-->

قراءة رواية جديدة روضتني لأسماء المصري - الفصل 23

 قراءة رواية روضتني كاملة (الجزء الثالث من رواية أحببت طريدتي)
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية روضتني رواية جديدة قيد النشر

من قصص وروايات 

الكاتبة أسماء المصري



رواية روضتني 

الفصل الثالث والعشرون

❈-❈-❈



تدور عجلة الحياة من حولنا لتسرق أوقاتنا دون ان نشعر وبعدها نتفاجئ [ان الحياة هشة لا تحتاج كل تلك المعافرة والنزاعات التي تجعلها أصعب مما تكون لذلك لا تضعيوا أوقاتكم بالهراء وفكروا ان اللحظة التي تمضي لن تعود من جديد

أسماء المصري


❈-❈-❈

فتحت عينها لتجد الجميع حولها يتظرون لها بترقب وخوف؛ فابتسمت فورا وهي ترى لهفتهم عليها فجاهدت تعبها لتقول بصوت متعب:

-أنا كويسه الحمد لله.


تنهد السيد وأخرج زفرة ارتياح أخيرا بعد أن أطمأن على حفيدته الغالية، وجلس بجوارها يربت عليها بحنان ابوي قائلا بتضرع:

-ربنا يقومك بالسلامه يا ياسمين يا بنتي.


تسائلت بلهفة:

-فارس جه أو اتصل؟


ضحكت دينا وهي ترد عليها:

-هو انتي فاكره عدى وقت قد ايه من ساعه ما اخدتي البنج؟ دي كلها ساعة يا ياسمين، وعموما هو كان قايل لساجد يكلمه يطمنه اول ما تفوقي.


أومأت لها بإشتياق؛ فأمسك اﻵخر هاتفه وأتصل به فرد ذلك الجالس برفقة رفيق دربه:

-طمني، فاقت؟


رد فوراً دون مماطلة:

-ايوه وزي الفل متقلقش عليها.


ابتلع ريقه وشكر المولى:

-الحمد لله يارب، طيب ينفع اكلمها ولا تعبانه؟


ناولها الهاتف مباشرة؛ فتكلمت بصوت ضعيف:

-متخافش عليا، المهم طمني عنك.


شعر بالسعادة تغمر خلاياه أخيراً عندما استمع لصوتها، الدواء لداءة والبلسم لجراحه:

-انا كويس عشان أنتي كويسه.


استمع لصوت مازن النائم على السرير الطبي:

-هي مالها يا فارس؟


نظر له مبتسما ومعقبا:

-تعبت شوية ودخلت المستشفى.


حاول مازن اﻷعتدال بجـ سد ه مستندا على الوسادة؛ فهرع إليه فارس ولا تزال ياسمين على الخط:

-استنى بس بتعمل ايه؟ انا هساعدك.


تعجبت من حديثه فهمست بحذر:

-ايه الحكاية؟


انتبه لتساؤلها فأجاب:

-متخليش حد جنبك يحس بحاجه، مازن تعب شوية وأنا بيه في المستشفى.


ظنت أن مرضه القديم قد عاد من جديد؛ فحاولت أن تخفي تأثرها وحزنها فهمست متسائلة:

-هترجع امتى؟


رد موضحا:

-مازن مش هينفع يخرج دلوقتي لسه، مش اقل من اسبوع، بس المهم متحسسيش حد وطمنيني علكي عشان بالي عندك.


اغلق معها فنظر له مازن متسائلا بقلق:

-مالها ياسمين؟


شرح له حالتها بحزن قد احتل وجهه وملامحه:

-كانت حامل وطبعا اضطروا يعملولها إجهاض.


لمعت عين مازن الذي حزن عليها وعلى حال أخيه الروحي وأصر قائلا:

-سافر لها يا فارس.


رفض بحركة من رأسه، وقبيل أن يرد كان صوت مازن يسبق صوته هاتفا باصرار:

-مينفعش تسيب مر اتك بالحالة دي وتفضل هنا، سافر لها وانا مش لوحدي عمر معايا.


رفض من جديد وهو يقول بأسى:

-زي ما جينا مع بعض هنرجع مع بعض، وكلنا مش أنا وأنت بس.


سأله بترقب:

-تقصد هتجيب عاليا؟


أومأ له مضيفا:

-مش بس عاليا، ويزن وآسر ومامتهم.


دلف عمر بتلك اللحظة متمتما بضيق؛ فسأله فارس:

-في ايه؟


تجهم وجهه وقال بغضب:

-غسان هرب من المراقبه، والرجاله اللي بعتهم على بيته في امريكا دخلوه ملقوش حد خالص، مش عارفين حتى الحراسه اللي كانت هناك فص ملح وداب.


زفر فارس انفاسه بغضب جحيمي وقال صاراً على أسنانه:

-أنا نفسي أفهم إزاي بيقدر يلاعبنا بالشكل ده؟ هو يا إما في حد بينقله أخبارنا عشان كده دايما مسابقنا بخطوة.


قاطعه عمر محتداً:

-تقصد مين؟ انا رجالتي عارفهم واحد واحد، ومستحيل حد فيهم يخزن و...


قاطعه مازن مهدئا إياه:

-فارس مش قاصده رجالتك يا عمر.


صرخ فارس بحدة وشراسة:

-لأ أقصد رجالته، محدش يعرف تحركاتنا غير إحنا التلاته وهم، يبقى إيه يا في حد بينقل لهم اخبارنا يا رجالتك أضعف من انهم يعملوا مهمه زي دي!


قوس عمر فمه بضيق وتحدث بحنق:

-رجالتي اللي انت بتتهمهم دول هم اللي بيحموك انت وعيلتك يا فارس باشا، ودول مش هواه دول ناس اشتغلوا مع وزراؤ ومناصب كبيره، ووقفوا ضد تهديد المنظمات اﻻرهابية للسفارات، بس الحقيقة أول مره يتعاملوا مع عصابات ومهربين.


شعر فارس بالغضب يتأجج بداخله وفهم مازن نظراته المحتقنة؛ فحاول التدخل حتى ينهي ذلك الحديث الذي قد ينتهي نهاية غير سعيدة فقال موضحا:

-متاخدش على كلام فارس يا عمر اعذره .


التفت فارس بغضب ثائر هادرا:

-مياخدش على كلامي! مجنون انا قدامك ولا ايه؟


رد بهدوء:

-ﻷ.. مضغوط وكلنا عاذرينك بس حاول تهدى شوية، واﻷفضل انك ترجع مصر لمراتك عشان تتطمن عليها وتبقى جنبها.


انتبه عمر لحديثة؛ فسأل مازن بعينه فأجاب اﻵخر فورا:

-ياسمين تعبانه وفي المستشفى وعمال اقوله ارجع بس منشف دماغه.


تفهم عمر سر عصبيته؛ فاقترب منه وقال مطنباً بمهادنة:

-اسمعني يا فارس، غسان الصباغ ده راجل خطر جدا، وقدر يكشف تحركاتنا من أول لحظة، وأظن اننا حذرناك من وقت ما اخترقنا التليفون اللي كان مع عمك مروان بيه، وحاليا هو اللي ماسكنا من ايدينا اللي بتوجعنا، معاه بدل الرهينة أربعه وحياتك وحياة كل فرد مربوط اسمه باسم عيلة الفهد في خطر، ومش الحل أبدا اننا نتعصب ونضرب في بعض، ولا نقف قدامه وهو مسابقنا دايما بخطوة.


جلس فارس مطرقا رأسه باستسلام، فجلس عمر بجواره قائلا بهدوء:

-انزل مصر وسيب كل حاجه لربنا، وأنا هفضل هنا مع مازن لحد ما يقدر يسافر ولما نفوق هنقدر نفكر صح.


أومأ له منصاعا على غير عادته، وأمـ سك هاتفه من جديد يهاتف ابن عمه فرد اﻷخير فورا:

-ايوه يا فارس.


رد فورا بتنبيه:

-متخليش حد يحـ س بحاجه.


لمعت عين ساجد ووضع يـ ده على أذنه قائلا:

-لحظه مش سامح.


نظر أمامه وخرج متصنعا البحث عن مكان هادئ وذو جودة استقبال عالية؛ فوقف بركن ناء وهمـ ـس بتوتر متسائلا:

-في ايه يا فارس؟


اجابه بزفرة قوية:

-جهز نفسك وخد أول طياره على لبنان.


لمعت عينه بالذعر وإنتظره ليكمل:

-مازن اتصاب وفي المستشفى.


لم يترك له مجالا للتكهنات فأضاف سريعا:

-هو كويس الحمد لله، بس انا لازم انزل مصر ومش هينفع اسيبه لوحده.


ابتلع ريقه وهو يجد والدته تقترب منه؛ فأدعى اﻻبتسام وهو يرد عليه:

-حاضر، هشوف الطيران اخباره ايه.


تسائلت بتعابير وجهها فرد عليها كذبا:

-فارس عايزني أسافر أكمل أنا الصفقه مع مازن عشان يرجع هو.


ابتسمت وربتت على كتف ابنها قائلة:

-خليه يرجع لسلطانته يا سيدي.


استمع لصوته الغاضب والحزين بنفس الوقت:

-آجي آلاقيك سافرت، انا هاخد اول طياره على مصر وانت اعمل نفس الكلام.


وافقه مغلقا المكالمة، فتحرك للداخل من جديد وجلس أمام أخيه الروحي قائلا بتوجيه:

-خد بالك من نفسك وساجد جاي على اول رحلة، المهم متخرجش بره المستشفى من غير الحراسه وكده كده هسيب عمر معاك.


وافق بحركة بسيطة من رأسه، فالتفت ينظر لعمر ليوصيه عليه ولكنه وجده يتحدث مع زوجته بالهاتف:

-عامله ايه يا روحي.


ردت بصوتها الرقيق:

-الحمد لله، طمني عليك... ربنا وفقكم؟


لم يرد اقلاقها فأجابها بالموافقة وأضاف:

-عايزك تروحي تزوري مدام ياسمين في المستشفى.


رفعت خديجة حاجبها وسألته بدهشة:

-مالها؟ ايه اللي حصل؟


رد موضحا:

-كانت حامل واجهضت، روحي زوريها وخدي معاكي حراسه.


وافقته وأغلقت معه الهاتف؛ فالتفت ينظر لفارس الذي تحدث بعجالة:

-أنا لقيت حجز على طيران *** وحجزت عليه.


قوس عمر حاجبيه قائلا:

-بس ده طيران درجة تانيه يا فارس.


لم يهتم فكل اهتمامه اﻵن ينصب على العودة لحبيبته وزو جته القابعة بالمشفى لا يعلم مدى خطورة حالتها.

❈-❈-❈


جلست بجواره على مقعد الطائرة الخاصة وأمامه ابنته تدير وجهها تنظر من النافذة؛ فتسائلت عاليا بهمس:

-هي مالها مكشرة ليه كده؟ مع أنها لما قعدت معايا كانت بتضحك وتهزر.


رد وهو يقضم داخل فمه:

-عم تعاقبني، كان بدها تضل بلبنان.


مسح على وجهها بأنامله وهو يبتسم لها هامـ سا   بإثا رة :

-كتير اشتقتلك عاليا.


رمقته بنظرة محتارة وسألته بوجل:

-معقول كل اللي عملته ده، وحريق المصنع بس عشاني؟ قد كده بتحبني؟


ابتسم لها وهو يداعب أسفل ذقنها قائلا:

-بحبك وبس، أنا بعشقك يا عمري.


تنهدت بضيق وقالت بامتعاض:

-بس مكانش له لازمه ابدا تأذي كل الناس دي وعيلتي كمان، ده انت خسرتنا كلنا ومتنساش إن العالمية دي ليا فيها أسهم أنا كمان.


عاد لابتسامته وتكلم بهدوء وهو يركز بصره عليها:

-أحسن شي أمك عملته قبل موتها انها تركت الأسهم لإلك وهلأ كمان أسهم الشركة بتنزل بالبورصه وهيدا شي حلو كتير.


لم تفهم حديثه فسألته بوضوح:

-غسان، انت ناوي على ايه؟


لم يجيبها فحمسته بحديثها:

-خلاص انا بقيت معاك ومفيش داعي ابدا لكل ده، كفايه كده على عيلة الفهد في اﻵخر هم عيلتي.


ابتسم بزاوية فمه وهو يرد بشراسة:

-عيلتك ما هيك؟ عيلتك ياللي تركتك بمستشفى مجانين وما حدا سأل عليكي؟ هاي عيلتك اللي انتي خايفه عليهن كتير؟


احتدت تعابيرها وعلت انفاسها وهو يضيف:

-ليكون بعدك بتحبيه عاليا؟ خبريني لأن خلاص فاض الكيل واذا بعدك بتحبيه لفارس راح اتركك واترك كل شي وراي وروح من هون.


نظر لها منتظرا إجابتها؛ فابتلعت مرارة حلقها وهي تنظر له بتخوف، ولكنها عادت وتذكرت ترك فارس لها والتخلي عنها من اجل نفسه وزو جته؛ بل وفكرت أن عائلتها كلها وافقت على ذلك اﻷمر الذي أشعرها بحقد وكره نمى بداخلها.


تخلت عن حذرها قليلا ورمقته بنظرة متسائلة وهي تقول:

-كل همي في الحياه كان أني أخلي فارس يحـ ـس بحبي له، كنت عايزاه ليا بأي تمن والنهاية اللي وصلت لها اني دفعت التمن فعلا بس من غير ماخد اللي كنت بتمناه.


صر غسان على اسنانه وتكلم بحدة:

-عم احترق هون وأنا بسمعك عاليا.


ربتت عليه مبتسمة وهى توضح:

-خلاص، كل ده راح وكل حبي ومشاعري ناحية عيلة الفهد اتحولت لكره، ومبقاش في حياتي غيرك انت يا غسان.


غمز لها بعد أن استمع لكلماتها وهي تضيف:

-كفايه نظرة الحب اللي شيفاها في عنيك واللي كان نفسي احـ ـسها من زمان اوي.


نطق فورا وهو يدا عب أذنها بسخونة انفا سه:

-كتير اشتقتلك، ما رح اتحمل لحتى نتزوج ... بدي اياكي هلأ.


رمقته بنظرة تحذير وهي تشير بنظراتها لأبنته؛ فغمز غير مكترث وهمس من جديد:

-الطائرة فيها غرفة نوم خاصة، تعي معي شوي.


عضت على شفتها وهي تحاول التهرب منه قائلة:

-بس أنا مش مستعدة للخطوة دي دلوقتي.


عقب بصوت قوي، ولكنه هامس وبنبرة فروغ صبره:

-عم قلك كتير مشتقالك، لا تختبري صبري عاليا.


تنفست بعمق وهي تتحرك معه للغرفة الصغيرة الملحقة بالطائرة والتي لا تتسع سوى لفراش صغير وباب بحجم فرد واحد؛ فدفعها بلهفة للداخل مغلقا وراءه الباب فقالت متأففة:

-كده بنتك هتتضايق.


قبلها بجمو ح ولهفة وبدأ باز الة ملا بسها عنها وهو يرد:

-لا تعتلي هم، لاميتا عايشه بعالمها الخاص وما عم تركز معي حبيبتي.


دفعها لتستلق على الفراش واعتـ ـلاها فورا مقبلا   عنـ ـقها قبـ ـلات جا محة حتى تألمت ترجوه:

-براحة شوية يا غسان مش كده.


ارتفع على ساعديه وقال متسائلا:

-ما هي نفسها طريقته لفارس ياللي بتحبيها؟


مسحت بيدها على صد غه وهي ترد برقة:

-بس انا كرهته وكرهت اي حاجه تفكرني بيه، ومش عايزه افتكره وأنا معاك، انا عايزه غسان مش فارس.


انتشى فرحا وابتسم لها ملـ ـثما فـ ـمها بقـ ـبلة بادلته اياها ومارس معها الرذ يلة حتى انتهى ونظر لها مبتسما وقبلها مضيفا:

-اتوحشتك كتير يا عمري.


❈-❈-❈


وصل بعجالة وهو لم يصدق أنه قد وجد طائرة متوجهة لمصر بتلك السرعة، وكأن القدر يقف بجواره بعد أن أكهلت الدنيا كتفاه بأثقال وهموم جمة؛ فاندفع من بوابة المشفى غير عابئ بحالة الهرج التي أصابت اﻷطباء وطاقم التمريض عندما وجدوه يهرول بتلك الطريقة، ولكن الجميع يعلم أن زو جته بالعمليات بتلك اللحظة إذاً فإن لهفته تلك منطقية جدا.


اقترب من منطقة غرف المرضى وظل يلتف حول نفسه وها هو يأنب نفسه فلماذا لم يسأل أحدا من العاملين عن مكان غرفتها؟ ولكن حيرته لم تدم طويلا بل انتهت فور أن وجدهم جميعا يخرجون تباعا من غرفة أمامه؛ فلمعت عين دينا التي اسرعت ناحيته تحتضنه قائلة ببسمة:

-حمدالله ع السلامه يا حبيبي.


ربت على كتفها وبادلها اﻻبتسام المقتضب وسأل عن حال من تشغل باله:

-ياسمين عامله ايه؟


طمأنته وهي تنظر حولها للجمع المصاحب لهما:

-الحمد لله يا حبيبي، عدت على خير.


سحب نفساً عميقاً وطرده براحة وتضرع لله:

-الحمد لله يارب أنها عدت على خير.


سأل بلهفة:

-ينفع اشوفها؟


أومأت له وهي توضح:

-ثواني بس الدكتوره عندها جوه هتخلص كشف وندخل لها.


انتظر بفروغ صبر وهو يتسائل بحيرة:

-انتو ليه مقعدينها في اوضه مش جناح؟ ينفع كده الكل واقف بره مستني والحاج كده برده يفضل واقف كده!


انهى حديثه ناظراً لجدها؛ فابتسم له اﻷخير وهو يقول:

-الحمد لله يا فارس يا بني اننا اطمنا عليها وكل حاجه تانيه مش مهمه.


عقبت دينا موضحة:

-الضغط في المستشفى كبير الفتره دي، ومكانش في اجنحه فاضيه وأول ما جناح يفضى هنقلها على طول.


سأل بحاجب مرفوع:

-هي لسه هتقعد في المستشفى كتير؟ هي تعابه ولا ايه؟


بنفس اللحظة خرجت الطبيبة فالتفت لها فارس ناظرا لها بغضب وسألها بصوت حاد:

-طمنيني.


اقبلت عليه مبتسمة وطمأنته:

-هي بخير والحمد لله، وممكن تخرج بكره كمان، بس هخليها انهارده تحت الملاحظة كده عشان أتأكد إن مفيش أي أثر للتسمم.


صر على أسنانه ووقف ندا لها وهو يوبخها:

-طبعا التقصير اللي حصل منك ده انا مش هتهاون فيه يا دكتوره، لأنك مش شايفة شغلك صح.


تعجبت الطبيبة من هجومه عليها، وعندما حاولت دينا التحدث للدفاع عنها قاطعها قائلا:

-انا عارف إن ملهاش دعوه بالحمل وانه بسببنا، بس ياسمين كانت لسه عندها من قريب وغيرت لها الوسيلة والحمل ده لو حصل بعد تغيير الوسيلة فهي المسؤلة قدامي.


عقبت دينا وكأن ردها سيهدأ النار الثائرة منه:

-الحمل كان دخل في شهرين يا فارس.


صر أكثر على أسنانه وهو يصيح بصرامة:

-تبقى الدكتوره مبتفهمش حاجه لما الحمل قرب على شهرين، وهي بدل ما تكتشفه راحت تغير لها الوسيلة من كام يوم.


ظلت الطبيبة صامتة تسمع توبيخها بنفسها لا تستطيع الرد حتى هدر بدينا آمرا:

-الدكتوره دي تصفي حسابها وتسيب المستشفى فورا.


ابتلعت دينا ريقها وهي تحاول أن تثنيه عن غضبه:

-بس يا حبيبي الدكتوره عملت اللي عليها و...


قاطعها هاتفا بغضب:

-دي مش كفؤ أنها تشتغل في مستشفى استثماري المرضى بيدفعوا فيها آلاف مؤلفة، لما تهمل بالشكل ده مع أصحاب المستشفى أومال بتعمل ايه مع المرضى العاديين.


همت دينا بالتحدث، ولكن الطبيبة لم تتمالك نفسها من توبيخها اللاذع من قبله؛ فنطقت بصوت مرتفع نسبيا تدافع عن نفسها بعصبية:

-وسيلة ايه وحمل ايه اللي مكتشفتوش ده يا فارس بيه؟ أنا عرفت بالحمل من فتره وطلبت من مدام ياسمين انها تنزله وهي رفضت وصممت على ده، حتى أخت حضرتك كانت معاها هي ومدام شيرين.


ابتلع الجميع بوجل وهم ينظرون لملامحه القاتمة ووجه الذي تحول لونه لحمرة غريبة بلمح البصر وارتعدوا جميعا لصوته الذي خرج غليظ وشرس:

-أنتي بتقولي ايه؟ 


رددت حديثها مؤكدة على كل حرف به وهى تضيف:

-مدام ياسمين مقتنعتش أبداً إن الحمل ده هيكون غلط عليها وأنه بكل اﻷحوال مش هيكمل، وقالت يمكن يكون تشخيصي غلط، بالنهاية اهو طلع صح.


لتقول بتباه غير عالمة بما يثور بداخله:

-يعني طلعت دكتوره بفهم يا فارس بيه وكلامي صح.


قضم شفته بغضب وسألها وهو يتنفس بحدة:

-أومال تحاليل ايه اللي طلبتيها منها وكان بقالها كذا يوم بتعملها؟


ردت بثقه وجمود:

-انا مطلبتش منها حاجه وحتى مشفتهاش من آخر مره كانت هنا مع حضرتك.


التفت ينظر ﻷخته التي حاولت أن تختبئ خلف دينا؛ فسحبها من ذراعها بقسوة جعلت دينا تصيح به:

-براحه يا فارس البنت حامل.


لم يهتم بحديثها، ونظر لأخته بنظرات مخيفة وهو يسألها:

-فهميني كل اللي حصل احسنلك.


قصت عليه بتلعثم كل ما مرت به مع زو جته والحاحها الشديد عليها، ورفض اﻷخيرة أي حديث يحاول أن يثنيها عن رأيها حتى حدث ما حدث بالنهاية، فوقف معتدلا ومهندما ملا بسه ونظر لطبيبة يسألها:

-حالتها ايه دلوقتي؟


ردت بعملية تخبره:

-الحمد لله انا مركبلها درنقة عشان تسحب التسمم، ومن دلوقتي لبكرة الصبح تكون بقت كويسه إن شاء الله.


زفر باختناق؛ فاخبرته بامتعاض:

-احنا حاولنا نظبط ضغطها قبل العملية وكمان نبضها مكانش منتظم وقت العملية وانا برجح ده للخوف، انا عارفه ان المدام عندها فوبيا وللأسف قدرت تأثر عليها وقت العملية.


أومأ لها صامتا فأستأذنت وغادرت، فحاول فارس الإقتراب من الباب لفتحه فأمسكته دينا من ساعده تنبهه:

-بلاش تزعلها يا فارس، الإجهاض مش عملية سهله ابدا، دي أصعب من الولاده.. ده غير اﻷثر النفسي اللي بتسيبه للأم، هي محبتش تشيلك همها وجربت تتصرف من غيرك، فمش مستاهله أنك تاخد منها موقف، دي كانت مرعوبه من انك تعرف.


رمقها بنظرة حادة وهو يومئ لها معقبا:

-هسكت، مؤقتا، بس مش هعدي اتفائكم انكم تخبوا عليا، لأن ده مش مسموح في ظل الظروف اللي بنمر بيها اني اكون زي اﻷطرش في الزفه.


هدأته وهي تمسح على ظهره قائلة:

-يا حبيبي كنا هنقولك بس بعد ما هي تخف وأنت تفضى من شغلك ومشاكلك اللي ربنا يعينك عليها، وعموما يا سيدي عندي أنا الغلطه دي.


هدأ قليلا من حديثها وأرتبك عندما غيرت الحديث فسألته:

-مش فاهمه ساجد سافر مكانك ليه؟ هو مازن مش معاه صلاحيات توقيع تمشي الدنيا هناك؟


ابتلع ورد كذبا:

-الصفقه تخص العالمية باﻷساس، مازن معاه صلاحيات للفهد فكان في غيابي لازم المدير التنفيذي هو اللي يوقع ع العقود.


احتد وهو يسالها:

-وبعدين ما تسبيه يسافر ويتعب عشان يسترجل شويه ويعرف يمشي الشغل بعد كده من غيري، هو أنا هفضل عايش لهم طول العمر.


غصة أصابت قلبها هلعا عليه فأحتـ ـضنته قائلة بحزن:

-بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا يخليك ليهم يا فارس ده الواحد عايش مطمن عشان انت موجود يا بني.


شعر أنه قد أخطأ بحدته عليها فبادلها الحـ ضن وهو يحاول أخفاء حزنه وقلقه على أخيه ورفيق دربه القابع بالشفى بلبنان وابتعد قائلا بجدية:

-انا عايز اطمن على مرا تي، وبلاش تعرفوها اني عرفت باللي عملته، مش وقته.


دلف فوجدها نائمة ويظهر وجهها الباهت المتعب من أسفل الغطاء؛ فابعده قليلا عن وجهها لتستطع التنفس فشعرت به وفتحت عينها تنظر له بلمعة عينها ولهفة قلبها، واعتدلت بسرعه رافعة يدها نحوه:

-فااارس.


انحنى بالقرب منها فسحـ ـبته من عنـ قه لتحـ ضنه فبادلها وربت عليها قائلا:

-حمدالله على سلامتك يا سلطانه.


قبلها من أعلى رأسها وجلس على طرف الفراش يسلها باهتمام:

-عامله ايه؟


أومأت له مجيبة:

-الحمد لله أنا كويسه، انت اللي طمني اﻷخبار هناك ايه؟


رد بجدية وضيق:

-مش وقته، انا جاي اطمن عليكي وبس، مش عايز اتكلم في أي حاجه يا ياسمين من فضلك.


تفهمته وأومأت له بالموفقة؛ فنظرت له بحب وسحبت ذر اعه تستند برأسها على صـ ـدره وهمـ ست بحب:

-بحبك يا فارس.


اغلق عينه وهو يسحب عبير شعرها بداخله، فهي مهما اخطأت يجد نفسه لا يستطيع ان يعاقبها بسبب عشقه الشديد لها فرد متنهدا:

-أنا بموت فيكي.


مر اليوم واستيقظت صباحا؛ فوجدته نائما على المقعد بجوار فراشها فابتسمت واستندت ببطئ تحاول النزول من على الفراش وتسحبت  على اطراف أصا بعها واقتربت من مقعده ناظرة له بحب وولع، وبدأت تمرر أناملها على وجهه.


 فتح عينه باجهاد ظاهر على ملامحه وعلى غير عادته، ابتسم بسمة مقتضبة فاستشفت حزنه على أخيه وابن عمه فتنهدت وسالته:

-اتصلت تتطمن على مازن؟


أوما لها موضحا:

-ايوه، ساجد وعمر معاه.


امـ ـسكت راحته وسألته وهي تنظر لحزنه الواضح:

-طيب حالته اتحسنت؟ 


أومأ لها فقالت فورا:

-روحله يا فارس، انا بخير والله متقلقش عليا.


انتبهت لتنهيدته فسألته:

-هو ايه اللي حصل له؟ تعبت ازاي؟ المرض رجعله؟


التفت قائلا بلهفة:

-ﻷ الحمد لله، ده موضوع تاني كده متشغليش بالك بيه.


قبـ لته قبـ لة شغو فة وهي تبتسم له وهمست:

-بحبك.


دا عب شعرها وهو يبتسم وتنهد بصمت مسندا رأسه للخلف مغلقا عينه صامتا؛ فتركته على حالته تلك عله يرتاح قليلا فقد زادت اعباءه ومتاعبه بشكل لا يوصف.

❈-❈-❈

طرقت على بابها فهمهت بقبول دعوة الطارق؛ ففتحت عاليا ودلفت تبتسم لها وجلست بجوارها تسألها باهتمام:

-قاعده لوحدك ليه؟


ردت بعدم اكتراث:

-عادي.


اخرجت ضحكة صغيرة من فمها وعقبت:

-يمكن عادي الأول لأنك دايما لوحدك وغسان مشغول عنك، بس دلوقتي أنا موجوده تقدري تتكلمي معايا ونتسلى سوا بدل ما كل واحدة فينا قاعده لوحدها كده طول اليوم.


رمقتها بنظرات محتقرة وقالت بحدة:

-وليش بدي أحكي معك واتعرف عليكي، كلها شوية وقت وراح يستبدلك متل العادة.


تعجبت من حديثها فسألتها بحيرة:

-بتقولي ايه؟ مين اللي يستبدلني مش فاهمه؟


أجابتها بغضب:

-مين بيكون؟ غسان بك، راح يستبدلك ويجيب بنت جچديده يضل معها حتى يمل ويرچع يستبدلها بتانيه وثالته، انتى لا أول ولا آخر واحده فهمتي؟


أرتبكت من حديثها فسألتها من جديد:

-هو كان في قبلي هنا واحده؟


ضحكت لاميتا وأكدت عليها:

-واحده بس، كل فتره بتروح وواحده بتچي غيرها، ولا فكرتي حالك مميزه لأنه چابك لهون؟


أومأت لها وهي تقول:

-للأسف فكرت كده، ﻷن أنا وغسان نعرف بعض من فتره ودي اول مره بيجيبني هنا ويعيشني مع بنته، أول مره أعرف بيته وحياته وأبقى قريبه اوي كده من حياته، ده حتى وافق اننا نتجوز.


ضحكت ضحكة ساخرة وهي توضح لها:

-إذا چابك لهون معناته ما إلك طالعه من مرة تانيه عاليا لا تتاملي كتير بوعود غسان الصباغ.


لمعت عينها وسألتها بوجل:

-ايه الكلام ده؟ انتي مش لسه قايلة انه بيغير كل شوية واحده، يعني بأسوأ تقدير لما يزهق هيسيبني.


عادت لضحكاتها المتقطعة من إثر سخريتها وهي توضح لها:

-لا حبيبتي، أنا قلت استبدال ما چبت سيرة انه بيتركهن.


لم تفهم عاليا ما تعنيه فظلت تنظر لها بغرابة حت أقرت اﻷولى:

-بيقوصهن حبيبتي، لهيك كنت ما بدي كون صديقة لا لإلك ولا لغيرك، فهمتي عليا؟


لم تصدق حديثها؛ فتسائلت بصمت وظهر على ملامحها عدم التصديق فاخرجت لاميتا هاتفها وتحدثت وهي تبحث بشاشته:

-أنا ما قدرت أثبت انه هو قوصها للماما، لكن قدرت صور هاد.


نظرت عاليا للفيديو المصور وهو يقتل إحداهن بسلاحه، ورجالة يقومون بدفنها بعد ذلك بالحديقة الخلفية للمنزل، واستمعت لها تخبرها:

-وقت سافرنا ع لبنان كان معنا واحده صايره معه من سنه كامله، سنه كامله بينام بتختها وهي تنام بحـ ـضنه وعم تظن انه هو أمانا وحمايتا، رچعنا من غيرها عاليا وانتي مكانها،  شو عم تظني صار إلها؟


تركتها وغادرت غرفتها ذاهبة للغرفة التي خصصها لها؛ فلم تلاحظه أمامها حتى اصطدمت به فذعرت فأمـ ـسكها من كتـ فيها يهدأها،

-شو فيكي يا عمري؟


ابتلعت برهبة ونفت برأسها ترمقه بنظرة متخوفة مبللة شفتيها بهلع؛ فقرأ ما بها وفطن أن ابنته قد فعلت فعلتها كما عاهدها تفعل بكل ضحية جديده يحضرها لتكن بديلة لها أمام مجتمع الإجرام لتعلب دور ابنته أمام الجميع، والغربيب أنه كل مره يحضر فتاة تشبهها في ملامحها ولكن بعمر مختلف؛ فسحب عاليا من خـ صر ها محتـ ضنا اياها وهمس لها:

-بحبك عاليا.


ردت بتلعثم وخوف:

-وأنا كمان...


قاطعها مبعداً إياها عن حـ ضنه وزغر لها بعينه قائلا:

-لا تقوليها حتى تكون صادقه ومن قلبك، أنا ما بحب الكذب.


حركت رأسها بحركات متتاليه عدة مرات متعاقبة؛ فأخرج أوراق من حقيبته وناولها إياها قائلا بابتسامة خبيثى:

-خدي وقعي هون.


لم تفهم ما يعنيه؛ فنظرت للأوراق التي بحوزته فلمعت عينها وهي تجده يخرج قلما من جيبه وكانه لا يحتاج لموافقتها لأمر هام كهذا؛ فأخذت منه القلم ويـ دها ترتعش تحاول أن تبدو قوية فوقعت على اﻷوراق وناولته إياها وهي تسأله بارتباك:

-انت هتعمل ايه ب.....


قاطعها ناظرا لتوقيعها بانتصار:

-لا تعتلي هم حبيبتي، بكره متل هلأ رح توقعي أوراق الزواچ.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة