-->

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني - بقلم الكاتبة هدير دودو - الفصل الثاني

رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني 
بقلم الكاتبة هدير دودو



رواية أنين وابتهاج الجزء الثاني 

الفصل الثاني

_حزن، قهر، ووجع تشعر بهم 

من بين كل ذلك ظهرت قوة بنيران متأهبة تجمع كل مشاعرها_

❈-❈-❈



كانت الاء تقف في مكانها لم تتحرك حتى الآن، لازالت تقف تتطلع نحو صورة عمر المنعكسة من الباب الزجاجي الخاص بالعناية المركزة الذي يتواجد بداخلها. 


تتابعه بأعين حزينة قد أرهقها الدموع والحزن، ملامح وجهها باهتة شاحبة كشحوب الموتى، روحها ترهقها بشدة، تكاد تنتهى حياتها تمامًا؛ بسبب رؤيتها له وهو بتلك الهيئة الهزيلة الذي هو بها الآن. 


فاقت من شرودها على صوت تامر الذي تحدث قائلا لوالدته بهدوء وهو يحاول أن يتماسك أمامهم 


:- ماما خدي نغم وفريدة وآلاء و روحوا خلاص، الدكتور قال أن قعدتكم ملهاش لازمة وهو لسة مفاقش. 


لمح في عينيها الرفض والقلق على ابنها، فاسترد حديثه يتابعه، وهو يحرك رأسه إلى الأمام، كأنه يحاول أن يطمئنها بأن تثق به، هو سيظل بجانب شقيقه دائما 


:- يا ماما يا حبيبتي متقلقيش قولتلك، انتي لازم ترتاحي وكلكم ترتاحوا عشان لما عمر يفوق تبقوا جاهزين بدل ما يلاقيكم تعبانين، وأنا لو حصل أي حاجة هتصل ابلغكم على طول، اسمعي كلامي يا ماما ويلا خوديهم وروحوا. 


تنهدت تنهيدة حارقة بحزن، ولازال بكاءها لم يتوقف لوهلة واحدة، قلبها يؤلمها بشدة على حال ابنها الذي لم تتوقع أن تراه ابدا، وهو في حاله مثل هذه، اومأت له برأسها الى الامام توافقه الرأى، تمتمت تؤكد على حديثه بضيق 


:- تامر أول ما تعرف أي حاجة لازم تقولي على طول. 


رد عليها بنبرة مجهدة،وهو يأومأ برأسه إلى الأمام عدة مرات 


:- دة اكيد يا ماما، مش عاوزك أنتِ تقلقي احن يحصلم حاجة، اقعدي ادعيله وهو هيبقي كويس متقلقيش. 


توجهت صوب الباب تطالعه مرة أخيرة قبل أن تذهب تريد أنتملأ عينها برؤيته وتطمئن قلبها الذي سيتوقف من فرط القلق، شعرت بالحزن الشديد ما أن رأت حالته، وتحدثت بنبرة حزينة باكية تقطع انياط قلب من يستمع إلى حديثها 


:- مش قادرة استحمل إني اشوفه كدة يارب عمر في حياته كلها عمره ما حب أنه يبين لأي حد تعبه حتى لو تعبان، مينفعش خالص انه يبقي في الحالة دي، يارب احفظهولي وخفف عنه أي الم حاسس بيه. 


لن يصمت لسانها وقلبها عن الدعاء له في كل ثانية تمر عليها، تشعر أن الثواني تمر على قلبها كالسنوات الطويلة، بداخلها حزن عميق يكفيها لدهر طويل، والقلق الذي تشعر به كاد يوقف قلبها تماما. 


استعد  الجميع للذهاب ماعدا آلاء التي ظلت في موضعها كأنها لم تستمع الى أي حديث، فاردفت فريدة تحدثها بهدوء، وهي تقترب منها وتربت فوق كتفها في حنو 


:- يلا يا آلاء يا حبيبتي قومي معانا، وهنيجي كلنا تاني الصبح بس عشان ترتاحي شوية. 


