-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 10-2

 

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني


الفصل العاشر

الجزء الثاني

عودة للصفحة السابقة




أفرطت فى وضع طلاء شـ ـفتيها حتى صارتا بلون الدم ، فحتى وإن كانت إكتسبت شئ من الأناقة والكياسة ، إلا أن طباعها القديمة فى وضع مساحيق التجميل لم تتغير ، ودائماً ما تحب طلاء شـ ـفتيها المكتنزتين بلون صارخ ، كأنها تقدم دعوة صريحة  بأنها مثال للغواية ، أو كأنها تلك التفاحة المحرمة ، التى لن تجد مانعاً من أن يقتطفها الشخص المراد ، والذى عادت من أجله مرة أخرى ، مررت يدها على العقد الماسى الذى يزين جيدها ومن ثم ثوبها الفاضح ، والمتمثل بثوب من اللون الأزرق الداكن عـ ـارى الظـ ـهر وبفتحة صـ ـدر تظهر عنقها بسخاء إضافة لتلك الفتحة التى تصل لمنتصف فخـ ـذها الأيسر ، ثوب عـ ـارى يكاد لا يستر منها شيئاً ، متذرعة بأن ذلك الثوب وما على شاكلته تلك هى ثياب الأثرياء والطبقة المخملية التى إنتمت إليها حديثاً ، حملت بين يـ ـديها حقيبة صغيرة بالكاد إتسعت لحمل هاتفها وبعض أدوات التجميل 


قالت بإبتسامة وإعجاب لمظهرها :

– كده كله تمام ، تجننى يا بت يا ليالى 



بعد تأكدها من أن كل شئ على مايرام ، سمعت صوت طرق على باب غرفتها ، فأذنت للطارق بالدخول وما لبثت أن رآت تلك الخادمة الأسيوية تلج الغرفة و تخبرها بشأن أن السائق بإنتظارها ليقلها لوجهتها التى لا يعلمها أحد حتى الآن غيرها


خرجت من المنزل وفتح لها السائق الباب الخلفى للسيارة ، وبعد أن جلست بإرتياح وجلس هو خلف المقود ، هتفت به قائلة بهدوء :

- ودينى على المطعم اللى فى فندق الصفوة بتاع عمران الزناتى 


أماء السائق برأسه إيماءة خفيفة وانطلق بالسيارة حتى وصلا للمطعم ، ومثلما فتح الباب لصعودها السيارة ، أسرع وفتحه لتترجل منها حتى تلج للمطعم وهى تتبختر فى مشيتها بدلال أثار أنتباه الحاضرين ، بل تحولت رؤوس بعض الرجال إليها حتى جلست على إحدى الطاولات وأشارت للنادل ، الذى جاءها على وجه السرعة 


أشارت إليه بالإقتراب وقالت بصوت خفيض :

- لو سمحت قول لعمران بيه صاحب الفندق إن أنا عيزاه ضرورى 


رغم دهشة النادل من طلبها بمقابلة رب عمله ، الذى يعلم الجميع أنه ليس ذلك الرجل صاحب العلاقات الغرامية ، إلا أنه حرك رأ سه بطاعة وذهب لإخبار عمران بأن هناك إمرأة تريد رؤيته بالمطعم 


خرج عمران من غرفة مكتبه بعد إخبار النادل له بشأن تلك التى تنتظره والذى شعر بشعور خفى أنها هى ليالى بذاتها ، وصل للمطعم وأقترب من طاولتها وسحب مقعداً وجلس قبالتها قائلاً بهدوء كعادته :

- أهلاً يا ليالى إيه المفاجئة الحلوة دى


إبتهجت ليالى بعبارته الترحيبية بها ، فتساءلت وهى تضع يـ ـديها على الطاولة:

- مبسوط بجد أنك شوفتنى يا عمران ؟


كاد يجيبها عمران لولا رؤيته لزو جته ميس التى دلفت للمطعم تتأبط ذراع إحدى صديقاتها ، فلم يصدق عيـ ـناه أنها جاءت لهنا ، ولكن وجدهما تتجهان لإحدى الطاولات التى يجلس حولها رجلاً وإمرأة ويبدو على الرجل أنه أوروبى ، فثار فضوله لمعرفة ما الذى جاء بها للمطعم الخاص به وهى من حرمت على نفسها الإقتراب من أى شئ يمت له بصلة 


