رواية نعيمي وجحيمها - بقلم الكاتبة أمل نصر- اقتباس - الفصل الخامس والخمسون
رواية نعيمي وجحيمها بقلم الكاتبة أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها
اقتباس
الفصل الخامس والخمسون
- يا بت بسألك اللي في بطنك دا واد ولا بت؟ قولي وما تخبيش.
هتف بها خالد لزهرة بلهجة جدية وهو يشير بيده إلى ما تحمله بأحشــ ائها، وكانت الإجابة بضحكة عالية وهي تنقل بنظرها إلى زوجها قبل أن تعود إليه:
- والله ما اعرف، إنت ليه مش عايز تصدقني يا طيب، ما انا قولتلك، لو طلع ولد إن شاء الله هسميه خالد.
- ولو طلع بت؟
سأل بها لينعقدا حاجبي جاسر بدهشة ويتدخل بالحديث بعد طول صمت وهو جالس بالقرب منهم، دمائه تغلي بداخله منها ومن ضحكاتها مع خالد هذا الذي يسرقها منه في كل مرة يجمتعا به ويستأثر باهتمامها، ألا يكفيه ما يعانيه وحده هذه الأيام ببعدها عنه رغم قربها، وحرمانه من لمســ ها حتى لو بين أصابع يده.
فخرج قوله ساخرًا بغيظ:
- نسميها خالد برضوا؟
ضحكت نوال ومعها زهرة بعد سماع جملته، ورد خالد بابتسامة زادت باستفزازه وهو يرتخي بظهره على المقعد من خلفه واضعًا ذراعه على كتف زهرة:
- لا طبعًا يا عم متسميهاش ولا تتعب نفسك، انا اللي هسميها واختار الأسم بنفسي.
إستجاب له جاسر بابتسامة ازدادت بسخريتها ليجيبه:
- كان على عيني يا خالد باشا، بس المشكلة بقى إن الطفل دا بالذات محجوز.
أخفض صوته يكمل بهمس ويده تشير بخفة للخلف:
- الست الوالدة والسيد الوالد حددوا الأسامي، سواء للولد أو البنت، ومش راضين يبلغوني انا ولا ومراتي عشان ما يبوظوش المفاجأة!
- مفاجأة!
تفوهت بها نوال تكتم ضحكاتها، وهي ترى وجه خالد الذي عبس كطفل صغير أُخذت منه لعبته، بعد أن ألجمه جاسر بحجته، والذي أكمل :
- معلش خيرها في غيرها، مش انت برضوا فرحك قرب، يعني مش بعيد نفرح بعوضك إن شاء الله، قبل ما يجي النونو التاني بتاعنا، وابقى سمي الواد وسمي البنت، حد هيشاركك يا عم؟
تدخلت معهما زهرة وقد أثرت بها كلمات جاسر:
- يا نهار أبيض، دا اليوم المُنى والله يا خالي دا اللي اشيل فيه ولادك على إيدي، ربنا يقرب البعيد يارب .
تمتمت نوال ومعها خالد الذي ضم زهرة إليه ليقبلها على أعلى رأسها يقول:
- حتى لو جيبت ميت عيل، انتِ البكرية بتاعتي وأول فرحة عيني، ولو انتِ مش واخدة بالك يابت؟
أردف بكلماته مشددًا عليها بذراعيه وهي مستجيبة لها بتأثر شديد، حتى إذا نزعت نفسها منه اصطدمت عيناها بعيني جاسر التي كانت تطلق شرار الغضب المستتر رغم جمود وجهه، لفها الإرتباك وعدم الراحة فنهضت متحجة بالإطمئنان على الطعام وما يعُده الخدم، وذهبت مغادرة للهرب من عينيه المسلطة عليها. انتظر لدقائق قليلة لينهض هو الاَخر:
- طب يا خوانا عن إذنكم بقى عندي اتصال مهم ولازم اعمله.
- اتصال إيه دا اللي حبك دلوقتي بس يا عم جاسر؟
سأله خالد بتشكك، ليجيبه جاسر ببساطة:
- شغل ياعم، شغل، عن إذنكم.
قالها وانصرف مغادرًا بخطواته السريعة من أمامهم، ليغمغم من خلفه خالد:
- باينه قوي حركاته القرعة، أكيد رايح وارها.
ردت نوال ضاحكة:
- مافيش فايدة، انتوا الاتنين عاملين زي العيال اللي بتتخانقوا على عروسة قماش، دا يقول بتاعتي، ودا يقول بتاعتي، بس انت كياد أوي.
تبسم لها رافعًا حاجبه بمرح، ليزيد بداخلها البهجة مع شعورها بسعادته بعد اطمئنانه على زهرة واستقرار الحال معهما اخيرًا وقد اقترب ميعاد زفافها به ولم يتبقى سوى إسبوع،
أجفلت لتلتف رأسها معه للخلف فجأة على أصوات الضحكات العالية لعامر ورقية، حتى لمياء تخلت عن جمودها قليلًا وقد أصابتها عدوى الضحك مثلهم ولكن برزانة لا تحيد عنها .
❈-❈-❈
وإلى زهرة التي كانت في طريقها إلى الخروج للحديقة، بعد أن أشرفت على قائمة الطعام الذي سيقدم بعد قليل، لتفاجأ بقبضة حديدية على رسغها وتجذبها للخلف، وقبل أن يصدر صوت شهقتها وجدته يحذرها بسبابته ، أومأت لتستسلم مضطرة لسحبه حتى دخل بها لغرفة المكتب، ليخرج صوتها اَخيرًا:
- في إيه يا جاسر؟
اقترب برأسه منها يحدجها بنظرة مخيفة وهي تتراجع للخلف برأسها على قدر ما تستطيع وقد حاصرها بينه وبين الجدار خلفها ليهدر مع أنفاسه المتهدجة بنبرة هادئة مريبة:
- اتقي شري يا زهرة انا على اَخري .
- وانا عملتلك إيه؟
قالتها بعفوية قبل أن تنتفض على ضربه للجدار خلفها بكف يده:
- ما تسأليش وتستفزيني، تسمعي الكلام وبس .
أومأت رأسها بمهادنة لتجتنب شره:
- حاضر حاضر.
سمع منها ليتبع بقوله:
- بقك دا ما يتفتحش بالضحك تاني أبدًا سامعة؟
- عايزني مضحكش خالص؟!
سألته بدهشة ليردد لها بإصراره:
- أيوة ما تضحكيش خالص.
اومأت تطيعه حتى تنتهي وقفتها، ليُكمل كازًا على أسنانه من الغيظ:
- وإياكِ اَلاقيكي لازقة جمب خالد، تروحي في أي حتة بعيد عنه فاهمة ولا لأ؟
عادت لعفويتها:
- بس دا خالي؟
- ما تقوليش خالي ولا زفت، تسمعي كلامي دلوقت وانتِ ساكتة.
أومأت مرة أخرى بعدم اقتناع، لتردف بسؤالها:
- في أوامر تانية؟
تسمر يطالع وجهها الجميل باشتياق وبداخله يود أمرها بألا تتجمل أكثر في عينيه، ألا تزداد فتنة بوضعها الجديد بحمل طفله، ألا تبتعد عنه ولا تخاطب أحد غيره، وألا يبتسم ثغرها الجميل لسواه أبدًا.
- مش كفاية بقى يا جاسر اتأخرنا عن الناس برا.
قالتها تفيقه من شروده، ليهدر غاضبًا:
- مالكيش دعوة بالناس.
للمرة الألف تومئ بمهادنة لهذا المجنونة حتى يفك حصاره عنها فقد طالت وقفتهم:
- حاضر تمام، مش هاتبعد شوية بقى خليني أمشي ولا اقولك انا عايزة اروح للحمام.
- إيه؟
- عايزة اروح الحمام يا جاسر.
اخيرًا شعرت بدخول الهواء لصــ درها، بعد إبتعاده عنها، لتتحرك مبتعدة عنه بحذر، حتى اقتربت من باب الغرفة تذهب سريعًا من أمامه وقد نجحت بحيلتها للهرب منه، فتتركه يضرب بكفه على الجدار خلفه، ليخرج غضبه المكبوت .
يُتبع..