-->

رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الثالث والثلاثون والخاتمة

 

 رواية صمت الفتيات بقلم الكاتبة خديجة السيد



الفصل الثالث والثلاثون والخاتمة

رواية صمت الفتيات



فتح اسماعيل عيناه ببطء كما هو.. كانت عينـاه حمراء من البكاء...ليشعر بنصل حاد ينغرز بصـ..ـدره كلما زاد ادراك الحقيقة داخل ثنايا عقله.... هو فقد طفلته... نعم فقد النبتة المزروعة لتُحيي انفاسه بالحياه لكن من دونها صدر عليه الموت مثلها... فقد طفلته ريحانه ولم يعد لها وجود بهذه الحياة الظالمة !!!!!..

كان مازال اسماعيل يجلس بالأرض يبكي بنبرة عالية لو كان بكي بها منذ فترة لكان كتمها بلا تردد ولكنه لأول مرة لا يفعل بل يتمنى أن يصرخ ويصرخ ليطرد أشباح الألم من داخله.....!! إلى أن ظل يبكي بصوت منخفض حينها خرجت رحاب من منزلها وهي تسحب دهب بيدها لكنها اتسعت عينيها بصدمه وذهول لتسال بقلق شديد

= في ايه يا استاذ اسماعيل؟ 

أصبح هو يشعر أن الهواء إنسحب من حوله حتى شعر بالاختناق رفيقه.. بينما إبتلعت رحاب ريقها بتوتر شديد قائله بصوت مرتجف

=مالك انت كويس في حاجه حصلت احنا مش اتفقنا هاروح معاك القسم وهنطلع بنتك ان شاء الله .. ايه اللي حصل؟ 

رفع رأسه بأعينه الحمرا من البكاء وكانت تتلوى روحه ألمًا وهمس بحروف متقطعة 

= خلاص ما عادش لي لزوم قلتي الحقيقه ولا ما قلتيش ما فيش حاجه هتتغير ولا اللي بيروح بيرجع، حكم الاعدام اتنفذ خلاص.. وريحانه دلوقتي عند اللي احسن مني ومنك 

شهقت رحاب بعدم استيعاب وندم وارتجف جـ..ـسدها بخوف وهي تحاول ان ترفض تصديق الذي حدث فبدأت بعض الدموع تأتي بعينيها كنوع من اشفاق القدر عليها

= إيه! لا مستحيل حرام ده يحصل هي ما لهاش ذنب.. انا السبب حسبي الله ونعم الوكيل يا ريتني كنت اتكلمت بدري عن كده شويه، لـيـه كـده انا عمري ما هسامح نفسي سامحني يا أستاذ اسماعيل

الدقائق التالية كانت مجرد هامش لتلك الحياه التي ضيقت جدرانها على روح اسماعيل، يتمنى لو يخبره احدهم انه مجرد كابوس.. ولكن بدا واقع مرير قاسي على القلب، و رحاب كانت تحدق به مذهولة مصدومة... 

ثم أستمع الي صوت نشوي زوجته تركض بخطوات سريعة إليه وهي تهتف بين أنفاسها بلهفه شديدة 

= اسماعيل.. اسماعيل انت فين انا عماله ادور عليك تعالي معايا بسرعه 

نهض اسماعيل بصعوبة شديدة وتوقف أمامها بعجز وخوفه أصبحـا كالأشواك ينغـزان صلابته التي لم يعد يتحكم بها.. رفـع أنظـاره لنشوي التي تعلقت عينـاها بحركته وهو يعض على شفتاه ليوقف بكاءه بصعوبة قائلا بصوت مبحوح

= عرفت اللي حصل يا نشوي والله العظيم كنت جاي عشان اخذ دهب و حد من اهلها عشان نروح نلحقها قبل ما الحكم يتنفذ بس ما لحقتش 

نظرت نحوها رحاب و عينـاها ممتلئة بالدمـوع وشفتاها ترتعش بضعف بينما هي تهمس بصوت مبحوح 

= انا اسفه حقكم عليا، ربنا يرحمها ويصبركم 

نظرت نشوي إليهم مطولاً بعدم فهم ودهشة ثم قالت بجدية

=انتم بتتكلموا عن ايه أنا مش فاهمه حاجه، انا كنت جايه اقول لك على الصحفي حمزه اتصل بيا قبل شويه وقال لي ان حكم الاعدام اتوقف خلاص عشان هو قدم دليل على كلام ريحانه وانها فعلا قـ..ـتلت حمدي عشان تنقذ دهب ،بدافع عن النفس! 

نظر اسماعيل إليها متجمدآ وكم كانت كلماتها مرهم علي ذلك القلب الذي يستنجد تخفيف ضغط ضربات القدر عليه....!؟ نظر بأعين زائغة لزوجته الذي تتطلع لها بتردد مرددا بخوف وقلق 

= انتي بتقولي ايه؟ انا لسه متصل من شويه بي رشوان وقال لي ان حكم الاعدام اتنفذ وانها ماتت.. بعد ما كنت خلاص هاخذ مدام رحاب و دهب القسم عشان يقولوا الحقيقه وهي وافقت اخيرًا

اومأت نشوي برأسها برفض بسرعة ثم همست بنبرة مرتعدة 

= بعد الشر حمزه اتصل وقال لي غير كده خالص، انا ما اعرفش رشوان قال لك كده ليه؟ بس مالوش لزوم يا اسماعيل تتحايل على حد عشان حمزه اتصل عليا من شويه و لاقي دليل على كلام ريحانه بصورة كمان.. وطلع على القسم على طول و وقف الحكم .. واكيد لي ان الحكم اتوقف... 

وقد تجدد الامل داخل اسماعيل بسعادة غامرة ولم يشعر بنفسه غير وهو يسجد لله شاكرا... ثم تابعت حديثها قائلة بصوت صارم بقصد

= وسواء مدام رحاب وافقت ولا موافقتش في أمر استدعاء بالنيابه هيجي ليها لحد البيت .. يعني مش محتاجين محايله عشان الحق يظهر

مسحت رحاب دموعها بفرحه عندما سمعت كلمات نشوي بينما أخفضت بصرها بحزن عندما وجهت الحديث اليها لتشعر بالندم ولم تقدر علي التحدث، فلوله دليل حمزه لا كانت توفت ريحانه بالفعل وهي من تحملت الذنب.

❈-❈-❈

وصل اسماعيل امام قسم الشرطه وكانت نشوي زوجته تجلس جانبه و رحاب في المقعد الخلفي هي وابنتها دهب، بينما ترجـل اسماعيل بسرعه من سيارتـه السوداء ثم سار بخطوات هلع نحوه القسم حتي كاد أن يتعثر لولا يده حمزه الذي امسكت به قبل ان يسقط وقال بجدية وحذر 

= عم اسماعيل حاسب خذ بالك 

تنفس بصعوبة شديدة من الركض بسرعه واجاب شاكراً إياه قبل أن يحـدق به بصدمـة، ثم اردف فاغرًا شفتيـه 

= متشكر يا ابني.. حمزه !! هو انت

عقـد اسماعيل حاجبيـه السوداويـن، ثم قال متساءلاً بحيـرة و خوف

= هو ايه اللي حصل يا ابني ريحانه لسه عايشه ولا مـ..ـاتـ..ـت طمني يا ابني الله يكرمك احسن انا اعصابي مش على بعضها، شويه رشوان يقولي ان الحكم الإعدام اتنفذ ودلوقتي نشوي بتقولي أن انت قلت ليها كلام غير ومعاك دليل وقدمته للنيابه عشان الحكم يقف... انا ما بقتش فاهم حاجه 

تقدمون إليه نشوي ورحاب وظلت دهب بداخل السيارة بمفردها.. ثم ابتسم حمزه وهو يقول بجدية

= اهدي يا استاذ اسماعيل وانا هفهمك كل حاجه، اولا ريحانه بخير وحكم الاعدام الحمد لله ما اتنفذ، انا المره اللي جيتلك و زرتك في البيت لما رحت معاك بيت بدر واحنا خارجين لما اتمشيت معاك لحد بيتك وقبل ما امشي من عندك.. اخذت بالي ان المحل اللي قصادك متركب فيه كاميرات وافتكرت ان ريحانه وهي بتحكيلي قالتلي أن فرحها اتعمل في نفس البيت عشان كانت هتسافر بعد كده مع العريس واهله عشان ما لهمش بيوت في مصر.. فجي في دماغي ان اكيد الكاميرا دي لو شغاله اكيد لقطت اي حاجه يوم الفرح ممكن تفيدنا 