ردت عليها برفض حازم من بين دموعها، وهي تحرك رأسها نافية عدة مرات متتالية 


:- لأ طبعا يا فريدة، أنتِ بتقولي إيه أنا مش هتحرك من هنا، واسيب عمر مش همشي من هنا غير وعمر مروح معانا، انا مش عاوزة ارتاح ولا عاوزة حاجة غيره، روحوا انتوا وأنا هفضل زي ما قولتلك، أنا مش عاوزة اروح.


قالت جملتها الاخيرة بنبرة حزينة بشدة، هي غير مستعدة أن يذهب ويرحل من حياتها، هو أهم شئ لها في تلك الحياة، لن تستطع أن تعيش من دونه ولو لوهلة واحدة، تشعر بنغزة قوية في قلبها لم تتحمل وجعها. 


اقترب تامر منها بعدما علم برفضها، و تحدث معها بهدوء في محاولة منه لتغيير رأيها والاقتناع بالذهاب معهم إلى المنزل


:- يا آلاء اسمعي كلامي وروحي معاهم، تعالي الصبح صدقيني، قعدتك كدة قدام الباب مش هتفيد حاجة فروحي وارتاحي شوية عشان هتتعبي كدة. 


طالعته بضيق وتمتمت ترد عليه بتصميم وحدة 


:- تامر أنا قولت مش هتحرك من هنا نهائي غير لما عمر يفوق ويخرج من المستشفى، خلي كل واحد يعمل اللي يعجبه انا مش هسيب عمر واروح ماشي. 


يعلم الجميع كم هي عنيدة، وأن لا احد يستطع التأثير عليها وعلى رأيها نهائي، لا أحد يقف أمام عنادها سواه هو فقط، عمر الوحيد الذي يستطع السيطرة عليها؛ لذلك لم يتحدث معها أحد لأنهم يعلمون كم هي عنيدة ولم تستمع إلى حديثهم. 


وجه تامر حديثه لفريدة قبل أن تذهب، يوصيها علي والدته وشقيقته، فهو يثق بها بشدة ويعلم أأنها ستهتم بالجميع 


:-  فريدة خلي بالك من ماما ونغم انتي شايفة حالتهم عاملة ازاي. 


اومأت له برأسها على مضض، وهي تحاول أن تخفي غضبها منه، لكنها فشلت فقد بدا غضبها في نبرة صوتها عندما تحدثت ترد عليه 


:- حاضر يا تامر متقلقش حاضر، ولو قلقان اوي عليهم مني ومش واثق فيا ابقي هات ست بسملة تقعد معاهم ماهي محترمة وصاحبة واجب برضو وولا إيه؟! 


كانت تتحدث بغيظ شديد لم تنجح في إخفاء مشاعرها، كانت تضغط فوق كل حرف تتفوه به في حديثها بشدة.. 


طأطأ رأسه أرضًا بخجل من أفعاله، يتهرب بعينيه من نظراتها المليئة بالحزن والخذلان بسببه، كان هو الآخر في حالة من الصدمة، قد انكشف فجأة الوجه الحقيقي لتلك الفتاة الذي كان يظن أنها كالملاك البرئ، لكنه شعر أن كل شئ انكشف أمامه فجأة آتت جميع الصدمات عليه في وقت واحد، اردف يرد على حديثها عليها بصوت منخفض مجهد 


:- فريدة آسف حقك عليا، بصي هبقث افهمك أنا كل حاجة حصلت، بس بجد اوعي تتخلي عني في وقت زى دة، أنا أول مرة احس إني محتاجك أنتِ بالذات جنبي، أنا مش عاوز غيرك معايا. 


لم تقوى على الرد عليه وعتابه أو على رفض حديثه، خاصة وهو في تلك الحالة من الضعف الذي يجتاح كل ذرة بداخله؛ لذلك لم تستطع أن تفعل أي شئ سوى أن تأومأ له برأسها إلى الأمام، فمسك كفها يضغط فةقه بين يديه بشغف وامتنان شديد، وتابع حديثه بنبرة حانية عاشقة


:- فريدة شكرا بجد، خلي بالك من نفسك ومتتعبيش نفسك أوي، أنا عارف المجهود اللي هتعمليه مع ماما ونغم بس برضو أنتِ تعبانة. 


حركت راسها إلى الأمام بصمت تام، لم تستطع أن ترد عليه بعد حديثه الذي جعل حيرتها السابقة تزداد، كانت تظن انها ستستطع التغلب على قلبها المتعلق به، لكنها غزيرتها الأنثوية ستنتصر بالطبع، فأقل كلمة منه تؤثر عليها وتتأثر بها، لم تستطع أن تتركه وهو في حالته تلك.. 


طالعته بأعين يملأها الحب والكشاعر الصادقة الحقيقية التي تحملها له بداخلها، بينما هو تعلق بعينيها ونظراتها لأول مرو يشعر باحتياجه لها ولحبها في حياته، اقتنع بها وبحبه الذي كان يخفيه بداخله وينكر وجوده، نعم اعترف بمشاعره نحوها وعدم احتياجه لأحد سواها..


ذهب الحميع نحو المنزل كما طلب منهم تامر، ولن يبقي سوى  آلاء وتامر الذي جلس  فوق المقعد الموجود أمام باب غرفة عمر، ووضع رأسه بين يديه بوهن وضعف شديد والدموع تلتمع داخل عينيه من فرط قلقه على شقيقه. 


قطع ذلك الصمت الذي كان سائد بينهما، صوت خطوات سامر رئيس الحراسة الذي عاد للتو بعدما كان ينفذ طلب آلاء، وقف مكانه كما كان من قبل يتابع الوضع في المستشفى ويؤمنه بحرص شديد. 


نهضت آلاء ببطء؛ حتى لا تجعل تامر يلاحظ شئ عما تريده، وتوجهت نحوه ثم أردفت تسأله بصوت منخفض خافت لا يصل سوى لمسامعه فقط 


:- ها قولي بقى بعد دة كله وصلت لإيه، اكيد عرفت مكانهم صح، أنا عارفة إن عمر كان بيعتمد عليك في حاجات كتير اهم من كدة. 


كانت تتحدث معه بصرامة وحدة شديدة، هي غاضبة من الجميع، ترى أنهم لم يهتموا بعملهم وما حدث

لـ عمر قد حدث؛ بسبب إهمالهم.. 


اوما لها برأسه إلى الأمام، ورد عليها بتهذيب وهو يخفض بصره أرضًا 


:- ايوة يا مدام آلاء أنا عرفت مكانه بس اللي حضرتك عاوزة تعمليه حقيقي مش هينفع، استنى لغاية ما عمر بيه يفوق بإذن الله وهو بنفسه يشوف عاوز يعمل إيه بالظبط. 


رفعت شفتها إلى أعلى بتهكم وغضب من حديثه الذي لم يفعل شئ سوى على ازدياد غـ'ضبها ونير'انها المشتعلة بداخله، فردت عليه بحدة وصرامة 


:- أنتَ لسة هتستنى لما عمر يفوق ويبقي كويس، وهما اللي عملوا كل دة قاعدين براحتهم فرحانين، لأ بجد بهنيك على ذكاءك العبقري. 


قالت جملتها الأخيرة بسخرية لاذعة وهي تطالعه بنظرات غاضبة من بنيتيها. 


بدأ يشرح لها وجهة نظره، وهو يعلم جيدا عن كم الحزن الذي تشعر به، فهو الآخر حزين على ما حدث لعمر الذي كان يعتبره صديق له، لكنه لم يكن في يده أن يغعل شئ من دون العودة إلى عمر 


:- يا مدام آلاء اتمنى حضرتك تفهمي اللي اقصده، أنا مليش أي حق أن أنا اتصرف في حاجة غير بأمر من عمر بيه، انا متفهم جدا اللي حضرتك تقصديه لكن مينفغش اني اتصرف. 


طالعته من أعلاه إلى أدناه بعدم اقتناع، وتمتمت ترد عليه بحدة صارمة 


:- تمام أنتَ معاك حق تاخد اوامر من عمر، لكن كمان ملكش أي الحق نهائي إنك تمنعني من إني اعمل حاجة أنا عاوزاها، أنتَ ناسي أنا مين ولا إيه، اتفضل قولي مكانهم، وجهز اللي قولتلك عليه. 


كاد أن يتحدث معها مرة أخرى، لكنها قطعته بحدة وصرامة 


:- أنتَ سمعت اللي قولته صح اتفضل بقي. 


لن يقوى على الرفض أو التفوه بأي شئ بعدما استمع إلى حديثها؛ لذلك اومأ لها براسه إلى الأمام، وقرر أن يذهب هو معها وبعض الحراس؛ حتى لا تتعرض إلي أي خطر او يحدث لها أي شئ، فهو يعلم حينها رد فعل عمر عندما يفوق ويعلم أن حدث لها شئ سئ هي بالتحديد. 


اقتربت من تامر، وأردفت تتحدث بكذب لتبرر له عن سبب غيابها 


:- تامر أنا هتمشى شوية،  واغير جو مش قادرة استحمل اشوف عمر كدة شوية وجاية. 


اومأ لها برأسه إلى الأمام ولم يعقب على حديثها، ولكن قبل أن تسير وتبتعد عنه استوقفها صوته وهو يغمغم بأسمها مما جعلها تتطلع برأسها إلى الخلف لترى ماذا يريد؟!


واصل حديثه باختناق وهو يتنهد تنهيدة حزينة تعبر بوضوح عن الحزن الحقيقي الذي يكنه بداخل قلبه ويشعر به الآن 


:- متنسيش تاخدي حد من الحراسة اللي تحت معاكي للأمان اديكي شايفة اللي بيحصل. 


اومأت له برأسها إلى الأمام، وسارت تستأنف طريقها إلى أسفل، وجدت سامر قد أعدَّ السيارة التي ستركبها وجلس هو في المقعد الامامي سيقودها هو بنفسه، وخلف سيارتها يوجد سيارة أخرى مليئة بالحراسة، لتكن جاهزة هُناك إذا حدث لها أي شئ.


❈-❈-❈ 


ترجلت آلاء من السيارة بعدما توقفت، أخدت تتطلع إلى المكان حولها بدهشة، فقد كان المكان شبه منعزل لا يوجد أحد يعيش فيه، وكأنه اختاره تحديدا للإختباء بداخله حتى لا يعلم أحد مكانه، كما توقعت هي وسامر وجود بعض الحراسة الخاصة بـ عدي في المكان. 


لكن سامر سيطر على الوضع بمهارة شديدة، فتوجهت هي صوب المبنى المكون من طابق واحد فقط، كان هو المبنى الوحيد المتواجد في ذلك المكان، بدأت تدق فوق الباب بقوة وغضب شديدان.

وهي تشعر بنيران تشتعل بداخل، نيران تعبر عن حزنها وحرقتها على زوجها وحبيبها الذي تعشقه وما حدث له. 


فتح لها عدى الباب وهو يشعر بالدهشة، لكن دهشته قد ازدادت حقا بعدما رآها أمامه، وقف لثوانٍ يطالعها بصدمة وعدم تصديق، يشعر أنه يتخيل وجودها أمامه في تلك الوهلة، كان يتمنى ألا يكن ما يدور بخاطره صحيح وأنه يتخيل فقط وقوفها امامه في تلك الوهلة،  لكن هيهات فامنيته وتخيله ضُرِبت ارضا عندما استمع إلى صوتها وهي تصيح بغضب شديد وصوت مرتفع بشدة هزَّ ارجاء المنزل


:- اخيرا، طبعا لازم تستخبى هنا  يا حـ'يوان يا*** في مكان زبـ'الة زيك عشان جـبان طول عمرك، بس قسما بالله ما هسيبك أنا، تبقي بتحلم لو فكرت ان عملتك السـ'ودة دي هتعدي بالساهل، أنتَ ليك حق تخاف وتستخبى. 