جلست ميس بعدما تبادلت مع ضيفيها عبارات الترحيب ، ولكنها تململت بجلستها خشية أن ترى زو جها ، ولا تعلم لما وافقت على مقابلة مدراء تلك الشركة الخاصة بالمعدات والأدوات الطبية بهذا المطعم خصيصاً ، فهما من وقع إختيارهما على المكان الذى سيتم به عقد صفقتها مع تلك الشركة؛ لإستيراد أجهزة طبية من أجل المشفى 


قالت المرأة وهى تضع بعض الأوراق أمام ميس :

- أتفضلى يا دكتورة ميس دى العقود بتاعة الشركة وفيها مواصفات الأجهزة الطبية اللى طلبتيها وكمان الأسعار اللى تم الأتفاق عليها 


رفعت ميس الأوراق وجالت ببصرها فيها حتى أطمئنت أن بنود العقود مثلما تم الإتفاق بينها وبينهم ، فأخرجت ميس قلم من حقيبتها ووقعت بإسمها وهى تقول بمهنية وعملية :

- أنا مضيت العقد وأول دفعة من الفلوس هتوصلكم بكرة وعايزة الأجهزة فى ميعادها ومش عايزة تأخير ، أنا أخترت شركتكم علشان عرفت أنكم مشهورين فى الشرق الأوسط وأوروبا وأنكم دايما قد كلمتكم ، فأتمنى متخيبوش ظنى 


رد الرجل باسماً :

- نحن دائماً ملتزمون بوعدنا ، ولن يكون لديكِ أى شكوى منا 


هزت ميس رأسها بخفة وإبتسمت كما تطلبها الذوق فى رد إبتسامة الرجل وما أن تم توقيع الإتفاقية بينهم ، اعتذرا مغادران وقبل أن تحث ميس صديقتها على القيام لترحلان ، رآت عمران وهو جالساً حول تلك الطاولة بأخر المطعم ، ولكن ليس هذا ما جعلها تعود وتجلس بمقعدها ثانية ، بل رؤيتها لتلك المرآة التى تضع يـ ـدها على يـ ـده ، وكأن أحدهم طعنها بالصميم 


ربتت صديقتها على ذرا عها وهى تقول بإهتمام :

- مالك يا ميس فى إيه مش هنمشى ولا إيه 


أنتبهت ميس على قول صديقتها ، فأبتسمت بإرتباك وما لبثت أن عادت بنظرها لطاولة زو جها 


ما زال عمران كما هو جالساً يدير رأ سه تجاهها ولم ينتبه على وضع ليالى ليـ ـدها على يـ ـده ، وكأن المكان أصبح خالياً إلا من وجودها ، كأنهما بمفردها بذلك المطعم الفسيح ، وأن أذنيه لم تعد تسمع الموسيقى الناعمة التى تصدح بالمكان ، ولا يرى الزبائن والحركة المفرطة من العاملين لتلبيه طلبات أصحاب الطاولات 


هب واقفاً فقطبت ليالى حاجبيها بدهشة من إنتفاضه المفاجئ ، وما أن إبتعد عن الطاولة وقبل أن تسأله عما أصابه ، سمعت رنين هاتفها ، فرفعت الهاتف لأذنها قائلة بصوت خافت:

- ألو مين حضرتك 


- أنا اللى هطلع روحك يا ليالى بس لما تقعى فى إيـ ـدى


جاءتها تلك الجملة بنبرة خافتة كالهسيس ، فألقت الهاتف من يـ ـدها برعب وأتسعت حدقتيها وراحت تبحث بعيـ ـنيها عن عمران ، كأنه هو حبل نجاتها ومن يستطيع أن يرد عنها ذلك الشر والخطر المحدقان بها 


ولكن عمران قد كان ترك الطاولة وأقترب من طاولة ميس وكأن كل خطوة يخطيها تجاهها تسلبها نفساً من أنفاسها ، حتى وجدته ماثلاً أمامها قائلاً وهو ينظر بعيـ ـنيها :

- منورين المكان 


تنقلت صديقتها ببصرها بينها وبين وعمران ، فنهضت عن مقعدها وهى تقول بإبتسامة هادئة:

