-->

قراءة رواية جديدة روضتني لأسماء المصري - الفصل 24

 قراءة رواية روضتني كاملة (الجزء الثالث من رواية أحببت طريدتي)
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية روضتني رواية جديدة قيد النشر

من قصص وروايات 

الكاتبة أسماء المصري



رواية روضتني 

الفصل الرابع والعشرون

❈-❈-❈



هم لا يعرفون ما معنى أن تكون شخصاً يتجاوز كل شيء وهو صامت، يتجاوز ويتجاوز بكل هدوء حتى يعتقد من يراك أنك لم تتعثر يوماً..


لا أحد سيعرف إلى أي مدى أنت مُتعب، فـ ظاهرك منظم وتفاصيلك الهادئة لا تشير بمقدار التعب الذي تضمره ولأنك تبتسم كثيراً لن يشعر بك أحد..


لن يفهموك.. فأنت تتحدث عن أمر قطعت فيه آلاف الأميال تفكيرا ولم يمشوا فيه خطوة واحدة ولن يشعروا بك فأنت تشرح ما جال في قلبك كل ليلة ملايين المرات ولم يطرق قلبهم ليلة، ليس ذنبهم بل هي المسافة الهائلة بين التجربة والكلمات.


- أحمد خالد توفيق


❈-❈-❈

وقف منتـ صبا بجـ سده وهو ينظر أسفل قدميه مبتسما بإنتصار وكأنه فاز اخيرا برهان عمره وهو يتناول منهما الأوراق التي وقعاها قصرا؛ فسحبها منه وهو يبتسم بسخرية هاتفا:

-هاد كتير حلو يزن، بتشكرك كتير.. كفيت ووفيت

ابتلع يزن ريقه بغضب وهو يصر على أسنانه هاتفا بزئير أسد جريح تم طعنه بنصل حاد:

-خلصنا كده ولا لسه يا غسان بيه؟ 

انحنى بجزعه حتى يقرب وجهه منه وتكلم بصوت جاد ممتعض:

-لولا هاي اﻷسهم إلها عازه معي ما كنت أجبرتك انت وأخوك على توقيعها، وأبدا ما بتساوي التار اللي معكن بس راح كون أنا اﻷحسن وأترككم.

وقف معتدلا وسحب شهيقا عميقا وطرده بقوة وهو يقول:

-أعتقد بتفضلوا تحضروا زفافي ع عاليا باﻷول وبعدها فيكن تفلو من هون.


لمعت عين يزن وهو يسأل بحيرة:

-فرحك انت وعاليا؟ أنا مش فاهم حاجه!

ضحك بزاوية فمه وهو يقول بخبث:

-فارس الفهد عمل معي مقايضة، عاليا مقابل حياته وهو مرته.


امتعض وجهه وهو يرد:

-مش ممكن، ازاي يعمل كده؟


أمال غسان رأ سه للجانب دليلا على عدم معرفته وتصنع الجهل قائلا:

-والله ما بعرف حتى انا اذا بمحله ما بتركها لعاليا، بس هيك صار وبظن ان مرته اغلى كتير عنده من اي حدن فيكن معه لقب الفهد.


خرج فصاح يزن متألما بشراسة:

-آااااه...


حاول اخيه أن يثنيه عن غضبه فقال بهدوء:

-متتضايقش، الحمد لله انها جت على قد كده

نظر له بحنق وقال غاضبا:

-عشان نخرج اتنازلنا عن اسهمنا والباشا اللي عامل نفسه كبير العيلة ضحى بعاليا عشان ينقذ نفسه.


تكلمت والدته بصوت مجهد:

-أنا علاقتي بفارس تكاد تكون معدومه، بس اللي اعرفه عنه انه صعب يعملها، واللي عرفته عن غسان في الفتره الكبيرة اللي قعدت فيها معاه انه بيقدر يتلاعب بكل اللي حواليه يعني مش بعيد يكون بيعمل كده عشان يضرب بيكم فارس.


قاطعها اخيه اﻷصغر موضحا:

-وانت بنفسك كان عندك استعداد تضحي بأي حد في سبيل إنقاذ ماما، فلو هو عمل ده عشان مر اته وولاده محدش يقدر يلومه

صرخ رافضا:

-بس ميسميش نفسه كبير عيله بقى، طالما عنده مر اته وولاده اهم من العيله اللي هو حاطط نفسه كبير عليها.


حاولت والدتهما تهداة الوضع فقالت بمهادنة:

-سيبونا من الكلام ده وشوفوا غسان فعلا هينفذ وعده ويسيبنا ولا لأ؟


صعد هو الدرج بخطوات سعيدة ومنتصرة حتى دلف غرفتها فالتفتت تشهق بخضة وهى تحاول أن تغطي     جـ سد ها العا ري بعد أن جربت العديد من أزياء الزفاف البيضاء؛ فضحك فورا وهو يحرك رأ سه لمصممة الملابس المرافقة لها لتغادر وهو يهتف مازحا:

-عم تستحتي يا عمري؟!

خرجت المصممة فأغلق وراءها الباب وإقترب منها يحتضنها قائلا بعبـ ث:

-أنا بحفظ كل قطعة فيكي حبيبتي، بقدر رسمها وأنا مغمض.


ابتسمت بتصنع وهي تسمعه يحاول التحدث باللهجة المصرية فأكمل حديثة:

-طالعه بتعقدي.


همهمت بصوت خافت:

-أنا عر يانه، ايه اللي عجبك في القطعتين دول؟


أشارت لملا بسها التحـ تية البيضاء فغمز لها مشا كسا:

-هيك أحسن.


حاولت التخلص من حصار يـ ـديه فأنحنت وامـ سكت بأحد اﻷلبسة وسألته رأيه:

-طيب ايه رأيك في ده؟


أومأ لها موافقا فتركته وأمسكت غيره:

-طيب ده ولا ده؟


ظل سارحا بها مبتسما فحركت راحتها أمام عينه:

-هاااي، أنت معايا.... غسان.


سعل ليزيل حشرجة صوته وقال وهو يبتلع ريقه بإثـ ـارة:

-هاد راح يكون احلى كتير عليكي حبيبتي.


أمسك قطعه من الملا بس التحـ ـتيه التي لا تسـ ـتر شيئا فقضـ مت اسفل شـ فتها تحاول أن تخفي امتعاضها وخوفها منه ولكنه أقترب منها اكثر وأكثر وناولها اياها هامـ ـسا:

-جربيه منشاني.


تنحنحت بهدوء قائلة:

-فال وحش انك مش بس تشوف العروسه قبل الفرح وبفستان الفرح، لا كمان عااايزز ...


صمتت خجلا فنظر لها نظرة مليئة    بالشـ ـهوة والإغـ ـواء وقال وهو يبتلع ريقه بنـ ـهم:

-ما في حدن قدر يحرك مشا عري متلك عاليا.


سحبها من خصـ ـرها وأسندها على الحائط منحنيا نحو عنـ ـقها وقال وهو يشتم عبير ها:

-انتي الوحيده اللي حبيتها من كل قلبي، وهلأ راح تكون مرتي وهاد كمان سابقه لم تحدث من قبل.


من بين شتات عقلها سألته:

-ومامة لاميتا؟ مش كانت مرا تك هي كمان؟

نفى برأ سه هامـ ـسا:

-لا، ما كانت أبدا مرتي، بس قلت هيك ل لاميتا منشان لا تضايق انها طفلة غير شرعية، ما حدن بيعرف هاد الموضوع غير خالها وأنتي هلأ.

اغلق عينيه وهو يقـ ـبلها قبلة شغو فة متمهلة فباد لته ولكنها توقفت وابتعدت تنظر له بحيرة فكيف له أن يعاملها بهكذا رقة وهو قاتل محترف كما رأت بنفسها؟


نادته بتلعثم:

-غساان..


