-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - اقتباس

     رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

اقتباس

الفصل الأربعون

النسخة العامية 



أسرع ليدفن تلك الآلام المنبعثة بكل ذرة دماء تجري بعروقه ثم اجابه قائلًا:

-       مخدتش بالي كنت في الحمام وبعدين طلعت اشرب القهوة.

 

تفحصه مليًا ولم يقتنع بكلماته وكل ما يسيطر على تفكيره هو تلك الملامح التي يراها على وجه كلاهما ليخبره بنبرة جافة:

-       طيب تعالى عشان عايزك.

 

نظر إليه ولم يُرد أن يقاطع تلك الكلمات التي أخيرًا تحدثت بها صراحةً فرد عليه بهدوء:

-       ماشي يا بابا، بس كنت عايز اغير واريح شوية وعندي مشوار وهنقعد مع بعض أكيد.

 

انزعج من رده فلم يتقبله ليصرح بهذا:

-       ابقا اعمل ده بعدين وتعالى عشان عايزك في موضوع مهم.

 

شعر بنفس العبء يُثقل كاهليه من جديد لتحتد نبرته قليلًا ورد بتلقائية:

-       بابا أنا منمتش كويس من امبارح وفعلًا محتاج اريح شوية، ممكن تديني ساعتين تلاتة وهتلاقيني عندك!

 

تفقده بغيظ هائل ولم يكن ليقبل تبريره الواهي حيث أنه ليس بغبي، تلك الفناجين وتبغه وملامحها الباكية، لابد من أنهما كانا يتحدثان، هل التحدث معها أهم من أن يريد التحدث معه هو؟!

 

-       أنت مش قادر تضغط شوية على نفسك زي أي راجل بيبذل مجهود عشان شغله وحياته، ناوي تكمل في الخيبة دي كتير؟!

 

زفر بضيق بينما رد سؤاله المستهجن بعصبية شديدة:

-       بابا بُص، أنا مبقتش صغير على اللي بيحصل ده، ايه الصعب في إني جاي من طريق سواقة تلت ساعات ومحتاج اريح شوية. ايه المهم اوي اللي عايزني عشانه؟ قوله دلوقتي ما دام هو مهم كده!

-       وأنا عمري قد عمرك مرتين وراجل ومستحمل وجيت في نفس الطريق اللي أنت جيته وشوفت أهلي ومصالحنا ورايح اشوف ابني وحياته اللي خربها بايـ ـده، واحترم نفسك وأنت بتكلمني ولا نسيت إنك بتكلم أبوك. آخر سنتين دول في حياتك نسوك أنا مين ولا إيه؟

 

بالطبع لن يترك الفرصة لتمر دون اتهامها بأي طريقة كانت ليغضب من قوله ليعقب بصوتٍ ارتفع قليلًا:

-       أنا بحترمك وبقدرك وبعمل كل اللي في طاقتي عشان ارضيك واسمع كلامك، جو از اولاني واتجو زت، جوا ز تاني وبرضو سمعت كلامك، ادخل كُلية مش اختياري رضيت ومفتحتش بوقي، شغل بالغصب مسكت القضية بتاعت شهاب ومراته، إنما أكتر من كده أعمل إيه؟ أنا مش هواصل الليل بالنهار عشان ارضيك يا بابا، اطمن واتأكد إني مش زيك، يمكن مر عليا فترة حاولت أكون زيك وفشلت، آه أنا فاشل وآه أنا مش زيك بس صدقني اتخنقت، اتخنقت ومبقتش قادر أواصل اللي بيحصل ده!

--

فُرصتها وقد آتت حتى قدماها دون حتى أن تبحث عنها، هكذا فكرت وهي تبحث عن والدته التي وجدتها جالسة مع أختها لتحدثها باستغاثة:

-       طنط الحقي عمر وأنكل يزيد بيتخانقو وأنا مش عارفة اعمل إيه!

 

تفقدتها بدهشة ولكنها تراجعت قليلًا قبل أن تذهب لهما خوفًا من بطشه حيث نهضت وهي تقول:

-       ليه بس ايه اللي حصل ما كانوا كويسين امبارح، مشوفتيش عدي فين يحاول يهدي الدنيا ما بينهم؟

 

اللعنة على هذه المرأة التي تضطر أن تتعامل معها، لقد كان مُحق بكل حرف خطه بتلك الرسائل عنها، كلما تعاملت معها كلما تيقنت أنه كان معه كامل الحق فيما يقوله، ولكن هذا ليس بهدفها على الاطلاق:

-       مش عارفة يا طنط، ممكن بس تيجي بسرعة، أنا خايفة الموضوع يكبر ما بينهم وأنا مش عايزة مشاكل تحصل قدام الناس في البيت.

 

تعاملت بخبث بينما زفرت الأخرى بضيق وتوجهت بتلكؤ وهي تستهجن بداخلها بينما تمنت لو أن عند وصولها سيكون كل شيء قد انتهى فيما بينهما، فهي تعلم أنه محال أن يتدخل أحد بين "عمر" و "يزيد" كما لا يستطيع أحد التدخل بينها وبين "عدي" عندما يختلفان على أمر ما.

 

-       يا بابا ارحمني شوية، أنا عايش في ضغط أنت متعرفوش!

-       ضغط ايه ده؟ هو أنت بتعمل حاجة غير النوم والاجازات؟ هاتلي انجاز واحد عملته طول السنتين اللي فاتت دي؟

 

تأفف وهو يقلب عينيه ولم يتحمل المزيد من الجدال معه لتصل رأسه لحالة من الانغلاق التام أمام كلمات والده وأسر العناد طيات عقله ليرد بثبات:

-       طيب أنا فاشل، وأنا مش عايز اشتغل، وأنا مقضيها نوم واجازات، ما دام أنت مش عايز تقدر اللي بقولهولك يبقا أنت كلامك صح!

-       أنت يا ولد بتكلمني أنا كده؟

-       آه يا بابا ما دام أنت مش قابل أي حاجة أنا بعملها، كل اللي طلبته منك هو تقدير لفترة صعبة في حياتي بمر بيها، أنا في سنة واحدة بس طلقت وكنت هموت بدل المرة مرات!

-       وهو مين اللي عمل فيك كده؟ أنت ولا هي؟

 

التوت شـ ـفتيها وهي تبتلع بتردد ثم تدخل صوتها المهتز:

-       خلاص يا يزيد الله يكرمك بلاش خناق وابن سعيد فرحه بعد بكرة.

 

التفت نحوها بنظرات قاسية ثم زجرها قائلًا:

-       اخرسي أنتِ ومتدخليش، عايزاني اسيبه عشان يفشل زي ابنك مش كده وتتساوى الروس!

 

التفت نحوه مُجددًا بينما لم تتقبل "مها" ما قاله لتعقب بحرقة:

-       وهو كان ماله عدي، عمال تقول بس فاشل فاشل من تلاتين سنة وهو بيعمل كل طاقته وشغله ماشي وبيكبر من غير ما تساعده ولو مرة زي ما ساعدت عمر، ما كفاياك بقا ظلم فيه!

 

نظر إليها ثم اتجه نحوها وصاح بها غاضبًا:

-       انتي بتقاوحي وبتردي عليا يا مها

-       اه بقاوح عشان أنت ظالم، عمر عمر عمر طول السنين دي كان عمل ايه، حتى ربايتك ليه منفعتش واديك اهو لسه واقف وبتقوله شغلك زي ما كنت بتقوله دراستك، لو عايز تعرف الفاشل هو مين فهو ابنك اللي مدلعه ومخلي كلمته تمشي علينا!

 

كادت أسنانه أن تتهشم من شدة غضبه بينما رأت "روان" لأول مرة ذلك الجدال الذي لم تظن أنه يمكن أن يحدث أمام الأبناء فهي لم تمر بمثل هذا الشعور المُزر قط بحياتها وخصوصًا عندما تطايرت عسليتيها نحوه لتشعر بالشفقة الشديدة لأول مرة منذ أن رأته بحفل خطبة أخته وندمت على ما فعلته وتمنت لو تستطيع أن تعود لتقف في صمت دون الذهاب لإحضار والدته لتتابع بقية جدالهما عندما تحدث بنبرة قاسية مُحذرة:

-       طب إن ملمتيش لسانك أنا هفرج عليكي البيت كله يا مها النهاردة!

-       وهو أنا بقول حاجة غلط، ولا أنت بس شاطر في إنك تستقوى عليا..

 

استاءت ملامحها مما يحدث ولم تعد تستطيع تحمل الموقف لتحاول أن تهدأ كلاهما لعلها توقف هذا الصراخ:

-       خلاص يا أنكل، خلاص يا طنط، كل حاجة هتبقا كويسة إن شاء الله..

-       اخرسي أنتِ كمان ومتدخليش في اللي ملكيش فيه!

 

بمجرد أن وجه والده الحديث إليها اقترب "عمر" من ثلاثتهم لتتكلم "مها" بما تستطيع فعله فقط، الثرثرة بما لم يُفدها وبما جعل أبناءها يكرهون حياتهم بأكملها وانفجرت بصوتٍ مرتفع:

-       ايوة ما أنت كل اللي عايزه تسكتنا وخلاص ومش مهم أنت بتعمل إيه، لو حد خرب حياة عمر ولا عدي فهو أنت، أنت السبب في حياة ولادي اللي ضاعت دي.. واحد معرفتش عنه حاجة من ساعة ما كان عيل والتاني دايمًا كاسر نفسه مع إنه احسن من الدلوع بتاعك و..

 

رُفعت يـ ـده في لمح البصر ليلطمها بينما احتبست أنفاس "روان" وشهقت شاعرة بالقهر من أجلها بأعين متسعة لكل ما يحدث ووجدته يشرع في ضر بها لتحول بينهما حيث كانت أقرب لهما من "عمر" وهي تقول:

-       خلاص يا أنكل هي أكيد متقصدش!

-       اخرسي وابعدي أنتِ كمان!

 

كاد أن يقوم بلطمها بينما انطلق "عمر" كالرصاصة التي استقرت بينهما وملامحه ارتجفت غضبًا ليصيح به:

-       ناوي تضربها هي كمان وأنا واقف، ترضى حد يعملها في مراتك.. ولا الرجولة مش موجودة في الحتة دي كمان..

 

لأول مرة تحتمي خلفه وهي تلمح ملامح "يزيد" التي لا تقارن ولو في خيالها بملامح "عمر" نفسه وهو غاضب لتبدأ أنفاسها في التعالي ولم يشعر أي منهم بمن اجتمع حولهم في الغرفة ليرد والده بغضب قائلًا:

-       البنت دي عايزة تتأدب، لو كانت محترمة مكنتش اتدخلت بيني وبينا أمك!

-       أنا مراتي محترمة غصب عن الكل!

 

لم يدر ما تلك الكلمات التي تغادر شـ ـفتيه ولم يعي ما يحدث حيث تحكم غضبه به ليُتابع بلهاث وحُرقة:

-       هي عملت ايه؟ دي كانت بتحوش بينك وبينها، بس ازاي طبعًا؟ أنت عايز الكل يبقا نسخة من مها الجندي وعشان ابقى راجل لازم أكون نسخة منك..

 

هرول "أنس" للداخل وهو يجذب "عمر" بعيدًا وحاول أن يحتوي الموقف سريعًا:

-       خلاص يا عمر ميصحش تعلي صوتك على عمي كده..

 

لم ينجح في منعه بينما بدأت "روان" في الارتجاف بفعل كل ما تراه ولم تستطع سوى التشبث به ولأول مرة تشعر بأن كل ما كان يفعله معها لم يصل أبدًا لتلك الإهانة أمام الجميع بصوت صراخ والدته وهي تبكي قهرًا جعل ضربات قلبها تتصاعد بوتيرة جنونية وانكمشت على نفسها بخوف وازداد توترها عندما تابع "عمر" صراخه:

-       أنا مش أنت، قولتهالك مليون مرة حاولت أكون أنت وفشلت، شوف بقا أي حد غيري اجبره يبقا نسخة منك، ومراتي لو جيت ناحيتها أنا مش هاسكت يا بابا، عايز المرة الجاية تعمل حاجة فيها ابقا خدني في سكتك، مراتي مش مراتك وعمرها ما هتكون، الأم اللي متعرفش يعني ايه حب ولا يفرق معاها ولادها وكل اللي يفرق معاها هو إنها تخلص من الرعب اللي أنت عاملهولها عمرها ما هتكون زي مراتي، لو أمي مقدرتش تغير راجل عشان مش عارفة تحب فأنا وصلت للي عمرك انت وهي ما وصلتوله ولا فهمتوه في حياتكم..

 

نفض يـ ـد "أنس" من فوق ذراعه ثم اتجه للخارج وهو يجذبها خلفه وبكل ما استطاع عقلها مواكبته التواجد معه أفضل آلاف المرات من التواجد مع رجل وامرأة كأمه وأبيه!

 

 

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة