحوا في اللي قدامهم من غير مايراعوا حد، ولا يحسوا بتأنيب ضمير على أذيتهم لحد.


تعحبت كل من والدته وزوجته من كلماته الغريبة، والغير واضح المقصود منها، وفي حين آثرت "أمل" الصمت وهي تتابع الحوار القائم بين ابنها وأخيه، انتبهت هي والآخران إلى تساؤل "زينة" الموجه إلى زوجها، مستفسرة عن مقصد ما قاله:


-قصدك على مين يا عز؟


أشاح بنظراته الذي كان يعلوها بعض العتاب، الذي لا يعلم أنه لن يؤثر في الآخر، ووجها إلى زوجته وهو يجيبها بإيجاز مراوغ:


-على السواقين يا زينة.


رغم غرابتها من طريقة تلفظه لتلك الكلمات، إلا أنها لم تعقب خاصة في وجود أخيه، التفتت برأسه ناحية والدة زوجها التي ظهر التعجب على محياها هي الأخرى، فعلى غير المتوقع من ابنها، لم يحسن استقبال أخيه، ولهجته كانت فاترة نوعا ما، وفي تلك الأثناء عم الصمت الغرفة للحظات، وحتى لا ينتاب "عاصم" شعور بعدم ترحيبهم بوجوده، سارعت "أمل" في مخاطبته، وبترحيب مضاغف أخبرته بوجه باسم:


-ده انت نورتنا والله يا عاصم، أنا كان نفسي أوي اشوفك من زمان، لولا كمال الله يرحمه كان منبه عليا مجيبش سيرة عز لحد كان زمانه متربي معاك.


جاراها في الحديث، رغم سأمه من كلماتها الواهية، ورد عليها ببسمة متكلفة:


-معلش بقى متعوضة في ولادنا، مش عنده يونس برضه؟


حول -مع تساؤله الأخير- عينيه الماكرة نحو "عز الدين"، مطالعا ملامحه المشدودة، بنظرات تحمل خبث صرف، إلى الآن لم يدركه الآخر بالمعنى الضمني، قطع التواصل البصري المشبع بالكثير من المشاعر المتضاربة بين الأخوين، صوت "أمل" عندما صدح، وبسلامة نية أجابت على استفساره المزعوم:


-أيوه ربنا يحفظه ويباركلنا فيه عنده تلت سنين.


ثبت نظراته على "عز الدين" وربت على يده المجاورة لجسده، وخاطبه في لهجة ظهرت للأخرتين محملة بالألفة والحب، بينما هي معبأة بالتحذير بين طياتها:


-ربنا يخليهولك، لازم تاخد بالك من نفسك عشانه، وتفكر فيه وفي مستقبله.


حدجه "عز الدين" بنظرة باغضة، كز على أسنانه بغضب يحاول موارته عن أعين المجاورتين لهما، فما يتفوه به بمحبة خالص بالنسبة إليهما -كونهما لا تعلما شيئا عما أقترفه به- ما هو إلا تحذيرات وإنذارات ترافق كلماته، كالشيطان الملازم لنفسه، والذي دفعه بغير إحساس، أو عاطفة أخوية، إلى إيذائه، وإيلام قلبه قبل جسده، فاق من شروده البائس، إلى صوت والدته وهي تتابع الحديث مع الآخر، متسائلة ببسمة طيبة:


-وانت خلفت يا عاصم؟


حرك بؤبؤاه نحوها، ووجهه لا يعلو غير تعبيرات سائمة، بها بعض الضيق الغير مقروء، وأجابها على نفس الشاكلة الجامدة:


-عندي رائف ونائل، عندهم شهور لسه.


اتسعت بسمتها، وتهلل وجهها وهي تردد بحبور شديد آثار تعجب "عاصم":


-ما شاء الله توأم، ربنا يخليهملك ويباركلك فيهم.


انشق ثغره بشبح ابتسامة مجاملة، وفي ذلك الوقت حاد بعينيه عنها، فقد خامر فكره بغتة تساؤلات عدة حول تلك السيدة المثيرة للفضول، فطباعها طيبة، وروحها نقية، تذكره بشدة بوالدته، عكس ما توقع ان تكون، ورغم كرهه لأخذه موضع والدته في حياة والده خفية، إلا أنه يشعر بانبجاس نوع من الألفة بداخله في وجودها، على النقيض تماما بما أقنع نفسه بالشعور به في بداية رؤيتها، رفع عينيه مجددا نحوها، عندما هتفت في لهفة بها بعض التحرج:


-الكلام أخدني ونسيت اسألك، تشرب إيه يا ابني؟


تنحنح بخفة خافيا تأثير أفكار ذهنه، على ما تشكل فوق وجهه، واندفع إلى نفسه، وأخبرها موجزا بلباقة مصطنعة:


-شكرا مش عايز حاجة.


تأهبت "أمل" في وقفتها وهي تقول له في إلحاح:


-لأ ازاي مينفعش، لازم تشرب حاجة.


زم شفتيه لثانية في ضجر بدأ في الضهور عليه، ثم شرع في التكلم إليها معاودا الرفض، إلا أن "عز الدين" نهى تلك المحادثة المبتذلة من ناحية أخيه، وأناب الرد عنه قائلا في هدوء:


-اعمليلنا شاي يا ماما.


هزت رأسها في موافقة، وقبل ان تذهب لإعداده، سألت الآخر بتصقيل:


-سكرك إيه طيب؟


رمقها بحدقتتين مائلتين إلى طرف عينيه، ورد عليها بنفس الطريقة الفاترة:


-مظبوط.


استدارت "أمل" مغادرة الغرفة، وأشارت أثناء خروجها إلى زوجة ابنها لتتبعها، حتى تترك لأخوين مساحة خاصة ليتحدثا على راحتهما، بعدما أغلقت "زينة" الباب من خلفها، استقام "عاصم" في جلسته بشموخ، ووضع ساق فوق الأخرى وهو يستطرد إلى الآخر ببرود فج:


-أنا جايلك بنفسي.


احترقت عينا "عز الدين" بلظى الغيظ، إلا أنه كبت ما يختلج صدره تجاهه، وكلماته التي توحي بتكرمه عليه، وكأنه ليس السبب في جعله طريح الفراش، وعقب بتهكم واضح:


-ده كرم كبير من سعادتك.


تغاضى عن نبرته الساخرة، وانتقل إلى صدد ما جاء لأجله، سائلا بشيء من البرود المتعجرف:


-فكرت في اللي كلمتك فيه؟


كانت أمارات الثقة مرتسمة على محيا "عاصم" حول إذعان الإخر له، إلا أنها اختفت تماما عندما باغته "عز الدين" بمنتهى الهدوء برد غير متوقع:


-اللي كلمتني فيه مش محتاج تفكير، وردي لسه زي ماهو متغيرش.


تغايرت ملامحه وتصاعد لهيب الحقد في حدقتيه، وبصوت اخشوشن سأله باستهجان شديد:


-يعني انت متعلمتش الدرس؟


اشتدت تعبيرات "عز الدين" من قوله، وانتفض في نومته بحركة تنم على غليله المستعر، وهدر في سخط جم:


-لأ انت اللي مش واخد بالك من بجاحتك اللي توصلك إنك تطلب إني اتنازل عن نسبي، وتبعت رجالتك يقطعوا عليا طريقي ويعتدوا عليا عشان تلوي دراعي، لكن اللي متعرفوش إن دراعي مبيتلوش يا عاصم، واللي عندك اعمله.


اهتاجت اعصابه من طريقته الغير آبهة بشخصه، غير آخذا كلامه بعين الاعتبار، امتلأت عيناه الناظرة إليه بضغينة وكره، وأخبره في نبرة ما تزال حاملة لتهديد صريح:


-اللي عندي هيزعلك، واللي فات كان قرصة ودن بالنسبة للي جاي.


نظر إليه بعينين لا يرتد لهما جفن، وشدد على نطقه بثبات شديد:


-أنا مش هتراجع عن كلمتي، واللي عندك اعمله.


احتقن وجهه، وأصبحت حدقتاه تقدحان شررا، ومن بين اسنانه المضغوطة في حقد ناقم، تابع في تهديداته الغير متناهية:


-انت منعرفنيش يا عز، احسنلك اعمل اللي طلبته منك، زعلي وحش وانت مش قده.


وجد ان متابعة الحديث معه، ما هو إلا سبيل لجعله يتزايد في دناءته، ولم يدع له فرصة لإضافة كلمة ثانية، وقال له في طريقة متجافية توحي بطرد واضح له من بيته:


-شرفت يا عاصم، ابقى كرر الزيارة تاني.


كأنما قد سكب عليه دلو ماءٍ باردٍ، تحكم بجند جهيد بجذوة غضبه المتقدة بداخله، وقرر المغادرة قبل أن يرديه قتيلا، شيعه بنظرة مشبعة بالنيران قبل ان يستدير، إلا ان الآخر استوقفه عن السير عندما أضاف بجمود:


-اللي عايزك تعرفه قبل ماتمشي، إني مستعد اتنازل عن ورثي وعن اي فلوس بتحاول او هتحاول تغريني بيها عشان اغير رأيي وأنفذ طلبك.


لم تتغير ملامح "عاصم" او حتى يقل تعقدها، في حين تابع "عز الدين" بشيء من الأسى المتهكم:


-أصل اللي عاش طول عمره لواحده، وبنى نفسه بنفسه من غير مايتسند على أبوه او يغرف من أكوام الفلوس اللي متبعترة حواليه ومش عارف يصرفها في إيه، استحالة يجي يوم ويبقى ليها تأثير عليه، أو إنه يبيع مبادئه عشان مليون زيادة ولا اتنين.


انفرجت شفتا "عاصم" من احد جانبيها ببسمة ساخرة، وعقب بعدم تصديق:


-انت عايز تفهمني إنك مش محتاج فلوس الورث تنتشلك من الفقر اللي انت عايش فيه!


لاح الشجى على وجهه، والتمعت عينيه ببؤسٍ فاق بؤس الماضي بؤسًا، وأطنب بتأكيد مستضيح:


-أنا فعلا مش محتاجها، انا عيشت السنين اللي فاتت في الفقر ده لحد ما بقيت الدكتور عز، لو ضريبة الفلوس اللي بتتكلم فيها هتكلفني خسارة نسبي واسمي وسط الناس، فانا مش عايزها، وانا اهو بقولهالك تاني ورثي والفلوس الزيادة اللي بتعرضها عليا مش هيخلوني اتنازل عن الحاجة الوحيدة اللي خدتها من أبوك.


تنبهت مداركه إلى تعمده عدم إنساب نفسه إلى والدهما، وشعر بالغرابة من تكرار الأمر، فالمرة السابقة للقائهما الأولي، كان ذكره له رسميا، كأنه أحد موظفيه، وليس ابنه، فواحد غيره عاش لسنوات في ذلك الفقر المدقع، لكان سعد بانتسابه إلى رجل في مثل مكانة أبيهما الاجتماعية، ومركزه المالي، الذي سيعلو بحالته الاجتماعية، ولكنه مغايرٌ لكل التوقعات، ومثيرٌ للعديد من التساؤلات، زفر "عاصم" أنفاسا ضائقة، من إخفاقه في فهم شخصيته، وما يدور بداخل رأسه، كما أن عناده ضاعف من غليله، تحفز في وقفته، بعد أن أوقف أصوات أفكاره، واستخدم نفس المنول المحذر مدمدما:


-أنا عملت بأصلي معاك للآخر، وجيت لحد عندك، بس انت كده اللي اختارت، ومترجعش تندم على نتيجة اختيارك


التفت بوجهه نحو باب الغرفة، تزامن دخول "أمل" -وهي حاملة للصينية الموضوع فوقها الشاي- مع خروجه المتعجل، والمليء بالحنق الجلي للغاية عليه، اعتلى وجهها التفاجؤ من رحيله، وحاولت استوقافه بتلهف:


-الشاي يا ابني..


لم يلتفت إليها، بل سارع بخطواته إلى الخارج، وبعد لحظات وصل إليها صوت إغلاق باب الشقة، وجهت نظراتها المزهولة إلى ابنها، وسألته وهي تضع الصينية فوق الطاولة الجانبية لباب الغرفة:


-ماله في إيه؟ هو اخد في وشه ومشى علطول كده ليه؟ انتوا اتخانقتوا ولا حصل حاجة ضايقته؟


دلفت من خلفها "زينة"، عندما وصل إلى سمعها صوت باب الشقة، واستنبطت ذهاب الضيف، تقدمت من "عز الدين"، عندما لاحظت وجهه الواجم، استشعرت وجود خطب ما به، وضعت يدها فوق كتفه، وسألته في تفقد:


-مالك يا عز انت تعبان؟


تحاشى النظر إلى أعينهما المتفحصة، شاعرا بتضاعف الاختناق الطابق على صدره، من تضييقهما الخناق عليه، تنهد مطولا قبل ان يقول لهما بوجه عابس:


-ماليش، أنا حاسس بس إني مخنوق، سيبوني لواحدي شوية وأنا هبقى كويس.


امتثلتا الاثنتين لكلمته دون أن تبديا أي اعتراض، فهيئته كانت توحي بضيق بالغ ومحض انزعاج، والمعروف لديهما أنه لا يتحدث بما يضمره في نفسه، في الحالات المماثلة للحالية، كما أنهما ربطتا الأمر برحيل الآخر المتعجل، ودار بخلد كل منهما استنباطات مقاربة لما يمكن أن يكون قد حدث بينهما، لذلك خرجتا بدون أن تنبسا بحرف، حتى لا تذيدا حالته سوءً، وتضاعفان من احتدامه، وعلى فور تركهما الغرفة، حتى تشكل أمارات الاختناق الداخلي على محياه، وتفشى حزنه المكبوت بكل خلاياه، فبدلا من أن يشد أواصر الاخوة بينهما، أنهى أي محاولة منه لتقوية علاقتهما.



❈-❈-❈


التفاهم أمرٌ ضروري في علاقة الأب بابنه، يقوي الرابط الأسري بين كليهما، ويخلق نوعا من الصداقة الوثيقة بينهما، القائمة على النصح والإرشاد من ناحية الآباء، والناجم عنها صراحة الأبناء، والاعتراف بما يُقترف من الذنوب والأخطاء، وعلى ذلك النهج تربى "مجد" واعتاد، فكان يرى رغم محاولاته المستديمة في الانغلاق على نفسه، أن جلسةً واحدةٌ تجمعه بوالده، تقوده إلى إخباره بكل أمر، وخطب، دار دون علمه، ومن وراء ظهره أحيانا كان يجد في ذلك إراحة لفكره، وأحيانا أخرى كان يرى أنه الصديق الأول له، والوحيد القادر على إزاحة الثقل عن كاهله، وكالعادة التي لا تفطر مؤخرا عند كليهما، كلما يتحاور كل منهما مع الآخر، يحكي مستجداته، ويتناقش في الوارد من مشاكله، وكانت زيارة "مجد" ل"عز الدين" في المشفى، واحدة من الأمور التي سُردت، وتناولتها تلك الجلسة، تعجب "هشام" من السبب الذي دفعه إلى تلك الزيارة، فهو لم يجمعه أي صلة بذلك الشاب من قبل، وبعدما أنهى ابنه تتمة كلماته، تساءل ببعض الغرابة:


-طب وإيه السبب اللي خلاك تروحله؟


مط شفتيه بحركة تلقائية، تبعها توضيحه السبب الوجيه في إقباله على ذلك الفعل:


-عشان احذره، عاصم طالما حاطه في دماغه يبقى مش هيخرجه منها بالساهل، وعز شكله غير عاصم، حاجة تانية خالص، شخص محترم وأخلاقه عالية ومالوش في خبث ودناءة أخوه، وميستاهلش إن حياته تدمر بسبب واحد كل اللي بيفكر فيه ازاي يئذي اللي يخالف كلمته ويعارض رغباته.


لاح الأسى على وجه "هشام"، الذي يتشكل على وجهه، كلما يأتي ابنه على ذكر خصال "عاصم" الخبيثة، المشابهة إلى حد التطابق بصفات والده، الذي لم ينجُ ابنه من شياطين نفسه، ونجح في جعلها تتملكه، وتجعله نسخة مطابقة له، امتزج الأسى بقليل من الامتعاض وهو يعلق:


-كمال مات وعاصم بيكمل مسيرته.


انزوى ما بين حاجبي "مجد" في تفكير لحظي، فقد طرأ في فكره تساؤل لا ينفك عن إشغاله مؤخرا، وهو سر الكره الذي كان يكنه "كمال الصباحي" لوالده، وذلك بعد أن علم من "عاصم" -خلال انهياره يوم وفاة والده- أنه دفع الكره بداخله نحوه هو الآخر، اعتدل في جلسته، وسأله باهتمام:


-هو إيه سر عداوة كمال ليك يا بابا؟ ليه فضتوا الشراكة من الأول؟


ناظره "هشام" بهدوء لا يخلو من التعجب، من تساؤله المفاجئ حول ذلك الشأن، كما أن إجابة ذلك السؤال قد أعلمه بها من قبل، وعلى نفس الوتيرة المتريثة في حديثه، أعاد إخباره بالإجابة المعروفة:


-بسبب شغله اللي دخل فيه، انا قلتلك قبل كده إنه كان داخل فيه باسم الشركة.


لم تكن تلك الإجابة المشبعة لفضوله، والناهية لتساؤلات رأسه، لذا عاود التساؤل بطريقة أخرى، علّه يجد عند والده سببا آخر مخفيا، أو غير واضحا بالنسبة إليه:


-طب ليه عداوته كانت بيك انت لواحدك؟ يحيا بيه الله يرحمه مكانش فيه بينه وبين كمال أي عداوة، رغم إنه كان معارض ليه زيك، وهدده برضه معاك إنه هيبلغ عنه، ليه محطوش في دماغه وخطف جاسم مثلا زي ما عمل معاك وخطف أسيف؟


تنهد "هشام" مطولا، وحاد بعينيه المبتئسة وهو يجيبه:


-عشان كمال بيكرهني من قبل كل الحوارات دي.


ضاعف رده من غرابة "مجد"، وأكد له شكه حول وجود خطب، وعقب باستفسار متحير:


-بيكرهك! وانت عملتله إيه عشان يكرهك؟


عاد بنظره إليه، وزم شفتيه بقليل من الانزعاج، ثم أخبره في محاولة بائسة للتهرب من التحدث عن الأمر:


-ده موضوع كبير يا مجد.


احتمالية تقبله بإرجاء التحدث إلى وقت لاحق، أو إخماد شعلة الفضول المتآكلة به تكاد تكون مستحية، فقد تنبهت كامل حواسه لمعرفة الأمر المخبأ عنه، وراح يلح عليه في فضول شديد:


-طب ماتقولهولي، احنا ورانا حاجة!


علم أنه سيكون من الصعب عليه الفرار من إلحاحه، أو التذرع بأي حجة لن تكون سوى مماطلة متزايدة لتحدثه في الأخير، سحب نفسا لرئتيه، في حين كان يرتب الكلمات في رأسه، على الرغم من مرور سنوات عدة، إلا أن المواقف ما تزال راسخة في ذاكرته، كأنما حدثت في الأمس القريب، ولم يمر عليها ما يقرب من الخمسة وثلاثين عاما، بصوت مال إلى الجزع، استرسل له أحداث موقفا بعينه، كان بمثابة بداية الكره الذي نبت في قلب "كمال" تجاهه، وتزعزع صداقتهما التي كان يظن أن جذورها ثابتة، لا مجال لنزعها، أو قطعها يوما. عينا "كمال" المتطاير منها النيران، اوداجه المنتفخة، ووجهه المحتقن، ما يزال صورة كل منهم واضحة في مخيلته، ومع استعادة المشهد، شعر بصوته الهادر يتردد صداه في سمعه، حينما كان يصيح في عصبية فاجأته، وألجمته في نفس الآن:


-خطفتها مني يا هشام، يعني انت خلاص مش باقي على صحوبيتنا.


أعجزت صدمته -بصراخ الآخر المباغت، والأول- عقله عن استيعاب المقصود من كلماته، تقدم منه وهي يرمقه بنظرات متحيرة، وتساءل بعدم فهم غير مصطنع:


-أنت بتتكلم عن مين؟


برزت عيناه في محجريهما بشدة، وهو يخبره في هياج:


-نجوى، هكون بتكلم عن مين غيرها.


تدارك سبب غضبه، ورجح التوقع في أن تكون "نجوى" قد أخبرته بحبها له، كما أبلغته بفعلها للأمر، عندما كسر قلبها، ورفض حبها، حينما اعترفت له بمشاعرها المتمكنة من قلبها تجاهه، وذلك حتى لا يهدم صداقته، كون الآخر أخبره بمكنونات قلبه في لحظة صفا، وصارحه بحبه لها، قابل اتهامه بهدوء محاولا امتصاص عصبيته المفرطة:


-أنا مخطفتهاش منك يا كمال، نجوى هي اللي جيتلي واعترفتلي أنها بتحبني، وانا بحكم الصداقة اللي بينا وعشان عارف إنك بتحبها قلتلها تطلعني من دماغها، وعرفتها إن مفيش حاجة هتحصل بينا في يوم من الأيام.


تقوست شفتيه ببسمة ساخرة أكثر منها حاقدة، وتابع اتهامه بغليل ناقم:


-تطلعك من دماغها بعد إيه! بعد مالفيت عليها وعرفت تجيب رجليها كويس اوي.


عند ذلك الحد وفقد قدرته على التحكم في أعصابه، وهتف في حدة:


-فوق يا كمال واعرف انت بتقول؟ لا انا بتاع لف ودوران ولا هي من البنات اللي بيتجاب رجليها.


تفشت العدائية -لأول مرة ناحيته- بملامحه، وهدر في زئير ساخط:


-أمال حبيتك انت بالذات ليه؟ تقدر تقولي.


تعجب من هجومه الغريب عليه، ورد عليه في تبرير منطقي لموقف الأخرى الطبيعي:


-مشاعرها انجرفت ناحيتي، قلبها حبني من غير ما يكون ليها إرادة في الحب ده، أجرمت هي كده!


على فور تساؤله المتعجب، دمدم "كمال" في خشونة صارخة:


-آه أجرمت، اشمعنا قلبها اختارك انت؟ ليه محبتنيش أنا؟


رفع حاجبيه في ذهول مما يتفوه به، واستنكره بحنق بدأ في التصاعد على قسمات وجهه:


-هو بإيديها! انت عايزها تعمل حاجة ملهاش عليها سلطان، مش بمزاجها تحبك او تحبك غيرك، ربنا هو اللي بيحط الحب في قلوبنا، مش احنا اللي بنختاره.


حدجه بنظرة مطولة، لم تعبر إلا عن حقد كان "هشام" يحاول عدم تصديقه، وبعد عدة لحظات مضت في صمت مبهم، غمغم في نبرة رآها غير مريحة، ولكنها كانت جامدة كجمود الصخر، ومنافية لثورته التي كانت يتطاير منها الشرر:


-ماشي يا هشام، طالما الموضوع كده وانت مالكش دخل فيه وباقي على صحوبيتنا زي مابتقول، ابعد عن سكتها.


كلماته التي كان بها طابع آمر، أشعرته بوخزة عصفت بقلبه، لم تكن مجهولة السبب، وبالأحرى لم يكن سببها أسلوب صديقه الغير معتاد منه معه، وإنما سبب آخر ليس أمامه سوى محقه، وطمس آثاره من وجدانه، وبوجه واجم، وصوت اعتراه كل معالم البؤس، قال له وهو على مشارف المغادرة من مكتبه:


-انا عامل كده من غير ماتطلب، أنا مش ندل عشان ابقى عارف إن صاحبي بيحب واحدة وطلب يتجوزها واحط عيني عليها لنفسي.


عندما انتهي "هشام" من قص تلك المحادثة المحتدمة، حتى تراءى له تعبيرات الحيرة التي لاحت على وجه ابنه، وسريعا ما سأله متعجبا:


-طب ازاي انت وماما اتجوزتوا طالما انت قلتلها تنساك، وقلتله إنك مش هتبعد عن سكتها؟


اتضح الضيق على ملامحه، من إنعاش ذاكرته بتلك الأحداث، التي سببت له ولمهجة قلبه الافتراق قبل اللقاء، والعيش في أوقات بُعدها؛ وتجنب التواجد قربها في حزن وشقاء، حتى أذن المولى أن يستعيد الجسد مهجته ناهيا ما أضناه من عذاب أيام الهجر والجفاء، لفظ نفسا متريثا، تبعه إردافه بلهجة حملت شجى ذكريات لا يفضل إعادتها في ذهنه، أو ترديدها على لسانه:


-اللي حصل بعد كده غير كل حاجة، شقلب الأوضاع بينا، وخلاني اتراجع عن قراري يا مجد.


ذكرى تالية أقل ما يصفها به أنها لعينة، مكرها عنده تذكر أطيافها، أو سرد أحداثها، ولكن حتى تكتمل الصورة عند ابنه، لابد أن يقصها، بدايتها لم يشهدها بأم عينيه، ولكن حكتها له زوجته الراحلة، في خضم انهيارها حينها، بعدما انتشلها من بين براثن حيوان بشري ضارٍ، لا يعرف للرحمة أي معنى، واختفت منه كل معالم الإنسانية، إلى الآن يتذكر ما استرسلته استرسالا مليئا بالنحيب المقطع لنياط القلوب، وملطخا بدموع حارقة أصابت قلبه بالندوب، في بادئ الأمر دار بينهما حوار كان يحاول به "كمال" استمالتها نحوه ثانيةً، ابتدأه بتخطي حدوده حينما أمسك ذراعها، محاولا محق المسافة الفاصلة بينهما، حتى يؤثر عليه بجاذبيته الرجولية، التي كان لها تأثيرا لجعل الفتايات تتهافتن عليه، إلا أن الأمر لم ينجح مع "نجوى"، وجذبت ذراعها من قبضته، وهتفت في انزعاج:


-مستر كمال مينفعش اللي حضرتك بتعمله ده.


لم يأبه بالانزعاج البادي عليها من تجاوز حدوده معها، وازداد في اقترابه منها وهو يجدد اعترافه بحبه لها:


-نجوى انا بحبك اوي، ادي لموضوعنا فرصة واحدة بس، وصدقيني مش هخليكي تندمي عليها.


عندما شعرت بتقارقه الشديد منها، ابتعدت عدة خطوات، حتى تحافظ على المشافة الفاصلة بينهمتا، وقالت في نفاذ صبر من إلحاحه:


-انا مش عايزاك، قولتلك مش بحبك، أفهم بقى.


استشاط غضبا، وتوحشت نظراته في لحظتها، وخدر في استهجان:


-وبتحبيه هو؟


اعتلى الاستنكار نظراتها من تدخله فيما لا يعنيه، وعقبت في صوت حانق:


-دي حاجة خاصة بيا لواحدي، مش من حقك تدخل فيها ولا تستنى مني جواب.


ضم شفتيه في غضب جحيمي، وبغتة مد يده ملتقطا مزهرية من فوق الطاولة الجانبية، وألقاها بكامل عزمه في الحائط، مصدرة صوتا يشبه الانفجار، تبعه صراخه في انفعال هيستري:


-في إيه هو زيادة عني؟ ناقصني إيه عشان ابقى مكانه جوا قلبك؟ 


مع حركته الهوجاء، وصوت تهشيم المزهرية، وضعت "نجوى" يديها جوار أذنيها، في حركة دفاعية، في خوف انبجس بداخلها من تحوله الجذري، من شخص كان يتوسل حبها، إلى وحش دب الرعب في قلبها، أنزلت يدها وحاولت ان ترسم الشجاعة على محياها، رغم هدير خفقات قلبها، الذي يتردد ضجيجه في أذنيها، وترتجف معه ساقيها، وصاحت في وجهه باستبسال:


-حضرتك كده تجاوزت حدودك معايا، وأنا مضطرة أرجع على مكتبي طالما كلامك اخد منحدر تاني غير الشغل، عن إذنك.


كادت تتحرك من أمامه، ولكن حال دون سيرها، قبضها ليدها، وجذبها إليه، اصطدمت في صدره، وجحظت عيناها من فغلته، ودمدمت بتوجع من مسكته القارصة:


-سيب إيدي انت اتجننت.


احتقنت عيناه، واكتسبتا قتامة مخيفة، ودفعها بجسده الصلب وهو يهسهس بنبرة فجة:


-انتي مش خارجة من المكتب ده غير وانتي ليا.


طالعته بنظرات مستريبة، وتعانف وجيب قلبها، واهتز صوتها الصارخ وهي تحاول التملص من بين ذراعيه:


-ابعد عني.


شدد من إحاطة ذراعيه لها، وسار بها حتى الأريكة التي كانت على مقربة منهما، أسقطها قوقها، وقبل أن تعتدل وتفر مما هو مقبل عليه، وفسرته هي من نظراته التي اضطرمت بشهوة خالصة، جثى فوقها، وحاول تقبيلها رغما عنها، إلا أن حركات رأسها الهيسترية منعته، وصراخها الهادر أنقذها من قذارته، دلف "هشام" مهرولا إلى الداخل، فشيطان رأس الآخر غفل عن تنبيهه إلى غلق الباب من الداخل، أمسك به من كتفه، ورفعه عن جسدها المرتعش، ولكمه في وجهه، فسقط من قوة لكمته أرضا، ونهضت هي راكضة بخطوات مهتزة خارجا، وما هي إلا لحظات وتحول المكتب إلى ساحة لعراك حامٍ الوطيس، انتهى بانتهاء صداقته به، وكان دافعا لجعله يعدل عن قراره. اندفعت الصدمة إلى وجه "مجد"، وشعر بالذهول من خسة الآخر، التي قادته إلى محاولة اغتصاب أمه، وفغر عينيه ناظرا إلى والده مشدوها مما قصه، ولم يعلم عنه شيء إلا الوقت الحالي، ولسانه ردد متسائلا:


-ليه معرفتنيش الكلام ده قبل كده؟


مد "هشام" يده ممسكا بزجاجة الماء الموضوع فوق الطاولة المستطيلة امامه، وسكب بع١ الماء فس الكوكب الزجاجي المجاور لها، وهو يرد بنبرة عادية:


-مجيتش مناسبة عشان اتكلم فيه، ده غير إني مبحبش افتكر اللي حصل.


لاذ "مجد" بالسكوت، ريثما ينتهي والده من ارتشاف الماء، وأستطرد ببعض المرح، حتى يزيل الحزن الذي تشكلت معالمه على وجهه:


-بس ماما كانت بتحبك اوي، واحدة غيرها بعد رفضك ليها مكانتش وافقت عليك واتجوزتك.


أعاد الكوب إلى موضعه، وانشق ثغره ببسمة بسيطة، وعلق بمحبة شديدة تجاه زوجته، لم تنضب حتى بعد رحيلها:


-هي كانت متفهمة الوضع، وعارفة إنها اعترفتلي بحقيقة مشاعرها في وقت غلط، وإني كنت مجبور على رفض حبها، وعرفت بعدها إني كنت بحبها زي ماهي بتحبني وأكتر كمان.


رفع "مجد" حاجبيه وهو يسأله في استشفاف:


-كنت بتحبها من قبلها؟


وجه عينيه اللتين تحملان مزيجا من الحب والشجن إلى الفراغ أمامه، وهي يجيبه في استيضاح معبأ بالأسى:


-من قبل حتى ما كمال يحبها، فضلت كاتم حبي في قلبي ومستني لما تخلص السنة اللي كانت فاضلة في دراستها عشان افاتحها، بس كمال سبقني واعترفلها اول ماحس بمشاعر ناحيتها، وعشان عرفني بحبه ليها وعرفها هي كمان، مقدرتش اخد خطوة، ولا حتى اعرفه إني حبيتها قبله.


شرد بذهنه في تفاصيلها آنذاك، كانت رقيقة، ورائقة، ومفعمة بالحياة، كل ما بها كان يجذبه إليها، حتى يغوص بسائر جوارحه في بحور عشقها، إلا أن نزعة الصداقة حتمت عليه أن يضحي بحبه، ويتنازل عن رغبة قلبه، وحينما تمكن منها فيضان وجدها، رفضها، وهشم قلبها، عاتبته، ولامته، بصوت كان يتمسك بآخر ذرات تحمله لكيلا ينتحب، وبكل كسرة كانت تفيض عيناها بها، بدلا من الدموع التي كانت متحجرة، تأبي الانهمار، والتصريح بضعف زعزع كل حصونها المنيعة، وجعلها على حافة الإنهيار، قالت له:


-يعني انا جاية لغاية عندك بعرض عليك حبي وأنت ترفضه! طب واللي كنت بشوفه في عينك؟ واللي بحسه في طريقة كلامك! معقول كل ده كان تهيؤات يا هشام؟


مر الوقت، وزال القناع، وبدأت صورة الصديق الوفي تبهت، وتظهر الألوان المتوارية خلف صفاء كاذب، بحسن ظنه، وسلامة نيته صدقه، أتت "نجوى" لتزيل عن عينيه الغشاوة، وتظهر اللؤم الذي كان يزين أفعاله، والسم الذي كان يدسه في معسول كلماته، وبدأ يدرك أسباب نفورها من "كمال"، بحنكتها، وقوة ملاحظتها، استطاعت قراءة أطباعه، والتوصل إلى حقيقة ما يضمره في قلبه حياله، وفي يوم كانت تعيد تصريحها بحبه، كرر لها نفس الكلام الرافض، والموجع، بشأن عدم استطاعته الإنغماس معها في طوفان مشاعرها، حفاظا على صداقته التي كان يراها وطيدة، حينها صاحت باستهجان لضيق نظرته، بما لم يستطع هو الشعور به:


-انت ازاي مبتشوفش نظراته ليك؟


عندما وقع كلماته على سمعه، انزوى بما بين حاجبيه، واستغرب ما تحاول أن ترمي إليه، ولفطنتها فمت ما دار برأسه، وعدم توصله إلى حقيقة صديقه، وقبل أن تتركه في خضم صخب افكاره، تابعت في استيضاح، مفجرة قنبلة موقتة، جعلته ينتبه إلى كل ما كان يبدر من الآخر معه فيما بعد ذلك:


-كمال بيكرهك، عشان حبيتك انت ومحبتوش هو، انت رافض حبي عشان واحد مايستاهلش، فوق بقى يا هشام، كمال مينفعش يبقى صاحب ولا حبيب، ده واحد أناني ومريض.


بدأ يستوعب خصال الآخر الخبيثة، ويتضح له ما كان مخفيا عن بصره، ودفينا بداخله، وما كان يتجاوزه هو من أفعاله، تحت مسمى الصداقة التي كان يضعها في اعتباره، إلا أنه بالفعل مع استرعاء انتباهه، تراءى له كرهه، والحقد والضغينة اللتان زُرعتا في قلبه تجاهه، وبعدما هانه، وتشاجر معه، وأنهى بيده صداقته به، أدرك خطأه في تهميش عقله، فأي علاقة مهما تفاوتت درجة الحب بها، واختلف معناه، يجب أن يكون للفكر دورا رئيسيا بها، حتى لا تُستهلك المشاعر، وتُستنفذ الطاقة، في علاقات مستنزفة، مع اشخاص خاطئة. عاد بذاكرته إلى الواقع، وبعد صمت طال، ونظر ما زل للفراغ يطالع، أطنب في صوت بائس:


-أنا بقيت على العشرة والعيش والملح، وللأسف هو مبقاش على أي حاجة بينا.



❈-❈-❈


عندما يتمكن من النفس نفاذ الصبر، يضيق الصدر، والريق الذي يُزدرد من كثرة القهر، يصبح طعمه كالعلقم المر، حينها يشيع السأم في الوجدان، ويصول ويجول في الرأس أفكار الشيطان، يتمرد الساكن، وينفجر الكامن، ولا يقبل الآثر الصمت بما يلحق به من استغلال وأوامر، وفي تلك الأثناء ينبجس في العلاقة اختلافات، ومفارقات، وينقلب السحر على الساحر، ولكن هل سيظل المتمرد بعد أن ثارت ثائرته، وهاجت دماءه، وانفعل انفعالا شاحنا؟ أم سيخور ويتقهقر إلى حيث كان، ولن يحرك بعد ذلك ساكنا؟ 


كان ذلك التساؤل الذي يدور في رأس "عاصم" بعد مرور أربعة ايام، كانت تتجاهله "داليا"، وانتقلت إلى النوم في غرفة أخرى، تحديدا تلك التي كانت لها قبل انتقالها للعيش بمفردها، بعد مرض والدته، وسفره معها المتواصل إلى الخارج، بداخله لم يستطع أن ينفي شعور الاشتياق إلى رؤيتها، ورغبة قلبه في الاطمئنان على حالها، كما أن طفليه لم يرهما كذلك منذ أخذتهما رفقتها، تنفس قبل دخوله إلى الغرفة مطولا، محاولا تهدئة أعصابه، لتفادي أي انفعال وشيك، من تيبس رأسها، وسوء فهمها الذي أصبح يصل بهما إلى خط فاصل.


دلف مباشرة دون أن يستأذن، رآها تهدهد أحد الرضيعين في تأهب لوضعه في مهده، عندما اقترب منها وجد من بين ذراعيها "نائل"، والآخر غافي في سريرهما الصغير، ارتسمت شبح ابتسامة فوق ثغره، قبل أن تمد يديها لتضعه بجوار توأمه، تفاجأت به بجانبها، ينحني برأسه من طفلهما، طابعا قبلة صغيرة فوق جبهته، ابتلعت من تفاجؤها به، ودون ان تنظر له، او تعلق على فعلته تابعت ما كانت تفعله، وبعدما انتهت من ضبط الصغير في نومته، استقامت بجذعها، وستدارت شارعة في التوجه إلى سريرها، منعها من التحرك يد "عاصم" التي قبضت على معصمها، وهي مولية له ظهرها، حاولت جذبه منه، إلا أنه شدد من مسكته، وتقدم منها ليصبح في مقابلتها، وقال له بنبرة عادية:


-اللي حصل مش مستاهل كل ده.


ترقرقت الدموع في عينيها، ولكنها تحاملت على نفسها، ومنعتها من الانخراط في نوبة بكاء تهددها بالهطول، أبت ان تظهر كسيرة وضعيفة أمامه، وردت عليه بصوت مختنق في إباء:


-اللي حصل يستاهل أكتر من كده، دي مش أول مرة تضربني، وأنا متعودتش منك إنك بتمد إيدك عليا، ومش هسمح بكده تاني.


حرك بؤبؤا عينيه للجانبين ببعض الضجر، وهو يزفر انفاسا ضائقة، ثم عقب باستهانة واضها الذنب عليها:


-انتي اللي استفزتيني.


في تلك اللحظة رفعت حدقتيها اللامعتين بالعبرات الحبيسة، وأضافت في قهرة:


-وانت جرحت قلبي باللي قلته.


رغم اعترافه داخليا بتطاوله عليها، وجرحها لها، إلا أنه تعذر عليه الاعتذار لها، واكتفى بجملة مقتضبة تحمل الأسف بين طياتها:


-كان كلام وقت عصبية.


لم تعلق على جملته المجردة من الاحساس بالذنب، والغير قادرة على مداوة جرح القلب، وسارت نحو الفراش بصمت، جلست على طرف الفراش، وهي متحاشية النظر إليه، عيناها غير قادرة على النظر إلى داخل عينيه، جلس جوارها وهو يشعر بجذوة الحنق داخله بدأت في الاتقاد، فالتجاهل لا يأتي بنتائج مرجوة معه، وهس تعلم ذلك جيدا، أمسك يدها، ومسد فوق ظهر كفها بإبهامه، انتشلت يدها من من بين أصابعه، ليعاود الزفر في ملل مما رآه تدلل مبالغ فيه، وقال لها بصوت جاد في صبر نافذ:


-خلاص بقى يا داليا.


رغما عنها مع صوته الذي ارتفع، استعادت في ذاكرتها ما حدث، وتهاوت العبرات من عينيها، أغمض عينيه بانزغاج عندما انتبه إلى بكائها، وشعر بوجزة ضربت قلبه لوجعها، دنا منها أكثر ورفع ذقنها بيده، حتى تتقابل أعينهم، ليستطيع الحديث إليها، ولكنها هزت رأسها في رفض، وأخبرته بن بين نشيج بكائها:


-مش قادرة ابص في عينك..


انقشعت المسافة الفاصلة بين حاجبيها، وناظرها في تحير من غرابة جملتها، فهي عادة ما تعشق النظر إلى بندقتيه، وتهيم النظر إليهما، وقبل أن يتكلم؛ أضافت بحرقة، ودموعها تنهمر بغزارة، كسيل شق وجنتيها شقا:


-بشوف ضعفي فيهم، بشوف اهانة كرامتي، وكسرة قلبي، انت بتستغل إني سني الصغير وبتقول عيلة وبتعمل اللي انت عايزه من غير ماتراعي شعوري، بتذلني عشان ماليش حد غيرك.


تفاقمت عقدة حاجبيه مع انتهائها، أوغر قلبه ظنها فيه، وسألها في قليل من المعاتبة الغير واضحة، كمشاعره المتوارية، وضميرة الدفين:


-انتي شايفة إني بعمل كده؟


أومأت له في تأكيد، وراحت تردف في انكسار شاجن:


-ايوه بتعمل كده، أنا مليش لازمة في حياتك، وبقيت دلوقتي ام لولادك بس.


التزم الصمت وهو يشاهد حالة انهيار، ترمي الذنب عليه؛ في وصولها إليه، في حين تابعت هي على نفس المنوال الباكي، بانتحاب يجرح أحبالها الصوتية، كما جرح هو ومزق شغافها الحساسة:


-انا دمرت حياتي عشان ابقى معاك، خسرت صحابي بسبب حملي منك، عشان أخلف ولادك اللي انت كنت رافضهم، ودلوقتي بقيت متجوزني عشانهم.


جزء في أعماق قلبه، تأثر، واشتد خفقا، ورفض أن يستمر على صمته، ودفعه إلى التحدث بما يشعر به، أمسك بذقنها ورفع نحوهه وجهها، مجبرا عينيها على النظر بداخل عينيه، وأخبرها بصدق مشددا على كل كلمة، كأنما يحاول دمغها في راسها حتى يطرد هواجسها الخاطئة:


-انتي مراتي، بولادي أو من غيرهم مراتي، وزي مانتي مالكيش حد، أنا برضه معادش ليا غيرك.


هدأت حدة بكاءها، فقد استرعي كامل حواسها ما قاله، وأنعش قلبها بنبض أخذ في التزايد، بينما تابع هو عندما وجد انتباهها انصب عليه:


-لو كنت متجوزك عشان ولادي كان زماني مطلقك بعد ما اتكتبوا على اسمي، وكنت اشيل عن راسي وجع الدماغ، واخلص من غيرتك وزنك، وعادي برضه كنت هفضل معاكي زي ماكنا الاول، وانتي مكنتيش رافضة علاقتنا من غير جواز.


على قدر ما كانت كلماته موجعة ومهينة لكرامتها، ولكنه حقيقة واضحة، لهذا لم تعبأ سوى بمضمونها، وهو تمسكه بها في حياته لشخصها، وليس لسبب آخر كما أزعم من قبل، أجفلت عينيها عندما قرب يده من وجهه، احتوى وجنتها في لمسة حانية كانت تفتقر لها، وأضاف في تملك ليس أول مرة تلاحظه في كلماته، ولكنها المرة الأول التي تلمس فيه مشاعر متضاربة ناحيتها، وتخوف من بُعدها:


-لكن أنا عايزك على ذمتي، عايزك تفضلي قصاد عيني، ملكي وبتاعتي، أنا مش هسمح إنك تبقي مع حد تاني غيري يا داليا.


أسكت صوت رأسها، وأزاح ثقلا كان جاثما كالجبل على روحها، وبنفس الشاكلة المعبرة عن مشاعر ملتهبة لطالما أنكرها بشق الأنفس أكمل لها:


-انتي من ساعة ماوعيتي على الدنيا وانتي ليا، ليا أنا بس.


حاولت "داليا" لملمة شتات نفسها المبعثرة من فيض العاطفة التي تملكت من خلاياها الحسية، وراحت بغتة تسأله بالشيء الوحيد الذي تأبه به في علاقتهما، وتستجدي حدوثه منه كالذليلة على الدوام:


-انت بتحبني ولا لأ؟


تساؤلها كان بمثابة الإفاقة من مشاعر لاحت على تعابيره، وظهرت في صوته مع استرسال كلامه، طال صمته، وتاه في صخب فكره، بينما هي غزا الشجى عينيها، ولامته بغرابة من عدم إيجاد إجابة محددة منه على استفسار ليس بتلك الصعوبة، حتى لا يكون له ردا عنده، او يبقى حتى للحظتين يفكر به:


-للدرجادي السؤال صعب!


من بين سائر مشاعره، واحتياجه لها الذي لا يوجد شك به، تعذر عليه أن يجزم بوجود عشق يتغلغل قلبه لها، عند تلك النقطة، يتخبط، ويتشتت، ويجهل حقيقة مشاعره ناحيتها، وبعد لفظه لنفس مطولا، سألها بمراوغةة


-مش كفاية عندك إن أنا عايزك في حياتي؟


على فورها أجابته بنفي مليء بالاحتياج والتعطش لمشاعر صادقة، تطفئ نيران قلبها الهائم به، الذي يتلظى على جمرات الجوى، واحترق من لهيب الهوى:


-لأ مش كفاية، أنا عايزه يبقالي مكان في قلبك مش في حياتك بس.


اعتلى التعجب نظراته السائرة على ملامحها الناعمة، وسألها بتحير في فهم سبب وجيه لكل ذلك الوجد الثائر والبالغ بداخلها له:


-انتي ليه حبيتيني؟ أنا معملتلكيش أي حاجة تخليكي تحبيني بالشكل ده.


سارعت في الرد عليه بلهفة ملحة على استمالة قلبه:


-أنا مش عايزاك تعمل أي حاجة غير إنك تحبني.


تجاهل نبضه الذي اشتد، ونظر بها بنظرة ثابتة بجفن لا يرتد، وهو يخاطبها في دهشة طفيفة مخالطة باعتراف بائس:


-حتى لو كان حبي ده مليان تعب ووجع ليكي؟ أنا مش بعرف اعمل أي حاجة غير إني بجيب الوجع للي حواليا، أنا مؤذي، وبأذيكي، وبأذي كل اللي بيقرب مني.


مدت يدها واحتوت جانب وجهه، وطالعته بعينيها الناعسة، وهي ترد عليه في عزيمة لن تنضب أو تتقهقر:


-أنا مستعدة اتحمل أي حاجة، بس احس بحبك ليا، احس إني مالكة قلبك، زي مانت مالك قلبي وروحي وكل حاجة فيا.


لمست بحبها الغير محدود روحه، وملست بكلماتها بحنان فوق جروح تامور قلبه، أعطته مع بعض العبارات المطالبة بالحب والأمان، كل مشاعر العطف والحنان، لم يمنع عينيه من الشرود في حسنها، ويده من احتضان يدها المحاوطة لوجنته، ألا أن عقله المستغرب -من كم ذلك الحب الذي لم يحظَ به في حياته، إلا من والدته التي كان يتهرب من التنعم بحبها، حتى لا يظل طفل أمه، المشابه للفتايات في طباعه- دفعم إلى التأكد من كنونها لكل ذلك الحب له، ليزداد اطمئنان قلبه:


-للدرجادي بتحبيني!


سهمت بنظراتها في وجهه الرجولي، الهادئ، الذي دُفن عشقها لكل إنش به في أعماق قلبها، وأجابته بعاطفة رهيفة، رقيقة:


-فوق مانت تتخيل، اللي جوايا ليك بقى أكبر من إنه يتوصف بكلمة حب، ولا كلام الدنيا كله هيعبر عن جزء صغير من اللي ليك جوايا.


لم يشعر بنفسه غير وهو ساحبا إياها إلى حضنه، أغمض عينيه وهو يشدد من ضمتها، يردد في نفسه أنه ما يزال يستحق الحب، ولم يعد يوجد مانع في التمتع به، وترك نفسه للتنعم بكل ما به، فالذي كان يحرم عليه الارتماء في حضن أمه، رحل عن حياته، وأصبح لديه حضنا آخرا، لا يبخل عليه بالحنان الذي هو في حاجته، قبل كتفها، ورفع فمها بالقرب من أذنها، وأخبرها في حاجة شديدة:


-أوعي تبطلي تحبيني، مهما عملت..


مسدت بيدها ظهره، وسمحت لجفونها بالالتقاء في راحة، وهي تستمع إلى متابعته بصوت هامسٍ يعج بالاحتياج لها، وبمشاعر عارمة؛ إن لم يصرح بعد بها، باتت تشعر بوجودها، متربعة قلبه، ومتملكة من روحه ولُبه:


-متشيليش الحب ده من قلبك، أنا محتاجه أوي.



يُتبع...