رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل السابع عشر النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
الفصل السابع عشر
النسخة العامية
بعد
مرور خمس أيام..
"الرسالة رقم 211
لكِ..
اليوم رقم
222 منذ رؤيتكِ لأول مرة..
واليوم
رقم 7 منذ رؤيتك بحفل الخطبة..
اليوم
رقم 160 منذ عودتي..
بداية
الدفتر الثالث..
"ورطة
عصيبة"
لا تقلقين من العنوان، ولكنني لا أجد وصف آخر سوى هذا، أنا حقًا لا
أدري لماذا أكتب؟ أسأل نفسي كل مرة أمسكت بقلمي وأنا أباشر ثرثرتي المعتادة بين
هذه السطور..
ولكن هناك حقيقة واحدة لا أنفك أعود إليها، أنا أكتب وأنا أراكِ حولي،
استنشق رائحة عطرك، وأغمض عيناي لوهلة وأتخيلك بالقرب مني، جالسة، تنظرين إليّ
بتلك العسليتين، وتستمعين لترهاتي وتفاصيل حياتي البائسة..
لقد دونت كل ما أتذكره من تواريخ ببداية هذه اليومية، لعلك تعرفين
يومًا ما أن حياتي بأكملها بكل ما فيها من أيام تملك تقويم خاص لا يبدأ ولا ينتهي
سوى بكِ أنتِ وحدك..
أقسم لكِ أنني حاولت أن أصل إليكِ، هاتفتك، حدثتك بيني وبين نفسي،
ولكن الرفض القاطع منكِ جعلني أشتعل غضبًا، أنا غاضب منكِ للغاية لدرجة أن تلك
الأصوات بعقلي تحرضني على اختطافك وأسرك للأبد بجانبي ومعي حتى أستطيع البوح كلما
أردت..
روان أنا منهك، رأسي يؤلمني كألم رجل حُكم عليه بعدم النوم لأبد، لا
أستطيع النوم، ولقد خذلت نفسي وخيبت أملكِ بعودتي للخمر من جديد، ليس هناك حل بين
يداي سوى مناجاتك والبوح لكِ، لا أعرف هل أهرب منكِ إليكِ بهذه السطور أم أشكو
إليك حالي..
لا أستطيع فهم
كل ما يدور حولي، ولأن رفضك أصبح واقعي وعالمي، ما بيدي حيلة سوى أن أفر منكِ
إليكِ بمناجاة خيالية لم ولن تحدث سوى بعقلي المريض..
صغيرتي.. اقرأي التالي بتمعن وسأعرف ما قراركِ لاحقًا.. ولكنني إن لم
اتحدث سأنفجر حتمًا وسيحاولون جمع أشلاء رأسي بصعوبة قبل أن يتوارى بقية جسدي أسفل
التراب..
لقد أجبرني والدي من جديد على تحمل ما لا أكره أكثر منه، القضايا
الرتيبة الروتينية، العودة للعمل، النجاح من وجهة نظره، ولإلحاحه الشديد قبلت هذه
المرة بعد أن ورطني بالأمر.. هذه بداية القصة.. أمّا التالي فلا أعرف ما الذنب
الذي ارتكبته لأجد نفسي في مواجهة كل هذا!
ولكن هذه القضية تحمل
قصة ذات طابع خاص، ربما هذا هو السبب الوحيد الذي جعلني شغوف بوضع نهاية له ولكن
ليس قبل معرفتي بكل ما حدث بينهما!
علي أن أخبرك ببداية ما حدث وأرتب لكِ الأمر
ليس كما سقط عليّ وأنا أحاول ترتيبه والبحث خلفه، أكره هذه الخطوة بكل قضية، كل
موكل لا يأتي ليُخبرك القصة من البداية، فقط يخبرك بالنهاية أولًا ثم عليك أن
تبحثين عن البداية بنفسك، كيف لرجل أن يفهم القصة من نهايتها؟! لقد قرأت آلاف
الكُتب، بعضها من الروايات والأساطير، ولكنني لا أذهب للنهاية أولًا، أقرأ من
البداية وأخشى أن أصل لآخر ورقة بالكتاب لكي أدع النهاية تُفاجئني..
دعكِ من ترهات هذا المختل القارئ، سأقص أنا القصة وربما نستطيع من
خلال سطوري أن نحكم عليها في النهاية..
لكل كاتب أن يضع أبطال وشخصيات أخرى لها بعض الأدوار المحورية، ولكنني
كلما اتضحت لي الأمور وجدت العديد والعديد من الشخصيات.. ولكن دعيني أعرفك على
الأبطال الرئيسين في هذه القصة.. سأبدأ كما التقيت بهم..
سليم بدر الدين الخولي، هذا هو الرجل الغاضب المتذمر الذي لم يقبل منذ
البداية أن يعرف الكثير عن رجل ويتستر على أعماله غير القانونية، سنترك التفاصيل
عن المتهم في قضيتي لنهاية رسالتي.. ولكن دور "سليم" هو أنه قدم كل
الأدلة التي يملكها ضد، شهاب الدمنهوري.. هذا هو المتهم الذي بات كل ما أعرفه عنه
يؤرقني ليلًا بأيامي الماضية.. يُمكننا أن نطلق على البطل الأول أنه فاعل الخير
بأعين السلطات.. وعلى الصعيد الشخصي اراه ينتقم بطريقة أخرى على كل ما فعله متهمي به، ولكنني لم أتحمل التحدث معه لدقيقة واحدة!!
