-->

رواية في غياهب القدر-الفصل الثاني عشر - بسمة بدران

 رواية في غياهب القدر
للكاتبة بسمة بدران



في غياهب القدر

الفصل الثاني عشر

حادث.



رأيتُ بحلميَ أنّا التقينا 

مُصادفةً حُلوةً في الزّحامْ

حديثٌ قصيرٌ جرى بيننا

سؤالٌ عنِ الحالِ ثمّ سلامْ

وأمّا العيونُ فقالت كثيراً 

وأزْهرَ قلبي لوقعِ الكلامْ

فليت اللقاء يكونُ يقينًا

وليت الفراق حديثُ منامْ


(نور سليمان)



❈-❈-❈


في المشفة التي تعمل بها كانت تتابع عملها بجد ونشاط.

 حتى شعرت فجأة بوخذة قوية في قلبها تلقائيا وضعت يدها وراحت تمشط مكان الألم وهي تتمتم بخفوت: خير يا رب خير.

 لاحظت صديقاتها ما تمر بها فسألتها إحداهن وتدعى أمل: صَبا حبيبتي انت كويسة جرحك بيوجعك ولا حاجة؟

 هزت رأس نفيا ولم تعقب.

 فتابعت أخرى: آمال مالك فيه إيه؟

 ازدردت ريقها بصعوبة وأجابت بصوت خافت: مش عارفة يا جماعة حاسة بنخزة غريبة كده في قلبي وأنا ما بطمنش لما بتجيلي

 لأن علطول بعدها بتحصل مصيبة. 

يا ساتر يا رب.

 تلك الكلمات غمغمت بها صديقتها فقاطع حديثهن ولوج الطبيب المسؤول الذي هتف في عجالة: بنات في حالة طوارئ.

 هرولة الجميع باتجاهه وراحا يقص عليهن ما المطلوب فأسرعت كل منهن تلبي ما طلبه منها في العمل.

 أما عن صَبا ففعلت مثل باقي صديقاتها لكن بنصف عقل فهي على يقين أن هناك خطبا ما أو بالأحرى مصيبة ستحدث لكن كالعادة راحت تطمئن نفسها بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

 أخذت نفس عميق وظفرته على مهل ثم راحت تردد: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.


❈-❈-❈


هتفضل مخاصمني كده كتير.

 تلك الكلمات هتفت بها عزة التي كانت تقف خلف زوجها تساعده في ارتداء سطرته.

 استدار إليها يرمقها بتفحص ثم غمغمة بخفوت: مافيش حاجة خلاص يا عزه أنا بس كنت مضغوط امبارح وطلعت الزهق اللي كنت فيه عليك حقك عليا.

 أومأت لهم متفهمة ثم دنت منه ووضعت قبلة صغيرة على وجنته وابتعدت وهي ترمقه بنظرة شاملة كي تتأكد من مظهره.

 فمنحها ابتسامة صغيرة وكاد أن يذهب لكنه توقف عندما هتفت بهدوء: طيب معنى كده أننا هنسافر مصر؟

 زفر بنفاذ صبر ثم أردف في عجالة: إن شاء الله يا عزة إن شاء الله.

 كثفت ساعديها أمام صدرها: أيوة إن شاء الله هنسافر ولا لا؟ 

يووه ما فيش فايدة فيكي برميل عكننه على الصبح.

 ألقا كلمته وانطلقا للخارج كالإعصار وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة تاركا إياها تضرب ساقها بالأرض وتتمتم بحدة: هو أنا كنت عملت إيه يعني ولا كنت عملت إيه

 صحيح الرحالة تقصر العمر.


❈-❈-❈


بعد أن أغلقت بابها اتجهت بخطوات بطيئة نحو شقت جارتها وقرعت الجرس وانتظرت ثواني واستمعت إلى صوتها من الداخل تهتف: مين؟

 أجابت بنعومة: أنا رغد يا غزل فيكي تفتحيلي؟

 أكيد طبعا يا قمر قالتها وهي تفتح الباب وترحب بها بسعادة: تعالي تعالي ادخلي ما فيش حد رامي راح الشغل والبنات بيلعبوا في أوضتهم جوه 

جيتيلي في وقتك يا رغد تعالي علشان تساعديني في الغدة النهاردة لحسن رامي زمانه جي ولسه ما عرفتش هعمل أكل إيه.

 تقدمتها للداخل في اتجاه المطبخ وهي تردف: إيه بساعدك حبيبتي وليش لا.

 وبعد حوالي ساعة انتهت كل من غزل ورغد من إنهاء الطعام

 فتنحنحت رغد بحياء: طيب أنا بستأذن حبيبتي وصحة وعافية عقلبك.

 أجفلت على صوت غزل المرتفع: نعم بقى انت واقفة معايا بقالك أكتر من ساعة والآخر تقولي لي صحة وعافية عليكم لا يا حبيبتي انت لازم تتغدي معانا رامي خلاص على وصول انت عارفة أنه بيحب المكرونة بالباشميل قوي وهيفرح النهاردة لما يلاقيني عاملاها بجد تسلم دماغك يا رغد.

 ابتسمت في دهاء وسألتها باهتمام: والاستاذ رامي بيحب شو كمانن؟

أجابتها دون تفكير: محشي ورق عنب والحمام محشي وبط بالفريك. 

وراحت تعد لها ما يحب زوجها وما يكره.

 والأخرى تستمع إليها بإنصات شديد وهي تشعر بغبطة

 فهي ستستغل كل ما تتفوه به تلك البلهاء للتقرب من ذلك الوسيم الذي أرق مضجعها في الآونة الأخيرة.

 والغريب أن غزل تخلت عن غيرتها في الوقت الحالي ظنا منها أن رغد تستحق لقد صديقة لأنها عاشت تجربة مريرة من الخيانة فاستبعدت بأن هذه المرأة لن تخون أبدا بسبب التجربة التي مرت بها 

لكن ما لا تعرفه غزل إنها دون قصد تربي أفعى في عقر دارها.


❈-❈-❈



يقود بأقصى سرعة وهو يضغط على عجلة القيادة بعنف شديد ويتخيل ابنة عمته في أوضاع مختلفة.

 راحت الظنون تتقافز في رأسه

 ترى ما الذي يحدث معها الآن هل آذوها المجرمين أم استطاعت الحفاظ على نفسها؟

 تمنى من الله أن يصل في الوقت المناسب قبل أن يصيبها أي مكروه.

 أخذ يضرب عجل القيادة بعنف ويزمجر بقوة وحشية حتى تفاجأ بشاحنة كبيرة تقف في وسط الطريق.

 حاول التحكم بالسيارة والابتعاد لكن دون جدوى فعلى الفور أيقن أن الموت قادم لا محالة.

 أغمض عينيه بقوة حتى كاد أن يعتصرهما وردد الشهادتين. 

وفي أقل من الثانية اصطدمت سيارته بالشاحنة فأطلقت صوتا مدويا ولم يشعر سوى بأن سيارته تنقلب عدة مرات وهو بداخلها شعر بالدماء تغطي وجهه وقبل أن يفقد الوعي لاحت أمام عينيه صورة زوجته الحبيبة وطفليه ابتسم بحزن فلطالما حلم بأن يحضر زفافهما ويطمئن عليهما

 لكن يبدو أن القدر لن يسمح له بذلك فابتسم مرة اخرى بمرارة وأغمض عينيه مستسلما للموت وهو يستقبله بصدر رحب.


❈-❈-❈


وفي نفس التوقيت يقف يراقبها وهو يبتسم من وقت إلى آخر فلقد هاتف الصبي الذي يعمل معه وطلب منه أن يقضي له بعض المشاوير كي يتأخر ويتسنى له مضايقتها أكثر فأكثر لا يعرف لماذا يحب رؤيتها ومشاكستها تلك المرأة مثيرة للاهتمام. 

اتسعت ابتسامته وهو يبصرها تدنو منه تعقد ساعديها أمام صدرها هاتفة بنفاذ صبر: وبعدين بقى يا حاج هو الولا ده هيتأخر أكتر من كده.

هز كتفيه بمعنى لا أعرفه.

فاستطردت حديثها بحدة طفيفة: ما تكلمه كده شرف هو فين أنا مستعجلة وعايزة امشي.

طيب ما تمشي هو أنا ماسكك! 

كاد أن يضحك بقوة عندما تجهمت ملامح وجهه فباتت أكثر لطافة لكنه تراجع في آخر لحظة وكبت ضحكاته مردفا بمهاودة: طيب بصي يا ست صباح شوفي انت عايزة إيه وأنا أوزنلك كده عداني العيب وقزح. 

