-->

رواية نعيمي وجحيمها - بقلم الكاتبة أمل نصر - اقتباس - الفصل السادس والخمسون

 

رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر 




اقتباس

 الفصل السادس والخمسون 

رواية

نعيمي وجحيمها 


دفع جاسر هاتفه بعنف على الطاولة التي أمامه ليرد بقوله:

- اولًا أنا مش بهري وانكت عشان مروحتش معاهم، لا يا سيدي انا عندي موضوع مهم شاغل دماغي، ثم حكاية المشوار دي كمان، الست الوالدة هي اللي أصرت إني مروحش معاهم عشان تاخد راحتها مع الدكتورة، فهمت بقى يا باشا؟

أجابه عامر غامزًا بوجنته بابتسامة متسعة:

- فهمت، يعني هو دا السبب اللي معصبك؟ عشان كان نفسك تروح بنفسك وتكلم الدكتورة ليتفقوا عليك هي ولميا زي ما عملوا المرة اللي فاتت .

تسمر بجلسته يتطلع إليه بصمت يكتنفه الذهول لخبث هذا الرجل وهو يتكلم وكأنه قرأ الأفكار التي برأسه، ليزداد اتساع ابتسامة عامر وقد علم بصدق تخمينه فتابع له بنبرة تبدوا جدية:

- بس انا لو منك مكنتش سكت وروحت معاهم ولو بالغصب حتى، ما انت لازم تثبت وجهة نظرك.

سمع منه جاسر ليرد بلهجة هادئة باقتناع:

- انا فعلًا كنت عايز اروح، بس مش عشان اللي في دماغك، دا كان بس عشان اطمن بنفسي.

- وحتى ولو اطمنت، برضوا أمك هتمشي اللي في دماغها ههههه.

اردف بها عامر لينطلق بموجة ضاحكة مستمتعًا بمشاكسة ابنه الذي كان يستشيط غضبًا منه.

إرتفعت راس جاسر فجأة على أصوات قدومهن لينهض عن مقعده سريعًا وقبل أن يتحرك خطوة وصله قول عامر من خلفه ساخرًا:

- طب اتقل شوية طيب على ما يجوا بنفسهم، خلاص مش قادر تستنى. 

فاض به جاسر لينفض سترته بعنف وكأنه يضع بها غضبه، قبل أن يعود لجلسته مرة أخرى، يزفر بضيق وهو يشيح بوجه عن أبيه الذي وضع كفه على موضع قلبه خوفًا من أذية نفسه من فرط ضحكه المكتوم على هيئة ابنه الغاضب، مع سعادة تكتنفه لرؤيته وقد عاد بشر عادي بعد أن تخلى عن جموده القديم .


دلفت إليهما زهرة بوجهها الضاحك تلقي التحية عليهما ثم تسأله باندهاش:

- إيه دا إنت لسة قاعد ومخرجتش من البيت؟

سبقه عامر في الرد ساخرًا:

- أصله كان معاه موضوع مهم ومينفعش يفكر فيه غير في البيت!

عض بأسنانه على طرف شفته يكظم غيظه من أباه الذي لا يمل أبدًا من إستفزازه.

- إيه مالك؟ ما ترد يا جاسر ساكت ليه؟

قالتها بابتسامة شجعته ليسألها مباشرةً:

- إيه الأخبار؟ الدكتورة طمنتك؟

- طمنتها يا سيدي واطمنت انا كمان معاها، افرح يا جاسر.

هتفت بها لمياء من خلفها لابنه الذي اشرق وجهه بالسعادة حتى صار يضحك ويتمتم بالحمد في اَن واحد،

وخلفه عامر كان يفعل المثل وقد ذهب عن وجهه العبث، ليداعب خياله حلمه الدائم بحمل هذا الطفل على يديه. 

قبل أن تتابع لمياء بتحذير مخاطبة جاسر:

- أه يا حبيبي بس برضوا الدكتورة نبهت على الحرص وعدم الإجهاد عشان صحتها. 

رد جاسر على الفور بدفاعية:

- طيب ما هو دا اللي انا بقوله على طول، انها متجهدتش نفسها في الشغل، مدام حملها صعب كدة.

سمعت منه لمياء لتلتفت لزهرة قائلة:

- وانتِ تتعبي نفسك في الشغل ليه يا زهرة، ما بلاها الشغل خالص، اهم صحة البيبي.

تلجمت زهرة شاعرة بالصدمة وعينيها تتنقل من لمياء التي ظهر على وجهها الأصرار وجاسر الذي صمت عن الرد، لتسدير عنها قائلة

- طب عن إذنكم أنا طالعة اريح شوية:

وقالتها وانصرفت مسرعة من أمامها، تبعها جاسر وقد علم بغضبها، فجلست لمياء على كرسيها بوجه واجم بتفكير، ثم التفت فجأة قائلة لعامر الذي شعرت بسهام عينيه المصوبة نحوها:

- إيه بقى يا استاذ عامر؟ هو غلط إني اخاف ع البيبي اللي بنترجاه انا وانت من الدنيا دي بقالنا كتير؟


❈-❈-❈ 


وفي الطابق الثاني وبعد ان لحق بها بالغرفة، وجدها كما توقع متلحفة بالفراش ومتكومة على نفسها، فاستنتج من نفسه بكاءها.

اقترب ليجلس بجوارها متفكهُا بمزاح:

- إيه دا يا زهرة؟ بسرعة كدة دي لحقتي تنامي؟ ويا ترى بقى غيرتي هدومك ولا لأ؟

قالها الاَخيرة في محاولة لكشف الغطاء ولكنها تمسكت معترضة حتى صدرت منها صوت شهقتها، فعبس ليرفع عن وجهها الغطاء بقوة حتى أصبح مكشوفًا إليه، فصاحت غاضبة من بين بكاءها:

- بتكشف وشي ليه دلوقت؟ سيبني بقى لوحدي عشان عايزة انام .

قالت الأخيرة لتلتف بجانبها عنه وتغطي وجهها بذراعيها، فاقترب ليدنو برأسه إليها ليهمس بجوار أذنها بصوته الأجش:

- طب ولما انزل واسيبك لوحدك، هتفضلي تعيطي برضوا ولا هتسكتي بمجرد ما اخرج؟ لو هتفضلي معيطة يبقى انا اَخد حذري من أولها واروح انده لوالدتي، دي هتقلب الدنيا لما تعرف ان البيبي ممكن تحصله حاجة بسبب زعلك .

نهى جملته ليجدها التفت إليه فجأة ناظرة بأعين متسعة بذهول مع غضبها تتسائل إن كان صادقًا بما يقول أم لا، فاستغل هفوتها ليميل برأسه عليها قائلًا بمشاكسة:

- يعني اتعدلت على طول اهو إول أما جيبت سيرة الست الوالدة، للدرجادي انتِ بتخافي منها؟

اعتدلت عنه بجذعها لترد بغضب:

- أنا مبخافش منها، أنا بقدرها زي ما بقدر عمي عامر بالظبط.

رد متبسمًا وكأنه وصل لغايتة:

- حلو الكلام يا زهرة، يعني بتسمعي الكلام عشان بتقديرها وتحترميها، انا كمان زيك ما بخفش، وممكن اخدك على كدة دلوقت ونرجع على بيتنا نعيش حياتنا واعملك اللي انتِ عايزاه، بس انا كمان بقدر أهلي، وعارف كويس مدى احتياجهم للطفل ده، يمكن زمان ماكنتش بفكر ولا مهتم عشان ما كنتش عايز اخلف من ميري اساسًا، لكن معاكِ انتِ لما ربنا كرمني، وشفت اللهفة في عيونهم ، بقيت اعد الايام والدقايق عشان اشوف اليوم ده.


بدا على وجهها الإقتناع رغم الحزن الذي ظهر في صوتها العاتب:

- انا فهماك يا جاسر وحاسة بكل اللي بتقوله، بس انا شغلي دا بحس فيه بذاتي. دا الحاجة الوحيدة اللي قدرت اثبت فيها نفسي، بعد الضعف والخوف اللي فضلوا ملازمني طول حياتي.

- وانا مش هحرمك منه.

تفوه بها سريعًا ثم استطرد:

- انا بس عايزك تصبري شوية وتتحملي، اتحمليها يا زهرة عشان خاطري، وانا اوعدك كل اللي انتِ عايزاه هنفذه تمام؟

صمتت قليلًا بتفكير قبل أن تومى بهزة خفيفة من رأسها، تقبلها هو ليضمها إليه مشددًا عليها بذراعيه قبل أن ينزعها عنه بإدراك لما غفل عنه منذ دقائق:

- استني هنا صحيح. 

تطلعت إليه بتساؤل ليردف لها بحاجبين متراقصين، وعينان ارتسما بداخلها الفرح جليًا:

- معنى كدة إن انا اتفك عني الحصار وارجع تاني لمكاني هنا ع السرير. 

تسمرت قليلًا بإجفال، قبل أن تستوعب مغزى حديثه، لتغطي بكفيها على وجهها الذي أصبح كتلة حمراء من الضحك والخجل في اَن واحد.


 يتبع