البطل الثاني، بدر الدين الخولي، هذا الرجل يكون والد الأول، لا يمكنني
وصفه هو الآخر لأن ليس لدي وقت لذلك، ولكنه رجل ذكي، هادئ، غريب قليلًا عن المعتاد
بالنسبة لرجل في عمره هذا، على ما اعتقد لديه أحفاد وقد يكون من عمر والدي، ولكن
بمجرد التحدث له رأيت رجل وطفل يتحدثان بنفس اللسان، لا أعرفه، ولكنني أخشى أن
أراه مجددًا، أخشى التحدث له، وكأنني كنت ككتاب مفتوح بمجرد الجلوس أمام عينيه،
دعينا منه، ودعي ما شعرت به معه ليذهب سُدى، مشاعري لن تقوم بحل هذه القضية، ولكن
ما عرفته منه وعنه كان بمثابة القصة بأكملها، هو من بدأ هذا، هو السبب، أو هو ردة
الفعل، لا أدري، ولكن هذا الرجل سيتبع الأول قلبًا وقالبًا في كل أفعاله، فبالرغم
من محاولته لمساعدة المتهم بقضيتي إلا أنه نفس الرجل الذي تعاون على الإطاحة به..
ستأتي التفاصيل مع بطلي الأخير!
إلى هُنا كانت مجرد قضية روتينية مملة.. ثم، تغير كل شيء..
حسنًا، وجود امرأة بالقضايا لطالما غير كل شيء، هذه هي البطلة
الثالثة، ومتهمة هي الأخرى، لا أعرف ما تُهمتها تحديدًا لأن ليس هناك ما يُدينها
سوى أنها أصبحت من تملك كل ما كان يملكه متهمي الرئيسي، ولتُصدقي هذا، أنا لا
أستطيع الالتفات للبقايا، لم أقرأ ولم ابحث عن حرف واحد مما بحث عنه المحامون
الآخرون، لقد بدأت من الصفر وكأن كل ما فعله كل من قبلي كان بمثابة ثرثرة لا فائدة
منها، الآن فهمت لماذا لا أحب أن أقرأ مُلخصات الكُتب والروايات.. إذا أردت أن
أقرأ شيء أجد نفسي وجهًا لوجه مع أولى حروف الكاتب، أتمنى لو كان هناك بين يدي
كتاب لقصة المتهمان الرئيسيان، لكان الأمر أسهل..
ما تهمة "فيروز عبد الحي"؟ الإجابة سهلة، تهمتها هي العشق..
العشق لرجل لم يكن عليها الوقوع في عشقه.. قد يؤلمكِ هذا، ولا يقل ألمي عنكِ،
فالعشق وحده كفيل بصنع آلف قضية، وقد ينتج عنه ما لن يُكفيه دفتري للتحدث عنه..
لم أرها مباشرة، لم أنظر بعينيها، كان عليّ التعرف عليها من عدة صور
ومقطع وحيد يجمعها بمتهمي الرئيسي شهاب الدمنهوري، زوجها، الزوج الذي قتلها بتهمة
الخيانة، ولكن هي لم تفعل، وهو كان مجنون على ما يبدو.. ولكن أنا وأنتِ ننتمي لهذه
القصة بشكل غريب، ربما أنتِ وما حدث بيننا يجعلني أود أن ابرئها، كنوع من أنواع رد
الاعتبار لامرأة كل ذنبها هو أنها عشقت الرجل الخاطئ..
شهاب الدمنهوري، الرجل الخاطئ وزوجها، رأيته في نفس اللحظة الذي رأيت
بها زوجته، ولكنني بدأت بالتحدث عنها لأن المرأة بمجرد رؤيتها يتغير كل شيء، ولقد
تغيرت أنا وتغيرت نظرتي للأمر بالكامل لأنني لم أر سواكِ أنتِ ونفسي، وكل ما
يُسيطر على تفكيري أنني كدت أن أفعل بكِ المثل..
ما الذي عليّ أن أقوله أو أكتبه عنه، في سطوري هو الرابع، ولكن لا
يسعني أن أصفه بآلاف من الكلمات سوى أنه رجل لم يفعل بحياته سوى أنه اتخذ الطريق
الخاطئ مثلما كان الرجل الخاطئ.. في كل شيء، منذ بداية حياته على ما يبدو إلى
نهايتها! وبالخاطئ أعني الكثير، هذه الكلمة تصفه تمامًا.. القتل خطأ، والتجارة غير
المشروعة خطأ، أن تقتل من تعشقها خطأ، وأن تكون عضو من أعضاء عائلة مافيا إيطالية
خطأ، واغتصـ ـاب النساء خطأ.. حسنًا لقد فعل كل ما يُمكن لعقلكِ تصوره، وما لا تستطيعين
تخيله كذلك.. السؤال الأهم، أين هو؟! لو زوجته قُتلت ودُفنت وتم التحفظ على
الأموال التي باسمها، أين هو من كل هذا؟! لقد بات سؤالي الوحيد!
هناك رجل آخر، ولكنه ليس بالأخير، أعتقد أنه البطل الرئيسي لقضيتي،
الأكثر ظهورًا، والوحيد الذي ارتاب بأمره..
معاذ، ضابط بالمباحث، صديق زوج فيروز المتوفي، نعم لقد كانت أرملة قبل
وقوعها في العشق، وهنا لن أستطيع الوصف أو التحدث، سأنقل لكِ تمامًا ما حدث بيني
وبينه وما توصلت له، هذا الرجل هو مفتاح هذه القضية بكل ما فيها!
منذ خمس أيام..
