رواية جديدة نعيمي وجحيمها لأمل نصر - الفصل 72 - 2
قراءة نعيمي وجحيمها كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نعيمي وجحيمها
الفصل الأخير
الجزء الثاني
على مدخل القاعة كانت تفرك بكفيها بعصبية، وتجول بعينيها باحثة كل دقيقة في الخارج عنه، لقد تأخر كثيرًا، كثيرًا جدًا وهي في انتظاره، وهو لم يأتي ولا حتى رب عمله ولا زهرة زوجته، تتمنى من الله السلامة وألا يكون هذا التأخير بسبب سوء حدث معهم.
شهقت بارتياح فور أن رأته يأتي قادمًا بخطواته السريعة نحوها، حتى إذا وصل إليها تلقفته بالسؤال على الفور:
- توك ما واصل يا إمام؟ دا الفرح قرب يخلص.
اجاب لاهثًا وهو يدخل بها لدخل القاعة:
- فرح ايه اللي يخلص بس يا غدغود؟ هو لسة ابتدى أساسًا؟ ع العموم معلش لو اتأخرت عليكي.
ردت بقلق:
- مش موضوع تأخير، بس انا قلقت عليك جامد يا إمام، خصوصًا وإن جاسر الريان مجاش ودا فرح صاحبه، ومراته صاحبه العروس تبقى صاحبة مراته وشغاله عنده، يبقى ليه التأخير دا بقى؟
نظر إمام نحو ساحة الرقص التي بدأ رقص الكابلز فيها مع العروسان، فقال وهو يتناول كف يدها ويسحبها معه:
- تعالي بس الأول نجرب الرقص الرومانسي وبعدها تكمل كلامنا، هي طارت يعني؟
- لا مطارتش بس....
قاطعها بقوله الحاسم وهو يخترق بها قاعة الرقص:
- ما قولنا بعدين يا غادة، مش قادرة تصبري يعني.
اضطرت مذعنة تسلتسم لإلحاحه ولشعور البهجة الذي يغمرها بشدة في القرب منه
❈-❈-❈
وكأن الزمان لم يمر ولم يلقى منها جرح عمره، بين يديه وهو يراقصها برزانة تقارب الرتابة، نظرَا لتقدمهما في العمر، ولكنها وبرغم هذا الضعف الذي يراها اللاَن، عليها يجد نفسه يتذكرها بطفوليتها وسنين زواجه الأولى بها، قبل ان تتراكم عليه الهموم ويضيق الحال ويتبخر العشق في الهواء، ليذهب لمكان اَخر وليس منزلهم، ثم تأتي اليوم بعد كل هذه السنوات ويراها فينبهر بحسنها وينسى معه كل شئ، فلا يرا سواها يستعين بصورتها القديمة، ليستعيد ولو بالوهم سعادة غابت عن قلبه منذ رحيلها عنه.
كان منفصلَا عن الواقع معها وهي تميل بين يديه تناظره بامتنان يكفيها نظرة الحنان في عينيه وغفران قلبه لها، يكفيها فرحتها بابنتها التي تطالعها كل دقيقة منذ أن ولجت لساحة الرقص معها بسعادة تكمل فرحتها بأن تشاركها بهذه الرقصة الرومانسية، لقد استراح قلبها اَخيرًا ولم تعد تخشى شئ .
❈-❈-❈
خدت بالك من جوز العصافير دول يا طارق؟
همست بها إليه بفرحة تطل من عينيها وهي تومئ برأسها نحو والديها اللذين يتراقصان بشاعرية بالقرب منها، نظر طارق نحو الجهة التي تُشير إليها فعاد إليها يقول بمشاكسة:
- دا شكل الميا هترجع تانى لمجاريها ولا إيه بس؟
ردت بوجه جدي:
- ياريت، بس للأسف المشكلة في ماما نفسها قبل بابا، لأنها مش عايزاه هو بالذات يعرف بمرضها، نفسها تفضل على صورتها القديمة الجميلة قدام الكل وخصوصًا هو .
- دي بتحبه بقى
رددها بتخمين أكدته هي بابتسامتها وقولها المتأثر:
- بس اكتشفت دا متأخر قوي .
شعر طارق بالحزن التي اكتسى ملامحها فقال سريعًا ليُعاود إليها مزاجها الرائق:
- على فكرة بقى انا عاملك مفاجأة تجنن .