ليكمل حديثه وعاد يقول بصوت قاتـم 

= انا ما كدبتش خبر ورحت ثاني يوم يكون المحل فتح واحاول اسال صاحبه بس للاسف ما لقيتهوش لما سالت قالوا لي انه مسافر لناس قرايبه ومش هيجي الايام دي خالص هم مش عارفين ممكن يجي امتى.. حتى تليفونات رفض اي حد يديني حاجه وهما مش عارفين انا عاوز منه ايه؟ فما كانش قدامي حل غير ان كل يوم اجي واسال على امل اني الاقيه... وبصراحه ما ردتش اقول لكم عشان ما تدوكوش أمل على الفاضي.. لاني خفت انه يخاف ويعمل زي استاذ بدر وما يرضاش يجي يشهد و نبقى ما عملناش حاجه غير عشمتكم وخلاص 

أخفضت رحاب عينيها بحزن شديد وندم، بينما
لينظر حمزه لهم بهدوء، ثم تنحنح قائلاً بنبرة يتخللها الانتصار

= بس الحمد لله اول ما وصل صاحب المحل كأن راجل كبير وطيب ،وقلت له على الحادثه واللي حصل اتعاطف جدا مع ريحانه وقال لي انه كان بيشوفها وهي صغيره خارجه رايحه المدرسه لحد ما كبرت وكانت طيبه وعمرها ما اذيت حد، وسامح لي اننا نفرغ الكاميرات ونشوف يوم الحادثه اي حاجه تفيدنا.. صحيح الكاميرات ما كانتش جايبه ريحانه وهي بتقتل ليه! لان الحادثه حصلت جوه الكراچ وللاسف الوقت ده ما كانش في كاميرات جوه الجراچ لانها كانت متعطله اليوم ده.. بس كاميرا صاحب المحل كانت شغاله الحمد لله وجابت حمدي اكثر من مره وهو عمال يتكلم مع دهب ويحاول يستدرجها وكمان وهو ماسك دهب ورايح بيها ناحيه الجراچ، والكاميرات لقطت كمان ريحانه وهي بتجري وراهم بعديها بربع ساعه وبتدور عليهم زي المجنونه.. وجابت كمان دهب وهي خارجه بتجري وبتعيط بعد دخول ريحانه بـ 20 دقيقه، هو ما كانش دليل قوي بس كانت ادله كثير تخلينا ان احنا نرجع ونطلب شهاده دهب بحكم محكمه مره ثانيه واحنا معنا الدلائل دي! وده اللي انا عملته، بس للاسف اليوم ده كان مصادف في حكم إعدام ريحانه 

إبتلعت نشوي ريقهـا بإزدراء وهي تستمع كلمات حمزه، و دموعها الهطـول بغزارة، نظـرت الي حمزه ثم تابع هو حديثه قائلا

= وكمان عشان ناخذ الامور قانوني انا قلت للمامور عشان يطلع قرار بتفريغ كاميرات صاحب المحل وهو وافق على طول.. وللعلم مش انا اللي لحقتها من حكم الاعدام لان انا لما وصلت كان عدي 10 دقائق، بس عشان ربنا رحيم وعارف ان ريحانه اتظلمت العسكري اللي مفروض هيعدم ريحانه وهو جاي حصلتله حادثه بسيطه كده اخرته ال 10 دقائق دول اللي انا لحقت فيهم انا والمامور نقدم الادله عشان نوقف حكم الاعدام 

أخفي اسماعيل دموعه بصعوبـة، يكاد يشعر بنهر من الدموع الساخنة يتناثر علي وجنتيه من شدتـه الألم، ثم تنهد يحمد الله كثيرا وقال بصوت مهزوز 

= احمدك واشكر فضلك يا رب.. الحمد لله.. الحمد لله يارب انك نصرت بنتي وظهرت حقها في الوقت المناسب على اخر لحظه 

في تلك اللحظة ظهر رشوان وإتجـه نحوهم بسرعه ولهفه شديده حتي وصل أمامهم قائلا متلعثمًا

= اسماعيل انا اسف انا عمال اتصل بيك مش بترد ليه؟ حقك عليا انا ما كنتش اعرف ان حكم الاعدام اتلغي على اخر لحظه ولا أن العسكري عمل حادثه كمان، انا رفضت اكون موجود وقت اعدام ريحانه لاني مش هستحمل موتها وانا شايفكم كده و استاذنت من الضابط ومشيت وكنت خلاص عارف ان كلها دقائق و الحكم هيتنفذ، بس ما كنتش اعرف كل التفاصيل اللي حصلت عشان كده توقعت انها خلاص اتعدمت لما قلت لك.. انا اسف يا اسماعيل

نظر إليه اسماعيل هو يتذكر حاله انهياره عندما علم بخبر موت ريحانه وقد اعتقد انها فارقت الحياه بالفعل، ثم اجابـه بهدوء مماثل بل زائـد، مغلف ببعض الضيق 

= حرام عليك يا رشوان انت مش عارف عملت في ايه اول ما قلتلي ان الحكم اتنفذ.. بس انا متاكد ان غصبا عنك، خلاص المهم ان دلوقت الحقيقه قربت تظهر وفي امل ثاني 

هز رشوان رأسه ببعض الأسـف بصمت بينما هـزت نشوي رأسهـا بأعتراض شديد و عاطفة الأمومة هى المسيطرة الان فقط، ثم اردفـت مترجيـة 

= طب احنا دلوقت هنعمل ايه الادله اللي معاك دي كفايه انها تظهر براءه ريحانه ولا ايه إللي هيحصل

نظـر حمزه للأسفـل، ثم حك ذقنـه بطرف يده، يفكـر في حلاً ما لتلك الأجابـة فهو ليس متاكد بنسبه كبيره من براءه ريحانه بعد هذه الادله، نظر لها مرة اخرى واجابه بهدوء حذر 

= انا بصراحه ما وعدكوش بالبراءه وما اعرفش الحكم هيكون ايه دلوقت ممكن نسال المحامي ونشوف اللي هيحصل بعد ما الحكم هيـ..

قطعته رحاب هاتفه بنـبرة حملـت الحزن والأسف والألم معًا في طياتهـا 

= اللي هيحصل ان شاء الله براءه ريحانه هتظهر حتى لو الادله الجديده اللي ظهرت معاكم مش كفايه انا لسه عند وعدي يا استاذ اسماعيل ويا مدام نشوي.. انا مش هغلط نفس الغلطه مرتين ودهب معايا اهي وهتعترف بكل حاجه..

تطلع نحوها الجميع بدهشة وابتسموا براحه نوعا ما، بينما تنهـدت نشوي تنهيـدة حـارة تحمل الكثير والكثـير داخلها.

ثم توتـرت رحاب بشـدة عندما تذكرت تهديد زوجها بالطلاق اذا تحدثت، لا تنكر انها تخشـي سقوطـها في حفـرة ما عميقـة تسلب منها كل شيئ، منزلها..و زوجها .. ولربمـا أسرتـها الصغيرة "بـناتـهـا"، لكنها اخذت القرار ولم تتراجع ولا يوجد وقت للتراجع من الاساس وهي تفعل الصحيح وما يرضي ضميرها و بالتاكيد ربها لم يتركها في هذه المحنه تواجهها بمفردها، نظرت إليهم بهدوء تام ومن ثم أردفت بحـزم 

= صحيح ممكن الامر ده يكلفني خساره كثير في حياتي بس انا متاكده ان ربنا هينصرني طالما نيتي خير ... وانا بعمل لمصلحه بناتي قدام عشان ما يسكتوش لما يتعرضوا لحاجه زي كده ثاني، و مهما هيكلفني الامر انا اخذت القرار خلاص ولازم الحقيقه تظهر وبنتي تقولي الحق وتاخذ حقها.

