-->

رواية ظلمات حصونه 2 منة أيمن - الفصل الرابع عشر

 

رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني

بقلم الكاتبة منة أيمن




الفصل الرابع عشر

رواية

 ظلمات حصونه


أغلقت المكالمة مع والدتها وجلست تُأنب نفسها على ما تفوهت به، حقا هى لم تقصد أن تجرح والدتها بهذا الحديث، فقط تحدثت بطريقة عفوية مُعبرة عن مدى التخبط التى تشعر به


هى الأن فى غرفة واحدة مع الرجل الذى من المفترض أن يكون أخر شخص تسمح له برؤيتها من الأساس، مع الرجل الذى حطم حياتها وتزوجها بالأجبار وأنتهك جسدها وكانت ينتقم منها على شيء هى لم يكن لها صلة به


ولسوء حظها ذلك الرجل هو نفسه الرجل الذى تشعر بالشفقة والأسئ عليه وعلى كل ما مر به بداية من طفولة بائسة إلى حياة كاملة مدمرة، ولكن هذا ليس مبررا له على كل ما فعله بها، وليس على الأنسان تحمل أخطأ أو أمراض أحدهم النفسية فقط لأنه كان يعاني الصعاب فى حياته


نعم هى تشعر بالكثير من التخبط تجاهه ولكن هذا لن يجعلها تتراجع عن قرارها هو وهى لن يكون بينهم أية حياة فيما بعد، هى إلى وقتنا هذا تخشي التواجد معه فى مكان واحد بمفردهم، يكفيها إنها الأن تجلس معه فى غرفة واحده وتشعر بكثير من القلق، ما بالك إذا جلست معه فى منزل كامل بمفردهم؟


خرج من غرفة تبديل الملابس بعد أن أرتدى ملابسة وهى عبارة عن قميص رمادي اللون وبنطلون أسود وحذاء مشابه للون القميص، بالأضافة إلى إرجاع خُصل شعره متوسطة الطول إلى الخلف وتفوح منه رائحة العطر الطيبة التى واحدها يمكنها لفت الإنتباه


حقا هل هم الأن فى سفرية عمل أم سفرية إستجمام، قطع شرودها صوته الرخيم وهو يتقدم ببعض الخطواط تجاهها مردفا بهدوء:


_جاهزة عشان ننزل


نهضت "ديانة" سريعا من مقعدها وبدأت فى التحرك تجاه باب الغرفة دون التفوه بأية حرف، وكأنها تتحاشى التحدث معه، ليوقفها "جواد" عن السير موجها الحديث نحوها قائلا:


_أسنني شوية عايز أقولك على حاجه الاول قبل ما ننزل


وقفت "ديانة" فى مكانها الذي كان على مسافة ليس بكبيرة بعيدة عنه، وألتفتت ناظرة له لكى تعطيه إشارة لبدأ الحديث، ليعقب "جواد" محاولا تفسير الأمر لها بطريقة تتقبلها هاتفا:


_أحنا هنا مش فى البيت عندنا، والناس هنا ميعرفوش أي حاجه عن موضوع الطلاق اللى أحنا متفقين عليه، وده طبعا عشان نفسية عمتو وصحتها متتأثرش بده، فياريت نكون زوجين طبعين على الأقل قدامهم لحد ما نرجع بيتنا إن شاء الله


كان يتفوه بهذا الحديث وهو يتقرب منها رويدا رويدا مستغلا كل فرصة يمكن أن تقربه منها، عساه أن يشعر بقبولها فى إحدى المرات وحينها لن يضيعها من يده مرة أخرى


لأحظت "ديانة" ما يحاول أن يفعله، حتى إنها لاحظت يده التى حاوطت ذراعيها من الجانبين وكأنه يتصرف بتلقائية منه، لترمقة "ديانة" بنظرات حادة على عكس تلك المشتتة بداخلها مردفة بصرامة مُصطنعة:


_أنا عارفة ده كويس أوى وهو ده بس السبب الوحيد اللى مخليني موجوده معاك فى أوضة واحدة دلوقتي، أحنا فعلا هنكون زوجين طبعين وده قدمهم بس، أتمنى إنك متنساش نفسك وأحنا لوحدنا مرة تانية


أزاحت يده بعيدا عنها وسريعا ما تحركت صوب باب الغرفة وخرجت لكى تتهرب منه ومن نظراته التى لم تفشل مرة واحدة فى التأثير عليها وتشتيتها بين أن تصفعه وأن تضمه إليها، بينما طالعها "جواد" إلى أن خرجت من الغرفة وهتف بينه وبين نفسه قائلا:


_دا أنا أبقى غبي لو منستش نفسي وأستغليت السفرية دى يا روح قلب جواد


خرج هو الأخر مُلحقا بها لكى يهبطوا معا إلى الأسفل، وبمجرد أن رأتهم "ماجدة" صاحت بكثير من الحب الصادق مرحبة بهم هاتفة:


_حيايب قلبي نزلوا أهو أخيرا، يلا بقى كلوا على السفرة


كادوا أن يذهبوا إلى غرفة الطعام ليوقفهم صوت جرس المنزل مُعلنا عن وصول أحدهم، وسريعا ما ذهبت العاملة لكى تفتح لهذا الطارق، ليدلف شاب وسيم فى الثلاثون من عمره ويبدو عليه الرقي والأناقة، ليهتف موجها حديثه إلى الجميع قائلا:


_مساء الخير يا جماعه


رد الجميع عليه مُرحبين بوجوده، بينما رمقته "ديانة" بقليل من نظرات الغرابة والأستفسار مُحاولة معرفة من يكون هذا الشخص الذي تراه لأول مرة فى حياتها، ويبدو إنه يتحدث بالعربية جيدا جدا، فمن يكون إذا!!


بينما تقدم ذلك الشاب نحو "جواد" وسريعا ما عانقه بكثير من الود والترحاب مُعقبا:


_حمدلله على السلامة يا جواد، واحشني أوى يا راجل


أجابه "جواد" وهو يبادله العناق مُعقبا بود مماثل له قائلا:


_الله يسلمك يا كارم، وأنت أكتر والله


فصل "كارم" العناق ليحول نظراته نحو "ديانة" وهتف بترحاب وود ممثال وهو يمد يده لمصافحتها مردفا بهدوء:


_حمدلله على السلامة يا ديانة


أبتسمت له بإمتنان ولاتزال لا تعلم من يكون هذا الشخص، ولكنها أجابت عليه من باب الزوق مردفة بإحترام:


_الله يسلمك


تدخلت "ماجدة" سريعا بالحديث بعد أن لاحظت عدم معرفة "ديانة" بهوية هذا الشاب، لتضع يدها على كتفها موضحة لها الأمر مُعقبة بهدوء:


_ده كارم أبن عمك يزيد أخو عمك عامر يا ديانة، يعني أبوه أبن عم أبوكي


نظرت له "ديانة" مره أخرى ولكن هذه المرة مختلفة، وأبتسمت له بترحاب هاتفة بود:


_أه أهلا وسهلا


صاحت "ماجدة" مرة أخرى مُجهة حديثها إلى الجميع بكثير من الحماس قائلة:


_طب يلا بقى كلوا على السفرة قبل ما الأكل يبرد


وبالفعل إمتثل الجميع لما قالته "ماجدة" وذهبوا إلى حجرة الطعام، ليتوسط "عامر" الطاولة وتجلس "ماجدة" على يمينه و"أسما" علي يساره و"كارم" أيضا جلس بجانبها، بينما على الجانب الأخر بجانب "ماجدة" جلست "ديانة" وجلس "جواد" بجانبها


بدأوا جميعا فى تناول الطعام فى جو عائلي لطيف ودافئ للغاية، وفى تلك الاثناء رفع "كارم" وجهه موجها حديثه نحو "جواد" و"ديانة" مُردفا بنبرة عتاب:


_كده بردو يا جواد متعزمناش على فرحكوا


أختلفت تقاسيم وجهها ل"ديانة" وشعرت بكثير من الحرج والحزن فى أنً واحد عندما تذكرت ذلك اليوم، ليجيب عليه إذا برد مُقنع عن سؤاله ذاك، لو تستطيع أن تجيب هى على هذا السؤال لكانت أخبرته ببساطة، لان السيد "جواد" تزوج منها فقط لكي ينتقم منها ليس إلا


بينما شعر "جواد" بقليل من الإرتباك وبعض التلعثم، هو يعلم أن "كارم" لا يعرف أية شيء عما حدث الفترة الماضية ولا حتى "أسما" تعرف شيء، كل ما كانوا يعلمونه هو ما حدث فى الماضي فقط وكانوا يظنون أن "لبنى" ماتت و"ديانة" مفقوده ولم يكنوا يعلمون شيئا عن رغبات "هناء" و"هاشم" و"جواد" فى الأنتفام


ليستجمع "جواد" كامل ثباته ويجيبه برد مُقنع بعض الشيء كى لا يتسبب فى شعور "ديانة" بالحرج، ليهتف بأعتذار:


_معلش بقى يا كارم كل حاجة جيت فجاة وحتى الفرح كان مقتصر على كتب الكتاب بس


أتسعت عيني "أسما" بصدمة مما قاله "جواد" وهذا يفسر سبب عدم رؤيتها لصور زفافهما وشعورها بالحزن عندما سألتها عنهم يوم زفاف "زينة" لتهتف "أسما" بإستفسار:


_معقول يا جواد!! أزاى يعني متعملهاش فرح؟


تدخل "كارم" مجيبا على سؤالها وكم راقه هذا الشيء لأنه هو بذات نفسه لا يفضل عمل حفلات الزفاف وتلك الأشياء الغير مفيدة ويراها فقط عادات وتقالبد غير مهمة، ليتفوه موجها حديثه نحوها قائلا:


_عادي يا أسما فيه ناس كتير بقت بتضايق من الأفراح والشكليات دي وبيفضلوا حفلة صغيرة فى كتب الكتاب


لم تقتنع "أسما" بهذا الكلام فهى من الاشخاص الذين يعشقون الأحتفالات ولو تستطيع أن تحتفل بكل مناسبة أو شيء مميز يحدث لكانت فعلتها، لتنظر نحو "ديانة" بإستنكار مردفة بإستفسار:


_أيه يا ديانة ساكته ليه؟


على الرغم من حزنها من تلك الطريقة التى تزوجت بها من هذا "الجواد"، وبالرغم من إنها أيضا شخصية عقلانية إلا إنها كانت تفضل أن يكون لها حفل زفاف مثل باقى الفتايات، ولكنها لم تظهر هذا الشيء


ليس أمامها الأن سوا أن تؤكد على حديث "كارم" حتى لا تثير الشكوك نحوها هى و"جواد" لتجيبها بهدوء:


_لا أبدا يا سوما، زى ما قال كارم كده بالظبط الفرح مكنش ليه لازمه وحبينا نختصر الموضوع


كادت "أسما" أن تستمر فى ذلك الجدال وتدافع عن رائيها فى ضرورة الأحتفال بمناسبة مثل هذه، لتقاطعها "ماجدة" التى لاحظت حزن "ديانة" وأبنتها التي تعلم إنها لن تتوقف عن الحديث مُطلقا، لتهتف "ماجدة" بحدة ونبرة غير قابلة لنقاش قائلة:


_أنا بقول نغير الموضوع أحسن


لاحظ الجميع تحفظ "ماجدة" فى إنهاء التحدث فى هذا الأمر خوفا على مشاعر "ديانة" وإنها تخشى أن تنزعج، ليغير "كارم" الحديث وعقب موجها حديثه نحو "جواد" مردفا بإستفسار:


_طب قولي بقى يا جواد أنتوا هتقعدوا هنا قد أيه؟


أجابه "جواد" مردفا بتوضيح:


_يعني أسبوع كده أو عشر أيام


أبتسم له "كارم" بسعادة وحماس وهتف وهو يغمز له قائلا:


_طب فرصة بقى نحتفل بيكوا أحنا هنا على الضيق


حاولت "ديانة" أن لا تكون وقحة معهم ولكنها أرتابت مما قاله "كارم" من أن يضعوها فى موقف ليس لطيفا مع هذا "الجواد" وكأنهما زوجين سعدين، لتعقب مُصطنعة الأبتسامة مردفة بإستفسار:


_تحتفلوا أزاى!


تدخلت "أسما" بالحديث مُجيبه على سؤال "ديانة" مُعقبة بكثير من الحماس واللهفة:


_يعني نتفسح كلنا يا ديدا ونطلع الشاطئ الخاص بتاعنا وتعيشوا يومين كده حلوين


شعرت "ديانة" بكثير من الإنزعاج لأن الجميع يُعاملهم وكأنهم قادمون لقضاء شهر عسل وليس للعمل الجاد، وهذا ما كانت تُخمن حدوثه لهذا كانت تفضل عدم المجئ، ولكنها قد أتت بالفعل، عليها الأن الأعتذار بطريقة لابقة لا تزعج بها أحد


لتهتف "ديانة" موجهة حديثها نحو "أسما" مُحاولة أن لا تحزنها بما ستقول مردفة بإعتذار:


_ كان نفسي يا أسما بس والله الوقت ضيق وأحنا ورانا شغل كتير جدا فى الشركة


لاحظت "ماجدة" ما تُحاول "ديانة" فعله والتملص من تلك الرحلة، لتتدخل هى الأخرى ضاغطة عليها لجعلها توافق على تلك الرحلة مُردفة بإصرار:


_وفيها أيه يا ديدا هو الشغل هيطير نخلص الشغل على مهلنا وننبسط سوا بردو


الجميع يضيق عليها نطاق الهروب من تلك الرحلة التى لا تعلم إلى ماذا يخططون لفعله بها ولكنها لا تستسلم، ستحاول مرة أخرى عساهم يستجيبوا لها، ولكن قاطعها "جواد" بسرعة بعد أن لاحظ ما هى مُقبلة عليه واضعا يده فوق قدميها مردفا بترحاب غير ظبالغ فيه قائلا:


_فكرة حلوه أوى يا عمتو، على الأقل أعوض ديانة عن شهر العسل اللى مطلعنهوش


قال جملته تلك وهو ينظر داخل زرقاوتي "ديانة" الذى رمقته بكثير من الغضب والإنزعاج وكأنها ستقتلع قلبه من بين ضلوعه من شدة الغضب، وسريعا ما أنزلت يدها بهدوء مُحاولة إبعاد يده عن قدمها ولكن دون فائدة، فقبضته كانت فلازية


بينما صاح "عامر" فى هذا الوقت مُلفتا إنتباهها هاتفا بترحيب وحماس قائلا:


_خلاص تمام أنا هكلمهم يجهزولنا الشاطئ وأرتاحوا النهاردة وبكرة وبعد بكرة نروح كلنا


صاح "كارم" هو الأخر مُتحمسا لذلك اليوم الذى سيقضيه بجانبهم وخصيصا بجانب "أسما" الذى يحبها منذ سنوات وهي أيضا تبادله هذا الحب، ليهتف بحماس:


_وأنا هخلص شوية حاجات كده ورايا وأجي معاكوا وأهى فرصة نكون كلنا مع بعض


أومأت لهم "ماجدة" بكثيرا من السعادة لهذا التجمع العائلي التى أفتقدته لكثير من السنوات، لتتنهد براحة كبيرة مردفة بترحاب:


_خلاص أتفقنا...


❈-❈-❈

فى طريق عودته إلى المنزل وهو فى قمة غضبة ويبدو عليه الكثير من الإنزاعاج، حقا من يراه الأن يظن إنه فى طريقه لإرتكاب جريمة ما، وهذا بعد أن وصلت له تلك الرسالة منها عن كونها موجودة فى البيت الان


دلف "مالك" إلى البيت ويبدو عليه الكثير من ملامح الغضب والتوتر والكثير من الإرتباك، بالإضافة إلى الكثير من القلق الذى كاد أن يقتله منذ قليل، بينما هى كانت جالسة على إحدئ الأرائك تشاهد التلفاز، ليتقد نحوها بخطواط صارمة، صائحا بها بنبرة عنيفة قائلا:


_أنتي مبترديش على الزفت ده ليه؟


نهضت "زينة" من مكانها هى الأخرى ببعض من الإنزعاج الذى إنتابها من طريقته تلك فى التحدث معها، وكأنه يحق له أن يتحدث معها من الأساس، لتصيح به هى الأخرى بنبرة مماثلة له مردفة:


_أنت بتزعق كده ليه ولمين؟ أنت أتجننت!


أمسكها "مالك" بقسوة وحدة من ذراعيها وقد أشتعلت عينيه أكثر وكأنها قاربت على إخراج النيران، ليصرخ بها تلك المرة بقسوة أكبر مردفا بحدة شديدة:


_لما أسألك على حاجه تردي عليا


شعر "زينة" بالتوتر الشديد من طريقته تلك، وكأنها رأت تلك النظرة فى عينيه من قبل، نعم نعم هى تتذكرها جيدا ولا تريد تجربة ذلك الأمر مرة أخرى، لن يكون من الجيد أن تتمادى بالحديث معه خصيصا فى تلك اللحظة، لتجيبه بكثير من الخوف والإتباك قائلة:


_الفون كان صيلنت ومسمعتهوش


صاح بها بكثير من التذمر وعدم تصديقها مُردفا بحدة:


_العشرين مرة مسمعتهوش، مجاش فى أيدك خالص بالصدفة


هى بالفعل كانت تستمع لإتصالته ولكنها لم تكن تريد أن تجيب عليه، لم تكن تريد أن تجعله يتمادى ويعود ليتبادل معها الحديث مرة أخرى على الهاتف كالسابق وكأن شيء لم يكن، لم تكن تعلم إنه سيغضب إلى هذه الدرجة


لتبتلع "زينة" برعب من طريقته معها خوفا من أن يفعل بها شيء أو يُعيد ما فعله تلك المرة، ولكنها حاربت كى لا تظهر هذا الضعف أمامه حفاظا على كبريائها، لتهتف به مُصرة على حديثها لعلها تجد الفرار من بين يديه مردفة بحدة:


_لا مسمعتوش وبعدين أنت ماسكني كده ليه!! حصل أيه يعني لما مردش عليك؟


أزداد من شدة قبضته على يدها وقد ضمها إليه بحدة شديدة وكأنه يريد أن يدخلها داخل ضلعوه، وقد ألتمعت عينيه بمزيج من الغضب والقلق فى أنً واحد، ليُعلن عما بداخله مردفا بنبرة شبه صارخة:


_فيه إني كنت هتجنن من القلق عليكي، فيه إني روحتلك المرسم ملاقتكيش وبرن عليكي عشرين مرة وأنتي مش بتردي، فيه إني شايف إنك زودتيها أوى ومش عملالي أي أعتبار فى حياتك


على الرغم من كل ذلك الصدق الذى تراه فى عينيه إلا إنها لا تريد الإستسلام له، فهى إلى الأن تشعر بالرعب منه وما يؤكد ذلك هو شعورها بتخبط قدميها الأن وإقترابها من السقوط أرضا، لتصرخ به بأعتراض شديد:


_وأعملك أعتبار بصفتك أيه؟


أقترب بوجهه من وجهها للغاية لدرجة أن شفاهما قاربت على لمس بعضهما البعض، لتشعر هى بسخونة أنفاسه الغاضبة تحرق وجهها وعينيه المتسعه التى تقسم إنها ترئ الجحيم بهم، ليهتف هو بحدة وإصرار:


_بصفتي جوزك اللى ليه كامل الحق يعرف أنتي رايحه فين وجايه منين وهتنزلي أمتى وترجعي أمتى؟ جوزك اللى لما يتصل بيكي تردى عليه مهما كنتي مشغوله


لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، تقسم إنها على وشك الإنهيار والبكاء الأن من شدة خوفها منه ومن هيئته تلك، لتشيح بوجهها بعيد عنه محاولة التهرب من نظراته تلك، متشبثة بكلماتها تلك قائلة:


_قولتلك مسمعتوش، وأبعد عني بقى أرجوك


قلت حدة ملامحه قليلا بعد أن لاحظ ذلك الخوف والإرتباك عليها، ولكن هذا لم يقلل من غضبه، ليصيح بها بنبرة تحذيرية أكثر من كونها خبرية مردفا بحزم:


_طب خلي فى علمك بقى، المرة الجاية لو مسمعتوش يبقي بلاها خروج من البيت أصلا


تركها بسرعة ودلف إلى غرفته مُتهربا من أية شعور بالضعف يمكن أن يسيطر عليه الأن، هو يتمزق بسبب خوفها ذلك منه، ولكنه كان عليه أن يفعل ذلك الشيء كى لا تتمدى فيما تفعله، فهو حقا كان سوف يجن من الخوف عليها


 بينما "زينة" بمجرد أن تركها ودلف الغرفة وأغلق الباب ورائه، خارت جميع قواها وسقطت أرضا وإنهارت فى البكاء بكثير من الخوف والحزن الشديد على تلك المعاملة التى عملها بها، نعم هى تعمدت عدم الرد عليه ولكنها لم تكن تتوقع أن يعاملها بتلك الطريقة أو إنها سوف تشعر بكل هذا الرعب منه


ظلت تبكي بشدة ولكن دون إخراج أية صوت منها حتى لا تلفت إنتباه وتجعله يأتي إليها مرة أخرى، هى الأن لا تريد رئيته مطلقا هى حقا الأن أقل ما يقال على ما تشعر به تجاهه هو إنها تكرهه بشدة...


❈-❈-❈

فتحت عينيها بهدوء شديد على ذلك الضوء الخافت المنبعث من خلف ذلك الستار المنسندل أمام النافذة، لتجد نفسها تتوسد صدره العاري كما أن كلاهما أيضا عاريا تماما، فى البداية شعرت بكثير من الصدمة ولكنها سريعا ما تذكرت ما حدث بينهم ليلة أمس لتشعر بكثير من الخجل


تنهدت "لبنى" بكثير من السعادة وشعرت بحاجة شديدة داخلها بأن تحتضنه الأن بشدة، وبالفعل أستغلت إنه غافي فى نوم عميق أو هذا ما كانت تظنه، لتمتد يدها وتحاوط صدره ونى تضمه إليها جيدا ولكن بهدوء شديد


لم يكن غافيا كفاية لكى لا يشعر بلماستها الرقيقة ويدها التى حاوطت صدره لتو، ليبتسم بداخله على تلك الأحاسيس الذى يجربها بعد حرمان دام لعشرون عاما، لينهد بسعادة وراحة مُردفا بحب وصدق:


_ياااه ده الجواز طلع حلو أوى يا جدعان


فزعت "لبنى" من صوته وقد شعرت بكثير من الأحراج من ذلك الوضع التى هى عليه الأن، لتحاول أن تسحب يدها وتفر من جانبه متناسية إنها عارية بالكامل، ولكن أوقفتها يده التى ضمتها إليه مرة أخرى مردفا بترجي:


_حرام عليكي، متحرمنيش من الإحساس الحلو ده


أشاحت "لبنى" بعينيها بعيدا عنه ونظرت إلى الأرض شاعرة بكثير من الخجل، بينما أقترب "هاشم" منها وهو يضمها إليه وقبلها بهدوء ولطف على شفتيها هاتفا:


_صباح الفل على أحلى عيون فى الدنيا كلها


_صباح النور


قالتها وهى تتحاشى النظر إليه، بينما أشتد "هاشم" فى عناقها وهى يرفع وجهها ليجعلها تنظر له مُردفا بكثير من نظرات العشق والمغازلة قائلا:


_هو أنا فعلا صحيت من النوم وأنتي دلوقتي نايمه فى حضني ولا كل ده حلم جميل وصحى منه تاني؟


أحمرت وجنتيها بكثير من الخجل من نظراته تلك وعدم مقدرتها على إبعاد عينيها عن خاصته بسبب محاصرة يده لوجهها، لتجيبه بنبرة متلعثمة:


_لا مش حلم


أبتسم "هاشم" بكثير من المكر عازما على أن يجعلها تتخلى عن أي ذرة خجل بينهم، الأن لم يعد هناك وقت او مكان للخجل، هما الأن أصبحا روحا واحدة فى جسدين، ليهتف بمكر وكلمات ذات مغزى قائلا:


_طب ما تأكديلي كده بالله عليكي لحسن مش قادر أصدق!


لم تتوصل إلى المغزى من كلماته تلك ولم تكن تدرك ما الذى يريد الوصول إليه، لتجيب عليه مردفة بإستفسار:


_أعمل أيه يعني؟


أقترب منها "هاشم" وكاد أن يقبلها مرة أخرى وهو يهمس لها برغبة حارقة قائلا:


_فكريني كده باللى حصل أمبارح عشان أتأكد إنه مكنش حلم


أدركت المغزى الحقيقي وراء ما يقوله وما يريد الوصول له  ليزداد شعورها بالخجل من يحدث ذلك الشيء مرة أخرى الأن، خصيصا وأن الوقت قد تأخر جدا وبالتأكيد ستكون "حسنة" قد أستيقذت، لتزجره مردفة بحرج:


_هاشم أعقل بقى أرجوك، زمان نور صحي من النوم


زفر "هاشم" بإستسلام وإحباط عما كان يريد، ليعقب بقليل من الإنزعاج والأسئ قائلا:


_أمم أبتدينا بقى وهتبدئي تتحججي ب نور، ماشي يا ستي هعقل بس بشرط


ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار مردفة بإستفسار:


_شرط أيه؟


أقترب "هاشم" ليقبل رقبتها بحب ورومنسية قائلا:


_نأخد شاور سوا


للحظة إنعقد لسانها من شدة خجلها ولكنها سريعا ما رتبت الحديث فى راسها وتفوهت به بقليل من التلعثم قائلة:


_بس يا هاشم أ...


لم ينتظر منها أن تعطيه أية مبررات، لينهض بسرعة من جانبها كاشفا عن جسديهما العاري، لتشعر "لبنى" بكثير من الخجل، بينما نهض "هاشم" من الفراش متجها إلى الجانب الأخر وسريعا ما أنخفض وحملها مردفا بإصرار:


_أنتي لسه هتبسبسيلي!!


نظر لها "هاشم" وهى تُطالعه بصدمة وهو يحملها بين يديه وكأنها فتاة صغيرة، ليقبلها "هاشم" بكثير من الحب والنهم متلذذا بمذاق شفتيها مردفا بكثير من الغزل قائلا:


_صباحية مباركة يا قلب هاشم


دلف المرحاض وهو لايزال حاملا إياها بين يديه وأغلق الباب خلفهم لكى يمارسان حياتهم الزوجية كأي زوجين طبيعين مُنزلين الستار على ذلك الماضى المؤلم مُرحبين بمستقبل مبهج ملئ بالفرحة والسعادة العارمة..


يتبع..