رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل الحادي والعشرون النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
الفصل الحادي والعشرون
النسخة العامية
التفتت لتلمحه بطرف عينيها ثم أعادت نظرها لتُسلطه على
هذه المرأة الفضولية التي لا تدري هل هي تقوم بتهديدها وحسب أم عشيقته الجديدة
التي تود أن تعرف ما حدث بينهما بالسابق أم كل ما تريده هو مجرد تسلية لحين انتهاء
العمل هنا لتصل لتلك البيانات التي قامت باختطافها من أجلها!
لو كانت هذه مُزحة فهي مُزحة سخيفة، هل عليها أن تقوم
بسرد تفاصيل ما لم تستطع اخباره لأحد على مرأى ومسمع منه لشخصية غريبة بالكامل لا
تعرفها؟!
عقدت ذراعيها ووقفت لتواجهها بثبات ثم أخبرتها بسخرية:
- أرى أنكما وطدتما علاقتكما بشدة، سيخبرك هو بباقي
التفاصيل، كل ما تحتاجينه معه هو الصبر والانتظار.. وبعدها ستجديه يخبرك بأكثر مما
تحتاجين لمعرفته دون توقف عن ثرثرته!
التفتت لتبتعد عنها لتقوم "كلوديا" بجذب
ذراعها فانتبه "عمر" على ما يحدث ونهض ليقترب من كلتاهما لترد عليها بالرفض
التام لما قالته ورغبتها …
سألتها بينما شعرت "روان" وكأنها في حالة غير
مفهومة فتوجهت لتجلس على واحد من المقاعد وحاولت تجنب هذه المرأة ونظرت لشاشة
الحاسوب من على بُعد لتعرف أنها ما زال يتبقى وقت حتى تنتهي هذه الملفات بأكملها
وصمتت دون أن تجيبها لتعاود الأخرى حديثها بتعجب:
- هو يعشقك بطريقة غريبة، لم ألتقِ برجل يعشق امرأة بهذه
الطريقة، ولكن ما الذي حدث حتى تكرهينه لهذا الحد؟!
لم تجيبها صوتها كان كمجرد تشويش في خلفية ما تراه أمام
عينيها الآن، بل ظلت تنظر نحوه وكل ما تشعر به هو الراحة لرؤيته يواجه أمر وحيد
مما واجهته هي في يوم من الأيام على يديه، هل كان يجلس ليستمتع برؤيتها هكذا؟ لا
تستبعد هذا عنه!
فاقت من شرودها على تلك السجائر التي تُقدم لها من
"كلوديا" ونظرت لها في حالة من عدم التركيز التام بينما ابتسمت الأخرى
لها وهي تقول:
- هيا، لا تخبريني أنه كان مُحق في كل شيء لدرجة أن فتاته المثالية طوال حياتها لا تفعل أمر وحيد خاطئ لدرجة أنها لا يُمكنها حتى التدخين!
تناولت واحدة بغيظ تام، هي ليست مثالية، بل هو حولها
لأسوأ ما يكون، وبعناد تام أرادت أن تفعلها، لتُثبت لنفسها أمر وحيد فقط، أنها
تستطيع فعل كل شيء وكل ما يحلو لها، دون تدخل منه ودون موافقته وبلا اكتراث لما قد
يظنه عنها لو رآها تفعل ذلك!
قامت برفع قداحتها المشتعلة لها لتبتلع بقليل من التوتر
ولكنها ستفعلها لتثبت الأمر ليس الا فبدأت في محاولة تدخين هذه السيجارة التي قامت
بالاشتعال بينما تركتها الأخرى لتجذب مقعد لكي تجلس على قرابة منها لتستمع لسعالها
المتواصل فضحكت بمرحٍ مُعقبة على ما يحدث:
- لا تخبريني أنها مرتك الأولى..
تفقدتها بأعين انتصف شعوري الارتباك والجرأة بينهما
بالتساوي وقالت بعد أن تخلصت من هذه النوبة التي آلمت رئتيها لتقول بتصنع:
- أنا فقط لم افعلها منذ وقت طويل..
لم تبتع "كلوديا" اجابتها وجلست أمامها مباشرة
لتلح عليها من جديد:
- هيا، دعينا نثرثر قليلًا عن الأمر، أنا أريد حقًا
المعرفة من أي شخص سواه، ما الذي حدث حتى تصممين على الطلاق والابتعاد عن رجل
يعشقك بهذه الطريقة؟!
نظرت إليها بملامح بالكاد تخلصت من الاختناق وانعدام
الأنفاس بفعل الأدخنة السامة التي لم تؤذ بها سوى نفسها واجابتها بسخرية:
- تخيلي الأمر، رجل كاذب، لا يتحدث، لا يتعامل معكِ، وفجأة
يثرثر وتكتشفين الكثير عنه، رجل سادي تارة وآخر كطفل تائه يعشقك، مكتئب أو يمر
بنوبة هوس شديدة، يرتاب بأمرك للحظات ودون سابق انذار تصبحين أنتِ ثقته وملاذه،
وبعدها يُكرر كل ما فعله من جديد، أن تعيشين طوال حياتك في حالة من عدم اليقين، أن
تخافين من مجرد تحول مزاجه، كيف لهذه أن تكون حياة؟!
تفقدتها بتركيز شديد بينما واصلت مرة ثانية بسخرية:
- هل يُمكنك أن تعيشين مع رجل لا تضمنين معه كيف ستكون
حياتك وأمنك طوال العمر أم ستنفصلين عنه؟! حتى ولو كنت تعشقينه! لذا إن كنت تريدين
معرفة لماذا انفصلت عنه فالإجابة سهلة، لأنني أخاف منه، ولا أثق به! وربما لو
عشقتِ رجل في يوم من الأيام ستفهمين ما أقصده، من الصعب أن تعيشين حياة مبهمة،
فأنا إلى الآن كل يوم استيقظ على كارثة جديدة بسببه!
نظرت إليها بتركيز شديد بينما واتتها نوبة من السعال مرة
أخرى لتبتسم على عنادها ورغبتها في التدخين بينما كان يُمكنها بسهولة أن تخبرها
أنها لا تدخن من الأساس وقالت:
- افهمك تمامًا، ولولا أن قصة الرجل الذي عشقته ستكون دليل
في هذه القضية لكنت حدثتك عنها بأريحية، ولكن ألم يكن كل هذا العشق كافي لكِ
للاستمرار معه أو التمسك به حتى يُصبح كما تريدين؟!
أومأت لها بالإنكار ثم اجابتها بسخرية بملامح مختنقة
وسعالها لا يتوقف:
- لا أتذكر أن العشق يوم منع حريق، أو أوقف رجل عن
ارتيابه، أو قام بمعالجة رجل لا يحتاج سوى لعقاقير بشكل دائم، لذا، الإجابة هي لا،
لم يكن كل هذا العشق كافيًا لو انعدم الأمان والثقة!
رفعت حاجبيها باستغراب وهي تُفكر لو كان
"شهاب" عشقها في يوم نصف هذا العشق الذي يعشقه لها زوجها فاقد الوعي
لكانت تمسكت به للأبد لتفاجئها متابعة بسؤال:
- إن كنتِ تعشقين الرجل الذي لا تريدين أن تحدثيني عنه،
لماذا لم تستمرِ معه؟ لماذا لم تتمسكين به؟!
قلبت عينيها واجابتها بتهكم:
- بربك، لقد كان هذا اختياره!
ابتسمت لها "روان" وهي تقوم برمي هذه السيجارة
أرضًا كما فعلت "كلوديا" نفسها منذ ثوانٍ ماضية وقالت:
- هذا تمامًا ما أعنيه، أحيانًا لا يكون العشق كافيًا لبعض
الأشخاص، والانفصال عنه كان اختياري! كما أظن أن عملي هنا انتهى منذ مدة!
اشارت نحو شاشة الحاسوب الذي ظهرت به نافذة كُتب عليها
"نجاح" بعد أن انتهى نقل جميع ملفات النظام القديم لتقوم
"كلوديا" واتجهت نحوه وهي تُرسل إلى "ماثيو" عدة رسائل ليؤكد
لها أنها تستطيع الوصول لكل البيانات القديمة بمنتهى السهولة!
