رواية كما يحلو لها بتول طه - اقتباس الفصل الرابع عشر النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
اقتباس
الفصل الرابع عشر
النسخة العامية
هل القدر يمازحه أم يدفعه نحو الانتحار واليأس
خطوة أخرى بابتلائه هذا الابتلاء القاسي؟! شخص يخبره بأن ما يراه أمام عينيه الآن
حقيقة وليس كابوس، والده يقارب على تهشيم أسنانه وهو يقف ويشاهده نائمًا مع المرأة
التي يعشقها، يا للسخرية!!
تخيل صداع الرأس، وتخيل مواجهتها له بغضب
وخوف، تخيل صراخها، تخيل استيقاظه قبلها وهو يمرر أنامله على ملامحها التي مزقه
الشوق لها، حتى أنه تخيل تشاجره مع رجال الأمن الذين يقفون كالبُله أما باب غرفتها،
تخيل كذلك أن تقوم بتحرير محضر اختطاف ضده، ولكن أن يرى وجه والده الآن، كان أكثر
مما يستطيع عقله الثبات أمامه!
-
ممكن أفهم أنت بتعمل إيه بالظبط؟
مسح وجهه من اثار النوم وهو ينهض بهدوء لكي
لا يزعجها فهو يستحيل أن يترك هذه اللحظة لتفلت من بين يديه عندما تستيقظ وتنظر
له، ربما لا يعرف كيف سيواجهها بعد ولا كيف سينظر لها بعد ما فعله ولكنه على يقين
أنه لا يريد لأي لحظة معها أن تتفلت من بين يديه!
شاهد والده مدى الحرص الذي يتحرك به وهو لا
يريد أن يقلقها على الاطلاق لتزداد دمائه احتدام غير مسبوق من حقيقة سيطرة هذه
المرأة على ابنه بالكامل واكتفى بمتابعته بعينيه إلى أن فر للداخل ليُلقي نظرة
أخيرة بغلٍ شديد نحوها ثم تبع "عمر" للداخل وكرر سؤاله مرة ثانية:
-
بتعمل ايه يا عمر معاها؟
التفت له ونظر بعينيه مباشرة بلامبالاة حيث
أن هذا الصداع الذي كاد على أن يُفجر رأسه كان كفيل بتسبيب ألم حقيقي له فأجابه
قائلًا بمنتهى البرود:
-
زي ما شوفت، كنت نايم!
تفحصه ببرود ماثل بروده تمامًا وسأله مرة
أخرى:
-
وقبل ما تنام، كنت بتعمل إيه؟
كان عليه أن يلتفت غير عابئًا بما سيظنه
والده واتجه نحو سجائره وتفقد ساعة يـ ده التي يرتديها منذ ليلة أمس وأجابه بهدوء
دون أن ينظر له:
-
خير يا بابا، تحقيق إيه ده اللي الساعة ستة
الصبح؟
رفع حاجباه مندهشًا من اجابته ولكنه سرعان ما
سيطر على نفسه وقال قاصدًا ما آتى من أجله:
-
هو ده الراجل العاقل الكبير اللي هيشتغل
وعنده قضية صعبة، مقضيها سُكر وعياط معاها قدام الناس لغاية الصُبح وسايبني قدام بابه
ساعة محدش عارف يوصله عشان نايم جنب الهانم ومش قادر يفوق، لو حد شافك يقول عليك
إيه؟ يقول عليا أنا ايه؟ ابني صايع ولا يقول اني معرفتش اربي؟!
نفث ادخنته وهو يُصمم أن يُنهي هذا النقاش
سريعًا بمنتهى الهدوء قبل أن تستيقظ هي ليعقب بنفس المقدار من اللامبالاة ولكنه
اطنب بتركيز شديد لا يتناسب مع حالته ولكنه يتناسب مع هذا الرجل الذي تربى على يدي
"يزيد الجندي" الذي علمه الكثير من الكلمات التي تستطيع إنهاء أصعب
النقاشات:
-
بابا، أنا عارف إنك أكتر واحد في الدنيا عايز
مصلحتي، لدرجة إنك بتدورلي على شغل، وليل نهار بتديني في نصايح، لأ وكمان مراقبني
وحاططلي عيون في كل حتة عشان خايف عليا طبعًا، بس أنا فاهم كويس ومقدر تعبك معايا
وعشاني.. ومكسرتلكش كلمة وقولتلك هامسك القضية، مش معقول هروح للناس الساعة ستة
الصبح وأنا بقولهم زي ما قدمتو الأدلة تسحبوها عشان المشاكل وأحلها ودي معاهم.. ولو
بتسأل عن إني بعمل إيه سواء بسكر طول الليل ولا موجود معاها فدي حاجة تخصني، أنا
آسف بس دي حاجة متخصكش، ومظنش إنك في يوم فرق معاك أنا مع مين غير يمنى، وأظن برضو
إن يمنى طلعت زي ما أنت فاكرها وأنا اتعلمت الدرس، إنما روان غيرها وأنا وأنت
عارفين كده كويس! هو صحيح مش أنت قولت إن محدش يعرف عن طلاقنا حاجة؟
احتقن وجه والده بدماء الغضب بينما تابع
الآخر مجيبًا تساؤله بهدوء لاذع جعل دماء والده تفور بعقله:
-
يبقا أظن اللي هيشوفنا هيقول راجل ومراته
سهرانين مع بعض، شربو، وطلعو اوضتهم، ولا رأيك ايه؟
رؤيته أمامه بهذا الغضب وهو يستمع لصوت
أسنانه التي لا تتوقف عن الاحتكاك ببعضها البعض وقال بحدة:
-
رايح تعيطلها وتنام في حضنها وهي كانت في حضن
راجل تاني قدامك، للدرجادي مربتش راجل!
شاهده بلومٍ دفين ينهمر من مقلتيه واهتز بداخله
سماع هذه الكلمة وبالرغم مما يمر به تملك سيطرته على نفسه ولكن هذا لم يُحرك
بوالده ولو ذرة من مشاعر فأجابه بهدوء مبالغ فيه:
-
بابا، أسطوانة زمان دي مش هتنفعني، أنا مش
طفل هيفرق معايا الكلام ده، يا ريت بلاش السكة دي معايا!
تعالت أنفاسه ليصيح به بغضب هائل وبدأت نبرته
في الارتفاع:
-
أنت بتهددني ولا نسيت ازاي تكلم أبوك اللي
رباك وخلاك عمر الجندي..
لأول مرة في حياته يستطيع أن يتغلب على هدوء
والده بهدوئه المنيع وبحركات ثلجية استنشق من ادخنته ليقول وهو يزفرها ناظرًا له
بأعين نصف مُغلقة:
-
أنت اللي جاي تهزئني على الصبح عشان بس بعمل
حاجة في حياتي مش عجباك، أنا لا بقيت عيل صغير مضروب ولا شاب طايش في الجامعة
هيتضحك عليه، شكلك أنت اللي نسيت!
أن يتحدث له بهذه الوقاحة، لن تمر مرور
الكرام على الاطلاق:
-
أنت اتجننت يا عمر عشان تكلمني كده، ما تفوق،
ولا كمان الهانم علمتك تتكلم زيها؟
استمعت لهذا الصُراخ فظنت أنها بحلم ما ثم
استمعت لصوت آخر هي تعرفه جيدًا يصيح بنفس درجة الصوت:
-
بابا، سيبك من روان ومالكش دعوة بيها، شيلها
من دماغك بقا!
لماذا يذكر اسمها بهذا الصراخ؟ هل كان كل ما
مر عليها حُلم أو كابوس وهما ما زالا في منزله وقد آتى والده لزيارته؟ هذا الثعبان
وكل هذا العذاب كان كابوس، أليس كذلك؟
-
لما تبقا تشيلها أنت من دماغك وتشيلها من
حياتك وترجع راجل زي زمان هبقا اشيل الست اللي مبهدلة حياة ابني من دماغها! ده بدل
ما توقفها عند حدها ولا تربيها وتخليها تفكر ألف مرة قبل ما تسكر وتتصرف بقذارة
قدام أهلنا رايح تتطبطب عليها وتنام جنبها وهي بتسكر وأنت ساندها وبتشرب معاها!
هذا صوت والده، يتحدث عن احتسائهما للخمر
ليلة أمس، إذن الأمر حقيقي، لم يكن كابوس، بل واقع عايشته بالفعل!!
-
آه هي كده، وهسندها، وهشرب معاها، ترقص ولا
تحضن غيري هي حرة، أحبها وأنام جنبها ولا اعملها اللي هي عايزاه أنا حر، ما يمكن
أنا عايزها وبحبها واتمنالها الرضا عشان عرفت تديني اللي محدش في الدنيا ادهوني..
لا أنت ولا غيرها! إيه، مش قادر تفهم ده ولا تشوفه بعد السنتين اللي فاتو؟ أنا موت
نفسي عشان خاطرها، مش واخد بالك هي بالنسبالي ايه؟! ولا عايز تتأكد لما تدفني
بإيديك؟!
هذه أول مرة في حياتها تستمع له يتحدث بهذه
الطريقة، وبهذا الغضب الشديد، وصدمتها مما استمعت له جعلتها تتجمد في مكانها
للحظات، هي لا تفهم ما الذي يحدث، كما كانت ردة فعل والده، صدمة شديدة سقطت كاللطمة
القاسية على وجهه، وكأن تلك الحقيرة تضربه مستخدمة ابنه الذي بات طوع يدها، يقسم
أنه لن يسكت عن هذا!
انسحب تمامًا من نقاش كهذا فمن يفعل لا يتكلم
سوى بأفعاله التي ستكون أبلغ من آلاف الأقوال واتجه للخارج ليرها جالسة على
الأريكة بأثار النُعاس فرمقها باحتقار شديد وابتسم نصف ابتسامة بتحدي وأصر بداخله
أن يجعل هذه الفتاة تندم أشد الندم على ما وصل له ابنه بسببها! لم يعد يقف بينهما
سوى هذا الموعد وتلك القضية التي جعله يتولاها، أي تراجع في عمله وأي تقهقر أو فشل
له من جديد ستكون هي المُلامة على كل ما يحدث له!
يُتبع..