-->

رواية نعيمي وجحيمها أمل نصر - اقتباس الفصل السادس والستون

 رواية نعيمي وجحيمها

 بقلم الكاتبة أمل نصر 


اقتباس

الفصل السادس والستون

رواية

 نعيمي وجحيمها 


سيادة المدير فاضي ولا اخدها من قاصرها واجي في وقت تاني؟

قالتها زهرة وهي تقتحم عليه غرفته هي الأخرى عقب عودتها من موعد الطبيبة النسائية، نهض لها على الفور يستقبلها مقبلًا وجنتيها قبل أن يتناول كفها ليساعدها على الجلوس على الاَريكة الجانبية بالغرفة مرددًا بسرور:

-حتى لو مش فاضي يا ستي افضي نفسي، هو احنا نطول؟ بس انتي جيتي ازاي لوحدك يا مجنونة؟ ولميا هانم سبتك ازاي أساسًا؟

ضحكت تجيبه وهي تعتدل في جلستها بوضع الوسادة خلف ظهرها لتستريح عليها جيدًا من الخلف:

-لا اطمن يا حبيبي، هي مسبتنيش ولا حاجة، دي وقفت بس تسلم على واحدة عميلة شافتها هنا صدفة في الشركة وطلعت صاحبتها باين ولا إيه، دي حتى عرفتنا على بعض وخلتني أسلم عليها، بس انا استئذنت منهم وكملت طريقي ع الأنساسير عدل، بصراحة معنديش القدرة للوقوف معاهم الدقايق دي.

أومأ لها بهز رأسهِ لتردف بسأم:

-بس بصراحة انا زهقت يا جاسر من رعايتها المبالغ فيها دي، كل الستات بتحمل على فكرة وبيتشغلوا وبيعملوا كل حاجة، محدش بيخاف الخوف ده.

ردد معقبًا بسخرية:

-ما هي مش كل الناس عندها ندرة في العدد زينا يا روح قلبي، دا انتي مبتشوفيش والدي لما بيقعد يوصيني كل ما يشوفني، نفسه البيت يتملي بالاطفال، وبيقولي الأمل فيك إنت ومراتك، انا متكل على الله وعليك فيها دي...

توقف ضاحكًا ليتابع:

- الراجل بيفكرني على طول بعبد المنعم مدبولي في ريا وسكينة. 

شهقت مرتعبة رغم ابتسامتها:

- يا لهوي عليا وعلى سنيني، دا انا على كدة وبنهج من التعب يا جاسر، هو انا فيا حيل للخلفة تاني، انت بس ادعيلي انزل اللي تاعبني ده ومطلع عيني بالسلامة والف شكر على كدة، هو عم عامر متفائل أوي كدة ليه ؟

-يا ستي ما تسبيه يتفائل، ما احنا برضوا قدها وقدود .

صاح بها جاسر يضحكها قبل أن ينهض من جوارها قائلًا:

- تحبي اطلبلك عصير ولا حاجة تاكليها على ما تيجي الست الوالدة؟

-متطلبش حاجة يا جاسر، احنا مش هناخد من وقتك كتير أساسًا. 

قالتها زهرة ليسألها على الفور 

- اه صحيح انتي مقولتيش، هو انتوا جاين النهاردة عندي ليه؟

ردت وهي تميل لتتكئ على ذراع الاَريكة بمرفقها نحوه:

-ما احنا روحنا لميعاد المتابعة مع الدكتورة يا روح قلبي، ولا انت ناسي تاريخ النهاردة؟

ضرب بكف يده على جبهته ليرد بتذكر:

-اَه صحيح....  دا انا نسيت والله والشغل خدني، وإيه الأخبار بقى؟

قال الأخيرة وهو  يعود للجلوس بجوارها مرة أخرى، ردت بدلال يشوبه العتب:

- لا واحنا نقولك ليه بقى؟ مدام نسيت خليك يا حبيبي مشغول مع نفسك، واحنا كمان نقوم نروح.

قالتها وهمت لتنهض مستندة بكف يدها على ذراع الاَريكة، فقمع بجذبه لكفها الأخرى الحركة التمثيلية من بدايتها بقوله لها:

- اقعدي بقى يا ست انتي ببطنك المنفوخة دي، هو انتي هتعمليها بجد ولا إيه؟

استسلمت له لتردد بمكر تدعي الجدية:

- ما انت لو مهتم كنت هتعرف لوحدك من غير ما حد يقولك. 

توسعت على ثغره إبتسامة مرحة مستمتعًا بمناكفتها اللذيذة على قلبه، ليرد اَخيرًا على مزاحها:

-حلو اوي شغل الستات ده، إديني منه كتير بقى، عشان انا بصراحة بستمتع بالحاجات دي.

برقت عينيها لتعقب على قوله بحماس:

-بتحب شغل الستات يا جاسر، طب تحب اديك بقى حبة بلدي كمان ونفرش الملاية هنا، وبلاها بقى شغل بلا قرف.

ضيق عينيه ليردف بادعاء الغضب وهو يلكزها بخفة على ذراعها قبل أن ينهض من جوارها:

-انتي باين الغزالة رايقة معاكي، وانا راجل غلبان وعندي شغل متكوم يا ست يا كسلانة انتي، ولا وكمان عايزة تفرشيلي الملاية، دا على أساس إني مدير سكة ومبهتمش بشغلي، إيه الستات دي؟

اردف بالكلمات وهو يلملم أشياءه الخاصة من فوق سطح المكتب مع أغلاق الحاسوب وبعض الملفات التي كان يتناولها ليضعها في الخزنة الأليكترونية المخصصة لها، قطبت مندهشة تسأله:

- طب انت بتقفل الملفات ليه؟ 

التف يجيبها بمرح:

-ما انا هخدك ونروح بيتنا عشان نفرش الملاية براحتنا  مش انتي قولتيها بنفسك، بلا شغل بلاقرف.

ضحكت بصوتها العالي تردد:

- قول كدة بقى، أن انت واخدها حجة عشان تزوغ من شغلك، بس يا خسارة يعيني انا مضطرة ازعلك واقولك أننا مش مروحين البيت .

توقف عما يفعله ليتكتف بذراعيه ليسألها بتعجب يشوبه الإنزعاج:

- ليه بقى؟ وعلى فين العزم ان شاء الله كدة؟

ضحكت بتسلية فانفعاله السريع بحمائيته، دائمًا ما يثير داخلها دغدغة من البهجة، فردت لتزيد من غيظه:

- انا خارجة مع طنت لميا رايحين مشوار كدة يعني. 

- مشوار إيه يعني يا زهرة؟ فهميني بقى وانجزي.

صاح بها من محله،  فاستسلمت لتجيه متجنبة غضبه:

- رايحين خطوبة بنت عمتي يا جاسر على إمام،  حتى دي نسيتها يا راجل؟

أغمض عينيه يطرق بأطراف أنامله على جبهته عدة لحظات قبل ان يقول متفكهًا:

- لا انا كدة اشوفلي حل بقى مع الذاكرة، دي بقت نيلة خالص.

ضحكت لتعود بعدها تخاطبه بشفقة:

- سلامتك يا حبيبي ولا يهمك، اكيد بس زحمة الشغل هي اللي واخدة عقلك، لكن هو خالي مش بيساعدك يا جاسر؟ أكيد طبعًا هو مش زي المدعوق اللي اسمه كارم.

- مين قالك كدة بقى؟

تفوه بها ثم عاد ليجلس على الطاولة التي أمامها ليتابع:

- على فكرة يا زهرة، خالد ما شاء الله عليه بيتقدم بسرعة رهيبة في الفترة القليلة دي، انا ضاغط نفسي شوية كدة بس على ما يستوعب ويندمج،  وانا بقولك اهو خالد هيبقى احسن من كارم وهيبقى دراعي اليمين في المرحلة الجاية، ودا مش عشانك لا والله، انا بتكلم بعين خبير، خالد كان محتاج بس الفرصة.

ردت معقبة على كلماته:

-وانت حققت حلمه بالفرصة، ربنا ما يحرمني منك يا جاسر.

اعترض رافضًا قولها:

- يا زهرة افهمي بقى، بقولك مش عشانك، انا شوفت شغل خالد وعارف امكانياته، يعني مش واسطة هي..

أومأت رأسها بتفهم ليردف لها:

- طب مدام فهمتي يبقى قومي معايا عشان اوصلك انتي والست الوالدة وبالمرة اروح معاكم عند خطوبة إمام.

سألته بعدم تصديق:

- معقولة يا جاسر، يعني انت هتروح معايا بجد؟

أومأ بوجه جاد وهو يساعدها على النهوض:

- طبعا يا ست زهرة، إمام دا يبقى الراجل بتاعي وعشرة سنين في الحراسة بكل أمانة، يعني ان ماكنتتش افرح انا بيه في يوم زي ده، مين بقى اللي يعملها؟

هللت بفرحة:

- ايوة كدة، ربنا يخليك يا روح قلبي، اصل بصراحة كدة كنت عايزة أفاتحك من الأول ع المشوار ده،  بس كنت مكسوفة اقولك.

- رمقها باستغراب ليردف لها:

- وتتكسفي ليه بقى يا ست زهرة؟ دا الحارس بتاعي ودا حفل خطوبته على بنت عمتك، أيه الكسوف في كدة؟

صمتت قليلًا وقبل أن يهم بفتح  باب غرفة المكتب، ردت تجيبه:

- إنت اتغيرت قوي يا جاسر، واللي يشوفك دلوقتي ، ما يصدقش أبدًا هيئتك القديمة بتكشيرتك اللي كانت تخوف، ولا حواجبك اللي كانت مقلوبة دايمًا، إنت بقيت واحد تاني يا حبيبي.