-->

رواية ذنبي عشقك - بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الثالث عشر

 

رواية ذنبي عشقك 

بقلم الكاتبة ميرا كريم 




الفصل الثالث عشر

رواية

ذنبي عشقك 



من يعتاد على الترحال مثل الشياه، 

يعرف أنه يصل دائما إلى لحظة لابد فيها من الفراق

ـ باولو كويلو 


❈-❈-❈


دخل من باب البيت يبحث بعيناه عنها فلم يجدها ليغلق الباب برَوية وفور أن سار عدة خطوات لمنتصف الردهة وجد والدته تجلس برفقة" ميسون"التي فور أن رأته هبت من مقعدها ومدت يدها تصافحه بكل ثقة:

-ازيك يا "سليم" 


زفر أنفاسه واجمًا قبل أن يصافحها بطرف أنامله ويرد بإقتضاب شديد:

-الحمد لله


ليميل على والدته ويـ قبل رأسها قائلًا:

-ازيك يا ست الكل 


ردت "ليلى" تفسر له وجودها حتى لا يظن أنها تعانده: 

-الحمد لله ياحبيبي الدكتورة "ميسون" جت من نفسها علشان تطمن عليا والحمد لله


هز رأسه بتفهم وأخذ يجول بعيناه في كل الاتجاهات بحثًا عنها، لتلتقط "ميسون" نظراته وتجيبه ببسمة متهكمة:

-"شمس "مش هنا؟


جعد حاجبيه مستغربًا وتسائل بملامح واجمة:

-ازاي مش هنا؟ 


اجابته " ليلى":

-معرفش يا ابني بس هي قالت إنها مش هتتأخر  

 

لتعقب" ميسون" بخبث يليق بها: 

-اصلي انا قولتلها تطمن إني مع طنط وياحرام تلاقيها ما صدقت وقالت هنزل اشم نفسي شوية


ابتلع ريقه بصعوبة بالغة  ثم  وجه سؤاله لوالدته:

-نزلت من امتى؟


ردت "ليلى":

-من ساعة وشوية كده


هز رأسه بملامح  جامدة ثم دون أن يضيف شيء كان يتركهم ويتوجه لغرفته تحت نظرات" ميسون" المشككة.


❈-❈-❈


مر بعض الوقت على غيابها وها هو  يدور حول نفسه بهـ ياج شديد وكأنه تطارده  شيـ اطين الأرض حين حاول مهاتفتها لعدة مرات ولكن اتضح له أنها لم تأخذه معها فصوته يأتي من داخل غرفتها لعن تحت أنفاسه وهو يخطو لهناك يفتح بابها ليجد الهاتف الذي منحه لها اعلى الكومود ليزمجر غاضبًا والعديد والعديد من التساؤلات تهاجم رأسه بشأنها  ترى أتعمدت ان تتركه ام سهواً منها؟ ترى علمت بالأمر وغادرت! لا وكيف وهو يرى كافة  حاجيتها  بمكانها…

 ترى ضلت طريق العودة، فماذا إن كان مكروه أصابها  هل من الممكن أن يكون وجدها شقيقها وأعادها معه

وعند تلك الفكرة كـ ور قبضة يده بقوة حتى ابيضت أنامله يتوعد بداخله أشد الوعـ يد فإن مس منها شعرة واحدة يقسم أنه تلك المرة سيتصدى له بذاته. 

صوت اغلاق الباب أهب حواسه وجعله يهرول للخارج بخطوات غاضبة، بينما هي فور أن فتحت "ميسون" الباب لها واطمأنت على والدته وجدته أمامها والشرار يتطاير من عينه، ضمت الكتاب التي تحمله لصدرها وابتلعت رمقها متوجسة من هيئته ليباغتها هو بلا تمهل بنبرة قوية صارمة:

-كنتِ فين؟


زاغت نظراتها لهنيهة بين ميسون التي تقف مُـ تشفية وبينه ثم تلعثمت قائلة:

-كنت… 

قاطعها بنفاذ صبر كعادته الملولة وبصوت مُرعـ ب جهوري رج جدران المنزل:

-انطقي…

 

شهقت "ميسون" و"ليلى" معًا من عصبيته الزائدة بينما هي اعتصرت عيناها تشجع ذاتها ثم ردت دون مهابة:

-اظن انا مش في سجن ومسموح لي أخرج


نفى برأسه يستنكر حديثها وضاقت نظراته المُـ رعبة قائلًا بإصرار أدهش الجميع:

-اعتبريه كده! وده بيتي وطالما وافقتي تدخليه بكامل ارادتك يبقى من حقي اعرف كنتِ فين؟


ظنت أنها لن ترى ذلك الوجه المُـ رعب منه بعد تلك المواقف التي  جمعتهم ولكن أثبت لها أن لا شيء سيتغير سيظل على عنجهيته وتلك  الطريقته الفظة التي بدورها تستفزها ويصعب عليها تحملها:   

-لأ مش من حقك...انت عارف كويس انا وافقت ادخل بيتك ليه  وزي ما دخلته بكامل ارادتي اقدر اخرج منه برضو بكامل ارادتي أنت مش وصي عليا ولا انا عيلة صغيرة 


قالتها بكبريائها المعهود وبنظرات شرسة متحدية قبل أن تبتعد من أمامه وتدخل غرفتها...

لتتوحش نظراته ويجز على نواجذه بقوة وهو ينظر لآثارها في حين "ليلى" حاولت تهدئته قائلة:

-اهدى يا ابني الله يخليك

محصلش حاجة تلاقيها كانت بتتمشى على الشط ومحستش بالوقت


لتضيف "ميسون"متهكمة بنبرة تقطر بالخبث:

-مش عارفة ايه اللي عصبك كده يا" سليم" البنت عندها حق أنت مش وصي عليها ولو على طنط انا كنت معاها ومسبتهاش يبقى ايه اللي ضايقك بقى؟ 


كـ ور قبـ ضة يده بقـ وة يجاهد كي يتحكم  في زمام نفسه أمامهم ثم دون أن يعقب كان يفتح باب المنزل ويغادر بخطوات واسعة تارك "ميسون "تسـ تشيط غـ يظًا وتتأكد أن شكوكها جميعها في محلها.


❈-❈-❈


ارتمت على فراشها تحتضن ذاتها وهي تشعر بالمـ هانة من طريقته فأي حق يصرخ في وجهها ويتسبب في إحراجها أمام تلك المصطنعة المتلونة فلم تـ جرم هي 

فإن ظلت في المنزل بوجود تلك ال" ميسون" كان سيجن جنونها فتلك المتلونة تثير أعصابها وكان من الأفضل أن تترك المنزل تروح عن نفسها بدلًا من أن تمرغها في الأرض وتنتف خصلاتها التي تتباهي بها.

زفرت أنفاسها حين وقعت عيناها على الكتاب التي كانت تحمله وألقته على فراشها فور دخولها لتسترجع سبب تأخيرها… 

flash back 

فكانت تسير بلا وجهة محددة تشاهد واجهة المحلات وتتأمل المارة من حولها وبسمة باهتة  تكسو وجهها فهنا أم برفقة ابنائها وهناك فتاة وشاب يبدو عليهم الأُلفة من تلاحـ م كفوفهم أما هناك يخرجون ثلاث فتيات يضحكون ويسيرون بجانب بعضهم …ليزيد شحوب بسمتها وتشعر بثقل يجثم على صدرها يخنق أنفاسها بسبب ذلك الشعور الموحش بالوحدة الذي يستوطن أحـ شائها فبعد رحيل والدتها وزوجها وهي لم تحظى بشيء فقط  تناضل من أجل شقيقها وعزيز قلبها الذي ما أن لحق بهم انقسم ظهرها واندثر كافة طموحها وأصبحت خاوية الوفاض تلملم بقايا فتاتها.

 فكانت شاردة  تسير دون أن تنتبه على خطواتها حتى انها لم تنتبه لذلك الشاب  و ارتطمت به دون قصد واوقعت ما بيده 

شهقت بقوة واعتذرت مُسرعة:

-اسفة والله ما اخدتش بالي


تنهد الشاب وقال بلباقة وهو ينحني بجزعه الرياضي يلتقط الورق:

-ولا يهمك يا آنسة حصل خير


لتجثو تلملم الأوراق معه وتعيد ترتيبها  ليتجهم وجهها باستياء حين وجدت بعض منهم  لطخهم طين الأرض وبللهم  لتكرر اعتذارها:

- بجد اسفة انا كنت ماشية سرحانة 

 

أومأ لها ببسمة بشوشة واسعة أن لا عليكِ ثم تناول من يدها واعتدل في وقفته قائلًا:

-متعتذريش هو المرجع ده نحس انا عارف… المشكلة بس ان صاحبه مستعجل عليه وهضطر اعيد الورق اللي باظ


وقفت تعرض بحرج في سبيل إصلاح ما

أفـ سدته: 

-طيب انا ممكن اعيدلك كتابته


-ازاي بس ده الكلام معظمه مش باين و لازم يترجم من تاني ده مستقبل ناس


-يعني الكلام ده مُترجم


أومأ لها لتقول هي:

-طيب انا اقدر اساعدك ارجوك  خليني اجرب


كان سيرفض ولكن بطبيعته كرجل لم يصمد أمام إصرارها واسفها لذلك تسائل مترقبًا: 

_ بجد بتعرفي… دارسة يعني ومعاكِ لغة؟ 


ـ أنا ليسانس اداب و معايا تلت لغات ومنهم الإنجليزي متقلقش هقدر اساعدك

  

أوضحت هي بكل ثقة كي تطمئنه، ليعقب هو:

-طيب تعالي انا المكتبة بتاعة والدي هناك أهي تعالي نشوف هنعمل ايه


اتبعته لتجد مكتبة كبيرة تضم عدد هائل من الكتب وعلى بابها يجلس رجل مُسن نال الشيب من رأسه تيقنت أنه والده 

فألقت السلام عليه  وفور أن دخلت كانت عيناها تكاد تخرج من محجرها من شدة انبهارها فالكتب بالنسبة لها كنز ثمين لا يقدر بثمن… باغتها الشاب ليقطع تأملها للمكان:

-ده المرجع ومتهيألي هي دي الجزئية اللي ورقها باظ


قال جملته وهو  يتفقد المرجع بيده لتتناوله هي بأهتمام شديد تركز نظراتها على ما يقصده قائلة: 

-طيب انا هتصرف متقلقش قبل ما صاحبها يجي 


استغرب ثقتها المبالغ بها لحين وجدها تخطو نحو المكتب تسند عليه الورق   و بالفعل تبدأ تدون بتركيز شديد،  

تركها ليتابع عمله والتهى مع الزبائن لوقت قليل لحين أنتهت هي:

-خلصت تقدر تراجع علشان تطمن قبل ما صاحبه يجي ياخده


تناول من يدها الورق وأخذ يمر بعيناه على ما دونته بصورة خاطفة جعلته يبتسم ببشاشة قائلًا:

-برافو عليكِ 


-شكرًا عن اذنك بقى علشان اتأخرت 


-استنى


استوقفها بعدما كادت تغادر لتلتفت له ويتسائل هو: 

-تشتغلي معايا 


نظرت لما حولها ثم اجابت سؤاله بسؤال يماثله: 

-هشتغل ايه؟ 


-زي ما عملتي دلوقتي انا بيجيلي باحثين و طلاب جامعة ودكاترة كبار وناس غاوية علم ومعرفة علشان اترجم ليهم الكتب والمراجع و تكون أسهل عليهم

ويعرفوا يستفيدوا منها 


راقتها الفكرة ولكن ماذا عن والدته: 

ـ مش هينفع اغيب عن البيت 


سهلها هو دون تعقيد: 

-مش مهم تتواجدي في المكان تقدري تاخدي الكتب معاكِ البيت وتشتغلي براحتك 


تحمست للفكرة وعبرت عن استحسانها: 

-دي فكرة حلوة اوي


-طيب أنتِ ساكنة قريب؟ 


ترددت لوهلة قبل أن تخبره: 

-انا قاعدة عند جماعة قرايبي وبيتهم على الشط  


-طب كويس اوي قريب من هنا هطلب بس منك رقم تليفونك وصورة من بطاقتك

 

لسبب ما تخوفت أن تعطيه رقمها لتتحجج قائلة: 

-انا ممكن اديك صورة من البطاقة وكل المعلومات اللي تحتاجها لكن رقم التليفون اسفة مش هينفع


اعتلى منكبيه وعقب على رغبتها: 

-تمام اللي يريحك هاتي البطاقة وده رقمي لو حصلتلك ظروف آخرتك ولا حاجة وقفت معاكِ ياريت تبلغيني


قال أخر جملة وهو يدون رقمه بورقة صغيرة ويمد يده بها لتأخذها منه وتخرج

بطاقتها من جيبها تناوله إياها لينظر بها مُطولًا وينطق بأسمها:

- أسمك "شمس عابد" تمام وانا "معتز" والراجل العجوز اللي بره ده ابويا واسمه "كارم"


ابتسمت بتحفظ شديد وهزت رأسها ليتحرك من امامها ويقوم بأخذ نسخة مصورة من هويتها بواسطة ماكينة تصوير الورق ومن بعدها ناولها أحد الكتب العلمية قائلًا:

-تقدري تبدأي من النهاردة الكتاب ده مطلوب مني بعد اسبوع


قالت والحماس ظهر جلي على وجهها:

-بإذن الله قبلها يكون خالص


ابتسم من ثقتها الزائدة ثم شجعها قائلًا:

-هستناكِ توريني الهِمة 


أومأت برأسها ثم غادرت مُسرعة وهي تشعر بسعادة عارمة فكانت غافلة أن سعادتها تلك لحظية لحين دثرها ذلك

 المُـ رعب بعنجهيته  الغاشمة وهنا تردد حديثه مرة أخرى برأسها وارتسمت نظرات "ميسون" أمامها لتعصاها دموعها الأبية وتتنازل عن صمودها وتتهدل تغرق وجهها قهرًا على مساسه بكبريائها.

 

❈-❈-❈


بينما على الجانب الأخر كان يجلس على رمال الشاطيء ينظر أمامه بعيون ساهمة يشعر أن أفكاره متخبطة تضاهي ثورة أمواج البحر المتلاطمة،  

ورغم تبعثر ثوابته إلا أن فكرة واحدة هي التي كانت راسخة بداخل عقله وتؤرقه بشدة هي  أن تلك ال"شمس" أصبحت تعني له و دون حذر أو حيطة منه تخطى هالتها الأمنة.

فلم يعلم كم مر عليه وهو مازال على جلسته ولكن حين شعر ببضع قطرات المطر تتساقط على وجهه نهض ودخل المنزل من جديد وهو ينوي أن يلهي عقله بالنوم لكي يرحمه ولكن كيف وصوت شهقاتها يتسلل لمسامعه ويجعله مستاءًا بشدة...فقد وجد قدمه تقوده لباب غرفتها ولم يشعر بذاته إلا وهو يطرق عليه ناطقًا بأسمها:

-"شمس" 

خفض صوت شهقاتها ولكن لم تجب ليكرر برجاءٍ خفي:

-"شمس "عايز اتكلم معاكِ


ايضًا لم تجب ليغمض عينه بقوة  ويقول بنفاذ صبر:

_" شمس" انا  عارف انك سمعاني


ايضًا لم تجب ليضع يده على إطار الباب يسند عليها جبهته مصرحًا بصوت مهزوز:

-أنتِ عندك حق في كل كلمة قولتيها...انا فعلًا مش وصي عليكِ ولا من حقي احاسبك بس أنتِ طلبتي حمايتي  و انا... 


ابتلع باقي حديثه ثم زفـ ر بـ قوة فكيف سيفسر الأمر لها وهو ذاته لم يجد تفسير منطقي له..

ليلـ عن تحت انفاسه الغاضـ بة وينسحب قائلًا:

-صدقيني غصب عني معرفتش اتحكم في اعصابي وأكيد لما تعرفي أسبابي هتعذريني 



قال ما قاله بنبرة نافذة وإن كاد يبتعد بخطواته عن غرفتها فتحت هي الباب على مصراعيه مُـ تصدية بعدم رضا:

-انا مش مُـ جبرة اتحمل طريقتك ومفيش سبب هيقنعني أن من حقك تحاسبني وتحرجني قدامها. 


كسى الحُزن معالم وجهه حين وجد عيونها ذابلة والدموع تـ غرق وجهها لينهشه قلبه وينطق دون تفكير بنبرة صادقة:

-خوفت عليكِ… 


رأت الصدق جلي في عيناه ولكنها لم تبرره وكررت غير مُـ ستوعبة: 

-خوفت عليا…

 

اهتزت نظراته قبل أن يصرح لها دون تمهيد:

-اخوكِ...خرج من الحبس النهاردة 


برقت عيناها وكررت غير مستوعبة:

-خرج من الحبس...هو كان مسـ جون


ولاها ظهره يسير يبتعد بخطواته عنها لحتى وصل للأريكة ليجلس ويخرج علبة سجائره يشعل أحدهم قائلًا:

-ايوة كان مـ حبوس وخرج


تقدمت منه تجلس بالقرب من جلسته متسائلة بريبة:

-ليه عمل ايه؟


سحب نفسٍ مطول من سيجارته ثم زفره دفعة واحدة  قائلًا بتوجس شديد من ردة فعلها:

-ضرب "حسام" ابن "حكمت" بالمـ طوة علشان يعرف طريقك


شهقت بقوة وبرقت عيناها من شدة 

صـ دمتها ثم نطقت والخـ وف يـ نهش قلبها:  

-حصله إيه؟ 


اخبرها بصوت هادئ يخالف  تخبط دواخله:

-"حسام" بقى كويس وكمان خرج من المستشفى


فرت دمعاتها بخزي من أفعال شقيقها قبل أن تهب متسائلة بانفعال شديد:

-أنت ليه مقولتليش في وقتها


حسنًا لن يخبرها بأسبابه كاملة فمازال لا يعترف بمنطقيتها لذلك حاول تغير دفة الحديث بنبرة متهكمة: 


-كنتِ هتعملي ايه يعني لو عرفتي؟ 

قالت مُـ سرعة  دون تفكير وبنبرة تحمل الكثير من ضيقها: 

-كنت هروح ل "حكمت" مش هسيبها لوحدها الست وقفت جنبي وساعدتني معقول يكون ده جزاتها…

لتضيف بحيرة ودموع بؤسها تزف حديثها: 

_ هو ليه بيعمل كده ازاي يأذيه ويحرق قلب امه عليه وهو ملوش ذنب في حاجة معقول وصلت بيه لكده


ارتجـ ف قلبه أمام دموعها وكأنه يعصاه وتضامن بما يكنه لها، و رغم ان كل ذرة به تؤكد له وتعصيه من أجلها إلا أن عقله اللعيـ ن مازال يستنكر ويعاند حتى أنه  قاد الحديث لتذكيرها:  

-اظن أنتِ اخر واحدة مفروض تكونِ مستغربة ده كان هيـ موتك 


ابتلعت غصتها ثم ردت تؤيده ومرارة الخذلان تُمرر كلماتها: 

-صح انت عندك حق كان هيـ موتني وانا  من لحمه لتصمت لهنيهة تلمح بما حـ رق قلبها:

_ وعلى فكرة مش انا لوحدي اللي هونت عليه… 


لم يحيد بعيناه عنها يشعر بالعجز أمام 

حُـ زنها ولكن هي دهشته  حين استردت ثباتها و جففت دمعاتها وهبت من مكانها قائلة بإصرار قوي يخالف وَهنها:  

-انا عايزة اطمن على "حسام" 


صمت ولم يجب يجهل توابع الأمر لتهدر هي:

-لو مخدتنيش ودتني لهناك دلوقتي هروح انا 


اطفأ سيجارته في المنفضة متنهدًا: 

-هوديكِ يا" شمس" بس الصبح الوقت اتأخر وكمان الدنيا بتمطر بره


-دلوقتي...

قالتها بإصرار عجيب جعله يزفر أنفاسه دفعة واحدة من عنادها ثم دون أن يمنح عقله مجال  للرفض وافق بحركة من رأسه تحت نظراتها.


❈-❈-❈


جلس ينتظرها بالسيارة حين اقتربت هي مرتدية ذلك النقاب الذي أتت به معه في المرة الأولى انعقد حاجبيه يستغرب الأمر فلما تتخفى وهي برفقته إلا تثق انه يستطيع حمايتها...صعدت بجانبه ليرمقها بطرف عينه وينطلق بها بينما هي كانت تشاهد تهطل المطر من حولها وتستغل غطاء وجهها كي يتستر على  هطول زخات دموعها فمازالت خـ يبات الأمل تلحق بها وتعثر خطواتها… دقائق معدودة وكانوا داخل تلك المنطقة الشعبية ذاتها وإن توقف بالسيارة أمام البناية اندفعت تفتح بابها ومن بعدها تهرول على الدرج فما كان منه غير أن يجلس ينتظرها...

طرقت على باب الشقة بلهفة  وهي ترفع غطاء وجهها لحين اتاها صوت

" حكمت"من خلف بابها:

-يا ستار يارب خير مين اللي بيخبط كده في الوقت ده


-انا "شمس" يا "حكمت" افتحي 

فور أن انهت جملتها وجدت الباب يفتح على مصراعيه و"حكمت" تتلقفها داخل احضانها وتسحبها للداخل وتغلق خلفها. 


لتقول" شمس" بنبرة مخـ تنقة باكية:

-"حسام" كويس والله ما كنت اعرف حاجة حقك عليا 


ربتت "حكمت" على ظهرها وقالت:

-خلاص يا بت "حسام" زي الفل ونايم جوة  والحمد لله قضى اخف من قضى


خرجت من احضانها تتسائل والدموع تغرق وجهها:

-بجد ولا بطمنيني علشان محسش بالذنب


-والله ابدًا هو كويس وبعدين ذنب ايه وانت دخلك ايه في اللي حصل هو اخوكِ اللي ربنا ينتـ قم منه


نكست نظراتها وجففت وجهها بأناملها لتسحبها "حكمت" تجلسها قائلة بود:

-تعالي اقعدي طميني عليكِ 


انصاعت لها وطمئنتها قائلة:

-انا كويسة الحمد لله


-طيب مرتاحة عند الباشا 


اومأت برأسها دون حديث ليتتابع "حكمت":

-طب الحمد لله خليكِ عنده واوعي تسيبي بيته ده هو اللي جاب اخوكِ من قفاه وسلمه لما روحت و وقعت في عرضه 


استغربت حديثها بشدة… فكيف فعل ولمَ لم يخبرها بذلك ايضًا…ترى ما أسبابه حقًا لا تتوقع شيء ولا تعلم  سوى حقيقة واحدة إلا وهي:   

-بس " صالح" كل ما معاد خروج "سلطان" يقرب هيتجنن اكتر وهيفضل يأذي كل اللي حواليا لغاية ما يعرف مكاني واولهم كان ابنك 


-اللي حصل حصل والحمد لله أنها جت على أد كده  وبعدين طول ما أنتِ في بيت الباشا متقلقيش  هيعرف يحميكِ 


شردت في حديثها ورغم منطقيته  إلا أن عقلها كان له رأي آخر. 


انتشلتها "حكمت "من افكارها بقولها: 

_ انا قفلت الصفحة وعملت واحدة جديدة برقم جديد 


فطنت هي: 

-اه يبقى علشان كده معرفتش اوصلك 


هزت رأسها تؤكد لها وتابعت:

-وكمان هسيب المنطقة كلها وهمشي الست" ونيسة" وجوزها منهـ م لله من ساعتها وحطيني في راسهم وأنا مبحبش وجـ ع الدماغ 


أنبت "شمس" ذاتها بصوت مسموع: 

-كل ده بذنبي انا لغبطلك حياتك وكنت السبب في أذية ابنك 


-ملكيش ذنب في حاجة ده النصيب وبتاع ربنا وأي واحدة تانية لو كانت في مكانك كنت هعمل علشانها نفس اللي عملته معاكِ انا ميرضنيش الظـ لم ولا الافـ ترا وربنا كريم قادر يخدلك حقك وحق الواد ابني الغلبان من حباب عنيه


أجهشت في البكاء دون قصد فلا تعلم كيف ستؤمن على دعواتها وقلبها يعتصر حسرة على ما توصل له حال شقيقها.


بينما ربتت "حكمت" على يدها وحثتها قائلة:

-كفاية عياط يا بت انا مبحبش النكد


كبحت دمعاتها ثم همست وهي تجفف وجهها:

-انا لازم امشي 


-استني شوية ملحقتش اشبع منك 


-معلش مش عايزة اتأخر اكتر من كده


-هتمشي إزاي بس لوحدك 


-متقلقيش عليا


قالتها وهي تربت على كتفها تطمئنها وكادت تخطو نحو الباب لكن "حكمت" استوقفتها:

-طيب استني

لتتناول القلم من على الطاولة وتقطع قطعة كرتون من علب تغليف الطعام تدون عليه قائلة:

-ده الرقم الجديد بتاع المحمول عيزاكِ تكلميني على طول يا بت علشان تطمنيني عليكِ 


أومأت "شمس" برأسها ثم ارتمت بحضنها لثوانِ قبل أن توصلها "حكمت" لباب الشقة ففور أن فتحته وجدته أمامها

 لتشهق "حكمت "وتقول متفاجئة وهي تضرب اعلى صـ درها:

-الباشا بنفسه عندنا مش تقولي يا" شمس" أنه معاكِ 


استغربت صعوده خلفها لذلك لم تجد كلمات مناسبة تنطق بها، ليرشقها هو بنظرة واحدة قبل أن يهدر آمرًا:

-اطمنتي عليهم متهيألي كفاية كده


-طب اتفضل يا باشا نعمل معاك الواجب

  

نفى برأسه ورد بنبرة ثابتة:

-معلش مش هينفع لازم نمشي...يلا يا "شمس"

قال آخر جملة وهو يوليها ظهره وينزل الدرج في طريقه للأسفل لتطيعه بهز رأسها وتتخطى "حكمت"  ببسمة بالكاد اغتصبتها كي تودعها بها قبل أن تنزل غطاء وجهها وتلحق به وهي تنوى أن تنفذ ما برأسها فلن ترضى الاذى لكل من قدم معروف لها ولابد أن تواجه مصيرها

وإن صعدت للسيارة بجانبه كانت تنوي أن تخبره بقرارها ولكنها تمهلت لتشجع ذاتها بينما هو كان يستريب من سكوتها ولكنه لم يشعرها بذلك وانطلق بها

غافلين تمامًا عن ذلك الخبيث الذي يتابعهم من بعيد بنظرات شـ يطانية  خبيـ ثة لا تبشر بالخير بتاتًا. 

فياترى ما ماهية قرارها وهل سيوافق به أم سيكسر قواعده  وينجو بها قبل قدوم  ذلك الإعصار المدمر الذي يهدد كل الثوابت في أرضها. 


يتبع