خرجت نهى من غرفتها بعدما استمعت إلى الأصوات المرتفعة في الخارج، لكنها تفاجأت عندما رأت آلاء، وقفت تطالعها بدهشة شديدة كانت ستدلف مرة أخرى وتختبئ في الغرفة كأنها لم تراها ولم تستمع إلى شئ، لكن وصل الى مسامعها صوت آلاء الساخر وهي ترمقها بنظرات محتقرة


:- ايوة طبعا كدة بقي الصورة كملت وبقت احسن و الطف لازم واحدة زبـ'ـالة *** زيك تبقي موجودة في مكان قـ'ذر زي دة، إيه فكراني معرفش حقيقتك لا فوقي دة انا عارفاها كويس أوي وعارفة خططك اللي شبهك. 


أشارت لـ سامر بيدها فاقترب من عدي وحاوطه هو بعض الحراس يقيدونه ويقيدوا حركته، بينما هي اقتربت من نهى التي لازالت تقف متسمرة في مكانها لد تفهم أي شئ عما يحدث حولها وماذا تنوى آلاء أن تفعل معها.


لكن قبل أن تحصل على إجابة سؤالها كانت آلاء تجيبها هي بعملية وجذبتها من شعرها اسقطتها ارضا بقوة، ظلت تضربها بغضب شديد، كانت نهى في البداية تُضرَب من دون أي مقاومة منها يحاول عقلها مرارا وتكرارا أن يستوعب ما يحدث حولها للتو، ولكنها بمجرد أن فهمت بدأت تبادل آلاء ضرباتها، لكن آلاء كانت الأقوى، كانت تضربها بغل شديد في جميع انحاء جسدها.


عندما رأى سامر بوادر مقاومتها لضربات آلاء القوية الغاضبة اشار لأحد الواقفين بأن يذهب ويمسكها؛ خوفًا من أن يحدث لـ آلاء شئ،  سرعان ما نفذ الآخر أمره واقترب من نهى قيد يديها جيدا، فاردفت نهى بشماتة وهي تحاول ان تخفي وجعها من ضربات آلاء لها، وألا تظهره أمامها


:- على فكرة عملنا كل دة عشان نشوفك مكـ'ـسورة زي دلوقتي، اوعي تكوني فكراني مش شايفة زعلك يمكن صح أنتِ خفياه من وشك و ملامحه، لكن باين اوي اوي في عينك الدبلانة من العياط يا مدام عمر السنماري ولا اقولك يا ارملة مقدمًا. 


لم تستطع آلاء أن تستمع إلى حديثها وتصمت،  اردفت بحدة وغضب يزداد اشتعالًا عن غضبها السابق


:- اتفوو عليكي يا زبـ'ـالة، الارملة دي أنتِ وعيلتك كلها إن شاء الله،  عمر هيبقي كويس وهو بنفسه اللي هيربي واحدة زيك، ويعرفها مقامها كويس، بس لغاية ما يقوم مقدرتش مجيش اتسلى عليكي، أنتِ  والحـ'ـيوان اللي معاكي دة. 


كانت تقصد عدي في جملتها الأخيرة، ورفعت سبابتها توجهها عليه وهي تطالعه بازدياء ونظرات محتقرة، ولن تنتظر اكثر من ذلك ثم رفعت يدها إلى أعلى و هوت بها فوق وجنتها تصفعها بقوة شديدة وغيظ والدماء تغلي داخل عروقها بغضب، فقد ضربتها بقوة شديدة جعلت رأسها ترتد صوب الجهة الأخرى والدماء تسيل من فمها وأنفها، واصلت حديثها وهي تنقض عليها وتضربها مجددا 


:- آه طبعا الحزن دة على جوزي حبيبي،  اللي كنت هتموتي وتلفي عليه يا **** يا خـ'ـطافة الرجالة، لازم ابقي حزينة وزعلانة ودبلانة على عمر حبيبي قلبي، بس اللي زيك ميعرفش حاجة زي كدة وميعرفش يعني إيه حب اصلا، اللي زيك اخره يخـ'ـطف ويتهان وبس. 


كانت مازالت مواصلة في ضـ'ـربها لها وهي تتحدث لن تقف سوى عندما رأت  نهى كالجثة الهامدة ارضا، فتوقفت من سيل الضربات لها، وتوجهت نحو عدى مرة أخرى، غمغمت بحدة


:- اوعي تكون فاكر ان هعديلك اللي عملته لا فوق دة انا مش أي حد،  انا هندمك عالساعة االي فكرت انك تأذي عمر فيها،  أنتَ شوفت آلاء الطيبة البنت الرقيقة الكيوت، لكن مشوفتش آلاء التانية اللي متربية على ايد عمر من وهي صغيرة، آلاء اللي ممكن تتحول في ثانية لو حد جه ناحية حد بتحبه، وأنتَ مش بس جيت لا انت اذيت روحي كلها، بس لعلمك عمر هيبقي كويس وهيرحع يربيك هو بنفسه، زيك كدة زي أي حيـ'ـوان. 


انهت حديثها ورفعت يدها تضربه بقوة، ظلت تلكمه في وجهه بعنف وغضب وتصـ'ـفعه عدة مرات غا'ضبة، فعندما تغضب المرأه يكون بداخلها طاقة قوية مكبوتة منذُ دهر وحان الآن موعد خروجها في ذلك الوقت لتثأر لحق زوجها. 


لم يستطع عدي على مقاومتها أو مقاومة ضربة واحدة من سيل ضرباتها القوية؛ بسبب الحراسة الخاصة بها التي كانت تحيطه من جميع الجهات تقيد  حركته وتمنعها تماما، كان يقف كالصنم يستقبل ضرباتها ويتألم بصمت بينما هي طالعته بشماتة وتمتمت بحدة صارمة


:- لسة دة بس جزء بسيط من اللي هيحصل فيك بس أنتَ متستاهلش إني اتعب نفسي عشان واحد  زيك متستاهلش حاجة اصلا، بس الرجالة هيقوموا بالواجب معاك ومش هيخلوا فيك ولو حتة واحدة سليمة Enjoy بقى يا عدي. 


وجهت بصرها نحو سامر، وتحدثت بنبىة آمرة جادة


:- انا هستنى برة في العربية عقبال ما تخلصوا، وزي ما قولتلك وفهمتك تمام. 


اومأ لها سامر براسه إلى الأمام، ولكن قبل أن تخرج التفتت نحو عدي مرة أخرى، وتحدثت بغضب وحدة


:- بس الصراحه ليك حق تسلط حد يعمل كدة في عمر؛ لأنك جبان هتعيش طول عمرك وتمـ'ـوت جبان وأي ست في العالم كله اشجع وأقوى من واحد **** زيك. 


خرحت من المكان نهائيا وهي غاضبة، تشعر بالقلق لأجل عمر وتخشى أن يتركها، قلبها لم يقوى على فراقه والإبتعاد عنه، حاولت أن تتفض أفكارها السلبية وتطمئن ذاتها بأنه سيصبح بخير. 


جلست في السيارة تستمع الى ضرب سامر وبعض الحراس لعدي الذي كان يصل اليها صوت صرخاته المتألمة كانت تطرب اذنيها كالألحان، نعم تشمت بألآمه كما تألم عمر ستجعله يتألم، هي ليست ضعيفة أبداً؛ حتى تترك حق زوحها خاصة أنها تعلم كل شي، على عكس تامر شقيقه الذي حتى الآن عمر كان لم يقص عليه اي شي؛ لذلك لم يفهم اي شي مما يحدث حوله. 


خرج سامر بعدما انتهى وركب السيارة مرة أخرى، قبل أن تساله رد عليها هو بهدوء واحترام شديد 


:- عملت كل اللي حضرتك طلبتيه وهيفضل تحت عينينا كويس اوي متقلقيش على حاجة يا مدام آلاء، تحبي اوصل حضرتك على المستشفي ولا  على البيت؟ 


زفرت بارتياح؛ بسبب فعلتها التي شعرت بعدها بجزء من لذة الانتصار ستكتمل عندما يفوق عمر ويستعيد صحته وتطمئن عليه، تنهدت بصوت مسموع ثم ردت تجيبه بهدوء ونبرة مجهدة بشدة


:- اطلع على المستشفي زي ما كنا هناك. 


اومأ لها بتهذيب من دون أن يعقب بأي شئ، وشغل محرك السيارة ثم سار يستأنف طريقه متوجه بها صوب المستشفى كما طلبت منه.. 


❈-❈-❈


في الصباح الباكر... 


جاء الجميع مرة أخرى؛ للأطمئنان على عمر وأحواله، تمتمت نغم تسأل تامر بقلق وخوف على شقيقها 


:- ها يا تامر طمني هو لحد دلوقتي عامل إيه والدكاترة قالوا إيه عنه؟ 


حرك رأسه نافيًا، وأجابها بنبرة حزينة متلعثمة حاول أن يخفيها عن الجميع لكنه لم ينجح، فهو الآخر لم يقل عن قلقها وخوفها على عمر


:- لا لسة يا نغم محدش قال حاجة غير أنه لازم يعدي الـ 48 ساعة الجايين دول، غير كدة مش هيعرفوا يحددوا واهو عدا النص والباقي هيعدي بإذن الله ويبقي كويس. 


عادت مرة أخرى تجلس في مكانها كما كانت بصمت، تدعي ربها ألا تُحرم منه، تعلم أن الحرمان شعور صعب بشدة على الجميع، الاخ يعني السند، مهما كان بينهما وعلاقتهما المتوترة بعض الشئ، و لكنه سندها الذي يسندها عندما تشعر بالميل، لم ينتظر أن تميل،  فوجوده في حياتها امر هام بشدة، خاصة و أن كان شخص مثل عمر في حنانه وحبه لها وخوفه الشديد عليها وعلى الجميع... 


اقتربت فريدة تجلس بجانب آلاء وتمتمت بهدوء وهي تربت فوق ظهرها بحنو 


:- خدي يا قلبي جيبتلك هدوم تغيريها عشان اكيد هتفضلي انهاردة كمان ومش هترضي تروحي صح؟ 


تسألها وهي تعلم بالطبع إجابة سؤالها، حركت آلاء رأسها إلى الامام بحركة خفيفة واكتفت بتلك الحركة من دون أن تتحدث وتعقب على أي شئ. 


اردفت فريدة في هدوء محاولة أن نقنعها بالذهاب إلي المنزل معهم؛ لترتاح ولو قليلا بدلا من جلوسها هنا بلا جدوى 


:- يا حبيبتي قعدتك هنا مفيهاش فايدة والله اسمعي كلامي وروحي معانا ارتاحي شوية، وابقي تعالي تاني. 


_لا يا فريدة هبقي مرتاحة وأنا قاعدة جنبه سيبيتي على راحتي أحسن. 


ردت عليها بنفي حازم بالتاكيد هي لن تتركه وتذهب؛ لترتاح كما تقول، كيف أن تأتيها الراحة وهو في ذلك الوضع؟! هو روحها وحياتها باكملها كيف سترتاح وهو بعيد عنها، تشعر أن روحها تنسحب منها رويدًا رويدًا. 


اومأت لها بهدوء، توجهت وجلست بجانب تامر الذي تعلم كم هو يحتاج إلى وجود احد يسنده ويدعمه في ذلك الوقت، ظلت تربت فوق كتفه بهدوء، فطالعها بامتنان شديد وهو يبتسم بضعف في وجهها.


 كانت نغم تبكي بانهيار شديد وضعف في احضان والدتها التي تبكي هي الأخرى، ولكن تم قطع جلستهم؛ بسبب وجود أحد تلضباط التي دلف يسأل الطبيب عن حالة عمر،  يريد أن يستفسر عن طبيعة حالته، لكن الطبيب قد اخبره بأن وجوده في ذلك الوقت من دون جدوى، فذهب مرة أخرى.


 لكن آلاء نهضت مسرعة من مكانها تلحقه واستوقفته بصوتها، وهي تردف بأسمه.


 طالعها الضابط وهو يعقد حاجبيه بدهشة وأردف يسألها وهو يضيق عيناه عليها بتأكيد 


:- حضرتك مدام آلاء السنماري زوجة عمر السنماري صح يا فندم؟ 


اومأت برأسها إلى الأمام تؤكد حديثه، وأردفت بضيق وصوت متحشرج


:- ايوة أنا فعلا،  بس أنا كنت عاوزة اقول لحضرتك ان اللي ضرب نار على عمر واحد اسمه عدي السعدني اكيد حضرتك تسمع عنه وعارفه. 


رد يجيبها بعملية وهو يدقق في حديثها الذي تردفه بدهشة 

 

:- ايوة يا مدام آلاء اسمع عنه، لكن معلش إيه دليل حضرتك أنه هو اللي عمل كدة، أنا اسف مش هقدر اخد بكلامك لأن حضرتك مكنتيش موجودة في موقع حدوث الحريمة لكني هكتب اقوال حضرتك في المحضر الي مش هيتم غير لما عمر بيه يفوق، لان جميع الحراس اللي كانو موجودين انكروا انهم شافوا اي شئ. 


أنهى حديثه وذهب من أمامها وهو يفكر في حديثها بجديو،  لكنها ظلت تلعن جميع الحراس الذين يعملون مع عمر وتصفهم بالغباء، كانت تعلم أنهم سيقولون ذلك،  لكنها كانت تريد أن تنهي الأمر قبل أن يفوق عمر؛ حتى لا يتعب ذاته مع عدي أو يفعل أي شئ يؤذ'يه. 


عادت مرة أخرى تجلس في مكانها كما كانت تطالعه، حتى حل المساء وذهبوا جميعا تاركين إياها هي وتامر مثلما حدث أمس. 


في المساء... 


كانت لازالت تجلس على نفس الوضع تدعي ربها أن يحفظه لها بصمت تام،  لكنها فجأة رأت احدي الممرضات تخرج من غرفة عمر تهرول مسرعة مما جعل قلبها ينقبض بداخل قفصها الصدري، والهواء الذي تتنفسه يقل من حولها؛ خوفا من أن يكون قد اصابه شئ، هي لن تتحمل أن يحدث له شي ستمـ'ـوت اذا حدث لـ عمر شي فهو حياتها باكملها.


 رأت الممرضة تعود مرة أخرى بصحبة الطبيب الذي كان يسير بخطوات مسرعة شبه راكضة مثلها، ركضت خلفهما بقلق يقطع في قلبها، كادت أن تدلف خلف الطبيب لكن قامت الممرضة بمنعها من الدخول، بينما تامر فقد اقترب منها ووقف بحانبها يحاول تهدئتها واطمئنانها، لكنه فشل فهو الآخر يحتاج إلى مَن يطمئنه ويبقي بجانبه، فالوضع أصبح لا مبشر بالخير اطلاقًا..

يُـتبع...