-->

رواية نعيمي وجحيمها - بقلم الكاتبة أمل نصر - اقتباس - الفصل السابع والخمسون

 

رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر 



اقتباس

الفصل السابع والخمسون 

رواية

 نعيمي وجحيمها 



جالسة على فراشها متكتفة الذراعين، مستندة بظهرها على الوسادة خلفها تتطلع إليه بغيظ وهو يتزين أمام المرأة ويرش بكثافة بعطره المميز على عنقه وبعض أجزاء من قميصه، بعد حرمانها من الذهاب إلى عملها معه، ليتبقى لديها مراقبته وتفحصه جيدًا ولكنه يبدوا لها اليوم يزيد بتأنقه ومزاجه العالي في الغناء بهذه الأغاني الأجنبية التي لا تفهم منها شيئًا ولكنها تليق على صوته الأجش القبيح...

- زهرة انتِ سرحانة؟

قالها بعد أن استدار إليها فجأة يجفلها، تداركت لتنفي بهز رأسها، فتبسم يفرد ذراعيه إليها بتخايل قائلًا:

- إيه رأيك بقى؟

- رأيي في إيه؟

تسائلت باندهاش ليُجيبها على الفور:

- في البدلة يا زهرة، اصلها جديدة وقولت اشوف رأيك فيها عشان عندي مشوار مهم .

- وحشة.

- نعم !

قالها بصدمة من ردها ليلتف مرة أخرى للمراَة ويتفحص حلته بتمعن، فتراجعت في قولها لتردف بفضول:

- أنا مش قاصدي انها وحشة وحشة، انا بس عايزة اعرف مشوارك المهم عشان ادلك .

قال بعدم تركيز وهو يلتف يمينًا ويسارُا يبحث عن 

العيب في ما يرتديه:

- مشوار إيه بقى  اللي احضره بيها بعد اللي قولتيه ده، أنا طالع معايا اغيرها كلها ، مع اني مش شايف فيها حاجة وحشة والله.

- ماهي مش بطالة يا جاسر، إنت بس قولي ع المشوار وانا اقولك تليق ولأ.

رفع رأسه فجأة وقد انتبه اخيرًا ليُجيبها كابحًا ابتسامة ملحة:

- عندي مقابلة انا ومصطفي عزام شريكي مع وفد أجنبي يا زهرة، أديكي عرفتي المشوار، ها إيه رأيك بقى؟

صمتت لتطالعه من جديد بتشكك مع هذا التأنق المبالغ فيه ثم اعتدلت لتنزل بأقدامها على الأرض، لتتحرك نحوه قائلة باهتمام الزوجة المخلصة:

- مدام قولت ع المشوار المهم يبقى اقوم اشوفها عن قرب بقى، عشان بالمرة دي اتأكد من لونها، هي مش زرقة باين؟

- زرقة ازاي يا زهرة دي كحلي!

هتف بها مذهولًا، ليجدها اقتربت منه مرددة:

-اه صح دي فعلًا كحلي، شكلي كدة لخبطت من الشمس، لكن الوفد دا فيه ستات يا جاسر؟

باغتته بسؤالها ليفتر فاهمها بابتسامة متسلية يسألها هو الاَخر:

- وانتِ عايزة تعرفي ليه؟ دي مقابلة شغل يعني مش فسحة. 

زامت بفمها ترمقه بغيظ قبل أن تجيبه:

- دا سؤال عادي، انا مقصدتش بيها حاجة على فكرة.

تحرك من جوارها ليرد وهو يضبط رابطة عنقه مع انتباهه لتحديقها به وتخصرها خلفه بتحفز:

- تمام يا روحي فهمتك، بس عشان تعرفي يعني انا قريت الأسامي بسرعة ومقدرين اتأكد ان كان فيهم ستات ولا لأ.

- ياراجل!

تفوهت بها ساخرة من خلفه لتجده استدار إليها قائلا بمرح:

- هو انتِ ليه محسساني انك مش مصدقة، طب يعني تيجي معايا تتأكدي بنفسك؟

- صحيح يا جاسر بجد، يعني انا ممكن اجي معاكم؟ انا فعلا نفسي اخرج والله عشان اتخنقت.

قالتها بلهفة وحماس لتجده أجابها بهدوء يغيظ:

- طبعًا يا قلبي زي ما تحبي أكيد، بس انتِ ناسية بقى مشوارك مع ماما النهاردة وحكاية شرا الهدوم وحاجة البيبي؟

عضت على شفتيها بتفكير ثم خاطبته برجاء وهو يدور من حولها يبحث عن أشياءه قبل المغادرة:

- طب ماهي محبكتش يعني النهاردة، دا انا لسة في الخامس وباقي شهور ع الولادة ، والست والدتك محسساني إن الولادة بكرة، ما تكلمها انت يا جاسر تأجل. 

رفع رأسه عن الحاسوب الذي القى على شاشته المفتوحة نظرة سريعة يقول بجزع:

- يا نهار أبيض، لا طبعًا مقدرش يا زهرة، خصوصًا وانا شايف حماس الوالدة بتحضير أؤضة البيبي والألوان والتجهيزات اللي عملتها، لو عايزة تكلميها انتِ ماشي بس انا متحملش غضبها. 

استشاطت غيظًا لتزفر هاتفة بإحباط وتزيده استمتاعًا بمشاكستها:

- يعني انت متقدرش وانا اللي اقدر!

صمتت برهة بتفكير ثم قالت بتذكر:

- طب كلها كام يوم بقى وفرح خالي يتم ، وانا بقى كنت عايزة احضر التحضيرات وليلة الحنة والحاجات البلدي اللي احنا متعودين عليها، يعني ابات الكام يوم دول هناك، هترفض هي بقى على كدة كمان دي؟.

ترك ما بيده لينتبه لها، ويرد بجدية ووجه غاب عنه الهزل:

- معلش بقى يا زهرة عشان الرفض هيبقى مني انا المرة دي.

تطلعت إليه باستفهام، ليتابع لها:

- بصراحة بقى رغم كل احترامي وحبي لرقية وفرحتي لخالد كمان، لكن انا لا يمكن هقدر اطمن واسيبك تباتي هناك، حتى لو قولتي انك متعودة والكلام ده كله، لكن برضوا وربنا ما هقدر احط راسي على المخدة، اقسم بالله، دا غير والدتي كمان، يستحيل توافق، واذا اصريتي مش بعيد تبات معاكِ، ما انتِ عارفها بتعيد على مواعيد علاجك انتِ ووالدي بالثانية.

تنهدت بيأس تتكتف بذراعيها وتبتعد عنه، ليصبه الحزن لمشاهدتها هكذا، فاقترب يحاوطها من الخلف بكفيه على أكتافها، ليهمس بجوار أذنها بصوته الدافئ:

- عارف انك زعلانة، بس انا عايزك تقدري خوفي من حاجة زي دي انا شوفتها بنفسي، العمارة ايلة للسقوط يا زهرة، ثم انه كمان نصبر شوية مدام الحال اتعدل، خالك وهيغير السكن بعد جوازه من نوال، ورقية وهتتنقل مع العروسين بعد رجوعهم من شهر العسل، يعني ساعتها بقى هنقدر ننقل اخواتك البنات للبيت اللي اخترناه انا وانتِ قبل كدة، عشان والدك لما يخرج قريب ان شاء الله، يسكن معاهم على طول .

صمت برهة ليسألها بقبلة كبيرة على وجنتها :

- ها بقى اقتنعتي باللي بقوله؟

هزت برأسها بخفة كموافقة، لتزيد بداخله الحماسة بضمها أكثر ويزيد معها من قبلاته الناعمة على وجنتيها مرددًا:

- عايزة اسمعها بصوتك مش بهز الدماغ.

اجبرها بمناكفته على الضحك لتبادله المزاح ولكن بقصد:

- ماشي دي اقتنعت بيها ، فاضل بقى تقنعني بالثانية:

سألها بإجفال:

- ايه هي التانية؟

اعتدلت ليُصبح وجهها مقابل وجهه سائلة بتصميم:

- تقنعني انك مش عارف الوفد الأجنبي في ستات ورجالة ولا رجالة بس 


يتبع