رواية ظلمات حصونه 2 منة أيمن - الفصل الثالث عشر
رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني
بقلم الكاتبة منة أيمن
الفصل الثالث عشر
رواية
ظلمات حصونه
كان مُستلقيا على فراشة بعد أن عاد من حفل عقد قيرانهما والذى كان بالنسبة له بمثابة حلم جميل نجح فى تحقيقه، وهذه هى أول ليلة وأول مكالمة هاتفية بينهم وهى زوجته وملكا له، ليهتف بكثير من الحب والسعادة الطاغية على نبرة صوته مردفا بقليل من المكر:
_وأخيرا يا صغنن بقيتي بتاعتي رسمي
أجابته بقليل من التحفظ الغير مبالغ به مُحاولة مشاكسته والمرح معه مُعقبة بتوضيح:
_على الورق وبس يا حبيبي، إنما الرسمى ده هيكون بعد الفرح إن شاء الله
ضحك مُستهزئا بحديثها الذى من الوضح إنها لا تعرف مدى صحته، ليهتف هو مُصححا لها وجهة نظرها مردفا بثقة وتأكيد:
_لا يا حبيبتي، شكلك مش فاهمة كويس تعالى أما أفهمك، إنتي بتاعتي من أول مره عيني وقعت عليكي فيها إنما دلوقتي أنتى على زمتي ولو جيت قولت لأبوكي لو سمحت يا عمي أنا عايز مراتي هيقولي خدها يا أبني، أنوي بقيتي على ءمتي وهتفضلي على ذمتي لحد أخر يوم فى عمري
هتفت بسرعة ناهية مايقوله بكثير من الحب واللهفة:
_ بعد الشر عليك يا حبيبي
أبتسم بكثير من السعادة لإكتراثها الشديد له وخوفها عليه، لتجدد بداخله أحاسيس كثيرة لم يشعر بها منذ سنوات طوال، ليعقب موجها حديثه نحوها مردفا بإستفسار:
_ خايفة عليا؟
ألتمعت عينيها بكثير من الحب الذى من سوء حظه إنه لا يراها الأن، لتهتف مجيبة على سؤاله بحب وصدق:
_ عمري ما خفت على حد فى الدنيا كلها قد ما بخاف عليك يا إياد
تنهد براحة شديدة وعلامات الرضا والسعادة تملئ قلبه مُشاركا إياها ما يشعر به مردفا برجاء وصدق:
_ بقالى كتير أوي محدش خاف عليا كده، ملك أرجوكي خليكي جمبي، أنا بجد مليش غيرك فى الدنيا كلها
صاحت مُعبرة عن مدى حبها مُطمئنة إياه بإنها لن تبتعد عنه أبدا واعدة إياه قائلة:
_ طول ما فيا الروح مفيش حاجه هتبعدني عنك أبدا يا قلب ملك
أبتسم "إياد" بفرحة كبيرة مما يستمع إليه منها، ليبادر فى سؤاله عن موعد لقائهم الأول بعد عقد قرانهم، فهو بالكاد يحتمل بعدها عنه، يريد أن تكون بجانبه اليوم قبل غدا، ولكن عليه أن يحتمل فلم يعد أمامهم سوا القليل، ليعقب مردفا بإيستفسار:
_ طب قوليلي بقى تحبي أعدي عليكي بكره الساعة كام عشان أتفق مع المهندس يقبلنا فى البيت عندي وتبلغيه بطلباتك
ضيقت "ملك" ما بين حاجبيها بإستنكار غير مُستوعبة لتلك السرعة التى يتعامل بها "إياد" مُردفة بتعجب:
_ بسرعة كده يا إياد؟! دا أحنا لسه كاتبين الكتاب من ساعتين بس!!
أضاف مُشاركا إياها ما يشعر به من إشتياق ولهفة لوجودها بجانبة مُعقبا بنبرة مليئة بالإحتياج:
_ عايز كل حاجه تخلص فى أسرع وقت ومش عايز حاجه تأخرنا، لو تعرفي أنا محتاج وجودك جمبي قد أيه بجد هتقدري تسرعي ده يا ملك
تفهمت "ملك" ما يقصده "إياد" وما يمر به من وحدة شديدة، وكم تشعر بالشفقة والحزن من أجله لكونه تحمل كل تلك السنوات بمفرده، حقا هذا الأمر مؤلم للغاية، لتهتف "ملك" مُعلنة عن رغبتها هى الأخرى فى التواجد بجانبه مردفة بصدق:
_ أنا كمان نفسي أكون جمبك النهاردة قبل بكرة يا إياد، بس بالعقل يا حبيبي وكل حاجه هتبقى تمام
حسنا هو يوافقها الرأى ولكن هذا لا يقلل من شدة لهفته لرأيتها فى أسرع وقت، ليضيف مُعقبا بمزيد من الإستفسار:
_ طب قولى بقى أعدي عليكي الساعه كام!!
ضحكت "ملك" بخفة على إصراره الشديد على تلك الخروجة، لتقرر أن لا تُكسر بخاطره ولكن أيضا لا تجاريه فى تهوره وسرعته تلك، عليه أن يتعلم الصبر ولو حتى القليل منه، لتجيبه مردفة بإستسلام:
_ بردو!! خلاص خليها بعد بكره، عدى عليا الساعة تلاته كده
على الرغم من إنزعاجه من إنه سيضطر أن ينتظر إلى ما بعد الغد إلا إنه وافقها الرأى مُتشبسا بذلك الموعد مُستغلا إياه، هاتفا بنبرة لا تقبل النقاش:
_ خلاص نتغدى سوا ونطلع على البيت عندي
أستوقفتها كلماته الأخيرة لتعلق مردفة بإستفسار:
_ البيت عندك ليه!!
ضحك "إياد" بخفة على تعليقها وكم تمنى لو كان متيقظا بما يكفى لكان شاكسها قليلا ولكن حقا هو يتحدث إلى الان بصعوبة كبيرة، ليضيف موضحا:
_ متقلقيش مش هكلك يعني، المهندس هيكون موجود
همهمت "ملك" بقليل من الحيرة ولكن فى النهاية وافقت على ما تفوه به مردفة بإستسلام:
_ أمممم، ماشى
لاحظ "إياد" تلك الحيرة فى نبرتها، ليحاول أن يطمئنها من ناحية مُضيفا بصدق حقيقى:
_ متخفيش يا ملك، أنا لا يمكن أأذيكى
أبتسمت "ملك" بخفة واثقة مما يقوله "إياد" مُعلنة عن ذلك الشيء قائلة:
_ متأكده من كده يا إياد، أنا بثق فيك جدا
أبتسم هو الأخر بسعادة وراحة من ثقتها تلك، ولكنه حقا لم يعد يستطيع التحدث أكثر من ذلك، فلقد توقف عقله عن التفكير وهذا اليوم حقا كان شاق جدا بالنسبة لهم، ليهتف بإستسلام قائلا:
_ وأنا قد الثقة دى يا قلب إياد، تصبحى على خير بقى لحسن فصلت خالص وبنام على نفسى
ضحكت "ملك" على ما تفوه به مُتخيلة منظره وهو يُقاوم ذلك النوم، ولكنها لم تكن تريد أن تُهلكه أكثر من ذلك لتعقب موافقة إياه قائلة:
_ ماشى يا حبيبي، وأنت من أهله...
❈-❈-❈
تجلس بالسيارة بصحبة عمها والسائق و"جواد" بالفعل مُتجهين نحو المطار لبدأ تلك الرحلة التى إلى وقتنا هذا تفكر فى سبب مقنع تعتذر من أجله عن تلك الرحلة، ولكن يبدو أن جميع الأشياء ضدها ولا تجد سبب واحد قط، يبدو إنه لم يعد هناك مفر، عليها الأستسلام لذلك
ظلت تطالع الطريق أمامها وهى جالسة بالخلف بجانب "هاشم"، بينما "جواد" كان يجلس فى الأمام بجانب السائق، وبالفعل لم يضيع دقيقة واحدة دون النظر إليها من تلك المرآة المُعلقة أمامه، وبالطبع لاحظ ذلك التوتر الشديد البادي عليها، بل وأصبح هو الأخر مُتوتر من أن تتراجع فى أخر لحظة
بينما لاحظ "هاشم" كل ما يحدث وذلك الصمت الذى يرتابه، وخصيصا من جهة "ديانة" فتلك الفتاة غير متوقعة نهائيا، ليقرر "هاشم" أن يكسر هذا الصمت موجها حديثه نحو كلاهما هاتفا:
_ أول ما هتوصلوا هتلاقوا ماجدة وعامر مستنينكم فى المطار، وبعدها السواق بتاع الشركة بتاعتنا هناك هيبقى تحت أمركم فى أي حته عايزين تروحوها
الرحمة يا عالم، ألم يكفي إنها مُضطرة تلك السفرية مع الشخص الوحيد الذي تتمنى أن تكون بعيدة عنه، لتضطر أيضا أن تجلس عند عمتها لتصبح محاصرة من كل الجهات؟ بابع هى تحبها ل "ماجدة" ولكنها تعلم إنها ليست على علم بتلك المشاكل بينها وبين "جواد"
ولأنها تعرف "جواد" جيدا فهي متأكدة من إنه سيتغل ذلك الوضع إلى صالحه جيدا جدا، لتحاول محاولة أخيرة عساها تجد الفرار، لتوجه حديثها نحو "هاشم" مردفة بإستفسار:
_ هو أحنا لازم نروح عند عمتو ماجدة يا عمي!! يعني مش ممكن ننزل فى أي hotel (فندق) هناك؟!
عمها ليس بالرجل الأحمق وبالطبع يدرك جيدا لماذا هي لل تريد الذهاب إلى "ماجدة"، تلك الفتاة حقا غير متوقعة مطلقا، ولكنه أيضا ليس بشخصا سهل على الأطلاق، ليجيبها "هاشم" مُضيقا عليها نطاق الهروب قائلا:
_ والله هى اللى صممت أول ما عرفت إنكوا نازلين هناك وحلفت إنكوا تنزلوا عندها، بصراحه مقدرتش أكسر بخاطرها، خصوصا إنها فرحت أوى بسفركوا دا
أومأت له "ديانة" بالموافقة شاعرة بالحرج من أن ترفض أو تتحدث بهذا الأمر مرة أخرى، هى تعلم جيدا ما عانته "ماجدة" بسبب "هناء" وإنها لا تقل تظلما عنهم، فالتأكيد لن تكسر قلبها وتجعلها تحزن الأن بعد أن تحسنت حالتها، ليُكمل "هاشم" حديثه محببا "ديانة" فى تلك الفكرة قائلا:
_ وبعدين يا ديانة حاولي تستغلي السفرية دى، هى مش هتبقى كلها شغل وخنقة يعني، حاولى تخرجى وتتفسحى مع أسما وتعملى shopping، الموضوع هيبقى مُسلى أكتر صدقيني، ولو قلقانة على نور متقلقيش فى الحفظ والصون ولبنى مش هتتوصى
أبتسمت له "ديانة" بمجاملة وعقبت موافقة إياها عما قاله مردفة بتوضيح:
_ عارفة يا عمى، هى بس زى ما قولتلك عشان أول مرة أسافر برا البلد وكده
ربط "هاشم" على كتفها مُشجها إياها بكلما زات مغزي هاتفا بتحفيز:
_ ومش هتبقى أخر مرة إن شاء الله
على الرغم من أن كلماته مستترة جدا إلا إنها أرتابت لما يقصده من هذا الحديث، وشعور قوى بداخلها يقول إنه يرمي بهذا الحديث عليها هى و"جواد"، لتدير وجهها وتنظر من نافذة السيارة، بينما "هاشم" وجه حديثه نحو أبنه هاتفا بشيء من المكر مُحفظا الأمور قائلا:
_ وأنت يا سى الأستاذ بلاش صياعة كل سفرية دى، أحترم نفسك المره دي
أتسعت عيني "جواد" بصدمة مما قاله والده، لينظر نحوها ليجدها لاتزال تنظر من ذلك الشباك، ليتمني لو لم تكن أنتبهت لما قاله والده، هو بالكاد يحاول التقرب منها ليلتي والده الأن ويريد أن يخرب كل شيء، هل يظن إنها سوف تعجب به لمجرد إنه منحرف!!
فليرحمه من ذلك التفكير وتلك الأقترحات، ليحاول تصليح ما أفسده والده بتلك الكلمات وهو يكز على أسنانه ويحاول توصيل رسالة ما إلى والده وهو يشير بعينيه نحو "ديانة" مردفا بتأكيد:
_ لا صياعة أيه بقى!! ربنا هدانا الحمدلله
بينما كلمات والده أتت بثمارها حقا وشغلت تفكير "ديانة" لا تستهون بعقل هؤلاء الأباء، فهم يعلمون أشياء مهما أكتسبت من خبرات لن تكون شيئا أمام خبراتهم، فتلك الكلمات التي تفوه بها "هاشم" جعلت "ديانة" تشتغل غيرة وتنهال عليها الكثير من الأفكار
ترى ما الذي كان يفعله ذلك المنحرف فى السفريات السابقة، يا إلهي هو سافر مرتين وهما متزوجان، هل يمكن أن يكون مارس ذلك الإنحراف أثناء تلك السفريات، أيها الحقير الملعون زيرُ النساء، لماذا إذا كان يحاول التقرل منها أم أن مثلما يقولن، البحر يحب الزيادة
بينما نظر "هاشم" بجانيه ليباحظ تشابك أصابع يد "ديانة" معبرتة عن غضبها وعن نتيجة ما قاله منذ قليل، ليبتسم ويعيد نظره نحو "جواد" مرة أخرى محاولا الحفاظ على هدوئه وعدم الأستسلام لتلك الضحكات هاتفا بتهكم:
_ ومش أى هداية، تروحوا وتيجوا بالسلامة يا حبايبي...
❈-❈-❈
فتح عينيه على ذلك الضوء الخافت المنبعث من خلف الستار داخل غرفته، لتمتد يده ليجد أن الساعة قاربت على الحادية عشر صباحا، ليتململ داخل فراشه ونظر بجانبه إلى النصف الأخر الفارغ بجانبه على الفراش
ليتحصر بداخله على ما هو به الأن، هما الأن متزوجان ويعيشان مع بعضهما وكأنهم غرباء عن بعض، يالسخرية على هذا الوضع الذى هم عليه الأن، كم يتمنى لو إنها هى من بجانبة الأن بدلا من تلك الوسادة! كم يتمنى لو يستيقظ فى أحد الأيام على وجهها وهى نائمة بجانبه!
ولكنه لن يستسلم وسوف تحقق أمانيه عما قريب جدا، نعم هو يعلم أن الأمر لن يكون هيننا ولكنه سوف يفعل كل ما بوسعه وأكثر، لن يترك تلك الفجوة بينهم تكبر أكثر من ذلك، شأت أم أبت هى زوجته ولن يترمها ولو ماذا فعلت به
نهض "مالك" من الفراش وأستعد لكى يخرج من غرفته متفحصا الأجواء بالخارج ليعلم إذا كانت أستقيقذت أم لا! تحرك فى ردة المنزل ليُفاجئ بخروج "زينة" من المطبخ وهى ممسكة بكوب من القهوة وشرائح التوست المحمص وعليها بعض الجُبن السائحة ويبدو عليها إنها مستعدة للخروج من المنزل بعد تناول ذلك الفطور
أقترب منها شاعرا بقليل من الغرابة من إستعدادها هذا بل ومرورها من جانبه وكأنها لم تراه، ولكنه لم يغضب ف على كل حال هو أعتاد تلك المعاملة القاسية منها، ولكن ما يثير غرابته هو إلى أين هى تود الذهاب، ليهتف بهدوء مُحدثا إياها بود:
_ صباح الخير
أرتشفت القليل من كوب القهوة الخاص بها وكأنها لا تستمع لما قاله، ليغمض هو عينيه مبتلعا ذلك التجاهل الذي تعامله به وكم ملل تلك المعاملة، ليزفر بضيق وحنق وطالعها مرة أخرى متفحصا إياها وملابسها التى بالمناسبه كانت غاية فى الأناقة والأحترام، تلك البدلة السوداء التى تصرخ بالأنوثة والوقار، مصاحبة ذلك الحذاء العالى بنسبة غير مبالغ فيها وتلك الجديلة التى زادت شعرها جمال ومنحتها قوة فوق قوتها
لينظر مرة أخرى إلى وجهها متقصدا عينيها وكم كان يود أن يصرح لها عن مدى أعجابه بها وبملابسها الأنيقة وتلك اللمسات البسيطة التى تبرز جمالها، ولكنه يعلم إنها ستوبخه إن فعل هذا، ليتحدث بالمهم الأن ويحتفظ بإعجابه إلى نفسه، ليهتف بنبرة فضولية أكثر ما هى أستفسارية قائلا:
_ هو أنتى لابسة كده ورايحة فين؟!
أنزلت قطعة الوست من يدها ووضعتها فى الصحن أمامها وهى تنظف يديها مقابلة إياها بنبرة هادئة وباردة أول مرة تتحدث بها مجيبة على سؤاله بسؤال أخر قائلة:
_ هو أنا بسألك أنت رايح فين وجاى منين!!
تنهد "مالك" مُحاولا التحكم فى غضبه الذى لم تفشل مرة واحدة فى إشعاله، وكانه متقصدة أن تخرج أسوء ما فيه لتكون هذه هى حجتها فى كل مرة، ولكنه لن يجعلها تنجح فى هذا، هو ترك غضبه يسيطر عليه من قبل وهما الأثنان ندما على هذا، ولكن هذه المرة لن يحدث ذلك، ليجيبها مستحضرا كل ما لديه من هدوء لكي يقابل نبرتها الباردة هاتفا:
_ أنتى مش عايزة تسأليني أنتى حره، مع إنك لو سألتي أنا هرد عليكي وهعرفك لأن ده حقك، زى ما أنا كمان حقي أسألك دلوقتي أنتي رايحه فين كده؟
كانت تستمع إلى إجابته وهى ترتشف مجددا بعض القطرات من تلك القهوة السوداء الخاصة بها، لتنزل الكوب مرة أخرى وهى لاتزال مُحافظة على هدوئها مُعقبة بجمود وملامح فارغة:
_ مالك مش عايزه أفكرك تاني إن لا أنا ولا أنت لينا حقوق عند بعض أصلا، أحنا متجوزين على ورق بس، ومع ذلك هريحك وأقولك انا رايحه فين عشان مش عايزه صداع ووجع دماغ على الصبح، أنا رايحه المرسم بتاعي
على الرغم من لازاعة كلماتها وقسوة ملامحها وذلك الجمود الذي تعامله به، إلا إنه لم ينزعج منها، يكفي إنها أخبرته إلى أين هى ذاهبة وهذا سيعطي فرصة لتبادل الحديث أكثر فيما بينهم، لعله يجد طريقة يكسبها بها مرة أخرى، ليعقب مستفسرا عن ذلك القرار قائلا:
_ وده قررتيه فجاة كده!!
أمسكت بالكوب مرة أخرى وكأنها تكتسب قوتها وقسوتها من ذلك المشروب المر الذى لم تكن تشربه مرا فى يوم من الأيام، ولكن ما تعرضة له من قسوة ومرار جعلها تُحاول التأقلم معه عساها تصبح قوية هى الأخرى
لتجيبه بمزيد من الجمود والقسوة وكأنها داخل حرب أهون عليها أن تموت بها قبل أن تُهزم، لتعقب بحدة:
_ لا بقالى فترة مقررة ده عشان فى مسابقة كبيرة شاركت فيها من مدة وبحضرلها بقالي فترة، وياريت متحاولش تسألني عن تفاصيل الموضوع ده أو تحاول تناقشني فيه عشان أكيد إنت عارف أخرة الحوار ده هتكون أيه!! ف وفر على نفسك وعليا المناقشة المملة دى
كانت متوقعة منه أن يصرخ عليها أو يغضب من طريقتها أو حتى يُحاول أن يمنعها من فعل ذلك الشيء لإنها لم تهتم بوجوده فى حياتها، بل وكانت مستعدة لتلك المعركة جدا وستنهال عليه بكثير من الكلمات القاسية والأزعة التي ستجعله يندم على الحديث معها
ولكنه فاجأها للغاية بما فعله، وكأنه يقرأ أفكارها ويعلم ما تخطط له، ليفسد كل ما كانت تفكر به، فهو أبتسم لها بترحاب شديد وصادق على ملامحه ونبرة صوته الذي صرحت عما يدور فى رأسه مُردفا بهدوء:
_ ومين قالك إنى هناقشك فى الموضوع ده!! دي حاجه كويسة جدا إنك ترجعي تمارسي هوايتك المفضلة وتخرجي وتعيشي حياتك بصورة طبيعية، أنا مش مُحتكرك يا زينة وعارف إنك ليكي حياتك الخاصة بيكي، وعاف قد أيه أنتى بتحبي شغلك، وبجد هكون أسعد إنسان فى الدنيا وأنا شايفك بتنجحي قدام عنيا
ما الذى يحاول أن يفعله الأن بحق السماء، هل يحاول أن يظهر لها الأن إنه يكترث لنجاحها وهوايتها المفضلة! هل هذه طريقة جديدة يُحاول كسب ثقتها بها!! أم إنه حقا صادق ويريد أن يراها سعيدة حتى لو بعملها؟
أيا كان ما يفكر به فهي قد شعرت بالحرج الشديد مما قاله، فهى هاجمته بطريقة قاسية وجامدة عازمة على مشاجرته، بينما هو قابله بكل هدوء ولطف بل ورحب جدا بما قالته على الرغم من إنها لغت وجوده نهائيا.
لترفع كوب القهوة أمام شفتيها وأشاحت بعينيها بعيدا عنه متحاشية النظر له، تحاول الهرب من ذلك الأحراج مُعقبة بهدوء وإقتضاب:
_ شكرا
أبتسم لها "مالك" على ذلك الخجل والأحراج الذى قرأهم فى عينيها، ليجيبها شاعرا بكثير من الحب مُعقبا بهدوء:
_ العفو، ودلوقتى بقى لو سمحتى أستنينى أغير هدومى وأجى أوصلك فى سكتى
لن يترك تلك الفرصة تضيع من يده، فهى الأن لطيفة للغاية معه مقارنة بتلك المعاملة التى تعامله بها دوما، عليه إستغلال تلك الفرصة لإنها لا تتقرر كثيرا، بينما هى لم تستطيع نهره مرة أخرى بسبب ذلك الأحراج الذي جعلها تشعر به بسبب رده اللطيف على كلماتها السامة
ولكنها أيضا لن ترحب بفكرة تواجدها معا مرة أخرى، ولو ماذا حاول أن يفعل، هى لن تقع له مرة أخرى، يكفى ما فعله بها، لن تعطيه ثقتها مرة أخرى، لتجيبه مُعقبة بحدة وإقتصاب:
_ ملوش لزوم أنا أتصلت بالسواق بتاعى وزمانه جايب العربية وجاى يوصلني و..
قاطعها مُصرا على طلبه، بل مُستميتا عليه، لن يجعلها تضيع عليه تلك الفرصة ولو ماذا قالت، ليُعقب بمزيد من الأصرار مُردفا بإلحال:
_ بس أنا نفسي أجي أوصلك أنا لحد المرسم، وأرجوكى مترفضيش طلبي ده
لم يكن أمامها خيارا أخر، فهو ضيق عليها الأمر للغاية، أومأت له بالموافقة وأستسلمت لطلبه، عازمة على أن تكون هذه أخر مرة تسمح فيها بتبادل الحديث فيما بينهم لأنها من يندم بالنهاية
بينما أبتسم "مالك" بكثير من السعادة وسريعا ما ألتقط باقي شريحة التوست بالجُبن المتبقية منها واضعا إياها فى فمه وهو ينهض من كرسيه مُتجها نحو غرفته مُعقبا بلهفة وحماس:
_ عشر دقايق بالظبط وأكون جاهز
أبتسمت "زينة" على تلك الأفعال الذي يقوم بها، وكأنه طفل فى الثامنة من عمره، ما الذي يحاول أن يصل له بكل هذه الأفعال الذى يقوم بها! أيا كان ما يريد الوصول له، هى لن تسمح بذلك أن يحدث مجددا...
❈-❈-❈
وصل كلا من "جواد" و"ديانة" وأنهيا بالفعل من إستلام حقائبهم، وها هى "ديانة" قد شعرت بالراحة بمجرد أن نزلت من تلك الطائرة، كم كانت تشعر بالتوتر الشديد وهى فى تلك الطائرة، نعم فهذه أول مرة لها أن تركبها، حتى إنها لم تستطيع النوم طوال الرحلة
بينما "جواد" كان يلاحظ قلقها هذا وكم كان يود أن يحتضنها ويطمئنها إنه بجانبها ولن يحدث أية شيء، ولكنه لم يكن يريد أن يصبحوا العرض الخاص لطائرة بأكملها، فهو لا يتوقع ردود أفعالها مٌطلقا، ولهذا قرر أن يطمئنها بنظراته فقط
بمجرد أن وقعت عيني "ماجدة" عليهما سريعا ما أتجهت نحوهم وعانقت "ديانة" بكثير من الحب والأشتياق هاتفة بترحاب شديد:
_ حمدلله على السلامة يا حبايب قلبي
بأدلتها "ديانة" العناق بحب وإشتياق متبادل مردفة بود:
_ الله يسلمك يا عمتو
تقدم "عامر" هو الأخر نحو "جواد" مُعانقا إيها بإبتسامة ود وترحاب هاتفا ببعض من المرح:
_ نورتوا لوس أنجلس يا ولاد الغالين
ليبادله "جواد" العناق وهو يضحك على ما تفوه به "عامر" مُجيبا إياه بمرح مماثل له قائلا:
_ طب بالزمه ده مثل يتقال فى بلد زى دى يا عمي!!
ضحك "عامر" بمرح شديد مُجيبا إياه قائلا:
_ يا عم هو حد فاهم حاجة!
ضحكوا جميعا على مرح "عامر" الذى لا يتوقف عنه أبدا، فهو تميز بين أفراض العائلة بأنه صاحب الظل الخفيف والمرح أيضا، لتهتف "ماجدة" بلهفة وحماس كبيرات قائلة:
_ طب يلا بقى على البيت ونكمل ترحيب هناك
وبالفعل أستقلوا جميعا السيارة وجلس "جواد" فى المقدمة بجانب "عامر"، بينما "ديانة" بالخلف بجانب "ماجدة" وسريعا ما عادو إلى المنزل معا، وبعد وقت قليل وصلوا البيت، وبمجرد أن أستمعت إليهم "أسما" حتى خرجت كى تستقبلهم بحديقة المنزل وترحب بهم
أسرعت "أسما" فى إحتضان "ديانة" مُعقبة بلهفة وأشتياق:
_ ديدا حمدلله على السلامة يا حبيبتي
بادلتها "ديانة" العناق بكثير من الحب والود مُعقبة:
_ الله يسلمك يا سومي
مدت "أسما" يدها مُصافحة "جواد" مرحبة به مُضيفة بود:
_ حمدلله على السلامه يا جواد
بأدلها "جواد" المصافحة بود مشابه، فهى أيضا تُعتبر شقيقته ولكن المعاملة بينهم ضمن الحدود بسبب إنها سافرت مع والدها منذ زمن طويل ولم تكن العلاقة بينهم قوية كفاية، ليضيف بإستفسار:
_ الله يسلمك يا أسما، وكارم عامل أيه؟
أبتسمت له "أسما" مُجيبة على سؤاله مُعقبة بتوضيح:
_ الحمدلله تمام، هيخلص شوية حاجات كده وراه وهيجى عشان يسلم عليكوا
شعرت "ديانة" بالغرابة من أسم ذلك الشاب الذي ينطق أمامها لأول مرة، هل يكون أبن عمتها "ماجدة" هو الأخر؟ ولكنها على حد معلوماتها أن عمتها ليس لديها سوا فتاة واحدة فقط ولا تملك أولاد سواها، وعلى الرغم من تعجبها من هذا الأمر إلا إنها لم تسأل أحد
ليقطع تفكيرها صوت "ماجدة" صائحة بحماس شديد:
_ طب يلا على جوا بقى ونكمل كلام براحتنا
دخلوا جميعا إلى المنزل وجلسوا معا فى ردهة البيت ليتبادلوا الحديث فيما بينهم، بكثير من الحب والدفئ العائلي، يعقب "عامر" موجها حديثه إلى كلاهما هاتفا بعتاب:
_ يعنى هو الواحد ميشفكوش غير عشان الشغل بس؟
أجابه "جواد" على سؤاله بهدوء ومراعة لماكنته، فهو فى مقام والده ووالد "ديانة"، هو بالنهاية أبن عم والده، ليهتف "جواد" موضحا بإحترام:
_ أنت عارف بقى يا عمى ضغط الشغل وحالة نور
تدخلت "أسما" سريعا بالحديث مستفسرة عن ذلك الطفل الصغيرة وعن سبب عدم إحضارة معهم مردفة بقليل من الإنزعاج والعتاب:
_ صحيح أنتوا مجبتهوش معاكوا ليه!!
أجابتها "ديانة" بهدوء مُحاولة توضيح الأمر له قائلة:
_ سبتوا مع ماما أحسن من بهدلة السفر وهو لسه صغير جدا وضعيف وميستحمل السفر المده دى كلها
وأفقتعا "ماجدة" الرأى عازمة على إشعال الأجواء قليلا وملقية ببعض الكلمات ذات المعنى مردفة بحماس:
_ يلا خير، كده كده لبنى هتخلى بألها منه كويس، وبعدين مصلحة أهو تعيشولكوا يومين حلوين
شعرت "ديانة" بالحرج الشديد مما تفوهت به "ماجدة" وقد أبتسمت لها وعزمت على أن تصمت لكي لا تنجرف معها فى هذا الحديث، بينما "ماجدة" قد لاحظت بالفعل توتر "ديانة" وإجرجها لتبتسم بخفة وصاحت منادية على العاملة قائلة:
_ ليندا
سريعا ما أتاتها العاملة مجيبة على ندائها مردفة بإحترام:
_نعم يا سيدة ماجدة
أضافت "ماجدة" مستفسرة عن حال الغرفة التى طلبت منهم أن يقوموا بتجهيزها من أجل "جواد" و"ديانة" والتأكد من أن كل ما طلبته منهم قد تم بالفعل، تعقب بهدوء:
_ هل أنتهيتم من تجهيز الغرفة؟
أومأت لها العاملة بالموافقة والتأكيد على إستفسارها هاتفة بإحترام:
_ أجل يا سيدتي
أبتسمت لها "ماجدة" بإمتنان وود شاكرة إياها مُعقبة بهدوء:
_ حسنا يا ليندا، أخبريهم أن يبدأوا فى تحضير الطعام
أنصاعت العاملة لأوامرها برسمية وود مُعقبة:
_ حسنا يا سيدتى
حولت "ماجدة" نظرها نحو كلا من "جواد" و"ديانة" وكم هى متحمسة لبدأ تنفيذ مخطتها هى و"هاشم"، لتعقب بحب وإهتمام قائلة:
_ تعالوا بقى أما أوريكوا أوضتكم عشان تغيروا هدومكم وتأخدوا شاور عقبال ما يحضروا الأكل
نهض كلاهما معها و"ديانة" كانت منزعجة جدا مما يحدث، فهذا ما كان تخشى حدوثه، لما يجب عليها أن تمكث مع هذا "الجواد" فى غرفة واحدة؟ لما جميع الأمور تسير عكس ما تريده هي؟
بينما "جواد" كان ممتنا جدا لكل ما يحدث لهما، ورأسه مليئة بالأفكار والأشياء الذى من المؤكد أن يستغلها فى التقرب من "ديانة"، حقا هو ممتن جدا لولده ولتلك السفرية التى لن يتركها تمر هكذا دون الأستفادة منها وإرجاع "ديانة" له مرة أخرى
دلفوا جميعا إلى الغرفة، لتريهم "ماجدة" إيها، وكم كانت غرفة جميلة ومنظمة ولمن لم يكن بها أية أريكة، وهذا بالفعل من تخطيط "ماجدة" لكى يطران أن يناموا معا على الفراش، يبدوا إنها ليست بهينة على الأطلاق
كل شيء بتلك الغرفة يجبرها على الجنون ذلك الفراش المُندم والذي يبدوا وكأنه زُين خصيصا لعروسين، وتلك الأضواء الخافته والورد المتساقط فى كل مكان، هل جاءت لتنهي بعض الأعمال الخاصة بالشركة، أم جائت لتقضي شهر عسلا!!
الغرفة بأكملها شيء وذلك المرحاض شيء أخر، ما أمر ذلك المرحاض، هى لم يسبق لها وأن رأت مرحاض كهذا، حوض إستحمام كبير يسع شخصين معا، وكأنه مسبح صغير بالإضافة إلى تلك العطور المثيرة الموضوعة على حافته، وتلك الكبينة الخاصة بالإستحمام والذي هي محاطة بزجاج شفاف أيضا، هل تمزح عمتها معها الأن؟
ولكن ما أثار توترها وإرتباكها حقا هو باب وحوائط ذلك المرحاض، هل حقا جميعها من الزجاج! كيف يمكن هذا، فهى من المنصف السفلي عبارة عن زجاج أسود شفاف ومن المنصف الأعلى زجاج عادي لا يستر ما خلفه، هذا حقا جنون!!
لتقطع "ماجدة" شرودها موجهة حديثها نحو كلاهما مُعقبة بإستفسار عن رائيهم بالغرفة قائلة:
_ يارب بقى الاوضة تكون عجبتكوا
كلا كلا، لم تعجبها على الأطلاق، هذه ليست غرفة نوم، بل هى غرفة عذاب بالنسبة لها، كيف ستدخل إلى هذا المرحاض وكيف ستتحمم!! هى لن تخلع ملابسها ويراها ذلك المنحرف، ولكن لم بكن عليها سوا إرضاء "ماجدة" كى لا تكسر قلبها، فى النهاية هى لا تعلم حقيقة الأمر بينهم
لتبتسم "ديانة" بصعوبة بالغة مُصطنعة إعجابها بتلك الغرفة كى لا تحزن عمتها مردفة بكذب:
_ جميلة جدا يا عمتو، تسلم أيدك
لم يكن هناك الأن أسعد من "جواد" على وجه الأرض، فهو أيضا رأى تلك الغرفة وتلك الأشياء الغريبة، ولكن ردة فعله كانت عكس "ديانة" تماما، فهو أمتن كثير لأفكار عمته التى من المؤكد إنها تعلم كل شيء، فهذه الأشياء لا يمكن أن تكون فعلتها صدفة!!
صدفة أو مخطط لها! لقد راق له ذلك الشيء كثيرا، يبدو إنه سيستمتع بتلك السفرية كثيرا، حسنا مرحبا بكي فى لوس أنجلس زوجتي العزيزة
لتعقب "ماجدة" بكثير من الحب موجهة حديثها نحو "ديانة" مُردفة بقليل من المكر:
_ أنتى اللى جميلة يا روح قلب عمتو، يلا خدوا شاور وغيروا هدومكوا وأحنا مستنينكوا تحت
يأخذوا حماما معا نعم هذا ما ينقصها الأن، لتبتسم لها "ديانة" بإقتضاب شديد محاولة عدم إظهاره مردفة بهدوء:
_ حاضر يا حبيبتي
خرجت "ماجدة" من الغرفة تاركة "ديانة" و"جواد" بمفردهم وبداخلها ستنفجر من الضحك على تعبيرات "ديانة"، بينما زفرت "ديانة" براحة بعد خروج "ماجدة" من الغرفة وكانها لم تكن تستطيع التنفس
لتلتفت "ديانة" خلفها لتجد عيون "جواد" مُسلطة عليها بتركيز شديد وكأنه سيخترقها بزرقاوتيه اللامعتان تلك، ظل ينظر لها مُطولا بنظرات لم تتوصل إلى معنها، إلى أن شعرت "ديانة" بالتوتر الشديد من تلك النظرات
لتحاول "ديانة" السيطرة على ذلك الإرتباك وصاحت به مُصطنعة القوة والثبات، مُردفة بحدة وقد رفعت إحدى حاجبيها مستفسرة عن سبب نظرته تلك قائلة:
_ نعم؟!
أجابها "جواد" وهو يطالعها بكثير من النظرات الغير بريئة أبدا مُضيفا بمشاكسة:
_ مستني
هتقت "ديانة" بسخرية من كلمته مُعقبة بإستهزاء ولم تصل إلى المغزي الحقيقي مما قاله:
_ مستني أيه!!
أبتسم "جواد" بمكر شديد والرغبة تتطاير من زرقاوتيه هاتفا بنبرة تغزل طاغية على حديثه قائلا:
_ نأخد الشاور
وكأن تلك الكلمة كانت بمثابة عصا غليظة ضربت بها على مفصل قدميها مما حطم أعصابها وجعلتها أيلة لسقوط فى أية لحظة، شعرت بالخجل الشديد من تخيلها لذلك الشيء وكم كانت تتمني لو أن تصفعه الأن على ما قاله
ولكنها أكتفت ببعض النظرات المشمئزة منه وسريعا ما فتحت حقيبتها وأخرجت منها فستانها ودلفت إلى غرفة الملابس اللأحقة بغرفتهم، بينما ظل "جواد" يضحك على ردة فعلها وتلك الحمرة التي كست وجهها، ليعزم على أن لا يضيع فرصة لتقرب منها ولو ماذا فعلت...
❈-❈-❈
وصل كلا من "مالك" و"زينة" إلى المرسم الخاص بها، كادت "زينة" أن تخرج من السيارة مُتهربة من أي محاولة من "مالك" لفتح الحديث معها، ولكنه كان أسرع منها تلك المرة، وهتف بإستفسار:
_ هتخلصي الساعة كام!!
بالطبع أدركت المغزى وراء سؤاله هذا، وحقا لا تريد أن ينتصر هذه المرة أيضا، لن تتركه يتمادي معها فى المعاملة، لتعقب "زينة" بنبرة حازمة وصارمة قائلة بنهي:
_ مش عارفة لسه، بس منين ما أخلص هخلى السواق يعدي ياخدني
على الرغم من ملاحظته لرفضها القاطع من فكرة أن يأتي ليقوم بتوصيلها مرة أخرى، إلا إنه حاول مجددا لعلها توافق كما فعلت من قليل، ليهتف "مالك" مُقترحا عليها أن يأتي ليأخذها هو وإظهار ترحيبه بالفكرة أمامها هاتفا بقليل من الإلحاح:
_ طب ما أنا ممكن أعدي وأخدك و..
قاطعته بنبرة حازمة مُعبرة عن مدي رفضها لتلك الفكرة وكم كانت تبدو وكأنها تنتظر أن يُعارضها لتفتعل معه مشكلة لم تنجح معها فى الصباح، لتهتف بحدة وإصرار:
_ متشكرة جدا بس حقيقى ملوش لزوم، وبعدين أنا محتاجه السواق عشان لسه فيه شوية مشاوير وشوية حاجات هجبها
لاحظ "مالك" ما تحاول أن تفعله وتصكيمها الشديد على أن لا يأتي ويأخذها، وكأنه شخصا غريبا عنها حقا، شعر بكثير من الإحراج من أن يطلب منها مرة أخرى، لينهد بإستسلام وأنصاع لرغبتها مردفا بهدوء:
_ خلاص اللى يريحك، بس خلى بالك من نفسك
أومات له "زينة" بالموافقة وهى تخلع حذام الأمان عنها وتترجل من السيارة هاتفة بإقتضاب:
_ حاضر
ترجلت "زينة" من السيارة وسريعا ما ذهب نحو المرسم الخاص بها، ليظل "مالك" يتابعها من الخلف وهى تسير أمامه إلى أن أختفت من أمامه، ليتنهد بقلة حيلة وحزن شديد على ما هم عليه، ليحرك سيارته وينطلق هو الأخر إلى عمله...
❈-❈-❈
جلتست "ديانة" كى تحادث والدتها مُستغلة إنه يأخذ حمامه بعد أن أنتهت هى منه ومن تبديل ملابسها فى حجرة الملابس التصلة بالغرفة الخاصة بهم
_ حمدلله على سلامتكوا يا حبيبتي
صاحت بها "لبنى" بحب وهدوء موجهة حديثها نحو "ديانة" عبر الهاتف، لتجيبها أبنتها بحب متبادل رادفة بلهفة أمومية:
_ الله يسلمك يا ماما، نور عامل أيه!!
والدتها تُقدر قلقها ولهفتها فى السؤال على طفلها، لتجيبها بابتسامة هادئة مُطمئنة إياها قائلة:
_ نور كويس يا قلب ماما، أخد الرضعة بتاعته ونام أهو فى الأوضة عندى ودادا حُسنة أعده معاه
أعتلت ملامح العبوس وجه "ديانة" وشعرت بعدم الراحة بسبب بُعدها عن طفلها، وهذا بجانب إضطرابها لكونها خارج البلاد لأول مرة فى حياتها وبرفقة هذا الجواد، بالإضافة إلى الحالة الصحية السيئة التى يمر بها طفلها منذ أن ولد، لتعقب بكثير من الندم والحيرة:
_ أنا حاسه إنى ندمانة عشان سبته وسافرت، أنا بفكر أرجع تانى
والدتها تعرف تماما ما تمر به، نعم فهي أيضا أم وسبق لها وأن شعرت بتلك المشاعر وذلك الإشتياق ولكن حينها كان الأمر يختلف تماما، لتهون عليها "لبنى" وتحاول أن تُطمئنها وتجعلها تستسلم لذلك الأمر بكونها الأن خارج البلاد وعليها ألا تقلق على طفلها فهو فى رعايتها الأن:
_ بطلي جنان بقى يا ديانة أنتي لسه واصله حالا، وبعدين نور فى أمان معانا هنا متقلقيش عليه
لا تعلم لماذا تشعر بكل هذا التوتر والتخبط، هل حقا لإنها خارج البلاد لأول مرة بحياتها!! أم لإبتعادها عن طفلها!! أم لإنها بجانب هذا "الجواد" فى تلك الغرفة اللعينة وستظل هكذه لعدة أيام قادمة لا تعلم كيف ستتصرف فيها أو ماذا سيفعل هو مُستغلا ذلك الأمر، لتهزي "ديانة" بما تُفكر به، لتنطق بتلك الكلمات دون إنتباه منها:
_ يا ماما أنا مش قلقانه عليه وهو معاكوا، أنا حاسه إن أنا اللى محتاجه وجوده معايا مش هو اللى محتاجنى، أنتى عارفه يا ماما أى أم بتتعلق بطفلها قد أيه وبيبقى من الصعب جدا عليها تبعد عنه، وكمان أنا مش عايزه نور يحس إنى بعيده عنه، عايزه أعوض معاه كل اللى أنا أتحرمت منه و...
سكتت من تلقاء نفسها عندما شعرت إنها قد إنجرفت فى الحديث دون وعي منها، لتيقظ ذلك الجرح بداخل والدتها دون قصدها، بينما "لبنى" بالفعل شعرت بغصة شديدة تكونت فى حلقها مما قالته أبنتها، تلك الكلمات التى إنغرست داخل قلبها، على الرغم من أن الأمر لم يكن بيدها، إلا إنها تشعر بالذنب تجاه أبنتها وتجاه نفسها
ولكنها لم تُرد أن تظهر ذلك التأثر والحزن أمام أبنتها، حتى لا تشعر بالندم على ما قالته بعفوية شديدة منها، ولكن "ديانة" بالفعل أنتبهت لما لبخت فيه بالحديث وشعرت بالندم الشديد على ما تفوهت به وهتفت مُعتذرة منها عما قالت:
_ ماما أنا أسفه، والله ما كان قصدى
حاولت "لبنى" قدر المُستطاع عدم إظهار تلك البحة فى صوتها وعدم إظهار تأثرها بهذا الحديث لكي لا تحزن أبنتها، لتهتف مُصطنعة عدم التأثر بما سمعته قائلة:
_ أسفه على أيه يا ديانة، أنتى معاكى حق يا حبيبتى، أى أم بتحتاج وجود طفلها معاها زى ما هو بيحتاجلها بالظبط، أحنا كمان بنستمد قوتنا منهم يا ديانة، ربنا يا بنتى ميحرمكوش من بعض أبدا وأنتى اللى تربيه وتشوفيه عريس كمان
حاولت "ديانة" أن تُجبر بخاطر والدتها على ما تفوهت به وعلى ذلك الألم الذى ذكرتها به وتلك المعاناة التى ظلت تُعانيها لسنين طويلة هاتفة بحب وصدق:
_ أنا وهو محتاجينك يا ماما، أنا من غيرك مش هعرف أربيه لإنى محتاجه حنانك أنتى عشان أقدر أنا أحس يعنى أيه حنان الأم اللى بجد وأقدر أديه لأبنى
ليس من السهل أن تدعي القوة وعدم التأثر بشيء وأنت بداخلك تموت ألما منه وتتمزق إربا من شعورك به، هذا بالضبط ما كانت تمر به "لبنى" تحديدا فى تلك اللحظة، ولكنها حاربت كي لا تُظهر هذا الضعف:
_ هحاول على قد ما أقدر محسسوش إنك مش هنا لحد ما تكملوا سفريتك على خير وتيجى تراعيه أنتى بنفسك يا حبيبتى
على الرغم من معرفتها بما تمر به والدتها إثر ما تفوهت به، إلا إنها لا تعلم ماذا تقول لكي تهون عنها، تتمنى حقا لو كانت أمامها الأن لتضمها إلى صدرها وتعتذر منها طوال اليوم لعلها تخفف عنها، ولكن ماذا بيدها الان سوى إخبارها بكم هى أم عظيمة وجميلة للغاية:
_ أنتى أعظم أم فى الدنيا يا ماما
لم تعد قادرة على إصطناع تلك القوة أكثر من ذلك، عليها الهروب الأن قبل أن تنهار رغما عنها وتسبب الحزن لأبنتها، لتضغط على نفسها وتستغل أخر ذرة تحمل لديها مُردفة بهدوء:
_ وأنتى أجمل بنت فى الدنيا يا ديانة، ويلا بقى روحى أرتاحى شويه وأبقى سلميلى على ماجدة وعامر وأسما
لم تكن "ديانة" تريد أن تضغط عليها أكثر من ذلك وتستسلم لذلك الإنسحاب الذى من المؤكد إنه سيعقبه انهيار شديد جدا:
_ الله يسلمك يا حبيبتى حاضر
_ مع السلامة
قالتها "لبنى" وهى تسرع فى إنهاء المكالمة سامحة لنفسها بالإنهيار الشديد مُحاولة إخراج كل ذلك الكبت الذى تحمله بداخلها منذ فترة طويلة جدا، لتنهال عليها الكثير من الذكريات المؤلمة التى لم تغيب يوما عن بالها
من الصعب جدا على المرء أن ينسى جزء بسيط من ماضية ترك أثر شديد بداخله، ما بالك إذا بالماضى بأكمله، ليس من الضرورى أن يكون الشخص المتسامح سريع النسيان، بل هو أكثر الأناس تذكر لكل ما مر عليه من ذكريات مؤلمة، ولكن تلك العاطفة بداهلة تُجبره على التسامح
••
صاح بها مُمسكا إياها من خُصلاتها وكأنه يريد أن يقتلعهم فى يده، بينما هى لا حول لها ولا قوة بين يديه ولا تملك شيء سوى البكاء، حتى إنها عاجزه عن الكلام أو تفسير الأمر له، اللعنة على حظها العسر الذى ورطها فى كل تلك اللعبة التى لم يكن لها ذنب بها من الأساس:
_ فين البت يا لبنى؟
البكاء فقط هو ردها الوحيد الذى يجده فى كل مرة يسألها بها، هل حقا ينتظر منها الرد والأطباء نفسهم هم من أخبروه إنها بالفعل فقدت النطق بسبب صدمتها فى موت زوجها، ولكن غضبه جعله لا يميز بين الكدب والصدق ليختلط عليه الأمر، حتى ظن إنها تدعي فقدنها النطق، ليجذبها من شعرها إليه بطريقة قاسية هاتفا بها بحدة وصراخ:
_ هتفضلى عايشة فى دور الخرسه ده كتير!! صدقينى مش هياكل معايا ومش هسيبك لحد ما أعرف وديتي البت فين؟
كم هى مُمتنة لتلك الطرقات التى ضُربت على باب الغرفة لتكون طوق النجاة بالنسبة لها وتخلصها من بطشه، ليدفعها "هاشم" بعيد عنه صائحا، موجها حديثه نحو الطارق مُعقبا بغضب:
_ أدخل..
دلف إلى الغرفة أحد رجال الحراسة الخاصة به مُمسكا بإحدى النساء التى من الواضح عليها إنها من الباعة المُتجولين بالطرق، ليطالعه "هاشم" ببعض من نظرات الإستفسار عن من تكون تلك المرأة!! ليعقب ذلك الرجل موضحا له الأمر هاتفا:
_ دى يا هاشم بيه ست كانت أعده بتبيع حاجات فى المحطه وشافت المدام وهى طالعة ونازلة من القطر
أنتفض قلب "لبنى" من الخوف من أن تفصح تلك المرأة عن شيء يوصلهم إلى أبنتها، هى بالفعل لا تعلم إذا كان حقا "هاشم" يملك كل هذا الحجود الذى يجعلة يقتل أبنة أخيه الرضيعة أم هو يهزى بهذا الحديث من فرط غضبه فقط!! ولكن لماذا لا يستطيع فعلا إذا كانت أبنة عمه أستطاعت أن تقتل شقيقتها وتلفق لها تلك الجريمة، لا يمكن أن تخاطر بسلامة أبنتها مهما حدث
بينما أقترب "هاشم" من تلك المرأة التى أنكمشت على نفسها من مجرد النظر إلى خاصتيه الداكنتين المليئتين بالغضب والنيران، ليهتف فيها بحدة وجمود:
_ أيه اللى شوفتيه يا ست أنتى!!
على الرغم من أن "هاشم" هو من يقف فى مواجهة تلك السيدة إلا إنها لاحظت وجود "لبنى" المُلقية أرضا والتى أخذت تهز رأسها ناهية إياها عن التحدث ودموعها تنهمر دون توقف، لتشعر تلك السيدة عليها بالشفقة وكانت تود أن تهرول تجاهها وتساعدها على النهوض، بينما أفزعها صوت صراخ "هاشم" الذى أهتز على إثره جسدها بالكامل:
_ ما تنطقى!!
شعرت تلك المرأة بالفزع الشديد بسبب هيئة "هاشم" المُفزعة بالأضافة إلى صوت صراخة الذى أهتز له جدران المكان، لتنجرف مُخبرة إياه بكل ما رأته دون تفكير بالأمر وهذا بسبب حاله الخوف الشديدة التى انتابتها:
_ أنا يا بيه كنت أعده فى المحطة وفجاة لمحت الست دى وهى شايله عيل صغير وداخله القطر، اللى خلانى ركزت معاها هو عياطها هى والحالة اللى كانت فيها، وبعد شوية لقيتها نازله من القطر ولسه بتعيط بس المره دى العيل مكانش معاها
أنحنى "هاشم" مُقتربا منها جاعلا الخوف والرهبة يتملكان منها مُضيفا بإستفسار:
_ والقطر ده كان رايح فين بالظبط!!
للحظة وقعت عينيها على "لبنى" مرة أخرى لتجدها تحرك رأسها بهيسترية محاولة منعها عن الإفصاح بهذا الأمر، لتدرك تلك السيدة ما تعنية "لبنى" وأنها لا تريدها أن تخبره عن خط سير ذلك القطار، ويبدو إنها واقعة مع ذلك الرجل فى مشكلة كبيرة ولكن تلك المرأة أضعف مما أن تساعدها
ولكنها ستحاول أن تفعل ما بوسعها حتى ولو كانت فقط حماية ذلك الرضيع من بطش ذلك الرجل، لتعود بعينها مرة أخرى نحو "هاشم" بعد أن أخذت قرارها فيما عليها ان تقوله:
_ هااا كان رايح بنى سويف يا بيه
أغمضت "لبنى" عينيها بكثير من الراحة والإطمئنان، ثم نظرت إلى تلك السيدة بكثير من الإمتنان وكأنها تقول لها شكرا على تلك المساعدة، بينما ألتفت "هاشم" تجاه "لبنى" مُضيقا عينيه ببعض من نظرات الإستنكار قائلا:
_ بني سويف!!
أنكمشت "لبنى" على نفسها خوفا من نظرات "هاشم" لها، ليُعيد هو وجهه نحو ذلك الرجل مُعقبا بجمود:
_ راضيها بأى حاجه ومشيها من هنا وأتأكد إنها مش هتفتح بؤقها
أومأ له ذلك الرجل بالموافقة وسريعا ما ألتقط ذراع تلك السيدة وجذبها إلى الخارج مردفا بإنصياع:
_ أومرك يا باشا
عاد "هاشم" إليها مرة أخرى جاذبًا شعرها بحدة وغضب وهو يطالعها بكثير من الكراهية والإنزعاج قائلا:
_ سبتى بنتك فى القطر ولا أدتيها لحد يا لبنى!! فاكره نفسك كده هتنقذيها من أيدى؟!
لم يجد منها رد سوي بعض الرجفات التى تضرب جسدها بشدة وصمت يزيد من غضبه أكثر، ليدفعها بعيدا عنه شارعا فى خلع حذامه لكى يُنفس عن ذلك الغضب الذي يشعر به تجاهها مُعقبا بحدة وتوعد وهو ينهال عليها جالدا إياها:
_ ورحمة الغالين لاجبها وأموتها قدام عينك، ومن دلوقتي لوقتها هخليكى تتمنى الموت يا حقيرة
•••
تلك الذكريات السيئة لا يمكنها أن تتخلص منها بسهوله، وكأنها شابهت مرض لعين يسكن العقل وينهش فيه ولسوء حظها لا تعرف له علاج يخفف عنها من تلك الألم الغير رائفة بالمرة
كانت شاردة للغاية ولم تنتبه لذلك الذى يناديها منذ بضع ثوانً، ليقترب منها مُحاولا جذب إنتباهها، حينها وقعت عينيه على تلك الدموع التى تنهمر من خاصتيها، ليضع "هاشم" يده على كتفها مردفا بخفوت:
_ لبنى!!
فزعت "لبنى" وأنتفضت فى مكانها بسبب تلك اليد التى لامستها، ولكن فزعها الأكبر كان عندما وقعت عينيها عليه وهو قريب منها للغاية هكذا، لتبتعد عنه بسرعة منكمشة على نفسها ولم تخرج من تلك الذكرى بشكل كلي لتصرخ بخوف وهلع:
_ لا يا هاشم، كفاية
ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بإستنكار غير مدركا ما تمر به وما هو سبب هذا البكاء!! بينما أنتبهت هى لما يحدث حولها وأن ما كانت شاردة فيه لم تكن سوى ذكرى سيئة ضربت برأسها، لتحمحم بحرج من صراخها فى وجهه دون ان يفعل لها شيء، لتهتف مُعتذرة له بخجل وهى تحاول إخفاء دموعها عنه قائلة:
_ أنا أسفه جدا
حاولت أن تتهرب منه ومن أسئلته التى من المؤكد إنه سوف ينهال عليها بها، بينما هى حقا لم تعد تملك القدرة على التحدث فى أي شيء، سوف تنهار فى أية لحظة وهو أخر شخص تتمنى أن تنهار أمامه، كادت أن تنهض من مكانها ولا تزال دموعها تلمع فى عينيها، لتمنعها قبضته التى ألتفت حول يدها مُعقبا بكثير من الألم:
_ كنت متأكد إنك أستحاله تنسي بالسهوله دي، سهل تسامحي لكن صعب أوى تنسي يا لبنى
من الصعب جدا عليها الصمت وعدم التحدث فى شيء الأن، يكفى ذلك الصمت التى تحملته كل تلك السنوات، عليها أن تصرح الان بكل ما داخلها من ألم وعذاب، لم تعد تستطيع تحمل كل ذلك الكبت مستترة تحت غطاء المسامحة والشفقة، وماذا عنها هى!! ألا تستحق أن يُشفق عليها هى الأخرى
لتخرج عن صمتها تلك المرة عازمة على مجارته فى الحديث لعلها تجد الراحة بعد تلك المحادثة التى من المؤكد أنها لن تكون هينة أبدا على أيا منهما:
_ اللى حصل كان صعب يا هاشم، مستحيل أقدر أنساه
اومأ لها "هاشم" موافقة إياها مُتفهما لما تقوله وشاعرا بالكثير من الندم والحزن على ما فعله بها وعلى ذلك الظلم الذى ظلمه لها، على الرغم من عدم معرفته بالحقيقة حينها، إلا إنه يُحمل نفسه ذنبا كبيرا جدا لما أقترفت يداه:
_ عارف أنه صعب عليكى أوى إنك تنسى كل اللى عملته فيكى، بس صدقينى والله كان غصب عنى يا لبنى، أنا ندمت بجد على كل اللى عملته
أنهمرت دموعها أكثر ولم تعد تستطيع السيطرة على نفسها ولا على بكائها ونحيبها، لتؤكد على حديثه هاتفة بصعوبة كبيرة من بين بكائها مُردفة:
_ عارفه إنك ندمت يا هاشم بس ندمك ده مش هينسينى اللى حصل، مش هيعوضنى عن حرمانى من بنتى طول السنين دى، مش هيعوضنى عن كل السنين اللى ضاعت من عمرى، مش هيعوضنى عن كل التفاصيل والذكريات اللى كنت هعيشها مع ديانة، مش هيعوضنى عن الأحاسيس اللى كان نفسى أعيشها مع بنتى، مش هيعوضنى عن فقدانى لإحساس الأمومه اللى معشتهوش خالص حتى بعد ما ربنا رزقنى ب ديانة بعد سنين جواز
أزداد نحيبها بعد أن تذكرت كل ذلك الألم الذى مرت به على يده وأكملت حديثها بمزيد من البكاء قائلة:
_ ندمك مش هينسينى كل مره ضربتنى فيها، ندمك مش هينسينى العذاب والذل والإهانة وكل حاجه كنت بحس بيها، ندمك مش هينسينى إنك فى يوم من الأيام أغتصبتنى يا هاشم
أغمض "هاشم" عينيه بكثير من الألم ونهض سريعا مبتعدا عنها قليلا مُعقبا بكثير من الندم والخزي من فعلته تلك التى لم يتصور إنه سيفعلها فى يوم من الأيام قائلا بألم:
_ كفاية يا لبنى أرجوكى كلامك بيقطع فى قلبى، أرجوكى متفكرنيش بالموضوع ده، أنا لحد دلوقتى مش مصدق أنا أزاى عملت كده، والله العظيم لو كان فيا ذرة وعي بس عمرى ما كنت هعمل كده
تذكرت ضعفها أمامه فى هذا اليوم وشعورها بالظلم الكبير الذى وقع عليها بسبب تلك المرأة الحقيرة التى قلبت حياتها رأسا على عقب ودمرتها تماما، بل وذلك العجز الذى أصابها مما جعلها غير قادرة على الحديث ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، أو حتى تُعيده لصوابه فى ذلك اليوم المشؤم
لولا إنها متأكده من كونه كان مُغيبا عن الوعى حينها لما كانت أستطاعت أن تسامحه مهما فعل أو مهما قال لها، ولكنها تشفق عليه هو أيضا ولا تعلم ذنب أيا منهما كان هذا، لتهتف بكثير من الضعف والنحيب:
_ ده العذر الوحيد اللى مخلينى قادره أسامحك وأبص فى وشك لحد دلوقتى، لكن إنى أنسى صعب أوى يا هاشم حتى لو كنت أنت شخصيا مش فاكر، أنا فاكرة كل حاجه حتى بعد خمستاشر سنه لسه فاكرة ومش قادره أنسى، إحساس الضعف والإنكسار قدامك حتى إنى مكنتش قادره أأذيك لأنك مكنتش فى وعيك، مش عارفه أكرهك حتى بعد كل اللى عملته فيا يا هاشم
أسرع "هاشم" فى الرجوع والجلوس بجانبها مرة أخرى وسريعا ما وضع يده تحت ذقنها، لتتفاجئ هى بيده التى تتلمسها بتلك الطريقة لأول مرة وذلك القرب الشديد بينهم، وما زاد صدمتها هو تصريحه الذى جعل قلبها ينتفض إثرا له:
_ أنا بحبك يا لبنى
رفعت عينيها ونظرت له بصدمة شديدة متفاجئة مما هتف به وكأن ما قاله عقد لسانها تماما، بينما أكمل هو حديثه مُصرحا عن كل ما يحمله بداخله لها منذ وقت طويل جدا وكان يخشى أن يُعلن عنه، ولكنه لن ينتظر أكثر من هذا وليحدث ما يحدث:
_ بحبك من زمان أوى، كنت بكذب إحساسى وأقول إن ده مجرد إحتياج بسبب جفاء هناء معايا، بس كل مره كنت بشوفك فيها كنت بحس إنه مش مجرد إحتياج وده اللى كان بيجننى أكتر، أنا المفروض كنت أكرهك يا لبنى، بس كنت كل ما أبص فى عينك أحس إن فيه حاجه غلط فى الموضوع، وأرجع وأقول حاجه غلط أزاى دى هناء شافتها وهى بتقتل مراتى وبتحاول تقتل أختى، كنت فاكر إن هناء على حق وإنك فعلا لعنة دخلت حياتنا، مكنتش أعرف إن هوس هناء هو اللى لعنه ضمرت الكل
تمعن بالنظر إلى داخل عينيها وبالفعل قد صرخت العيون بما تحمله داخلها من مشاعر ظلت حبيسة لسنوات طويلة، وكأنها قد تلقيت الإذن الأن بالخروج:
_ كنت بحس بالراحة كل ما أجيلك وده اللى كان بيجنني ويخليني أضربك وأأذيكي، كنت بحاول أنسى ضعفي وقلة حيلتي قدامك، كنت عايز أقتل الأنجذاب اللى كنت بحس بيه نحيتك، وأنتي متجوزه شرف أنا عمري ما شوفتك غير أخت ليا زي ماجدة بالظبط وكنت بعزك جدا وبحسك قريبة جدا من الكل، إنما بعد الحادثة وموت شرف وتهانى حسيت نحيتك بأحاسيس تانى خصوصا وإني كنت بقضي معاكي معظم الوقت
كنت بقنع نفسي إني بأجي عشان أنتقم منك وأعذبك، لكن غصب عني كنت بلاقي نفسي بتكلم معاكي وأشتكيلك من كل اللى بيحصل واللي بتعمله هناء وعشان محسش إني منافق كنت بقلب عليكي وأضربك وأقولك إنتى السبب، مش عارف كنت بخبي ضعفي عنك ولا كنت بكدب على نفسي
بس بعد ما أكتشفت الحقيقة ندمت وأتأكدت من حقيقة مشاعري نحيتك، أنا بحبك أوي يا لبنى، أنا وأنتي أتحرمنا من أجمل سنين عمرنا وأدفنا بالحياء مع اللى ماتوا، مش مهم ده ذنب مين فينا!! المهم إن أنا وأنتى لسه عايشين وقدمنا فرصة نعوض اللى راح من عمرنا، أنا وأنتي محتاجين بعض يا لبنى، محتاجين بعض أكتر من أى وقت تاني، أنا وأنتي اللى باقين لبعض، جواد وديانة هيرجعوا لبعض أو حتى لو مرجعوش كل واحد هينشغل فى حياته اللى أكيد مش هتقف، وزينة هى كمان أتجوزت وراحت مع جوزها ومش فاضل غير أنا وأنتي وبس، أنا وأنتي اللى هنبقى الونس لبعض باقي عمرنا
ظلت "لبنى" تنظر إلى داخل عينيه ولا تعلم حقا ماذا عليها أن تقول له، غير قادرة سوى على إسقاط تلك الدموع من مُقلتيها والنظر له بتفحص شديد وكأنها تُحاول أن تقرأ الصدق فى عينيه، بينما "هاشم" حاوط وجهها بين كفيه مُقربا وجهها من خاصته مردفا بتمني:
_ أسمحيلي إني أقرب منك يا لبنى وسبيني أعوض نفسي وأعوضك عن كل حاجه وحشه مرينا بيها وعن كل السنين اللى ضاعت مننا
لا تعلم حقا ما يحدث الأن هل هو صواب أم خطأ، ولكنها هى أيضا تشعر بإنجذاب شديد تجاهه ولأول مرة تشعر بمثل ذلك الشعور، هل هذه الفطرة التى تتحكم بها!! أم إنها أيضا تحمل له شعور متبادل لما يحمله لها!!
ظلت "لينى" تنظر له بنظرات شتى تتماوج بين الإحتياج والإرتباك والضعف والتوتر، لتكسر هذا الصمت فى النهاية مُصرحة عما يدور داخل رأسها مردفة ببعض القلق:
_ مش عايزه أندم يا هاشم
هز "هاشم" رأسه بالنفي وهو يطالها بكثير من الحب والصدق مُردفا بثقة وتأكيد:
_ عمرك ما هتندمى يا قلب هاشم، أوعدك يا لبنى إن كل اللى جاى من عمرى هيكون بس عشان أسعدك، صدقينى
أبتسمت له "لبنى" بخفوت وسريعا ما أومأت له بالموافقة على ما يُفكر به مُعلنة عن سقوط الستار لتلك القصة المؤلمة والتى أتخذت مشهد طويل جدا من حياة كلا منهما، وها قد حان الأن وقت فتح الستار عن ذلك المشهد الجديد الملىء بالسعادة والفرح والعوض عن كل ما مر عليهما من حزن وشتات
أبتسم لها "هاشم" بسعادة كبيرة وضربات قلبه أخذت تتسارع من شدة لهفته وإشتياقه لتلك اللحظة التى ظل ينتظهر كثيرا من الوقت، ليهمس لها بقليل من المشاكسة مُعقبا بإستفسار:
_ هو نور نام صح!!
أومأت له بالموافقة وهى لم تفهم المغزى الحقيقى وراء سؤاله رادفة بتأكيد:
_ أه نايم فى أوضتنا ودادا حُسنة أعده معاه
حك "هاشم" مؤخرة رأسه مُعقبا بقليل من المكر وكلمات ذات مغزى قائلا بخفوت:
_ أممم دا كده أحنا مش هينفع نروح أوضتنا عشان منقلقش نور ودادا حُسنة
أحمر وجه "لبنى" بعدما توصلت إلى ما يُعنيه "هاشم" بهذا الحديث ولم تتفوه بحرف، بينما أمسك "هاشم" يدها وجذبها لتنهض وتسير معه هاتفا بحماس:
_ تعالي معايا
جذبها "هاشم" وسار بها نحو إحدى الغرف المُخصصة للضيوف ومن ثم أغلق الباب خلفهم بإحكام، بينما شعرت "لبنى" بكثير من التوتر والإرتباك وعقبت بتلعثم واضح فى نبرتها قائلة:
_ هاشم، دادا حُسنة زمانها مستنيانا عشان تروح تنام
أخذ "هاشم" يقترب منها وهو يُطالعها بتفحص شديد وكثير من نظرات الحب والأشتياق الممزوجة بالرغبة والإحتياج، بينما يقوم بفك أزرار قميصه المنزلى مُعقبا بقليل من المكر:
_ دادا حُسنة زمانها أصلا راحت عليها نومه جمب نور ومش هتصحى غير على بكرة الصبح
ظلت "لبنى" تعود بظهرها إلى الخلف غير منتبهة بكونها تتجه نحو الفراش، هاتفة بكثير من الأرتباك:
_ هاشم طب أستنى هقولك حاجة
ظل "هاشم" يقرب منها أكثر إلى أن صرخت بصدمة وهى تسقط على الفراش خلفها، ليبتسم هو بخفوت ويلقي بنفسه بجانبها بهدوء لكي لا يثير فزعها مردفا ببعض الغزل والمحبة قائلا:
_ قولي يا قلب هاشم
عقبت "لبنى" بصعوبة شديدة بسبب ذلك التوتر وسرعة أنفاسها مردفة بإرتباك:
_ بلاش نستعجل وتعالى نستنى شوية
أصطنع "هاشم" ملامح العبوس على وجهه مما قالته مشفقا على نفسه وعلى ما يحدث له مُضيفا ببعض المرح واللهفة:
_ معدتش قادر أستنى يا لبنى، أنا بقالي عشرين سنة مستني!! الرحمة يا ناس
أبتلعت "لبنى" ريقها بصعوبة كبيرة مُتعلقة بأول كلمات جاءت على بالها لتتهرب من تأثير ما يفعله عليها هاتفة بإستفسار:
_ هو أنت عايزني شهوة يا هاشم!!
كان "هاشم" يُلثم رقبتها من ثم نحرها، لتقع تلك الكلمات على مسامعه كسكاكين تنهش فى قلبه، ليبتعد عنها وينظر داخل عينيها بكثير من الحزن على ما تفكر به تجاهه، وإنها إلى الأن لا تشعر بحبه الشديد لها، ليهتف وهو ينظر داخل عينيها مُعقبا بصدق:
_ لسه بتسألى يا لبنى بعد كل اللى قولتهولك ده!! أنا لو بجري ورا الشهوة مكنتش هقعد عشرين سنة متعذب كده، كنت ممكن أجيب أى واحده من اللى بيتأجروا أو حتى أبقى كل يوم مع واحدة شكل
بس أنا مش عايز الشهوة يا لبنى، أنا عايز الحب، الحب اللى عشت كتير أوى محروم منه، الحب اللى حسيته معاكى وكان نفسى أحسسك بيه أنتى كمان، أنا مش عايزك شهوة يا لبنى، أنا عايزك حب ليكى للبنى نفسها مش لجسم لبنى، ولو أنتى شايفه إننا أتسرعنا أعتبرى إن محصلش حاجه
كاد أن ينهض لتجذبه "لبنى" إليها مرة أخرى وتحاوط يديها عنقة وتلتهم شفتاه بقبلة حارة جدا مُعبرة عن مدى إشتياقها ورغبتها هى الأخرى فى الاقتراب منه، وهذا ليس خطأ أحدا منهما، هذه هى الفطرة التى خُلق الإنسان عليها، تلك الفطرة التى تجمع بين رجل وإمرأة فى علاقة شرعية ليفعلا كل ما يحلو لهما مادام داخل إطار تلك العلاقة المُحللة لهما
تبادل معها "هاشم" تلك القبلة وبدأت يديه فى خلع ثياب كلا منهما ليذوبان معا فى لذة ونعومة تلك العلاقة المليئة بالحب والعاطفة والإشتياق أيضا، إشتياق لتلك الأحاسيس واللمسات والحب والرغبة فى إخماد ذلك اللهيب المشتعل داخل تلك الأجساد المملوءة بالشغف والشبق
روح واحدة منقسمة داخل جسدين، هذا هو التشبية المناسب لتلك العلاقة المليئة بالبحب والمودة والإهتمام، علاقة خالية من الإنانية والإهمال وتفضيل الذات عن الشريك، علاقة متساوية الاهتمام والإستمتاع، كلا منهما يفعل أقصى ما بوسعه لإسعاد شريكه وتعويضه عن كل تلك السنوات القاسية
صرخة واحدة صدحت منهما الأثنان مُعبرة عن مدى رضاهما ومتعتهما بتلك الدقائق الحميمية التى أخرجت كبت ومُعاناة سنوات طوال، أستقرت "لبنى" على صدر "هاشم" بعد أن أنتها معا من تلك الجولة اللطيفة لكلا منهما، وسريعا ما غفت رغما عنها لأول مرة وهى تتوسد صدره العاري، وهى تشعر بكثير من الراحة والإطمئنان التى أفتقرت لهما منذ كثيرا من الوقت.
يتبع...