- ميس أنا هستناكى برا فى العربية 


تمنت ميس لو أن تقبض على يـ ـد صديقتها لتمنعها الحركة ، ولكن كأن أمنيتها تلك تم إدراجها تحت بند المستحيل ، إذا إبتعدت صديقتها عن الطاولة بينما ظلت هى جالسة وعمران يقف على مقربة منها ، وبتذكرها لما رآته منذ قليل ، كزت على أسنانها من خلف شـ ـفتيها الأنيقتين وقالت بسخرية :

- سيبت الزبونة ليه يا عمران ، باين عليها عيزاك ، بتبصلك أوى شكلها مستنياك ترجعلها 


أنحنى عمران وأسند كفيه على الطاولة وهمس قريباً من وجـ ـهها :

- أنتى عارفة مين دى يا ميس دى ليالى فكراها ؟


أتسعت حدقتىّ ميس بسماع إسمع تلك المرأة ، فشعرت بجفاف فى حلقها وهى تقول بدهشة :

- ليالى ! هو أنت كنت بتشوفها وبتقابلها المدة دى كلها يا عمران 


تركت سؤالها دون إنتظار أن تسمع إجابته ، بل هرولت بخطواتها وخرجت من المطعم ودموعها تلح عليها ، كأنها شعرت بالخيانة ، وكيف لها أن تنسى تلك المرآة التى كانت السبب فى إكتشافها لغيرتها وحبها لعمران ما أن رآتها أول مرة وهى تعرض نفسها عليه دون خجل . هل كان يقابلها كل هذا الوقت بعد إنفصالهما ؟ و كيف إستدل على مكانها وهو من قال أنها لاذت بالفرار من الشقة ولم يعد يعلم أين ذهبت ، هل كان يخدعها ؟ فما رآته اليوم جعلها تفكر هل أن تلك المرأة عادت وبنيتها إتمام ما عجزت عن فعله منذ رؤيتها لعمران أول مرة ؟ فإن حدث هذا حقاً لا تعلم كيف سيكون شعورها وإحساسها وقتها ، ولكن تعلم شئ واحد وهو أنها ستشعر بالسوء ، فمثلما نجحت ليالى أول مرة بجعلها تكتشف حبها وعشقها لعمران ، نجحت الآن بجعلها تشعر بالغيرة مرة أخرى ، وهى من كانت تظن أنها لن تعود وتشعر بها تجاهه ، ولكنها عادت تقنع ذاتها بأنها ليست إمرأة غيورة بل تشعر بالإهانة ليس أكثر لإستبدالها هى بتلك المرأة سيئة السلوك ، ولكن بما تفسر ذلك الشعور بالإحتـ ـراق فى قلبها منذ رؤيتها لهما سوياً ؟ 

❈-❈-❈


صوت آنة خافتة أفلتت من بين شـ ـفتيه الجافتين وهو يستلقى على فراشه الذى تركه منذ عدة أيام أى منذ ذهابه للمشفى ، ومازال الضعف والوهن والهزال باديين على قسمات وجـ ـهه ، ولكن كل ذلك لم يمنعه من أن يبتسم لأبنة شقيقه التى ساعدته فى أن يجلس فى الفراش بإرتياح ، فدائماً ما كانت سوزانا منذ صغرها تقوم بمهام الإبنة له ، نظراً لأنه هو من رباها هى وشقيقها بعد وفاته أبيهما وأنه هو عمها ووالد زو جها الحبيب الذى رحل عن عالمها مبكراً ، وتمتعها بتلك المكانة الفريدة بقلب عمها منحتها إمتيازات عدة ، مثل أنها هى من تعتنى به وبالمنزل بعد رفض حياء تحملها تلك المسئولية بعدما رحل راسل وأكتفت بأن تكون كإبنتها ميس وأن تغدقها بعنايتها كما تعتنى بالجميع بطباعها الأرستقراطية والمخملية 


حتى وإن كانت تبدو سوزانا للرائى منذ الوهلة الأولى ، بأنها إمرأة صلبة ومتعنتة أحياناً بإلتزامها بأمور سيدة القصر ، إلا أن من داخلها إمرأة طيبة ودمثة الأخلاق إلا مع فرد واحد فقط من العائلة وهو راسل إبن عمها وشقيق زو جها وجدى ، على الرغم من أنها أحبت إبنته ورحبت بقدوم وفاء للعيش معهم بل وأحبت حياء زو جته أيضاً ، ولكنها لم تستطيع تقبل تصرفاته المتقلبة والتى كان تتسم سابقاً كما نعتته دائماً بالسوقية وعدم التمدن وأنه سيظل متأثراً بكونه إبنًا لتلك المرأة التى كان والدها عاملاً بإحدى شركات تلك العائلة الثرية 


- أنا عيزاك تخلص أكلك كله يا عمى ماشى 


قالت سوزانا وهى تضع تلك المنضدة الصغيرة الخاصة بالطعام أمام رياض ، بل أنها وضعت الملعقة بطبق الحساء الشهى الذى أعدته من أجله ، ورفعتها وقربتها من فـ ـمه حتى أبتلعه ، وعادت الكرة مراراً وهى تبتسم ، حتى أنهى نصف طبق الحساء تقريباً


ولكنه إنتبه على أنها ليست على سجيتها ، بل كأنها تخفى عنه أمرًا ، فمسح فمه بالمحرمة القطنية ونظر إليها متسائلاً :

- مالك يا سوزانا فيه إيه حاسس كده كأنك مخبية عليا حاجة ، ثم هم فين اللى فى البيت ، أنا رجعت مع عاصم وغزل من المستشفى وسيبت راسل وميس هناك ، بس فين حياء وسجود والست وفاء مشوفتش حد من اللى قاعدين هنا هم راحوا فين


ضمت سوزانا شـ ـفتيها ولا تعلم بما تخبره ، فلعل عدم وجود أحد من ساكنى هذا البيت بذلك التوقيت الذى عاد به رياض من المشفى ، كان الأنسب حتى يكون لديها الوقت الكافى لترتيب حديثها ، والذى ما أن تتفوه به ستندلع ثورة عمها لا محالة ، فخروج وفاء بسجود وساندرا والصغير ، ساهم فى أن تختلق أعذارًا مقبولة 


فازدردت لعابها وردت قائلة بتوتر :

- سجود خرجت مع جدتها وفاء ، وحياء شكلها خرجت مع أخوها ديفيد أصله رجع من السفر وأنت قولت راسل وميس فى المستشفى وعاصم وغزل فى أوضتهم تحب أندهملك 


توترها البادى على وجهها والظاهر بإرتجاف صوتها ، جعله يشد على يـ ـدها وهو يقول بهدوء مميت:

- سوزانا فى إيه ومخبية عليا إيه ، أنا أكتر واحد عارفك ، دا أنتى تربية إيـ ـدى ومتحاوليش تكذبى لأن كده كده هعرف ، فقولى فى إيه 


أنفرجت شـ ـفتيها وقالت بنبرة متقطعة :

- هـ ـو هو الصـ ـراحة يعنى يا عمى أن فى حاجة حصلت بس لو عرفتها ممكن تزعلك ، فأنا مش عايزة أضايـ ـقك وأنت لسه خارج من المستشفى 


أعطاها الإذن بأن تبوح بما لديها مع وعد منه بأن لا يثور أو يصدر منه رد فعل يتنافى مع كونه مازال مريضاً بحاجة للراحة ، فمسحت سوزانا وجـ ـهها وقالت بدون مقدمات من غير فائدة :

- الصراحة أن راسل لما رجع من كندا مرجعش لوحده لاء رجع معاه واحدة بيقول أنها مراته وكمان معاه طفل بيقول إن إبنه وإسمه ساجد


تهدلت قسمات وجه رياض بعد سماع ما تفوهت به إبنه شقيقه ، فإنتفض من الفراش بعدما كان جالساً يستند بظهره للوسائد الوثيرة ، فصاح قائلاً بإستنكار :

- بتقولى إيه أتجوز وخلف 


أسرعت سوزانا بحمل منضدة الطعام ، قبل أن تنسكب محتوياتها على أغطية الفراش بعد إنتفاض عمها المفاجئ ، وضعت المنضدة من يـ ـدها وعادت إليه تربت على صـ ـدره تحثه على عدم الإنفعال الذى سيأتى بمردود عكسى على صحته ، التى مازالت بفترة النقاهة 


فنشادته وهى على وشك أن تبكى :

- عمى أرجوك إهدى علشان صحتك ، أنت ممكن يجرالك حاجة ، يا ريتنى ما قولتلك ، أبوس إيـ ـدك إهدى 


قبـ ـلت سوزانا رأسه وهى ترجوه بأن يكف عن إنفعاله ، فإكراماً لها ولرجاءها ، عاد لجلسته المريحة ، ولكن من داخله يشعر ببراكين الغيظ من ولده ، فهل عاد لينقذه أم ليقضى عليه بصورة نهائية ، فهو لا يخطئ عندما يدعوه بأنه خطيئة عمره والتى لن تغتفر أبداً


عادت وتيرة أنفاسه لوضعها الطبيعي ، ووضع يـ ـده على صـ ـدره يشعر بوخز من تخيله لما حدث لحياء أثناء غيابه :

- وهى فين حياء يا سوزانا ، هو وجعها وتعبها صح ؟ حصلها إيه لما شافته وعرفت اللى عمله 


جلست سوزانا بجواره وقصت عليه كل ما حدث بالبيت أثناء غيابه عنه ، ووصفت له مدى تلك المعاناة التى عانتها حياء بعد رؤيتها لراسل ، بل وأخبرته أنها طلبت من شقيقها أن يقيم معهم بالمنزل ، ولم يستطع أحد منهم أن يفسر سبب فعلتها تلك 


ما أن أنتهت سوزانا من سرد تلك الأحداث المؤسفة التى حدثت لزو جة ولده ، نظر لهاتفه وهو يقول بإرهاق :

- كلمى حياء خليها تيجى يا سوزانا عايز أشوفها خليها تيجى بسرعة 


أطاعته سوزانا وأخذت هاتفه وتحدثت مع حياء وأخبرها بضرورة العودة للمنزل لرغبة عمها فى أن يتحدث معها ، فوضعت الهاتف مكانه بعدما أنهت المكالمة وأخبرتها حياء بأنها بطريقها للبيت ، وبعد نصف ساعة وصلت حياء بسيارتها للقصر ودلفت لغرفة رياض بعدما دقت الباب بتهذيب 


إبتسمت له وقالت بإهتمام صادق :

- حمد الله على السلامة يا عمى نورت البيت من تانى ، ألف الحمد لله على سلامتك 


أشار لها رياض بالجلوس على ذلك المقعد القريب من فراشه ، وبعدما رآها تجلس بإرتياح ، رمقها بشفقة وهو يقول بصوت مثقل بشعوره بالخزى مما فعله راسل :

- ليه يا حياء مقولتليش لما كنتى بتزرونى فى المستشفى ، ليه مقولتليش على عملته السودا دى فى حقك


ردت حياء وهى تبتسم بألم :

- هقول إيه يا عمى خلاص اللى حصل حصل وهو حر فى حياته يعمل اللى هو عايزه وإحنا تقريباً متفقين على الطلاق ، وعايزاك تسامحنى فى اللى عملته أن من غيظى حولت كل أملاكه بإسمى بالتوكيل اللى كان معايا من بكرة هرجعلك كل الأملاك بإسمك ، لأن مش أنا اللى أخون الأمانة ، أنا بس كنت عايزة أعمل أى حاجة أوجعه بيها زى ما وجعنى ، ولو أنت طلبت أنا هسيب القصر من اللحظة دى ، وهاخد أخويا وأمشى هروح أعيش معاه هو وبيرى 


كل كلمة تفوهت بها كانت كنصل حاد أنغرس بقلبه حزناً على حالها الذى وصلت إليه ، يكفيه أن يسمع صوتها المعبأ بالألم والحزن ، ليعلم بأى حال هى الآن ، فرد قائلاً بتصميم وإصرار:

- خروج من البيت ده مش هتخرجى يا حياء إلا لو أنا مت ، أنتى مش بس مرات إبنى ، أنا أعتبرتك كمان بنتى وغلاوتك زى غلاوة ميس وسجود عندى ، ومتفتكريش أن أنا هعديله اللى حصل ده بالساهل ، أو إن دى تكون مكافئتك فى الأخر ، حتى لو كان هو إبنى اللى شايل دمى ، برضه مش هسيب حقك منه ، وهتفضلى حياء النعمانى سواء بيه أو من غيره ، ولازم أعرف إيه موضوع جوازه وإبنه ده كمان


لم تكن تريد أن تكون هى سبباً فى وقوع خلاف بين الأب وإبنه ، خاصة أن الأمور بين رياض وراسل هى خير من تعلم حقيقتها ، لذلك حاولت ثنى والد زو جها عن تفكيره ، فأولاً وأخيراً راسل يحمل دماءه وكنيته وليس مثلها تحمل كنية العائلة بعقد زوا ج يمكن أن يُبطل بأى وقت من الأوقات ، ولكن لا تنكر شعورها بالسعادة لوجود من يستميت بالدفاع عنها ورد حقوقها ورفع الظلم الواقع عليها من زو جها 


خرجت من غرفة رياض بعد أن شعرت بالراحة كون أن كبير تلك العائلة صار بصفها مثلما كان دائماً منذ أن عملا سوياً بصد تلك المخاطر التى كانت ستقع بها العائلة ، ولكن ذلك الوعد الذى وعدها إياه ذات مرة بأنه لن يسمح لراسل بالزوا ج من أخرى غيرها ، إستطاع راسل إفساده بأن تزو ج دون علم أحد ، ففكرت كيف سيكون الحال بينهما بعد علم والده ؟ وهل سيستمر بدعمه لها بعد أن يرى ذلك الصغير والذى من المفترض أنه وريث جديد له وليس أى وريث بل من سيستطيع مد إسمه عندما يصبح شاباً ويتزو ج وينجب بعدما كان يقتصر ذكر إسمه فى الذكور على راسل ، فتلك ميزة يحملها ساجد ولا يستطيع أحد نكرانها خاصة أن ميس إذا انجبت سيحمل أطفالها كنية عائلة أخرى وعندما تصبح سجود شابة وتتزو ج سيكون مصيرها كمصير ميس ، لذلك سيتمتع الصغير بمكانة فريدة فى نسل رياض النعمانى 

❈-❈-❈ 


لم تكن عودته لمنزل عائلته من أجل الإطمئنان على بيرى ومارجريت و جلب بعض الأوراق التى كان بحاجة إليها مبهجة على ذلك النحو الذى من المفترض أن يشعر به ، خاصة أنه ما أن أنتهى من الإطمئنان عليهما وجلب الأوراق والأغراض من غرفته وخرج منها ، وذهب لتلك الغرفة التى أحتوت على زجاجات الخمر ، ليحتسى مشروباً قبل خروجه ، وجد ذلك الرجل الذى أوصاه بمرافقة ضيفته الشابة بنزهتها وجولتها السياحية بالإسكندرية وزيارة الأماكن الأثرية ، يأتى إليه مهرولاً كأن هناك كارثة حلت عليه ، فتحققت مخاوفه عندما أخبره بأن تلك الفتاة إستطاعت خداعه وأخذت السيارة وفرت هاربة ولا يعلم أين ذهبت ؟ 


ما أن أنتهى الرجل من إخباره أخذ حذره بأن وقف بعيداً عن مرمى يـ ـد ديفيد ، الذى أحتقن وجه بدماء الغضب من تقصيره بمهمته التى كلفه بها ، فبغضب أعمى كان يلقى بالكأس من يده ، الذى أراق محتواه على تلك الأرضية الرخامية ، وصـ ـدره مازال يعلو ويهبط مما سمعه من ذلك الذى يقف بجانبه يرتجف من هول ما سيؤل إليه أمره ،بعد أن يفرغ سيده من تنفيس غضبه ،لينال هو الآخر حصته كاملة


مال ديفيد برأسه وحدق بالفراغ ، وما لبث أن إبتسم قائلاً من أثر صدمته :

- أنت عارف معنى كلامك ده إيه أن أبوها ممكن يهد الدنيا على دماغنا لو جرالها حاجة ، وأنت إزاى تضحك عليك وتهرب بالعربية وراحت فين دى 


رفع الحارس رأ سه ونظر لديفيد قائلاً وهو يرتجف :

- ديفيد بيه دا مش ذنبى هى طلبت إزازة ماية تشرب ، نزلت من العربية أشتريلها واحدة لقيتها أخدت العربية وطارت ومعرفتش أحصلها ، واتصلت على حضرتك بس أنت مردتش عليا ودورت عليك لحد ما جيت هنا ولقيتك علشان أقولك على اللى حصل 


مـ ـسح ديفيد وجـ ـهه بغيظ لعلمه بأنها فتاة متهورة بقيادتها للسيارات وربما ستتسبب فى حادث سير إذا كانت كعادتها تقود السيارة دون إعتبار للسرعة المطلوبة لتأمن سلامة من حولها ، خرج ديفيد من المنزل لعله يذهب للبحث عن تلك الرعناء ، ولكن ما أن وصل لسيارته ، سمع رنين هاتفه ووجد رقم لا يعلم لمن يعود ، ولكن ذلك لم يمنعه من الرد ، فعلم أنه رقم الإستقبال بإحدى المستشفيات وأخبره بأن فتاة تعرضت لحادث سيارة تدعى كونها صديقته ولهذا أرادوا أن يأتى ليصطحبها من المشفى 


وصل ديفيد للمشفى وهو يسبها ويلعنها بصوت هامس ، وبعد سؤاله عن تلك الغرفة التى ترقد بها ، ذهب إليها وولج للداخل وهو يصيح بها بغيظ :

- ماذا فعلتِ أيتها الحمقاء ، ولم فعلتِ أفعالك الغبية تلك ؟


وجدها تلف ضماد أبيض حول رأ سها ، ويـ ـدها اليمنى ملفوفة بضماد أيضاً ، ولكن بدا أن كل شئ على ما يرام عدا تلك الإصابات الطفيفة التى تعرضت إليها ، وما أن أقترب من الفراش ليعنفها على سلوكها الأرعن وجدها تضع ذرا عيها حول عنقه وهى تقول بإبتسامة :

- هل شعرت بالخوف على حقاً يا ديفيد ؟ فكم أعشقك يا رجل 


جذبته إليها أكثر لتعانقه ، فحل ديفيد ذرا عيها عن عنقه وهو يقول بحنق :

- أتهدى بقى هو ده وقته ، أنتى فى إيه ولا إيه 


بعدما إستطاع التخلص من تشبثها به ، أخبرها بضرورة خروجه لدفع المستحقات المالية للمشفى ، على أن يعود إليها بعد قليل ، فخرج من الغرفة وغضبه يعميه من أفعالها ، ولكن لم ينتبه لتلك التى إصطدم بها وهو غير منتبه ، وما أن أنتبه على ما حدث ، وجدها تجلس القرفصاء وبسطت يـ ـديها على الأرض تبحث عن نظارتها السوداء بإضطراب 


فانحنى ديفيد وحمل نظارتها ومد يـ ـده لها بها وهو يقول بإعتذار :

- نضارتك أهى يا أنسة أنا أسف مكنش قصدى أنا....


علقت باقى عبارته بحلقه ، كون أن صدمته برؤية تلك التى إصطدم بها جعلته يشعر كأن أحباله الصوتية أنقطعت ، بل كأن دماءه تركت شرايينه وتجمعت برأسه ليبدأ ذلك الطنين فى رأسه وأذنيه ، فلابد أن ما يحدث أمامه الآن ضرب من الخيال أو الجنون ، أو أنه يتوهم أن تلك الفتاة الجالس القرفصاء قبالتها هى حبيبته ياسمين ، ولكن صوت بكاءها أعاده لواقعه وهى تقول بإرتباك وإضطراب بنبرة هامسة :

- ماما أنتى فين 


ثوانٍ معدودة ووجد إمرأة تهرع إليهما وهى تقول بحنان وخوف :

- ياسمين يا حبيبتى أنتى إيه اللى قومك من مكانك 


طوقت والدتها كتفيها حتى إستقامت بوقفتها ، فدفنت ياسمين وجـ ـهها بصـ ـدر والدتها وهى تبكى ، فردت قائلة بنهنهة :

- تعبت من كتر القاعدة يا ماما ، فوقفت شوية بس فى حد خبط فيا ونضارتى وقعت ، بس سمعت صوت واحد كان بيديهالى هى فين ، هاتيها منه يا ماما 


نظرت والدتها لديفيد ، الذى مازال على حاله من الذهول والدهشة والصدمة ، فقالت وهى تمد يـ ـدها له لتأخذ النظارة منه :

- شكراً يا أبنى 


أخذت منه النظارة ووضعتها على وجه إبنتها العمياء وتأبطت ذرا عها ورحلتا من أمامه حتى وصلتا أخر الرواق ، إلا أنه ركض خلفهما حتى وجدهما تدلفان لغرفة طبيب العيون ، وما أن أغلقت والدتها الباب خلفها ، أسند ديفيد ظـ ـهره للجدار ، وما لبث أن أرتخت قدميه حتى سقط جالساً مكانه على أحد المقاعد 


طفرت إحدى عيـ ـنيه بعبرة حارة وهو يقول بصوت متحشرج بألم :

- ياسمين عايشة ! يعنى كانت عايشة وأنا فكرت أنها ماتت ، بس حبيبتى ياسمين بقت عمية وأنا السبب أنا السبب 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة