-->

رواية روضتني -الجزء الثالث من احببت طريدتي -للكاتبة أسماء المصري -الفصل الرابع عشر

 رواية روضتني الجزء الثالث من احببت طريدتي 
للكاتبة أسماء المصري



رواية روضتني 

الفصل الرابع عشر

نحن بحاجة إلى الخلاف أحيانا لمعرفة ما يخفيه الآخرون في قلوبهم..

قد تجد ما يجعلك في ذهول، وقد تجد ما تنحني له احتراماً.

ويليام شكسبير.

❈-❈-❈


صف سيارته أمام باب فيلته ودلف فورا وبلهفة بعد أن استقبل منها مكالمتها وهو بطريق العودة للمنزل تحثة على اﻻسراع؛ فشعر بالخوف والقلق عليها، اسرع بتفحص البهو المظلم إﻻ من شمعة صغيرة فابتسم فوراً وفهم سبب طلبها؛ فناداها بصوت جذاب:

-چوچو، انتي فين؟


ردت عليه وهي تخرج أمامه بزي تنكري مهلك لرجولته بعد أن ارتدت زي خادمة ولكنه فاضح؛ فقضم أسفل شفته واقترب منها وانحنى بطوله الفارع ليحتضنها وهمس لها بحب:

-افراج اخيرا!


رفعت وجهها تنظر له متسائلة بحيرة؛ فاجابها دون الحاجة لسماع سؤالها الواضح:

-بقالنا شهر من يوم الحادثه وانتي مش في المود، وزادت اﻷيام الأخيرة بقيت كل ما أقرب منك تقوليلي مليش مزاج.


خجلت واطرقت رأسها لأسفل وقالت بصوت هامس:

-وقت الحادثه كنت زعلانه أوي على ميار يا مازن وقلقانه عليك طول الوقت.


احكمت ذراعيها على وسطه فهي قصيرة مقارنة بطوله واكملت:

-وبعد كده مش عارفه مليش مزاج خالص ليه؟


ابعدها عن حضنه لينظر لها وداعب اسفل ذقنها بسبابته ورد قائلا:

-أنا عارف السبب.


جعدت حاجبيها بفضول فأضاف فورا:

-هرمونات الحمل يا روحي، وفارس أكدلي كمان على كده.


اندهشت من رده فابتلعت ريقها بتباطئ وسألته:

-أنت بتتكلم مع فارس عننا في الموضوع ده؟ 


ابتسم وأومأ لها فاكتسحت حمرة الخجل وجهها وعضت على شفتيها وقالت بتوبيخ:

-ليه كده بس؟ عيب والله يا مازن ده أخويا الكبير.


مسح على طول ذراعها وهمس وهو يقتنص أذنها داخل فمه:

-فارس بير اسرار متقلقيش وطول عمره عارف عني الصغيره قبل الكبيره، متركزيش انتي بس عشان متتكسفيش.


انهى حديثه وهو يقبلها من عنقها ونزولا حتى أوقفته وابتعدت تسحبه من ذراعه ناحية طاولة الطعام واضاءت اﻷنوار واشارت لطاولة الطعام وقالت بدلال:

-اتفضل يا سيدي العشا جاهز.


ضحك ملئ فمه واقترب من المقعد فسحبته له وهي تتدلل وتنحني أمامه بشكل مغري:

-اتفضل يا سيدي اقعد على ما ارص الاكل عشان تدوق وتقولي رأيك في عمايل ايديا.


شاكسها بلمسات جريئة وهي ترص الأطباق والملاعق ووضعت أمامه طبق كبير من السطلة فبدأ بتناوله وهي تقف بجواره فنظر لها وسألها:

-مش هتجيبي باقي الأكل؟


عضت علي شفتها وقالت:

- بيسخن بس.


سحب يدها وقال بحب:

-طيب اقعدي كلي معايا


ردت بنفس النبرة المثيرة للحواس:

-ميصحش يا سيدي ده انا خدامتك.


سحبها على الفور وأجلسها على فخذيه وقال بصوت رجولي:

-بس ده ميمنعش تاكلي معايا عشان تفتحي نفسي.


بدأ باطعامها بيده قطع الطماطم المقطعة بحجم كبير اضحكه وتعمدت هي أن تلعق اصابعه بدلال فلم يتمالك نفسه وحملها على الفور واتجه بها لأعلى ليرسم على جسدها الغض قصة عشق بدأت ولم تنتهي ابدا.


ارتفع بجسده الذي يعلوها وانحنى يقبل بطنها وتحدث بصوت طفولي وهو يداعب بطنها بشفتيه:

-أنت ناوي تقرف بابي بقى من قبل ما تيجي ولا ايه حكايتك؟ مش تخليك حلو كده عشان بابي يحبك ويجيبلك كل اللي نفسك فيه.


ضربته على كتفه بتذمر:

-متكلمش ابني بالطريقة دي.


ارتفع ونظر لها بحزن وزم شفتيه للأمام بشكل طفولي وعاد لنفس النبرة المتدلله وقال بحزن:

-كده برده؟ يعني هو ياخدك مني بالشكل ده وانتي كمان مش عيزاني اعاتبه؟


دفن رأسه بتجويف عنقها واستطرد حديثه:

-كنتي وحشاني أوي أوي، عشان خاطري بلاش تبعدي نفسك عني كده تاني، شهر يا مفترية وانا ساكت وصابر ومستحمل.


ابتسمت له وداعبت وجهه بأناملها وقالت:

-احنا لسه بنقول يا هادي ويا دوب دخلت في الشهر التاني.


اعتدل بجسده وبدأ بارتداء قميصه الملقى على اﻷرض وهو يعقب:

-كده تبقى شيرين معندهاش مشكلة وده العادي بتاع الحوامل.


لم تفهم معنى حديثه فسألته باهتمام:

-مالها شيرين؟


انتبه لذلة لسانه فحاول تدراك خطأه وقال بتهرب:

-عادي يا روحي عملت زيك كده اول الحمل، ممكن تحضريلي الحمام؟


لفت ملاءة الفراش حول جسدها ووقفت تتدلل وتتمايل امامه وهي ترد بغنچ:

-أمرك يا سيدي.

❈-❈-❈


دلف فيلته باجهاد فكم كان يوما طويلا وشاقا ما بين اﻻجتماعات والمقابلات والبحث عن مخرج لانقاذ ما يمكن انقاذه وانتهي يومه باجتماعه الطويل بابن عمه فشعر بالتعب فارتمى على اﻻريكه الموضوعة بالبهو واسند رأسه على ظهرها المبطن واخذ يتنفس باجهاد.


خرجت شيرين بعد أن استمعت لصوت سيارته وهي لا تزال تتحدث مع تؤأمها:

-يعني هتقعدي عند ياسو لأمتى فهميني؟


أجابتها اﻷخرى:

-مش عارفه، قلقانه من تدخل ماما لو عرفت اننا زعلانين، ما أنتي عرفاها.


زفرت انفاسها بضيق وردت:

-طيب بس من رأي تعرفي مالك عشان ميتصلش بيكي هناك وتعرف، وابقي اعتبريني أختك واحكيلي على اللي بيحصل معاكي ولا أنتي ملكيش غير ياسمين وبس!


رفعت نرمين حاجبها هاتفة باعتراض:

-ايه لازمة الكلام ده؟ ما طول عمري برتاح للكلام مع ياسمين أكتر، ومن أمتى بتتكلمي عنها انها مش اخت زيها زيك؟


قوست فمها بالضيق وردت:

-عادي يا نرمين خلاص متعمليهاش حكايه، أنا بس كنت عايزه أعرف ايه اللي حصل خلاكي تسيبي البيت مش أكتر، ويا ستي لو مش عايزه تحكي براحتك، انا هقفل معاكي عشان ساجد جه.


اغلقت دون انتظار لردها وذهبت تجاهه وجلست بجواره تربت على كفه بحنان:

-حمد الله على السلامه يا حبيبي.


رد باجهاد وهو يملس شعرها براحته:

-الله يسلمك يا شوشو.


سألته وهي تبتسم بوجه:

-احضرلك تاكل؟


أوما لها فوقفت ولكنها عادت وجلست على فخذيه وقبلته قبلة رقيقة على شفتيه؛ فنظر لها وابتسم وهو يسألها:

-عارف إن من يوم الحادثه وأنا مشغول عنك، حقك عليا.


قبل كفها فخللت اصابعها بخاصته وسألته برقة:

-موحشتكش؟


تعجب من سؤالها ولكنه رد فورا:

-وحشتيني طبعا، احنا بقالنا اكتر من شهرين حتى من قبل الحادثة.


بللت شفتيها بطرف لسانها وعقبت:

-طيب أنا كنت في شهور الحمل اﻷولي عشان كده، لكن دلوقتي خلاص أنا قربت اخلص الرابع.


تذكر حديث فارس عن رفض النساء الحوامل لازواجهن ببداية الحمل، وانه أمر طبيعي واخباره بزيادة الرغبه بالشهور التالية؛ فشعر بالسعادة ووقف بعد أن ابعدها عن قدمه وسحبها داخل حضنه وانحنى يقبلها بشغف وهمس يسألها برقة:

-وحشتك؟


أومأت بصمت فنظر حوله وسألها بحيرة:

-الخدم فين؟


ردت وهي تتحرك معه للدرج:

-روحتهم من بدري.


حملها فوراً وصعد بها لغرفتهما وبدأ يدغدغها؛ فضحكت عالياً فهم بمعاشرتها ولكنها عادت لرفضها وهي تبتعد بجسدها فتركها على الفور ونظر لها متعجبا وسألها بحيرة:

-في ايه تاني؟ أنا بجد زهقت.


وقف منتفضا وعاد لارتداء ملابسه؛ فبكت ونظرت له برجاء وقالت:

-والله العظيم أنت وحشني جدا، بس في حاجه بتحصلي مش عارفه هي ايه؟ ده غير الوجع....


قاطعها صارخا بحدة:

-وجع ايه ده؟ هو أنا لحقت عشان تقوليلي وجع! انتي كأنك بتتبسطي لما بتوصليني للحالة دي وبعدها تسبيني كده.


دلف المرحاض واغلق الباب وراءه بعنف فاهتزت جدران الغرفة من إثر حركته؛ فوقفت تبكي وهي تضع مئزرها عليها وفتحت باب المرحاض ووقفت تشاهده وهو يفتح صنبور المياه استعداداً للاستحمام فتكلمت فور أن التفت لها:

-مش كنا اتفقنا نروح لدكتور؟


نظر لها بغيظ ورد:

-وانشغلت بالمصايب اللي عندي، فيها ايه لما تروحي لوحدك ولا تاخدي حد من اخواتك معاكي والكل أصلا عارف مشكلتنا.


ابتلعت ريقها بغصة بكاء ونهجت بانفاسها قائلة:

-أنا مش عايزه دكتور نفسي، انا حاسة ان الموضوع عضوي وأنت...


قاطعها من جديد بحدة:

-نفسي ولا عضوي أنا خلاص مليت ومش متحمل أكتر من كده، يا ريت تشوفي نفسك عشان خلاص صبري نفذ.


بكاءها جعله يشعر أنه ربما زاد من حدته فزفر بضيق وغضب واقترب منها وتحدث بهدوء:

-يا شوشو أنا راجل ليا متطلبات وبجد مش قادر خلاص وخايف أوي اغلط.


نظر لها بجدية واضاف:

-ومش بهددك ولا معني كلامي ان الغلط في حساباتي، بس وضعنا ده ممكن يوصل الواحد غصب عنه للغلط، أنا بحبك ومش عايز اعمل ده، ساعديني.


سحبت أنفاسها بداخلها وردت بصوت مختنق:

-خلينا نروح لدكتورة استشارات زوجيه يمكن تلاقي حل، بس لو فضل الوضع كده يبقى زي ما قولتلك اكشف عن دكتور بجد، دكتور يشوف ايه سبب الوجع اللي بحس بيه ده و...


عاد لمقاطعتها من جديد:

-انتي بتتوجعي من قبل ما المسك يا شيرين، الوجع ده وجع نفسي انتي بتوهمي بيه نفسك عشان كده بيحصل ده.


ابتلعت ريقها بمرارة وأومأت له باذعان:

-تمام يا ساجد، خلينا نحجز عن دكتورة استشارات زوجية يمكن نلاقي حل.


❈-❈-❈

انتفضت مبتعدة عنه وهي تنظر له برعب فحاول هو تهداتها؛ فألقى بهاتفه على الفراش واقترب منها يتحدث معها بهدوء وروية:

-اهدي يا حبيبتي، متخافيش أنا....


صرخت به بفزع:

-أنت ايه بس؟ أنت مش قادر تحس بالخطر اللي حوالينا، وصلت بيهم يبعتولك صور چنى وشيرين ومعاها صور للسونار بتاع كل واحده فيهم.


بكت واضافت:

-ده تهديد صريح يا فارس، بيهددوك بأختك وأختي الحوامل، بيقولولك أنهم عارفين كل حاجه حتى كل واحدة فيهم في شهرها الكام لدرجة إنهم وصلوا للدكاترة بتوعهم.


ظلت تبكي فسحبها داخل حضنه وربت على ظهرها وهو يقول:

-اهدي علشان أعرف افكر....


ابتعدت عنه وقاطعته بحدة:

-تفكر في ايه بس؟ ادفع لهم الفلوس ابوس ايدك بلاش نخسر حد تاني، كفاية سامي وال100 عامل اللي ماتوا.


جلس مطرقا رأسه ورد وهو بحالة من الوهن لم يصل لها من قبل:

-لو دفعت المبلغ ده هعلن افلاسي يا ياسمين وبعدها مش شرط يسيبونا في حالنا برده، اضمن منين لو دفعت انهم يبطلوا تهديد و....


هدرت به بحدة:

-أنت خايف على فلوسك أكتر ما أنت خايف على العيلة اللي حاطط نفسك كبير عليهم.


زغر لها بعينه من طريقتها بالتحدث معه؛ فخرج صوته عاليا هو اﻵخر:

-ياااسمين، متنسيش نفسك وأنتي بتتكلمي معايا.


رمت جسدها على المقعد المقابل للفراش وهتفت بتساؤل:

-طيب أنت ناوي تعمل ايه يا فارس؟ فهمني!


جلس بجوارها ورد بحيرة:

-مش عارف، بجد أول مره اتحط في حاجه زي دي وولاد مروان فص ملح وداب.


ارتعش جسدها وشعرت بأنفاسها المتلاحقة تختفي رويدا رويدا؛ ففطن لحالتها فورا وامسك راحتها فوجدها مثلجة فحك راحتيها بخاصته ليدفئها وهو يقول:

-اهدي يا ياسمين وأنا هدفع لهم الفلوس، بس اهدي.


سألته وهي تحاول التماسك قليلا:

-معاك المبلغ اللي طالبينه؟


تذكر المبلغ ومقداره فهو يعلم تماما أنه ربما يمتلك أصول تكفي وتفيض، ولكنه لا يمتلك أرصدة كافية أبدا، فإن أراد الدفع فعلية البدء ببيع ممتلكاته، ولكنه وجد كم تشعر بالخوف فكذب عليها:

-متقلقيش، المبلغ معايا.


تركها وتحرك للخارج دالفا غرفة مكتبه وأمسك هافته الخلوي واتصل بمازن الذي لم يجب؛ فعاود اﻻتصال من جديد وبالنهاية هاتفه على رقم اخته الصغرى فأجابت فورا:

-ازيك يا فارس؟ وحشتني أوي.


رد بهدوء مصطنع:

-وانتي كمان يا چوچو، أومال فين الباشا بتاعك؟


ضحكت وردت باستنكار:

-والله حرام عليك، أنت مبهدله معاك في كل حته ولسه يا دوب داخل البيت يرتاح شويه.


حاول مجاراتها بالمزاح فهتف:

-اخلصي يا بنتي يخربيت كده بقيتي شبهه.


ضحكت وتحركت لداخل المرحاض وتكلمت بهدوء:

-ماازن.


نظر لها غامزا بطرف عينه وهتف بمشاكسه:

-ما تيجي تحميني.


قضمت شفتها بحرج وقالت وهي تمد ساعدها له:

-فارس عايزك يا فضيحه.


اخذه منها وهو يضحك وانتظر توبيخا من ابن عمه ولكنه استمع له فور تحدثه:

-متحسسش چنى بحاجه.


لمعت عينه وظل مبتسما وطلب منها برقة:

-چوچو معلش هاتيلي فوطه تانيه غير دي.


تركته وخرجت من المرحاض فسأله دون إضاعة وقت:

-كارثه جديدة؟


أومأ وكأنه يراه ورد:

-ايوه، تهديد صريح لچنى و شيرين.


لمعت عينه بغصب وابتلع ريقه وصر على أسنانه وتكلم بحدة:

-وبعدين بقى في الليلة دي؟ احنا لازم نلاقي حل يا فارس مش هينفع نفضل تحت تهديد السلاح بالشكل ده!


دلفت تعطيه المنشفة فاستمعت لآخر حديثه فسألته بوجل:

-في ايه؟


أجابها وهو يرسم ابتسامة كاذبة على وجهه ورد فورا:

-المنافسين بتوعنا بيضربوا تحت الحزام، متشغليش بالك انتي وروحي ارتاحي.


لف منشفته اسفل خصرة وخرج وهو لا يزال يتحدث مع فارس وسأله بحيرة:

-اجيلك؟


رفض واخبره على الفور:

-ﻷ طبعا خليك معاها، وانا هبعتلك حراسه تفضل ملازمه البيت، وهكلم ساجد كمان بس أنا شايف تفضلوا مع بعض في ڤيلا واحدة لان كده هيكون اسهل لتأمينهم.


تسائل بحيرة:

-ليه ايه السبب؟


رد موضحا:

-لو هبعتلك 10 رجاله وهبعتله زيهم عشان الحراسه فاﻷفضل ال20 يحرسوكم سوا.


وافقه الرأي ورد:

-معاك حق، بس مش عارف ساجد وشيرين ممكن يوافقوا ولا لأ؟ أصل أنا حاسس ان شريرن دايما واخده مني موقف وبتعامل چوچو من بعيد كده، اكيد بسبب موضوع نرمين.


رد اﻻخر بفروغ صبر:

-مش وقت لعب عيال وشغل حريم يا مازن الله يكرمك انا فيا اللي مكفيني، أنت بس خليك مرن ولو صمموا أنك انت اللي تروح تعيش معاهم وافق من سكات.


وافقه ولم يعارضه، فمتى رأينا مازن الفهد يعارض قرينه بأي أمر مهما كان؟


اغلق معه وارتدي ملابسه ونزل لأسفل فوجدها تقوم بتسخين الطعام فسألها بمشاكسة حتى يزيل توتره أولا، وليوهمها بأن كل شيئ على ما يرام ثانيا:

-يا ترى انتي اللي عاملة اﻷكل ولا الخدم؟


اخرجت لسانها تشاكسه بطفوله وقالت بثقة:

-أنا، ومتاكده أنك هتاكل صوابعك وراه.


جعد جبينه واقترب ينظر للأواني وسألها بسخرية:

-ايه يا حبيبتي الكائن الغريب اللي في الحله ده؟


دفعته بضيق وهي تصر على أسنانها وقالت:

-لا بقى بطل، ده انا قاعده من الصبح على اليوتيوب بجيب في وصفات عشان اﻷكل يطلع حلو.


ابتسم وحك رأسه وخلل اصابعه بشعره ليعيده للوراء:

-ايوه منا واخد بالي ان ده شغل اليوتيوب، يا ترى ده بقى كان انهي جزء بالظبط في الوصفة؟


ضحك بنهاية حديثه فدفعته لخارج المطبخ وهي تقول بتذمر:

-طيب يلا اطلع بره ومنتاش واكل منه، ها.


صدحت ضحكاته وهي تدفعه للخارج براحتيها الصغيريتن وقال متوسلا ومعتذرا:

-لا خلاص أنا غلطان، ارجوكي متحرمنيش من اﻷكل.


رق قلبها له فتركته ونظرت له ببسمة حب؛ فعاد لمشاكستها:

-ايه بقى الكاهن الغريب اللي في الحله ده يا حبيبتي؟


وضعت ما بداخل الاناء بطبق التقديم وهي تقول:

-فراخ بالخضار وصوص الليمون والتوم.


اشارت للاناء اﻵخر وقالت:

-وده رز بالبهارات الشرقية، ها إيه رأيك؟


تفحص محتويات اﻵطباق فوجد الخضار اقرب ليكون مهروسا أما الطائر فحدث ولا حرج فسخر قائلا:

-وهي الفرخة مالها نايمه على جنبها ليه كده؟ تعبانه ولا ايه؟ وبعدين فين باقيتها؟


ابتلعت ريقها وقالت بتوتر:

- ما انا نسيتهم على النار لما طلعنا فوق وتقريبا استوت شوية زياده بس.


لم يتمالك نفسه من الضحك وهو يمسك بالشوكه ويحرك الطائر بالطبق فتفتت لأشلاء فقال بنبرة تساؤلية:

-تقريبا استوت زياده؟ دي اتهرت يا حبيبتي.


اطرقت نظرها لاسفل وهو يسأل:

-والخضار راح فين ده بقى معجون خضار.


وجد تجهمها فقال وهو يسحبها داخل حضنه:

-حلو يا روحي أهو بدل ما نفضل ننضدغ، نبلع على طول.


