-->

رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل التاسع عشر النسخة العامية


رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه



رواية كما يحلو لها

الفصل التاسع عشر

النسخة العامية



لقد عمل مع الكثير ممن لهم علاقة بالإجرام، ولكن أن يقوم أحد منهم بتهديده بصحبة سلاح أبيض يوجه مباشرةً إلى عُنقه، لم يختبر هذا قط.. فضلًا عن شعوره المتقزز من أن امرأة هي من تقوم بفعلها!

نادته من جديد متحدثة بالإنجليزية التي يغلب عليها اللكنة الإيطالية:

-       هيا تكلم أيها اللص وإلا ستكون عبرة لكاتانيا بأكملها وفضلًا عن مشاهدتهم فيلم السهرة سيشاهدونني وأنا اقطع جـ ـسدك بسكيني!

 

رفع كلتا يداه في استسلام ثم تفوه بتوتر مصحوب بالغضب:

-       حسنًا، أنا محامي، أتيت لأبحث عن أي دليل يفيد قضيتي!

 

جذبت المزيد من خصلاته ليطبق أسنانه بعنف وبمجرد شعورها بأنه يلتفت ليواجهها ازادت من ضغطها على السكين وحدثته متسائلة:

-       قضية ماذا التي تعمل عليها؟

 

زفر بضيق وأجابها بنفاذ صبر وهو يشعر بأن خصلات شعره أوشكت على مغادرة رأسه:

-       قضية التحفظ على أموال شهاب الدمنهوري وزوجته فيروز، والمنع من صرفها!

 

ابتلعت بارتباك وتركت شعره وانزلت سكينها ثم ابتعدت للخلف خطوة واحدة بينما التفت هو فتفقدها ليجدها امرأة بمنتصف الاربعينيات، تملك جـ ـسدًا صارخ الأنوثة، ذلك السواد الذي يحيط عينيها يُعطيها ملامح ذات فتنة خطِرة من نوعها، أمّا عن شفتيها فهو لا يتصور أنها نفس الشفتان التي نطقت بتلك الكلمات منذ وهلة!

 

-       ما الذي تعرفه عن شهاب؟ هل قابلته؟!

 

ضيق عينيه نحوها وهو يرى اهتمامها الذي التمع بعينيها وتلك النبرة المتلهفة على معرفة المزيد عنه ليجيبها سائلًا:

-       كلوديا، أليس كذلك؟!

 

ضيقت ما بين حاجبيها ثم اقتربت منه وهي ترفع سكينها لتسلطه على شريانه السباتي تمامًا وهمست بالقرب من شفتيه وهي ترفع احدى حاجبيها بتحذير:

-       لو كنت تعرف من هي كلوديا فالياني لكنت تحدثت، هي أيها الجذاب تحدث وإلا أقسم أن تلك السكين ستتغلغل لتقطع شريانك وسأستمتع كثيرًا بتلك الدقائق التي ستنزف بها دمائك إلى أن تغادر روحك جسدك! هل هو حي؟!

 

حدق عينيها الفاتنتين ثم ابتسم لها لتحتدم عينيها بالغيظ فبدأت في الضغط على السكين ليشعر بالألم جراء ما تفعله به ولعن بداخله ولكنه حاول أن يُسيطر على نفسه وقال ببرود يعج بالسخرية مبتسمًا وكأنها لا تطعنه بالفعل:

-       وهل كلوديا لا تعرف إن كان حي أم ميت؟ ظننت بالفعل أنكِ الوحيدة التي ستساعدني!

 

قلبت عينيها بنفاذ صبر وكأن ما تفعله به ليس كفيلًا بدفعه على التحدث فتوجهت يـ ــديها لاعتصار أسفله مما جعله يكتم صراخه لتقول بتحذير:

-       أنا على مسافة إنشًا واحدًا من جعلك تتألم بحق، أجب سؤالي اللعين، هل تحدثت له أم لا!

-       لم أفعل، شهاب قد مات وهناك من يقول إنه لاذ بالفرار!

 

لوهلة خارت قواها عندما أجابها، وكانت لجزء من الثانية فقط مما جعله يُلقي بسكينها أرضًا وجذب شـ ـعرها بقوة وهو يرغمها على الالتفات ليحاول شل جـ ـسدها عن الحركة وهو يحدثها بغيظ:

-       والدته من أخبرتني عنكِ، لقد رأتِك معه بالسابق عندما قمتِ بزيارة مصر، أنا أريد مساعدته والحصول على أمواله اللعينة، أُسرته تعاني بالفعل، ظننت أنك ستساعدينني بالفعل بما أنكِ صديقته!

 

التوت شفتيها في سخرية وادعت لجزء من الثانية ارتخاءها بين يـ ـديه لتدفع نفسها للأسفل بغتةً حيث تخلصت من سيطرته على تحركاتها ثم ركلته بركبتها برجـ ــولته مما أدى لانخفاضه للأسفل قليلًا بسبب الألم فدفعته بقوة من منكبيه ليصبح راكعًا أرضًا ومن جديد ركلته بوجهه بركبتها وكل هذا تم في طرفة عين، فامرأة مخضرمة بعالم المافيا منذ أكثر من عشرين عام لن يستطيع رجل محامي سادي تعلم القليل للدفاع عن النفس بمدرسته العسكرية وهو طفل التغلب عليها!

 

-       لا تستخدم معي العنف لأنك لن تستطيع التغلب عليّ وستندم أشد الندم أيها اللص الجذاب!!

 

ابتعدت ليُلاحظ ذلك الحذاء الأنثوي ذو الكعب العال ولم يُصدق أنها فعلت كل ذلك وهي ترتدي هذا الحذاء ووقفت بجانب سكينها الذي ألقاه أرضًا منذ قليل وبحركة خاطفة من حذاءها قامت برفع السكين لها والتقطته بيدها دون أن تنخفض لالتقاطه ثم اتجهت لتجلس على مقعد أمامه ووضعت السكين أمامها على الطاولة ثم تخلصت من سترتها التي علت ثوبها الذي يبدو وكأنه قطعة من جـ ـسدها وأفرغت ما بجيوب السترة وأشعلت احدى سجائرها وجلست بأنوثة واحدي ساقيها ترتفع على الأخرى في تعاكــ ــس وهي تحدج عينيه بنظرات شرسة وقالت بثقة:

-       أنا امرأة خطيرة وذكية على حد سواء، لست بصبورة، ومحامٍ مثلك لن يصمد أمامي، أنا أقتل عشرات منك في أسبوع واحد، هذا إن كنت محامي ولست لص.. لذا دعنا نبدأ بداية جديدة، انهض وتحامل على ألمك الذي سيختفي بعد قليل، وأخبرني ما اسمك؟!

 

نفثت بعض من ادخنتها ثم أضافت باقتضاب:

-       اسمك كاملًا!

 

شعر بالغيظ وذلك الغضب بداخله أصبح لا يُقارن بفعلتها الكريهة التي لم تفعلها به امرأة قط واجابها بضيق:

-       عمر يزيد أكمل الجندي!

 

تناولت هاتفها ثم اتصلت برقم ما وقامت بالتحدث بالإيطالية ليجدها تنطق باسمه بطلاقة ثم قامت بذكر مصر وعدا ذلك لم يفهم حرف واحد مما نطقت به!

 

ألقت بهاتفها أمامها واسترخت بجلستها وأشارت له برأسها بأن يجلس وبدأت في الحديث:

-       هيا أجلس وأبدأ في التحدث، واياك والكذب عليّ وإلا لن تعود بلدك سوى جثة هامدة!

 

جلس على مضض وهو ينظر لها ثم تفقد قميصه الذي تلطخ بالدماء بفعل السكين اللعين الذي جرحت عنقه به ونظر لها بغضب ليسألها بمنتهى البرود:

-       ما الذي تريدين التحدث عنه؟

 

ابتسمت بسخرية وأجابته:

-       احدانا يدعي الغباء أيها الجذاب، لست أنا بالتأكيد!

 

رفع حاجبيه بنفاذ صبر وهو لم يعد يفهم لماذا تتكرر هذه الكلمة في هذا القضية أكثر من الأدلة والبراهين ليزفر بضيق ثم قال متكلما بسرعة:

-       أي غباء تتحدثين عنه، لقد آتى أخوه إلي وأخبرني بأنه تم التحفظ على أمواله وأملاكه بالرغم من أنه تنازل عنها بالكامل لزوجته وكل الأغبياء الذين عملوا على القضية قبلي لم يستطع أي منهم على النجاح في شيء سوى تأجيل الحكم ليس إلا!! لم يملك أحد منهم الشجاعة القدوم إلى هنا، لم يتقص أي منهم على أي لعنة ولم يتكلف أي منهم العناء للبحث عن أي دليل مثبت يُفيد في هذه القضية! هل عليّ تكرار كلامي أم أنك غبية فتريدين أن أكرر كلماتي ألف مرة!

 

رفعت حاجبيها لتخبره بسخرية وهي تتحدث بنبرة مرحة:

-       بربك من منا الغبي الآن؟! انظر لقميصك وإن لم يعجبك تلك الدماء التي تزين القليل منه يُمكنني أن اصبغه بأكمله باللون الأحمر!

 

تنهدت وهي تبتسم متفقدة إياه بشماتة وتحدي بينما رأت امارات الغضب على ملامحه وهو يخـ ـلع قميصه وألقى به أرضًا غير مُكترثًا أنه لا يملك المزيد من الملابس بالفعل ليحدثها بنفاذ صبر:

-       عرفتِ من أنا، عرفتِ لم أتيت، هل تملكين أي ورقة مثبتة أو أدنى فكرة لعينة عن مكان أوراق شهاب أو مستنداته؟! أم أنك تريدين معرفة المزيد؟!

 

رفعت حاجبيها بأعين متوسعة لتهمس بسخرية وهي لا تصدق أن تلك الخرقاء التي تزوجها تحاول من جديد أن تُفسد ذكرياتها بصحبة "شهاب":

-       هذا لا يُصدق، لكم من مرة عليّ أن اتحمل هذه الخرقاء؟!

 

عقد حاجباه بفضول ليسألها:

-       عن أي خرقاء تتحدثين؟!

 

لمحته بطرف عينيها وهي تهز رأسها بإنكار وأشعلت احدى سجائرها من جديد ولم تكترث بإجابته وأخذت تنظر له بتفحص وكل ما كانت تفعله هو أنها تكسب وقت لحين التأكد من هويته ليس إلا لتسمعه يتساءل ببرود نافى كل غضبه الذي لاحظته منذ قليل:

-       هل تستمتعين بالنظرِ إلي؟

 

قلبت عينيها بغير اكتراث بينما وجدته يُتابع:

-       لا أظن أنني سمحت لكِ بفعلها!

 

وجدته ينظر لها نظرات ثاقبة بهيمنة شديدة لتضيق عينيها وهي تحاول قراءة ملامحه جيدًا بينما استراح أكثر بجلسته وهو يضع قدم فوق الأخرى وأخرج هو الآخر سجائره وبدأ في تدخين احداها ليُضيف بنبرة جامدة فارغة من المشاعر تناقض عينيه التي تفحصت كل ما بها من فتنة:

-       ولا أظن أنني سأضــ ــاجع امرأة فقط لأنها قامت بمعاملتي بهذه الطريقة القذ رة!

 

لانت شفتاها باستمتاع لتنهض واقتربت منه لتقف أمامه بشموخ وخطوات استعراضية واضحة بما تمتلكه من فِتنة وقالت:

-       أرني جواز سفرك أيها المتعالي، أنت لن تحلم بمضـ ـاجعتي!

 

أخرج جواز سفره من جيب بنطاله الخلفي وألقى به على الطاولة وتفقدها برغبة تلقائية خلفتها نوبة هوسه الخفيف المُسيطرة عليه ليقول بثبات:

-       ربما ليس لديكِ أدنى فكرة عما تتحدثين عنه! ستفوتين الكثير بالفعل!

 

-       ايوة بقا، أخيرًا، ده احنا بقالنا كتير متبسطناش!

 

 

استمع لهذا الصوت برأسه ففهم أنه صوت مخلف عن ذهانه اللعين وسرعان ما حاول تجاهله ولكنه قوا مها وهي تنحني لتلتقط جواز سفره جعل عينيه مثبتتين عليها بشراهة، حسنًا، هي تملك الكثير مما يجعل رجال عتاة يفقدون سيطرتهم بالكامل أمامها، وخصوصًا أنها امرأة خبيرة بالأمر على ما يبدو، نظراتها وتلك القبضة القوية على رجو لته منذ قليل لم تكن بحركات امرأة جاهلة على الاطلاق!

 

التفتت له لتلاحظ موضع عينيه الشاردتين في تفقدها وابتسمت له متحدثة بتلاعب:

-       انظر من منا الآن يريد مضا جعة الآخر!

 

ألقى بسيجارته بالمنفضة بعد أن نهض ذاهبًا نحوها ووقف على مقربة منها ولم يفصل بينهما الكثير وهمس لها برغبة:

-       ماذا لو تناسينا هذا وركزنا قليلًا على الحصول على بعض المستندات التي ستفيد القضية..

 

صدحت بضحكة خليـ ـعة لم تفتقر لأنوثتها وأخبرته بتلاعب:

-       فلتحلم بهذا أيها الجذاب، ليس قبل أن أعرف من أنت حقًا!

 

نظرت له بثبات فاحتدمت ملامحه ونظراته أخذت منحنى آخر تمامًا بعيد كل البُعد عن ارادته بالحصول على مستند أو دليل قد يُفيده وقال بصوت خافت ومقلتيه تثقبين خاصتيها:

-       كنت لأسمح بكِ الاكتشاف بنفسك من أنا جيدًا، ولكنك لست نوعي المفضل من النساء!

 

قلبت شفـ ـتيها وهي تهز رأسها بتفكير في كلماته ثم تكلمت بتلاعب:

-       كلوديا دائمًا المفضلة لجميع الرجال!

 

أطلق ضحكة خافتة وهو يلمحها بثقة شديدة وقال عدة كلمات حصلت على ذهولها بالكامل:

-       أتعلمين لو كان يعرف بولس عندما كتب في رسالته اسمك إلى تيموثاوس في العهد الجديد أنك ستتخلين عن كونك ضميمة وستتخلين عن صورة المرأة الرومانية بأنوثتها الطاغية وتحولك لامرأة تستخدم الأسلحة مع الرجال لكان شعر بالعار!  

   

أعطته نظرات معجبة لم تستطع منعها ثم أطرت عليه قائلة:

-       لم يصغ لي أحد قط معنى اسمي وكيف أصبح شهيرًا مثلما فعلت أنت، ولكن دعني أخبرك أيها اللص المثقف الجذاب..

 

اقتربت منه أكثر حتى باتت تلا صقه همست بالقرب من شـ ـفتيه:

-       الرجل المثقف ليس من نوعي المفضل، هو لا يصلح سوى لليلة عابرة..

 

شعر بأنفا سها المحتدمة بالر غبة وأعينها تلاقي عينيه تمامًا بمساعدة هذا الحذاء الذي جعل قامتها مساوية لقامته وأحـ ـس بيـ ـدها قاربت على تحـ ـسس صد ره العا ري فأمسك بها بقوة ليمنعها متسائلًا بسخرية:

-       ما الذي حدث؟ أتخليتِ الآن عن كونك امرأة قوية تستطيع قتل العشرات مثلي؟!

 

رمقته بإغراء استجاب له منصاعًا لتلك الأنوثة الطاغية التي تملكها حينما همست:

-       تعجبني قوتك، وأظن ما لمسته منذ قليل يبشر بليلة رائعة، ولكن بناء على رغباتك دعنا نكتشف مدى مصداقيتك، أولًا!

 

دفعته بقوة ليسقط رغمًا عنه بالمقعد نفسه الذي كانت تجلس عليه منذ قليل ولكن بتشبثه بيدها دفعها للانخفاض أمامه لتصبح أسفل قدميه مباشرة ورفع احدى حاجباه ليتكلم بثقة:

-       لقد كذبت آلاف المرات وتوقفت عن فعل الأمر منذ فترة كبيرة!

 

رفعت عينيها له ترمقه بتلاعب وكل ما في رأسها أنها لا تريد سوى معرفة إن كان محامي ويتابع القضية بالفعل أم لا ولكنها أكسبت نفسها المزيد من الوقت إلى حين أن يصلها تفاصيل عنه:

-       أكره الكذب، ويُعجبني الرجل الصريح مهما كانت رغبته..

 

تحولت عينيها لتترك وجهه وانتقلت لمكان آخر وكادت أن تلـ ـمسه فمنعها بقبضة قوية على يـ ـدها الأخرى ليُصبح ممسكًا بكلتا يـ ـداها وحذرها بثقة شديدة وهو ينظر لها بعينيها مباشرة دون أن تتقابل جفونه بعد أن رفعت مُقلتيها له باستفسار:

-       عليكِ الاحتراس أيتها الضميمة، أنا لست الرجل الذي سيُلبي رغبة اسمك، لا أعانق النساء، هن فقط لتلبية أوامري وبعدها قد يُصلحن لتلبية رغباتي.. لن تحصلين مني سوى على ذلك!

 

ابتسمت له بدلال وكلمته بثقة بعد أن فهمت ما يُرمي إليه:

-       عليك أنت الاحتراس، طاعتي للرجال وخصوصًا الرجال مثلك، يجعلهم غير قادرين على نسياني.. لم أفقد بعد مقدرتي على فهم الرجال، ألست رجل مسيطر أم أنا مُخطئة؟!

 

ترك كلتا يـ ـداها لتسقط على سا قيه مباشرة واستراح بجلسته وهو يحدقها بهيمنة وقبل أن يتحدث بالمزيد أطلق هاتفها صوت اشعار فسرعان ما اتجهت نحوه وقرأت ما تم ارساله لها لتنهض بجدية ونظرت له لتقول مغيرة مجرى حديثهما:

-       محامي ابن محامي، ولكن كيف لك أن تثبت لي أنك تعمل على قضيتهما؟! ربما أنت في طرف الخصم وتدعي مساعدة ليو ليس إلا!

عقد حاجباه بتعجب، من "ليو" هذا؟! ولقد تأكدت أنه محامي بالفعل في غضون دقائق، حسنًا، بما فعلته منذ قليل تبدو ليست امرأة هينة!!

 

-       من يكون ليو؟

 

سألها بينما اتجهت لركن المشروبات الذي أعدته بنفسها منذ ما يقارب من عام ثم أمسكت بزجاجة وكأسين وعادت من جديد لتجلس أمامه على الطاولة وهي تتفقده بنظرات جدية وسكبت كأسان له ولها وناولته واحد منهما ثم أشعلت سيجارتها واستقرت بجلستها وهي تباعد قد ميها عن بعضها البعض وازاحت خصلاتها الطويلة للخلف وحدثته بنبرة جادة:

-       سأخبرك من هو، وسأخبرك بكل شيء، عليك أولًا اختلاق قصة جيدة يُمكنني أن اصدقها وبعدها لن تجد أفضل من دون عائلة مافيا صقيلية لتسهيل الكثير عليك بصحبة مستندات تُفيد قضيتك ولتجعلنا نمرح سويًا بصحبة الكحول وتلك اللحظات الجيدة التي اختبرناها معًا منذ قليل، أو؛ يُمكنني تمزيق جـ ـسدك بسكيني وأنا استمتع برؤية جـ ـسد كهذا يتوارى أسفل التراب.. قد تخسر النساء كثيرًا بفقدانك لو فكرت بالأمر مليًا.. لذا أبدأ بالتحدث أيها الجذاب!! ولا تقلق سأدفنك في منطقة جيدة لتستمتع بهواء البحر المُنعش!

قلب عينيه بنفاذ صبر ليزفر حانقًا واحتسى البعض من كأسه ثم التقط السيجارة من بين يديها وتحولت نظراته في ثوانٍ وأجابها:

-       ليس لديكِ فكرة عن مقدار القصص التي أعرفها مما ستُمكنني من اختلاق قصة جيدة، ولكن سأخبرك للمرة الأخيرة أن هاشم ابن والدة شهاب آتى لي خاوي الوفاض، لا يملك سوى تقارير الشركة الخاصة بشهاب الدمنهوري لآخر خمس سنوات، وهو من يُعيل أخت فيروز، فريدة، التي تكون زوجته وطفليهما، وكذلك يُعيل والدته التي تكون والدة شهاب نفسه، بالإضافة إلى إعالته لحازم، ابن والد شهاب، الشخصيات كثيرة ومعقدة، لذا حاولت الذهاب لأتفاوض مع سليم وبدر الدين والده وهم من قاما بتقديم الأدلة التي ساعدت في معرفة علاقة شهاب بالمافيا وصفقاته في المخدرات والأسلحة مما أدى لمصادرة أمواله والتحفظ عليها، وأدلة أخرى تُفيض اغتصابه للعديد من النساء، كما أنني توصلت؛ بطريقة غير قانونية بالطبع، لتلك المكالمة بينك وبين شهاب عندما طلب منك قتل ابنة عمه، وهنا توصلت لوالدته التي رأتِك معه ولأخيه الصغير وهما يصفاكِ إليّ بعد أن رآكِ كلاهما عندما ذهبتِ إلى شهاب في مصر منذ ما يقارب عامين ونصف العام!!

 

تنهد بينما تأهبت هي بمزيد من الجدية وتحولت ملامحها بالكامل ليُتابع قبل أن تضيع المزيد من وقته فهو لا يملك وقت لامرأة فاتنة مثلها:

-       لو كنت من طرف الخصم لكنت أتيت إلى هُنا بدعم وقوات، الخصم هنا في قضيتي هو الدولة بأكملها، وأنا وأنتِ في نفس الفريق، لو كان لدي سبب آخر للتواجد هنا لكنت تصرفت معكِ بطريقة أخرى بتدخل المباحث الدولية في الأمر، فأنتِ من قتلتِ فتاة كل ذنبها أنها أخذت بثأرها من ابن عمها الذي قام باغتصابها، ألم تفعل كل ذلك من أجل الانتقام؟! أليست هي من أفسدت الأمر بين شهاب وزوجته بأنها من هيأت له أنها قامت بخيانته مع ابن خالتها ولذلك قام شهاب بقتلها على فعلتها؟ وهذا هو السبب في أن يذهب ابن خال أروى نفسها، سليم الخولي، ليُقدم كل الأدلة التي تُفيد على عدم نزاهة شهاب الدمنهوري وتورطه في أعمال غير قانونية ليأخذ بثأره منه على اغتصابه لابنة عمه، هل من سيفهم كل هذا ويعرفه سيأتي إلى هنا للسرقة، أو حتى سيأتي بمفرده؟!

 

عقدت حاجبيها ثم تركت كأسها ونهضت لتبتعد عنه وهي تستمع لكلماته فأضاف حتى لا يترك لعقلها الوقت التفكير:

-       اسمعي، ليس لدي الوقت للملل، هل ستعطين لي هذه المستندات أم لا؟!

 

وجدها لا تُحرك ساكنًا ليضيف ما جعلها تستعر غضبًا:

-       من تقتل فتاة على بعد آلاف الأميال فقط بفعل مكالمة واحدة من رجل، لابد من أنها ستساعدني لتبرئة مصدر أمواله وتقديم مستندات تبرهن على أن تجارته بالعقارات ليس لها علاقة بأي صفقات أخرى، أليس كذلك كلوديا؟

 

صمتت ولم تستطع الرد على كل ثرثرته ليقول وهو يُحدقها بثبات بعد أن ارتشف آخر ما تبقى بكأسه:

-       أنت تعشقينه، أليس كذلك؟!

 

انتابتها الصدمة لجزء من الثانية ولكنها جمعت شتاتها سريعًا وعقبت بجمود:

-       جيد، ربما تكون محامي جيد بحثت وتبينت القصة بأكملها، ولكن ما الذي يمنعني من الارتياب بأنك قد تريد المستندات لإثبات شيء آخر، شيء قد تختلق له قصة وأنت تعبث بالقوانين لتكون دليل زائد على تورطه بالأمر!

 

نهض وهو يشعل سيجارة أخرى واقترب آخذًا عدة خطوات نحوها وحدثها بمزيد من الثقة:

-       العشق هو الأمر الوحيد الذي يدفع المرء لفعل كل شيء، القتل، الانتقام، وحتى الموت والانتحار! أنا اثق بأنك تعشقينه.. لذا لديك كامل الحق بأن تفعلين أي شيء لتتأكدي أنني لست بكاذب!

 

حدقته لوهلة وهي تضيق عينيها بتفحص ثم سألته:

-       متى ستكون الجلسة اللعينة؟!

 

اجابها فورًا دون تريث:

-       بالرابع والعشرين من الشهر الجاري، علينا أن نسرع لو كنتِ تريدين أن تساعديه للمرة الأخيرة!

 

سألته مباشرة بتركيز شديد كما فعل هو بإجابته:

-       وبم سيُفيده هذا؟!

-       ألم يُحدثك؟!

-       ما الذي تقصده؟!

-       أقصد أنه ربما يكون هاربًا ليس إلا، وإلا كيف اتصل بكِ لقتل ابنة عمه؟! ربما سيأتي يومًا سيحتاج أن يعود لبلده ووقتها سيفيده إلغاء التحفظ على أمواله واملاكه، بقية القضايا المتورط بها قد تسقط عقوبتها مع الوقت ومرور السنوات، أمّا الأموال لو ذهبت هي وأملاكه وأصبحت تحت تصرف الدولة لن تعود!

-       لقد سألت عنك وليس هناك ما يُفيد بأنك محامي قضيته هو والخرقاء!

-       أتلقبين زوجته بالخرقاء؟! أنتِ تعشقينه دون أدنى شك!!

 

ابتسمت له وهي لا تُصدق إلى أين يتجه بها في الحديث وكأن قلبها سيلين لفعلها، لا يعرف أنها امرأة تخلت عن مشاعرها منذ سنوات وكثرة ما رأته في حياتها جعلها قاسية القلب بالفعل لتكلمه متسائلة من جديد بجدية:

-       لا تُشتتني بحديثك وثرثرتك، لن يفلح معي محاولتك في التأثير على الأمر بعشقي لليو، ما الذي يُقنعني بأنك أنت المحامي المسئول عن قضيته؟!

 

عقد حاجباه وهو يتذكر ما مر عليه بصحبة "شهاب" وذكرها لاسم "ليو" لأكثر من مرة فسألها:

-       هل ليوناردو بينسوليو هو نفسه ليو، وهو نفسه شهاب الدمنهوري؟!

 

ابتسمت له وتوجهت نحوه بأعين محذرة واجابته دون أن تنسى هدفها من كل ثرثرته:

-       يبدو أنك جيد وتنتبه للتفاصيل، أنت محق، ليو هو شهاب ولكنني أفضل أن أناديه بليو لأنني من صنعت هذا الرجل، والآن أجب سؤالي اللعين، ما الذي يُقنعني بأنك أنت المحامي المسئول عن قضيته؟!

 

فرغت ملامحه من المشاعر بينما أجابها قائلًا:

-       ما رأيك بحضور الجلسة بنفسك للتأكد؟!

 

قلبت عينيها بنفاذ صبر ثم قالت باستخفاف:

-       وكأنني أملك الوقت لك!

 

زفر بضيق ثم قال:

-       يمكنني أن آتي لكِ بدليل مصور برؤية أخوه معي، ولو بحثتِ قليلًا ستعرفين أنني كنت اتردد على منزل أخيه، ليتني ترافعت بجلسة واحدة لكنت أثبت لكِ أنني المحامي المسئول عن قضيته.. ولكن حتى ننهي الأمر.. هل ستأتين لي بأي مستندات أم لا؟!

 

هزت رأسها بالإنكار وذهب لتجلس بعيدًا ثم اشعلت احدى سجائرها وسكبت بعض من المشروب الكحولي بكأسها وقالت:

-       كل ما سُيفيدك هو كل ما يثبت مصدر أمواله من تصميماته الهندسية، أولها تلك الجائزة التي حصل عليها ليو عندما كان يدرس، لقد كان جائزة مادية جيدة وأرسل بالأموال لوالده حتى يشاركه بالعمل، وبعدها عمل بمجاله لبعض الوقت، هذا سخيف حقًا!!

 

التفت نحوها وشعر بالغضب الشديد لعدم فهمه شيء وسألها:

-       ما السخيف بالأمر؟

 

شردت ببقعة بالأرضية وهي تتنهد ثم أجابته:

-       كنت دائمًا اسخر من دراسته وحبه للتصميم المعماري ولكنه كان محق!

 

دام الصمت لبُرهة وهو يتفقدها بنفاذ صبر وقال بنبرة استفهامية:

-       لذا!!

 

نظرت له بملامح مستغرقة بالتفكير وأخبرته:

-       يمكنني أن أصل لأوراق تفيد مصدر أمواله من التصميم وأنت ذكرت أن هناك تقارير آخر خمس سنوات لشركته.. الأمر يحتاج لعدة أيام للبحث، ولكن هناك شيء هام!

-       وهو؟!

 

أضاف بنبرة سائلة بينما سألته هي:

-       لو امكنك أن تستفيد بما سأجده من مستندات في اثبات مصدر أول خمس سنوات من عمل شهاب ووالده لأنه توقف عن التصاميم فترة كبيرة عندما كان يُركز في عمله مع العائلة هنا بإيطاليا، وبالفعل أنت ذكرت أنك تملك تقارير آخر خمس سنوات.. هذه عشرة سنوات من الأدلة، كيف سيُمكنك أن تُثبت ما بينهم؟!

 

هي تساعده بالفعل، هذه إشارة جيدة، لقد حصل على ما آتى لفعله بل وجدها تفيده بالمزيد وهي تقول بنبرة مستغرقة في التفكير:

-       شهاب أرسل أولى دفعات الأموال لوالده عام 2004، وبعد عمله معنا وامتثاله لما أقوله أرسل له عام 2007 دفعة أخرى كبيرة ثم ركز على عمله مع كروتشيتا، وأنت تملك آخر خمس سنوات، مما يعني أنك تملك ما يثبت جزء صغير، أول ثلاث أعوام بعد تخرجه من الجامعة وآخر خمس سنوات هذه ثمانية أعوام من مستندات تثبت مصدر أمواله.. ووالده بدأ هذه الشركة قبل أن يأتي ليو لإيطاليا، تبًا، الأمر مُعقد!!

 

حدقها بإعجاب لم يستطع إنكاره لعقلها الذي لا يتوقف عن العمل وقال:

-       والده كان مهندس مثله، لم يغادر مصر قط، من السهل التحقيق في مصدر أمواله، كما أخبرتك، أنا أريد كل المستندات القانونية التي تُفيد مصدر أموال شهاب فقط!

 

نهضت ثم اقتربت منه وقبل أن تلـمـ ـسه أوقفها وهو يُمسك بيـ ـدها فحدثه بنبرة مُغرية:

-       هناك شيء لا تعلمه عني، كلوديا تفعل المعروف ولكنها لا تنساه، هل أنت مستعد أن آتي لك يومًا وأنا أطالب بمعروفٍ ما في مقابل ما سأفعله لك، عمر؟!

 

تفقدها باستمتاع وهي تنطق باسمه بهذه الطريقة التي لكانت تحرضه على فعل الكثير يوم ما ولكنه أجابها:

-       أنتِ تسدين معروف لليو أو شهاب، الأمر لا يتعلق بي!

تفحصته لوهلة بينما حاول هو صد نفسه بأعجوبة عن الاستجابة لتلك الرغبة السارية بدمائه ليستمع لها تقول:

-       يومان فقط وستكون كل المستندات متاحة لك، ولكنني لا أصنع المعروف بالمجان، ولو كنت ستنادي بأنني أفعل هذا من أجل ليو فلقد فعلت له الكثير بالفعل، وقتلي لابنة عمه كان هذا مجرد خدمة مجانية، وكذلك إعادة ترميم هذا المنزل بعد أن أصبح مجرد أطلال، لقد فعلت له الكثير بالفعل وخصوصًا من أجل زوجته الخرقاء، وما جمعني به أكبر مما يستطيع محامٍ جذاب مثلك أن يفهمه.. الآن الأمر بيني وبينك وليس بيني وبينه، معروفي لن يكون بالمجان إليك!  

 

أومأ ليهز رأسه في سخرية وترك يدها ثم قال شاعرًا بالملل فلقد نفذ صبره وهو بالطبع تحت تأثير نوبته لن تكون قراراته حكيمة على الاطلاق:

-       حسنًا، أفعلي ما يحلو لكِ!

 

نادته لتوقفه وهو يُمسك بنفس القميص الذي ألقاه أرضًا منذ مدة:

-       إلى أين تذهب؟

 

التفت لها وهو يضع القميص عليه دون أن يغلق ازراره وأجابها:

-       سأذهب للفندق.. فعلى ما يبدو أنني سأغادر إيطاليا كما أتيت!

 

عقدت ذراعيها وقالت بتحذير مرح:

-       بربك أيها الجذاب، أنت تحت المراقبة وغير مسموح لك بالذهاب إلى أن اتبين الأمر.. لن تغادر هذا المنزل اللعين قبل أن أتأكد أنك لست فقط محامي، بل أريد معرفة المزيد من التفاصيل عنك.. كلوديا لن تساعد عابر سبيل لا يريد سوى إنقاذ حفنة أموال.. لذا اعتبر نفسك بمنزلك.. لقد مات ليو على كل حال، أو لاذ بالفرار، لن يحتاج لهذا المنزل، ألا تظن ذلك؟!

 

اقتربت منه وهي تتفقده بنظرات متسارعة من أعلى رأسه لأخمص قدمه ثم تابعت متنهدة:

-       لا تملك خصرًا رائعًا مثل ليو، ولكن ساقاك أقوى، شعرك الفحمي الطويل يختلف عن شعره القصير، ولكنكما بنفس الطول وربما ملابسه ستفيدك بدلًا من هذا القميص المتسخ! اتبعني!!

 

كل ما ود أن يفعله هو أن يصفعها بشدة ويتركها ويذهب مغادرًا من هنا، كما أنه يشعر بالجوع مرة ثانية، تبًا لنوبة هوسه تلك ولكنه لا يريد أن يتخلى عما يمر به لكي يُنهي هذه القضية، فلو عاد من جديد لاكتئابه الذي سيدوم مدة ليست بقليلة سيشعر أنه لا يريد العمل للأبد!

 

-       هيا أيها الجذاب، لا أحب الانتظار ولا أظن أنك ستقدر على مواجهة رجال سيقتلونك في غمضة عين خلف هذا الباب لو فكرت بالفرار!!

 

استمع لها تناديه من مسافة فتبعها رغمًا عنه ليرها تصعد للأعلى وأخذ يتفقد هذا المنزل الذي يبدو كل ما به جديد حقًا.. ربما هي ليست بكاذبة!

--

بعد مرور ساعتان..

 

-       حسنًا، لقد تناولت الطعام وأحضرت لك أشياءك من الفندق بعد أن اغتسلت، أتساءل ما الذي سنفعله لبقية الليلة؟!

 

سألته وهي تحتسي من كأسها ولم تتوقف عن تسديد تلك النظرات الرا غبة له ففهم ما تُرمي إليه ليُخبرها بسخرية:

-       الليالي العابرة ليست نوعي المُفضل، حتى ولو كان كل ما يجمعني بامرأة ما هو مجرد علاقة جـ ـسدية بحتة على الأقل استمر معها لشهور..

 

اشارت له بسبابتها وأخبرته:

-       حسنًا سأعطي لك أسبوع كامل، ما رأيك بهذا؟!

 

هز رأسه بالإنكار وأكمل ارتشاف النبيذ لينهض متجهًا للأعلى وهو يُمسك بكأسه فنادته قائلة:

-       انتظر أيها اللعين، منذ قليل كنت تعطيني تلك الإشارات والآن تخبرني بأنني لست نوعك المُفضل، أتريد مني أن اتوسل، حسنًا سأفعل هذا، لم أفعله منذ الكثير من الوقت وسيكون بمثابة بعض المرح.. ولكن احذر من الذهاب وتركي وإلا عواقب هذا ستكون وخيمة!

 

التفت ذاهبًا لها وهو يتفحصها بر غبة لم يستطع أن يُنكرها، كما أن تلك الاثـ ــارة التي يشعر بها ورغبته في القيام بالأمر ليست بهينة، وكلما اقترب لها يظن أنه سيفعلها ولكن بمجرد ادراكه أنها ليست "روان" يستطيع التحكم في نفسه من جديد!

 

-       أنتِ امرأة فاتنة، واثق بشدة أنني لو فعلناها سنقضي ليلة جيدة.. ولكن؛ أنا لا أستطيع فعلها الآن، ليقع اللوم عليّ إذن.. وأنا في غاية الامتنان لعرضك السخي، أقدره بشدة.. طابت ليلتك!

 

كاد أن يذهب من جديد فأوقفته لتقترب منه وهي تُمـ ــسك بساعده وسألته:

-       أنت لست بمثلي الجـ ـنس، ولا تفتقر لما يؤهلك من قضاء ليلة جيدة معي.. لقد تأكدت بنفسي!!

 

ذهبت ببصرها للأسفل بابتسامة متلاعبة ثم نظرت له وتابعت:

-       كنت تتغزل بي منذ قليل وعينيك لا تفارق جـ ــسدي، والآن تتخلى عن الأمر، وأنا واثقة مما أملكه من تأثير على الرجال، لذا ما خطبك؟ هل تحمل مرض ما يمنعك من فعلها، أم أن هناك امرأة ستتهمك بالخيانة لفعلها؟!

 

شرد بالفراغ ولم يلحظ أن شروده قد دام لدقائق ليرها أمامه تمر من على مسافة، هو يعرف أنه يُعاني من الذهان، وتلك الخيالات التي يُسببها له عليه التخلص منها وعدم الاستجابة لها، التجاهل لطالما كان الحل، ولكن أن يراها ولو على مسافة لا يستطيع سوى أن يستجيب لها بكل ما فيها!

-       نعم أملك امرأة مثالية، رائعة الجمال، ربما أنتِ امرأة فاتنة ولكن فتنتك تحرض على أمر وحيد فقط، الجـ ـنس الصاخب، أمّا هي فهي تملك ذلك المزيج من البراءة والأنوثة بآن واحد، وكأنها واحدة من الآلهة، كأفروديت تمامًا، هي جعلتني لا أريد سوى البقاء معها للأبد، سواء ببدني، بعقلي، أم بروحي..

 

تفقدته ولاحظت عينيه التي تتنقل للفراغ كما أن نبرته اختلفت بالكامل وهو يتحدث عنها فحدثته بإغراء:

-       ليس عليها أن تعرف شيء.. لن يخبرها أحد! وهي فقط ليلة ليس إلا!

 

لم ير سواها وهي تذهب لتجلس على احدى المقاعد وتقوم بتسليط كامل تركيزها على حاسوبها وكأنه ليس موجود أمام عينيها، هل هذه هي الخمر من تصور له هذا أم أن ما يراه هو مجرد عرض ذهاني جديد؟! تبًا، لا يستطيع أن يحول نظره عنها حتى ولو كانت مجرد خيال ليس إلا!

 

-       فتاتي تعلم عني كل شيء، كملاكي الحارس، تعرف ما يؤلمني وتستطيع أن تتخلص منه بسهولة وهي تدفع عني الأذى.. لقد اشتقت لها كثيرًا، اشتقت لرؤيتها، لنبرة صوتها.. لكل لمـ ــسة منها، أنتِ حقًا لا تعرفين كم اعشقها، أتمنى الحصول على أي شيء منها، كلمة، مجرد كلمة فقط، الآن أعرف كيف تصوغ كل كلمة، هي ليست ببشر، هي تملك نبرة صوت كالملائكة، سماعي لها عندما كانت تخبرني صباح الخير تجعلني أشعر أنني مُـت ويخيل لي بمجرد أن أفتح عيناي وأبصر ما حولي سأجد نفسي بصحبتها في الجنة وهي مكافئتي بعد حياة بائسة..

 

عقدت حاجبيها متعجبة من ملامحه وتلك الكلمات الكثيرة التي قالها بتلقائية شديدة وتركت يده ثم نادته باستغراب:

-       عمر، هل أنت شارد بشيء ما؟!

 

التفت لينظر لها ولم ير بوجهها سوى أنها هي، "روان" معه، هذا ليس حلم، نظر بعيدًا ليتفقد ذلك الخيال حيث كانت تجلس منذ قليل فلم يجدها ونظر أمامه مرة ثانية ليجدها هي، بنفس عسليتيها، تبًا لقد اشتاق لها كثيرًا:

-       روان، أنتِ جيتي عشان تسمعيني؟

 

عقدت حاجبيها بتعجب وهي تتفقده بينما كررت اسمه:

-       عمر، مالك؟ أنت كويس؟

 

لم يستطع عقله استيعاب أنه صوت "كلوديا" وليست "روان" على الاطلاق.. لا يعرف أنها تتحدث بعض من العامية كما علمها "شهاب" يومًا ما، لا يعرف سوى أنه يُريد ضمها له وبشدة!

 

-       هبقا كويس عشان أنتِ بقيتي معايا.. وهكون كويس أكتر لو حكيتلك على كل حاجة!!

 

أغمض عينيه وهو يستنشق رائحتها التي اشتاق إليها وضمها أكثر له بينما همس بجانب أذنها:

-       وحشتيني أوي يا روان.. أنا مش عارف قدرت أعيش ازاي من غيرك الأيام اللي فاتت دي كلها!

 

هو مختل، أم أن الخمر أفسدت عقله، ولكن أنفا سه السا خنة وتلك القبـ ــلات التي يوزعها على عُنقها كانت رد فعل سريع على رغـ ـبتها بأن يُكمل غزله السابق لها، ولكن ما يفعله الآن لن يأتي من رجل مسيطر فضلًا عن رجل سا دي، حسنًا، ليلة من العبث الهادئ، يُمكنها أن تتقبل هذا!

 

دفـ ـعها لتستقر لأحدى الجدران وهو يخــ ــفض من ثو بها وقبلا ته لا تتوقف في حالة من الشراهة التامة يوزعها بين عنـ ـقها وكل ما استطاعت شـ ـفتيه الحصول عليه بينما شعر بيـ ـدها المتغلغلة في شعر رأسه وأصوات أنفاسها المتعالية وهمهمتها التي تدل على استمتـ ـاعها بكل ما يحدث فتفقد ملامحها ليجدها أنها ليست هي، ليست "روان" بل هي نفس تلك المرأة التي كانت تتحدث معه منذ قليل، تبًا، ما الذي فعله؟ كيف لم يستطع التفريق بين كلتاهما؟

 

توقف عن المتابعة وهو ينظر لها بجدية محاولًا أن يهدأ من أنفاسه ثم خلل شعره بأصابعه وهو يبتعد عنها مخبرًا إياها في حالة شتات واضحة ورأت الخشية على ملامحه جلية للغاية:

-       هذا لن يفلح، لن أستطيع فعلها معكِ!!

تركها وذهب لتتعجب من فعلته فتبعته وهي تصيح:

-       حسنًا أيها الوغد، ولكن، هل سأمكث بمفردي هنا!

 

التفت خلفه وهو يشعر أنه لابد من أن يبتعد عن أي نساء فهو لا يضمن ما الذي قد يفعله في حالته هذه ونهاها قائلًا:

-       فقط ابتعدي عني..

 

تبعته لتوقفه وهي تقول متحدثة بالعربية العامية:

-       انت مجنون، استنى!!

 

اتسعت عينيه دهشة وهو لا يظن أن ما استمع له حقيقي فالتفت لها من جديد وسألها بالإنجليزية:

-       هل تتحدثين العربية؟

-       ليس الكثير، لقد علمني ليو بعضًا منها، ولكنني أستطيع فهمها أفضل مما اتحدثها!

 

اجابته وهي تعقد ذراعيها في تحفز ورمقته باستياء ثم تكلمت بنبرة غلب عليها الملل:

-       أنت مراقب، ولن تغيب عن عيني حتى أتأكد من مصادري بمصر أنك من تعمل على القضية، وحتى هذا الحين لن تتركني لأموت مللًا.. وإن كنت قررت أن تبتعد لك هذا، ولكن على الأقل لا تتركني بمفردي.. أخبرني من هي تلك التي اشتقت لها؟!

 

تفقدها بنظرات غاضبة وانعقد لسانه، هل عليه أن يتحدث عن "روان" تحت تأثير السلاح الآن؟

-       لقد ظننت أنني هي، هل هذا بفعل النبيذ أم ماذا يحدث لك؟

 

ضيقت عينيها نحوه تتفحصه بينما غرق في تفكيره، هو لا يستطيع التحدث عنها لأحد، سيأتي الآن ويتحدث لامرأة مثلها؟! لا يظن أن هذا سيحدث!

-       بربك أيها الغبي.. لن نقضي الليلة في الصمت هذا، هيا تحدث للتسلية بدلًا من أن أتسلى بسكيني ووقتها لن يعجبك ما يحدث..

 

قلبت عينيها وهي تغمغم:

-       حسنًا اسمها روان.. سأستكشف بنفسي..

 

امسكت بهاتفها ليوقفها متأهبًا وسألها:

-       ماذا ستفعلين؟

 

هزت كتفيها بعدم اكتراث واجابته:

-       سأعرف بنفسي، هناك امرأة اسمها روان في حياة عمر يزيد أكمل الجندي، ألم يكن هذا اسمك؟!

 

اقترب منها وهو يلعن بداخله ثم قال بارتباك:

-       حسنًا، سأخبرك.. فقط دعيها وشأنها!

 

تفحصته مليًا وهي تعبث بخصلاتها الطويلة المموجة وأخبرته بملامح مرحة:

-       أحب القصص، ويبدو أنك تملك بعضًا منها.. سأخبرك عني أنا وليو لو عجبتني قصتك!

--

مصر.. بعد مرور أسبوع..

 

-       تذكري ألا تخبريها عني، لو علمت أنها ستساعدنا لن تأتي معك!

 

قلبت عينيها والسيارة تتوقف ثم حدثته قائلة:

-       هل تظنني غبية!! أنهي المكالمة عمر.. وإما عليك انتظار عودة ماثيو من روسيا، إما هي وإما هو للحصول على هذه المعلومات!

 

شعر بالتوتر الشديد مما ستقدم على فعله فهتف قائلًا:

-       انتظري، لا تستخدمي معها العنف.. هذا لن يُفيدها!

 

زفرت حانقة ثم صاحت به:

-       لا تكون كالطفل المدلل أيها الغبي.. سأتحدث معها، سأقنعها بأنني أريد التوقيع مع شركتها عقد جديد ليس إلا! أغلق هذه اللعنة فأنا على وشك الصعود إليها..

أنهت المكالمة دون اكتراث ثم دخلت وبعد مرورها بالاستقبال ونهايتها بمكتب "علا" وانتظارها لساعتين شعرت بأنها ستقتل تلك المرأة إن فكرت أن ترفض مساعدتها.. كان من السهل للغاية أن تقطع الطريق عليها وتجبرها على القدوم معها لتلك الخوادم، تشهر السلاح بوجهها حتى تستخرج البيانات، وكل شيء كان سينتهي في لمح البصر!

 

-       سحقًا، أنت السبب ليو بكل هذا!

 

غمغمت لتنظر لها "علا" باستغراب ثم سألتها بعفوية:

-       عذرًا، هل تريدين شيء؟

 

رفعت وجهها لها وهي تحدقها بنظراتٍ غاضبة مُفكرة في كل ما تفعله ولوهلة شعرت وكأنها أصبحت فتاة غبية بالثامنة عشر من عمرها لموافقتها على اتباع هذا الهدوء معها، يبدو أنها تأثرت بقصتهما قليلًا.. تبًا لكلاهما ولكل قصص العشق غير المنتهية!

-       أتعلمين ماذا، لقد سأمت الانتظار!!

 

في نفس الوقت تم فتح الباب وخرج منه ثلاثة رجال وامرأة لتنهض وهي تتحدث إلى نفسها بالإيطالية:

-       جيد، لقد أنقذوها من حريق محتوم!

 

اتجهت للداخل لتنظر لها "روان" باستغراب فلم تأتِ "علا" معها ولم تصحبها فهذا كان غريب نوعًا ما وليست من عادتها على الاطلاق والأغرب أنها أغلقت الباب بنفسها بل واتجهت لها مباشرة حتى مقعد مكتبها ليسيطر الوجوم على ملامحها وقامت بتقديم يدها للمصافحة فصافحتها "روان" وقالت بعفوية:

-       مرحبًا، أنتِ كلوديا، أليس كذلك؟

 

اتسعت ابتسامتها لها ثم أجابتها:

-       جيد، أنا كلوديا وأنتِ روان ولقد تصافحنا ووطدنا معرفتنا ببعضنا البعض واصبحنا صديقتان عزيزتان.. والآن..

 

قامت بالتقاط سكين من حذاءها لتتوسع أعين "روان" وقبل أن تقوم بضغط أي ازرار أو لـ ـمس الهاتف دفعت مقعدها للخلف وأخبرتها بابتسامة واسعة وهي تدنو منها:

-       اسمعيني روان، لديك اختيار من اثنان، الأول هو دقيقة واحدة لتجمعين أشياءك وحاسوبك وتذهبين معي دون أي جلبة والثاني أن يتم الأمر بالإجبار وصدقيني رجالي يفوقون عدد رجالك قوة وأسلحة.. في حين أن كل ما أريده هو أمر بسيط وسهل عليك يتعلق ببيانات لم ننجح في استخراجها.. لذا، ماذا تختارين أيتها الجميلة؟!



يُتبع..