وبعد أن تحدثت إليكِ ورفضتِ أنتِ الاستماع إليّ كان عليّ أن ألجأ
للطريقة الوحيدة التي اعرفها، أن أكون خبيث ومتلاعب مثلما كنت بالماضي، لذا ذهبت للمشفى
الذي توفيت به فيروز عبد الحي، بقليل من الأموال وفنجان قهوة كان عليّ أن أعرف أن الضابط
معاذ هو من تولى كل شيء يخصها، وبعد البحث بسجلات مكالمات هاتفية وجدت أن هناك
مكالمة قد تم إلغائها من سجلات هاتفه، بعد شهر واحد من موتها!
رأيته يومها، يجلس بمكتبه، يتفحصني مليًا وعينيه لا تخبرني سوى بهات
ما عندك، إنك لن تصل لشيء.. ولكن علمني والدي أن الطرق غير القانونية هي من تحل
القضايا القانونية واستخدام كل ما به ليس إلا مجرد امتياز لبعض المحاميين!
يومها أشار لي بالجلوس بما لا يتناسب مع شخصية رجل مثله، لقد كان متواضع
لين للغاية، وكأن عمله لم يؤثر به، تساءلت بيني وبين نفسي كيف وصل لهذا بعد أن
سيطر عليّ عملي لسنوات:
- اهلًا وسهلًا اتفضل، فهمت إنك عايزني
بخصوص القضية..
جلست أمامه وأنا اتفحصه كما علمني والدي، ولكن هدوئه الشديد لم يجعلني
افهمه فأخبرته:
- تمام، ده صح فعلًا..
وهنا بدأ بيننا حديث طويل لم ينته سوى ليلًا بعد مفاوضة شرسة معه، لم
أنس منها حرف واحد إلى الآن، قد تصفينني لو قرأتِ هذا بأنني رجل خبيث، أقص هذا
عليكِ صغيرتي لأنني لا أريد نسيان هذا لاحقًا.. ولكن يومًا ما أريدك وأنتِ تقرأين
هذا أن تثقين بأنكِ الوحيدة التي ائتمنها على كل ما يجري في حياتي البائسة!
دعكِ من الثرثرة واستمعي لكلماتنا معًا، فلقد قمت بتسجيل كل شيء بيني
وبينه على هذه الرقاقة الصغيرة كما فعلتِ أنتِ معي يومًا ما!
- أنا كل اقوالي متسجلة هي وشهادتي في
الموضوع، معتقدش إن في حاجة تانية تتقال..
- ده برضو صح، قريت أنا الكلام ده، إنك
وصلت البيت ليلة ما الفيديو اتنشر لقيت دم على الأرض ولقيت البيت فاضي، وكمان أنت
الوحيد اللي أتكلم مع فيروز عبد الحي بعد ما فاقت بشهر وفي نفس اليوم ماتت لما
جالها نزيف.. مش دي برضو اقوالك؟!
لم أحصل وقتها سوى على هزة رأس، وهدوء مبالغ في مقدراه، ولكنني لم
أقبل هذا أمام شغفي وفضولي وغضبي، لذا كان عليّ أن الفت انتباهه بكل ما توصلت له
عنه!
- لو واحدة مرت باللي حصل أكيد كانو
عايزين اقوالها، بس الغريب إن أنت اتدخلت ومسمحتش بده، والأغرب إنك اتدخلت تاني عشان
جثتها متتشرحش، وبرضو اللي مخليني مستغرب أكتر هو مكالمة مراتك ليها في نفس
الليلة، والحاجة بقا اللي تجنن هي المكالمة اللي اتمسحت بعد شهر بالظبط من موت
فيروز، ده كله مش موجود في شهادتك، ولا في اقوالك.. مع إن ده مهم ويفيد القضية!
صغيرتي، هذا تهديد، ولكنه لم يتلق أي منه بسهولة حيث قال بمنتهى
الهدوء:
- يعني أنت بتعترف إنك وصلت لمكالمات
بطريقة غير قانونية على موبايلاتي أنا ومراتي، ده لواحده قضية!
قام بتهديدي، هذا مقصده، ولكنني تفاوضت معه بمنتهى الثقة ورددت الصاع:
- متقلقش، دي قضية سهلة وممكن أخرج منها
بسهولة.. جلسة واحدة عليها كفاية.. وبمحامي صغير كمان من اللي بيشتغلو عندي.. بس
ساعتها هتخسر شغلك، وهتخسر كتير اوي، لأنك وقتها هتطلع في عين القاضي والمستشارين
كداب ومتآمر وبتتستر على متهمين في قضية بقت قضية رأي عام! تاخدلك فيها كام سنة دي
جنب رفدك من شغلك؟!
همهمت له ببرود لأغير مجرى الحديث، فأنا حقيقة لم ائتِ لتهديده، لقد
أتيت لأعرف منه ما الذي حدث:
- أنا عايز أبرأ فيروز عبد الحي، دي بقت
فلوسها بعد ما جوزها اتنازلها عن كل حاجة، وأنت اللي اتدخلت عشان تساعدها، فأظن
إنك مش هتمانع أبدًا بأي شكل من الأشكال إنك تساعدها تاني.. فاعتقد أنا وأنت مش من
مصلحتنا إن اقوالك تتغير، أو سجلات المكالمات تبقى جزء من الأدلة في القضية!
- وأنا قولتلك إن اللي عندي أنا قولته!!
معرفش بتضيع وقتك ووقتي ليه!
لم يكن هينًا استمراره على الرفض بينما هو الحل الوحيد أمامي للوصول
لدليل وحيد في هذه القضية لذا كان عليّ أن أكمل مفاوضتي بأي شكل من الأشكال:
- طيب، بما إنك ساعدتها مرة واتنين
وتلاتة وقولت كل اللي عندك، ما تحكيلي كده ايه اللي حصل كله، يمكن تكمل جميلك
وتعرف تساعدني الاقي دليل!
- مش عايز اضيع وقت ونلف فـ نفس
الدايرة، تاني بقولك أنا قولت كل اللي عندي.. فلو عايز تدور على دليل يبرأها
فدليلك مش عندي..
- طيب تعالى نحسبها حسبة تانية، إيه
رأيك أحاول كمحامي إني اقنع القاضي نراجع كل المكالمات الخاصة بأطراف كتيرة في
القضية دي.. عارف إنها هتاخد وقت ومجهود وساعتها هبقا بوصل لكل حاجة بطريقة
قانونية بأمر من المحكمة.. وكمان هبقا اديتك الفُرصة وحذرتك.. وساعتها بقا قدام
المحكمة كلها هبقا بتعامل بالقانون، وهنسمع وهنوصل للمكالمة اللي اتمسحت من سجلات
مكالماتك من جوا الشركة.. ده غير إنك استغليت سلطتك وشغلك وعرفت تمسحها، والمُشكلة
الأكبر المكالمة دي كان فيها إيه، تحبها تتسمع جوا القضية ولا براها، على جنب كده
بيني وبينك؟!
هنا أخيرًا رأيت نظراته المتوترة بأنه سقط في ورطة لذا كان علي أن
استغل الأمر اكثر، هذا ما تعلمته من والدي، التوتر من الشخص الجالس أمامي ما هو
إلا نجاح مبدأي في الحصول على ما أريده منه!
- ممكن تحكيلي، وممكن تسمعني المكالمة،
وساعتها هتبقا بتكمل جميلك مع فيروز!
جلست منتظرًا رده الذي آتى بعد تفكير وهو يجيب بارتباكٍ لم يستطع
اخفاءه:
- المكالمة مش هتفيد القضية خالص..
مكالمة ملهاش علاقة بالقضية!
لا أدري لماذا يظنني البعض رجل غبي صغيرتي، هل تهديدي له لم يكن
واضحًا؟ هناك ابتزاز أخير لطالما يفلح مع الرجال، ابتزاز المشاعر!!
- تمام.. نخلي المحكمة تقول كده بقا.. شكرًا
على وقتك.. واعتبرها فرصة كويسة تقفل شغلك وتطمن على مراتك وولادك قبل قضيتك أنت
شخصيًا.. لأنها بكل الطرق هيتحكم فيك عليها بالسجن! بس كام سنة بقا، ده على حسب
اللي موجود في المكالمة!
كان عليّ أن اتظاهر بأنني سأغادره، وتهديدي السابق له كان حقيقي،
وبمجرد أخذ خطوة واحدة نحو باب مكتبه أوقفني ليقول:
- استنى..
التفت له لأرى خوفه بعد أن تدخلت المشاعر بالأمر، تلك العاهرة تستطيع
حل كل الأمور، وباقي كل ما حدث بيننا ستجدينه على هذه الرقاقة الصغيرة، حوار بمقهى
بعيد عن عمله، حوار ومفاوضة طويلة وقصة كاملة لم تنته سوى باتفاق ودي بيني وبينه، انتظر
الآن الوقت المناسب لمقابلة "شهاب الدمنهوري" شخصيًا للحصول على دليل أستطيع
تقديمه ليُفيد أن هذه الأموال مصدرها كان مشروع!!
وهناك شخصية أخيرة في هذه القضية، الشخصية التي تجد نفسها متورطة
بورطة عصيبة وعليها أن تتولى مسئولية أخطاء الآخرين، "هاشم دويدار" أخ
من نفس الأم لشهاب الدمنهوري.. ودوره هو الهرولة بين كل ما يحدث كالتائه الذي لا
يدري متى سوف ينتهي كل هذا، لقد قابلته بليلة حفل الخطبة، وحدثني وأخبرني كل ما
يعرفه.. ولكنه لا يعرف الكثير على كل حال..
في هه اللحظة لا أريد سوى كلمة منك، أخبريني هل عليّ أن أساعد هذه
المرأة؟ هل عليّ أن أقابل رجل فررت من مثله منذ أمدٍ بعيد؟ أريد إجابة منكِ
صغيرتي.. لقد عانيت بشدة أن أهرب من رجل مثله يومًا ما، فرجل مثل "شهاب
الدمنهوري" يبدو كنسخة طبق الأصل من نفس ذلك الرجل الذي اعتدت العمل معه.. لا
أعرف لماذا يحكم عليّ القدر، كلما انتهيت من شيطان، يأتي آخر جديد ليوسوس لي
واتبعه أنا دون إرادة مني!"
ترك القلم من بين يديه بغضب وهو يُلقيه بعنف على سطح مكتبه ثم امسك
بتلك الرقاقة التي قام بتسجيل كل شيء عليها ولم تكن سوى ذاكرة صغيرة ليقوم بوضعها
بنفس الصفحة وقام بلصقها جيدًا ثم أغلق دفتره وحاول أن يواجه كل هذه الأفكار
المتسارعة بعقله، فول كان نقل كل ما يُفكر به لكان أنهى كتابة آلف كتاب!
❈-❈-❈
منذ خمسة أيام..