❈-❈-❈
الرابعة صباحًا..
وقفت أمام بوابة منزلها بعد أن غادرت هذه السيارة وهي في
حالة من الذهول الكامل بينما هرع إليها رجال الأمن الذي وقفوا أمام بوابة منزلها
وفي ثوانٍ كان أحدهم يُنهي مكالمة هاتفية على ما يبدو أنه لتوه أخبر والدتها
وأخيها عن وصولها واستمعت لواحد منهم يسألها إذا كانت بخير وما الذي حدث ولكنها لم
تستجب له ولم تفكر بإجابته، فعلى ما يبدو هي لابد من أن تقوم بتغير شركة الأمن
بأكملها لأنها وببساطة غير كفء!
- افتحوا الباب ده!
تجاهلتهم تمامًا وهي باتت تسأل نفسها آلاف من الأسئلة،
كيف نجحت هذه المرأة في أن تأخذها من مكتبها بشركتها مرورًا بمكتب مساعدتها
الشخصية إلى أن تنجح في نقلها لمكان لا تعرفه، ثم تجعلها تعود إلى المنزل بصحبة
سائق وهي مكبلة لا تستطيع إزالة هذا الوشاح الأسود عن رأسها إلى بمنتصف طريق لا
تعرفه كذلك، ومن ثم تراه، ما الذي يحدث، كيف تحول يومها من مجرد يوم عادي بالعمل
إلى آخر مليء بالتهديد وكسر نظام حماية كامل؟!
- روان، احنا قلقنا عليكي، انتي كنتي فين؟!
- حبيبتي حمد الله على سلامتك كنتي فين؟ كنا هنموت من
القلق!
هرع إليها "بسام" الذي سألها بلهفة وكذلك فعلت
والدتها وهي في حالة من الذهول الكامل ولم تُرد أن تنطق بأي حرف حيث تذكرت كل ما
فكرت به سابقًا، أو ما تُفكر به حاليًا، فهي لم تتوقف عن التفكير ولو لحظة منذ أن
سمحت لها تلك المرأة الغريبة بالمغادرة لتبتسم له بإرهاق دون مبالغة وعانقته ثم
اجابت:
- كان عندي عميلة مهمة واضطريت امشي معاها وخلصنا متأخر
اوي.
حدق بها وكذلك فعلت والدتها، بتعجب تام، ولم يصدقها أي
منهما لتتحدث والدتها التي وجدتها تعانقها وكأن شيء لم يحدث:
- على الأقل كنتي تعرفينا، كل ما نكلمك الموبايل كان
مقفول، وعلا كلمناها قالت مشافتكيش وانتي ماشية وحتى السواق والأمن مشافوكيش!
نظرت إليها بمقلتين زجاجيتين اختبئ خلفها رغبة هائلة في
البكاء رعبًا مما اختبرته اليوم وردت قائلة:
- معلش يا مامي، انتِ عارفة إن الشركة اليومين دول بتكبر
وفيه عقود كتيرة اجنبية وموبايلي فصل، والوقت اخدني من غدا لعشا لكلام وتفاصيل،
معرفتش اكلم حد خالص وروحت مع العميلة في عربيتها..
اندفع "بسام" بنبرة مُعاتبة صريحة:
- على الأقل كنتي تطمنينا، احنا بلغنا الشرطة اصلًا ورفضو
يعملو محضر وقالو ما دام مشيت من الشركة عادي نستنى 24 ساعة أحسن، علا نفسها
معرفتش توصل لحاجة من الكاميرات اللي اتفصلت في نفس الوقت اللي مشيتي فيه، وانتي
معرفتيش حتى تكلمينا من موبايل اللي كانو معاكي؟! انتِ بتهزري عشان تسيبينا
قلقانين كده؟! أنا كنت هكلم عمر لأنه الوحيد اللي ممكن يتصرف هو أو باباه عشان
محامين، بجد مكنش ينفع تعملي كده من غير ما تعرفينا!
اندفعت برفض قاطع ثم كلمته بنبرة آمرة:
- اياك تكلم حد فيهم حتى لو بموت!
نظر لها باندهاش وذُهل من اجابتها بينما تابعت:
- مكنش ليه لزوم تكلم شُرطة أو تعمل حاجة، اديني اهو
كويسة، وبعدين قولتلك اني طولت، غصب عني يعني وياما رجعت البيت اتنين وتلاتة الفجر
و..
- بس على الأقل كنتي بتكلمينا وتطمنينا وتقوليلنا إنك
مطولة مش تسيبينا بالساعات ندور عليكي!
قاطعها بحدة مأخوذًا بكل تلك المشاعر التي اختبرها عندما
كاد أن يفقد عقله لعدم معرفته بمكانها ولقلقه الشديد عليها بينما أضافت والدتها
باتفاق على كلماته:
- بسام معاه حق، اللي انتِ عملتيه مكنش ينفع، كان لازم
تعرفينا رايحة فين أو إنك هتطولي في شغلك أو حتى تخلي علا تعرفنا!
التفتت نحوها وهي تعقد ذراعيها وحدثتها بتحفز شديد:
- يا سلام، وهو كان فين القلق ده لما كنت بغيب عنكم
بالأيام وأنا معاه؟ لما كنت مبكلمش حد فيكم باليومين والتلاتة وبمجرد ما كان
بيكلمك كنتي بتطمني وواثقة فيه اوي؟ فجأة كده بقيتو بتقلقو عليا؟ ملوش أي لازمة،
لما يبقا يحصلي حاجة تانية متبقوش تخافو أوي كده أنا بعرف اتصرف كويس، ولا هو لازم
ابقا معايا راجل وخلاص ساعتها هتطمني وهتنامي وتصحي وانتِ مبسوطة؟!
لم يُصدق "بسام" حديثها وكذلك فعلت والدتها
وأُخذ كلاهما بصدمة من كلماتها لعدة ثواني لتقول بتلقائية:
- يا بنتي ده كان جوزك، وأنتِ اللي اخترتيه بنفسك، بين يوم
وليلة جيتي قولتي إنك عرفتيه في القضية صُدفة وعايز يجي يتقدم وتتجوزوا
ومقولنالكيش لأ، وكنتي بتكلمينا بنفسك وبتقولي إنك مبسوطة..
- فعلًا؟! ولما قولتلك اتطلق عملتي ايه؟! كان فين قلقك
عليا يومها؟
اجابتها سائلة بسخرية شديدة وتحفز هائل بينما ردت
والدتها بحزن واستغراب من حديثها:
- أنا شوفتك مبسوطة معاه وبين يوم وليلة عايزة تطلقي من
غير ما تقوليلي تفاصيل تتفهم، عايزاني ادمرلك بيتك وحياتك بايديا!
التوت شفتيها بتهكم هائل لتعقب:
- يا ريتك عملتيها بجد، كان زماني مرتاحة من كل حاجة!
تدخل "بسام" من جديد وهو يشعر بالاستغراب مما
تحول إليه الحديث:
- انتِ ليه بتحولي الكلام من مجرد اننا قلقانين عليكي
للكلام عن جوازك انتِ وعمر، فيه ايه يا روان حصل لكل ده؟!
نظرت إليه بغضب ماثل نبرتها وهو يواجهها بحقيقة ما
تفعله، كل شيء يتحول في حياتها ليُصبح عنه هو، وزواجها منه، وكل ما باتت تُفكر به
هو كل ما عانته منذ البداية معه حتى النهاية:
- انا تعبانة ومش عايزة كلام كتير وطالعة اوضتي انام بعد
اليوم الطويل ده، تصبحو على خير!
❈-❈-❈
بعد مرور أربع أيام..
عبثت بتلك البطاقة الخاصة بواحد من المحامين بين أصابعها
ثم تفقدت الوقت بشاشة حاسوبها لتجدها عبرت العاشرة مساءًا بقليل، لا تعرف إن كان
عليها البدء الآن أم أنها عليها الانتظار لتلك اللحظة الحاسمة عندما يكون تحت
الأضواء وفجأة تنتشر الأقاويل عنه بعدم نزاهته في قضاياه، ولا تكترث لما سيحدث
بعدها، على الأقل انتشار أخبار كتلك عنه ستصيبه في مقتل، ستدمر له عمله بالكامل
لفترة ليست بالقليلة، ولو كانت محظوظة ولو لمرة معه سيُحاكم على ما فعله!!
ترددت كثيرًا قبل أن تفعل شيء، لا تدري هل عليها الذهاب
لمحامي الآن، بم ستخبره؟ لقد هددها من أجل التعاون معه في احضار أدلة لقضيته، التي
لم يترافع بها بعد.. لن يكون الأمر منطقي بتاتًا! قد تذهب القضية لمحامي آخر
ووقتها لن تستفيد شيء، فهدفها هو رؤيته يتدمر في أفضل وقت له، وهو كمحامي لم يتول
قضية لأكثر من عامين بعد قضيتها هي نفسها.. الأمر قد لا ينتبه لأخباره أحد! ورفع
كل ما تملكه عبر شبكات الانترنت لن تكون سوى مصادر مغلوطة وفضائح جنـ ـسية.. هي لا
تعرف أي من هذا، للأسف ليس اختصاصها، ولكن الفضائح الجنـ ـسية في بلد كهذا تُنسى
بمرور الأيام!
أعادت تركيزها من جديد لكل ما شاهدته من تفاصيل اصابتها
بالغثيان عن تلك القضية، لقد كان محق بكل ما أخبره لها، هذه المرأة قد عذبها زوجها
ببشاعة حتى فقدت حياتها، لقد تُشابهها حقًا في هذا.. كان يتبقى القليل فقط لتستقر
تلك الرصاصة بها بدلًا منه!
لا تدري ما الخطوة الأولى لها، وعدم النوم بالأيام
الماضية سوى لما يزيد عن الساعة بقليل يوميًا، تشعر بأن جهازها العصبي قد تدمر
بالكامل، ولا تعرف ما نهاية هذه الدائرة التي ما زالت تدور بها منذ شهور قاربت على
عام بأكمله..
لا تستطيع التوقف عن التفكير وكل من يُنادي بأن الوقت
يداوي الجروح هو غبي بالتأكيد، فالوقت وكل تلك الترهات بالمصحة التي مكثت بها
لشهور والخمر والتفكير المنطقي لا يُساعدها، كل ما تجد نفسها تُفكر به هو رغبتها
في رؤيته في أسوأ حالاته مثل ما كانت هي في يوم من الأيام!
انتبهت على اهتزازات هاتفها لتجد أنه السائق الخاص بها
فأجابته باقتضاب ظنًا منها أنه سيقوم بسؤالها عن موعد المغادرة أو أنه يريد
الاستئذان للذهاب لمكان ما:
- ايوة
آتاها رده الذي لم تكن لتتوقعه على الاطلاق:
- أنا عارف إن الأمن المفروض يبلغ حضرتك بس أستاذ عمر تحت
وعامل مشاكل وعايز يطلع، فالأحسن حضرتك تتصرفي بدل ما الموضوع يعمل مشاكل في
الشركة بكرة الصبح والناس تتكلم!
سرعان ما توجهت أناملها للوصول لكاميرات المراقبة لتراه
يصرخ بأكثر من رجل وهم يمسكون به لتبتسم تلقائيًا برؤيته في هذه الحالة ومجرد عدم
السماح له بالدخول كان أمر أكثر من رائع بالنسبة لها لتراه بأم عينيها وهو يكافح
بشدة!
- بيقولوا إنهم هيكلموا الشرطة بس حضرتك عارفة هو محامي
ووالده كمان، فالموضوع هيخلص وممكن تتكرر، يا ريت تدخلي وتحليها ودي أفضل!
استيقظت من تلك الفرحة الشديدة التي كانت كمسكن لكل
أوجاعها، مجرد ما تراه أمامها من معاناة له اصابتها بالفرحة بداخلها، ولكن صوت سائقها
الذي افاقها على تلك الحقيقة بأن الشرطة اقصى ما يُمكنها فعله هو محضر ازعاج ولن
يُفيدها في شيء..
- أنا هتصرف!
أنهت المكالمة وجلست باسترخاء في مقعدها وهي تتصل بمدير
الأمن الذي يترأس كل هؤلاء الرجال ثم سألته بمنتهى الهدوء:
- هو مش عايز يمشي مش كده؟!
آتاها رده مباشرة بما لم تُصدقه:
- احنا هنلم الموضوع ومتقلقيش حضرتك كلها شوية ويزهق ويمشي
لما ميعرفش يطلع، احنا مش عايزين نوصل بس الموضوع لمحاضر واقسام وهو شكله كده
سكران!
همهمت له بتفهم وهي تتابع ما يحدث أمامها حيث أنه على ما
يبدو يحاول اقناعهم بأن عليه الصعود بأي طريقة وتوقف العنف الآن وبدأت ثرثرته
فحدثت الرجل على الطرف الآخر:
- متمشيهوش، ومتطلعهوش، خليه كده شوية، وعرفوه إني هنزله
لما افضى!
قبل أن تستمع للمزيد أنهت المكالمة وهي تتابع ما يحدث،
هذا التصوير سيكون بمثابة دليل هام في أنه يحاول ازعاجها والتعرض لها، بعد أن يعود
من جديد للمحامي المعروف الشهير الذي يصل لأدلة بطريقة غير قانونية ويتحايل على
القانون بجميع قضاياه!
أخذت تُملي عينيها مما يحدث بسعادة شديدة لم تر كيف
سيطرت على ملامحها في هذا الوقت، وكل عقلها يُفكر بما سيحدث عندما تراه، وكيف
ستجعله يُغادر من هنا، سيستطيع الرجال السيطرة عليه كما يفعلون الآن على كل حال!
امسكت بهاتفها ثم قامت بإرسال رسالة صوتية إلى أخيها:
- بسام اطمن انت ومامي أنا بس هتأخر شوية عشان عندي implementation مهم وخلاص هيبقا live اول
الأسبوع الجاي.. السواق معايا وهرجع متأخر شوية وأنت فاهم لازم أكون هنا عشان الـ servers.
ضمت هاتفها إليها وحقًا لو ترى تلك السعادة على ملامحها
بالمرآة لكانت عرفت أن الطريق لخلاصها من كل تلك المعاناة هو معاناته هو نفسه، لقد
أصبحت تتلذذ برؤيته يُعاني ويتألم بأي شكل من الأشكال! ليتها رأته بدلًا من ذهابها
للمصة التي مكثت بها لشهور طويلة!
❈-❈-❈
الثانية عشرة صباحًا..
وقفت بعد تفكير دام لمدة طويلة شاهدت خلالها كيف جلس
بصالة استقبال الشركة بالدور الأرضي وهو ينتظر السماح لمروره فقط ليراها، لا تدري
ما حُجته اليوم، بالسابق كان يُريد أن يُخبرها عن القضية، ومنذ أيام كان يريد
الاطمئنان أن من هددتها من أجله لم تُصبها بأذى، واليوم كل ما يقوله هو فقط أنه
يُريد التحدث معها!
تفقدت الوقت بعد أن أدركت أن هذا المُهدئ قد مر الوقت
المناسب على مفعوله وتناولت نفس طويل ثم زفرته على مهل وكونها استطاعت أن تمنعه من
الدخول لمكتبها كان تحقيق انتصار ضئيل للغاية فهو لم ينجح بفعلها بيوم من الأيام
بينما أمسكت بهاتفها من جديد وتحدثت به قائلة:
- طلعوه، وتلاتة يجو معاه..
التقت أهدابها لمرات في توتر قليل ثم صححت ما قالته:
- ولا اقولك، خليهم أربعة!
تأهبت بمقعدها لملاقاته وقليل من الارتباك بدأ في دفع
خفقات قلبها للتسارع بنسبة بسيطة ولكن ما رأته جعلها تطمئن بأنها ليست بمفردها هذه
المرة!
دخل بعد قليل لتنظر له ثم اشارت بيدها بأن يتوقف عن
التقدم ثم سألته بملامح تجاهد أن تظهرها بجمود واسترخاء على نقيض ذلك الخوف الذي
دب بسائر دمائها بمجرد رؤية وجهه:
- خير؟ عايز ايه؟!
تفقدها بأعين تتوق لكل ما بها، يشعر أنه سيجن لو استمر
في ابتعاده عنها لأكثر من هذا، لا يُصدق أنه تحمل قرابة عام كامل دونها، لا يدري
حتى كيف فعلها، ولكن كل ما يرغب به هو أن يجالسها ويحدثها وهي بالقرب منه دون
انقطاع!
التفت لينظر حوله بأعين شردت لوهلة في تفاصيل غرفة
مكتبها ونظرات متفرقة لرجال الأمن الذين لازموه ثم أجابها:
- عايز أتكلم معاكي في موضوع مهم!
رفعت حاجبيها باندهاش ثم عقبت قائلة:
- من يوم طلاقنا مظنش بقا فيه حاجة نتكلم فيها
ارتبك من تواجد أشخاص غريبة حوله وانزعج بشدة من تحدثها
ليتكلم بغضب اخفاه خلف كلماته الخبيثة:
- وأنا مظنش إن الكلام بينك وبين طليقك قدام موظفين عندك
هتبقا حاجة كويسة، ولا أنتِ عايزة الشركة كلها الصبح تعرف أنا كنت جايلك وعايز
اكلمك في ايه؟! أنا شخصيًا معنديش أي مانع!
اتجه ليجلس بمنتهى الأريحية على مقعد بعيد لتتابعه
بعسليتين متأهبتين بشدة ثم نهته بانزعاج:
- أنا مش فاضية ومش هاسمحلك تقعد، قول عايز تتكلم في إيه!
ابتلعت وهي تتابعه ليرمقها بنظرة تحدي تعرفها جيدًا وهو
يومأ بالموافقة على كلماتها ليبدأ بالتفوه بما لم تظن أنه سيقع على مسامع هؤلاء
الرجال:
- فاكرة يا قطتي لما كنا مع بعض الصبح في السرير بعد ما
كنا نـ
- ايه اللي أنت بتقوله ده!
نهضت بفزع وهي تنظر له بذهول وارتبكت مما استمعت له
لتقاطعه لكي يتوقف عن اكماله لحديثه ليعقب مباشرة مبتسمًا بأعين تأبى مغادرة
مقلتيها:
- ما قولتلك أنا معنديش مانع أتكلم قدامهم، انتِ اللي
عايزة كده!
تملكها الغضب مما يفعله، سيظل رجل خبيث مهما تغيرت
اقدارهما، وعلى ما يبدو لابد له من صفعة قوية ليستيقظ من هذه الحالة:
- بقولك ايه، يا تتكلم باحترام يا إما هخليهم يطرودوك برا
وهطلع أنا وأنت على القسم واعملك محضر!
تفقدها في حالة من الاستمتاع الشديد برؤيتها غاضبة
ليبتسم لها ثم قال:
- خمسمية جنيه وبمجرد ما تمشي المحضر هيتقطع.. تحبي اطمنك
اكتر؟!
استرخى بأريحية في مقعده وأخرج غليونه المعبأ بالفعل من
جيب سترته لتتعجب فهو لم يفعلها قط سوى بالمنزل فقط وتابع أسفل مقلتيها المذهولتين:
- خمسمية جنيه كمان عليهم والمحضر ده بكل اللي فيه هيبقا
ضدك مش ضدي.. ونزود الفين أو تلاتة هيبقا فيه شهود وأي أدلة هتبقا معاكي هتضيع،
ولا كأنها ليها لازمة.. عايزة تروحي القسم يا قطتي؟! يالا بينا!
حدقته وعقلها يحاول التفكير بسرعة فيما عساها أن تفعله
معه ليرى هو نظرة الشتات تلك التي لا يعشق أكثر منها ورأى خجلها الشديد أمام هؤلاء
الرجال ولم يعي حقًا ما فعله فنوبة هوسه تزداد بشدة وتحتاج لتدخل مشفى على وجه
السرعة!
- خليهم يستنو قدام الباب، هاتكلم معاكي شوية في تفاصيل
مظنش حد ينفع يسمعها، ولا تحبي أكمل كلامي؟!
أخبرها بأريحية، بل هو يوضح لها ما يجب عليها فعله، لا
تُصدق ما يحدث بالفعل، ولكن ما تراه منه تعلم ما نهايته، عقاقير بشكل متلازم لمدة
لا تقل عن أسبوعين حتى يستيقظ مما يُعانيه! وهذه المرة ستفعلها بطريقة ستؤلمه
حقًا! ولقد خدعته لأكثر من مرة بالفعل وتعلم ما يمكنها فعله معه.. لا تأمل سوى بأن
تستطيع التحكم في ارتباكها عندما يصبحان بمفرديهما!
حدقت به لبرهة ثم اتجهت لأنظارها نحو الرجال ثم اخبرتهم:
- اتنين يوقفو ورا الباب ده واتنين ورا الباب ده وربع ساعة
بالظبط وتدخلو تاني!
فعلوا على الفور بينما جلست وهي تحاول عدم التوغل في تلك
الحالة التي تنتابها كلما رأته ثم سألته:
- عايز ايه؟!
تنهد ثم استنشق عدة أنفاس من ادخنة غليونه وزفرها ثم
أجابها:
- أنا زهقت من القضية اللي شغال عليها.. فكريني كده كنتي
اقترحتي عليا شغل تاني بس مش فاكر بالظبط كان إيه!
رفعت حاجبيها بدهشة لتعقب بعصبية:
- وده اللي أنت معرفتش تقوله قدامهم! جاي تضيع وقتي بإنك
عايز تسيب شغلك، ما تسيبه ولا متسيبهوش، وأنا مالي!
عقد حاجباه ورأت ملامحه تختلف من الهدوء للغضب في لمح
البصر ليصيح بها:
- بلاش تمثيل يا روان، انتِ عارفة إني مبعرفش أتكلم مع حد
غيرك!
نهض من مقعده بعد أن ترك غليونه جانبًا لتتأهب هي عندما
رأته يأخذ خطوة نحوها فمنعته قائلة:
- أنا لو صوت ولا ندهت هيدخلو في ثواني، خليك مكانك
ومتتحركش!
التوت شفتاه بسخرية على النقيض من الغضب والهدوء
السابقان ثم تكلم مطنبًا:
- جرا ايه يا قطتي، من امتى وأنتِ بتخافي اوي كده مني،
وبعدين لو كنت عايز اعملك حاجة كنت عملتها من ساعة ما اتطلقنا، أنا كنت جنبك كل
يوم وانتِ في المصحة وكان سهل جدًا إني اروحلك واقرب منك واضايقك أو حتى ارجعك
ليا، انتي مش ناوية بقا تفهمي إني عمري ما هاعمل أي حاجة تزعلك تاني.. انتي
وحشتيني، وأنا زهقان اوي من غيرك، تعالي نسافر زي زمان، نروح أي مكان جديد، أو حتى
نروح البيت مع بعض سوا، لو عايزاني حتى ارجع البيت ونبات مع مامتك وبسام أنا
معنديش مانع وبعدها نبقا نسافر!
لوهلة سيطر على وجهها الاستغراب، هل هو ثمل حقًا مثل ما
أخبرها مدير الأمن؟! وثمل لمدة ساعتين؟ أم أنه يمر بنوبة شديدة هذه المرة؟!
انتبهت جيدًا لخطواته خوفًا من اقترابه منها وعقلها لا
يتوقف عما كان يفعله بالسابق عند اختباره لنوبة هوسه وسألته بارتباك:
- عمر أنت شربت كتير النهاردة؟!
ابتسم إليها وهو يهز رأسه بالإيجاب ثم رد قائلًا:
- آه، بس أنا فايق، مسكرتش!
