-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 4 - 2

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق




رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الفصل الرابع 2

العودة للصفحة السابقة 


الطرق المستمر على باب المنزل ، جعلها تفيق من تلك القيلولة ، التى أخذتها بعد خروج زو جها ، فتركت الفراش وبحثت عن رداءها المنزلى ، وجدته ملقى على المقعد بجوار الفراش ، إرتدته وشدت رباط خصرها ، وإبتسمت لظنها أن ربما الطارق ماهو إلا ذلك الطفل المدعو سويلم ، فهى منذ مجيئها لهنا برفقة زو جها ، وهو يفعل ذلك من حين لأخر من أجل مشاكستها أو الجلوس معها ، فهى أحبته وأحبت والدته تلك المرأة الحنون والجميلة ، والتى نشأت بينهما صداقة ودية ، فهى تشبهها فى بعض النواحى ، من حيث كونها من عائلة ثرية ولكن وقعت بغرام والد سويلم وتزو جته رغم إعتراض عائلتها بالبدء ، ولكن تحدت رغبة الجميع وتزو جا وأنجبت له ذلك الطفل الشقى ، فمن يرى معاملتها المتواضعة وتلك الشخصية القوية ، لا يصدق أنها نشأت بوسط مخملى كذلك الوسط الذى نشأت به هند ، لذلك تطورت صداقتهما سريعاً ، نظراً لأن كل منهما ضحت بالثراء من أجل الحب 


فتحت هند الباب وهى تبتسم وتقول بوعيد مزيف:

– لو أنت اللى بتخبط على الباب جامد كده يا سويلم مش هديك شيكولاتة تانى 


ولكن أشرق وجـ ـهها بعد رؤيتها لوالديها ، وهما يقفان على الباب ، فصاحت هند بسعادة :

– بابا ماما وحشتونى أوى ، إيه المفاجئة الجميلة دى 


أحتضنت والديها تباعاً ودعتهما للدخول ، فأشار أبيها للسائق بأن يحمل تلك الهدايا التى جلبها من أجل إبنته ، وأن يضعها بالصالة ، وضع السائق ما بيـ ـده على تلك المائدة الصغيرة بالصالة وخرج بعدما أخذ نقوده نظير إيطالهما من المطار للمنزل


نظرت هند لحقائب الهدايا قائلة بعتاب رقيق :

– إيه الحاجات دى كلها يا بابا مكنش ليه لزوم تتعبوا نفسكوا وتجيبوا كل ده 


أقترب منها أبيها وأخذ وجـ ـهها بين يـ ـديه قائلاً بحنان :

– لو مكنتش أجيب كل ده ليكى أنتى أجيب لمنين يا حبيبة قلبي ، أنا لو أطول أجبلك النجوم مش هتأخر يا حبيبة بابا


قبـ ـلت باطن يـ ـده قائلة بإمتنان وحب :

– تسلملى يا بابا ، أقعدوا هجبلكم حاجة تشربوها ، أنا عارفة تلاقيكم تعبتوا من الطريق 


تركتهما هند وذهبت للمطبخ ، وأخرجت الأكواب ووضعت بها المشروبات ، وفكرت بإخراج بعض الأطعمة من المبرد ، لتجهيز المائدة ، إبتسمت على حالها ، فهى صارت سيدة منزل وزو جة ، تعد الطعام من أجل زو جها ومن أجل كل من يزورهما بالمنزل ، فوالدة سويلم ساعدتها بتعلم الطهى وكيفية العناية وتدبير شئون المنزل من شراء ما يلزمهما من الطعام والشراب وما إلى ذلك


أثناء وضعها للمشروب المرطب بالأكواب وجدت والدتها تقف خلفها تمسد على رأ سها وظـ ـهرها قائلة بحنان :

– عاملة إيه يا حبيبتى مع جوزك كويسين الحمد لله متعرفيش أنتى وحشانى قد إيه يا هند وكأنك سيبتى البيت من سنين مش من شهرين بس 


وضعت هند الصينية من يـ ـدها وإلتفتت لوالدتها وإحتـ ـضنتها وهى تقول بصوت ناعم خجول :

– دول كانوا أجمل شهرين فى عمرى يا ماما ، متتصوريش أنا مبسوطة مع كرم إزاى وخصوصاً لما عرف كل حاجة ، أنا بحبه أوى أوى يا ماما 


شدت والدتها من ذرا عيها حولها ، وزفرت براحة ، فتلك السعادة التى تراها بوضوح على وجه إبنتها وإستشعرتها بصوتها ، جعلتها مطمئنة هادئة البال ، على الرغم من شعورها بالحزن لفراقها وأنها تقيم مع زو جها بمحافظة أخرى 


خرجت هند ووالدتها من المطبخ وجدت والدها جالساً على الأريكة بالصالة ويجلس بجواره الصغير ، فصاحت هند قائلة بإبتسامة :

– أنت جيت أمتى يا سويلم 


رد الصغير وهو يرفع يـ ـديه يعد على أصابعه عدد الدقائق  :

– جيت من دول يا طنط هند 


وضعت هند الصينية وأخذت قطعة من الشيكولاتة لعلمها بحب الصغير لها ، فقبلته على وجنته وناولته الشيكولاتة وداعبت شعره وهى تقول بمشاكسة :

– حبيب طنط هند ، الشيكولاتة أهى بس أوعى مامتك تعرف أحسن هى مأكدة عليا أن مخليكش تأكل شيكولاتة كتير أسنانك هتسوس 


أخذ الصغير حلواه وقفز فرحًا وسرعان ما خرج من المنزل بعد حصوله على مبتغاه من زيارته السريعة لها ، فأغلقت هند باب المنزل وعادت لوالديها ، ولكنها لاحظت أن أبيها ترك مكانه وتجول بالمنزل يتفقده 


دلف لغرفة المعيشة ولحقت به هند ووالدتها ،فأقتربت من أبيها وتأبطت ذراعه وهى تقول بإبتسامة عفوية :

– شوفت يا بابا العش الهادى بتاعى أنا وكرم ، أحلى عش لأحلى عصافير الحب


وقف أبيها قبالتها ، فربت على وجـ ـهها ولم يستطع أن يجارى إبتسامتها ، فإن كان تركها من قبل تقيم مع كرم بشقته فى الإسكندرية ، فهو كان يعلم بأن زو اجهما لن يستمر وستعود لمنزله مرة أخرى ، ولكن تلك المرة هى صارت زو جة فعلية لكرم، لذلك يجب عليه أن يأمن لها مستواها المعيشى الرغيد ، الذى كانت تحيا به بكنفه 


فداعب وجنتها قائلاً بلطافة :

– بس عصفورتى لازم تعيش فى العش اللى هى متعودة عليه يا حبيبتى ، حتى لو مش عايزين تعيشوا معانا فى البيت أنا اشتريلكم أى فيلا تعجبكم ، بس أكون مطمن عليكى 


علمت مدلول حديثه ، فشدت على يـ ـده وردت قائلة برفق :

– بابا متقلقش عليا كرم بيعمل كل اللى يقدر عليه وصدقنى والله أنا راضية بكل حاجة هو بيعملها علشانى فعيزاك تطمن ثم هو أنا لو احتاجت حاجة أكيد هقولك ، أنا مش عيزاك تشغل بالك بيا 


لم يستساغ محاولتها لتجعله يصرف تفكيره عن التخطيط لمستقبلها هى وزو جها ، فخرج صوته حاداً رغماً عنه:

– هند أنا مش عايز بس حلاوة أيام جوازك الأولى تنسيكى أنك بعد كده هتبقى أم وعندك أطفال وأكيد هتكونى حابة أنهم يعيشوا فى أحسن مستوى مش عايز العاطفة تغلبك وتنسيكى أنك هند الصاوى ، اللى اتولدت فى بوقها معلقة دهب ، ومتفتكريش أن أنا إنبسطت لما شوفت البيت اللى أنتى قاعدة فيه ده ولا المكان ، وإن كان على جوزك أنتى عارفة أن بحبه وبعزه زى إبنى ومستعد أسلمه مالى وأملاكى وكل حاجة ، ماهو مش معقول أامنه على بنتى اللى هى أغلى من أى حاجة فى الدنيا وهبخل عليه بمالى ، فبظروفه وحالته دى مش هيقدر يقدملك اللى أقدر اقدمهلكم أنا ، فلازم تكلميه وتقنعيه وترجعوا على إسكندرية ، إذا ما كانش أنتوا تتمتعوا بالخير ده كله مين يتمتع بيه 


أدنت زوجته منه وشدت على ذراعه لعله يخفف من حدة حديثه ، فهى تعلم مدى إعتزاز إبن شقيقتها بكبرياءه ، وما أن رفعت عيـ ـنيها صوب باب غرفة المعيشة تحققت ظنونها ومخاوفها ، فكرم يقف قريباً من باب الغرفة و ربما إستمع لحديث زو جها ولا تعلم منذ متى وهو هنا ؟


إلا أنه دلف لغرفة المعيشة قائلاً بإبتسامة ودودة :

– حمد الله على السلامة يا عمى أنت وخالتو وأنا أقول الأقصر منورة ليه 


تقدم من زو ج خالته وصافحه وأقترب من خالته وقبـ ـلها على وجنتيها ، فدعاهما للجلوس ومازال مبتسماً كأنه لم يسمع شئ من حديث والد زو جته ، بل قدم لهما واجب الضيافة وساعد هند بتحضير الطعام ومازالت تلك الإبتسامة على وجهه حتى ظنوا ثلاثتهم أنه لم يستمع لشئ من حديثهم 


فما أن جن الليل عليهم ، وذهب والديها لتلك الغرفة التى سيقمان بها أثناء وجودهما بالمنزل ، دلفت هند لغرفة نومها وجدت زو جها مستلقياً على الفراش واضعاً ذراعه على وجـ ـهه يخفى عيـ ـنيه ، فأبدلت ثيابها وذهبت للفراش ، فما أن شعر بها قريبة منه ، أخفض ذر اعه عن وجـ ـهه وإستلقى على جانبه الأيمن وجذبها إليه ، وبدأ الوصال بينهما فاترًا من جانبه على غير العادة ، بل حمل طابع اليأس وفرض الهيمنة منه ، حتى جعلها تدفعه عنها بالأخير 


فنظرت إليه وتساءلت بتعجب من تصرفه :

– فى إيه يا كرم مالك ؟


عاد كرم وإستلقى على ظـ ـهره قائلاً بفتور :

– مفيش يا هند ، مشغول شوية علشان بفكر أدور على وظيفة تانية جمب شغل المدرسة 


رفعت هند جزعها العلوى على مرفقها الأيسر ونظرت إليه قائلة بإهتمام :

– وظيفة تانية ليه يا حبيبى وترهق نفسك أكتر ليه ، ما الحمد لله عايشين كويس 


أزاح كرم الغطاء عنه وترك الفراش ، فوقف أمام النافذة الصغيرة ووضع يـ ـديه بجيبى سرواله البيتى ، ورد قائلاً دون أن يلتفت إليها :

– أنتى مش شايفة العيشة بقت غالية إزاى والأسعار ولعت زيادة وطبعاً لازم أبقى راجل وأعيش مراتى بنت الأكابر كويس 


قال شق عبارته الأخير يحمل طابع التندر الساخر ، فأيقنت هند أن زو جها إستمع لحديث أبيها ، وربما شعر بأنه أصاب كبرياءه بمقتل ، لذلك تركت الفراش وأقتربت بخطواتها منه ، ورفعت ذراعيها لتطوقه بهما ووضعت رأ سها على ظـ ـهره ، بل راحت تمسد بكفها الرقيق على موضع قلبه 


خرج صوتها ناعماً خافتاً مفعماً بالصدق والحب :

– حبيبى لو كنت سمعت كلام بابا وأضايقت فهو قال كده من باب حرصه وحبه ليا ، هو ميقصدش أى حاجة صدقنى هو بس عايزنى أعيش فى نفس المستوى اللى كنت عيشاه ، بس ده كله مبقاش يهمنى قد ما أن أفضل جمبك باقى عمرى كله ، وتخلينى أسعد وأغنى واحدة بحبك وحنيتك ، أنا بحبك يا كرم ومبقتش عاملة أى اعتبار لحاجة تانية غير أن أنت بقيت جوزى وحبيبى 


سيكون كاذباً إن لم يقر بداخله أنها إستطاعت أن تصرف تفكيره عن أى شئ أخر سوى أن يضـ ـمها إليه وينهل من نهر عشقها ، ولكن بغياهب عقله مازالت تلك الوخزة الصغيرة تألمه ، يخشى إخفاقه بأن يكون ذلك الزو ج الذى يجعل الجميع يثنى على قرارها بالإرتباط به ، لذلك سيبذل أقصى ما بإمكانه ليجعلها مدللة حتى وإن لم تكن ستنعم إلا بالقليل مقارنة بما كانت تحصل عليه بكنف أبيها ، فأمر عثوره على وظيفة بجانب تدريسه بالمدرسة ، كان يراوده منذ أن أخذ قراره بإكمال حياتهما سوياً ، وزاد تفكيره بالأمر عندما تيقن من أن هند صارت له قلباً وقالباً وبات هو الحبيب الأول والأخير لها ، ولكن بالشهرين الماضيين ، ربما أنغمس بنهر الحب ، وصرف تفكيره عن الأمر ، ولكن بات التفكير به الآن جدياً خاصة بعد سماع حديث والد زو جته ، لذلك سيعمل من الغد على العثور على تلك المهنة أو الوظيفة التى ستمكنه من زيادة دخله ، ويستطيع أن يسد حاجات زو جته من المأكل والمشرب والحصول على ثياب جديدة مثلما هى معتادة 

❈-❈-❈

بعد خروجها من المتجر الخاص بالثياب ، ووضعت تلك الثياب التى إبتاعتها بسيارتها ، رآت فتاة تخرج من متجر مجاور ، فتذكرتها على الفور ، وكيف لا تتذكرها وتلك هى من أصبحت زو جة لمعشوقها عبد الرحمن ، تأملتها بضع لحظات ، وأنزلقت بنظراتها من وجهها ، حتى إستقرت على بطنها المنتفخ بشكل ملحوظ ،  فهى لم تنتبه لهذا الأمر يوم أن رآتهما سوياً ، ضمت بيرى أصابعها ، حتى أنغرزت أظافرها بباطن يدها ، مسببة لها شعور بالألم ، ولكن لم يكن قوياً كذلك الألم ، الذى أعتصر قلبها من رؤية فتاة أخرى تحمل طفلاً لذلك الرجل ، الذى لم تعشق أحد غيره ، ودون أن تعى على ما تفعل وجدت قدميها تسوقها إليها بعد أن وقفت أمام إحدى المتاجر ، فوقفت بجانبها بحجة أنها تشاهد تلك الثياب المعروضة بالواجهة الزجاجية لمتجر ثياب الأطفال


تتبع بعينيها حركة يديها وهى تمسد على بطنها المنتفخ بحنان ، فسألتها بيرى بفضول :

– هو أنتى حامل فى ولد ولا بنت 


نظرت إليها المرأة الشابة وتعجبت من سؤالها فى البدء ، ولكن سرعان ما أجابتها وهى تبتسم :

– حامل فى ولد إن شاء الله وهسميه عبد الرحمن


تعجبت بيرى من أنها ستمنح طفلها إسماً كإسم أبيه ، ولكن قبل أن تعرب عن دهشتها وجدت رجل يقترب منهما وهو يصيح باسماً:

– إيه يا حبيبتى خلاص خلصتى ده كله بتجيبى هدوم للبيبى 


نظرت بيرى إليه ملياً ، فمن يكون هذا الرجل ، ولما يخاطبها بتلك الحمـ ـيمية ، ولكن زادت دهشتها أكثر برؤية الفتاة تقترب منه ووضعت يـ ـديها بين كفيه وهى تقول بإبتسامة هادئة:

– خلاص يا حبيبى إشتريت كل اللى عيزاه ، ويلا بقى أعزمنى على الغدا علشان هموت من الجوع أنا وإبنك


صعقت بيرى مما سمعته منها ، فقبل أن تبتعد قبضت بيرى على ذراعها ومنعتها من السير ، تعجبت الفتاة من تصرفها ، ولكن قالت بيرى بعينان دامعتان :

– هو مش أنتى تبقى مرات عبد الرحمن السياف 


ردت الفتاة قائلة بعدما قطبت حاجبيها بدهشة :

– عبد الرحمن السياف يبقى أخويا مش جـ ـوزى ، ده يبقى جـ ـوزى ، ثم أنتى تعرفى عبد الرحمن أخويا منين 


وضعت بيرى يـ ـدها على فمها لتمنع صوت شهقاتها و بكاءها ، فإذن قد خدعها بإيهامها أنه متزو جاً ولديه زو جة ، حتى تقطع جسور الأمل بينهما ، فلم تنتظر دقيقة أخرى إذ أخذت تهرول بخطواتها حتى وصلت لسيارتها ، فقادتها وهى ما زالت تبكى ، فحتى بعد علمها بأن تلك الفتاة شقيقته وليست زو جته كما حاول إيهامها ، إلا أنها تعلم بأنه من المحال أن يجتمعا سوياً طالما هى إبنة ذلك الرجل ، الذى تسبب بإيذاءه ، فنقمت على أبيها وعلى قلبها وعلى حياتها بأكملها ، كونها ستظل عالقة بذلك الحب ، ولن تستطيع المضى به قدماً ، ولا أن تعود لما كانت عليه من إفتعال البرود وتحجر مشاعرها 


بتوالى الأفكار على عقلها ، لم تدرك بأنها صارت بالمنزل إلا بعد رؤيتها للحارس يفتح البوابة الرئيسية ، ولجت بسيارتها حتى وصلت للمرآب وترجلت منها ، ولكن رآت أبيها متجهاً لذلك الجزء المهجور من ذلك القصر ، فتبعته لتعلم لم هو ذاهباً لهناك ، أو لم يصر دائماً بعدم إقتراب أحد من ذلك المبنى 


حرصت على الاختباء وهى ترى أبيها يصرف ذلك الحارس الماثل أمام تلك الغرفة ، وما أن غادر الرجل وولج أبيها للداخل أقتربت من الباب ورآت أنه لم يكن موصد بالكامل ، فنظرت من شق الباب وجدت والدها جالساً على طرف فراش تستلقى عليه سيدة عجوز 

فغمغمت بصوت خافت :

– مين دى ومعقولة فى حد ساكن معانا فى البيت وأنا معرفش 


صمتت وعادت تنصت لحديث أبيها مع تلك العجوز ، فسمعته يصيح بها بتعنيف :

– مارجريت قوليلى إزاى ده حصل لديفيد ، وليه كلهم حبوا مسلمين ، لا من دينا ولا عقيدتنا 


قهقهت مارجريت على رؤية ملامحه الحانقة ، فيبدو عليه أنه تيقن الآن من أن هلاكه قاب قوسين أو أدنى من إختطافه ، وربما هذا عقابه الملائم على جرائره 


اعتدلت جالسة بالفراش وردت قائلة بشماتة :

– ده قدرهم ومتنساش أن أبوك ذات نفسه وقع فى عشق واحدة مسلمة بس مقدرش وقتها يعمل حاجة ، وفضل الحب فى قلبه ياكل فيه حتى بعد ما اتجوز أمك اللى هى أختى ، وهى زرعت فيك كره المسلمين لأنها فضلت عايشة مع أبوك مكوية بنار أنها عارفة أن جو زها قلبه بيحب واحدة تانية ، ومات وساب لعنة الحب ده لأحفاده ، وانكتب على نسله أنهم هم كمان يدوقوا الحب اللى مفروض ممنوع عليهم ، بس يا ترى الحكاية هتخلص على إيه ،  علشان خلاص زهر الياسمين فاح عطره فى قلب ديفيد ، وأنت مش هتقدر تعمل حاجة ، لأن لو حاولت تأذيها الشبل اللى أنت ربيته هيبقى أسد وهتكون أنت أول فريسته 


إبتسم أدريانو بسخرية ورد قائلاً بعدم إكتراث :

– خلاص زمانها دلوقتى هيجيلى خبرها لأن قولتلك مش هسبب اللعبة تخرج من إيدى ، وهم كام يوم وهيرجع ديفيد زى ما كان يا مارجريت 


رفعت مارجريت يـ ـدها وهوت بها على سـ ـاق أدريانو بصفعة خفيفة كتأنيب على تفكيره الساذج وقالت برنة صوتها التى ترعبه أحياناً حتى لو حاول الإنكار :

– يا خسارة يا أدريانو يبقى إستنى وشوف اللى هيحصلك ودلوقتى سيبنى أنام


إستمعت بيرى لحديثهما ، ولم يكن لديها الوعى والإدراك الكافى لإستيعاب كل ما سمعته ، فهى تعلم بشأن أن خالة أبيها مارجريت توفت منذ وفاة عمها دانيال ، ولكن ها هى هنا على قيد الحياة ، بل حديثها مع والدها حمل طابع العالمة بكل الأمور الخاصة بحياة أبيها السابقة والحالية 


– بابا خارج لازم ميشوفنيش

قالتها بيرى وهى تسرع بخطواتها حتى تركت ذلك المبنى وعادت للمنزل ودقائق ووجدت أبيها يلحق بها 


ولكن قبل أن يفتح أحد منهما فـ ـمه ، سمعا صوت صيحة وصرخة ديفيد وهو يلج المنزل كالطوفان وهو ينادى:

– أدريانوووووووو


تلك هى المرة الأولى التى يتخلى فيها عن العادات المتبعة لديه بمناداة عمه بإحترام ، ولكن ما علمه للتو ، أطاح بكل ما لديه من عقل ومنطق وقدرة على التفكير السليم ، بل لم يكتفى بذلك بل أقترب من عمه قابضاً على تلابيب ثيابه وهو يهدر بوجـ ـهه بصوت عالى :

– ليه عملت فيها كده ذنبها إيه ، ليه خليت رجالتك يخبطوا ياسمين بالعربية ليييييييييه تعمل فيها كده ، عايز تخلص منها زى ما اتسببت فى موت بابا وماما واخواتى


– ديفيد إحترم نفسك وأنت بتكلمنى أنت ناسى إن أنا عمك ومين ياسمين دى كمان اللى جاى تتهمنى فيها ، واتسببت فى موت باباك ومامتك إزاى أنت مجنون


قال أدريانو بلامبالاة وأزاح يـ ـد ديفيد عنه ، فهو وضع مخططه بأنه يقوم أحد رجالة بدعس ياسمين بالسيارة أثناء خروجها من الكلية ، التى تعمل بها معيدة ، ويبدو أن الرجل نجح بمخططه  


أخرج ديفيد سلاحه النارى من غمده ، ورفعه بو جه أدريانو قائلاً وعيـ ـناه دامعتان لعلمه بما لاقته معشوقته :

– أنا عرفت الحقيقية ومن لسانك أنت لما كنت فى أوضة بابا وبتتكلم مع الصورة وأعترفت بكل حاجة ، شكلك نسيت أن أوضتى جمب الأوضة اللى كنت فيها ، وأن فى باب بينهم ، ولما كنت عايز ادخل الأوضة اقعد فيها شوية ، شوفتك وانت واقف قدام صورة بابا وسمعت كل حاجة ، أنت مش بنى أدم أنت شيطان ولازم تموت ، أنت أذيتنا كلنا 


تصنمت بيرى بوقفتها وهى ترى الموقف بينهما يصير أكثر تأزماً ، فأبيها لا يكتفى من إفتعال أمور الشر ، التى يعانون هم من تبعاتها وأثارها ، ولكن قبل أن ينجح ديفيد فى إطلاق النار ، أقتحم رجال الشرطة المنزل وصاح أحد الضباط قائلاً بأمر :

– كل واحد يثبت مكانه ، أدريانو أنت مطلوب القبض عليك ، خلاص أنت أنكشفت ، ومعانا كل التسجيلات اللى تدين أعمالك المشبوهة 


لم يجد ديفيد حاجة لأن يطلق الرصاص عليه ، لعلمه بأن عمه سينال جزاءه من قبل القانون ، فهو ما أن علم بأنه هو المتسبب بموت والديه وأشقاءه مثلما سمعه يصرح هو بذلك وأنه ألقى اللوم على عاتق إناس أبرياء أصر على وضع نهاية أدريانو بيده وجاء أمر حادث ياسمين متمماً لإصراره ، فذهب للشرطة بكل الأدلة التى تجعل أدريانو يزج بالسجن ولا يخرج منه ثانية إلا على قبره 


نظر ديفيد لعمه قائلاً بشماتة :

– خلاص اللعبة أنتهت يا عمى وعلى إيدى أنا مش إيد حد غريب


ولكن لم يكن أدريانو ليستسلم بتلك السهولة التى ظنها رجال الشرطة ، بل سلاحه النارى الذى اخرجه وراح يفرغ طلقاته بعشوائية ، نجح فى خلق جو متوتر وهرج ومرج بالمكان ، وإستطاع أن يلج لغرفة مكتبه ومنها إلى ذلك الممر السرى ، الذى يمكنه من الخروج من المنزل بأكمله ، فأقتحم رجال الشرطة غرفة المكتب ، وركض ديفيد للخارج ، لعلمه أن عمه يأمل بالهروب من قبضة رجال الشرطة ولكنه لن يدعه ينال تلك الفرصة 


فكز على أسنانه قائلاً بوعيد:

– مش هخليك تهرب يا أدريانو


رآى سيارة أجزم ديفيد أن سائقها هو عمه ، فأخذ سيارته وتبعته سيارات أخرى خاصة برجال الشرطة ، وظلت المطاردة بينهم على أشدها ، حتى وصلاً لأحد الجسور المطلة على البحر ، ولم يعد لأدريانو منفذ للهرب ، فهو أصبح محاصراً من ديفيد ورجال الشرطة ، وبمحاولة أخيرة بائسة حاول الهرب ، بأن مد يـ ـده من نافذة السيارة وأطلق رصاصة إستقرت بذراع الضابط ، لعل ذلك يلهى رجال الشرطة عنه ، حتى يستطيع تنفيذ ذلك الحل الوحيد أمامه وهو أن يقفز بالسيارة فى البحر ، ولكن كأن الضابط علم بنواياه فأطلق رصاصة على خزان وقود السيارة ، وبلمح البصر أنفجرت السيارة ولم ينتهى الأمر لهذا الحد بل سقطت من على الجسر فى البحر وما هى إلا ثوانٍ معدودة حتى أنتهى الأمر ولم يعد للسيارة وجود 


وقف ديفيد ينظر للمياه بجمود وبرود ، فربما تلك هى النهاية العادلة التى يستحقها عمه فغمغم بنبرة خالية من الشعور :

– أخدت جزاءك يا عمى وزى ما بابا وماما واخواتى ماتوا فى انفجار عربية أنت كمان موت نفس موتتهم


شهدت مراسم تشيع جثمان أدريانو طابع البرود وتحجر الحواس والمشاعر من حياء وديفيد ، اللذان وقفا أمام ذلك القبر بعد إنصراف ما كان موجود من المشيعيين ، فعلى الرغم من مشاعر الجحود التى كنتها حياء لعمها أدريانو ، إلا أنها أشفقت على بيرى وهى مازالت تبكى ، فأولاً وأخيراً هو أبيها ، ورابط الدم دائماً ما يكون له الأولوية بمثل ذلك المشهد المهيب من توديع أحدهم للدنيا الفانية ، ليخوض حياة البرزخ 


أخرجت حياء يـ ـديها من جيبى معطفها وشدت بهما حول كتفى بيرى النحيلين ، فسرعان ما إستجابت لحنانها ووضعت رأسها على كتفها لتكمل وصلة بكاءها ، فهتفت بها حياء بصوت حانى :

– إهدى يا بيرى وبطلى عياط خلاص مش هيفيد بحاجة ، ربنا يسامحه


رمقت حياء شقيقها ديفيد بنظرة باردة ، لعلمها بأنه هو الآخر مذنب بتلك الحالة التى وصلت إليها من هجر زوجها لها ، لذلك أرادت الإنصراف ، وأكملت حديثها وهى تمسح وجه بيرى بيـ ـديها :

– يلا بينا نروح علشان ترتاحى 


تأبطت ذراعها وسارتا حتى وصلتا للسيارة ، فقادتها حياء حتى وصلتا للمنزل يتبعهما ديفيد بسيارته ، أشارت لبيرى بنيل قسط من الراحة ، فإستجابت لإقتراحها وبعد ذهابها لغرفتها ، ظلت حياء وجـ ـهًا لو جه مع شقيقها ، الذى لا تعلم هل تلك الحالة المزرية التى أصابته من حزنه لموت عمه ، أم أن هناك سبباً أخر


عقدت حياء ذراعيها ونظرت إليه قائلة بسخرية فجة :

– باين عليك الحزن أوى يا ديفيد علشان موت عمك بس معرفش أنك بتحـ ـس وعندك قلب زى البنى الأدمين الطبيعيين ، ولا صحيح الشيطان اللى زيك لازم يزعل على أستاذه


رفع ديفيد رأ سه وحدق بها بعيـ ـنيه الغائرتين ، كأنه يحمل هم وألم العالم أجمع ، فرد قائلاً برنة صوته المتعبة والمتقطعة ، تزامناً مع إنسكاب عبراته بسخاء  :

– ليكى حق تقولى كده يا حياء ، لأنك من ساعة ما قابلتينى وحياتك بقت خراب ، بس صدقينى أنا حا سس باللى أنتى حا سة بيه وعرفت يعنى إيه حرقة قلب على حد بنحبه ، وخصوصاً لما روحت المستشفى و عرفت أن حبيبتى ياسمين ماتت


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية




رواياتنا الحصرية كاملة