هزت رأسها نفيا مغمغمة بعند استفزه كثيرا: لأ. 

كاد أن يرد عليها لكنه فجأة شعر بجفاف في حلقه ووخذة قوية في قلبه حتى أنه لم يستطع إخراج صوته من حنجرته.

فعندما أبصرته هي على تلك الحالة دنت منه تسأله بخوف؛ مالك يا حاج انت كويس؟

هز رأسه نفيا فاستطردت حديثها: طيب بتاخد علاج معين أجيبهولك؟

هز رأسه نفيا وهو يشير إلى زجاجة الماء.

فهرولت باتجاه الزجاجة الموضوعة فوق أحد الرفوف وسكبت له في كوبا زجاجيا وجدته بقرب الزجاجة وعادت إليه تناوله إياه بحرص

التقطه منها وارتشف بضع قطرات صغيرة وقبل أن يناولها الكوب سقط أرضا ليتهشم إلى عدة أجزاء صغيرة وحين إذ أدرك السيد سعد أن هناك شيئا كبيرا سيحط عليه وعلى عائلته.


❈-❈-❈


في منزله الفخم وبالتحديد فوق الأريكة الموجودة في بهو المنزل

يستلقي على ظهره وهو يحدق في السقف بشرود تام ينتظر الخبر السعيد بالنسبة له.

 ألا وهو موت عمار هنداوي ابتسما باتساع وهو يتخيل الحادث المروع الذي سيقوم به كما أنه سيفارق الحياة ويحصل هو عليها المرأة الوحيدة التي لطالما أحبها.

 اغمض عينيه بقوة حتى كاد أن يعتصرهما ثم فتحهما على مصرعيهما هاتفا بحقد: الله يرحمك يا ابن هنداوي كنت شخص مافيش منك بس للأسف الدنيا ما اتسعناش احنا الاتنين يا أنا يا أنت وأنا قررت أنه يبقى أنا

 ما هو أكيد مش هفضلك على نفسي ولا إيه؟ 

أطلق ضحكة رنانة وهب جالسا يبحث عن هاتفه كي يجري اتصالا هاما. 

ثواني وأبصره فوق المنضدة الزجاجية الموجودة وسط الغرفة فنهض بتكاسل وذهب باتجاهه التقطه بخفة ثم عبس به قليلا حتى عثر على ما يريد.

 ضغط على زر الاتصال ووضعه فوق أذنه هاتفا يخاطب المتصل بأمر: كلم الزفت ده شوفوا عمل إيه.

 صمت قليل يستمع الرد من الطرف الآخر فاستطرد حديثه بحدة أفزعت محدثه: يعني إيه تليفونه زفت مقفول بقولك أتصرف إن شلة حتى تروح تدور عليه في الشوارع انا أعصابي مابقتش مستحملة.

 وقبل أن يستمع إلى رد الطرف الآخر اغلق الهاتف في وجهه وألقاه مرة أخرى بإهمال فوق المنضدة ثم عاد أدراجه يستلقي مكانه ولسان حاله يردد: يا ترى إيه اللي يحصل؟


❈-❈-❈


تقف أمام باب منزلها تنتظر عودته فلقد ألحت عليها غزل كثيرا أن تبقى وتتناول الغداء بصحبتهم لكنها رفضت رفضا قاطعا بحجة أنها بدأت في حمية غذائية.

ولكنها في الحقيقة قررت أن تنتظره ريثما يعود وتعتذر منه مرة أخرى عما بدر منها بالأمس. 

وما هي إلا ثواني حتى أشرق وجهها عندما ابصرته يدلف من باب المصعد فتحدثا في صوت واحد: مساء الخير.

انطلقت ضحكاتهما وهما ينظرون لبعضهما حتى قطعت هي تواصلهما البصري هاتفة برقة: كيفك إستاذ رامي أنا كان بدي اعتذر منك على اللي صار مني.

قاطعها بلهفة: لا والله أنا اللي أسف على اللي قلته ليكي صدقيني ماكانش قصدي خالص أنا عارف أنك محترمة ومش قصدك أي حاجة وحشة أسف اني كلمتك بالطريقة دي سامحيني.

تراقص قلبها فرحا كما أن حديثه وقع على أذنيها كموسيقى هادئة فابتسمت بخفة زادتها جمالا فوق جمالها الأخاذ هاتفة بعذوبة: بتشكرك كثير حقيقي انت رجال كتير طيب عن جد ما في متلك بهالايام. 

اطرق رأسه خجلا ثم هتف بابتسامة: أشكرك جدا ودلوقتي استأذنك بقى عشان زمان غزل مستنياني إيه رأيك تيجي تتغدي معانا؟ 

هزت رأسها نفيا وغمغمت بنعومة أعجبته كثيرا: أنا من اليوم بدأت دايت منشان حسة حالي سمنانا شوى.

 رغما عنه تفحصها بنظرة شمولية أربكتها كثيرا لكنها أعجبتها في نفس الوقت وبعدها أشاح بوجهه بعيدا عنها مغمغما بعجالة: طيب بعد أزنك بقى واشوفك إن شاء الله. 

تابعته بعينيها حتى فتح بابه بمفتاحه الخاص وولج وهو يلوح لها بيده.

 وبدورها لوحت له هي الأخرى وهي تشعر بأنها أسعد امرأة على وجه الأرض.


❈-❈-❈


انتهت من إعداد طاولة الغداء ثم نادت بصوتها المميز: بابا حضرتك الغدا جهز خلاص. 

دلفة من غرفته بعد أن صلى ركعتين لله فهو ما زال يشعر بعدم راحة منذ ما حدث معه في الصباح

فقرر أن يعود إلى المنزل كي يستريح قليلا وترك المحل في عهدة الصبي الذي يعمل معه. 

ترأس المائدة بشرود تام وجاورته عبير التي هتفت بابتسامة: أنا عاملالك محشي ورق عنب يستاهل بقك يا بابا وحشتلك البط بالفريك زي ما ماما كانت بتعملهولك الله يرحمها.

الله يرحمها.

غمغمها بخفوت أثار استغراب عبير لكنها لم تعقب وراحت تأكل في صمت. 

دقائق واستمع إلى صوت رنين هاتفه فكاد أن ينهض لكن عبير سبقته هاتفة بهدوء: خلي حضرتك وقولي هو فين؟

في الأوضة جوه يا بنتي.

وما هي إلا ثواني حتى خرجت وهي تحمله وتلوح به في وجهه هاتفة بمرح: عمار هو اللي بيتصل. 

دب القلق في قلبه ثم اختطفه منها وضغط زر الإيجاب ووضعه على أذنيه وسرعان ما اتسعت حدقتيه في دهشة وشعر بأن الأرض تميل به 

ترك الهاتف ليسقط أرضا وهو يصرخ بكل ما أوتي من قوة ابني عماااار أخوكي مااات يا عبير.


❈-❈-❈


قبل قليل

عند عمار وبالتحديد في المكان الذي وقع به الحادث تجمهر الجميع من حوله وأخرجوه بصعوبة من السيارة.

فغمغم أحد الرجال: لا حول ولا قوة إلا بالله ده باينله مات شيفين الدم مغرقه أزلي.

هتف آخر: لا حول ولا قوة إلا بالله ده شاب صغير تعالوا يا جماعة ندور على حاجة نوصل بيه لأهله.

فتحدثت إحدى السيدات: الأول اتصلوا بالإسعاف يمكن يكون لسه حي يا جماعة. 

وبالفعل استجاب لها أحد الرجال وطلب رقم الإسعاف.

بينما هرولة آخر يبحث في السيارة التي انقلبت رأسا على عقب وحولها حتى عثر على هاتفه ملقاة بجانبها يبدو أنه كان ممسكا به قبل أن يذهب لعالم آخر.

فأخرجه وراح يعبث به ولحسن حظه أنه لم يكن به كلمة مرور فتح جهات الاتصال وراح يبحث عن رقم أحد أقاربه فتنهد بارتياح عندما وجد رقما مسجل باسم والدي فضغط زر الاتصال وانتظر الرد.



❈-❈-❈


وبعد حوالي ساعتين تقريبا انتشر خبر حادث عمار هنداوي في المنطقة كالنار في الهشيم حتى وصل الخبر إلى المعلم فكري الذي هلل بسعادة: الحمد لله والله براوة عليك ياض مش خسارة فيك الفلوس اللي هتاخدها. 

ابتسم الرجل الذي يقف قبالته هاتفا بفخر: عشان تعرف بس يا معلم إن أنا مش أي حد.

سأله بلهفة: طيب الباشا عرف ولا إيه؟ 

أجابه بابتسامة: أيوة طبعا أمال أول ما العربية انقلبت والناس اتلمت اتصلت بيه وبلغته بس هب فيا زي البوتاجاز عشان اتأخرت عليه. 

فغمغم المعلم فكري بحنق: أيوة والله وأنا كمان خدت اللي فيه النصيب منه يله مش مشكلة أهم حاجة ان خطتنا نجحت واللي احنا كنا عايزينه حصل الله يرحمك يا عمار يا هنداوي.

رفع الرجل كفيه مرددا خلفه: اللهم أمين كان راجل طيب. 

قال جملته الأخيرة بسخرية جعلت الآخر يضحك باستمتاع وسرعان ما شاركه ذلك الرجل الضحكات.


❈-❈-❈


في المشفى التي يقطن بها عمار

وصلت جميع عائلة هنداوي ومعهم الكثير من أهل الحي.

فوقف أحد الأطباء يهتف باستنكار: إيه ده أنتو مين وداخلين كده المستشفى أزلي؟

أجابه الحاج سعد بإعياء شديد: احن جايين نشوف عمار سعد هنداوي.

صاحة الطبيب بحدة: أيوة يا حاج بس أنتم كتير قوي ما ينفعش كلكم كده تدخلوا المستشفى. 

تحدثت السيدة سعاد ببكاء شديد: أرجوك يا ابني خلينا ندخل نطمن عليه ده ابننا.

كاد الطبيب أن يعترض لكن الحاج سعد امسك يده وانحنى كي يقبلها لكن الطبيب سحب يده بقوة مغمغما: استغفر الله العظيم يا حاج بس والله ده قانون المستشفى وحضراتكم كتير قوي.

انهمرت دموع السيد سعد فأشفق الطبيب عليه كثيرا فغمغم بيأس: طيب يا جماعة اتفضلوا بس تبصو من بعيد وتمشوا عموما هو دخل عمليات دلوقتي عشان حالته خطيرة. 

شعر السيد سعد بأن الأرض تميل من تحت قدميه فكاد أن يسقط لكن يد الطبيب كانت الأسرع وأسندته وسار به إلى أقرب مقعد وأجلسه عليه هاتفا بخفوت: اهدى يا حاج وصلي على النبي وإن شاء الله كل حاجة هتكون كويسة وبعد أزنك بقى عشان أنا عندي شغل.

أومأ له السيد سعد وكذلك السيدة سعاد وزوجها الحاج كامل.


❈-❈-❈


أما عند زينة

فعندما استقبلت الخبر المشؤوم بالنسبة لها راحت تصرخ وتبكي بهستيريا وبعد أن هدأت قليلا بعدما أخبرها الحاج سعد أنه ما زال على قيد الحياة ذهبت إلى والدتها وتركت عندها الصغار وبعدها انطلقت إلى المشفى ودموعها تغطي وجهها وتدعو الله أن يحفظ لها زوجها وحبيبها.


❈-❈-❈


عودة إلى المشفى

والتي كانت في حالة فوضى بسبب الموجودين من أجل عمار الذي يرقد بين يدي الله لا حول له ولا قوة.

ولجت زينة وهي تصرخ وتنتحب بقوة فاستقبلتها السيدة سعاد وأخذتها بين أحضانها وراحت تمسد فوق حجابها وهي تهدئها وتقرأ ما تيسر لها من كتاب الله.

بينما الأخرى تشبثت بها وراحت تبكي وتقول: عمار هيسبنا يا خالتي عمار هيسيبنا.

ربطت فوق ظهرها هاتفة بتأكيد: إن شاء الله هيقوم منها يا زينة عمار قوي وراجل وأكيد مش هيسيبنا بالسهولة دي.

ضلت تهدهدها حتى ارتاحت قليلا. 

لتمر حوالي ثلاث ساعات أخرى ويخرج الأطباء من غرفة العمليات فهب الحاج سعد والسيد كامل يستقبلونهم ويمطروهم بوابل من الأسئلة أهمها: خير يا دكتور طمنا عمار عامل إيه دلوقتي وهو عنده إيه أصلا أرجوك طمنا. 

فهتف الطبيب بارتياع وحزن شديد: ادعوله يا جماعة.

يتبع...