همهمت بتفهم وهي تبتلع ولا تدري ما الذي عليها فعله الآن
فهي لا تضمن ما ستنتج عنه هذه المناقشة بينهما لتجده يقول:
- أنا عارف اننا مش هنرجع لبعض، بس أنتِ وحشتيني اوي.. وحشني
الكلام معاكي ووجودك جنبي.. خليكي معايا النهاردة بس.. مش هاعمل أي حاجة زي زمان..
من جديد تغيرت ملامحه، لم تعد تستطيع مواكبتها، ربما
عليها التخلص من النوبة بأكملها قبل أن تستيقظ على حقيقة قتله لأمها وأخيها
واختطافها ثم بالطبع بعد أن يستيقظ سيقول أنه لم يكن يدرك ما يفعله!
حمحمت وهي تتابعه ثم حدثته قائلة:
- أنا ورايا شُغل كتير اوي النهاردة.. لو عايز تقعد
وتستناني استنى براحتك، وسيبني أفكر شوية في الموضوع!
عقد حاجباه وهو لا يتبين ما إن كانت مُحقة فيما أخبرته
إياه أم لا، هل تم الأمر بهذه السهولة؟ ما الذي تغير هذه المرة؟!
- غريبة، وافقتي ليه بسهولة اوي كده؟
سألها بينما تصنعت هي الانشغال بما أمامها ولكنها في
الحقيقة كانت تتحدث إلى "عدي" عن طريق الرسائل المكتوبة من حاسوبها وفي
نفس الوقت حاولت أن تبحث عن سبب مناسب لتُلهي عقله به حتى تتخلص منه ومن تقلباته
التي لا تتوقف!
حسنًا، في هذه الأحيان يملك شعورًا بتجليل نفسه وثقته
اللانهائية في أنه يستطيع تحريك الجبال فقط بإصبع واحد، لقد تيقنت من الأمر منذ
أيام حينما هددتها تلك المرأة وآتى ليراها، فكلماته المتوالية ليست منطقية وليس
لها معنى على الاطلاق، هو حتمًا يمر بنوبة ليست بهينة!
- ما أنت يا عمر لو معملتش اللي أنت عايزه هتجبرني عليه،
حتى لو مسجونة هتعرف تخرجني من سجني عشان ابقا معاك في الآخر.. مالوش لازمة اعمل
مشاكل قدام الناس..
اقترب منها خطوتان لتتأهب ناهضة وأخفت سريعًا تلك
الرسائل بينها وبين أخيه وتتمنى أن يراها في وقت قريب بينما وجدته يُخبرها:
- مش كده، أنا مش عايز كده، أنا عايزك تكوني راضية يا
روان، مش هاغصبك على حاجة!
منعته بسبابتها وهي تبتلع وبدأ التوتر في التحكم بها
لتقول:
- متقربش يا عمر، لو كنت عايزني اجي معاك وأنا راضية فعلًا
بلاش تقرب مني.. أنا لسه منستش أي حاجة من اللي حصلت!
تجاهل كلماتها تمامًا بينما اقترب نحوها أكثر وهو
يناشدها بكلماته المتواترة دون أدنى تركيز منه:
- غصب عني، أنا مكنتش واعي أنا بعمل ايه، أول ما شوفتك
ليلتها اتجننت وأنتِ قدامي، مكونتش عارف اموتك ولا اعالجك ولا اعمل ايه، أنا غبي،
أنا آسف إني مصدقتكيش.. بس أنا مش هاعمل كده تاني معاكي.. محدش بيحب حد ويقدر
يموته بجد.. أنا حتى حاولت اموت نفسي يومها.. انسي الموضوع بقا خلاص أنا بحاول
انسى كل يوم ومش عارف بس انتي دايما بتعرفي تسامحي غيري أنا!
ابتلعت عندما شعرت باهتزاز هاتفها وحاولت عدم النظر نحوه
لكي لا تلفت نظره له وكل ما تتمناه أن تكون هذه الاشعارات المتتالية من
"عدي" وليس من أحد سواه فهو الوحيد الذي يُمكنه من ايداعه بالمشفى نظرًا
لأنه واحد من اقاربه ذوي الدرجة الأولى وعلى الأقل ستثأر بمنعه عن عمله لقليل من
الوقت ستكسب به المزيد من التفاصيل التي ستضمن لها أن تتم ما تريده دون خوف من أن
يظهر مجددًا بحياتها ليفسدها بالكامل ولكن اقترابه لا يتوقف عن اصابتها بالتوتر
الشديد الذي لا تملك سيطرتها عليه بعد!
حاولت التحلي بالقليل من الشجاعة ووتيرة ضربات قلبها
تتصاعد بداخلها دون هوادة ثم أخبرته:
- ماشي حاضر.. ممكن تسبني اخلص اللي ورايا وهنمشي سوا
بعدها
اقترب منها بخطوات سريعة لتنهاه وهي توشك على الصراخ:
- عمر الناس اللي برا هـ
قام بالإطباق على فـ ـمها بيـ ـده وهو يمنعها عن التحدث
أو الصراخ لينظر لها متوسلًا وأخذ يناشدها بإلحاح:
- أرجوكِ بلاش، أنا كل اللي عايزه اقعد معاكي شوية زي
زمان، وحشتيني أوي.. أنا عندي استعداد مقولكيش كلمة واحدة بس تفضلي جنبي.. حاسس
إني زهقان من كل حاجة، قرفان من كل الستات والشرب مبقاش نافع وحتى فكرت أعمل شغل
جديد معرفتش، وبابا كل شوية يكلمني ويسألني على القضية وأنا زهقت، أنا عايزك تكوني
معايا اليومين دول.. مش هاعملك حاجة، وانتِ بلاش تصوتي ولا تعملي مشاكل قدام
الناس.. رد فعلي مش هيبقا حلو، وانتِ قولتي نفسك إني لو عايز اعمل حاجة هاعملها..
بلاش تعصبيني، أنا مش ضامن ممكن أعمل إيه تاني عشان بس ترجعي تبقي جنبي.. اسمعي
كلامي واقبليلي طلب ولو مرة واحدة من غير كلام كتير وحجج، أحلي شغلك مش مهم، انا
محتاجك اكتر ما شغلك محتاجك
حاولت ألا يندفع جـ ـسدها للتشنج بالرغم من شعورها بألم
عضلاتها وأنفاسها المتعالية تفلتت منها رغمًا عنها وتحاملت على خوفها لتهز رأسها
بالموافقة أمام مقلتيه الثاقبتين المحاولتين لتبين صدقها من عدمه ولكنها تعرف
جيدًا أنه لا يستطيع التركيز في أي مما يحدث له أو لها!
امتدت يده الأخرى لتتحـ ـسس خصلاتها لترتجف رغمًا عنها
بخوف بينما سألها:
-
يعني لو شلت ايدي مش هتصوتي؟
كادت أن تبكي من شدة خشيتها منه وأومأت بكلا فخدق
عسليتيها وشعر كأنه لم يرها منذ سنوات وليس سنة واحدة فأخفض يده لتبتلع وهمست
بتلعثم سائلة:
-
ممكن تكلم السواق بتاعك عشان يجي يودينا البيت عندك؟
وعلى ما يجي هقفل بس الشغل وهنروح سوا..
لا تتمنى أكثر من أن يكون "عدي" في طريقه لهما
الآن كما أخبرته بما تريد فعله بينما هز رأسه لها بالموافقة وأخرج هاتفه مغمغمًا:
-
ياريتني ما خليته يمشي، ادينا هنقعد نستناه!
هو في غير وعيه ولا يقترب للواقع بأي صلة، وإلا لكان
اكتشف ما تمر به من حالة توتر شديدة، هي حقًا لا تصدق أنه استجاب وحدث سائقه
بالفعل:
-
تعالى يا محمود على شركة روان واستناني في الجراج!
ابتلعت في خشية، إن لم يودعه أحد بمشفى لا تستبعد جريمة
ما قد يفعلها ويتخيل أن هذا حقه، لقد أوشك بالسابق على حرق منزله بنفسه، هي لا
تأمن ما قد يسوله إليه عقله في حالته تلك، وبمجرد أن تقوم بالاعتراض لا تدري هل
سيقوم بإيذائها هي نفسها، أم والدتها وأخيها، أم هؤلاء الرجال الذين قد يتربص بهم
بالفعل عن طريق أي سبيل غير قانوني!
حاولت الوصول لمكتبها لكي ترى ما إن كان "عدي"
هو الذي أرسل لها تلك الرسائل وتابعته بعينيها ليندلع بهما الرعب بمجرد اقترابه
منها لتقول لتحاول منعه:
-
استنى بس هـ..
اتسعت عينيها في ذعر وقلبها أوشك على التوقف من شدة ضرباته
المتوالية برعبٍ شديد عندما وجدته يقبـ ـلها بنهمٍ تام وهو يغمض عينيه وكأنهما
تزوجا ليلة أمس وكل ما حدث قد اسقطه عقله سهوًا وبمجرد ابتعاده ليحصل على بعض
الأنفاس حاولت هي الأخرى التقاط أنفاسها لتجده يهمس إليها:
-
وحشتيني.. كل حاجة فيكي وحشتني.. انتِ مش هاتبعدي عني
تاني وتسيبيني كل الوقت ده من غير ما تبقي معايا، هو أنا مبوحشكيش خالص؟!
هزت رأسها بالموافقة، لعله يمتنع ويقتنع بالأمر، يا تُرى
إلى أي درجة وصل حتى يظن أنه يحق له ما يفعله؟!
-
بتوحشني، ممكن بس تستنى خمس دقايق عشان فيه ناس مستنية
مني رد على حاجة مهمة وهنمشي على طول؟
بالكاد حاولت التحدث بتلقائية وهي على شفا حفرة من
رغبتها بالتقيؤ استجابة لهذا الغثيان الذي شعرت به لتجده في النهاية يبتعد للخلف
بخطوتين ولكن عينيه تتابعها فاتجهت سريعًا لمقعدها وهي تحاول تجاهل ابتسامته
الغريبة بينما اتجهت سريعًا لنافذة المحادثة بينها وبين "عُدي" لتزفر في
راحة مما رأته أمامها، سيأتي بسيارته التي تتبع سيارة السائق الخاص به وسيتجهان للمشفى!
استمعت لطرقات على الباب بينما اتجه بنفسه ليقوم بفتح
الباب ثم قال:
-
مش هموتها يعني.. محدش يخبط تاني!
اغلق الباب بوجهه بينما حاولت هي تصنع العمل إلى أن قرأت
رسالة أخرى:
-
قدامنا بالظبط عشر دقايق ونوصل!
امسكت بهاتفها ثم شرعت في تصنع ارسال رسائل صوتية إلى
"علا" لكي يُصدق حقًا أنها تعمل:
-
متنسيش بكرة الصبح تبعتيلي schedule الأسبوع
الجاي، وبلغي الـ technical team إنهم الأيام الجاية لازم يكونو موجودين في شركة
*** عشان يعملو test للمشاكل اللي كانت عندهم.. ومديرهم يختار
خمسة هيسافرو فرنسا عشان المشاريع الجديدة..
انتظرت لبرهة وتصنعت الكتابة ثم أمسكت بهاتفها مرة أخرى
وهي تتمنى لو مرت الدقائق التي شابهت السنوات:
-
وخلصيلهم بقا الفيزا وتذاكر السفر والحاجات دي.. ونبهي
عليهم formal dress code!!
لمحته بطرف عينيها لتتلاقى بعينيه فلم تستطع التهرب منه فأخبرته
وهي تتمنى لو تهدأ ضربات قلبها قليلًا:
-
معلش أنا خلاص دقيقتين وهاخلص، السواق جه؟!
أومأ لها بالرفض ولكنه لم يتوقف عن الارتواء من ملامحها
التي لم تفارق مخيلته ولو للحظة واحدة بالشهور المنصرمة ليجدها تنهض فجأة واتجهت
للحمام لتغلق الباب خلفها وتصنعت التقيؤ!
-
روان، افتحي الباب، انتي كويسة؟!
صاح بعد طرقات لم تستجب لها لتجيبه بنبرة مرتفعة قليلًا
تحاول تصنع ارهاقها بها فهذه الخطة الوحيدة التي تخيلت أنها قد تُفلح معه:
-
أنا تعبانة بس بقالي يومين.. هبقا كويسة متقلقش!
ارتاب بالأمر قليلًا فحدثها من خلف الباب مجددًا:
-
افتحي طيب وطمنيني عليكي..
لم يُمكنها سوى تصنع التوعك مرة أخرى بينما حدقت بساعة
يدها، لقد انتهت العشر دقائق بالفعل، عليها أن تُكسب نفسها بعض الدقائق الأخرى:
-
عمر أنا شكلي تعبت اوي، ممكن تشوف السواق لو وصل عشان
انزل واروح المستشفى!
أخرج هاتفه مستجيبًا لطلبها على الفور ليجد أن السائق
بالفعل قد وصل بينما استمع لصوت المياه بالحمام فناداها مُعلنًا:
-
السواق وصل، تعالي نروح أقرب مستشفى..
بللت وجهها ببعض المياه وكذلك يديها وقامت بالخروج بعدها
ليطالعها بعينيه المستفسرتين ثم سألها:
-
تعبانة بقالك يومين مالك؟
هزت كتفيها ثم اجابته وكأن الرعب لا يسري بدمائها:
-
مفيش، بقالي كام يوم بشتكي من القولون ودايمًا بحس
بغثيان بس يمكن المرادي محتاجة يعلقولي محاليل..
شعر بالقلق من كلماتها فأخبرها بانزعاج:
-
لا أكيد مش هتحتاجي محاليل، هاتي حاجتك علشان نمشي..
❈-❈-❈
ارتجفت رغمًا عنها وهو يحاول وضع يـ ـده بمنتصف ظهـ
ــرها لتفزع من فعلته لتهاه بغضب وهي تشعر كأنها تقارب الموت من شدة الخوف:
-
مش معنى إني وافقت اننا نقعد مع بعض إنك تعمل اللي
بتعمله ده، احنا لسنا مطلقين على فكرة ومفيش أي حاجة تربطنا ببعض..
اقترب منها لتتوسع عينيها بخوف وحاولت الابتعاد عنه بينما
حدثها بابتسامة لينة:
-
وهو احنا محتاجين لجواز أو شوية إجراءات عشان تثبتلك إني
بحبك زي ما كنا متجوزين وأكتر كمان!
ابتلعت وهي تتفقده لوهلة ثم أخبرته:
-
معلش، سيبني شوية أكون براحتي وبلاش تلمـ ــسني، أنا
هكون مرتاحة كده أكتر..
اقترب نحوها لتتحول ملامحها ثم هتفت به متوسلة:
-
أرجوك يا عمر متخلنيش أندم إني وافقت اجي معاك!
أنقذها باب المصعد الذي تحرك عندما توقف في المرأب
لتندفع للخارج فورًا وتبعها هو فرأت سائقه ينظر لها بحرص فبادلته بنظرة متوسلة ألا
يُفسد الأمر، لقد ساعدها هذا الرجل مرة بالسابق وكل ما تتمناه هو أن يساعدها من
جديد!
توقفت قبل أن تدخل السيارة وهي تضرع أن يوافق على طلبها
الأخير منه ليُناديها أحد رجال الأمن متسائلًا:
-
مدام روان، حضرتك تحبي نروح على البيت ولا نستنى هنا؟
نظرت له بتساؤل وهي تشعر بالتوتر الشديد ثم تلعثمت
قليلًا وهي تُكلمه:
-
ممكن يجوا معانا؟ عشان مامي وبسام هيقلقو عليا، أنا مش هعرف
حد حاجة، أنا كده كده قايلالهم إني مطولة النهاردة في الشغل!
تفحصهم بعينيه وهو مسبقًا لديه كامل الاستعداد أن يفعل
لها كل ما تريده فقط لتبقى معه بأي طريقة:
-
ماشي، خليهم يجو ورانا..
لوهلة أرادت البكاء خوفًا وفي نفس الوقت من شدة عدم
تصديقها، ليته كان بمثل هذا التفاهم في يومٍ من الأيام!
-
طيب ممكن طلب أخير؟!
سألته بينما أجابها بنظرة متريثة في قبول لما لم تنطق به
بعد لترطب شفتيها وناشدته بكل ما امتلكت من مقدرة على التصنع:
-
أرجوك اقعد جنب السواق.. هاكون مرتاحة اكتر!
حدقها بانزعاج ولم يُعطها إجابة سوى بتوجهه للمقعد
الأمامي بجانب السائق ودخل السيارة لتتبعه على الفور لتدخل بالمقعد الخلفي واتجه
كلاهما متبوعان بسيارة الأمن وسائقها الخاص بها في سيارتان خلفهما..
أخرجت هاتفها ولكي لا يرتاب بها قامت بإرسال رسالة جديدة
إلى أخيها:
-
معلش يا بسام شكلي هطول اكتر ما قولتلكم، محدش يستناني
عشان مسهركوش.. تصبح على خير!
نظرت سريعًا إلى رسائل "عُدي" التي يستفسر خلالها
عن حالها وبعدها رسالة أخرى تفيد أن المشفى قريب وهو خلفهم مباشرة..
لم تمر سوى حوالي خمس دقائق لم يتوقف عن متابعتها خلال
المرآة الجانبية للسيارة وكأن جفنيه توقفا عن العمل ليتوقف السائق بعد أن أصابها
الرعب مرات متتالية ظنًا منها أن ما خططت له لن يسير على ما يُرام ثم أعلن صوت
"محمود" قائلًا:
-
دي أقرب مستشفى من الشركة..
سرعان ما عقبت قائلة:
-
آه، أنا عارفاها دي مستشفى كويسة..
تصنعت وضع هاتفها بحقيبتها وجذب حافظة نقودها ثم تابعت:
-
خليك يا عمر، أنا احتمال أطول!
تمنت لو يعارضها في الأمر فهي تعرف أنه لا يتحمل تواجده
بأي مشفى ولكنها تتصنع أنها حقًا ذاهبة من أجل نفسها، وهذا تمامًا ما فعله فهو
بداخله لن يتركها ولو للحظة بعد أن وافقت أخيرًا على البقاء معه، وحتى ولو كان سيبقى
معها بأكثر الأماكن التي يكرهها هو لا يمانع أبدًا..
مشت وهو بجانبها يتابعها للداخل فتوقفت عند مكتب
الاستقبال ثم تكلمت قائلة:
-
عايزة اروح الطوارئ لو سمحتي..
اجابتها الفتاة وهي تشير إليها:
-
اتفضلي من هنا، على طول اخر الطرقة هتلاقي الأسهم
موجودة..
أومأت لها بامتنان لحظي وهي تتمنى أن تتركه بأقرب غرفة
ممكنة لتجده يسألها باهتمام:
-
عاملة ايه دلوقتي؟
لم تنظر له وهي تحاول أن تمشي بسرعة وفي نفس الوقت
تتظاهر بالإعياء:
-
لسه زي ما أنا..
انتهت من عدة أسئلة سألها إياها واحد من الممرضين وهو
يقوم بتدوين بياناتها في نموذج ما ثم قام بإجراءات روتينية كسؤالها عما تشعر به وقياس
الضغط ودرجة حرارتها أسفل عينيه لتجد الغضب يتضح على ملامحه ليستجوب هذا الممرض بتأفف:
-
هتبقى كويسة ولا فيه ايه؟
أجابه وهو يحيط يدها بسوار ذو لون أزرق طُبع عليه اسمها:
-
الدكتور هيتابع معاكم حالًا.. يمكن نحتاج نعمل صونار على
البطن عشان نطمن هيأكدلكم أول ما يشوف الحالة بس إن شاء الله بسيطة، شكله قولون
عصبي مش اكتر!
زفرت بقليل من الراحة عندما نطق بتشخيص قريب لما قالته بينما
قام الممرض بفتح احدى الأدراج وهو يُمسك برداء قد تحتاجه وناوله إياها لتتوقف عيني
"عمر" على لون هذا الرداء وسرعان ما انتابه الغضب سريعًا منه!
-
اتفضلو في الاوضة التانية على اليمين..
اتجهت سريعًا دون أن تنتظره ودون لمحه فهي لا تريد أي
نوع من أنواع الارتياب لها وبمجرد رؤيتها حمام مُلحق بالغرفة أخبرته سريعًا:
-
حاسة إني عايزة ادخل الحمام تاني، معلش استناني هنا ولو
الدكتور جه عرفني!
اتجهت على الفور لتحاول الهدوء قليلًا فلم يتبق سوى
القليل بعد ولابد من أن الطبيب سيساعدها أو ستغادر وستتركه هنا ليتصرفوا معه وعلى
"عدي" أن يتحمل كامل المسئولية، فهي للتو انتهت من فضائح قارب على
ارتكابها، وربما خطة جنونية بالذهاب لأهلها، أو اختطافها كما حدث منذ أيام، لم تعد
تثق به ولو لجزء من الثانية بحالته تلك!
أخذت تنتظر الطرق على الباب إلى أن فعل وتكلم متسائلًا:
-
الدكتور جه برا، خلصتي؟!
-
ايوة أنا خارجة خلاص!
اجابته فورًا وقامت بالضغط لتسيب المياه ويتضح صوتها
وقامت بغسل يديها ثم اتجهت للخارج لتجد الطبيب منتظرًا ليحدثها وهو يُمسك بنفس
النموذج الذي كان يُمسك به الممرض منذ قليل:
-
مدام روان، ازي حضرتك، ألف سلامة عليكي، خير؟
رطبت شفتيها وهي ترمقه بتوسل شديد وكأن خطر يداهمها ثم اجابته
بابتسامة مُرتبكة:
-
شُكرًا.. أنا بحس بغثيان بقالي كذا يوم ووجع في بطني
شديد وبقا الموضوع بيتحول لقيء، مش عارفة أول مرة أوصل لكده!
لمحته بطرف عينيها ثم أعادت نظرها للطبيب في توسل ليسألها
الطبيب:
-
بتاخدي أدوية مُعينة الفترة الأخيرة أو بتاكلي من برا
كتير؟
أومأت له بالرفض ثم اجابته بالتفصيل:
-
باخد مهدئات ومنومات بقالي فترة كبيرة ومفيش حاجة فيها
اتغيرت، كلها أدوية نفسية، والأكل كله في البيت.. خصوصًا الفطار والعشا والغدا أنا
مش بتقل فيه، ممكن كرواسون أو سلطة من أماكن متعودة عليها دايمًا..
أشار لها على السرير الملحق بالغرفة ليقول:
-
طيب اتفضلي عشان اكشف على حضرتك..
ابتلعت في رعب بينما شعرت وكأن هذا الطبيب متخلف لا يفهم
تلك الرسالة المخفية التي تحاول أن توصلها له لتجده من تلقاء نفسه يلتفت نحو
"عمر" وهو يسأله:
-
حضرتك أخو المدام ولا جوزها؟
-
طليقي!
أجابت هذا السؤال الذي انتظرته لكثير من الوقت بفارغ
الصبر قبل أن يجيب هو ليخلصها الطبيب من معاناتها وهو يقول:
-
بعد اذنك تستنى برا خمس دقايق!
رمقها من على مسافة لتتحاشاه تمامًا بمجرد تلاقي أعينهما
ولقد فهم أنها لا تريده معها خصوصًا بعد اجابتها الواضحة ليذهب على مضض للخارج
واغلق الباب خلفه!
لم تنتظر لتضيع ثانية واحدة ثم همست له بنبرة مستغيثة:
-
دكتور أرجوك اسمعني، طليقي جالي وهو عنده نوبة هوس
وسكران ومش في وعيه، أخوه مستني برا وممكن حضرتك تتأكد منه وهو مشخص باضطراب ثنائي
القطب وحجزله وخلص كل الإجراءات، لازم يتحجز يا إمّا مش واثقة ممكن يعمل ايه، اخر
مرة كان عايز ينط من البلكونة ويحرق البيت، أرجوك حاول تساعدنا بسرعة بس من غير ما
ياخد باله لأنه لو عرف مش هيسكت ومش هيوافق إننا نحجزه!
❈-❈-❈
مساءًا، بعد مرور أيام..
الثالث والعشرون من شهر أكتوبر..
أخيرًا توصل لخبر عنه وكاد أن يشعر بالجنون لما أدركه عن
تواجد ابنه بمشفى لأيام دون علمه، كان يطمئن بالأيام الماضية فقط لأن
"هاشم" أخبره أن "عمر" استطاع التوصل لكل ما يُثبت مصدر
الأموال لذلك ظن أنه يعمل، وأكد له "باسم" مساعده الشخصي بنفسه أنه قام
بإرسال عدة رسائل صوتية له للعمل على هذه القضية تحديدًا، وموعد الجلسة صباحًا،
بينما ليس هناك خبر وحيد عنه يُفيد بأنه يستعد لما ينتظره يوم غد!
ما السبب النفسي البشع الذي سيجعله يبقى بالمشفى؟ وما
الحاجة لأن يغادر المشفى منذ ثلاثة أيام ليذهب إلى مصحة خاصة؟! ما الذي يحدث له؟!
جذب هاتفه بغضب لاذع ثم اتصل بسائقه ودمائه تغلي بداخله
ثم كلمه بطريقة فظة بمجرد إجابته:
-
أنا سألتك من كام يوم عملت نفسك متعرفش حاجة، هات من
الآخر وفهمني عمر ايه اللي حصله يوم ما راح المستشفى وازاي راحها؟
أحس الرجل بالخوف على الطرف الآخر من الهاتف وتلعثم
قليلًا وهو يجيبه:
-
أنا آسف يا يزيد بيه بس حضرتك عارف إني مع أستاذ عمر من
سنين ومـ..
-
بطل كلام فارغ ورد على سؤالي بدل ما تيجي تاخد باقي
حسابك وتمشي وابقا وريني هتلاقي شغل تاني ازاي!
قاطعه بنبرة تهديد صارمة ليتريث الرجل لبرهة ثم اضطر
آسفًا أن يُجيبه:
-
أنا معرفش ايه اللي حصله، هو كان عند مدام روان في
شركتها وروحت اخده من هناك، بس أستاذ عدي كلمني قبل ما هو نفسه يكلمني.. وفهمني
إنه تعبان ومحتاج يروح مستشفى، وكان جاله نفس التعب ده زمان!
عقد حاجباه والغضب يشتد على ملامحه بينما وجد مكالمة
أخرى فتجاهلها تمامًا وسأله:
-
والمصحة اللي راحها دي عنوانها فين؟
رد مجيبًا دون تريث:
-
والله ما اعرف، أنا حتى لسه عارف من حضرتك إنه راح مصحة
تانية!
أغلق دون أن يسترسل معه بالمزيد من الكلمات وتفقد الوقت
ليجدها عبرت الثامنة مساءًا ليطبق أسنانه بانزعاج ثم قام بالاتصال بمساعده الشخصي
"باسم" حتى يُنقذ الأمر قبل أن يفسد بتغيبه صباح غد:
-
ايوة يا باسم، القضية بتاعت جلسة بكرة، هاتلي كل ملفاتها
وكريمك هيكل واحمد المنشاوي وقابلوني في مكتبي بسرعة!
ألقى بهاتفه بمزيد من الغضب أمامه على مكتبه وهو يفرك
وجهه الذي اندلعت به الحمرة ليستمع لإشعار وصل لهاتفه فتفقده ليجد هذا الفتى
الصغير الذي يمثل له عين من أعين كثيرة يملكها بمكاتب محامين آخرين قد أرسل له
رسالة فقرأها بعجل:
-
يزيد بيه، فيه كلام مهم بيحصل بقاله أسبوع ولازم تعرفه،
كلمت حضرتك ومش بترد عليا..
تردد قبل أن يُسلط تركيزه على المزيد من المصائب التي
باتت تتوالى على رأسه فهاتفه على عجالة وهو ينهض ليرتدي سترته الرسمية وتكلم
متسائلًا:
-
خير يا هيثم فيه ايه؟
أجاب سؤاله بما جعله يعود لمقعده بصدمة خوفًا من أن يسقط
أرضًا:
-
هو مش خير بصراحة، سامع كده كلام عن قضية هيمسكها المكتب
عندنا لواحدة اسمها روان صادق، بتتهم فيه أستاذ عمر بحاجات كتير، والأدلة اللي
معاها فيها بلاوي عن قضايا سابقة ولا مؤاخذة يعني حاجات متصورة ليه مع ستات وبتقول
انه بيهددها بعد طلاقهم ووضعه هيبقا صعب لو القضية دي اترفعت، بالذات انهم مستنين
قضية شركات DRE ولو اتاخد فيها حكم بكرة هيروحو فورًا
ويعملو بلاغ رسمي!
ابتلع وهو يحاول استيعاب ما استمع له للتو لتتجمد الدماء
بعروقه واستبدلها الغضب الذي قارب على اصابته بجلطة وهو لا يفكر سوى بتلك الفتاة
التي قلبت حياة ابنه وقاربت على قلب حياته هو نفسه رأسًا على عقب ليستدعيه هذا
الفتى مناديًا:
-
يزيد باشا، أنت معايا؟!
اكفهرت ملامحه وهو يجيبه متسائلًا:
-
معاك، والأدلة دي فين دلوقتي؟
اتاه اجابته بسخافة وثقة شديدة لم يكن مستعد لسماعها على
الاطلاق من فتى أصغر من أبناءه:
-
عيب يا يزيد باشا ده احنا تلاميذك، كل كبيرة وصغيرة معايا،
حضرتك بس عرفني امتى وفين وأنا خدامك!
زفر براحة دون أن يترك له المجال بالارتياب بشأن خوفه ثم
أخبره مسرعًا:
-
هات كل حاجة وتعلالي على مكتبي، ومتخافش، لو مشاك مكانك
عندي موجود!
أنهى مكالمته الأخيرة وتناول شربة ماء وبمجرد شعوره
بهدوئه نهض لينقذ ما يُمكن إنقاذه فقط حتى يوم غد، فهو لا يريد أكثر من تأجيل بهذه
القضية، والحصول على تلك الأدلة، أمّا عن تلك الفتاة، فسيعرف كيف سيحول حياتها
لجحيم، إن لم يستطع ابنه التصرف معها سيفعل هو، ولكن بمنتهى القسوة، فهو لا يعرف
ما معنى العشق الواه ذاك الذي يُفسد حياة عائلة بأكملها بين يوم وليلة!
❈-❈-❈
فجرًا اليوم التالي..
استمع للباب يُفتح ولم يتضح ضوء الصباح بعد عبر نافذة
الغرفة التي يمكث بها وظن أنه يتهيأ الأمر ولكن وجود سكين حاد موجه لعنقه جعله
يتيقن أنه هناك من يشاركه غرفته وفجأة تسلط ضوء قوي لعينيه حتى شعر بالعمى وعدم
مقدرته على الرؤية ليستمع لصوت نسائي تذكره جيدًا:
-
أيها اللص الجذاب، ألم تسأم المكوث بهذه المصحة، لديك
قضية هامة في غضون ساعات.. يكفي كل هذه الأيام بين مشفى ومصحة!
غمغم متأزمًا مما يمر به وهو يعيد رأسه للخلف بنعاس
مغمضًا عينيه مرة أخرى:
-
كلوديا!!
لم ير ابتسامتها المرحة وهي تحثه على النهوض من جديد:
-
ومن عساه يجدك أيها اللص، هل تنتظر من فتاتك الجميلة
المثالية أن تأتِ وتنقذك من براثن هذا العذاب، بربك انهض قبل أن يستيقظ العاملون،
ليس أمامنا سوى دقائق معدودة، أم تود تحويل الأمر لمعركة دامية لن ينجو منها أحد؟!
زفر وهو يحاول الجلوس على فراشه ثم أخبرها باقتضاب:
-
حسنًا.. هيا بنا!
يُتبع..