- أنا مساعدتي لفيروز كانت كلها بسبب
جوزها الله يرحمه وبسبب إنها ساعدتني كتير أنا ولبنى مراتي وعمرها ما أتأخرت عننا
في حاجة وأظن بعد كل كلامنا الكتير عرفت إني بعتبرها أكتر من أختي.. والمكالمة
اللي بتقول إنك سمعتها بين فيروز وبين لبنى فهو فعلًا ده اللي حصل، كانت مسافرة في
الفترة بتاعت كورونا وكانت في إيطاليا والمطارات مقفولة، وأول ما جت كانت لبنى
بتطمن عليها عادي وده السبب اللي خلانا نروحلها بس واحنا في الطريق لقينا الفيديو
اللي اتنشر وجوزها بيعذبها هو وكام صورة ليها مع ابن خالتها.. كل الناس قالو إنها
ست خاينة ومش شريفة بس لو الدنيا كلها قالت كده عليها استحالة أصدق.. ولما دخلت
الفيلا فعلًا ملقتش حد.. لقيت شهاب الدمنهوري مضروب بالنار وبينزف وحاولت اساعده
ونقلته على مستشفى محدش هيقدر يوصله فيها لغاية ما افهم ايه اللي حصل..
أنصت له "عمر" باهتمام بالرغم من أن كل ما يقوله يقوم
بتسجيله له الآن ولكنه بينه وبين نفسه كل تلك الأحداث لا تُذكره سوى بتصديقه
لخيانتها إياه وما فعله معها مثلما فعل "شهاب" بزوجته ذلك!
- عشان مندخلش في تفاصيل كتيرة جواز
فيروز وشهاب كان غلط، شهاب زي ما عرفت هو ليه علاقة بالمافيا، والموضوع أكبر من
ورق ومصدر فلوس، بس إن مصر توصل لتعاون مع إيطاليا بخصوصه ده موضوع أظنك كمحامي
عارف إنه ممكن ياخد سنين كتيرة ومفاوضات.. يكون سقط الحكم عنه اساسًا لو اتحاكم!
تنهد "معاذ" ثم تحدث بمزيد من الجدية:
- أنا مرضتش أسلم شهاب غير لما فيروز
تفوق، وكمان اكتشفنا إنها حامل وهي في الغيبوبة اللي كانت فيها بعد ما اتضربت
بالنار.. كان كل اللي بيحصل مكونتش قادر أصدقه، كان لازم افهم منها هي أو هو
والاتنين كانوا في غيبوبة بعد اللي حصلهم، ولما صحيت قالتلي إنها مش هتقدر تواجه
بعد ما كل الناس شايفنها ست خاينة واتفضحت وكمان جوزها بقا معروف إنه مجرم.. جالها
حالة انهيار لما عرفت إنها حامل.. فيروز كان عندها مشاكل كتيرة في الحمل ودايمًا
كان بيجيلها إجهاض.. كان كل اللي نفسها فيه إنها تولد ابنها أو بنتها وشافت إن ده
الحاجة الوحيدة اللي هتعوضها عن كل اللي حصلها وكانت عايزة تهرب وتبعد عن كل ده!
عقد حاجباه باهتمام وهو يستمع له وبدأ ارتيابه في الأمر يزداد، لو هو
من قام بمساعدة "شهاب" وهو نفسه الذي تحدث مع "فيروز" واستمع
منها لكل ذلك، أين الأول وما الذي حدث للثانية؟!
- شهاب مريض نفسي، لازم يتحط في مصحة،
علاجه هياخد سنين طويلة، ومرضه لو وصل للمحكمة هيتحكم عليه بمؤبد أو اعدام، مش
المرض اللي ممكن يخرجه من كل القضايا دي.. بس فيروز كانت مش عايزة غير إنها تبعد
عن كل ده، تولد، وأبو بنتها يتعالج!
ابنتها؟! لحظة، هذا الرجل يعرف الكثير بالفعل!! عليه اختباره بأمر سيأتي
على ذكره شاء أم آبى!
- يعني هما الاتنين عايشين وكمان فيه
بنت!
وجده يحدقه بجدية شديدة ثم أخبره:
- لو عايز دليل لمصدر الفلوس يبرأ فيروز
ممكن شهاب يقولك هو فين أو ازاي توصله، إنما فيروز والبنت مش هينفعوك في حاجة!
سأله مباشرة دون تريث:
- هم فين؟!
ابتلع "معاذ" وهو يتنهد قائلًا:
- شهاب فاكر إنه محبوس ومحدش بيجيله غير
المحامين والدكاترة.. ويعرف إن فيروز ماتت عشان يبقا مصدوم وقالت إن الصدمة
هتساعده في العلاج، أكيد عرفت إنها كانت معاجة نفسية وبتفهم في الحاجات دي.. بس
اياك تستهون بذكائه، لو لمح فيك إنك عارف كل ده كل اللي وصلناله ده ممكن يتهد في
ثانية!
اندهش مما استمع له ليُتابع "معاذ" كلماته وأخبره:
- قدامك فُرصة واحدة معاه، هي دي فُرصتك
إنك توصل لدليل، سيبني كام يوم اظبطها وهقولك قبلها!
كان الفضول بداخله أكبر، لماذا تفعل هذه المرأة كل ذلك؟ لماذا لم
تتركه ولم تتخل عنه؟ هو المنادي الأكبر بأن العشق يدفع المرء لفعل كل ما لا يؤمن
به، ولكن ألهذه الدرجة أرادت أن تُساعده؟!
- هسألك سؤال، يمكن تعتبره بعيد عن
القضية شوية، بس هو فيروز وشهاب عرفو بعض ازاي؟ أنا كان هاشم قالي إنها حاولت
تعالجه بس اتجوزو وحبو بعض، بس مقاليش اتقابلو ازاي!
ابتسم الآخر بسخرية ليقول بيأس:
- بدر الدين الخولي وصل لكل الأدلة اللي
اتقدمت ضده، وكان حابب يساعده إنه يتعالج، وكان يعرف فيروز فقالها ووراها الأدلة
وهي قبلت، هو فكر إنه زي ولاده، وفيروز كانت مصدومة بعد موت ماهر وجوزها وشافت إن
حالته صعبة وهتقدر ترجعها للشغل بعد فترة طويلة مشتغلتش فيها.. بس الموضوع زي ما
أنت ما قولت، اتجوزو وحبو بعض..
تريث لبُرهة وهو يشرد متحدثًا بحزن:
- بس كان غلط، أكبر غلط إنها عملت كده
وهي تعرف عنه كل حاجة.. يا ريتهم ما اتقابلو!
فكر "عمر" قليلًا بما يستمع له ليسأله بقليل من الارتباك:
- هو كان مريض عنده ايه؟!
لوى شفتاه وأجابه:
- فيروز قالت إنه سايكوباتي.. معرفش
حاجة تانية غير اللي كده..
نهض وهو يجمع أشياءه ليخبره:
- أنا عارفك كويس أنت ووالدك، وعارف إنك
ممكن تكسب القضية، لو حتى في يوم عايز توصل لشهاب أوصله وسلمه، بس فيروز متستحقش
إن حد يعرف عنها حاجة! اديني كام يوم وهكلمك وهاعرفك هتقابله امتى!
كاد أن يغادر ليوقفه "عمر" سائلًا:
- والمكالمة دي كان فيها ايه، بعد كل
اللي حكيته ده لغاية دلوقتي مقولتليش ليه مسحتها؟!
التفت له "معاذ" وهو يتفحصه جيدًا وأخبره:
- لما توريني هتعمل إيه مع شهاب يوم ما
تشوفه هبقا أسمعك المكالمة بكل اللي فيها!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
عانقته بشدة وهي لتوها وصلت من سفرها لتخبره بمصداقية:
- وحشتني أوي
بالرغم من مبادلته لها إلا أنه لم يعقب سوى باستياء وغضب شديد يحمله
بسبب أفعالها:
- لو كنت وحشتك مكونتيش سافرتي تاني أول
ما رجعتي..
تنهدت وهي تبتعد عنه وقلبت عينيها لتتحدث بإرهاق:
- أرجوك يا بسام كفاية..
اتجهت لتعانق والدتها ثم أخبرتها وهي تغمض اعينها:
- وحشتيني يا مامي..
- لا يا روري أنا زعلانة منك.. ليه يا
حبيبتي كل السفر ده..
هي الأخرى؟! جيد للغاية.. المواجهة ليس لها وقت مناسب على ما يبدو بل
الجميع يحكم عليها أن تواجههم كيفما يحلو لهم ولا عزاء لما تعانيه هي وكأنها عليها
أن تكون آلة تستجيب لأمنيات الجميع ليس إلا!!
تركت عناق والدتها وهي تنظر لكلاهما ثم حاولت التحلي بالهدوء وهي
تنتقي كلماتها جيدًا:
- طيب اسمعو، أنا بقيت مريضة، بالتجربة
اللي مرت عليا مع عمر بالذات آخر كام يوم اللي عيشتهم في خناقات!!
لوهلة سكتت وهي تبتلع بألم وعقلها بالطبع استجاب لرؤية المزيد من تلك
الأحداث التي مرت بها فارتفعت نبرتها تلقائيًا وهي تقول بنبرة حاسمة:
- أنا كل اللي كنت عايزاه هو إنه يطلقني..
واللي حصل ما بينا ده كان لازم أخد وقت شوية.. أنا كنت في مصحة مكونتش مثلا بلعب
وبهزر وكمان اعصابي لسه تعبانة ومتحسنتش وبقيت حرفيًا عايشة على الأدوية
والمهدئات..
تفقدت كلاهما بمزيد من الجدية وهو توزع نظراتها بينهما وتابعت:
- أنا مكونتش بلعب طول السنة اللي فاتت
دي، أنا مضيت أكتر من عشر عقود نقلت شركتنا من محلية لدولية.. فأرجوكم لما ابقا
اجي اسافر ولما أعمل حاجة على مزاجي بطلو تلومو فيا وتعاتبوني!
بدأت دون إرادة منها تشعر بالتوتر يتملكها لمواجهة نفس الأمر من جديد
وبدأت في إلقاء اللوم على كلاهما:
- روان تشتغل عادي مش فارق معاكم، بعد
كل السنين دي لو كنت سيبت الدنيا كا زماننا بنتسرق وكل تعب بابي كان هيروح على
الأرض، وانتي يا مامي..
تسارعت وتيرة أنفاسها نوعًا ما ثم نظرت لها بحقد شديد وهو تهتف بها:
- لو كنت لقيتك جانبي أول مرة طلبت منه
الطلاق يمكن مكنش حصلي اللي حصل، فمتجيش تلوميني بعد ما أنا اللي عرفت اتصرف!
سرعان ما نفت والدتها كلماتها وقالت بحزن:
- يا بنتي أنا مكونتش عايزاكي يبقا اسمك
متطلقة واحنا في الوقت ده مكوناش شايفين من طليقك غير كل خير، عايزاني اخرب بيتك
بنفسي و..
- اديني اهو دلوقتي متطلقة وقعدت تمن
شهور في مصحة وباخد ادوية صبح وليل عشان اعرف أنام.. يا ريتك من الأول كنتي سمعتي
كلامي! إنما أنتِ سمعتيله هو زي ما أكون مش بنتك!
قاطعتها بحدة وامارات الغضب والتوتر تلوح على ملامحها ليتدخل
"بسام" وهو يقول:
- روان احنا عمرنا ما نسينا انتيب تتعبي
علشانا في الشغل قد ايه، بس موضوعك أنتِ وعمر كل حاجة فيه بتحصل فجأة، فجأة قولتي
إنك هتتجوزي واحد، قابلناه وعرفناه وأنا اعتبرته زي أخويا الكبير وأنا ومامي حبناه،
وفجأة برضو تطلقي منه، وبعدين تختفي معاه وفجأة تيجي متبهدلة ولغاية النهاردة مش
عايزة تقوليلنا اللي حصل ايه، احنا من حقنا نفهم ده لو عايزانا نقبل تصرفاتك اللي
مش مفهومة!!
بمجرد سماعها لاسمه من جديد وبإلحاح أخيها في معرفة ما حدث جعلها تريد
الصراخ بكل ما مر عليها معه بينما لم تستطع سوى اللهاث بشدة من الغضب ومن جديد
وجدت لسانها منعقدًا لا تدري كيف ستخبرهما عن عذابه لها، لا تستطيع هي نفسها تقبل
ما حدث لها، أخبرهما أنها لُدغت من عقرب وثعبان سام؟ أم أنها كانت تمكث بالأيام
التي بدت كسنوات في عذاب مُشدد وكأنها سجينة؟ وهل لو تحدثت هذا سيُفيد؟! تبًا لها
هي لا تستطيع تكوين جملة واحدة!
- زي ما قبلتو فجأة اقبلو بقا إني فجأة
بقيت كده، أنا بقيت مريضة وبتجيلي نوبات قلق بتخليني مبعرفش أنام ولا أهدى..
سيبوني بقا أعمل اللي اعمله من غير كلام كتير!
صرخت بهما ثم اتجهت لتصعد لغرفتها دون أن تبادل أيًا منهما بمزيد من
الكلمات وكل ما يلوح بعقلها هو نفس ما عانته على يديه في تواتر شديد تعرف أنه
سيؤدي لنوبة جديدة قاسية لن تسمح لها بالنوم لأيام متواصلة فأدركت أنها بحاجة إلى
المزيد من المهدئات لتقوم بالصراخ من جديد بعد أن وصلت أعلى الدرج:
- قولو لهدى تطلعلي الشُنط!
❈-❈-❈
بعد مرور ساعة..
استمعت لطرقات على باب غرفتها فنهضت بقليل من الغضب الذي لم يذهب
بالكامل بعد وفتحت الباب لتجد "بسام" فأفسحت له المجال وتركته لتعود
لنفس المكان على الأريكة الملحقة بغرفتها ليعرف أنها متقبلة للحديث نوعًا ما
فتبعها وحاول ألا يكون قاسيًا عليها واقترب ليجلس بجانبها ثم وضع ذراعه ليُحيط كتـ
ـفيها به وتكلم بهدوء:
- تفتكري أنا مبسوط إنك بقيتي كده طول
الوقت؟ أو مبسوط بأي حاجة حصلت؟ أو حتى كل الكلام اللي قولتهولك ده معناه إني مش
خايف وقلقان عليكي؟ روان أنتِ كنتي في حضني وأنتِ مش عارفة تنامي بليل وبتصحي على
كوابيس وانتي بتصرخي، أنا احسنلي إنك تكوني كويسة بأي طريقة أيًا كانت.. وعايزك
تعرفي إني أنا ومامي عمرنا ما هنقولك على حاجة لأ ما دام هتخليكي كويسة.. بس احنا
غصب عننا بقينا قلقانين عليكي دايمًا.. مش عايزين نشوفك كده.. وقلقنا مخلينا هنموت
ونعرف ايه اللي حصلك خلاكي كده!
التفتت له بعد أن كانت شاردة بتركيز في كلماته لتتنهد وهي تتمنى أن
يتفهمها هذه المرة لتقول بقليل من الحدة بعد صمت دام لمدة ليست بقليلة وهي تتفقده
لتنتقي كلماتها وهي تتمنى أنها لن تصيبها بمزيد من التوتر:
- اللي حصل هو إني كنت بحاول انفصل عنه،
وبعد خناق كتير شوفته وهو بيموت نفسه قدامي بمسدس كان عنده.. صوت الطلقة وطلاقه
ليا قبل ما يعمل كده وبعدين باباه لما جالي كان فاكر إني أنا اللي عملت ده..
تريثت لبرهة وهي تنظر لأخيها بمصداقية ورغمًا عنها لم ترى سوى غمامة
من الدموع تعوق رؤيتها فتابعت ببكاء:
- أنا كنت بحبه اوي، بس هو كان بيكدب في
حاجات كتيرة، كان عايزني أعيش معاه ومسبهوش واستحمل كل كدبه.. مُشكلتي مع عمر إنه
مكنش صريح، مكنش عايز يتفاهم بيني وبينه، لازم في كل حاجة اعمل اللي هو عايزه
وبس.. مش مهم أنا بقا عايزة إيه..
تألم لرؤيتها هكذا وسرعان ما سيطر الحزن على ملامحه من أجلها لتجفف
دموعها وهي تستطرد:
- أنا كنت عارفة إن حياتنا مُستحيل تكمل
طول ما احنا مختلفين كده، بس في نفس الوقت حبيته اوي.. معلش استحملوني.. أنا بحاول
انسى، صدمتي في اني بقيت متطلقة من واحد أنا حبيته وافتكرته هيبقى مصدر أمان ليا، محامي
وشاطر وحلو، ولا نسيت إنه ساعدني في القضية بتاعت عمنا؟ نسيت إنه شوفته وهو
بيترافع وافتكرت إن إنسان زيه هيخليني متطمنة زيي زي بابي، وزي ما ساعدني في
القضية هيساعدني في شغلي، لا وكمان أنت ومامي حبتوه جدًا.. عارف..
بحثت عن الكلمات بين فجائع عدة واجهتها معه وبين هذه الأمنية الساذجة
التي تمنتها بزواجها من رجل مثله ثم أكملت:
- لما تبقى باني أمل كبير أوي في شخص،
وتحب الشخص ده وفجأة يؤذيك اوي وفي نفس الوقت تلاقيه واقع قدامك وبيموت.. الموضوع
نفسه مخليني مش عارفة لا أسامح نفسي ولا أسامحه.. كان فيه حاجات كتيرة من الأول
بتقول إني المفروض ابعد عنه بس أنا استحملت، حطيت في عقلي صورة جواز بابي ومامي
وحبهم، فرضت على نفسي إني لازم احبه وأنجح معاه.. وفعلًا ده حصل، مُشكلتي يا بسام
إني مبسمعش لحد ومش بعمل غير اللي شايفاه صح.. وبعد اللي وصلتله معاه ده بقيت بكره
نفسي على اللي عملته فيه وفيا.. يمكن لو مكونتش بحب عمر واتجوزت أي جواز كان
الموضوع فرق، بس لما حبيته بقا جوايا زعل وعصبية وغضب منه مش عارفة أخلص منهم
لغاية النهاردة..
أجهشت بمزيد من البكاء ليجد أنها لأول مرة تحدثه بهذه الطريقة فقربها
إليه معا نقًا إياها وغرق بالحزن من أجلها فهمس إليها وهو يربت عليها:
- طيب أرجوكي متزعليش، أنا فاهم التجربة
كانت صعبة عليكي بس بكرة هتنسي كل ده وهتبقي كويسة..
صاحت بحرقة بين بكائها:
- مش قادرة أنسى حاجة ولا قادرة أعمل أي
حاجة من غير ما أفكر فيه، يا ريتني ما قابلته ولا عرفته، ليه يحصل كل ده.. وانتو
مبتبطلوش ضغط عليا، أنا مش قادرة أتكلم في الموضوع محدش مصدقني
حاول أن ينظر لها وهو يُفرق عناقهما ثم حدثها باهتمام:
- اهدي طيب، اهدي وكل ده هيعدي.. أنا
هافضل جنبك ومش هضغط عليكي في أي حاجة.. وهافضل جنبك لغاية ما تبقي كويسة.. عشان
خاطري بطلي عياط..
امتدت يـ ـده ليجفف دموعها وحاول أن يتوقف عن الحديث في الأمر وهو
يقول:
- أنا عارف إنك بتحبي الشغل، ارجعي
الشغل تاني، أو تعالي نسافر أنا وانتي ومامي أو أنا وانتي بس لو تحبي، تعالي نعمل
أي حاجة حلوة بعيد عن كل ده..
حاولت التحكم في شهقاتها وهي تنظر له ثم قالت بنبرة تحمل اثار
بُكائها:
- أنا أصلًا كنت عايزة اكلمك النهاردة في موضوع الحفلة
بتاعتك بس أنت ومامي ضايقتوني من شوية..
نظر لها باعتذار وعقب نادمًا:
- أنا آسف متزعلش مني واحنا مكناش نقصد،
ومش هنفاتحك في الموضوع ده تاني.. وبعدين حفلة ايه دلوقتي وانتي زعلانة كـ..
- لا كده هبقا كويسة.. واهو فرصة نفرح
بأي حاجة!
قاطعته حينما تأكدت أنه سيرفض الأمر لتتابع مضيقة عينيها له:
- وبالمرة اقابل رُبى، ولا مش عايزنا
نتقابل ولا ايه؟!
ابتسم لها بقليل من الخجل ليخبرها بتنهيدة:
- اللي أنتِ عايزاه مش هاقدر أقولك عليه
لأ!
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي..
ترجل من السيارة التي كان ينتظره بداخلها ومشى القليل من الخطوات
بالقرب من سيارة الآخر الذي غادرها للتو فصافحه وسأله برتابة شديدة:
- ازيك عامل إيه؟
هز "معاذ" رأسه واجابه باقتضاب:
- الحمد لله كله تمام..
لم يكترث للاسترسال بأكثر من هذا معه في حديث لن يُفيد وسأله:
- اديني اهو بعيد ولوحدي ومش معايا
سواق.. فينه مجاش معاك ليه؟
نظر له مليًا ثم قال:
- قفل عربيتك وتعالى اركب معايا.. مش
هينفع نروحله بعربيتين وأنا هبقا ارجعك هنا تاني..
زفر بضيق وكاد أن يرفض هذا وغضبه قد سيطر عليه بالكامل ليشعر برجلين
يكبلانه من الخلف وأحدهما يضع على أنفه مخدر ما جعله وهو يكتم أنفاسه بيدٍ قوية ليفقد
الوعي في ثوانٍ لم يستطع خلالها التصرف او الدفاع عن نفسه..
يُتبع..
يُتبع..