رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني - بقلم الكاتبة منة أيمن - اقتباس - الفصل الثالث عشر
رواية ظلمات حصونه
بقلم الكاتبة منة أيمن
اقتباس
الفصل الثالث عشر
رواية
ظلمات حصونه
_ حمدلله على سلامتكوا يا حبيبتى
صاحت بها "لبنى" بحب وهدوء موجهة حديثها نحو "ديانة" عبر الهاتف، لتجيبها أبنتها بحب متبادل رادفة بلهفة أمومة:
_ الله يسلمك يا ماما، نور عامل أيه!!
والدتها تُقدر قلقها ولهفتها فى السؤال على طفلها، لتجيبها بإبتسامة هادئة مُطمئنة إياها قائلة:
_ نور كويس يا قلب ماما، أخد الرضعة بتاعته ونام أهو فى الأوضة عندى ودادا حُسنة أعده معاه
أعتلت ملامح العبوس وجه "ديانة" وشعرت بعدم الراحة بسبب بُعدها عن طفلها، وهذا بجانب إضطرابها لكونها خارج البلاد لأول مرة فى حياتها وبرفقة هذا الجواد، بالأضافة إلى الحالة الصحية السيئة التى يمر بها طفلها منذ أن ولد، لتعقب بكثير من الندم والحيرة:
_ أنا حاسه إنى ندمانة عشان سبته وسافرت، أنا بفكر أرجع تانى
والدتها تُقدر تماما ما تمر به، نعم فهى أيضا أم وسبق لها وأن شعرت بتلك المشاعر وذلك الإشتياق ولكن حينها كان الأمر يختلف تماما، لتهون عليها "لبنى" وتحاول أن تُطمئنها وتجعلها تستسلم لذلك الأمر بكونها الأن خارج البلاد وعليا ألا تقلق على طفلها فهو فى رعايتها الأن:
_ بطلى جنان بقى يا ديانة أنتى لسه واصله حالا، وبعدين نور فى أمان معانا هنا متقلقيش عليه
لا تعلم لماذا تشعر بكل هذا التوتر والتخبط، هل حقا لإنها خارج البلاد لأول مرة بحياتها!! أم لإبتعادها عن طفلها!! أم لإنها بجانب هذا "الجواد" فى تلك الغرفة اللعينة وستظل هكذه لعدة أيام قادمة لا تعلم كيف ستتصرف فيها أو ماذا سيفعل هو مُستغلا ذلك الشيء، لتهزى "ديانة" بما لم تُفكر به، لتنطق بتلك الكلمات دون إنتباه منها:
_ يا ماما أنا مش قلقانه عليه وهو معاكوا، أنا حاسه إن أنا اللى محتاجه وجوده معايا مش هو اللى محتاجنى، أنتى عارفه يا ماما أى أم بتتعلق بطفلها قد أيه وبيبقى من الصعب جدا عليها تبعد عنه، وكمان أنا مش عايزه نور يحس إنى بعيده عنه، عايزه أعوض معاه كل اللى أنا أتحرمت منه و...
سكتت من تلقائها نفسه عندما شعرت إنها قد إنجرفت فى الحديث دون وعى منها، لتيقظ ذلك الجرح بداخل والدتها دون قصدها، بينما "لبنى" بالفعل شعرت بغصة شديدة تكونت فى حلقها مما قالته أبنتها، تلك الكلمات التى إنغرست داخل قلبها، على الرغم من أن الأمر لم يكن بيدها، إلا إنها تشعر بالذنب تجاه أبنتها وتجاه نفسها
ولكنها لم تُرد أن تظهر ذلك التأثر والحزن أمام أبنتها، حتى لا تشعر بالندم على ما قالته بعفوية شديدة منها، ولكن "ديانة" بالفعل أنبهت لما لبخت فيه بالحديث وشعرت بالندم الشديد على ما تفوهت به وهتفت مُعتذرة منها عما قالت:
_ ماما أنا أسفه، والله ما كان قصدى
حاولت "لبنى" قدر المُستطاع عدم إظهار تلك البحة فى صوتها وعدم إظهار تأثرها بهذا الحديث لكى لا تحزن أبنتها، لتهتف مُصطنعة عدم التأثر بما سمعته قائلة:
_ أسفه على أيه يا ديانة، أنتى معاكى حق يا حبيبتى، أى أم بتحتاج وجود طفلها معاها زى ما هو بيحتاجلها بالظبط، أحنا كمان بنستمد قوتنا منهم يا ديانة، ربنا يا بنتى ميحرمكوش من بعض أبدا وأنتى اللى تربيه وتشوفيه عريس كمان
حاولت "ديانة" أن تُجبر بخاطر والدتها على ما تفوهت به وعلى ذلك الألم الذى ذكرتها به وتلك المعاناة التى ظلت تُعانيها لسنين طويلة هاتفة بحب وصدق:
_ أنا وهو محتاجينك يا ماما، أنا من غيرك مش هعرف أربيه لإنى محتاجه حنانك أنتى عشان أقدر أنا أحس يعنى أيه حنان الأم اللى بجد وأقدر أديه لأبنى
ليس من السهل أن تدعى القوة وعدم التأثر بشيء وأنت بداخلك تموت ألما منه وتتمزق إربا من شعورك به، هذا بالضبط ما كانت تمر به "لبنى" تحديدا فى تلك اللحظة، ولكنها حاربت كى لا تُظهر هذا الضعف:
_ هحاول على قد ما أقدر محسسوش إنك مش هنا لحد ما تكملوا سفريتك على خير وتيجى تراعيه أنتى بنفسك يا حبيبتى
على الرغم من معرفتها بما تمر به والدتها إثر ما تفوهت به، إلا إنها لا تعلم ماذا تقول لكى تهون عنها، تتمنى حقا لو كانت أمامها الأن لتضمها إلى صدرها وتعتذر منها طوال اليوم لعلها تخفف عنها، ولكن ماذا بيدها الان سوا إخبارها بكم هى أم عظيمة وجميلة للغاية:
_ أنتى أعظم أم فى الدنيا يا ماما
لم تعد قادرة على إصطناع تلك القوة أكثر من ذلك، عليها الهروب الأن قبل أن تنهار رغما عنها وتسبب الحزن إلى أبنتها، لتعمل على نفسها وتستغل أخر ذرة تحمل لديها مُردفة بهدوء:
_ وأنتى أجمل بنت فى الدنيا يا ديانة، ويلا بقى روحى أرتاحى شويه وأبقى سلميلى على ماجدة وعامر وأسما
أومأت لها "ديانة" بالموافقة ولم تكن تريد أن تضغط عليها أكثر من ذلك وتستسلم لذلك الإنسحاب الذى من المؤكد من إنه سيعاقبه إنهيار شديد جدا:
_ الله يسلمك يا حبيبتى حاضر
_ مع السلامة
قالتها "لبنى" وهى تسرع فى إنهاء المكالمة سامحة لنفسها بالإنهيار الشديد مُحاولة إخراج كل ذلك الكبت التى تحمله بداخلها متذ فترة طويلة جدا، لتنهال عليها الكثير من الذكريات المؤلمة التى لم تغيب يوما عن بالها
من الصعب جدا على المرأء أن ينسى جزء بسيط من ماضية ترك أثر شديد بداخله، ما بالك إذا بالماضى بأكمله، ليس من الضرورى أن يكون الشخص المتسامح سريع النسيان، بل هو أكثر الأناس تذكر لكل ما مر عليه من ذكريات مؤلمة، ولكن تلك العاطفة بداهلة تُجبره على التسامح
❈-❈-❈
صاح بها مُمسكا إياها من خُصلاتها وكأنه يريد أن يقتلعهم فى يده، بينما هى لا حول لها ولا قوة بين يديه ولا تملك شيء سوا البكاء، حتى إنها عاجزه عن الكلام أو تفسير الأمر له، اللعنة على حظها العسر الذى ورطها فى كل تلك اللعبة التى لم يكن لها ذنب بها من الأساس:
_ فين البت يا لبنى!!
البكاء فقط هو ردها الوحيد الذى يجده فى كل مرة يسالها بها، هل حقا ينتظر منها الرد والأطباء نفسهم هم من أخبروه إنها بالفعل فقدت النطق بسبب صدمتها فى موت زوجها، ولكن غضبه جعله لا يميز بين الكدب والصدق ليختلط عليه الأمر، حتى ظن إنها تدعى فقدنها لنطق، ليجذبها من شعرها إليه بطريقة قاسية هاتفا بها بحدة وصراخ:
_ هتفضلى عايشة فى دور الخرصه ده كتير!! صدقينى مش هيأكل معايا ومش هسيبك لحد ما أعرف وديتى البت فين؟!
كم هى مُمتنة لتلك الطرقات التى ضُربت على باب الغرفة لتكون طوق النجاة بالنسبة لها وتخلصها من بطشه، ليدفعها "هاشم" بعيد عنه صائحا موجه حديثه نحو الطارق مُعقبا بغضب:
_ أدخل..
دلف إلى الغرفة أحد رجال الحراسة الخاصة به مُمسكا بإحدى النساء التى من الواضح عليها إنها من الباعة المُتجولين بالطرق، ليطالعه "هاشم" ببعض من نظرات الإستفسار عن من تكون تلك المرأة!! ليعقب ذلك الرجل مُضحا له الأمر هاتفا:
_ دى يا هاشم بيه ست كانت أعده بتبيع حاجات فى المحطه وشافت المدام وهى طالعة ونازلة من القطر
أنتفض قلب "لبنى" من الخوف من أن تفصح تلك المرة عن شيء يوصلهم إلى أبنتها، هى بالفعل لا تعلم إذا كان حقا "هاشم" يملك كل هذا الحجود الذى يجعلة يقتلك أبنة أخيه الرضيعة أم هو يهزى بهذا الحديث من فرط غضبه فقط!! ولكن لماذا لا يستطيع فعلا إذا كانت أبنة عمه أستطاعت أن تقتل شقيقتها وتلفق لها هى هذا الأمر، لا يمكن أن تخاطر بسلامة أبنتها مهما حدث
بينما أقترب "هاشم" من تلك المرة التى أنكمشت على نفسها من مجرد النظر إلى خاصتيه الداكنتان المليئتان بالغضب والنيرات، ليهتف فيها بحدة وجمود:
_ أيه اللى شوفتيه يا ست أنتى!!
يتبع ...