سألته بفضول:
- بجد طب هي إيه؟
رد متبسمًا بصوت طقة طقة بفمه:
- وهتبقى مفاجأة ازي بقى لما اقولك؟
قالت بلهفة لم تقوى على كبتها:
- ماتبقاش رخم بقى وقول على طول .
تبسم يقول بمرح:
- يا بنتي بقولك اصبري، دي هي كلها دقايق بس .
❈-❈-❈
عادت للقاعة مرة أخرى بعد أن أنهت لقاءها مع كارم، وأثبتت له ولنفسها انها بقدر التحدي، نعم هو تحدي بالنسبة لها، لقد حذرتها شقيقتها منه ومن غموضه الذي يجذبها إليه، ورأت بنفسها ما كان ينتوي عليه منذ قليل معتقدًا أنه يستطيع استغلالها في رد الضربة بالإنتقام من شقيقتها، ولكنها كانت زكية حينما لم تغفل عن ذلك وعرفت كيف تصده دون خسائر، فهي ليست بالغباء الذي يجعلها تضيع فرصة مثله بهذه الإعتقدات التي أردفت بها شقيقتها عنه، توقفت لتشاهد مجموعة من صديقات الجامعة لها، وهن يتمايلن بهيام على الأغنية الرومانسية وأعينهم تفيض بالإعجاب والحسد نحو كاميليا وطارق الذي يناظرها بوله في رقصتهما معًا، تنهدت بعمق وهي تتمتم بداخلها:
-لقد حان موعدها لكي تثبت نفسها هي الأخرى،
لتحظى بفرح كهذا ورجل كهذا أيضًا، هي ليست بالقليلة حتى لا تستغل جمالها في الحصول على ما تبتغيه، وليست لقمة سائغة، حتى يستغلها أي من كان، حتى لو هذا هو كارم نفسه الماكر الوسيم
❈-❈-❈
على الطاولة التي ضمت عدد من الافراد التي أتت من الخارج من أسرة طارق، مثل والدته وشقيقته الصغرى كانت لينا ووالدتها هي من يشاركهم الفرحة لحكم الصلة الأخوية التي أسسها طارق على مدى العديد من السنوات.
قالت والدته بتأثر وعينها مثبتة على العروسان:
- بسم الله ما شاء الله، عروسة طارق طلعت قمر فعلًا، يعني مكنش بيكدب في الوصف.
ردت أنيسة بابتسامة ودودة وفرحة تغمرها سعيدة بجمع شمل طارق مع من أحبها بالفعل:
- مش جمال بس، لا دي كمان ادب وشخصية محترمة من كله، بصراحة مكنتش اتوقع انه بعد العك اللي عكه دا كله يقع في واحدة بالصفات دي، متأخذنيش يا هانم، بس انتي عارفة ابنك.
قالت الأخيرة ضاحكة للمرأة التي تقبلت مزاحها تومئ برأسها موافقة، تدخلت شقيقته في الحديث قائلة بانبهار وبعض الكلمات الأجنبية:
- ( أخويا دا خبير في الستات) My brother is an expert in women، يعني عرف ينقي كويس يا مامي .
سمعت لينا لتلوي ثغرها قائلة بامتعاض:
- مش بالخبرة يا ماما، دا حظ يا قلبي، واخوكي دا ماشاء الله حظه نار .
ارتسم على وجه الفتاة على الذهول، لتنتبه انيسة فلكزت بمرفقها على خصر ابنتها تقول ضاحكة:
- معلش يا حبيبتي هي كدة مدب في كلامها، أكيد طارق حكيلك عنها مش كدة.
أومأت الفتاة بابتسامة استفزت لينا:
- هو فعلًا حكيلي عنها، لانه دايمًا كان بيشبهني بيها
عشان طولة لسانها معاه .
تحفزت لينا وبرقت فيروزيتيها بشر قابلته الفتاة بتوسع ابتسامتها لتردف لها:
- بس معرفش يوصف انها بالحلاوة دي.
ضحكت أنيسة مع ارتخاء ملامح ابنتها لغزل الفتاة، لترد برقة غريبة عنها:
- مرسي اوي لزوقك.
أضافت والدة طارق على قول ابنتها:
- على فكرة هو مكانش بيشبهك بيها عشان طولة اللسان وبس، لا دا عشان هو دايمًا بقولها كدة قدامنا، انا عندي اختين، واحدة في كندا والتانية في مصر .
تبسم وجه لينا لكلمات المرأة، وبدا التأثر على وجه أنيسة رغم إظهارها العكس، وحتى لا تغوص لذكريات الماضي غيرت لتسأل عن الفتى الصغير ذو الملامح الأجنبية والذي كان يلهو مع ميدو شقيق كاميليا في جانب وحدهم:
- هو دا ابن طارق؟......
أجابتها المرأة بابتسامة ذات مغزى قائلة:
-أكيد طارق حكالك عنه؟
أومأت أنيسة برأسها بتفهم، لتجفل على نهوض ابنتها فجأة من جوارها وهي تقول مستئذنة:
- طب يا جماعة عن اذنكو بقى، انا هروح اشوف واحدة صاحبتي.
أوقفتها أنيسة فور أن تحركت بأقدامها:
- رايحة فين يا بنت؟-
- بقولك رايحة اشوف واحدة صاحبتي يا ماما، الله.
قالتها بنزق قبل أن تعدو متهربة من سؤال آخر، لتخترق بخطواتها الساحة الضخمة بعدد الأفراد التي تجمعت على النغمات الرومانسية تشاهد رقصات الكابلز من العشاق او المتزوجين لمشاركة طارق لهذه اللحظات الرائعة.
وهي تبحث بعيناها عنه والهاتف على أذنها ولا تدري بنظرات الأنبهار التي تتبعها، أينما ذهبت لجمالها الخاطف واناقتها الغير عادية بدون مجهود منها، بفضل رشاقتها وسلاسل الذهب التي اطلقتها على ظهرها، ولون عينيها البديع مما جعل الغيرة تدب في قلب الاَخر وهو يراها تقترب منه بابتسامة متلهفة، ليبادلها بوجه عابس متجعد:
-اخيرًا جيت يا نيازي؟
قالتها فور أن اقتربت منه، فرد بامتعاض:
- ويارتني ما جيت.
سألته بعدم فهم:
- ليه بتقول كدة يا نيازي؟ دا انا مصدقتش نفسي لما عرفت انك وافقت تيجي فرح طارق، رغم الخلافات اللي مابينكم دايمًا.
زم شفتيه يقول بقرف وهو يشير على زينة وجهها وما ترديه من فستان سهرة يحبس الأنفاس بالصــ در:
- الحلاوة الزيادة دي يا لينا، خفي يا ماما شوية، دا حتى كتر الحلو يجيب غممان في النفس .
رفرفرت بأهدابها تناظره بازبهلال لتسأله باستفسار:
- اه يعني انت كدة قرفان مني عشان حلوة ولا إيه مش فاهمة؟
زاد تجعيد بوجهه ليشير على ما حوله قائلًا:
- انا مستفز من كله يا لينا، البهرجة الزيادة دي، والمصاريف اللي بيصرفها قريبك اللي اهبل ده، على ليلة، ليلة واحدة يا لينا؟
- طب وانا إيه ذنبي في دا كمان؟
قالتها بقلة حيلة وقد ارهقها نقده الغير مفهوم، فغمغم بصوت خفيض وكأنه يحدث نفسه:
-انتي فعلا ملكيش ذنب، بروجوازية متعفنة
تسائلت باستفهام
- انت بتقول حاجة يا نبازي؟
تبسم لها وهم ان يجيبها بتفزلك كعادته، ولكن أجفله توقف صوت الموسيقى، ثم تحدث هذا الرجل العريس قريبها في الميكرفون.
❈-❈-❈
هتف طارق ممسكًا بالميكروفون بعد أن قطع الرقصة الرومانسية فجأة قبل انتهائها ليحيط بنظرات الجميع نحوه باهتمام:
- يا جماعة ممكن شوية انتباه معلش.
جذب الانتباه والتفت معظم الرؤوس نحوه بتساؤل عما ينتويه وأولهم كانت كاميليا التي كان يقتلها الفضول لمعرفة الاَتي، فتابع هو وعيناه تتنقل من الحضور وإليها:
- في البداية كدة حابب اهني نفسي بعروستي الجميلة قدامكم.
قالها بمغازلة صريحة لها اَثارت الضحكات والغمزات، لتغزو ابتسامة سعيدة محياها رغم خجلها من فعله، فاستطرد بعد ان اشاع جوا من المرح:
- الحاجة التانية بقى اللي عايزكم تعرفوها عني، هي عن حلم كان دايمًا بيروادني أنا واتنين صحابي واحنا صغيرين، اصل صداقتنا كانت قوية اوي لدرجة كانت بتخلينا ناخد عهود مع بعض ان جوازنا احنا التلاتة هيبقى في يوم واحد..... كبرنا بقى وكل واحد شاف حاله بس الصداقة فضلت قوية ومنقصتش أبدًا، لكن القدر كان له كلمته...... وكانت البداية لما اتخطف واحد مننا في عز شبابه وراح لربنا ودا كان رمزي الله يرحمه....
توقف متاثرًا وعيناه اتجهت نحو أنيسة التي تكتفت بذراعيها تحتضن نفسها والدموع تساقطت على وجنتيها مع تذكر فقيدها، فبعث لها قبلة في الهواء فتقبلتها بابتسامة خففت عنها وبادلتها بمثلها، فتابع هو حديثه للجميع وقد تلقى دعم بلمسة من كف كاميليا على ذراعه:
- صديقي التاني بقى يا جماعة، ودا يبقى جاسر الريان واكيد انتو عارفينه طبعًا وعارفين انه اتجوز وخلف كمان ودا معناه ان الحلم راح........
توقف ليهتف بصوت اعلى وعيناه تتجه للخلف ويجذب الأنظار معه:
-لكن مع جاسر الريان مفيش مستحيل .
ختم جملته لتُظلم فجأة القاعة ثم انطلقت الإضاءة الصاخبة نحو الجهة المقصودة مع صوت الموسيقى المحفز، لتزداد مع العاب نارية كثيفة حتى انفتح الباب فجأة فظهر شبح عريس وعروسه لم يتبين وجههم جيدًا، فصدح صوت طارق كمقدمٌ إذاعي مخضرم:
- سادتي سادتي اَنساتي اقدم لكم جاسر الريان وزوجته زهرة في عيد جوازهم الأول بيعيدو فرحتهم من تاني مع فرحة العبد لله.
كشفت عنهما الأضاءة بشكل كامل مع ازدياد الالعاب النارية الكثيفة وصوت الموسيقى التي تغيرت لأخرى رومانسية، ليلج جاسر الريان بحلتة السوداء وبيده زهرة التي كانت ترتدي فستان الزفاف الأبيض وقلبها يضرب بهذه المشاعر المختلطة من الفرح والخجل والإنبهار، وجاسر يدعمها بلف ذراعيه حول خصرها من الخلف لتواصل التقدم مع التصفيق الحار من الحضور ، والذي رافقه تعليقات مرحة كم طارق:
- رحبوا معايا يا جدعان بالعروسين اللي جاين يبرشطوا على فرحي انا وعروستي.
صدرت الضحكات العالية مع استمرار التصفيق الحار وابتسامة رائعة من جاسر الذي استقبله صديقه بالعناق الحار، لا يدري من منهما يهنئ الاَخر، وكاميليا التي ارتمت تحضن صديقتها بأعين ترقرقت بها الدموع لهذه المفاجأة التي هزتها من الداخل كزالزل، ثم سحبها طارق لتخلو ساحة الرقص للاخرين، ليأخذا دورهم في الرقصة الرومانسية..
❈-❈-❈
تناول يدها يقربها إليه لتصدح الأغنية التي أوصى عليها منذ البداية
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
ده أنت نور حياتي عمري كل أملي
شوق الدنيا كله مش كتير عليك
والله كل حاجة فيا بتناديلك
أيوة كل حاجة فيا بتناديك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
بقلب يرتجف بداخلها حتى كانت تتماسك بصعوبة لتندمج مع خطواته في رقصتها، خرج صوتها باهتزاز:
- يا نهار ابيض يا جاسر، انا مش قادرة احرك رقبتي ولا احط عيوني في عيون حد انا مكسوفة اوي.
قهقه يقول بمرح:
-وتتكسفي ليه بقى؟ هو احنا بنعمل حاجة غلط؟ انا عايزك ترفعي راسك قدام الكل، انتي مرات جاسر الريان
تبسمت تجيبه بتذكر:
- انا فاكرة كويس الجملة دي لما قولتيهالي في اول يوم جوازنا، بس بصراحة اول مرة احسها بجد، انا مرات جاسر الريان .
طبع قبلة فوق جبينها يقول هو الاَخر:
- وانا كمان فاكرك كويس اوي شكلك لما شوفتي الفستان اللي كنت محضره لفرحنا انه مكانش الأبيض اللي بتحلمي بيه، ساعتها كان ممكن الغي ولا انزل اجيبلك الفستان واعمل احلى فرح، بس انا وقتها كنت خايف اخسرك وسط المخاطر اللي كانت بتهددني.
ردت وأعينها تفيض بالإمتنان:
- عشان كدة حبيت تراضيني في عيد جوازنا وتحققلي الحلم.
- وكان عندي استعداد كمان اعملك فرح احلى من دا كمان، بس دي كانت فكرة طارق، ايه رأيك بقى عاجبك ولا نعيد بفرح لوحدنا.
سأل الأخيرة بوجه تعلوه الجدية فاقتربت هي مشددة باحتضانه تردد بدموع الفرح:
- راضية يا حبيبي والله راضية بأي حاجة منك، كفاية ان ربنا رزقنا بيك، ربنا ما يحرمني منك
❈-❈-❈
كدا برضوا يا طارق، دي حاجة تخبيها عني برضوا؟
قالتها كاميليا بلهجة باكية معاتبة، قابلها طارق بابتسامة مبتهجة وهو يقبلها على أعلى رأسها كترضية قبل أن يجلسها على مقعدهما المخصص ويقول وهو يجلس بجوارها:
- معلش يا قلبي بس دي كانت تحمكات جاسر، دا زهرة نفسها مكانتش تعرف غير من ساعات قليلة.
تسائلت بعدم تصديق قبل ان تستدرك بفطنتها:
- معقول!.... اه صحيح دي جانتي النهاردة وسلمت عليا ومكانش باين عليها أي حاجة، بس انتو وجاسر بقى لحقتوا تعملوا الترتيبات دي كلها إمتى، حتى ميعاد الفرح حددتو بالظبط .
انتفش صــ دره يجيبها بزهو:
-عشان تعرفي بس ان جوزك جامد وبنعرف نخطط ونظبط بالتمام .
ظهرت أسنانها البيضاء مع ابتسامة زادت من فتنتها، فتابع هو:
- بس الحق يتقال، طنت لميا كان ليها فضل كبير، في شرا الفستان اللي يناسب زهرة وتظبيط المواعيد مع الميكب ارتست، والفوتيسيشن
كمان!! طنت لميا كانت معاكم في الخطة دا انتو عصابة بقى.
هتفت كاميليا بعدم استيعاب قبل ان تنتبه على اقتراب شقيقتها لتخاطب طرق بمرح:
- ايه يا عم الجو ده؟ دا انتو فرحكم هيبقى ترند بكرة ع السوشيال .
رد طارق بتفاخر:
- احنا يا ماما مش محتاجين نعمل جو، اسمنا لوحده ترند.
ضحكت رباب قبل أن تجفلها شقيقتها بسؤالها:
- كنت غايبة فين يا رباب؟ انا بقالي فترة طويلة مش شايفاكي في الفرح.
تبسمت رباب تقارعها بتفكه:
- حتى وانتي مع عريسك بترقصي يا كاميليا، وعينك برضوا بتدور علينا؟ ما تقولها حاجة يا عم انت.
تقبل طارق مزاحها ليخاطب كاميليا مصتنعًا العتب:
- عاجبك كدة؟ أديكي جيبتلنا الكلام، مش مسيطر انا خالص معاكي .
استجابت كاميليا تشارك الضحكات مع الأثنين، بابتسامة مضطربة، قبل ان تقول رباب بغرض طمأنتها:
- انا مندمجة مع اصحابي في ركن لوحدنا في القاعة يا كاميليا، اندمجي بقى وعيشي فرحتك، احنا كبرنا يا ماما، معدناش صغيرين.
ردد خلفها طارق:
- بتقولك كبروا واندمجي مع عريسك، ما تندمجي يا ست انتي معايا وخلصينا .
هده المرة الضحكة خرجت من القلب، حديثه المبهج دائمًا لها.
❈-❈-❈
قال عامر وهو يناظر زوجته مضيقًا عينيه بارتياب بعد أن علم بما فعلته مع ابنها لفعل هذه المفاجأة:
- مطلعتيش ساهلة يا لميا، بقى بتخططي وتنفذي من من غير ما تقوليلي .
ردت لميا بابتسامة وغبطة تغمرها وهي تتنقل بالنظر إلى عامر وابنها الذي يراقص ز وجته:
-مش محتاجة تخطيط يا حبيبي، انت عارف من الأول ان انا هوايتي في البس وتنظيم الحفلات، وزهرة انا خلاص حفظتها وعرفت اللي بيعجبها في اللبس واللي يليق عليها كمان، يعني شطارة مني برضوا.
قالت الاخيرة بثقة جعلته يتخلى عن تصنع الغضب ليقول بارتياح:
- برافو يا لميا، بجد عجبتني، بصراحة مكنتش اعرف ان عندك المواهب المدفونة دي، لا وكمان بتعرفي تداري.
تبسمت تحرك كتفيها بزهو لتقول له:
-بجد يعني انت مبسوط مني يا عامر؟
بادلها الإبتسامة عامر قبل ان يقبل حفيده الذي كان وكأنه ينصت متفهمَا الحديث، ليقول:
- طول ما انتي بتفكري في مصلحة ابنك وسعادته مع مراته، يبقى لازم انبسط يا حبيبتي.
اسعدها الحديث وإطراءه فتشجعت على الفور تقول لها
- طب مدام كدة، يبقى كدة إديني الولد بقى، جلجل ضاحكًا فهم أن يغيظها بالرفض كالعادة، ولكنه في الاخير أشفق بعد أن ارتسم البؤس على ملامحها، فقال وهو يناولها الطفل.
- زي بعضه يا لميا، ما انتي في النهاية تبقي ستو برضو.
شهقت تتناوله، لتتمتم وهو تقبله:
- الف ليك شكر ليك يا عامر، كويس انك فاكر اني جدته وليا حق امسكه زيك.
غمغم هو ضاحكًا:
-عشان تعرفي بس اني راجل عادل، ومش أناني .
❈-❈-❈
وصل خالد مع زوجته التي كانت متأبطة ذراعه إلى الطاولة الجالسة عليها رقية ومعظم افراد عائلته التي كانت رؤسهم ملتفة نحو ساحة الرقص، القى التحية بكل هدوء وهو يجلس نوال على إحدى الكراسي معهم:
- مساء الخير، عاملين إيه يا جماعة؟
هتفت به صفية فور أن انتبهت إليه:
- توك ما واصل يا خالي؟ دا احنا قولنا انك مش هتيجي النهاردة من التأخير.
ضحك صامتًا فقالت رقية بارتياب:
- لا يا ختي وداخل مع المحروسة ولا كأنه شايف بنت اخته اللي بتتــ جوز جديد النهاردة.
رد بابتسامة متوسعة:
- مش واخد بالي ازاي بس ياما؟ دا انا اللي كنت بحضر مع جاسر وطارق من اول البداية لحد ما حضرت معاهم الفوتوسيشن من شوية .
شهقت رقية ومعها صفية ووالدتها التي قالت بذهول:
- وفوتوسيتش كمان! يعني حركات العرسان اللي بنشوف فيديوهاتم وصورهم اليومين دول.
رد خالد وهو يومئ برأسه:
- وبكرة كمان ينشرها ع النت وتبقى قلبان، حقهم.
- الله دا انا هشيرهم واهزيعهم في كل حتة، خلي الناس كلها تشوف اختي بالفستان الأبيض مع عريسها .
هتفت بها صفية بفرح، لتقول رقية وهي تخاطب ابنها وزو جته مضيقة عينيها:
- يعني كل الفترة اللي فاتت قاعدين بتخططوا وتنفذوا من ورايا، انت والسهنة اللي معاك .
ردت نوال بدفاعية:
- الله يا خالتي، وانا داخلي إيه بس؟
ردت رقية:
- بس يا بت بطلي سهتنة.
ضحكت نوال فتولي خالد بالرد:
- ياما متبقيش حمقية، احنا كنا عاملينها مفاجأة لزهرة، يعني كان لازم الكتمان، طب بذمتك انتي نفسك مفرحتيش.
صمتت رقية تناظره بصمت ثم مالبثت ان تغزو الإبتسامة محياها وهي تقول:
- غلبنتي يا بن ال.... انت والسهنة بتاعتك .
قالتها وضحك جميع من على الطاولة حتى محروس الذي كان جالسًا يراقب بصمت، يستدرك انه لم يفكر ابدًا في هذا الأمر، أمر فرحة ابنته الحقيقة.
❈-❈-❈
قال إمام وهو يلف ذراعه حول كتفي غادة الشاردة في النظر نحو جاسر وزهرة على ساحة الرقص:
- عاجبك المنظر يا عسل، ولا نفسك تعملي زيهم؟
التفت إليه بجذعها ف تطالعه من جلستها لتقول بصدق:
- نفسي نبقى زيهم .
هم ليرد ولكنها قطعت عليه لتردف مصححة ما بدر برأسه خلف عباراتها:
- انا قصدي ع المحبة يا إمام، عشان تبقى فاهمني صح، مش ع الفلوس ولا الهيلمان إللي عملينه ده.
رد على الفور منفعلًا:
- طب ما هو انا بحبك يا بت، ولا انت مش واخدة بالك؟
حركت رأسها تقول بتمني:
- انا مش قصدي على دلوقت يا إمام، انا قصدي على بعد الجواز، نفسي تفضل تحبني كدة على طول، وما تزهقش منك ابدًا.
افتر فاهه يضحك بعبثية مقهقهًا يقول بمغزى:
- باينك غلبانة ولا ايه؟ طب دا انا بعد الجواز هتشوفي مني الحب الحقيقي بالفعل... مش بالكلام.
ختم غامزًا بعيناه، فكتمت على فمها تخبئ ضحكتها الخجلة، ليزيد هو بمشاكساته وضمها بذراعه نحوه، فصدر صوت مصمصمة شفتين معترضة من إحسان الجالسة على نفس الطاولة خلفهم، فعلى بصوته هو لها:
- ليلتك فل يا حماتي، شدي حيلك بقى لفرحي أنا وغادة اللي باقي عليه أقل من اسبوعين.
امتعض وجهها أكثر تقول على مضض:
- ربنا يهني سعيد بسعيدة
استمرت بعد ذلك فقرات الفرح برقص الأربعة بالعصا وعلى الاغاني الشعبية والتصوير مع الأحبة حتى انتهت الليلة لتكون من اجمل ليالي العمر .
❈-❈-❈
- إنت وخدني ورايح على فين يا جاسر؟
سألته زهرة وهي تراقب الطريق المتغير الذي تقطعه السيارة بعد ان افترقوا عن عامر ولمياء ومعهما الطفل، قال جاسر والذي كان يقود السيارة بنفسه هذه المرة والحرس خلفه بالسيارة أخري:
- احنا مش اتفقنا ان الليلة فرحنا من جديد، يبقى نكمل بقى .
سألته باستفسار:
-نكمل إيه؟
تناول كف يدها بقبله ليقول بابتسامة رائعة منه:
- نكمل يا قلبي بأني هخدك نقضي الليلة لوحدنا في الشاليه بتاعنا، بتاع شهر العسل، ولا انتي نسيتي؟
شهقت بجزع تعقب على قوله:
- يالهوي يا جاسر، انت عايزني ابعد واقضي شهر العسل وابني مش معايا؟
ارتفع حاجبيه يجيبها بمرح:
-يا ست انتي بقولك الليلة بس لو حدنا، مجد باشا هيجي بكرة الصبح مع والوالد والوالدة ، يعني انا وانتي هنقضي بس الساعات اللي باقية دي من الليلة، نفسي نبقى لوحدنا شوية يا زوزو.
قال الاَخيرة بنظرة مترجية كطفل جعلتها تستجيب بابتسامة حانية قائلة:
- تمام، عشان بس عارفة ومطمنة على ابني مع جده وجدته.
اشرق وجهه بالفرح ليلتف إليها برأسهِ مهللًا بحماس :
- يعني هنعيدو من تاني يا زهور، دي هتبقى ليلة ولا ألف ليلة.
ختم يطبع على كفها عدة قبلات محمومة جعلتها تضحك حتى أشاحت بوجهها عنه نحو النافذة، لتُخفي بكفها على فمها بخجل.
❈-❈-❈
فتح باب الشقة الجديدة بعد ان جهزها منذ شهور لتصبح هي اول من يدخلها من النساء ويبدأ معها صفحة جديدة لها وحدها، هي من احتلت كيانه ولا أحد غيرها ينافسها في قلبه.
- خشي برجلك اليمين يا عروسة.
قالها متفكهًا حتى جعلها تضحك وهي تخطو للداخل مرددة:
- تمام حاضر، برجلي اليمين اهو .
اغلق الباب خلفها ليتبعها بنظرات وهي تتأمل الأرجاء حولها تقول بتأثر:
-الشقة حلوة يا طارق، مكنتش اعرف انها بالجمال ده.
- جمال إيه وهو في بعد جمالك.
قالها بنبرة شقية جعلتها تلتف إليه لتنتبه على وقفته بجوارها وعيناه مثبتة عليها بازبهلال، ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، فقالت بمناكفة:
-اَخيرًا اتفكت عقدة لسانك يا طارق؟ وسمعت منك كلام حلو وكمان.
- لا دا انا هسمعك حكايات مش بس كلام.
قالها وهو يلقي بعلاقة المفاتيح على الطاولة القريبة بإهمال، ليكمل وهو يخلع سترة حلته:
- مش انتي اَخيرًا دخلتي برجليكي القفص، دا انا هسمعك كتير اوي.
رددت خلفه باستنكار تخفي به توترها:
- قفص يا طارق!
رد وهو يلف ذراعيه حولها يقول بلهجة عابثة:
- عش الزوجية يا قمر، بس احنا بندلعه ونقول قفص.
قالت مستجيبة لمرحه:
- يا شيييخ، مكنتش اعرف....
قطعت بعد أن باغتها واقتنص شفتيها بقبلة مشتاقة وقد نفذ صبره، حتى إذا افلتها قال بنبرة جدية بعشقه:
- كاميليا انا من النهاردة معرفش من الستات غيرك، حطي دي في بالك كويس .
اومأت برأسها ترفرف بأهدابها بحالة من التفهم تدعيها، ليكمل بعد ذلك ويدخلها معه في دائرة عشقه ويبدأ معها حياة جديدة.
❈-❈-❈
بعد عدة ايام
كان يقود سيارته بعد أن أنهى نوبته المسائية بقسم الشرطة، ليمر داخل الطريق الذي منع نفسه عنه منذ اسابيع، وقد ظن انه يستطيع نزعها من عقله، ولكن قلبه الخائن أبى ان يرتاح ويريحه، ليلبي نداؤه بأن يروي ظمأه بنظرة منها، أو ربما يجد فرصة، توقف في نفس المكان الذي ظل ينتظرها فيه منذ شهور يراقب خروجها في هذا الوقت للذهاب للجامعة كي تستقل سيارة أجرة للذهاب نحو الجامعة.
اجفل من شروده على طرقة قوية على زجاج السيارة ليتفاجأ بشقيقه هو من يدنو برأسه نحوه، ليقول بعد أن ان قام بفتح باب السيارة وحده لينضم معه في الأمام:
- الباشا بيعمل إيه هنا؟
تبسم امين يجيبه بسؤال:
- انت إيه اللي جابك؟ بتعمل ايه يا عم حسن في المنطقة دي؟
ضحك المذكور يجيب وهو يفرك كفيه ببعضهم:
- انا جيت هنا اعاين الموقع الجديد واتفقت مع المقاول على الأسعار، قطعت الشارع وكنت عايز اوقف تاكسي واروح، قوم اتفاجأ بحضرة الظابط امين واقف بعربيته، دا إيه الصدف السعيدة دي؟
توقف، ليتابع بالسؤال:
- لكن انت واقف هنا ليه؟
تبسم امين يتحمحم بحرج ليجيب وهو يدير محرك السيارة:
- لا دا انا كنت مستني واحد صاحبي بس انا....
قطع بعد أن تفاجأ برؤيتها وهي تعدو كفراشة بخفتها، لتجعل قلبه يرفرف برؤيتها، فتعود إليه هذه المشاعر التي حاول كبتها طوال الايام الفائتة، شرد بها حتى اثار انتباه شقيقه الذي ركز في النقطة التي ينظر إليها امين، قبل ان يصطدم برؤية السيارة السوداء بصاحبها المعروف والتي توقفت فجأة امامها ودلفت هي بها لتذهب نحو وجهتهما.
فعاد امين بجسده للخلف محبطًا بضيق، فسأله حسن:
- مين البنت دي؟ انت تعرفها؟
- كنت هعرفها.ض
قالها أمين مبهمة أثارت شك شقيقه ليعود بسؤاله الاَخر:
- بس دي ركبة العربية مع كارم ابن عمك طاوس العيلة.
تابع حسن باستدراك:
- معقول تكون دي البنت اللي اسمها رباب اللي انت كنت عايز تتحوزها؟
اومأ أمين برأسه ليدير السيارة مخرجًا تنهيدة طويلة ببؤسه، ليصل إلى حسن ما يحزن شقيقه فقال بحدة:
- انا قولت من الأول، ما فيش حاجة اسمها حب ياعم، بلا عشق بلا كلام فارغ!
يتبع مع الخاتمة
انتظروا الرواية القادمة
(وبها، متيم انا)
مع الكاتبة أمل نصر
إلى حين نشر الخاتمة للكاتبة أمل نصر لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية