رواية تعويذة العشق الأبدي - بقلم الكاتبة سمر إبراهيم - الفصل الحادي عشر
رواية تعويذة العشق الأبدي
بقلم الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل الحادي عشر
رواية
تعويذة العشق الأبدي
إذا أظلمت الدنيا حولك،
وأفقدتك خطواتك الطريق
فارفع رأسك إلى السماء
فهي التي ستمدك بالشعله
التي تنير لك الطريق.
"حكمة فرعونية"
❈-❈-❈
خرج من منزله صا فعًا الباب خلفه يلهث بعنف من شدة الغضب، يسبها بداخله بكافة أنواع السباب الذي يعرفه، فهي الوحيدة القادرة على الوقوف أمامه بهذه الجسارة عل العكس من أمها واختها اللتان يرتعدتان رعبًا عند وقوفهما أمامه أما هي فلا شيء يرهبها فمنذ أن كانت طفلة صغيرة وهي تقف أمامه ولا تخشى شيئًا مما يجعله يقف عاجزًا أمام شجاعتها هذه.
سبة نابية خرجت من فمه وتمتم بينه وبين نفسه:
- ضيعتي السبوبة بدماغك الو سخة يا بنت الك لب آه لو أطول كنت طبقت في زمارة رقبتك بس معلش الصبر طيب.
قطع شروده وقوف شخص ما أمامه وهو يبتسم لتظهر أسنانه شديدة الصفار متحدثا بحماس:
- على فين العزم كدا يا ابو عهد، فينك يا راجل من الصبح دي الرجالة كلها متجمعه عالقهوة.
عقب على حديثه وهو يبتسم إبتسامة مشابهة لابتسامة صاحبه:
- هكون رايح فين بس يا فوزي يا خويا كنت جايلكم عالقهوة.
- طب يلا بينا دنا ناوي أشيلك مشاريب القهوة كلها النهاردة واخد بتار امبارح، ها ناوي تتغلب في إيه النهاردة؟
قال ذلك وهو يمسك بزراعه ثم اتجها إلى المقهى الشعبي الذي اعتاد عادل أن يمضي به معظم وقته وينفق فيه معظم نقوده أيضًا.
نظر له عادل أثناء سيرها وحدثه بتهكم:
- انت هتشيلني المشاريب؟ شكلك كدا نسيت مين اللي ماسح بيك بلاط القهوة بقاله يومين ومشيلك مشاريب قد دماغك، قدامي يا خويا أما نشوف مين فينا اللي هيشيل التاني وجدعنة مني هسيبك انت اللي تختار عايز تتغلب في ايه.
وصلا إلى المقهى وهما يتجادلان على من فيهما أمهر من الآخر في اللعب ثم جلسا على طاولة ما ليصيح عادل على عامل المقهى قائلًا:
- هاتلنا يبني كوتشينة واتنين شاي على بوسطة وحجرين معسل قص.
أنهى جملته وهو ينظر لصديقه بطرف عينه ثم أردف:
- صدرك هيستحمل القص يا فوزي ولا هيبقى حامي عليك واجيبلك زغلول أحسن.
نظر له بغضب وحدثه وهو يضر ب على صدره بقبضة يده ضر بات خفيفة.
- حامي على مين لمؤخذا محسوبك صحته بومب، هات ٢٠ حجر وانا أخلصلك عليهم دلوقتي.
نظر له نظرة متهكمة وهو يعقب:
- أما نشوف بس متقعدش تكح من أول نفس وتقرفنا
ذهب العامل من أمامهم وهو يهز رأسه بيأس من شجارهما اليومي وأخذ يصيح بصوته الجهوري:
- معاك كوتشينه واتنين شاي على بوسطه وحجرين معسل قص للأسطاوات وصلحه.
بدآ باللعب ولكنه شعر باهتزاز هاتفه داخل جيب بنطاله القماشي معلنًا عن قدوم مكالمة فقام بإخراجه ليعقد حاجباه عندما وجده رقم غير مسجل عنده في قائمة الهاتف ولكنه ضغط على زر الإجابة على أية حال ليجد صوت امرأه غير مألوف بالنسبة له:
- ألو، معايا الأستاذ عادل السيد..
تهكم معقبًا:
- أستاذ عادل؟! الله يكرم أصلك يا مودام، محسوبك الاسطى عادل خير أي خدمة.
اشمأزت كثيرًا من طريقة كلامه السوقية ولكنها لم تقف عند ذلك ف فتاة سيئة السمعة كهذه كيف سيكون والدها:
- ياريت حضرتك تجيلنا على العنوان ده دلوقتي....
عقد حاجبية متعجبًا من طلبها ولكنه أجاب باقتضاب:
- خير يا ست هانم فيه إيه؟
أجابت متأففة بنفاذ صبر:
- فيه أن بنت حضرتك كانت في الشقة مع جوزي وياريت تيجي تاخدها قبل ما اتهور واطلبلها بوليس الأداب.
صدمة ألجمت لسانه فما هذا الحديث الغريب الذي يسمعه وعن أي ابنة تتحدث هذه المرأة الغريبة:
- ايه الكلام اللي بتقوليه ده يا ولية انتي؟ وبنتي مين اللي بتتكلمي عنها؟
ازداد اشمئزازها من طريقته وتحدثت بصوت منخفض مشيرة لنفسها:
- أنا ولية؟
وضعت الهاتف على وضع مكبر الصوت ثم نظرت إليها باحتقار من أعلى لأسفل:
- اسمك إيه؟
لم تستطع التحدث في بادئ الأمر من كثرة بكائها فزجرتها ضحى وحدثتها بصياح:
.
- انتي يا بت انتي اسمك ايه؟
اجابتها بتلعثم شديد من بين شهقاتها:
- و، وعد.
تحدثت في الهاتف مرة أخرى دون إغلاق مكبر الصوت:
- أظن سمعت صوتها بنفسك قدامك نص ساعة وبعد كدا تقدر تروح تستلمها من القسم.
قالت ذلك وأغلقت الهاتف دون انتظار رد منه، أما عنه فلقد ظل بضع دقائق متحجرًا مكانه لا يستطيع التحدث أو الحركة ليتعجب صديقه من حالته هذه فتحدث معه بقلق:
- مالك يا ابو عهد إيه اللي حصل؟ حد جراله حاجة؟
ازداد تعجبه عندما وجده يقف بطريقة آلية ليتحرك مهرولًا فجأة من أمامه دون الالتفات أو الرد عليه ليقلب كفيه الواحدة فوق الأخرى وهو يقول:
- الرا جل نزل عليه سهم الله ربنا يسترها عليه.
❈-❈-❈
أنهت المكالمة وهي تنظر إليها بازدراء خاصة بعد سماعها لصوت والدها ومعرفة البيئة التي هي آتية منها:
- قومي البسي هدومك ولا عايزة ابوكي يجي يلاقيكي كدا؟
أنهت حديثها وهي تنظر للر جال الموجودين بالغرفة:
- اتفضلوا برا على ما تلبس هدموها، وانتي يا أمل معلش خليكي معاها على ما تلبس وبعدين هاتيها تستنى أبوها برا.
أماءت لها بالموافقة وخرج الرجا ل بالفعل ومن بينهم أحمد الذي خرج منكس الرأس ولم يجرؤ على النظر لأحد، وعندما أُغلق الباب قامت بتثاقل شديد تجر قدميها لكي تهبط من الفراش ولا تتوقف عن البكاء لدرجة أنها كادت أن تسقط أرضًا لولا أن لحقتها أمل وقامت بإجلاسها على الفراش وساعدتها في ارتداء ملابسها أيضا بعد أن شعرت بالشفقة نحوها فبالرغم مما فعلته فهي لا يبدوا عليها أبدًا بأنها فتاة سيئة السمعة أو معتادة على ما فعلته فمن الواضح أنه تم خداعها من قبل هذا الثعلب زير النساء فشعرت ببعض من تأنيب الضمير لكونها هي السبب في هذه الفضيحة التي سوف تلحق بها ولكنها سرعان ما أزالت ذلك الشعور فلم يكن أمامها خيار آخر سوى ذلك كما أنها لو كانت الفتاة مظلومة بالفعل فبما فعلته تكون قد انقذتها من كارثة كانت ستضيع مستقبلها فمن الواضح من ملابسها التي بقيت عليها أن ذلك الخسيس لم يكمل ما كان يفعله فلقد أتوا في الوقت المناسب قبل يحدث لها مالا يحمد عقباه وتضيع الى الأبد.
أنهت ارتداء ملابسها وخرجت مع أمل من الغرفة مستندة عليها وجلست على كرسي قريب من الباب وهي منكسة الرأس تفرك يديها معا منتظرة مصيرها المحتوم لتجد أمل تعطيها حقيبة يدها فأخذتها ووضعتها على قدميها وتشبثت بها وكأنها تستمد منها القوة لما هو آت.
❈-❈-❈
وصل الى الشقة التي أعطته عنوانها تلك المرأة الغريبة بعيون حمراء ووجه يملأه الغضب فقام بضغط زر الجرس بلا توقف ليجد رجلٌ ما يفتح له الباب فقام بازاحته من أمامه ودخل كالثور الهائج وهو يصيح:
- هي فين مقصوفة الرقبة ومين الولية اللي كلمتني؟
وقفت ضحى لترد عليه بنبرة بهجومية مماثلة لخاصته:
- بقولك ايه يا را جل انت اتكلم بأدب وبنتك عندك أهه حاسبها في بيتكم مش هنا وياريت تتفضل من غير مطرود.
قالت ذلك وهي تشير الى ابنته المتكورة على نفسها على الكرسي ليستشيط غضبًا وكاد أن يذهب ليفتك بها لولا سامي الذي جاء مهرولًا من أمام باب الشقة ليكون حائلًا بينه وبين ضحى ومعه حارس العقار ليتحدث سامي محاولا اثناؤه عما يحاول عمله:
- لو سمحت يا أستاذ كفاية فضايح لحد كدا خد بنتك وامشي من غير شوشرة بدل ما نطلب لكم البوليس.
توجهت عيناه لابنته فقام بإزاحتهم من أمامه بعنف متوجها إليها وقام بسحبها من زراعها بعنف وسار بها خارجًا من الشقة:
- حسابنا مش هنا يا بنت الك لب نوصل البيت بس وهشرب من د مك.
نظرت ضحى في أثرهما ثم وجهت نظرها لذلك الجالس صامتًا وتحدثت بسخرية وهي تشير نحو الباب:
- هي دي الأشكال اللي بتخوني معاها؟ صحيح كل واحد بيروح للي شبهه.
أنهت حديثها معه وأخرجت هاتفها لكي تبحث في محرك البحث عن رقم هاتف أقرب مأذون شرعي لهم ثم قامت بمهاتفته ليأتي ويقوم بتخليصها منه إلى الأبد.
❈-❈-❈
تجلس في غرفتها ناظرة للفراغ أمامها لا تعلم هل ما فعلته صحيح أم خطأ نعم تعترف بأنها كانت فظة معه لأقصى درجة ولكن ماذا عساها أن تفعل وهو يعرض عليها بعض المال مقابل ما فعله بها فهذا هو الرد الذي يستحقه ولكنها لا تعلم لما يؤلمها قلبها لهذه الدرجة منذ ذهابه ولكن ما هي متيقنة منه هو أنه لو عاد بها الزمن مرة أخرى ستعامله بنفس الطريقة، هذه هي، وهذا ما اعتادت عليه.
تبهت على صوت صفع باب الشقة وصوت شقيقتها الباكي والمتوسل فخرجت من الغرفة تتكئ على عصاتها لتشاهد أبيها قابض على شعرها يكاد أن يقتلعه وهي تبكي وتتوسل إليه:
- والله يا بابا ما عملت حاجة والنبي سيبني انا مظلومة.
- مظلومة يا بنت الك لب جايبك من شقة واحد غريب وتقوليلي مظلومة.
للحظات لم يستوعب عقلها ما قاله وكل ما تبادر الى ذهنها أن تخلصها من بين يداه فذهبت اليهما وأمسكت بيده تحاول أن تخلص شعرها منه ولكنه أبى ذلك وقام بالإطاحة بها بقوة فاختل توازنها ووقعت على الأرض لتسمعه يتحدث من بين اسنانه وهو يذهب بشقيقتها الى غرفته مغلقًا الباب خلفه:
- وديني وما أعبد اللي هتحوشها من إيدي لأكون شارب من د مها هي كمان.
جاءت والدتها من المطبخ على صوت الصياح فوجدت عهد تحاول النهوض من على الأرض كما استمعت لصرخات ابنتها الأخرى آتية من خلف الباب المغلق فهرولت لمساعدة تلك الملقاة أرضًا وذهبتا للطرق على الباب لكي ينقذوها من بين يديه.
طرقات وطرقات لم تأتي بفائدة بل يزداد صراخ وعد الآتي من الداخل وصوت عادل وهو يصرخ بها من بين ضر باته:
- ماشيالي على حل شعرك وبتروحيلي شقق مع رجا لة متجوزة يا بنت الك لب وديني لامو تك النهاردة.
أخذت سميحة تطرق على الباب وهي تبكي وتتوسله أن يترك صغيرتها:
- سيبها يا سي عادل الله لا يسيئك البت هتموت في إيدك، سيبها وفهمنا ايه الموضوع طيب انا بنتي متعملش كدا أبدا دا أكيد حد متغاظ منها هو اللي قال عليها كدا.
كل ذلك وسط ذهول عهد من سماع كلمات والدها السامة هل حقًا فعلت شقيقتها ذلك؟ لا، لايمكن أن يحدث ذلك فهي ليست شقيقتها فحسب بل هي طفلتها التي تعرفها جيدًا ومن المستحيل أن تصدق أن تفعل هذا فمن المؤكد أنه يكذب لا محالة ومن هنا بدأت في الطرق على الباب هي الأخرى وهي تصيح بجنون خاصة بعت خفوت صوت شقيقتها ولم تعد تسمع سوى صوت ضر بات والدها فقط:
- افتح يا عادل بدل ما أبلغ البوليس، اقسم بالله لو ما فتحت الباب حالا لأكون متصلة بالبوليس يجوا ياخدوك ويريحونا من قرفك افتح بقولك.
دقيقتان وفُتح الباب وخرج منه وهو يلف حزامه الجلدي على يده اليمنى تاركًا الجزء الحديدي حرًا لكي يضر بها به فقام بإزاحتهما من طريقه خارجًا من الشقة صافعًا الباب خلفه دون قول شيء.
هرولت سميحة داخل الغرفة وتبعتها عهد بخطوات أقل سرعة منها ليتفاجآ بوعد مضرجة بدمائها وفاقدة للوعي فحاولتا إفاقتها ولكن دون فائدة فأخذت سميحة في الصياح والعويل وبدأت تلطم وجهها وصدرها:
- يالهوي، يالهوي، فوقي يا وعد وردي عليا متوجعيش قلبي عليكي يا بنتي.
وعندما يئست من افاقتها نظرت إلى عهد التي كانت في حالة صدمة وذهول مما رأت فأخذت تهزها وهي تصيح:
- اختك هتضيع مننا يا عهد، اطلبي الإسعاف ولا حاجة عشان نلحقها الله لا يسيئك.
شيئًا فشيئا بدأت في استعادة وعيها وقامت متحاملة على ألم قدمها الذي بات لا يحتمل وذهبت لتحضر هاتفها وقامت بمهاتفة رهف علها تستطيع المجيء بسيارتها لنجدة شقيقتها فعربة الإسعاف تحتاج إلى ساعات لكي تصل إليهم سيكونوا خلالها قد فقدوها إلى الأبد.
انتهى رنين الهاتف دون رد فحاولت مرة أخرى ولكن دون فائدة فعلى ما يبدوا أنها إما نائمة أو بعيدة عن الهاتف فزفرت بضيق تحاول إيجاد حل وهنا تذكرت شيء ليكون لها كطوق النجاة فذهبت مسرعة الى غرفة الضيوف تبحث عن تلك البطاقة التي تركها لها فإن كان يريد التكفير عن ذنبه معها فها هي قد حانت اللحظة المناسبة لذلك.
وجدت البطاقة على الطاولة حيث تركها هو منذ ما يقرب من الساعة لا أكثر فزفرت براحة وأخذتها بأيد مرتعشة وقامت بمهاتفته ليأتيها الرد خلال لحظات فحمحمت وحدثته بتردد:
- أنا عهد ممكن تجيلي البيت دلوقتي حالا محتجالك في مسألة حياة أو موت.
❈-❈-❈
عاد إلى الشركة مرة أخرى بعد خروجه من عندها يشعر بإحباط شديد فلقد سدت أمامه كل السبل لكي يريح ضميره عله يتخلص من تلك الأحلام المزعجة ولكنها أبت ذلك ف فيما يبدوا أنه سيظل هكذا لمدة لا بأس بها.
دخل الى مكتب صديقه متهدل الأكتاف فقام بالجلوس على المقعد المواجه لمكتبه ملقيًا بهاتفه ومفتاح السيارة باهمال على الطاولة التي أمامه وقام بوضع يده على وجهه ليندهش مروان من حالته هذه ولكنه استطاع أن يفهم أن ذهابه إليها لم يأتي بفائدة وإنها رفضت الاستماع إليه ككل مرة.
قام من مقعده ليجلس أمامه متسائلًا عما حدث:
- ايه مالك؟ رفضت تكلمك برضه.
لم يحصل منه سوى على إماءة من رأسه تخبره بأنه على حق فحاول التخفيف عنه قدر ما يستطيع:
- خلاص بقى انت كدا عملت اللي عليك وزيادة انسى بقى الحوار دا كله وارجع عيش حياتك من تاني ولا كأن حاجة حصلت.
أزال يده من فوق وجهه ونظر إليها عاقدًا حاجباه:
- تفتكر دا سهل يحصل؟
حرك كتفيه بلامبالاة وهو يقول:
- وأيه اللي صعبه انت عملت اللي عليك وزيادة شوية عالجتها لحد ما قدرت تمشي على رجليها من تاني وعرضت عليها تعويض عن اللي حصل وهي اللي رفضت خلاص هي حرة بقى متوجعش دماغك بالموضوع ده اكتر من كدا صفحة واتقفلت مش هنقف عندها طول عمرنا هي مش قابلة مساعدة خلاص براحتها بقى.
شعر بقليل من الراحة عند سماعه لكلمات صديقه فلقد بذل ما يستطيع من جهد في ذلك الأمر فإن كانت ترفض مساعدته فهي حرة في ذلك فلن يوقف حياته عليها لأكثر من ذلك ولكن ما سبب تلك الغصة التي يشعر بها منذ رحيله من بيتها؟ هو حقًا لا يعرف سببًا لذلك ولكنه سيتجاهل هذا الأمر فعليه أن يعود إلى حياته وعمله مرة أخرى ويحاول نسيان ما مر عليه في تلك الأشهر السابقة بكل ما بها من أحداث.
كاد أن يتحدث ولكنه استمع لرنين هاتفه فقام بأخذه من على الطاولة ليرى من الذي يهاتفه ولكنه تعجب عندما وجده رقم غير مسجل عنده فهذا رقمه الخاص ولا يعطيه سوى للمقربين منه.
أجاب على الهاتف دون تردد ليأتيه آخر صوت توقع سماعه ووجدها تقول دون أي مقدمات:
- أنا عهد ممكن تجيلي البيت دلوقتي حالا محتجالك في مسألة حياة أو موت.
فأجابها دون تردد:
- حاضر حالا هكون عندك.
تعجب مروان كثيرًا من طريقة رده على الهاتف وما زاد من تعجبه هو أخذه لعلاقة مفاتيحه واتجاهه نحو الباب دون قول شيء، فأوقفه عاقدا حاجبيه وساله بتعجب:
- ايه يبني رايح فين؟ ومين اللي كان عالتليفون.
حمحم ثم اجابه بتعجل:
- دي عهد بتقول انها عايزاني حالا في مسألة حياة أو موت.
ازدادت عقدة حاجباه مما استمع إليه من صديقه فما هذا الهراء الذي يقوله ولكنه أوقفه مرة أخرى عندما وجده يكمل طريقه نحو الباب:
طب استنى أنا جاي معاك.
قال ذلك وهو يأخذ أشياؤه من فوق المكتب ليذهب معه فهو لن يتركها يذهب بمفرده بعد تلك المكالمة الغريبة للغاية بالنسبة إليه فكيف تقوم بطرده ثم تهاتفه بعد أقل من ساعة لتخبره بأنها في حاجة إليه ما هذا الهراء؟
❈-❈-❈
وصلا الى بيتها في أسرع وقت ممكن وقاما بالطرق على الباب لتفتح لهما والدتها وهي في حالة انهيار تام ودون القول بشيء أشارت إليهما على باب الغرفة فذهبا سريعا ليجداها جالسة أرضا وتضع رأس فتاة ما على قدمها ولا تتوقف عن البكاء وبإمعان النظر إلى تلك الفتاة وجدا أنها فاقدة للوعي ومن الواضع أنها قد تعرضت لضر ب مبرح.
رفعت رأسها إليه عندما شعرت بدخوله الى الغرفة وحدثته من بين دموعها:
- أرجوك الحقها ودا جميل عمري ما هنساهولك أبدا.
لم يراها ضعيفة هكذا من قبل ولا يعلم لم آلمه قلبه عند رؤيتها في تلك الحالة فلم ينطق بشيء وقام بحمل شقيقتها متجها نحو سيارته بينما قام مروان بمساعدتها على النهوض وأخذها معه إلى السيارة هي الأخرى وجلست بجوار شقيقتها واضعة رأسها على قدمها وتخلل شعرها بأصابعها الملطخة بدما ئها وهي منهارة من البكاء تشعر أن قلبها سيتوقف من كثرة الألم ويتملكها الرعب من أن يحدث لها شيء ولا يستطيعون انقاذها.
كان يقود السيارة بسرعة جنونية لكي يصل بها لأقرب مشفى خاصة بعد أن قام بتفعيل نظام تحديد الموقع (GPS) على هاتفه حتى يضمن الوصول في أسرع وقت.
وصلوا إلى المشفى سريعا بالفعل ليحملها مروان وأسرع بها إلى الداخل وهو يصيح بجميع العاملين:
- دكتور بسرعة، حد يجيب دكتور بسرعة.
فقاموا بأخذها منه ليقوم الأطباء بفحصها وعمل اللازم لاسعافها أما عن يونس فلقد كان يساعد عهد على السير فلقد تركت عصاتها بالمنزل وتشعر بألم حاد في قدمها ولكنها تحاول تجاهله حتى تطمئن على شقيقتها.
قام مروان بترك بطاقة الائتمان الخاصة به لموظفي الاستقبال في المشفى حتى يسمحوا للأطباء بفحصها وتوجه ثلاثتهم إلى حيث أخذوها ليكتشفوا أنها قد دخلت الى غرفة العمليات فورًا
ظلوا ينتظرون في الخارج لمدة طويلة تتقلب خلالها عهد على جمر متقد الى أن خرج الطبيب وأخبرهم بالحالة:
- متقلقوش أن شاء الله هتبقى بخير هي فقدت الوعي من أثر الخوف والصدمة عقلها رفض استيعاب اللي بيحصل فقرر يعزلها عن العالم عشان تهرب من اللي بيحصلها، هي عندها سحجات وكدمات في معظم أجزاء جسمها وفيه بعض الجروح القطعية نتيجة ضر بها بشيء حاد الجروح معظمها في الرأس والدراعين والضهر لأنها من الواضح كانت بتحاول تحمي وشها فالاصابات معظمها جت في المناطق دي واحنا عملنا اللازم وخيطنا الجروح اللي محتاجة خياطة وفوقناها، دلوقتي هي هتنزل لأوضة عادية تقدروا تشوفوها في أي وقت.
كادوا أن يذهبوا من أمامه ولكنه اوقفهم مرة أخرى عندما وجده أحد رجال الأمن مقبلًا عليهم وأردف وهو يشير إليه:
- لحظة بس من فضلكم هنحتاج بس حد ينزل مع الأستاذ عشان المحضر.
عقدت حاجبيها بتساؤل:
- محضر إيه؟
أخبرها الطبيب بعملية شديدة:
- حضرتك دي حالة اعتد اء بالضر ب وشروع في قتل لازم يتعمل محضر، هناخد أقوال حضراتكم دلوقتي على ما المريضة تقدر تتكلم وبعدين نخطر قسم الشرطة.
نظرت ليونس نظرات علم مغزاها جيدًا هي لا تريد للأمور أن تخرج عن السيطرة أكثر من ذلك يكفيها ما حدث الى الآن ولن تغامر بسمعة شقيقتها أيضا.
ذهب يونس مع الطبيب ورجل الأمن لينهي الأمر وذهبت هي بمساعدة مروان الى غرفة شقيقتها حيث أجلسها على أقرب مقعد مقابل للفراش وخرج لينتظر بالخارج لتكون على راحتها معها.
لم تستطع السيطرة على دموعها عندما رأت رأسها ومعظم أجزاء جســ دها مغطيان بالضمادات فوضعت يدها بحذر على رأسها وهي تبكي وتحدثها من بين بكاؤها دون أن تدري إن كانت تستمع إليها أم لا:
- كدا برضه يا وعد هونت عليكي تعملي فيا كدا هو ده اللي ربيتك عليه آخرتها تعملي العملة دي وتديله فرصة يستغل عجزي ويبهد لك بالشكل ده.
فتحت عيناها بصعوبة شديدة فآلام رأسها وجســ دها تكاد تفتك بها ولكن ألم روحها أشد وأعتى من أى ألم جســ دي تشعر به.
التفتت برأسها ناحية شقيقتها لترى انهيارها وبكاؤها الذي لا يتوقف فبدأت بالبكاء هي الأخرى وتحدثت بتلعثم شديد:
- حقك عليا يا عهد انا عارفة اني غلطانة بس والله وحياتك عندي محصلش حاجة أنا زي منا والله العظيم.
مسحت دموعها وحاولت التظاهر بالقوة الزائفة وقامت بسؤالها لكي تعلم منها ما حدث:
- أومال إيه الكلام اللي بيقوله عادل ده؟ وعمل فيكي ده كله ليه لو كلامك صح؟
أبعدت عيناها عنها في خزي مما فعلته وهي تقص عليها ما حدث:
- مهو، مهو انا فعلا روحت هناك بس وحياة ربنا محصلش بينا حاجة.
أحست بقلبها يعتصر من بين ضلوعها فلقد كانت لآخر لحظة تتمنى أن تُكذب ذلك وتقول انه يتجنى عليها فيما قاله او حتى قد اخطأ في فهم ما حدث، ولكنها أطاحت بكل آمالها عندما صدقت على حديثه فحاولت التماسك لمعرفة ما حدث بالضبط وكيف استطاعت أن تفعل بهم ذلك؟
- مين الراجل ده؟ وازاي تروحي معاه شقته وعرفتيه امتى وإزاي؟ وأنا كنت فين وانتي بتعملي ده كله؟
العديد والعديد من الأسئلة التي تود اجابتها لكي تعلم الى أين وصلت علاقة شقيقتها بهذا الرجل لتستمع الى نبرتها المهتزة المليئة بالخزي وهي تحكي لها ما حدث من البداية:
- دا، دا واحد اسمه أحمد بيشتغل مهندس اتعرفت عليه من ٦ شهور عن طريق الفيسبوك واتقابلنا أكتر من مرة في أماكن عامة بس والله كان مفهمني أنه هيخطبني وكان باين عليه أنه ابن ناس عشان كدا صدقته.
ضحكة متهكمة خرجت منها وهي تحدثها بتأنيب:
- ابن ناس هه، لسة سازجة زي ما انتي وبتنخدعي في الناس بسهولة هو لو ابن ناس كان هيخرج معاكي لمدة ٦ شهور من غير ارتباط رسمي ولا كان هياخدك شقته؟ وأنا كنت فين من ده كله؟ وازاي متحكيليش على حاجة زي دي.
أجابتها وعي تبكي:
- مكونتيش هنا انا اتعرفت عليه وانتي في الأقصر وبعدين حصلتلك الحادثة ولسة جاية من يومين كنت هحكيلك والله بس قولت لما تفوقي وترجعي تقفي على رجليكي من تاني وهو كان واعدني أنه هيجي يخطبني اول ما ترجعي انتي.
للحظات أحست بتأنيب الضمير لابتعادها عنها وتركها عرضة لمن يخدعها ولكنها حاولت إخفاء ذلك وحدثتها وهي عاقدة حاجبيها تريد ان تعرف كل ما حدث:
- وبدل ما يجي يخطبك خدك شقته احتفالا برجوعي مش كدا؟
ازداد بكاؤها وهي تتذكر ما حدث:
- والله ما طلعت معاه بمزاجي هو اللي ضحك عليا وعمل عليا حوار عشان اطلعله انا مكونتش ناوية أعمل كدا أنا حتى لو غلطت بمعرفتي بيه من الأول بس لا يمكن أعمل كدا وأحطك وأحط ماما في الموقف ده.
- مش بقولك ساذجة وأي حد يضحك عليكي بكلمتين بتصدقيه، وعادل عرف إزاي باللي حصل؟
صمتت قليلًا لا تعلم كيف يمكنها أن تخبرها بهذا فنظرت لها عهد بترقب تنتظر احابتها التي فيما يبدوا أنها لن تسرها أبدا لتجدها تحمحم ثم أجابتها بتلعثم:
- مهو مهو.
حثتها على الحديث بنفاذ صبر:
- مهو ايه انطقي.
- مهو أصل مراته جت واحنا في الشقة وكان معاها ناس وهي اللي هددتني يا تتصل ببابا يجي ياخدني يا إما تتصل بالبوليس.
هل ما سمعته الآن صحيح هل قالت زوجته أم أنها هيئ لها ذلك فأمالت رأسها ناحية اليمين وهي تنظر إليها بتحفز:
- مراته؟ هو متجوز؟
وعند هنا ازداد نحيبها وهي تقسم لها انها لم تكن على علم بذلك:
- وحياة ربنا يا عهد وحياة ربنا ما كنت أعرف أنه متجوز صدقيني عشان خاطري، والله العظيم انا مش وحشة ولا عمري فكرت اتحط ولا احطكم في الموقف ده والله العظيم هو اللي ضحك عليا وكان مفهمني أنه مطلق.
- هسألك آخر سؤال ومن غير كذب، روحتي معاه الشقة كام مرة والعلاقة بينكم وصلت لحد فين؟ واوعي تكذبي عشان هعرف وساعتها مش هعرفك تاني.
هزت رأسها بحركات هيستيرية وهي تنتحب وتقسم لها:
- والله العظيم اول مرة والله ما حصل بينا حاجة وحياة ربنا صدقيني انا زي منا والله العظيم.
نعم شيء بداخلها يخبرها بأنها تقول الحقيقة ولكن يجب معاقبتها على ما فعلته حتى يكون درس قاصي لها يعلمها ألا تثق في الآخرين بسهولة ولا تتهاون في حق ربها وحق نفسها كما فعلت فنظرت إليها نظرات جليدية وحدثتها بتقزز:
- هنشوف يا وعد كله هيبان، بس اعملي حسابك لو ثبتلي أن كلامك ده كذب وكان حصل بينكم حاجة فعلا انا مش هسامحك طول عمري، ولو اللي حصل ده اتكرر تاني أنا وقتها اللي هتصرف معاكي مش عادل.
لم تستطع الرد عليها واكتفت بهزات متتالية من رأسها تخبرها بأنها موافقة على حديثها فأردفت بقليل من اللين:
- نامي دلوقتي وارتاحي وربنا يقدم ما فيه الخير.
❈-❈-❈
كاد أن يغادر بعد إيصالها لغرفة شقيقتها لولا تواتر بعض من كلماتها إلى أذنه ليعلم سبب ما حدث لشقيقتها فبدون وعي منه وجد نفسه يستمع إلى حديثهما ليعاد ما حدث في الماضي القريب أمامه مرة أخرى وكأنه شريط سينما ليخبره الفرق بين تعامل عهد ووالدها مع ما حدث وبين تعامل عائلته التي من المفترض أن يكونوا من الطبقة الراقية مع شقيقته في موقف أسوأ مما فعلته هذه الفتاة الآن:
"يدخل إلى منزلهم ممسكًا بذراع شقيقته بقوة ويقوم بطرحها أرضًا وهو يصيح مناديًا على والديه:
- يا فؤاد بيه، يا كاريمان هانم تعالوا شوفوا بنتكم صاحبة الصون والعفاف عملت إيه.
أزالت شقيقته الشعر المتناثر أمام وجهها وهي تصيح به:
- وانت مالك ملاكش دعوة بيا وباللي بعمله انا حرة.
استشاط غضبًا من بجاحتها المفرطة:
- وكمان بتبجحي في الكلام بدل ما تعتذري عن اللي عملتيه.
قال ذلك وكاد ان يصــ فعها على وجهها لولاد تدخل والديه الذان أتيا مهرولين عند سماع صياحهما ليزجره والده بحزم:
- ولد انت اتجننت ولا إيه؟! عايز تمد ايدك على أختك وانا عايش؟ بأي حق تعمل كدا.
عقد حاجبية ونظر إليه بدهشة متسائلًا:
- دا اللي قدرت تقوله؟ دا بدل ما تكــ سر راسها على اللي عملته.
أخذ نفس طويل من سيجاره العريض وحدثه بلامبالاة وهو يشير إليه بيده الممسكةبالسيجار:
- هتكون عملت ايه يعني؟ خلصت ال credit بتاعتها في الشوبنج ولا ايه؟
صدمة وذهول سيطرا عليه من رد والده الغير مبالي فحدثه بانفعال:
- هو ده كل اللي يهمك أنها خلصت ال credit بتاعتها ولا لأ.
وهنا عقبت والدته بنفاذ صبر:
- ما تقول عملت ايه يا مروان وخلصنا.
تحدث بانفعال وهو يشير نحو شقيقته:
- الهانم اللي مكملتش ٢٠ سنة كانت مسافرة الساحل مع صاحبها وبايتين مع بعض في نفس الشاليه بقالهم أربع أيام وانتوا ولا انتوا هنا.
نظرت إليها والدتها وحدثتها بهدوء أثار غضبه أكثر وأكثر:
- صحيح الكلام اللي مارو بيقوله ده يا ماهي يا حبيبتي؟
أجابت بلامبالاة وهي تضم ساعديها حول صد رها:
- أيوة صحيح، وفيها أيه يعني لما نبات مع بعض انا وحازم بنحب بعض وهنتجوز واللي عملناه ده عادي جدا يحصل بين أي اتنين بيحبوا بعض هو اللي متخلف.
قالت ذلك وهي تشير إليه برأسها فلم يتمالك أعصابه عند سماعه لحديثها الذي يتنافى مع كل الأعراف والاديان واقترب ليقوم بصفعها لولا صوت والده الذي منعه من القيام بذلك للمرة الثانية:
- ابعد عن اختك يا ولد وإياك تمد ايدك عليها، طول منا عايش أنا بس اللي أحاسبها لما تغلط مش حد تاني.
قال ذلك ونظر إلى ابنته وتحدث وهو يشير الى السلم الداخلي للمنزل:
- اتفضلي اطلعي على اوضتك انتي متعا قبة وممنوعة من الخروج لمدة أسبوع والولد ده مش هتشوفيه تاني إلا لو جه واتقدملك.
نهضت بغضب وقامت بضر ب الأرض بقدمها وهي تتحدث ببكاء مصطنع:
- يا بابي دا ظلم أنا معملتش حاجة لده كله.
- اتفضلي على أوضتك يا بنت واللي قولته يتنفذ.
صعدت وهي تضر ب الأرض بقدميها وتتمتم بانفعال:
- والله دا ظلم بقى إيه ده هو مفيش غيري يتعاقب في البيت ده.
لتتبعها والدتها مهرولة تحاول أن تهدئ من روع فتاتها المدللة ليقف مروان وعلى وجهه علامات البلاهة الشديدة مما حدث أمامه فنظر الى والده وحدثه بذهول:
- هو ده اللي قدرت عليه منعها من الخروج لمدة اسبوع؟
نظر إليه والده ثم قام بالجلوس واضعا قدم فوق الأخرى وهو يستنشق دخان سيجاره وحدثه ببرود:
- أومال كنت عايزني اعمل ايه أمســ كها من شعرها وانزل فيها ضر ب زي الفلاحين والهمج ولا اقتــ لها واغسل عا ري زي ما بيقولوا في الأفلام.
- مقولتلكش تعمل كدا بس كمان ميبقاش ده رد فعلك انت كدا هتخليها تكرر اللي عملته بدل المرة عشرة من غير ما تعمل حساب لحد.
- على العموم دي بنتي وانا حر في طريقة تربيتي ليها وبعدين متنساش انها اتولدت وعاشت معظم حياتها برا وواخدة على عاداتهم وتقاليدهم ولا أنت عايزني أشد عليها عشان تاخد هدومها وترجع أمريكا تاني وساعتها مش هنعرف عنها حاجة.
لم يعرف بما يجيب والده ف فيما يبدوا أنه ليست شقيقته فحسب من تأثرت بالحياة بالخارج فجميع أفراد الأسرة أصبحوا مثلهم من ذوي الدم البارد:
- وعلى إيه دا كله أمشي انا واريحكم من تفكيري المتخلف واعملوا اللي انتوا عايزينه.
أنهى حديثه وتوجه الى غرفته وقام بأخذ أغراضه لتكون هذه هي المرة الأخيرة التي يدخل بها هذا المنزل رغم محاولات أبيه وأمه الكثيرة لجعله يعود إلى المنزل مرة أخرى ولكنها باءت جميعها بالفشل فلقد حسم أمره وانتهى الأمر.
أفاق من ذكرياته على يد صديقه وهو يربت على كتفه لينظر إليه بعيون مدمعه فتعجب يونس كثيرًا من هيئته هذه وتحدث بقلق وهو ينظر نحو الغرفة:
- مالك يا مروان حصل حاجة للبنت ولا إيه؟
نفى برأسه وتحدث وهو يحيد بنظره بعيدا عنه مزيلا تلك الدموع العالقة بعيناه:
- مفيش حاجة حصلت متقلقش انا بس البنت صعبت عليا خصوصا بعد ما شوفت شكلها دلوقتي.
تنهيدة حارة خرجت من صدره وهو ينظر نحو الغرفة:
- الحمد لله انها جت لحد كدا، بس معرفتش ايه اللي حصل ومين اللي عمل فيها كدا؟
أماء له برأسه ثم عقب:
- عرفت بس مش وقته دلوقتي.
- عندك حق تعالى نطمن عليهم قبل ما نمشي أنا خلاص لميت الدنيا مع الأمن ومفيش محاضر هتتعمل ولا حاجة.
أنهى حديثه وقام بالطرق على الباب ليأتيه ردها سامحة للطارق بالدخول فدخلا سويا وعندما رأتهم قامت بالوقوف بصعوبة شديدة مستندة على المقعد الذي كانت تجلس عليه فتحدث يونس موجها حديثه لوعد وهو يبتسم إبتسامة رسمية:
- حمدلله على سلامتك يا آنسة.
أدارت بصرها بينهما بتعجب فهي تراهم لأول مرة ثم أجابت باقتضاب:
- الله يسلمك.
وجه بصره نحو عهد وحدثها بنبرة متعاطفة:
- أحنا هنمشي دلوقتي وطبعا مش عايز أفكرك إن رقمي معاكي تقدري تكلميني في أي وقت.
نظرت إليه بامتنان لكل ما فعله معها:
- انا مش عارفة اشكرك ازاي على كل اللي عملته معايا وبجد اللي عملته ده شال من حواليا أي حاجة مش كويسة من ناحيتك.
إبتسامة صافية ارتسمت على وجهه عند سماعه لحديثها فزفر براحة وتحدث بمرح:
- ياااه أخيرا دنا كنت بدأت أيأس من إنك تسامحيني.
قال ذلك وقام يمد يده ليصافحها وهو يقول:
- نفتح صفحة جديدة يونس الأسيوطي.
ابتسمت بخجل ثم مدت يدها لمصافحته هي الأخرى:
- عهد السيد.
- تشرفنا يا آنسة عهد فرصة سعيدة.
كان ذلك على مرآى ومسمع من زوجين من العيون إحداها تنظر ببلاهة لا تعلم شيء عما يحدث أما الآخر فيكتم ضحكته بصعوبة شديدة حتى لا يعرض نفسه لتعنيف صديقه فقام بوضع يده على كتفه هامسًا في أذنه:
- مش يلا بينا بقى ولا أنت عجبتك القاعدة هنا ولا إيه؟
نظر إليه بزجر ثم وجه بصره لعهد مرة أخرى ليعي أنه مازال ممسكا بيدها فتركها سريعًا بحرج وحدثها وهو يحك أسفل رأسه:
- طب هستأذن انا دلوقتي وهعدي عليكي بكرا ان شاء الله انا ظبطتلك كل حاجة بخصوص المحضر وحجزتلك أوضة مرافق عشان لو حابة تفضلي معاها لحد ما تقوم بالسلامة.
شعرت بالخجل الشديد فنظرت للأسفل متفادية النظر إليه وهي تتحدث:
- مفيش داعي لكل ده كفاية اللي عملته لحد دلوقتي انا هبات معاها هنا في الأوضة عشان لو احتاجت حاجة.
هل رأى خجلها الآن أم هو يحلم فابتسم وهو يعقب:
- متقوليش كدا أنا معملتش حاجة ومتقلقيش من ناحيتها فيه خط تليفون مباشر بين الاوضتين لو احتاجت حاجة وكمان فيه جرس لو احتاجت الممرضة ولو فيه حاجة كلميني في أي وقت متتردديش.
تظرت إليه نظرة لم يحصل عليها منها من قبل خليط من الامتنان والخجل على عكس نظرتها الهجومية التي اعتاد عليها فوجد نفسه يشرد في عيناها ولم يفق سوى على هزة مروان له ليحثه على الخروج وهو يلقي نظرة أخيرة على تلك النائمة على الفراش تنظر ببلاهة لما يحدث فابتسم إبتسامة رسمية لكليهما وتحدث باقتضاب وهو يخرج صديقه عنوة من الغرفة مغلقا الباب خلفهما:
- فرصة سعيدة عن إذنكم.
❈-❈-❈
ظلت تنظر في أثرة لبعض الوقت غي منتبهة لأي مما يجري حولها ولكنها أفاقت على صوت حمحمة شقيقتها فنظرت إليها لتجدها تنظر إليها بتعجب فهي تراها هكذا للمرة الأولى في حياتها:
- هما مين دول يا عهد؟ ومين اللي كان واقف يسَبِلك ده؟
حمحمت بحرج قبل أن تجيبها بهجوم كعادتها عندما توضع في موقف يخجلها:
- ابه يسَبِلك دي يا بنت انتي انتي اظاهر الضر ب أثر على عنيكي.
تعرف شقيقتها جيدًا وتحفظ طريقتها في الهروب من المواقف المحرجة فعقبت وهي تضيق عليها كل سبل الهروب:
- متهربيش من السؤال، مين دول؟
أجابتها بتلعثم وهي تنظر بعيدًا عنها؟
- دا، دا أستاذ يونس واللي معاه ده صاحبه أستاذ مروان هما اللي انقذوا حياتك وجابوكي المستشفى بعد اللي حصل.
نظرت إليها بطرف عينيها فليس ذلك ما سألت عنه:
- انا قصدي تعرفيهم منين؟ خصوصا الحلو الاسمراني ده.
جلست على المقعد مرة أخرى وهي تحرك رأسها يمينا ويسارًا فبرغم ما حدث لها تبقى وعد كما هي فحدثتها بزجر:
- انتي في ايه ولا في ايه بس؟
- لا بجد يا عهد قوليلي من دول.
تنهدت بعمق ومن ثم أجابتها بلهجة حاولت أن تبدو تلقائية:
- أبدا دا يبقى يونس الأسيوطي اللي خبطني بعربيته في الأقصر.
شهقة خرجت من فمها دون إرادة منها:
- بتهرجي، طب ايه اللي جابه هنا؟
- حركت كتفيها لأعلى واسفل بلامبالاة وهي تعقب:
- أبدا جه البيت النهاردة وانتي مش موجودة وكان عايز يديني تعويض عن اللي حصل وطبعا انا رفضت وطردته بس وهو ماشي ساب الكارت بتاعه عالطقطوقة اللي في الأنتريه جمب الباب ولما حصل اللي حصل كنت عايزة انقذك بأي طريقة كلمت رهف مردتش مكانش قدامي غيره عشان يجي بسرعة وينقذ حياتك، وبصراحة الرا جل مكدبش خبر وجه هو وصاحبه وربنا خلاهم السبب اننا نقدر ننقذك، دا كل االي حصل ارتاحتي؟
نظرت إليه بابتسامة متلاعبة رغم الآلام التي تشعر بها وأجابتها بخبث مصطنع:
- من ناحية ارتحت، ارتحت بصراحة.
كادت أن ترد عليها لولا دخول الممرضة لتقوم بقياس الضغط لها وتغيير السائل المغذي المتصل بوريدها فقطعوا حديثهما لتتنفس عهد الصعداء لانتهاء ذلك التحقيق الذي بدأته شقيقتها ولم يكن لينتهي الآن فهي تعرفها جيدًا.
❈-❈-❈
دقات على الباب قاطعت ما كانا يفعلانه فنهضا فزعين من فوق الفراش يلملمان ملابسهما المتناثرة أرضًا في كل مكان بالغرفة.
حاولت ايزادورا التحدث لتعرف من الطارق ولكن صوتها خرج مرتعشًا متلعثمًا:
- من؟ من الطارق؟
أتاها الرد على الفور:
- إنه أنا ماكنيا مولاتي، هلا سمحتِ لي بالدخول.
تنفست الصعداء وأحست بأن روحها قد عادت الى جسدها من جديد فأجابت بصوت أقل تلعثمًا:
- انتظري للحظات ماكنيا.
ارتديا ملابسهما سريعا وذهب حابي من حيث أتى لتسمح لها بالدخول:
- تفضلي ماكنيا.
دخلت بريبة عيناها تبحث في كل أرجاء الجناح فإنها تجزم بأنها قد استمعت لصوت ذكوري خارج من جناح الأميرة فتحدثت إيزادورا بتوتر وهي تفرك يديها:
- ماذا بكِ ماكنيا؟ ولماذا أتيتِ في هذا الوقت المتأخر من الليل فلقد أيقظتني من نومي.
نظرت لها نظرات تقييمية فلم يخفى عليها توترها الزائد كما أن هيئتها لا توحي بأنها كانت نائمة فانحنت باحترام وهي تحدثها:
- أعتذر منكِ مولاتي ولكنني فقط أردت الاطمئنان عليكِ.
نظرت إليها عاقدة حاجبيها وعقبت بقليل من الحدة:
- تطمئنين عليِ في مثل ذلك الوقت؟ حسنًا ها أنتِ اطمأننتي علي يمكنكِ الذهاب الآن.
قالت ذلك وهي تشير الى باب الجناح فاقتربت منها ماكنيا وحدثتها بحنان أمومي:
- ماذا بكِ مولاتي؟
أعطتها ظهرها وتحدثت بتوتر مرة أخرى:
- ماذا بي! أنا بخير كما تريين، أم أن لكِ رأي آخر؟
وقفت أمامها لترى عيناها وهي تحدثها:
- لا، لستِ بخير فأحوالك غريبة هذه الأيام نعم عدتِ لتناول الطعام مرة أخرى وتوقفتي عن البكاء ولكنني أشعر بانكِ تخفين عني أمر ما.
حادت بعيناها عنها ونظرت أرضًا وهي تحدثها مما أكد لها شكوكها:
- أنا لا أخفي شيئًا عن أحد أنا بخير وهذا كل شيء يمكنكِ الانصراف الآن.
تعلم انها لا تقول الحقيقة ولكن ليس بيدها شيء لتفعله فهي مجرد وصيفة ليس أكثر من ذلك فانحنت لها مرة أخرى وكادت ان تنصرف لولا أنها لمحت غطاءً للرأس ملقى بإهمال بجوار الفراش فذهبت مسرعة لالتقاطه لتتأكد بأنه يخص قائد الحرص فتوجهت به إلى الأميرة التي شحب وجهها وكأن جميع الدماء قد انسحبت من جسدها فرفعت الغطاء أمام وجهها وهي تتساءل:
- ما هذا يا مولاتي؟ وما الذي جاء به إلى جوار فراشك؟
لم تدري بما يمكنها أن تجيبها فخرجت حروفها متقطعة وغير مفهومة:
- ل، لا، اع، أعرف مم، ما هذا.
تحدثت ماكنيا بقليل من الحدة وهي ترفع الغطاء قليلًا أمام عيناها:
- كيف لا تعرفين؟ انه غطاء الرأس الخاص بقائد الحرص هلا أخبرتيني ما الذي جاء به الى هنا.
حاولت تمالك نفسها حتى لا تثير ريبتها أكثر من ذلك فاستدارت وتحدثت بانفعال:
- قلت لكِ لا أعرف هلا انصرفتي الآن وتركتيني بمفردي.
أمسكت بكتفها تديرها إليها وأمسكت بذقنها وحدثتها بلين:
- أصدقيني القول صغيرتي هل حابي كان هنا؟
نظرت للأسفل ولم تنطق بشيء لتفهم ماكنيا أنه كان هنا بالفعل فاردفت:
- وهل هذه أول مرة يأتي بها إلى هنا ام جاء من قبل؟
لم تنطق أيضًا لتشعر ماكنيا بحجم الكارثة التي وقعوا بها فلو حدث ما تتوقعه ستكون نهايتهم جميعًا.
حاولت تنظيم أنفاسها اللاهثة لكي تستطيع أن تعرف منها ما حدث فأردفت بهدوء ينافي ما تشعر به:
- حسنًا صغيرتي، هل حدث بينكما شيء؟
تتضرع بداخلها الى الآلهة لكي تنفي الأميرة ما سألتها إياه فتقسم أنها ستقدم القرابين يوميًا للإله رع لمدة شهر من الآن إن كانت ما تظنه خاطئًا ولكن خابت جميع آمالها عندما وجدت علامات الخجل مرتسمة على وجه الأميرة مما يدل على أن ما كانت تخشاه قد حدث بالفعل فشعرت بدوار شديد وكأن الدنيا تدور من حولها فإنهم هالكون لا محالة وهي من سينالها العقاب قبلهم فهي المسؤولة عن الأميرة أمام الملك وهي من سيلقى عليها اللوم جراء ما حدث.
كادت أن تقع أرضًا من أثر ذلك الدوار لولا يد إيزادورا التي أمسكت بها وأجلستها على أقرب مقعد وحدثتها بفزع:
- ماذا بكِ ماكنيا هل أنتِ بخير.
نظرت إليها بعيون تكاد تكون مغلقة من أثر الدوار الذي تشعر به وحدثتها بلسان ثقيل:
- لا صغيرتي لست بخير جميعنا لن نكون بخير بعد الآن فلو علم الملك بما حدث فبطشه سينالنا جميعا وأنا قبلكم.
نظرت إليها بعينان تملأهما الدموع ووضعت يديها حول وجهها وهي تحدثها بوهن شديد:
- لماذا فعلتِ ذلك لقد حكمتي علينا جميعًا بالموت جراء ما فعلتيه.
أحست ايزادورا بالخوف الشديد جراء ما فعلته فمن الواضح أن العواقب التي لم تحسب حسابها ستكون وخيمة عليهم جميعا ولكنها حاولت الدفاع عما فعلت قائلة:
- وما الخطأ فيما فعلته ماكنيا فنحن نحب بعضنا البعض ما المانع من اجتماعنا إذن.
نفت برأسها وهي تمسك بيدها تجلسها بجوارها:
الخطأ صغيرتي أنه مصري ولن يقبل الملك بذلك مهما حدث ولو كان الثمن حياتنا جميعا.
وقفت وعلامات الغضب بادية على وجهها وتحدثت بانفعال:
- وانا لن أترك حابي مهما حدث حتى لو كانت حياتي ثمنًا لذلك سواء ساعدتني أم لا لن أتوقف عن حبه ما حييت.
نكست ماكنيا رأسها واضعة يديها عليها بقلة حيلة فمن الواضح أن الأميرة لن تتراجع عما تفعله فلتحضر نفسها إذن لما سيحدث لهم ان علم الملك بذلك وهي ستكون أول المعاقبون.
يتبع