❈-❈-❈

فـي مـنـزل زبـيـده.

إنعدام الضمير سريعا ما يتمكن من مرتكب الذنوب، شيئا فشيء مع تكرار كل ذنب، ينتقص جزءٌ من إحساسهم بتأنيب الضمير، إلى أن يُشاع في نفوسهم الفجور، ويقبلون على المعاصي، والأفعال المشينة بقلوب ميتة، حتى تنتشر وتسود العتمة من النور، و يحبس ما هو مدفون بداخل القلوب من سواد داخله.

تنهدت زبيده بضعف وهي تقول بصوت حزين

= عاوزه اشوف اخوكي يا منى من ساعه ما عرفت ان حكم الاعدام اتلغي على اخر لحظه والقضيه هتتعاد ثاني بعد الادله اللي ظهرت جديده وانا عاوزه اوصل لهم، بس كل ما بحاول اتصل بيهم ما حدش بيرد عليا شكلهم لسه زعلانين مني، بس انا عاوزه اشوفهم تفتكري اعمل ايه يا منى عشان نرجع الود ما بيننا زي زمان؟ 

نظرت إليها مني عده لحظات قبل أن تتحدث بجمود

= انا من رايي يا ماما ما تعمليش حاجه خلاص سيبيهم في اللي هما فيه، والافضل كل واحد يبقى مع حاله بعد كده

اتسعت عينا زبيده بدهشة ونظرت إلى مني باستغراب قائله مستنكرة

= ازاي بس هنفضل كده متخاصمين طول العمر، كله من اخوكي حمدي الله يسامحه ويغفر له هنقول ايه بس 

اشتدت تعبيرات مني من قولها، وانتفضت في جلستها بحركة سريعة لتنهض والغل والحقد المستعمر علي وجهها، وهدرت فيها بسخط جم

= نعم! هو انتي بتدعيله بعد كل اللي عمله، بتدعي لمين يا ماما بتدعي لواحد دمر حياه حفيدتك وبنات كثير زيها.. هو انتي مفكره بعد عمايل ابنك دي في حد ممكن يسامحه ،اللي زي ده كل ما تفتكريه المفروض تدعي عليه ان ربنا يبتليه حتى في اخرته ده كان انسان مؤذي ما كانش بيعمل حاجه غير انه ياذي اللي حواليه وبس 

أدارت زبيده جـ..ـسدها لها، بينما كانت تنظر نحوها ولا يفرق بينهما سوى بعض سنتيمترات، ثم حولت نظرها تجاه آخر في الفراغ بصمت، خفق قلبها وهي تشك بشئ واضح، وجحظت بعينيها في تشكيك حولها عندما ذهب فكرها نحو احتمالية كون أبنها لمـ..ـسها أو أقترب منها هي الأخري...!! أمارات الصدمة الظاهرة على محياها، عندما أبصرت زبيده تعقد ملامحها المرعبه، جرت عيناها بنظرة سريعة على وجه ابنتها رأت لمحة ألم لوجهها جار عليها الزمن لم يخفي عنها ظهور ذلك بؤسها المرسوم والمحفور، في خطوط وجهها، والانطفاء المتفشي بعينيها ولكنها لم تستطيع إخفاء ضيقها في تلطيخ قذرات الماضي نحوها، التي عملت بقسوة و جهد على دفنها، بينما راح لسانها على فورا ينطق بكلمات تخرج بصعوبة بالغة 

= ايه يا منى اللي انتي بتقوليه ده في ايه؟ ما هو ابني في الاخر مهما يعمل وانا عارفه انه غلطان بس مش بايدي حاجه اعملها، بس انتي مالك بتتكلمي كانك.. بس لااا لااا اكيد ما توصلش للدرجه دي مستحيل 

ازداد مرارة حزنها مما تعرضت له من صنعها هي والدتها وتحملت على نفسها وجع قلبها لسنوات طويلة حتي لا تضع في هذه المواجهه امامها، وردت عليها بوجه جامد وصوت مقتضب

= وليه مستحيل، تفتكري انتي كده بينك وبين نفسك ما فكرتيش فيها.!! اذا كان إبنك مهانش عليه بنت اخوه ذات نفسها ولا بنات الناس يبقى مش هيستخسر يعمل اللي بيعمله في اخته اللي قريبه منه على طول، تؤ تؤ دي حتي تبقي عيبه في حق ابنك انه يعدي حاجه زي كده 

همست زبيده بصوت منخفض مرتجف وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شده الخوف

= انتي تقصدي ايه؟؟ لا مسـتحـيـل اللي بفكر في يكون صح! انتي بتكذبي عليا صح هو اكيد كده! مش هتوصل للدرجه دي انطقي يا مني يا بنتي وكذبيني ابوس ايدك انا مش حمل الصدمه دي كمان.. قولي ليا ان انا احساسي غلط.. انطقي لااا لازم يكون في حاجه غلط 

هزت راسها مني ساخره بألم و امتلأت بالحزن والألم، تجسدوا في هاتان الكلمتـان بكل معانيهم، وكأني هذا الزمن عدوًا لها ليهلكها هكذا دون ذنـب مفتعـل! بداخلها تحترق بمجرد التذكرة فقط.. فإذا لو كان الغضب والحزن لهم رائحـة لكانت فاحت الرائحة منذ زمن. 

حدجت زبيده فيها بنظرة لا تستوعب كل هذه الكوارث صرخـة مدوية أطلقتها زبيده من بين شفتيها المرتعشتيـن بهلـع وألم عندما رأت صمت ابنتها لتعرف الاجابه دون حديث.. تلك الحقيقه المقـززة التى تكرهها تكفلـت بمعرفتهـا هزت هي راسها عده مرات بجنون وكأنها تجاهد للحصول على الحرية من تلك حياتها المليئه بالفساد والظلـم، ظـلت تلهـث لدقيقتـان تحـاول السيطـرة علي حالة الهلع التى سيطرت عليها حتى لا تفتح لها الطريق لما يصدق عقلها، وصاحت فيها بجـزع حقيقي 

= يا نهار اسود ..يا نهار اسود ليه كده يا ابني حرام عليك ليه بتوجعني كده، حتى بعد موتك

لتكمل بصوت مبحوح وعينيها المحتقنة بالدموع التي تنطلق منها أحزانها التي لم تعد تعرف عددهم من كثر الصدمات.. بعجز وقله حيله

= عمل لك ايه يا منى.. لمـ..ـسك! عمل نفس اللي عمله في ريحانه معاكي ولا ايه بالضبط فهميني؟  

أجابت مني قولها وهي على حالة الجمود المتعجرفة

= عامله فيها مصدومه ليه المفروض تكون حاجه متوقعه اصلا، حاولي تفتكري زمان كنت ازاي بخاف اقعد مع ابنك لوحدنا حتى بعد ما كبرت واتجوزت كنت بترعب اسلم عليه بس وكنت بتحجج باي حجه عشان ما اجيش في وقت هو موجود فيه في البيت، كل دي حاجات ماخليتكيش تشكي و تفكري بعد ما عرفتي حقيقه ابنك و ان ممكن يكون عامل ليا حاجه.. ولسه بعد كل ده عندك امل ان احنا ظالمينه

انفرجت شفتا مني ببسمة متشفية وهي تتذكر عندما أخبرتها والدتها بموت شقيقها أظهرت حينها السعاده المتـ..ـعريه علي وجهها، واستشفت أنه الله قد أخذ حقها منه إلى ما فعله بها بالماضي وبي غيرها

= عارفه انا يوم العزاء كل الناس كانت بتعيط وزعلانه عشانه الا انا كانت دموع الفرحه ان اخيرا راح وربنا انتقاملي منه.. بس للاسف ما كنتش اعرف اللي عمله في ريحانه و يا ريت كنت اعرف كنت هونت عليها زي ما كنت بهون على نفسي وانا ساكته

ثم تغيرت ملامحها وتصاعد لهيب الحقد في حدقتيها وقالت بصوت خشن باستهجان شديد 

= ومش هتفرق تعرفي عمل ايه ولا اللي حصل خلاص ما فيش حاجه هترجع تتصلح واللي راح ما بيرجعش، المهم انه حصل وانا فضلت كاتمه في قلبي سنين عشان ما تصدميش في ابنك لاني كنت عارفه انك على طول بتحبي وتفضلي علينا و كنت متاكده انك عمرك ما هتصدقيني اصلا.. 