ابتسمت بخجل فرفع الغطاء عن اﻵرز وهو يقول:

-أهو اﻻمل كله في الحلة دي، وأظن الرز البسمتي صعب يبوظ يعني ولا ايه؟


فور أن فتح الغطاء وجد ما يشبه طعام اﻻطفال المهروس والمياه تغمره فسألها وهو يحاول أن يكتم ضحكاته:

-انتي قولتي ايه ده؟


نزلت عبراتها على وجنتها وقالت بحزن:

-حطيت الميه وبعد نص ساعه لقيته ني، فدخلت ادور على معيار الميه ولقيتهم قالو انه بيحتاج ميه كتير...


قاطعها وهو ينظر للأناء:

-روحتي مغرقاه كده يا عين امه، لا حول ولا قوة إلا بالله، الرز مات غرقان يا روحي ده يعتبر شهيد.


ضربته بقبضتها على صدره فاحكم ذراعيه واحتضنها بحب وهمس باذنها:

-تسلم ايدك يا روحي وكفايه انك بتحاولي، بس عشان خاطري كفاية محاولات كده انا جالي تلبك معوي.


شهقت باكية فقبلها من أعلى رأسها وقال بشكل متوار:

-طيب انتي طالما مصرة انك تتعلمي الطبخ، عندك شيرين أكلها رهيب وشاطره جدا ما تيجي نروح نقعد معاهم كام يوم عشان تتعلمي منها.


حركت كتفيها بالرفض وقالت:

-أنا مليش كلام معاها أوي، دايما بحس أنها بتبص لي وكأني سرقتك من اختها و...


قاطعها مؤكدا:

-مفيش الكلام ده، بلاش تعملي حساسية زايده بينك وبينها لانها بالنهاية مرات اخويا والطبيعي انكم تقربوا من بعض.


رفعت وجهها وتدللت عليه وهي تداعب شعيرات صدره:

-طيب ايه رأيك بدل ما اتعلم من شيري،ن اروح اتعلم من اﻻشطر منها؟

نظر لها بتساؤل فاجابته فورا:

-مرات اخويا، ياسمين.





❈-❈-❈



جلس يتناول الطعام وهو ينظر لوجهها الحزين وعيونها الحمراء فاقترب من زوجته وسألها هامسا:


مالها نرمين؟




أجابته بنفس الصوت الهامس:


-متخانقه مع مالك؟




اكمل تناول طعامه ولكنه لم يقتنع بحديثها، فشعرت هي بزوجها فحاولت تغيير الموضوع حتى لا يفتح معها حديث قد يجعلها تخبره مجبرة بسر تؤأمها الروحي:


-الولاد عندهم متابعة كشف بكره إن شاء الله، هروح أنا والناني وشوف هتسيب مين معانا من الحراسه؟




رفع وجه عن طبقه وسألها بضيق:


-انتي مش عيزاني معاكي ولا ايه؟




ابتسمت وردت فورا وهي تمسك كفه وتقبله بحب:


-مستغناش عنك أبدا يا حبيبي، بس انا عارفه انت مشغول قد ايه وكمان نرمو هنا معايا.




نظر لنرمين ومزح معها:


-شوفتي بقى، باعتني في لحظه عشان خاطرك.




لم ترد وظلت شاردة بطبقها فهتف مجددا:


-نرمين.




رفعت رأسها مجيبة:


-ها؟! كنت بتقول حاجه؟




نفى بحركة من رأسه واضاف:


-لأ مقولتش، كملي اكلك.




التفت ينظر لزوجته فأشاحت بوجهها عنه فهتفت حنان تسألها:


-جوزك عامل ايه يا نرمين؟ مجاش معاكي ليه؟




ردت بتلعثم:


-اصله مشغول شويه.




نظر لها بضيق وقال بصوت جاد:


-نرمين، خلصي اكل وحصليني على المكتب انتي وياسمين.




القي بمحرمة الطعام على الطاولة وذهب لمكتبه فنظرت لها اﻷولى وسألتها بحزن:


-انتي قولتيله حاجه؟




نفت وعقب:


-لأ، بس انتي عارفه فارس بيفهمها وهي طايره ومش هيسكت اﻻ لما يعرف فيكي ايه، انا من رأيي تقوليله يا نرمو وهو يتصرف.




رفضت وهي تقف من مكانها وتقول بضيق:


-انا غلطت اني جيت هنا، يا ريتني روحت لشيرين.




تضايقت ووقفت تنظر لها بعتاب وسحبتها من ذراعها بعيدا عن مربية زوجها وهمست لها بضيق:


-بقى انتي زعلانه عشان فارس عايز يعرف ايه الي حصل؟ طيب انتي ايه اللي في دماغك؟ ناوية تعملي ايه معاه؟




بكت بحرقة فأوقفها صوت هاتفها فنظرت فورا لتجده مالك فتلعثمت وهي تخبرها:


-ده مالك، انا مش عيزاه يعرف أنا فين؟




مسحت على ظهرها وهدأتها:


-قوليله انك هنا فيها ايه يعني؟ حتى افضل من المشكله ما توصل لعمي وجدي.




اجابته بصوت جاد وقوي قدر الامكان:


-نعم يا مالك.




سألها بدون مقدمات:


-انتي فين؟




صمتت فاضاف بحدة وغضب:


-أنا روحتلك البيت عند عمي ملقتكيش ولا يعرفوا انتي فين.




لم تجد وقتا لتجيبه فاستمعت لصوت والدها:


-هات يا بني انا اكلمها.




اخذ منه الهاتف وتحدث بقلق:


-نرمو يا بنتي انتي فين؟




ردت فورا تخبره:


-عند ياسمين يا بابا.




استمعت هدى له وهو يطمانهم فقالت بضحكة هازءة:


-مش قولتلكم هتلاقوها عند ياسمين.




سحبت ياسمين الهاتف من يدها وتحدثت مع عمها بتوضيح:


-معلش يا عمي سيبوها بس تهدي اعصابها كام يوم وهي...




قاطعها صوت مالك الهادر:


-أنا جاي اخدها حالا، ايه لعب العيال ده.




تركهم سريعا دون أن يترك لهم مجالا للتحدث فسألها عمها:


-هو ايه اللي حصل بس؟ مالك جاي يقول انها بتختلق مشاكل عشان يشتريلها شقة بره.




ردت بغل وضيق:


-سيبك منه يا عمي، مش هو جاي هنا؟ خليه يستلقى وعده من فارس بقى هو اللي جابه لنفسه وجايله برجليه.




سألها بحيرة:


-ماهو لو كلامه صح يبقى الغلط على نرمين يا بنتي لانه قال من اﻷول انه هيسكن في بيت العيلة واحنا وافقنا.




صرت على أسنانها وهي تجد تؤأمها الروحي تبكي بحرقة فقالت:


-عمي، أنت اكيد عارف ومتأكد أن نرمين مستحيل تكون بالتفاهه دي ولو الموضوع مش كبير عمرها ما كانت هتسيب البيت.




اضافت فوراً حتى لا يسألها عن شيئ لا تود اخباره به:


-انا معرفش حاجه عن سبب زعلهم، بس واثقة ان نرمو مستحيل تكون طلبت ده اﻻ بسبب، واديه جاي واكيد فارس هيتدخل ويحلها متقلقش انت بس.




سألها بتوتر:


-مقلقش ازاي بس؟ طيب انا هلبس وآجي...




قاطعته فوراً وبلهفة:


-لا يا عمي خليك، ملوش لازمه تطخ المشوار ده كله، انا بقولك فارس هيتصرف ولا معندكش ثقه بفارس؟




تنهد وزفر بضيق وهو يرد:


لا يا بنتي واثق فيه طبعا بس قلقان.




ردت تطمأنه:


-متخافش.




أغلقت معه والتفتت لابنة عمها وقالت بتأكيد:


-كده مينفعش غير إن فارس يعرف، ما هو مش معقول مالك ييجي ويكون فارس مش فاهم اللي حاصل علشان يعرف يتكلم معاه!




أومأت لها ودلفتا لغرفة المكتب فوجدته زوجته يراجع بعض اﻷوراق فسحبتها من أمامه وقالت بضيق:


-كفايه شغل.




رفع وجهه ناحيتها وابتسم واشار لهما بالجلوس وهو يقول:


-كان نفسي في فنجان قهوة من ايدك، بس عايز اتكلم مع نرمين واطلع انام على طول.




ارتبكت نرمين وابتلعت ريقها فقالت ياسمين معقبة على حديثه:


-لأ يا حبيبي ما هو مفيهاش نوم للأسف، أصل مالك جاي في الطريق وأكيد هتقعد تتكلم معاه في مشكلتهم.




ابتسم بسمة واسعه لامست عينه وكأنه يتذمر بشأن ما قالته؛ فاعتذرت نرمين عندما فهمت ملامح وجهه:


-حقك عليا يا فارس أنا عارفه انه مش وقته اشغلك بمشاكلي وانت فيك اللي مكفيك، بس...




قاطعها رافعا يده معترضا:


-عيب كده، أنتي غلاوتك من غلاوة اخواتي يا نرمين ولا عندك شك؟




ابتسمت له فنظر لزوجته قائلا برجاء:


-طيب ممكن تعمليلي قهوة من بتاعتك عشان تعدلي دماغي.




وقفت وانحنت تشير لعينيها الملونتين وهي تقول بدلال:


-من عيوني.




خرجت على الفور فنظر لنرمين وسألها مباشرة:


-ها؟ ايه اللي حصل بينكم؟




ابتلعت ريقها فأضاف عندما وجد توترها:


-بصي، انا من أول يوم شوفت اﻷنسان ده مرتحتلوش بس مكانش ينفع اتدخل لأن موقفي كان حساس، لكن عايزك تعرفي اني معاكي وفي ظهرك.




بللت شفتيها بلسانها وبدأت بقص مأساتها معه، ولكنها اقتصرت حديثها عن مضايقات أنس ولا مبالاة مالك وتدخل عائلته بكل ما يخصها، واخفت ما حدث منهم ليلة زفافها وبالرغم من عدم اخبارها له بكل تلك المصائب إلا أن ما قالته كان كافيا لتجحظ عينه بشرر وغضب ويهدر بحدة:


-ايه القرف ده؟ ده راجل ده ولا ديوث ومبيخافش على عرضه.




دلفت ياسمين لتسمع سبابه:


-ده ولا يعرف حاجه عن الرجوله، فين نخوته ولا غيرته على اهل بيته؟




اطرقت نرمين رأسها بحزن وفارس يضيف:


-وانتي ليه مقولتيش من أول لحظة عن مضايقات اخوه وتحرشه بيكي؟ كنت فاكرك أعقل من كده يا نرمين؟




رفضت حديثه ووضحت السبب وراء صمتها حتى اﻵن عن اخباره:


-مكانش ينفع، ولا هينفع ابدا، انت مش متخيل اخوهم ده عامل بالنسبة لهم ايه!




ابتلعت ريقها واضافت موضحة:


-هو بالنسبة لهم زيك كده يا فارس بالنسبة لنا، لو أي حد جه وقال عليك كلمة زي دي هل في بني آدم على وجه اﻷرض هيصدقه؟




تفهم موقفها واستمع لها تضيف:


-وأنا أول ما هددته الزفت ده قلب الترابيزة عليا زي ما كنت متوقعه، لأن البني آدم اللي زي ده مش بعيد يقول لهم أن أنا اللي بشاغله.




وافقها الرأي فتدخلت ياسمين بالحوار هاتفه دون حذر:


-انتي غلطك يا نرمو كان من أول يوم لما وافقتي انه يكشف عليكي و...




وجدتها تنظر لها بتحذير ولمعة من عينيها فصمتت على الفور وفهمت أنها لم تخبره بتلك الجزئية، ولكنه فهم أن هناك ما تخبئه فنظر لياسمين وسألها:


-مين اللي كشف على مين؟ امتي وازاي؟




صمتت ولكنه اصر على أن تقص له فصاح بغضب:


-مينفعش أكون متدخل في موضوع واقعد زي اﻷطرش في الزفه، فأنا لازم اعرف.




صمتتا فصاح بحدة:


-ما تتكلموا.




على الفور قصت له ياسمين عن ما حدث بتلك الليلة فرفع حاجبه بدهشة وقال بسبة نابية:


-ده ظابط ولا ****؟




لم يسعفها الوقت للرد فطرقت سنية على الباب وقالت بأدب:


-الحرس بره بيقول إن في الاستاذ مالك عايز يدخل.




أوما لها وقال:


-خليه يدخل.




لحظات وكان أمامهم فرحب به فارس بالرغم من الحقد الذي نمى بداخله تجاهه واشار له بالدخول:


-اهلا وسهلا نورت.




دلف مالك وهو ينظر لزوجته وحدثها بحدة:


-لينا كلام مع بعض لما نروح.




ابتسم فارس ابتسامة صفراء واشار لها بالتحرك للداخل وهو يقول لها بصوت قوي:


-ادخلي انتي جوه يا نرمين ومتجيش إﻻ لما اندهلك.



لم يحبذ مالك طريقته وتحكمه بالعائلة باكملها فهو لم ينس ذلك اليوم الذي تقدم لخطبتها وكان هو جالسا يتحدث وكأنه والدها ويتحكم بكل شيئ.


يتبع...