نظر لها بعمق عيـ ـنيها فسألته:

--أنت بتحبني بجد؟

ابتسم وهو ينظر لها متمعنا النظر بها فرددت:

-بتحبني فعلا ولا واخدني تحدي، ولا فتره زيي زي اللي قبلي؟


أحكم ذر اعه على خـ صر ها وأستند برا حته اﻷخرى على الحائط خلفها وقال بصوت رجو لي جاد وقوي:

-أنا مش محتاج كذب عليكي عاليا، اذا ما بحبك وبدي اياكي للمتـ ـعه راح خبرك حبيبتي بهيك، لكن انا بحبك عن جد وبدي اياكي لتكوني مرتي.


انهى حديثه منقـ ضا على شفـ تيها يلتهـ مهما بعنف باد لته هي شغـ ـفه فحـ ملها واضعا اياها على الفر اش بعد أن ابعد اﻷردية التي تملؤه وما رس معها الرز يلة فتمتمت هي من بين نشو تها المحر مة:

-انا ليك يا غسان في اي حاجه، وأي حد هيقف ضدك من انهارده هيكون عدوي مهما كانت شخصتيه.

❈-❈-❈


طرقت بأناملها الرقيقة على الباب فإستمعت لصوته الرجو لي:

-اتفضل.


دلفت وهي تنظر للأرض بخجل وهتفت بصوتها الرقيق:

-السلام عليكم.


رد وهو يهم بالوقوف استعدادا للترحيب بها:

-وعليكم السلام، أهلا يا خديجة هانم اتفضلي.


ابتسمت وتحركت للداخل قائلة:

-الف سلامة عليكي يا مدام ياسمين.


اعتدلت الأخرى بجـ سد ها على الفر اش وابتسمت لها مرحبة بها:

-اهلا يا خديجة، وحشاني والله.


تركهما فارس مغادرا؛ فجلست بجوارها وهي تربت على راحتها برقة:

-سلامتك، زعلت عليكي جدا والله.


شكرتها فسألتها خديجة:

-حاسه نفسك أحسن دلوقتي؟


أومأت لها ولكن خانتها دمعة من عينها غافلة؛ فاقتربت منها ترببت عليها بمواساة وهي تقول:

-احمدي ربنا على كل حاجه، الحلو والوحش من عند ربنا كله له سبب، ودايما الخير في تدبير ربنا افضل بكتير من تدبير البني آدم.


ردت بهدوء:

-ونعم بالله.


تنهدت وعادت تتسائل:

-كلمتي عمر بيه انهاردة؟


أومأت لها، ولكنها تعجبت من سؤالها ففسرت لها فورا:

-كنت عايزه اطمن على مازن، فارس بيقولي انه كويس بس شكله مهموم اوي وخايفه يكون تعبان اوي وفارس يا حبيبي مش ناقص.


ردت خديجة بعفوية:

-عمر حكالي عن حالته، اظن هيحتاج وقت على الجرح ما يلم.


اكفهر وجهها بالدهشة فسألتها:

-جرح؟!


أومأت لها وهي تعقب:

-الرصاصة بتاخد وقت على جرحها ما يلم، مش بتخف بسرعه وكمان بتسيب أثر.


أطرقت نظرا تها أسفلا وهي تشعر بالذعر من مجرد تعرضهما لأطلاق نيران ادى لإصابة مازن، وربما كان فارس المقصود كالمرة الماضية؛ فبكت وهي تهمـ ـس:

-مش هنرتاح ابدا، أنا مش عارفه امتى هنخلص من المشاكل ونعيش حياتنا زي الناس الطبيعية؟


ابتسمت لها خديجه وكأنها دعست على وجعها فعقت:

-وخلقنا الإنسان في كبد، ربنا خلقنا عشان نعافر كلنا وأحنا بنحاول نتمسك بايمانا وسط معافرتنا، الإنسان المرتاح ده ملوش شفاعه يوم القيامة زي اللي تعب وعافر.


تنهدت ببطئ ونظرت لثيا بها قائلة بإعجاب:

-لبسك شيك اوي يا خديجه.


ابتسمت لها ممتنة فأضافت اﻷولى:

-حتى فارس لاحظه وعلق عليه، تخيلي من ساعه ما اتعرف عليكم وهو تقريبا دايما بيحاول يلمحلي على الحجاب.


رمقتها بنظره لامعة ومتعجبة وهي تسألها:

-معلش في سؤالي، بس هو ايه اللي مأخرك عن الخطوة دي، اللي أعرفه عن فارس باشا انه متدين و....


ضحكت ياسمين فورا تقاطع حديثها وهى ترد:

-لأ مش اوي كده، هو بيحاول وأنا بصراحه متردده في الخطوة دي وعايزه اعملها لما أكون قادره عليها.


ردت خديجة ممتعضة:

-هو الفرض مفيهوش اقتنع واستعد والكلام ده كله، بس في النهايه القرار قرارك.


شعرت بالحرج من حديثها فسألتها:

-أنتي اتحجبتي امتى؟ أكيد بعد الجو از.


نفت برأسها وهي ترد:

-بالعكس، انا متحجبه من قبل حتى ما أعرف عمر، وحتى اخواته ومامته مش محجبات، بس هو ربنا هداه الحمد لله وبقى بيحاول يلتزم، ربنا يثبته بس وميرجعش للي كان فيه قبل الجو از.


تذكرت حال زو جها فإبتسمت وهي تعقب:

-تقريبا كلهم كانوا كده قبل الجو از، بس الحمد لله انهم بيتعدلوا بعد الجو از وإلا كان زمان الدنيا باظت.


ابتسمتا فطرق هو الباب دالفا بعد أن استأذن وهتف بجدية:

-الدكتوره جايه تكشف عليكي عشان تكتب لك خروج انهارده إن شاء الله.


وافقته بحركة رأ سها فأستأذنت خديجة وهي تقول:

-هبقى اطمن عليكي تاني.


تركتهما وغادرت فتسائلت ياسمين بقلق:

-يا ترى الولاد عاملين ايه؟ معرفش حاجه عنهم من امبارح.


اقترب منها مقـ ـبلا رأ سها قائلا:

-اطمني، أنا بتصل بالناني كل ساعه تقريبا عشان اطمن عليهم.


جلس بجوارها بانتظار الطبيبة فتحدثت بتردد:

-كده برده تخبي عليا.


رمقها بنظرة غير مفهومة وسألها:

-بتتكلمي عن ايه؟


ردت بثقة:

-عن مازن والرصاصة اللي واخدها.


صر على أسنانه وتمتم بضيق:

-عمر ده ميتبلش في بوقه فوله، ماله كل حاجه بيحكيها لمر اته كده ليه؟


ضحكت وهي ترد:

-مش احسن من اللي بيخبي كل حاجه.


رمقها بنظرة جامدة وقال بصوت غليظ:

-لو قصدك عليا فأنا مش بخبي عنك حاجه تخصني، انا بخبي اللي ميخصكيش، وحتى ده مش بخبيه لكن بقوله في الوقت المناسب، في غيري مش بس بيخبي ده كمان بيحرض الباقيين يستغفلوني.


تنفس بحدة فلم يسعفها ذكائها لفهم ما به فسألته ببله:

-مين ده؟


اتسعت بسمته وهو يرد:

-واحد أهبل فاكر نفسه يقدر يخبي حاجه عن فارس الفهد، بس كله بأوانه حلو.


لم تفهم تلميحه الخفي؛ فأبتسمت له وهي ترفع ساعديها له قائلة بحب:

-عايزه حضـ ـنك.


سحب شهيقا عميقا وطرده بتمهل وتحرك ناحيتها جالسا بجوارها على السر ير الطبي فأراحت رأ سها على صد ره تستمع لدقات قلـ ـبه التي تجعلها تشعر بالأمان ور بت عليها هو وهو يتمتم بصوت منخفض غير مسموع:

-كله بأوانه حلو.