التفاهم أمرٌ ضروري في علاقة الأم بابنائها يقوي الرابط الأسري بين كليهما، ويخلق نوعا من الصداقة الوثيقة بينهما، القائمة على النصح والإرشاد من ناحية الاباء والامهات، والناجم عنها صراحة الأبناء والاعتراف بما يُقترف من الذنوب والأخطاء، وعلى عكس ذلك النهج حدث في تربيه زبيده مع ابنائها، كانت تخلق بينهم علاقه عدوانيه بسبب التفرق في المعامله، وتنصر الجاني علي الحق ولم تعترف بخطا ابنائها.  

حمحمت بعد مرور بعض اللحظات التي قضيتها في النظر إليها وحاولت محو الكراهية والنفور الذي شائعة في تعابير وجهها وأومأت بهزة بسيطة من رأسها بالإيجاب وشددت على نطق الحديث بثبات شديد

= بس إللي لازم تعرفي ان انتي السبب في اللي حصل ايوه انتي ما تبصليش كده انا ما رضيتش اقول لاسماعيل عشان مايشيلش هم واخلي يكرهك ويبعد عنك اكثر.. عشان انا سمعتك في مره زمان وانتي بتطردي الشغاله وبنتها لما قالت لك ان ابنك المصون اعتدي عليها وانتي فضلتي تصرخي وتزعقي وتقولي لا مستحيل أبني يعمل كده و اخر ما زهقتي اديتلها فلوس وقلتلها اسكتي ولا اكن حاجه حصلت.. 

اخفضت زبيده راسها بحزن وندم والدموع بين عينها تسقط بألم.. تابعت حديثها قائلة بمرارة وسخرية وكانت الشرارت النارية مثبتة بعينيها ظاهره

= في اللحظه دي بس اتاكدت انك بتكوني عارفه وفاهمه إبنك بيعمل ايه كويس وبتداري عليه عشان خايفه على مصلحته ومستقبله انما البنات اللي ابنك بينتهك عرضهم وشرفهم عمرك ما فكرتي فيهم ولا لحظه.. 

تقوس فم مني بشبح بسمة هادئه بالكاد ظهرت، وهي تعلق ببرود متهكم 

= عشان كده اللي انا فيه ده بسببك انتي و ربنا دلوقتي بيردلك اللي كنتي بتعمليه زمان في بنات الناس بدل ما بتجيبي ليهم حقهم 
من ابنك ،ولا حتى فكرتي في مره تحاسبيه على اللي بيعمله

وضعت زبيده بضعف شديد يدها فوق فمها بعدم تصديق وذهول... ثم همست بصوت مكتوم باكي والقهر ينبثق منه و هي تحاول دفع الغمامه والثقل من أعلي صدرها بضراوة

= حقك عليا يا بنتي والله ما اعرف ان الامور هتوصل لكده.. وكنت طول الوقت حاطه في دماغي ان في يوم من الايام هيتعدل و يبطل يعمل اللي بيعمله من نفسه.. طب فهميني هو عمل لك ايه بالضبط اعتـ..

نظرت مني إلي زبيده بعينين لا يرتد لهما جفن، اهتاجت أعصابها غير اخدت كلامها بعين الاعتبار وامتلأت عيناها الناظرة إليها صيغه كره وقطعت حديثها في نبرة ما تزال حاملة الثبات رغم كل ما تشعر به من الأوجاع

= مش عاوزه اتكلم ولا عاوزاكي تسمعي.. قلت لك مش هتفرق في حاجه ولما تعرفي مثلا هتجيبيلي حقي منه وهو دلوقتي بين ايدين ربنا وهو اللي هيخلص ذنبي وذنب كل البنات اللي كان بيعملوا فيهم.. وانتي كمان هيجي دورك ما تقلقيش... عشان الحاجه اللي بتبتدي بظلم ..بتخلص بظلم

أشاحت بنظراتها التي كان يعلوها بعض العتاب،و التي تعلم أنه لم تؤثر ولا تفيد بشيء، و وجهت حديثها إلى والدتها وهي تجيبها بإيجاز 

= اقول لك على حاجه نشوي معاها حق 
ما تدخلكيش بيتها بعد إللي حصل، وانا كمان كرهت البيت ده بيفكرني بحاجات وحشه قوي وحاسه كمان كاني بشم رائحه إبنك فيها لسه حتي بعد ما مـ..ـات..!! الأفضل إني مجيش ثاني هنا واحاول اكمل حياتي مع اولادي.. وما تقلقيش وانا باربيهم هعمل عكس اللي انتي كنتي بتعلميه معايا زمان .. عشان الزمن ما يعيدش نفسه و ارجع اندم على اللي راح

صفعه ثانيه أقل ما تصفها بها أنها لعينة، ماضيها الاليم داخل أطيافها أو سرد أحداثها ولكن حتى لو اكتملت الصورة في ذهنها بدايتها لم يشهدها احد غيرها بعينيها غيرها هي! وان حكت ليس هناك فائده بعدما ان انتشل نفسها من بين براثن حيوان بشري ضارٍ، لا يعرف للرحمة أي معنى، واختفت منه كل معالم الإنسانية، إلى الآن تتذكر ما أصابها استرسلت مليئة بالنحيب المقطع لنياط القلوب، وملطخا بدموع حارقة أصابت قلبها بالندوب، وكل ما تحاول فعله الان؟ أن تتخطي حدود هذه التجربة ونسيان الماضي و التركيز مع اطفالها و زوجها فقط حتى تنشأ اطفال طبيعيين لم يلوثهم الزمن ولا ماضيها الاليم. 

رحلت مني خارج المنزل الذي شاهد على مأساة متتاليتين، بينما سقطت زبيده بصعوبة بالغة أعلي المقعد خلفها وكل خلية من جـ...ـسـدها ترتعـش من أفعال ابنها لهذا الحـد فقد تجاوز كثيرا وكل ذلك لانها هي من دارت عليه في البدايه حتى لا يضيع مستقبله هدر!! بينما هو نفسه أضاع مستقبل الاخرين بكل جبروت.. حتي ابنتها ذات نفسها لمسها هذا الطوفان! لا تـدرى ماذا يجيش بـ..ـصدرها تحديدًا عندما سمعت من ابنتها أيضا أنه بالتاكيد صدر منه أفعاله السيئه عليها هي ايضا.

رفعت مقلتيها بصعوبة والدموع تنهمر أمام عينيها بغزارة حدقت بالمنزل لتجد نفسها اصبحت بمفردها الجميع راحل وتركها كانها كالوباء اذا ظلوا جانبها سيصابهم اللعنه.. تركها الجميع تتحمل ما كانت تبنيه في الماضي من افعال جيده وافعال سيئه ايضا؟!. فهذا حال الدنيا نحصد ما زرعناه في حياتنا.. و جلست زبيده وحدها تنتظر مصيرها هي الاخرى وتتمنى ان يكون الصدمه القادمه هي الموت..!! 

❈-❈-❈

يتـ..ـجسـد المستقبل امامي كحبـة لؤلؤ رقيقـة هادئـة، لتقترب عاصفـة قويـة وتهدمهـا لتصبح قطع صغيرة متناثـرة، واركض أنا لمحاولة لعودته كما كان، ولكن من الممكن ان نقل للماضي .. هيـا عـد ؟! ، ام انه لا يعود بأكملـه بل شظايا مؤلمـة منه فقط ليس إلا !! ليس كل من يتألم يستطيع استخراج نفسه من تلك الحـفره، ففيه تلك اللحظات الشعور بالوحدة وحدها لا تكفـي للتعبير عن مدى العجز.. والحزن

لكن دائما يتجدد الامل مثل الغلاف الهادئ الهاش ومن واحد لديه الاراده القويه هو من يستطيع ان يمتلك هذا الأمل! لكن ليس الجميع لديه هذه القوه؟ لكن لا من قال هكذا بداخلنا جميعاً قوه كبيرة ونستطيع فعل الكثير بها بلا المستحيل لكن نحتاج الى اراده فقط!! 

بـعـد مـرور 3 شـهـور عـلى مـا حـدث.

= حكمت المحكمه حضوريا بالبراءه على المتهمه ريحانه اسماعيل عبد الرحيم ..رفعت الجلسه. 

لم اصدق ما سمعته باذني ،فغرت فمي من الصدمه والذهول عندما استوعبت ما قاله القاضي ،لقد تم الغاء الحكم الصادر بحقي وظهور براءتي واغلقت القضيه بانني قتلت للدفاع عن النفس، هطلت من عيناي العديد من الدموع ،دموع السعادة ليست دموع الحزن لقد ظهرت براءتي أخيرا.. بعد كل ما حدث هل اخيرا سوف اعلن انتصاري! انحنت ساجده احمد ربي واشكره انه قد افرج همي.

حسنا ، من قال ان الانسان لا يطير ؟! ساعتها كنت اسير ولا اشعر بقدمي تطأ الأرض من الفرح ! كثيرةً من كلمات التي ترددت في عقلي ولكن لساني لم ينطق بأي منها.. حيث دقات القلوب فيه ترتفع لتصل الى أعالي الفضاء ..عالم يسرقني من كل القسوة التي مررت بها كيف يمكن للإنسان ان يتناسى الأيام القاسيه بهذه السهولة ؟! فقد جاء الفرج اخيرا.

بعد أيام، خرجت بخطوات بسيطة من خارج القسم لانظر الى الشمس الساطع واتنفس بعمق شديد الهواء الطلق الذي كنت محرومه منه لمده طويله.. طويله جدا.. ثم انتفضت على من يحتـ..ـضني لتكون امي، ذارفي العديد من عبرات الندم بحضني دمـوع .. لا لا شلالات أقل ما يُقال عنها، عصفت بعيني بحزن تعمقت منها، وهي مازالت تبكي بحزن وسعـادة تتبعهـا شهقات متتاليـة. 

ثم أخذني ابي فى احضـ..ـانه بنفس راضيه، انهمرت العديد من الدمعات لسعادتي بعودتي الى أسرتي بعد معاناه كبيره.

ابعدني ابي عن أحضـ..ـانه برفق وابتسم بخفة ينظر إليه من بين دموعه ليقول بصوت هادئه

= ما نفسكيش تركبي عجل زي زمان؟. 

نظرت اليه بحيره فقد صدمني سؤاله ، يبدو انه يمزج بالتاكيد! ولم استطيع منع ابتسامتي وانا اتساءل بعدم فهم

= عجل اللي فكرك بي دلوقت يا بابا ده كان حلمي زمان وانت للاسف حرمتني منه عشان كنت خايف عليا، بس خلاص كانت احلام راحت لحالها ما بقاش وقتها وما بقاش ينفع 

لم يستجـيب لكلامي وهو يهز رأسه نافيًا بأصرار مبتسم بـ بحبور هاتفاً 

= من قال كده ده وقتها و وقتها كمان، هشتري ليكي عجله ثانيه بس كبيره طبعا عن بتاعه زمان عشان تركبيها 

تنهـدت بقوة، ثم نظـرت له بنصف عيـن ثم قـلت مشاكسًا برغم كل ما بداخلي من همـوم

= ويا ترى مش هتخاف عليا زي زمان وهتاخذها مني عشان تحميني؟ من إللي بره. 

لم يجيب بلا صمت لحظه و كان ينظر اليه والحزن يتملكه واحساس بالذنب لايفارق عقله، لكنه حاوط كتفي بحنان وقال بصوت دافئ اشعرني بالامان والتغير في المعامله و التجدد في التفكير!!. 

= مين قال كده طبعا هفضل خايف عليكي وبحميكي.. عشان انتي بنتي أغلي من روحي، بس زي ما بخاف عليكي هاديكي حريتك من غير ما احرمك من حاجه، وانا متابعك من بعيد و وقت ما احس انك عاوزه مساعده من غير ما تطلبي هتلاقيني جنبك! بس المره دي فعلا هكون جنبك مش مجرد كلام وبس

ابتسمت امي على حديثنا وهي تمسح دموعها بصمت، بينما تحسس أبي وجنتي بلطف وهمس نبرته بحرارة و تحدث من بين شفتيه باشتياق

= وحشتيني يا ريحانه.. وحشتيني اوي يا بنتي حاسس كانك كنتي مهاجره وكنتي بعيده قوي عننا في رحله طويله كانت ما لهاش اخر.. بس الحمد لله كل حاجه انتهت وانتي دلوقت رجعتي ثاني لحضـ...ـننا.. نفسي اعمل حاجات كثيره قوي معاكي واعوضك على كل ثانيه كنت بعيد عنك فيها

اخذت كف يده الايمن لاقربه من فمي واقبله بحب وحنان قائله مسرعة دون تفكيـر

= وانتم كمان وحشتوني أوي... وهي فعلا كانت رحله طويله على الكل بس كلنا خرجنا متعلمين منها ومستفيدين. 

ثم استـدار اسماعيل ليغادروا وهو يحاوط كتف أبنته بحنيه و ريحانه أمسكت بيد والدتها و بدأت تتحسسها لتشعر بالأمان والطمأنينة و نشوي تقبض عليها بقوه وتبتسم لها بحب و راحه.. فرح .. هانئ مرتاحه واخيرًا !!

بينما علي بعد مسافة كان حمزه قطع صمته الشارد عندما وجدهم يركبون السياره ويرحلون! فهو كان يشاهدهم من بعيداً وكان يتنهد بين كل حينٍ واخـر ! و عينـاه المبتسمـة عليهم تشاهد سعادتهم وجمع الشمل!.. نعم المبتسمـة فعيناه فعليًا كان يشع منها شعاع سعيد ..ثم تحرك هو الاخر للرحيل فرحلته انتهت الى هنا؟ أو ربمـا هو يعتقد ذلك فلا احد يعلم ماذا تحمل لنا الاقدار في المستقبل.

❈-❈-❈

لم يكذب ابي حين قال كانت رحله طويله وشقه على الجميع بالفعل، تعلمت فيها الكثير وفهمت اشياء اكثر، فهذه طبيعتي في الحياه دوماً اتعلم من الزمن وليس من الاهالي.

لكن بعدها تغيرت معامله ابي وامي مطلقاً واصبحوا بجانبي كثيرا ويعلموني اشياء كنت بحاجه ان اتعلمها من قبل.. واصبحت انا رقم واحد في حياتهم والأهم.

اعترف انني بالفعل اخطات حين لجات الى ذلك الحل حتى اتحدث هنا فقط و ابوح عن ما بداخلي لكن المـ..ـوت والانتقام لما يكن حل مطلقاً، و اذا عاد بي الزمن سوف افعل الكثير ماعدا الموت! كنت سوف اتحدث من اول مره بإصرار فولاذية كنت سوف اسير هنا وهناك اتحدث واصرخ دون توقف حتى ينتبه اليه احد ويصدقني مهما يكلفني الأمر أوجاع و احزان، لكن بالتاكيد في النهايه سوف أجد من يستمع اليه و يجلب لي حقي.. و الاهم ساكسر قاعده الصمت.!  

واول قرار كنت اخذته بعد خروجي من الحبس هو ان اذهب الى طبيب نفسي اعالج نفسي من كل تلوث قد اصابني في تلك الحياه.. وابني جـ..ـسدي وفكري من جديد .. ابني ريحانه ذاتها وأنا هنا كنت أخوض رحله جديده وابحث فيها عن ذاتي.

لم اعتقد انني قد انتقمت الى ماساتي بموت حمدي! لأن الانتقام لا يبرئ الجراح. 

لقد سامحتك يا عمي!!. نعم لا تستغرب!. 
لقد سامحتك لكي لا يكون لنا عند الله لقاء.

❈-❈-❈

بعد مرور شهرين، في منزل إسماعيل تحدث رشوان مبتسم بسعادة وهو يقول مرددا

= اما انا عندي ليك خبر يا اسماعيل بمليون جنيه مش هتصدق اللواء طلب مني اقول لك انك ممكن ترجع الشغل من بكره عادي زي الاول و وعدني هو بنفسه هيدخل في الموضوع ده عشان ترجع الشغل ثاني.. ايه رايك في الخبر ده بذمتك مش استاهل عليه عزومه من بتوع زمان

ابتسم اسماعيل و هز رأسه قائلا ببساطة

=يا سيدي إذا على العزومه امرها سهل.. بس مين قال لك يا رشوان ان انا موافق ولا عاوز ارجع الشغل من الاساس ثاني

اتسعت رشوان عينيه بدهشة وبصدمه ثم أخذ أنفاسه و هتف بعقل تائهه

= نعم وما ترجعش ليه ما خلاص بنتك والحمد لله براءتها ظهرت وهي واحده واحده بتبتدي تعيش حياتها وترجع زي زمان، وهي بتابع مع الدكتوره وانا شايف بنفسي ان حالتها بقت تتحسن.. ده انا قلت اول ما اقول لك الخبر ده هطير من الفرحه هو انا مش عارف بتحب قد ايه شغلك

هتف اسماعيل بابتسامة هادئه، و نبره تحمل الكثير والكثير من طياته قائلا بجدية

= الحمد لله على كل حال، فعلا ريحانه بقيت في تحسن احسن عن الاول بس برده انا لسه ليا واجب عليها وانا اخذت عهد على نفسي مش هقصر معاها ثاني.. وانا راضي عن القرار ده جدا هي دلوقت محتاجاني اكثر من اي وقت وانا كمان محتاجلها اعوضها عن أي تقصير صدر مني.. واذا كان على شغلي انا خدمت فيه كتير وزياده و راضي جدا على اللي انا وصلتله من قبل ما اقدم استقالتي كمان، عشان كده مش هتراجع فيها ابدا... 

ثم تابع حديثه دون تفكير مرتين وتحدث اسماعيل بصدق و ما زالت تلك الإبتسامة التي تحتل وجهه موجوده

= وبنتي هي اولى باي وقت لسه باقي في حياتي معاها هي وامها وبس.

❈-❈-❈

بعـد مـرور ثـلاث سـنـوات.

في منزل بسيط مكون من ثلاث غرف وصاله ومطبخ وحمام، كنت اجلس انا على المقعد امام المكتب بداخل غرفه النوم وامامي بعض الاوراق و الاقلام كنت اكتب بها قصه حياتي منذ البدايه الى النهايه.. وكنت أضع فيها النهايات، وبعدها سوف ارسلها الى دار النشر مثل ما اتفقت معها منذ سنوات..

كان هذا اقتراحًا مني ، وساعدني فيه زوجي ، لتوثيق قصتي في كتاب حتى يعرف الجميع قصتي ويكون دافعًا له حتى يتحدث عندما يتعرض للتـ..ـحرش الجـ..ـنسي من قبل أي شخص ، مهما كان الأمر ، وينبغي أن يتكلم مهما كان ..

تركت القلم وتنهدت براحه وانا أرجع ظهري للخلف اجهـر التعجـب عندمـا تفـر السعادة إلي حياتي مثل أدراج الريـاح، لتترك أسيرًا بين طيـات الحزن المتـردد !!

فليس كل الكسور نهاية قد تكون بدايه الكسور حريه وعندما التفت أحياناً خلفي القى نظره على الماضي فاكتشفت اني خرجت حي من مذبحة.. 

ولكن ما كان تمنيته صار وأنتهى الأمر .. أنتشلت من بين موجـاتي التي كادت تسحقـني، في الاول انتصرت على معاناتي وسكوتي في ذلك المجتمع.. تحدثت نعم تحدثت اخيرًا ان تم الاعـ..ـتداء عليه من قبل احد اقاربي واستمر هذا الاعـ..ـتداء لمدة ثلاث سنوات.. وعلي يقين بانه سوف ياخذ جزاءه بالاخره.. وبعدها اكملت فترات علاجي مع الطبيبه النفسيه، وكانت هذه اصعب مرحله عليا و لكن في النهايه خرجت بعزيمة و قوه داخلي لم اتوقعها.. وبعدها تزوجت وانجبت طـفلـه ..!!! اكثر شيء لم اتوقاه ان يحدث في حياتي لكنه حدث ببساطه. 

السعادة التي كانت خير خلفية لنهايـة حتمية! حدثت يتردد أحيانا بداخلي صدى الالام على الماضي الراحل! وتشاركت الألم مع رجل أصبح زوجي ونصفي الثاني بالحياة.. وبين أحـ..ـضانه في اخر الليله كلاً مننا يحاول إمتـصاص حـزن الأخر الذي يدمي قلـبه... حتي نمحي قسـوة او حقد أو جشـع ..و نزرع الحب فقط بقلوبـنا.

ثم أفقت علي دخول زوجي بينما اقترب وأمسك هو بيدي ليرفعها لشـ..ـفتاه يقـ..ـبلها وهو يقول بحنية جعلها ترفرف بأجنحة سعادتـي قائلا 

= خلصتي الكتاب ولا لسه؟ عشان نلحق نطبعه وننشره زي ما اتفقنا معاهم.

بقت نظراتي متوجهه امامي والشـرود خير سكـون فيا، وكأني لا أري غير ما بداخل عقلـي فقط، و شردت في الماضي قليلا.

كنت سعيدة ومُهللة، انتهى كل شيئ و أثبت اني مازالت على قيد الحياة .. وحصلت علي الحريـة !! قد ظننت تلك السعادة بعيدة جدًا عن مستوى الواقع، لكنها بيوم وليلة أصبحت هي الواقـع في حد ذاتـه ..لقد نلت حريتي اخيرًا .. 

أصبحت حُـرة غير مُقيـدة برابط الصمت والعار 
ذلك الرابـط الذي كان يخنقني أكثر يومًا بعد يوم ..كنت اسيـر كـ عصفورًا حرروا أجنحتـه لتـوه و الابتسامة لم تزول من أعلي ثغري ابدًا ...

ابتسم اسماعيل بخفه ولم يتفاجئ من طلب حمزه بزواجه من ابنته ثم هتف بهدوء

= عارف يا حمزه ان انا كنت حاسس انك فعلا هتيجي تطلب ريحانه مني للجواز في اي وقت.. و حسيت الاحساس ده امتى؟ يوم ما كنت هقع قدام القسم ومسكت ايدي وقلتلي يا عمي

فنظر حمزه له مذهول للحظـات متوتر قبل أن يقـول وليسأله مستفهمًا 

= طب افهم من كده الرد هيكون ايه هتوافق تجوزني ريحانه؟ 

هـز اسماعيل رأسـه نافي ليقول ببعض الضيق 

= مش بالسهوله دي اكيد ولازم رايها الاول، وقبل ما تقولي هي موافقه ولا رافضه لازم تعرف ان جوازك من ريحانه مش هيكون جواز عادي ،اكيد مهما تعدي السنين الاخبار والصحافة هتفضل تجيب سيره الموضوع إياه، و ما حدش هينسى الموضوع.. غير ريحانه لسه بتتعالج ومش مؤهله نفسيا ولسه مشوارها طويل قوي عشان ترجع طبيعيه زينا.. هتقدر بقي أنت تستحمل كل ده من غير ما تشتكي في يوم ولا تندم.. غير أن ريحانه غاليه عليا قوي ومش هاديهالك الا لما اتاكد انك راجل يعتمد عليه و عمرك ما هتئذيها، وكمان اتاكد انك مش عاوز تتجوزها عشان شفقان عليها

غيظ حقيقي استقباله حمزه عند اخر كلماته لمشاعرا على وتيرة الاعتراض !! هو يشعـر ..شعوره معها مختلف يمكن صحيح بالفعل ليست حب لكن ربما إعجاب شديد، لكن دقاتـه التي تتراقص على نغمة عزيمتها في الحياه لم تكذب !! وكان دائما إعجابه يزداد يوم عن يوم بها، هو لم يعرف ما هذا الشعور؟ لكن عندما يكون معها حينها كل خلايـاه تهلل داخليًا من السعادة.. ولكن عقلـه منصـدم بخزي من نفسه أن تفهمه خطأ وتشك أنه كان يرتدي قناع زائف ويتصنع الطيبـه حتى يقترب منها، لكنه حقا كل حـرف كانت تقطـر بألم وهي تسرد مأساتها و تلقيها بوجهه سابقه كان يشعر بها كانها قاتلة اياه هو! ولكن ...من الان وصاعدًا لن يبتعد عنها ابدًا .. حتي و لو ظل السبب مجهـول يجهله!! 

تنهـد تنهيـدة طويلة حـارة ثم ليحدق به اسماعيل قائلا بجدية

= انا مش شايف في مشكله في كل اللي حضرتك قلته عشان أخد حذري ولا أعيد تفكير تاني.. وإذا حضرتك عاوز تتاكد ان فعلا استاهل تامني على بنتك ولا لاء؟ فده حقك طبعاً واتفضل خذ كل احتياطاتك وانا هكون لسه عندي طلبي ومستني الرد

❈-❈-❈

هتف كلماته حمزه التي تدل على الحاجة إليه ولأول مرة ليست كالنيران لتحرقني، لاني لم اجد في عينيه الرغبه وإنمـا كـانت يكسوهـا الحنان والهدوء الغير معتاد ، وكلماتـه لمست قلبي الذي يرتجف حرفيًا ! أسبلت اهدابي وأنا اتسأله ببلاهة 

= أنت بتقول ايه يا حمزه تتجوزني أنا؟ 

أبتسم حمزه و هز رأسه بنعم مرددا

= أيوه بقولك أنتي يا ريحانه، أنتي اللي عايزها تبقي مراتي و حبيبتي و أم أولادي.. موافقه تتجوزيني يا ريحانه وتبقي نصفه الثاني وتكملي معايا حياتي الجايه

قلت بتردد بهمس ولم ارفع عيناي لانظر إليه 

= أنت متاكد من اللي انت بتقوله ده؟ عاوز تتجوزني أنا

تحدث حمزه بصدق و ما زالت تلك الإبتسامة التي تحتل وجهه موجوده وهو ينظر لي هامسًا 

= أيوه أتجوزك أنتي، أنا لو لفيت الدنيا كلها مش هلاقي حد ذيك في احترامك وادبك و مش هلاقي حد أتعلق بيه ذيك، أنا عاوزك تشاركيني حياتي و تشاركيني تفاصيل يومي و كل حاجه في حياتي

رفعت عيناي انظر له مباشرةً بعدم فهم ليتابع بابتسامة 

= أنا مش عاوزك تستجعلي يا ريحانه براحتك، خدي وقتك في التفكير براحتك، و أنا هستناكي فكري ذي ما أنتي عاوزه 

سقطت كلماته على اذني كصوت الرعـد وفهمها كان كالبرق على عقلي في سماء بحيره وخوف، ابتلعت ريقي بصعوبة و بدءا القلق منه! هتفت بصعوبة بالغة

= ليه عاوز تتجوزني اشمعنى انا بالذات؟ اظن واحده ذيي لازم تستغرب طلبك وانت عارف عني كل حاجه ومع ذلك جيت و طلبت مني طلب زي ده ليه؟ 

هز رأسه ببساطة واجابته ايضًا كانت تلقائية 

= وانتي إيه اللي اعرفه عنك ممكن يدينك.. بصي يا ريحانه أنا ممكن في الاول كنت بعتبرك ذي اختي وده بجد مش مجرد كلام بس شويه بشويه أبتديت أحس أني بنجذب ليكي، واعجبت بشخصيتك و قوتك، وبعد الحمد لله ما طلعتي براءه حسيت أني لازم اصارحك .. ريحانه انتي فيكي عبر كثير جميله ممكن انا مش بحبك دلوقت الحب اللي هو القوي اللي بيتكلموا عليه.. بس واثق بعد كده لما نقرب من بعض اكثر اكيد في يوم هنحب بعض، او حتى لو ماحصلش الحب ده كفايه يكون بينا تفاهم وتبادل واحترام

كُتمت انفاسي وانا احاول بث الطمأنينة في نفسي من كلماته وصدقها! وكانت صوت دقات قلبي الحائـرة تخترق اذني! وشعرت بقشعريرة تسري في جسدي صمت قليلاً ثم قلت بشرود 

= مش عارفه بصراحه اقول لك ايه؟ أنا بس يعني مصدومه شويه، أو يعني الموضوع فاجأني انا عمري ما فكرت فيك بالطريقه دي ولا اني اصلا ارتبط واتجوز تاني بعد اللي حصل، وحتى لو فكرت في الموضوع ده هيبقى بعد وقت طويل قوي.. عشان دلوقتي عاوزه اركز في اني احاول اعيد ابني نفسي من جديد شخصيتي انا كـ ريحانه

شعر حمزه ببعض القلق من حديثي والجدل حول عدم القبول وهو يفكر هل يمكن أن تقوم برفضه فنظر لها و هتف قائلاً بحزم 

= طب وفين المشكله ما تعملي كل ده وانا جنبك ومش لازم جواز على طول ممكن نخليها خطوبه لحد ما تتاكدي وتثقي فيا ، وافقي يا ريحانه و أنا أوعدك أني هعيشك حياه بسيطه اللي كنتي بتتمنيها من غير خوف وقلق،و مش هخليكي تندمي يوم واحد أنك اتجوزتيني 

وضعت يدي علي حجابي و عدلته بتوتر، و عيناي تزوغ بكل مكان بخوف و ارتباك افكر هل بالفعل حمزه يريد أن يتزوجني هذا أخر شئ توقعته أن يحدث بحياتي، فهو لم يجذب إنتباهي لذلك الموضوع و لو مره واحده أخفضت رأسي و هتفت بصوت منخفض

= ما هي المشكله هنا يا حمزه موضوع الثقه ده مستحيل ارجع اثق في حد ثاني بسهوله.. آآ غير في حاجات ثانيه مش عارفه اقولها لك ازاي مش هتفهمني بس انا مش مؤهله للجواز نفسه في دلوقت ده خالص عشـ آآ مش عارفه اقول ايه بجد

سؤال واحد كان يرتكـز بعقلي الان؟ عندما عرض عليا طلب الزواج! فكرت كيف ستكون حياتي الزوجيه كيف سامارسها بسهوله هكذا بعد كل ما حدث لي، لم اعرف كيف اوصل لي هذه النقطه الان؟! ولكن كأنه قرأ افكاري فأجـاب هادئًا 

= مش محتاجه تقولي حاجه انا فاهمك كويس جدا عاوزه تقولي ايه وعارف كل ده من قبل ما اعرض عليكي الجواز.. واكيد كل ده فكرت في وجي في دماغي ومعنديش مشكله فيه وانا هصبر معاكي لحد الاخر.. فكري براحتك أنا قولتلك مش مستعجل خدي كل الوقت اللي أنتي عاوزاه و أنا هفضل مستني

ظليت انظـر له بتردد شيئ ما لا اعرفـه في تلك العينـان التي يغلفهـا العطف والحنان يجذبني كالمغناطيس له؟ لكن في نفس الوقت أشعر بذبذبات في عقلي تحذرني من ذلك الاقتـراب ! و لكن يجب أن أخذ وقتي في التفكير أولا؟ وفي النهاية استسلمت لا اعطيه فرصه اسير معه هذا الطريق ببطئ، في هذه التجربه و لأول مرة بدأت استشعر بارتياح عارم !!!

الآن.. .

نظرت إلي حمزه زوجي عندما كان يتحدث معي وابتسمت بلطف له وهو مسح على شعـري بحنان و اقترب مني وضـ..ـمني بود مبتسماً... الابتسامـة التعبير الوحيد الذي يتلبسه الجميـع عند السعادة .. نظرت وأنا بحـ..ـضن حمزه الى سطح المكتب الى برواز الصوره حيث كان حمزه مبتسم وهو يحمل مولدتنا الحبيبة والوحيدة.." مليكة " 

التي بعد وصولها إلى الدنيا ، أخذنا العهد ، أنا ووالدها حمزة ، أن الوقت لم يغيرنا أو ينقصنا شيء ..وفرحتنا بها لم تغنينا علي ان تنشأ بالحب والاحترام، واننا نعرفها حقوقها في ذلك المجتمع بدون .. تلوين و..لا تزوير. 


الآن.. .

الصمت احيانا يكون جريمه لا تغفر صراع جديد وحروب خفيه واوجاع وخذلان ستعيشهم طالما قد اخترت الصمت. 

كانت هذه اخر كلمات ختمتها ريحانه في قصتها.

انتهـت ديمة اخيرا من قراءه قصه ريحانه كامله فمسحت تلك الدمعة التي فـرت هاربة من بين جفونهـا، لا تصدق ما قراءته عن تلك الفتاة الشجاعه التي تدعي ريحانه لقت عانت كثيرا بالفعل وعاشت ماساة لم يستوعبها عقلها كيف استطاعت ان تخرج حيه من تلك المعركه.. بالفعـل تجمـدت ملامحـها وهي تقـرأ ذلك الكتاب وتدقق بتلك الحـروف فيها تُظهر مبطنها الحقيقي ... 

فهي كانت منذ ليله امس حتى طلوع الفجر تـحبس نفسها بغرفتها بمجرد أن تشعر بذلك الألم يعاودها و تدخل في صـراع بين التحدث إلي عائلتها أم الصمت؟

لكن هنا سوف تدفع ثمن هذه الصمت، لكن اليوم القدر اوقع أمامها ذلك الكتاب التي كتبت فيه ريحانه قصه حياتها وما حدث لها حتى تكون عبره لغيرها وقد اسمت الكتاب"صمت الفتيات" لعل تكون هذه القصة دافعاً لكل فتاه للتحدث؟!. 

شعرت ديمة بـكيانـها البـارد يُزلزل بمجرد أن تشرد في قصتها هي الأخري و المعلم الذي تـ..ـحرش بها في المدرسه ولذلك هي لم تعد تريد الذهاب الى المدرسه حتى لا تتعرض لاذى منه.. ولكن هذا بلا فائدة !! تشعـر بالخوف المُمـيت يُجمد أطرافها فاليوم ستعود إلى مدرستها بامر من والدها ..حتى لا تغيب كثيرا عن مدرستها فهم لا يعلموا السبب الحقيقي وراء غيابها
 
لتفكر في ما حدث الى صاحبه القصه ريحانه عندما صمتت لسنوات! هل ستنتظر مثلها حتى ياتي كارثه كبيره تضطرها للحديث حينها؟ هزت ديمه راسها بنفي وهي تبكي بحرقه وقهر... صراحه هي لم تعد تحتمل .. تشعر أن داخلها يأكلها كالصدئ في الحديـد، يؤلمـها دليلاً خوفها وهي ليست المذنبه.

أوقفت بكائها لحظات وإستـردت تفكر في أن تتحدث إلي أهلها من الممكن يساعدوها وليس مثل ما تفكر، ولكن تشعـر بالقلق.. لا تعلم كيف ستقول شيء كهذا إلي عائلتها، لكن كل ما يهمـها هو أن تصل إلي حل وينتهي هذا الكابوس حتى لا يتمادى المعلم عندما يشعر بخوفها وصمتها. 

إبتلعت ريقها بازدراء ..قد حـان الوقت، دقت ساعة الصراحة وإقتربت النهاية ! تعلم أنها ستعاني قليلاً .. لا بل كثيرًا حتى تسلخـه نهائيًا من المجتمع، ولكن ها هو المفتـرض ان يحدث..وهو الصحيح.

❈-❈-❈

في الخارج.. .

كانت في نفس اللحظه تخرج والدتها من غرفه والدها وهي تسير بخطوات بطيئه من اثار النوم و الخمول الظاهر على ملامحها الناعسه.. ثم عقدت حاجبيها بدهشة عندما وجدت ابنتها تقف مقابلها وقالت بصوت منخفض من اثار النوم

= ديمه! انتي اللي مصحيكٍ دلوقت لسه بدري على مدرستك ادخلي نامي الساعه دي عقبال ما اصحي ابوكي يروح الشغل ،عشان ما تروحيش المدرسه نايمه على نفسي

هزت ديمه رأسها برفض بصمت بينما تبتلع الغصه التي تشكلت بحلقها وهي تفكر برد الفعل عندما تنطق وتقول بأن المعلمه في المدرسه يتحرش بها اكثر من عده مرات ،لا تنكر انها شاعره بخوف لم تشعر به من قبل في تلك اللحظة لكن لابد ان تتحدث ولا تكتم هذا السر بداخلها حتى لا تسوء الامور بطريقه سيئه اكثر نتيجه صمتها وتجاهل الأمر حتى لا يتمادى المعلم أكثر ويحدث مثل ما حدث مع ريحانه وغيرها.. هتفت والدتها وهي تتنهد بضجر

= في ايه يا ديمة مالك هو انا بكلم نفسي ما تدخلي يا حبيبتي تنامي الساعه دي، وبعدين مال عينيك حمراء كده انتي ما نمتيش كويس ولا إيه.. اوعي تكوني بتعملي كده عشان ما ودكيش النهارده كمان، يا بنتي كفايه اجازه مش عاوزين حد يستقصدك في المدرسه

اخفضت ديمه رأسها هامسه بصوت منكسر ضعيف شاعره بألم حاد يقبض على قلبها ممزقاً إياها فور ان خرجت كلماتها تلك أخيرا منها لكنها حسمت امرها ولم تتراجع عن الحديث ولا عن حقها مهماً حدث.! 

= ماما انا عاوزه اقول لك حاجه.. آآآ بس عاوزاكي تصدقيني وما تجيش عليا وتجيبي حقي عشان انا مش عايزه اسكت اكثر من كده.. و رد فعلكم هو اللي هيخليني اتشجع بعد كده واتكلم وما اخبيش عليكم حاجه 

اخذت تتفحص والدتها وجهها ولاحظت الدموع ملات عيناها و وجهها شاحب وجـ..ـسدها يرتجف ، اقتربت منها و وضعت يديها فوق وجنتيها بحنان وهمست بصوت ممتلئ بالقلق والخوف عليها

= خير يا بنتي في ايه قلقتيني؟ هو انتي مش عايزه تروحي المدرسه ليه في حاجه حصلت في المدرسه عشان كده مش عايزه تروحي؟. 

للحظه فكرت ديمه لماذا هذا الخوف والارتعاب و معالم الارتعاب المرتسمه فوق وجهها هي لم تخطئ في شيء هي الضحيه وليست الجاني لما كل هذا الخوف كانها هي المخطئه وليس ذلك المعلم المتـ..ـحرش، وتذكرت كلمات ريحانه الذي كتبتها في اخر قصتها تحذير للفتيات التي مثلها، بان يتذكرون دائما ان الحق معهم هما وهم الضحايا وليس مخطئين في شيء ولا يجب ان يظهرون ضعفهم والمواجهه في البدايه هي الحل الامثل دون تراجع.. 

ثم أخذت نفس عميق بهدوء وبعدها حسمت امرها ستواجه مهما كان مصيرها؟ ستواجه لأن هذا الصحيح وهذا حقها ولا يجب ان تتنازل عنه، صحيح تعرف أنها ستواجه في ذلك المجتمع اشياء سيئه بعد قولها لكن ستواجه هذا العالم طالما الحق معها هي..!! وهي على يقين ان ربها لم يتركها مظلومه بمفردها في هذا العالم، لتردف مضيقه عينيها بتركيز و نظرات ثاقبه هاتفه بثبات شديد

= ماما انا بتعرض لتـ..ـحرش جنـ ـسي في المدرسة من الأستاذ بتاعي و اسمه مدحت ...!!! 

اكسري صمتكٍ ولا تستسلمي.. في البدايه كانت ريحانه وبعدها فتيات تشجعت للتحدث واليوم كانت ديمه فمن يعرف من سيقع عليها الاختيار لتكون القادمة.. ربما انتٍ!

وساقول مره ثانيه الياس طريق للعجزين وانتٍ ليست ضعيفه ولا عاجزه حتى تخافي من أشخاص يدعون اشباه الرجال فالحق معك ولا تعطي فرصه لاحد ان يكسرك بل اكسري انتٍ حاجز الصمت لاجلك و لأجل كل فتاه مثلك .. اكسري ضعفك والخوف بحديثك اكسري فكره ان يكون هناك "صمت الفتيات"

تـمـت بـحـمـد الـلـه