-->

رواية نعيمي وجحيمها - بقلم الكاتبة أمل نصر - اقتباس - الفصل الواحد والستون

 

رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر 




اقتباس

الفصل الواحد والستون

رواية

نعيمي وجحيمها 



مكنتش متخيل اني هنبسط اوي كدة النهاردة. 

قالها كارم هامسًا بجوار أذنها القريبة من رأسه وهو يراقصها على انغام اغنية رومانسية انطلقت في فقرة مخصصة للعروسين وبعض الازواج او العشاق والمخطوبين، ردت كاميليا هامسة هي الأخرى:

- وانا كمان مكنتش اتوقع انك هتيجي من الأساس 

اجاب مقربًا رأسه منها في الأمام:

- ما انا فعلا مكنتش عايز اجي عشان العريس دا اللي معرفوش، بس لما افتركت ان انتي هتحضري فضيت نفسي مخصوص وجيت متأخر زي ما شوفتي كدة، انا عايزة ماسبكيش لحظة لحد اما يجي ميعاد فرحنا اللي بعد ايام ده، متخيليش انا منتظرهم على شوق ازاي؟

أومأت تسبل أهدابها عنه مبتسمة بصمت رغم شعورها بعدم الارتياح للمسات كفه على ظهرها، مدعية التجاهل، والذي كان يصله هو كتجاوب ليزيد بضمه لها وهمساته مع تمايلهم على النغمات الهادئة:

-كاميليا انتي ساكته ليه ومبتروديش؟ 

سألها لترفع رأسها إليه، فتجيبه وهي تقابله بالنظر بخاصتيه:

-ما انا مستمعتة بالجو الرومانسي بتاع الاغنية، ودا يغني عن الكلام اساسًا.

تطلع إليها صامتًا لعدة لحظات بنظرات غامضة، لم تفهم مغزاها إلا عندما اقترب برأسه ليهمس بجوار اذنها بصوت مغوي:

-واللمسة تغني أكتر، بكرة لما يجي ميعادنا هخليكي تعرفي الحكاية دي كويس، ولو حابة.... نروح من دلوقتي عشان بصراحة بقى انا نفسي بجد.

كتمت شهقة بداخلها لتخفي هذه القشعريرة التي سرت مع همسته، لتجده عاد بالنظر إلى عينيها مرة أخرى يردف برجاء:

-إيه رأيك لو نروح دلوقتي، وانا هخليها لمسات بس عشان انسيكي بيها اللمسات اللي فاتت.

جاهدت لاغتصاب ابتسامة وهي تجيبه بتماسك مزيف:

-فيه أيه يا كارم؟ دي كلها أيام قليلة بس اللي فاضلة على ميعادنا، مش قادر تصبر يعني؟

-بصراحة لأ

قالها وتنهد بقوة ليردف وهو يزيد بضمها إليه:

-بس عشان خاطرك استنى. 


صمتت تدعي التقبل وهي تكتم انفاس الإعتراض بداخلها مع كل ما يقوم به للفت انظار الجميع نحوهما، متعمدًا اظهار انسجامهم كعاشقين، مشهد اثار استياء جاسر الذي كان يراقبهم من محله ونيران من الغضب تشتعل بداخله منهما، حتى انعكس عليه الغضب نحو زهرة التي كانت تراعي ميدو الصغير وتقوم بأطعامه بجوارها، ليُجفلها بجذبها من ذراعها فجأة:

-في إيه يا جاسر؟

سألته مستغربة هيئته الغاضبة، لتجده اقترب منها يهدر بنظرة مخيفة كازًا على أسنانه:

-سيبي الواد ده وانتبهيلي شوية .

أومات له بخوف قبل ان تذهب لميدو تحدثه بمرح:

- ميدو يا حبيبي ايه رأيك تقعد هنا ما تتحركش من مكانك على اما اشوف عمو عايز ايه؟ ولا اقولك تقعد شوية مع البت صفية وخواتي الصغيرين احسن؟

- هقعد مع صفية والعب مع البنات.

قالها ميدو وذهب على الفور نحو المذكورة لتستقبله مرحبة بالقبلات، فلاحقتها زهرة بقولها:

- خلي بالك منه يا صفية. 

اومات لها الأخرى بالموافقة، ليزداد احتقان جاسر في الهتاف بها:

- في إيه يا زهرة ؟ ما تعمليلوا baby sitter احسن.

اشارت إليه ليُخفض صوته ثم ردت بهدوء:

-إهدي شوية، ليه العصبية دي؟ الناس هتاخد بالها مننا .

هم ليعلوا بصوته ولكن تدارك لما قالته، فهمس بغيظ:

- ما انتي بصراحة تحرفي الدم، قعدالي تدلعي وتراعي في اللي اسمه ميدو ده واخواته قاعدين في الفرح على كيفهم، واحدة مهيصة مع أصحابها والتانية عملالي فيها رومانسيات مع خطيبها.

ردت بلهجة معاتبة:

-طب وفيها إيه يا جاسر لما اراعيه؟ اعتبرني بدرب نفسي يا سيدي عشان البيبي اللي جاي، ثم إن اخواته اللي انت بتعلق عليهم دول يعني مالهم؟ ماهي واحدة عايشة سنها في الهزار مع أصحابها والتانية بترقص مع خطيبها...

- واحنا بقى عواجيز الفرح، اللي قاعدين لمراعية الأطفال. 

قالها بمقاطعة أجفلتها، فردت بابتسامة مستترة:

-إيه يا جاسر؟ دي مش طبيعتك على فكرة، هو انت إيه اللي معصبك بالظبط؟

أجابها على الفور بانفعال:

-مش معبراني، سيباني من اول الفرح، مرة مع ستك تهزروا وتتودودو، ومرة تانية مع العيل ده اخو السنيورة اللي منسجمة مع خطيبها، ولا اكنها على علاقة معاه بقالها سنين.

ذهبت بعينيها زهرة نحو ما يرمي إليه ثم عادت تحدثه بمهادنة:

-طب يا حبيبي سيبك انت منهم دول ومتزعلش نفسك، وقولي بقى ايه يرضيك؟

-نرقص.

-نعم .

كرر بلهجة اشد تصميمًا:

-بقولك قومي معايا دلوقتي، نقوم نرقص رومانسي زي الناس دي فاهمة ولا لأ؟

سألته ببعض الحرج:

-طب والبيبي يا جاسر، وشكلي وانا حامل كدة، دا مفيهوش أي نوع من الرومانسية يعني عشان تبقى عارف.

نهض يتناول كفها يقول بإصرار:

-مالكيش دعوة بحد، انا عايزك كدة، قومي يالا .

انصاعت تستجيب لمطلبه على مضض لخجلها، فتحولت لضحكة مرحة، حينما توقف الاغنية وتوقفت الفقرة، لتهتف ببلاهة:

- الأغنية وقفت.

- هشغل غيرها .

-قالها وتحرك على الفور من جوارها، دون ان تعلم وجهته وسط الزحام، ثم تفاجأت بهتاف مقدم الحفل:

-طب يا جماعة الفقرة هتبقى رومانسية برضوا، لكن هتبقى خاصة بجاسر باشا الريان ومراته بس

قالها الرجل مشددًا على كلمته الاخيرة لتتحول جميع الرؤس نحوها، وتزداد هي حرجًا مع مشهده وهو يقترب منها ليتناول كفها ويتحرك بها نحو الساحة التي 

توسطت القاعة ليلف ذراعه نحوها ويراقصها، فاقتربت هي من رأسه لتهتف بخجل شديد:

-دي عملة برضوا تعملها فيا يا جاسر؟ حرام عليك الناس كلها بتبص علينا .

كظم ضحكته بصعوبة ليرد عليها بحزم:

-ومدام عارفة ان الناس كلها بتبص علينا، يبقى اندمجي كدة وانسجمي معايا، وياريت تخلي الناس كلها تشوف ابتسامتك، ابتسمي ياللا.

حاولت ان تفعل كما أمرها، ولكن ومع شعورها بالنظرات المصوبة نحوهم، عادت إليه بنبرة باكية:

- مش مسامحاك عليها دي يا جاسر، وربنا ما مسحاك. 

لم يقوى بعد ذلك كتم ضحكته المجلجلة ليخبئ رأسها في كتفه، مرددًا:

-معلش هبقى اصالحك بعدين.



يتبع