رفعت وجهها تساله:

-قولت حاجه يا حبيبي؟


نفى برأسه؛ فتكلمت بغصة أصابت قلبها وهي تقص عليه اﻷحداث المؤسفة التي مرت بها توأم روحها فقالت:

-شوفت الواطي عمل ايه في نرمو؟ قال راح رفع عليها دعوة طاعه وأخدها بالقوة من البيت عند عمي.


سألها باهتمام:

-هو في قانون اصلا يسمح بكده؟


نفت وقالت:

-انتهز فرصة انها كانت لوحدها هي وطنط هدى وجاب قوه معاه، انا قلقانه عليها اوي من اخوه.


مـ سح على ظهـ رها وهو يطمأنها:

-متقلقيش عليها نرمين جامده وتقدر تتصرف بعقل.


التفت ينظر لها يسألها:

-عشان كده اهلك مجوش لحد دلوقت؟


أومأت له موضحة:

-رايحين يشوفوا حل معاه هو وأخوه.


ترك السر ير الطبي واتجه ليفتح الباب بعد أن استمع لطرقات الطبيبة وهو يطمأنها:

-متقلقيش، انا لو لقيتهم مش عارفين يتصرفوا هتدخل واحلها

❈-❈-❈


استمعت لطرقاتهم فلمعت عينها بالفرحة والشعور وكانها على مشارف النجاة؛ فهمـ ـست له من خلف باب المرحاض:

-مالك، اهلي بيخبطوا.


خرج ملتفح بمنشفة أسفله ورد مبتسما وهو يقـ بل وجنـ تها:

-طيب يا روحي، افتحي لهم على ما البس.


هرعت تفتح لهم وقبل أن ترحب بهم همـ ست لوالدها:

-جاروني في اي حاجه هقولها أو هعملها المهم تنزلوا من هنا وأنا معاكم.


انتبه والدها لحالتها؛ فأومأ لها ونظر لزو جته صارا على اسنانه هامـ ـسا بغل:

-لو فتحتي بو قك بكلمة عكس اللي بنتك عيزاه هزعلك.


قوست فمها للجانب بامتعاض وتمتمت بضيق وسوقية:

-اخرب حياتهم يا اخويا وخليهم يرجعولك كل واحده شايلة لقب مطلقة، ما انت اتعودت من ساعة ياسمين على تلسين الناس علينا.


صر على اسنانه فلمح ياسين حدته فامسك والدته من ذرا عها هامـ سا لها هو اﻵخر:

-ماما، ارجوكي الوضع مش متحمل خالص اي كلام ابو س ايـ ديك، احنا مردناش نسيبك مع جدي، بس أبو س ايـ ـديك اسكتي خالص.


جلسوا بانتظار قدومه! فخرج مرحبا بهم بمودة غريبة عليهم؛ فنظروا لنرمين المبتسمة بسعادة غير حقيقة استطاع كل من والدها واخيها أن يريا الحزن بعينها فهتف مالك:

-اهلا يا عمي، ازيك يا طنط؟


جلس بجوار ياسين بعد أن صافحهم وردد ببسمة:

-ازيك يا ياسين.


أومأ له بصمت محاولا تمالك غضبه فهتف محمود يسأله بضيق:

-ايه يا بني اللي انت عملته ده؟


ابتسم بدون اهتمام وقال بتفائل:

-خلاص يا عمي انا ونرمين اتصافينا، والموضوع انتهى.


تعجبوا فنظروا لها ولكن مالك لم يمهلهم الوقت للتفكير وهتف فورا:

-انا اعترفت بغلطي وهي اعترفت بغلطها وخلاص اتصافينا واتفقنا على كل حاجه.


هدر محمود بغير إدراك:

-يعني ايه الكلام ده؟ بعد كل البهدله دي....


قاطعته نرمين وهي تنظر له بتوسل ان يجاريها كما أخبرته وهتفت توضح:

-يا بابا افهمني، انا ومالك اتصرفنا غلط وطالما سامحنا بعض يبقى خلاص.


تدخل بحديثها معقبا:

-نرمين اعترفتلي انها كانت بتتبلى على أنس في الموضوع اياه ده، واتفقنا هتعتذر له قدامكم وانا هعتذر لها على موضع الطاعه ده ونتصافى على كده، ومن اللحظة دي نفتح صفحة جديده مع بعض.


لم يفهم ما عليه فعله؛ فتردد بسؤاله ولكن كانت هي تلاحقة بالتبريرات قائلة:

-مالك وافق ياخدلي شقه بره بيت العيلة لاني مش مرتاحه فيه، وان شاء الله هروح معاكم انهارده لحد ما يشوف لنا شقه بره.


اومأ لها متماشيا معها بالرغم من عدم علمه ما يدور بخلدها؛ فتنهد ونظر لمالك الذي وقف ممـ سكا بهاتفه قائلا:

-ثواني اتصل بأنس وماما يطلعوا عشان يحضروا الكلام هم كمان.


التفت ينظر لها قائلا ببسمة:

-ما تقومي يا نرمو تعملي حاجه لأهلك يشربوها.


أومات ببسمة مصطنعة وتحركت للداخل تقوم بتحضير المشروب؛ فإستمعت لطرقات الباب وترحيب مالك بوالدته واخيه الذي جلس متجهم الوجه ينظر لعائلة غزال بترقب وتسائل بحيرة:

-في ايه؟ 


رد مالك فورا:

-أهل نرمين جايين عشان نتصافى.


نظر لهم بعدم ارتياح وظل صامتا حتى خرجت نرمين حاملة صنية المشروبات وناولتهم جميعا الواحد تلو الآخر كؤؤسهم حتى وصلت له؛ فنظرت له مبتسمة وهتفت برقة:

-اتفضل يا أنس.


تعجب من ملامحها الواثقة والمرتاحة؛ فزغر لها بعـ ينه يتوعد لها ولكنها لم تهتم بل اتسعت بسمتها غامزة له بإنتصار وجلست بزهو وشموغ هاتفة بترحيب:

-نورتوا والله.


ردت والدة مالك بضيق:

-ده احنا في بيتنا يا بنتي بترحبي بمين بس؟


أكدت حديثها بهزة من رأسها فتحدث مالك دون تأخير:

-طيب يا جماعة أنا حابب اعرفكم اننا اتصافينا ونرمين كمان عندها حاجه مهمة عايزه تقولها.


ترقب الجميع لما تريد قوله؛ فنظرت لأنس الذي ارتعد بداخله وهو لا يعلم ما يدور بخلدها وقالت بصوت قوي وواثق:

-عايزة اعتذر لأنس على الإتهام اللي قولته في حقه لأنه مش حقيقي.


ترقب وهو ينظر لها بتوتر وهي تضيف:

-انا قولت عليه إنه بيتحـ رش بيا والحقيقة ده مش مظبوط.


زمت والدته شفـ ـتيها وهي تنظر لها بغل وقبيل ان تهتف بتوبيخ أضافت اﻷولى:

-ﻷنه مش متحـ رش للحق يعني، هو واطي وزباله وبيدنس شرف اخوه بكل وقاحة.


قالت كلماتها بقوة وثقة وعلى دفعة واحدة جعلت الجميع يقف فورا من مكانهم وصرخت والدته توبخها، ولكنها لم تكن لتحيد بكلماتها ولا عينها عنه وقالت بثقة وجمود:

-البيه دخل عليا امبارح وخدرني وحاول يغتـ صبني، ولو مش مصدقني فهو سجل اللي حصل على موبايله، وكمان انت اتصلت بيه وقت كنت عند مامتك وكذب عليك وقالك انه عنده زيارة منزليه وطلب منك تجيب سمك.


نظرت لمالك بحقد وهي تردد عليه المكالمة:

-تحب اقولك كل كلمه قالهالك عشان تصدقني وتصدق انه كان هنا وقتها؟ عشان تصدق انه في الوقت اللي كان بيهزر معاك وبيوزعك من البيت عشان يعرف ينزل من شقتك؟


دمعت عينها رغما عنها وهي تصرح:

-افتح موبايله وشوف التسجيل عشان تصدق وتشوفه وهو معر ي مرا تك    وبينـ ـتهك عر ضك اللي المفروض يكون عر ضه.


صفعها مالك على الفور صفعة على     وجـ هها جعلت أذنها تطن من قوتها؛ فأسرع كل من ياسين ومحمود باﻷشتباك معه باﻷيدي حتى صرخت وهي تجده يخرج هاتفه يضغط على شاشته:

-هيمسح التسجيل اللي سجلوهولي يا بابا.


هرع محمود بعد أن ترك ياقة مالك وحاول أن يمـ سك الهاتف من يده، ولكن بتلك اللحظة سقطت والدة مالك على الأرض مغشيا عليها فتحرك كل من نجليها بهرولة نحوها وبدأ أنس بتفحصها تلك التي بدأت تخرج مادة بيضاء من فمها فنظر لأخيه اﻷصغر قائلا بوجل:

-أمك بتروح مننا يا مالك، شيلها معايا بسرعه.


حملاها ونزلا بها فوقفت تنظر في اثرهم بشموخ وهي تصر على أسنانها فأقتربت منها والدتها تصرخ بها:

-ايه الهباب اللي انتي هببتيه ده؟ معقول اللي أنتي بتعمليه ده يا نرمين؟


على الفور صرخ بها محمود:

-هدى..... انا قولت لك لو فتحتي بوقك هتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه قبل كده فأحذري شري.


اقترب منها ياسين وسألها بقلق:

-أنتي كويسه؟


أومأت له وهي تبكي بصمت واﻻبتسامة لا تغادر وجـ ـهها:

-بقيت كويسه يا ياسين، خدوني من هنا بسرعه.


دلفوا وبدأوا بتجميع اشياءها ومتعلقاتها وغادروا جميعا وهي تتنفس الصعداء لإنقاذها من براثن ذلك المدنس.


على جانب آخر قاد مالك بسرعة جنونية نحو المشفى وأنس جالسا بجوار والدته يحاول إسعافها، وكل حين وآخر ينظر ﻷخيه بالمرآة فيشيح مالك بنظره عنه فتكلم أخيراً:

-أوعى تصدق كلامها، البنت دي مش سهله انا حذرتك منها و...


قاطعه متسائلا:

-كنت سايبني بتخانق معاهم وبتعمل ايه في موبايلك؟


نظر له وكأنه تفاجئ من شكه به وترقرقت عينيه بدموع زائفة وهو يسند والدته بيـ ـد ويخرج الهاتف بيـ ـده اﻷخرى وناوله اياه وهو يقول:

-كنت بتصل بأخوك وجوز اختك عشان يلحقونا، خد التليفون اهو لو مش مصدقني هتلاقيني كنت برن على على اخوك.


لم يلتفت بل ظل ناظرا أمامه للطريق وهو يرد:

-مش وقته يا أنس، خلينا نطمن على ماما اﻷول.

❈-❈-❈

وصل أخيراً لجناحه وفرا شه حاملا صغيريه بحضـ نه وناظرا لزو جته التي تستند بتعب على الفر اش حتى ترتاح فجلس بجوارها وهو يلا عب صغيريه وسألها بإهتمام:

-أنتي كويسه؟


أومأت له وحملت عنه الصغيرة چاسمين تقـ بلها وتشم رائحتها؛ فشعر جاسر بالغيرة وصرخ معترضا:

-ممما ممما.


ابتسمت له بفرحة وهتف:

-اخيرا قولت ماما!


قبلـ ـته ونظرت لزو جها وسألته بحزن:

-فارس، انت كويس؟


أومأ لها دون تعقيب فعادت تسأله باهتمام:

-شكلك مش مريحنى؟ ايه اللي حصل؟


مـ ـسح على ظهـ ـرها محاولا أن يتمالك أعصابه معها وقال:

-ابدا يا حبيبتي، بسيطه ان شاء الله.


سألته بفضول من جديد:

-طيب ايه اللي شاغل بالك؟ مازن ولا المشكله اياها دي ولا ايه ايه بالظبط؟


رد وهو يترك الصغيرين بجوراها ويبدأ بتبديل ثيابه:

-مطلوب مني مبلغ كبير عشان احل المشكله، ده غير اللي حصل لمازن وتعبك انتي كمان ومشكلة نرمين وشركة التأمين والمماطلة بتاعتهم وولاد مروان ومامتهم اللي تحت ايـد الناس دي.


نظر لها بنظرة زائغة وتسائل:

-عايزه تاني ولا كفايه؟


تركت الصغيرين هي اﻷخرى ووقفت بجواره تحتـ ـضنه قائلة بحب:

-كل حاجه هتتحل ان شاء الله يا حبيبي، المهم اننا مع بعض.


رمقها بنظرة حادة وحاول أن يكبت غضبه المؤجج بداخله وسألها بترقب:

-كنتي حامل في اد ايه؟


ارتبكت وردت كذبا:

-مفيش، كام يوم.


ضيق ما بين حدقتيه؛ فلاحظت نظراته فارتعشت شفتـ يها وهي تعض عليهما وتبتلع ريقها فاقترب منها وتحدث بجدية:

-حصول الحمل في حد ذاته مش غلطك، غلطي أنا يا ياسمين مش مستاهله كل التوتر ده.


تنفست الصعداء وهو ينحني ليمـسك سترة بدلته ليعقلها بغرفة ملا بسه ولكنه التفت قائلا بتحفيز:

-لكن غلطك اللي مش هسامح عليه هو محاولتك إنك تحتفظي بيه بالرغم من التحذيرات اللي الدكتورة حذرتها ليكي.


تركها وهي تجاهد لتتنفس من رعبها منه ودلف ليعلق سترته بالخزانة، وخرج يكمل حديثه بعد أن وجدها متسمرة كما هي بمكانها:

-والغلط اﻷكبر هو محاولتك أنك تخلي العيلة كلها تشاركك الكدبه بتاعتك وتستغفلوني.


اقترب منها بخطواته الثقيلة وهي تعود للوراء بتعب ورهبة:

-بس كل ده ممكن اعديه عشان صحتك ولاني بحبك.


استندت أخيراً بالحائط خلفها؛ فحا صر ها بين جـ سده والحائط مستندا بساعد ومدا عبا شعرها بالآخر:

-اللي مش هسامح فيه يا ياسمين مش كدبك عليا ولا تقليل قدري قدام العيلة بتصرفاتك الغبيه، عارفه ايه اللي مش هسامح فيه؟


نظرت له بترقب وصمت وهي تعلم أن اﻵتى صعب؛ فبدأت قدميها بالارتعاش من فكره غضبه منها فقط الكفيلة بتدميرها:

-اللي مش هسامح فيه هو إنك تعرضي حياتك للخطر من غير ما تفكري لا فيا ولا في ولادك اللي محتاجينك، ولو أنا مفرقش معاكي فكنت بحسب إن دول مهمين ويفرقوا معاكي.


أشار لصغيريهما على الفراش وعاد ينظر لها صارا على أسنانه وهو يضيف:

-كنت عايز استنى لما تخفي عشان اقولك قراري، بس مقدرتش اكبت غضبي اكتر من كده.


رمقها بنظرة جافة وغاضبة وقال بحسم:

-من اللحظة دي أي غلط منك بعقاب وعقابي مش هيعجبك، وعقاب عملتك المرة دي هأجله لحد ما تخفي وعايزك تفكري فيه من دلوقتي عشان انا متأكد انه هيكون آخر حاجه ممكن تخطر على بالك يا ياسمين.

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة